گروه نرم افزاری آسمان

صفحه اصلی
کتابخانه
جلد اول
فصل ( 11 ) فی تحقيق القول فی نحو وجود الحركة


قال الشيخ فی " الشفاء " : " الحركة اسم لمعنيين : الاول الامر المتصل‏
المعقول للمتحرك من المبدأ الی المنتهی . و ذلك مما لاحصول له فی الاعيان‏
لان المتحرك مادام لم يصل الی المنتهی فالحركة لم توجد بتمامها ، و اذا
وجدت فقد انقطع و بطل فاذا لاوجود له فی الاعيان أصلا بل فی الذهن ، و ذلك‏
لان المتحرك يستند الی المكان الذی تركه و الی المكان الذی أدركه ، فاذا
ارتسمت صورش كونه فی المكان الاول فی الخيال ثم قبل زوالها عن الخيال‏
ارتسمت صورش كونه فی المكان الثانی فقد اجتمعت الصورتسان فی الخيال‏
فحينئذ يشعر الذهن بأن الصورتين معا علی أنهما شی‏ء واحد ، وأما فی الخارج‏
فلايكون لها فی الوجود حصول قائم كما فی الذهن اذا لطرفان لايحصل فيهما
المتحرك فی الوجود ولا الحالة التی بينهما لها وجود قائم .
الثانی و هو الامرالوجودی فی الخارج و هو كون الجسم متوسطا بين المبدأ
والمنتهی بحيث كل حد فرض فی الوسط لايكون قبله ولا بعده فيه ، وهو حالة
موجودش مستمرش مادام كون الشی‏ء متحركا ، وليس فی هذه الحالة تغير أصلا بل‏
قد يتغير بحدود المسافة بالعرض لكن ليس المتحرك متحركا لانه فی حد معين‏
من الوسط ، والا لم يكن متحركا عند خروجه منه بل لانه متوسط علی الصفة
المذكورش ، و تلك المحالة ثابتة فی جميع حدود ذلك الوسط ، و هذه الصفة
توجد
فی المتحرك و هو فی آن لانه يصح أن يقال له فی كل آن يفرض فی حد متوسط
لايكون قبله ولا بعده فيه .
والذی يقال من أن كل حركة ففی زمان ، فاما أن يعنی بالحركة الامرالمتصل‏
فهو فی الزمان و وجودها فيه علی سبيل وجود الامور فی الماضی و ان كان‏
يباينها بوجه فان الامور الموجودش فی الماضی قدكان لها وجود فی آن من‏
الماضی كان حاضرا فيه ولا كذلك هذا ، وان عنی به المعنی الثانی فكونه فی‏
الزمان لاعلی معنی انه يلزم مطابقة الزمان بل علی معنی انه لايخلو من حصول‏
قطع و ذلك القطع مطابق للزمان فلا يخلو من حدوث زمان ، ولانه ثابت فی كل‏
آن من ذلك الزمان فيكون ثابتا فی هذا الزمان بواسطته " . هذا كلامه و
فيه موضع أبحاث نقضا و احكاما .
الاول : انا نقول :

[ لكل شی‏ء و منها الحركة وجوده الخاص به ]


لكل ماهية نحو خاص من الوجود ، و كونها فی الاعيان عبارش عن صدقها علی‏
أمر و تحقق حدها فيه كما ذكره الشيخ فی باب المضاف ، وانه موجود فی‏
الخارج بمعنی أنه يصدق حده علی أشياء كثيرش فيه ، ولا يعنی بموجودية الشی‏ء
الا ذلك ، و من هذا القبيل ماهية الحركة والزمان والقوی والاستعدادات و
غيرها . و العجب ان الشيخ ذاهب الی وجود الزمان المتصل فی الخارج لانه‏
الذی ينقسم الی السنين والشهور والايام والساعات ، والحركة بالمعنی الاول‏
يطابقه ، والحركة عنده محل الزمان و علته ، فالمعدوم كيف يكون محلا
للموجود و علة له .

[ القول باستمرار الحركة تبعا لاستمرار الجسم ]


الثانی : انا نقول : لعل غرض الشيخ من نفی وجود الحركة بالمعنی الاول‏
ان الحركة وصف للجسم ، والجسم جوهر ثابت موجود فی كل آن من زمان وجودهوالحركة لاوجود لها فی الان ، ولو كان ذلك المعنی نعتا للجسم يلزم‏
وجودالحركة فی كل آن يوجد فيه الجسم المنعوت به ، لاستحالة انفكاك‏
الموصوف عن الصفة التی وصف بها عنه حين وصف بها ، فالموجود من الحركة
هو المعنی الاخر لاستمراره كاستمرار الجسم لاالمعنی الاول لتبدله و تجدده مع‏
ثبات الجسم .
لكنا نقول ( 2 ) : ان محل الحركة و قابلها ليس الجسم بما هو أمر ثابت‏
، بل الجسم بواسطة اشتماله علی المادش المنفعلة المتأثرش آنا فانا ، كما
ان فاعلها أيضا سواء كانت طبيعة أوقسرا أو ارادش لابد و أن يلحقه ضرب من‏
تبدل الاحوال والحيثيات ( 3 ) ليصير بانضمام تلك الاحوال موجبا لحصول‏
الحركة فی القابل ، كما بينه الشيخ فی موضعه ، لان علةالمتغير متغير ، و
علة الثابت ثابت لامحالة ، و كذلك حكم القابل للشی‏ء .

[ عدم تصورالشيخ الحركة القطعية تصورا صحيحا ]


الثالث : ان نفی وجودالحركة بمعنی القطع مطلقا غير صحيح ( 4 ) فكيف‏
حكم بنفيها . والاولی أن يحمل كلامه علی أن ما رامه هو نفی أن يكون لوجودها
صورش فی الاعيان كوجود الامور الثابتة المستمرش الذات الغير المتجددش ،
ويرشدك الی ذلك قوله : " لايجوز أن يحصل بالفعل قائما " حيث قيد
الحصول بالقيام أعنی
قرار الذات و ثباتها ، و كذا قوله : " ولايكون لها فی الوجود حصول قائم‏
( 5 ) كما فی الذهن اذالطرفان " الی آخره ، فان ما فی الذهن منها و ان‏
كان بحسب الحدوث تدريجی الحصول لكنه دفعی البقاء بخلاف مافی الاعيان‏
منها ، فانه تدريجی الحدوث والبقاء جميعا .

[ الاعتقاد بالزمان يستلزم قبول الحركة القطعية ]


الرابع : ان نفی وجودالحركة بالمعنی الاول كما ينص عليه عبارش الشيخ‏
ههنا مناقض لماقاله فی " الشفاء " ( 6 ) فی فصل " حل الشكوك المقولة
فی الزمان " بهذه العبارش : " و أما الزمان فان جميع ماقيل فی أمر
أعدامه ( 7 ) و انه لاوجود له فهو مبنی علی أنه لاوجود له فی الان ، و فرق‏
بين أن يقال : لاوجود له مطلقا ، و بين أن يقال : لاوجود له فی آن حاصلا و
نحن نسلم و نصحح ان الوجود المحصل علی هذا النحو لايكون للزمان الا فی‏
النفس والتوهم ، و أما الوجود المطلق المقابل للعدم المطلق فذلك صحيح‏
له فانه ان لم يكن صحيحا له صدق سلبه ، فصدق أن نقول : انه ليس‏بين طرفی‏
المسافة مقدار امكان لحركة علی حد من السرعة يقطعها ( 8 ) و ان كان هذا
السلب كاذبا فالاثبات الذی يقابله صادق ، و هو ان هناك مقدار هذا
الامكان و الاثبات دلالة علی وجود الامر مطلقا و ان لم يكن فی آن أوعلی جهة
ما ، وليس هذا الوجه
له بسبب التوهم فانه و ان لم يتوهم كان هذا النحو من الوجود حاصلا ومع‏
هذا فانه يجب أن يعلم أن الموجودات منها ماهی محقةالوجود و محصلته ( 9
) ، و منها ماهی أضعف فی الوجود ، و الزمان يشبه أن يكون أضعف وجودا من‏
الحركة " انتهی كلامه .
والشيخ قدس سره أجل شأنا و أرفع محلا من أن يناقض نفسه فی كتاب واحد
اذ ظهر من كلامه أن الحركة أقوی فی الوجود مما يوصف فی الاعيان بنحو من‏
الوجود مطلقا أعنی الزمان فيكون لها وجود فی الاعيان بالضرورش ، كيف و هو
علة الزمان و محله فيكون أولی بالوجود كما نص عليه ، فعلم أن معنی ما
رامه من نفی وجودالحركة هوالذی أومانااليه .

[ وجودالحركة التوسطية غير مسلم ]


الخامس : ان الحركة بمعنی التوسط المذكور لاوجود له فی الاعيان لانه كلی‏
، والكليات بماهی كليات أی معروضة للعموم والاشتراك غير موجودش فی‏
الخارج فالموجود من الحركة المعينة هی الحصول فی حد معين و ذلك أمر آنی‏
، و لهذا ذهب جمع الی أن الحركة حصولات متعاقبة فی حدود من المسافات‏
متتالية فيلزم تتالی الانات و تشافع الحدود ، و هو باطل . كيف ولوكان‏
كذلك لم يكن كل واحد من تلك الحصولات كمالا أوليا بل هو الكمال الثانی‏
لان الحركة هوالسلوك الی الحصول فی حد معين والطلب له ، لا أنه نفس ذلك‏
الحصول ، اذ طلب الشی‏ء ليس ذلك الشی‏ء بعينه ، والسلوك اليه غيرالحصول‏
فيه .
والجواب : ان الحركة بهذا المعنی و أن كان لها ابهام بالقياس الی‏
الحصولات الانية والزمانية التی يعتبرها العقل الا أنها مع ذلك لها تعين‏
من جهة تعين الموضوع و وحدش المسانة ، و وحدش الزمان و الفاعل المعين‏
والمبدأ الخاص والمنتهی الخاص ، و هی أيضا كما مر من الموجودات الضعيفة الوجود فيكفيها
من التعين هذا القدر و ان كان فيها ضرب من الاشتراك ، فان نسبة تلك‏
الحصولات الی معنی التوسط المستمرنسبة الجزئيات الی الكلی ، ونسبتها الی‏
معنی القطع المتصل نسبةالاجزاء والحدود الی الكل .

[ اشكال فی الحركة القطعية والجواب عنه ]


السادس : ان لقائل أن يقول : الحركة اما مركبة من امور كل واحد منها
غير منقسم أصلا أوليس كذلك ، والاول باطل كما بين فی مباحث الجسم و
المقادير ، والثانی أی كونها قابلة للقسمة أبدا فالاجزاء الفرضية منها
لايوجد بأسرها دفعة لانها غير قارش فلا محالة يوجد منها شی‏ء بعد شی‏ء ،
فالجزءالموجود منها ان لم يكن منقسما : فكذلك الذی يحصل بعد انقضائه‏
مقارنا له أيضا أمر غير منقسم فالحركة اذن مركبة من امور غير منقسمة ،
هذا خلف . و ان كان منقسما كان بعضه قبل و بعضه بعد فلايكون كله حاصلا ،
فلا يكون مافرضناه حاصلا حاصلا ، هذا خلف .
أقول : هذه الشبهة من الامام الرازی و هی قريبة المأخذ مماسبق ذكره سؤالا
وجوابا ، و الغلط انما نشأ من الذهول عن أن وجودالشی‏ء مطلقا أعم من وجوده‏
فی الان ، ففی هذه الشقوق نختارالشق الاخير وهو ان الموجود من كل جزء من‏
الحركة أمر منقسم بالقوش الی أجزاء بعضها سابق و بعضها لاحق ، و هكذا
بالغاما بلغ الی حيث يقف العقل عن اعتبار التجزية والقسمة .

[ تطابق الحركة القطعية والزمان ]


السابع : ان الاتصال بين الماضی من الحركة والمستقبل منه اتصال بين‏
موجود و معدوم .
والجواب : ان الحركة والزمان من الامور الضعيفة الوجود التی وجودها يشابك عدمها ، و فعليتها تقارن قوتها ، و حدوثها عين زوالها ، فكل جزء
منها يستدعی عدم جزء آخر بل هو عدمه بعينه ، فان الحركة هی نفس زوال شی‏ء
بعد شی‏ء و حدوث شی‏ء قبل شی‏ء . وهذا النحو أيضا ضرب من مطلق الوجود كما
ان للاضافات ضربا من الوجود ، وفی وجودالحركة شكوك و شبه كثيرش ، و لها
أجوبة لانطول الكلام بذكرها ، و نصرف عنان القلم الی ماهو أهم من ذلك ‏