گروه نرم افزاری آسمان


أَ فَمَنْ کانَ عَلی بَیِّنَۀٍ مِنْ رَبِّهِ وَ یَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَ مِنْ قَبْلِهِ کِتابُ مُوسی إِماماً وَ رَحْمَۀً أُولئِکَ یُؤْمِنُونَ بِهِ وَ مَنْ یَکْفُرْ » : الثانیۀ: قوله تعالی
و بقوله: .« کتاب موسی » : استشهد من قال بمدنیتها بقوله .«2» « بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ
.« من الأحزاب »






لکن لا شاهد فیهما، بعد أن جري ذکر موسی فی کثیر من آیات مکیّۀ.
و الاحزاب إشارة الی قبائل عربیّۀ متحزّبۀ ضدّ الرسول، و قد کانت تحزّبت منذ أن شعر المشرکون بخطر نفوذ الإسلام فی الجزیرة و
.«3» سرعۀ انتشار الدعوة
صفحۀ 107 من 259
و لا شاهد علی إرادة وقعۀ الأحزاب.
.«4» « وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَیِ النَّهارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّیْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ یُذْهِبْنَ السَّیِّئاتِ » : الثالثۀ: قوله تعالی
روي أبو جعفر الطبري بإسناده عن أبی میسرة. قال: جاءتنی امرأة تبتاع منّی تمرا، فقلت لها: إنّ فی البیت تمرا أجود، فأدخلتها البیت و
أهویت إلیها أقبّلها و آتی منها ما یأتی الرجل من امرأته سوي الجماع، حتی مسست بیدي دبرها. ثم خرجت فذکرت ذلک لأبی بکر
و عمر، فقالا: استر ذلک علی نفسک و لا تخبرن أحدا. ثم ذکرت ذلک للنبیّ (صلی اللّه علیه و آله) فقال: هل جهّزت غازیا؟ قلت:
وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَیِ النَّهارِ وَ زُلَفاً مِنَ » : لا. فقال: هل خلفت غازیا فی أهله؟ قلت: لا. فقال: استغفر ربّک و صلّ أربع رکعات. ثم تلا
.«5» ثم قال: إنّها للناس عامّۀ، و فی روایۀ: نزل بها جبرئیل لساعته « اللَّیْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ یُذْهِبْنَ السَّیِّئاتِ
. و هذه الروایۀ بهذا السیاق باطلۀ عندنا البتۀ. لأنّها تجرئۀ علی المعاصی، ( 1) مجمع البیان: ج 5 ص 146
. 2) هود: 17 )
. 3) تفسیر التبیان: ج 5 ص 461 )
. 4) هود: 114 )
.83 - 5) تفسیر الطبري: ج 12 ص 82 )
ص: 182
فلیفعل أيّ إنسان ما یرید ثم یعمد الی صلاة یصلیها لتکون کفّارة عن کلّ ذنب یقترفه. هذا فضلا عن التهافت فی نفس الروایۀ و عدم
انسجامها مع الآیۀ، و هو دلیل آخر علی وهنها. و أخیرا ففی أکثر الروایات: ثم تلا علیه الآیۀ، و لیس فیها أنّها نزلت حینذاك. کما
روي غیر هذه الاقصوصۀ أیضا.
و الصحیح عندنا: أن سورة هود مکیّۀ بأجمعها، نظرا لوحدة سیاقها المنتظم علی اسلوب تقریعی بدیع یتناسب و الدعوة فی مکۀ.
-6 سورة یوسف: مکیّۀ
قال جلال .«1» « لَقَدْ کانَ فِی یُوسُفَ وَ إِخْوَتِهِ آیاتٌ لِلسَّائِلِینَ » : 3) و قوله - فی المصحف الأمیري: استثناء ثلاث آیات من أوّلها ( 1
قلت: و نحن نربأ بمثل العلّامۀ أبی عبد اللّه الزنجانی أن یتابع ثبت المصحف المصري من غیر «2» الدین: و هو واه جدا، لا یلتفت إلیه
و فضح الأمر أوضح من أن یستره وهم. .«3» تحقیق، فیسجّله فی کتابه القیم
-7 سورة إبراهیم: مکیّۀ
قال الزرکشی: سوي آیتین نزلتا فی قتلی بدر من المشرکین و هما قوله تعالی:
.«4» « أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ کُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ. جَهَنَّمَ یَصْلَوْنَها وَ بِئْسَ الْقَرارُ »
و الأصل فی ذلک: ما روي عن سعد، عن عمر بن الخطاب قال: الذین بدّلوا نعمۀ اللّه کفرا، هما: الأفجران من قریش: بنو المغیرة و بنو
. امیّۀ. أمّا بنو ( 1) یوسف: 7
. 2) الإتقان: ج 1 ص 15 )
. 3) تاریخ القرآن لأبی عبد اللّه الزنجانی: ص 28 )
. 29 . البرهان: ج 1 ص 200 - 4) إبراهیم: 28 )
صفحۀ 108 من 259
ص: 183
المغیرة فکفیتموهم یوم بدر. أو قال: استأصلهم اللّه یوم بدر. و أمّا بنو امیّۀ.
.«2» و هکذا روي عن الإمام الصادق، و زاد، بلی هی قریش قاطبۀ «1» فمتّعوا الی حین
لکن لا دلالۀ فی ذلک علی أنّهما نزلتا یوم بدر أو بعده. و إنّما کانت وقعۀ بدر مصداقا من مصادیق البوار الذي أنذروا به. أمّا
المصداق الأوفی فهی جهنم یصلونها و بئس القرار. فهذا الاستثناء کان نتیجۀ عدم التدبّر فی تأویل الآیۀ بزعم أنّه السبب الداعی
للنزول!
-8 سورة الحجر: مکیّۀ
لما أخرجه الترمذي: أنّها .«3» « وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِینَ مِنْکُمْ وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِینَ » : قال جلال الدین: و ینبغی استثناء قوله تعالی
.«4» نزلت فی صفوف الصلاة
«5» «... وَ لَقَدْ آتَیْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِی » : و قال الحسن: إلّا قوله تعالی
.«6» « کَما أَنْزَلْنا عَلَی الْمُقْتَسِمِینَ. الَّذِینَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِینَ » : و قوله تعالی
و کذا ،« وَ إِنَّا لَنَحْنُ نُحْیِی وَ نُمِیتُ وَ نَحْنُ الْوارِثُونَ » : قلت: سیاق الآیۀ یأبی حملها علی صلاة الجماعۀ. بشاهد قوله تعالی قبل هذه الآیۀ
أمّا روایۀ «7» و إنّما المعنی: و لقد علمنا بالأموات الماضین و بالأحیاء الباقین ،« وَ إِنَّ رَبَّکَ هُوَ یَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَکِیمٌ عَلِیمٌ » : الآیۀ بعدها
. الترمذي فهی مقطوعۀ و فی اسنادها ضعف، مضافا الی عدم انسجامها مع الآیۀ. ( 1) تفسیر الطبري: ج 13 ص 146
. 2) تفسیر العیاشی: ج 2 ص 229 ح 22 . و تفسیر الصافی: ج 1 ص 888 )
. 3) الحجر: 24 )
. 4) الإتقان: ج 1 ص 15 )
. 5) الحجر: 87 )
. 91 . مجمع البیان: ج 6 ص 326 - 6) الحجر: 90 )
. 7) راجع تفسیر الطبري: ج 14 ص 16 و 18 )
ص: 184
و امّا استثناء الآیۀ رقم: 87 فمستند الی قول مجاهد: إنّ سورة الفاتحۀ نزلت بالمدینۀ. و تقدّم انّها هفوة منه، و الإجماع علی خلاف قوله
.«1»
لکنّه زعم باطل، لأنّ الیهود «2» و أمّا آیۀ المقتسمین، فزعموها نزلت فی الیهود و النصاري ممّن آمنوا ببعض القرآن و کفروا بالبعض
لم یؤمنوا بالقرآن إطلاقا، و لم یکونوا هم المنزل علیهم. نعم کان إیمانهم بالکتب النازلۀ علیهم کذلک یؤمنون بالبعض و یکفرون
بالبعض.
و الصحیح أنّ الآیۀ المذکورة نزلت فی المشرکین الذین جعلوا من القرآن بعضه سحرا و بعضه أساطیر الأوّلین و بعضه مفتري و غیر
.«3» ذلک، و کانوا یتفرّقون علی أبواب مکّۀ یصدّون الناس عن القرآن و یقولون علی اللّه الکذب
.«4» و قد روي العیاشی عن الإمامین الباقر و الصادق (علیهما السلام): أنّها نزلت فی قریش
-9 سورة النحل: مکیّۀ
صفحۀ 109 من 259
.«5» «... وَ الَّذِینَ هاجَرُوا فِی اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا » : قال قتادة: إلّا قوله
.«6» و قیل: الی آخر السورة نزلن بالمدینۀ
الی آخر السورة- و هن ثلاث آیات- نزلن فی حادثۀ «... وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ » : و عن عطاء بن یسار: استثناء قوله
. 1) راجع الإتقان: ج 1 ص 12 ) .«7» ( أحد، بعد مقتل حمزة (علیه السلام
. 2) تفسیر الطبري: ج 14 ص 42 )
. 3) راجع المیزان: ج 12 ص 205 )
. 252 ، ح 43 و 44 - 4) تفسیر العیاشی: ج 2 ص 151 )
. 5) النحل: 41 )
6) الإتقان: ج 1 ص 15 . و فی مجمع البیان: ج 6 ص 347 نسبه الی الحسن و قتادة. )
. 7) الدر المنثور: ج 4 ص 135 )
ص: 185
.«2» نزلتا بالمدینۀ «1» *« وَ لا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِیلًا ... الی قوله: بِأَحْسَنِ ما کانُوا یَعْمَلُونَ » : و فی روایۀ عن ابن عباس قوله
قلت: أمّا الآیۀ رقم 41 و 42 فلا دلالۀ فیها علی أنّ المراد هی الهجرة الثانیۀ الی المدینۀ، بل الظاهر منها أنّها: الهجرة الأولی الی الحبشۀ،
و أمّا القول بنزول ما بعد آیۀ الأربعین الی آخر السورة بالمدینۀ فلا مستند له و سیاق الآیات أیضا «3» کما روي ذلک عن قتادة أیضا
ینافیه.
و أمّا الآیۀ رقم 95 و 96 فقیل: نزلت بشأن امرئ القیس الکندي، کان قد غصب أرضا من عبدان الأشرع الحضرموتی. فشکاه الی النبی
و هذه القصۀ وقعت بالمدینۀ! .«4» (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فأنکر امرؤ القیس، فاستحلفه فاستعظم أن یحلف کاذبا، فنزلت الآیۀ
لکن القصۀ لم تثبت، و لهجۀ الآیۀ عامّۀ، و سیاقها یشهد بانسجامها الوثیق مع آیات قبلها، تهدف تقریعا عنیفا باولئک المشرکین
توکیدا « وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ » المعاندین. و ملاحظۀ عابرة بالآیۀ تجعلنا نطمئن بأنّها مرتبطۀ تمام الارتباط مع الآیۀ رقم: 91
منها، و تثبیتا بموقف المؤمنین آنذاك، فلا یشتروا بما عاهدوا اللّه علیه ثمنا بخسا: عرض هذه الحیاة الدنیا، تجاه ما اعدلهم من عظیم
.«5» الأجر و الثواب و حسن الخاتمۀ
فقد اختلف المفسّرون فیها علی ثلاثۀ أقوال: « وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَیْرٌ لِلصَّابِرِینَ » *** و أمّا آیۀ
الأوّل: أنّها نزلت یوم أحد، عند ما وقف النبیّ (صلی اللّه علیه و آله) علی حمزة و قد مثّل به، فما کان أوجع لقلبه الکریم، فقال: أما و
.96 - اللّه لامثّلنّ بسبعین، ( 1) النحل: 95
. 2) مجمع البیان: ج 6 ص 347 )
. 3) الدر المنثور: ج 4 ص 118 )
. 4) مجمع البیان: ج 6 ص 384 )
. 5) راجع الدر المنثور: ج 4 ص 129 )
ص: 186
أو قال: بثلاثین منهم مکانک! و هکذا لمّا سمع المسلمون ذلک، قالوا: لئن أمکننا اللّه منهم لنمثّلنّ بالأحیاء منهم فضلا عن الأموات، و
قال بعضهم: لنمثّلنّ بهم مثلۀ لم یمثّلها أحد من العرب! فنزل جبرئیل بالآیۀ، فکفّر النبیّ (صلی اللّه علیه و آله) عن یمینه و أمسک عن
الذي أراد.!
صفحۀ 110 من 259
الثانی: أنّها نزلت یوم الفتح، فهمّ المسلمون أن یقعوا فی المشرکین، و یقتلوهم شرّ قتلۀ، تشفّیا بما کانوا فعلوا بهم یوم أحد: کان قد
اصیب من الانصار یومذاك أربعۀ و ستون، و من المهاجرین ستۀ منهم حمزة بن عبد المطلب، و قد مثّل بهم المشرکون! فقالت
الأنصار: لئن أصبنا منهم یوما مثل هذا لنربینّ علیهم، فلمّا کان یوم فتح مکۀ، و أمکن اللّه المسلمین من المشرکین، نزلت الآیۀ للأخذ
من حدّة المسلمین، و أن لا یتجاوزوا حدود ما أنزل اللّه! الثالث: أنّها عامّۀ فی کلّ ظلم، یحاول المظلوم الانتقام من الظالم، بعد ما
یمکّنه اللّه منه.
و هذه الآیۀ جاءت مزیجۀ بین الانتقام العادل و الصفح الجمیل، الأمر الذي یتناسب مع حالۀ المسلمین یوم کانوا بمکۀ. و من ثم قالوا:
و قوله: « وَ قاتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ الَّذِینَ یُقاتِلُونَکُمْ وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا یُحِبُّ الْمُعْتَدِینَ » : إنّها منسوخۀ بآیۀ القتال. و هی نظیرة قوله تعالی
نزلت أوائل عهد المسلمین بالمدینۀ. «1» « فَإِنْ قاتَلُوکُمْ فَاقْتُلُوهُمْ »
و هذا الرأي الأخیر هو الصحیح، نظرا الی سیاق الآیۀ نفسها، و مناسبتها الوثیقۀ مع آیات قبلها و بعدها:
. 1) البقرة: 190 و 191 ) .«... ادْعُ إِلی سَبِیلِ رَبِّکَ بِالْحِکْمَۀِ وَ الْمَوْعِظَۀِ الْحَسَنَۀِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ » : قال تعالی
ص: 187
.«... وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ »
.«1» « وَ اصْبِرْ وَ ما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَ لا تَحْزَنْ عَلَیْهِمْ وَ لا تَکُ فِی ضَیْقٍ مِمَّا یَمْکُرُونَ »
و هذه الآیۀ جاءت تصبّر النبیّ (صلی اللّه علیه و آله) علی أذي المشرکین و تسلّیه عن حزنه علیهم لا حزنه منهم، و هو دلیل علی أنّ
الآیۀ نزلت یوم کان المشرکون صمودا تجاه دعاء النبیّ (صلی اللّه علیه و آله) و متعرّضین أذاه. و کانت نفوس مؤمنۀ تأبی تحمّل
.«2» الضیم، و تحاول الانتقام منهم مهما کلّف الأمر
-10 سورة الإسراء: مکیّۀ
.107 ،88 ،85 ،81 ،80 ،79 ،78 ،77 ،76 ،75 ،74 ،73 ،60 ،57 ،33 ،32 ، قالوا: فیها سبع عشرة آیۀ نزلن بالمدینۀ، و هن: 26
و هذه مبالغۀ فی القول، لا سند لأکثرها، و إلیک بعض التفصیل:
.«3» « وَ آتِ ذَا الْقُرْبی حَقَّهُ وَ الْمِسْکِینَ وَ ابْنَ السَّبِیلِ وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِیراً » : الآیۀ الأولی: قوله تعالی
.«4» قیل: نزلت بالمدینۀ بعد ما فتح اللّه خیبر علی رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) فأعطی فاطمۀ فدکا
و أخرج أبو جعفر الطبري عن السدّي عن أبی الدیلم، قال: قال علیّ بن الحسین (علیهما السلام) لرجل من أهل الشام: أقرأت القرآن؟
قال: نعم! قال:
قال: و إنّکم للقرابۀ التی أمر اللّه جل ثناؤه أن یؤتی حقّه؟ قال (علیه السلام): نعم ؟« وَ آتِ ذَا الْقُرْبی حَقَّهُ » : أ فما قرأت فی بنی إسرائیل
. 1) النحل: 125 و 126 و 127 ) .«5»
. 2) راجع مجمع البیان: ج 6 ص 393 . و الدر المنثور: ج 4 ص 135 )
. 3) الاسراء: 26 )
. 4) الدر المنثور: ج 4 ص 177 . و مجمع البیان: ج 6 ص 411 )
. 5) تفسیر الطبري: ج 15 ص 53 )
ص: 188
و أخرج الحافظ الحسکانی حدیث نزول الآیۀ بشأن إعطاء رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) فاطمۀ (علیها السلام) فدکا، بأسانید و
صفحۀ 111 من 259
.«1» طرق عدیدة
قلت: و لکن ظاهر الآیۀ کونها شریعۀ عامّۀ، وظیفۀ لکلّ مسلم، و جاءت مجملۀ بوجوب الإنفاق علی ذوي القربی و المساکین، کما هو
طابع التشریعات المکیّۀ، ثم فصّلت حدودها بعد الهجرة بالمدینۀ.
و الآیۀ بعمومها شاملۀ للنبیّ (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فهو أیضا مأمور بمواصلۀ الأرحام و الإنفاق علیهم و علی الفقراء، کأحد
المسلمین.
إذن فالآیۀ- لعلّها- نزلت للمرة الثانیۀ بعد فتح خیبر، و بعد ما أفاء اللّه علی رسوله و المؤمنین، نزل بها جبرئیل یذکّره بها وجوب
مواصلۀ قرباه، فدعی فاطمۀ (علیها السلام) و أعطاها فدکا، و لا دلیل علی أنّ الآیۀ نزلت- فی أوّل نزولها- حینذاك.
أو لعلّ الآیۀ التی نزلت بخیبر، بشأن مواصلۀ القربی، کانت غیرها:
ما أَفاءَ اللَّهُ عَلی » : بالشام- أیضا- عن علی بن الحسین زین العابدین (علیه السلام) فی قوله تعالی « منهال بن عمرو » فقد ورد فی حدیث
.«2» « رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُري فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبی وَ الْیَتامی وَ الْمَساکِینِ وَ ابْنِ السَّبِیلِ
و أهل القري: هم بنو قریظۀ و بنو النضیر. و القري، هی: فدك و خیبر و عرینۀ و ینبع، أصبحت غنائم فی ید المسلمین. و قد نزلت الآیۀ
.«3» بشأنها حینذاك
فلو صحّ أنّ جبرئیل (علیه السلام) جاء بالآیۀ الأولی أیضا، فهو تذکیر للنبیّ (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بحکم سابق، و تأکید لحکم
.341 - حاضر. هذا إذا لم یکن الراوي قد اشتبهت علیه إحدي الآیتین بالأخري!*** ( 1) شواهد التنزیل: ج 1 ص 338
. 2) الحشر المدنیۀ: 7 )
161 . و جاء فی الدر المنثور: ج 6 ص 189 إشارة. - 3) مجمع البیان: ج 9 ص 260 )
ص: 189
.«1» « وَ لا تَقْرَبُوا الزِّنی إِنَّهُ کانَ فاحِشَۀً وَ ساءَ سَبِیلًا » : الآیۀ الثانیۀ: قوله تعالی
.«2» *« وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِی حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ » : الآیۀ الثالثۀ: قوله تعالی
.«3» و القائل باستثناء هاتین الآیتین لم یعلل استثناءه بشیء
و لعلّه نظر الی ظاهر تشریع حرمۀ الزنا و قتل النفس، حیث کان تشریع الأحکام بالمدینۀ! لکن فاته أن تحدیدات الحدود و تفاصیل
الأحکام جاءت بالمدینۀ، أمّا اسس الشریعۀ و کلیّات الأحکام فی صورها الإجمالیۀ فقد جاءت فی سور مکیّۀ و بمکۀ کثیرا. و هاتان
الآیتان جاءتا بمکۀ علی نفس النمط.
و قال الضحّاك .«4» - وَ لا تَقْرَبُوا الزِّنی نزلت یوم لم تکن حدود. فجاءت بعد ذلک فی سورة النور- و هی مدنیّۀ » : قال السدّي: آیۀ
فی آیۀ القتل: کان هذا بمکۀ، و النبیّ (صلی اللّه علیه و آله) بها. و هو أوّل شیء نزل من القرآن فی شأن القتل، کان المشرکون
یغتالون أصحاب النبیّ (صلی اللّه علیه و آله) یومذاك، فهمّ أصحابه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أن یفعلوا بهم مثل ذلک، فقال جلّ
ثناؤه: من قتلکم فلا یحملنّکم عمله علی أن تقتلوا أباه أو أخاه أو أحدا من المشرکین، کما کانت العادة الجاهلیّۀ جاریۀ علی قتل الأخ
.«5» بأخیه أو آخرین من أفراد قبیلته، فلا یقتلنّ أحدکم إلّا القاتل نفسه
. 1) الاسراء: 32 ) .«6» « أُولئِکَ الَّذِینَ یَدْعُونَ یَبْتَغُونَ إِلی رَبِّهِمُ الْوَسِیلَۀَ أَیُّهُمْ أَقْرَبُ » : *** الآیۀ الرابعۀ
. 2) الاسراء: 33 )
. 3) تاریخ القرآن لأبی عبد اللّه الزنجانی: ص 28 )
. 4) الدر المنثور: ج 4 ص 179 )
. 5) الدر المنثور: ج 4 ص 181 )
صفحۀ 112 من 259
. 6) الاسراء: 57 )
ص: 190
وَ» : و الآیۀ، بقرینۀ الآیۀ قبلها تتناسب مع نزولها بمکۀ، و لم نعرف وجه هذا الاستثناء الذي جاء فی المصحف الأمیري و غیره! الخامسۀ
.«1» « ما جَعَلْنَا الرُّؤْیَا الَّتِی أَرَیْناكَ إِلَّا فِتْنَۀً لِلنَّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَۀَ فِی الْقُرْآنِ
جاء هذا الاستثناء فی کلام جلال الدین، نظرا لأنّ الآیۀ نزلت فی رؤیا رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) أهمّته، رأي بنی أمیّۀ ینزون
.«2» ( علی منبره نزو القردة فساءه ذلک، و لم یر ضاحکا حتی مات (صلی اللّه علیه و آله
هذا ... و النبیّ (صلی اللّه علیه و آله) لم یکن له منبر بمکۀ! و قد تقدّم کلامنا فی ذلک، و أنّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أري
.«3» اعتلاء دعوته المبارکۀ، و أري أیضا تطاول أیدي الغاصبین لمنصبه الإلهی فساءه ذلک
وَ إِنْ کادُوا لَیَفْتِنُونَکَ عَنِ الَّذِي أَوْحَیْنا إِلَیْکَ لِتَفْتَرِيَ عَلَیْنا غَیْرَهُ وَ إِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِیلًا. وَ » : *** السادسۀ و السابعۀ و الثامنۀ: قوله تعالی
.«4» « لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ کِدْتَ تَرْکَنُ إِلَیْهِمْ شَیْئاً قَلِیلًا. إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَیاةِ وَ ضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَکَ عَلَیْنا نَصِیراً
لا شک أنّ الآیات مکیّات، نزلن بشأن مشرکی قریش عرضوا علی النبی (صلی اللّه علیه و آله و سلم) مسالمته مع آلهتهم، فنهرهم
نهرا، و نزلت الآیات تثبیتا بموقف النبیّ (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ذاك المشرّف، و تیئیسا للمشرکین نهائیا، لئلا یطمعوا فی رسول
1) الاسراء: ) .«5» ! اللّه، و هو داعیۀ الی التوحید الخالص و نبذ الإشراك کلیّا، أن یجامل فیما یناقض دعوته الی اللّه وحده لا شریک له
.60
. 2) الدر المنثور: ج 4 ص 191 )
. 3) تقدم ذلک فی الصفحۀ: 157 )
.75 -74 - 4) الاسراء: 73 )
. 5) راجع مجمع البیان: ج 6 ص 431 . و الدر المنثور: ج 4 ص 194 )
ص: 191
و فی المصحف الأمیري و غیرهما!. «1» و لم نعرف وجها صحیحا لاستثناء هذه الآیات الثلاث، کما جاء فی کلام جلال الدین
وَ إِنْ کادُوا لَیَسْتَفِزُّونَکَ مِنَ الْأَرْضِ لِیُخْرِجُوكَ مِنْها وَ إِذاً لا یَلْبَثُونَ خِلافَکَ إِلَّا قَلِیلًا. سُنَّۀَ مَنْ قَدْ » : *** التاسعۀ و العاشرة: قوله تعالی
.«2» « أَرْسَلْنا قَبْلَکَ مِنْ رُسُلِنا وَ لا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِیلًا
وجه الاستثناء: ما قیل فی سبب نزولهما: أنّ الیهود أتوا النبیّ (صلی اللّه علیه و آله و سلم) و قالوا له: إن کنت نبیّا فأت الشام أرض
الأنبیاء، فصدّقهم علی ذلک. و غزا غزوة تبوك، لا یرید إلّا اللحاق بالشام، فلمّا بلغ تبوك أنزل اللّه علیه هاتین الآیتین، فأمره بالرجوع
.«3» الی المدینۀ، ففیها محیاه و مماته و مبعثه یوم القیامۀ
لکنه معارض بما ورد: أنّهما نزلتا بشأن مشرکی مکۀ، همّوا بإخراج الرسول من مکۀ بنفس الأسلوب، قالوا له (صلی اللّه علیه و آله):
کانت الأنبیاء (علیهم السلام) یسکنون الشام فما لک و سکنی هذه البلدة! أو همّوا بإخراجه عنفا، لأنّ الاستفزاز هو الإزعاج بعنف، و
ظاهر الآیۀ یرجّح المعنی الثانی، کما أنّ المشرکین لمّا فعلوا ذلک بعدئذ طبّقت علیهم سنّۀ اللّه فی الخلق، بدأت بقتلی بدر، و انتهت
.«4» بفتح مکۀ و إخراج المشرکین منها نهائیا
أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلی غَسَقِ اللَّیْلِ وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ کانَ » : *** الحادیۀ عشرة الی الرابعۀ عشرة: قوله تعالی
. مَشْهُوداً. وَ مِنَ اللَّیْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَۀً لَکَ عَسی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقاماً مَحْمُوداً. وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِی مُدْخَلَ ( 1) الإتقان: ج 1 ص 15
.77 - 2) الاسراء: ج 76 )
. 3) مجمع البیان: ج 6 ص 432 . و الدر المنثور: ج 4 ص 195 )
صفحۀ 113 من 259
4) راجع: نفس المصادر. )
ص: 192
.«1» « صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِی مُخْرَجَ صِدْقٍ وَ اجْعَلْ لِی مِنْ لَدُنْکَ سُلْطاناً نَصِیراً. وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ کانَ زَهُوقاً
و هو زعم باطل، بعد أن لم یثبت الأصل فکیف بالفرع! و قد أخرج .«2» زعم المستثنی: أنّها من تتمّۀ الآیتین السابقتین نزولا بالمدینۀ
نزل بمکۀ قبیل هجرته (صلی اللّه علیه و آله و سلم) «... وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِی مُدْخَلَ صِدْقٍ » : أبو نعیم و البیهقی عن ابن عباس: أنّ قوله
.«3»
علی أنّ الآیات فی سیاقها المتّصل، سبقا و لحوقا، بنفسها تشهد بنزولها بمکۀ، و لا تنسجم مع القول بنزولها فی المدینۀ بشیء.
.«4» « وَ یَسْئَلُونَکَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی وَ ما أُوتِیتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِیلًا » : *** الخامسۀ عشرة: قوله تعالی
.«5» أخرج جماعۀ من أهل الحدیث: أنّ هذا السؤال کان من یهود المدینۀ، بعد الهجرة
أو أنّ الیهود أو عزوا «6» لکنه معارض بما ورد أنّ هذا السؤال وقع من مشرکی قریش، سألوه عن الروح الذي جاء ذکره فی القرآن
.«6» الی المشرکین توجیه هکذا سؤال الی محمد (صلی اللّه علیه و آله). قالوا: فإن أجابکم فلیس بنبیّ و إن لم یجبکم فهو نبیّ
. هذا مضافا الی أنّ ذیل الآیۀ تشهد بأنّها خطاب مع المشرکین، و عن ( 1) الاسراء: 78 و 79 و 80 و 81
. 2) الإتقان: ج 1 ص 15 )
. 3) الدر المنثور: ج 4 ص 198 . و تفسیر الطبري: ج 15 ص 100 )
. 4) الاسراء: 85 )
. 5) الدر المنثور: ج 4 ص 199 . و تفسیر الطبري: ج 15 ص 105 )
. 6) راجع مجمع البیان: ج 6 ص 437 و الدر المنثور: ج 4 ص 199 )
ص: 193
.«1» نزلت بمکۀ « وَ ما أُوتِیتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِیلًا » : عطاء بن یسار: أنّ قوله تعالی
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلی أَنْ یَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا یَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ کانَ بَعْضُ هُمْ » : *** السادسۀ عشرة: قوله تعالی
.«2» « لِبَعْضٍ ظَهِیراً
أخرج الطبري: أنّ الآیۀ نزلت علی رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بالمدینۀ، بسبب قوم من الیهود جادلوه فی تناسق القرآن،
.«1» فانکروا تناسقه و زعموا أنّ التوراة أنسق منه
لکن رنّۀ الآیۀ الأخّاذة تشی بنزولها بشأن مشرکی قریش تحدّیا معهم حینما سألوه مخاریق غریبۀ الی جنب مطالیب تافهۀ، تجاه نزول
القرآن.
الی تمام «4» « وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَکَ حَتَّی تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ یَنْبُوعاً » : و هذه الآیۀ نزلت تمهیدا للتشنیع المتّجه إلیهم فی آیات بعدها
الاربع آیات، و التی تستتبعها الی الآیۀ السابعۀ و التسعین. فراجع نفس الآیات.
قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا یُتْلی عَلَیْهِمْ یَخِرُّونَ » : *** الآیۀ الأخیرة و هی السابعۀ عشرة: قوله تعالی
.«5» « لِلْأَذْقانِ سُجَّداً
.«6» قال جلال الدین: نزلت بالمدینۀ، لما أخرجناه فی أسباب النزول
. لکنه لم یخرج شیئا بهذا الشأن، لا فی لباب النقول و لا فی الدر المنثور!! ( 1) تفسیر الطبري: ج 15 ص 106
. 2) الاسراء: 88 )
. 4) الاسراء: 90 )
صفحۀ 114 من 259
. 5) الاسراء: 107 )
6) الإتقان ج 1 ص 15 . و فی الدر المنثور: ج 4 ص 205 : أخرج ابن جریر عن مجاهد: أنّ الذین اوتوا العلم من قبله هم ناس من أهل )
الکتاب حین سمعوا ما أنزل اللّه علی محمد .. لکنّ ذلک لا یستدعی نزول الآیۀ بالمدینۀ، کما لا یخفی.
ص: 194
و الآیۀ بسیاقها تشهد بأنّها مکیّۀ، نزلت توبیخا لصمود المشرکین تجاه نزول القرآن و إباءهم عن الإیمان به، و تلمیحا بأنّ هذا العناد هو
أثر الجهل الأعمی و التوحّش الفادح الذي تمکّن من نفوسهم القاسیّۀ، أمّا أهل المدنیۀ و الثقافۀ فإنّهم إذا لمسوا من حقیقۀ القرآن
الواضحۀ یؤمنون به فورا بلا ارتیاب، کنایۀ بأن هؤلاء المشرکین بعیدون عن الحضارة و العلم، و من ثم هذا التأنّف و الشموخ
الجاهل!***
-11 سورة الکهف: مکیّۀ
استثنی بعضهم منها اثنتین و ثلاثین آیۀ، زعمها نزلت بالمدینۀ. و هذا إسراف فی القول، لأنّ هذا یعنی: أنّ ثلث السورة، و لا سیّما
8 - الآیات رقم: 1 « جرزا » : ثمانی آیات من أوّلها مدنیّۀ، فکان جدیرا ثبتها فی المدنیّات! قال جلال الدین: استثنی من أوّلها الی قوله
.«1» نزلت بالمدینۀ
و لا دلیل لهذا الاستثناء إطلاقا، مضافا الی استلزامه أن تکون السورة مدنیّۀ لا مکیّۀ! لأنّ الاعتبار فی المکیّۀ و المدنیّۀ إنما هو بمفتتح
.«2» السورة و شیء من آیات من اوّلها. هذا و الإجماع منعقد علی أنّ سورة الکهف مکیّۀ لا اختلاف فیها
.«3» « وَ یُنْذِرَ الَّذِینَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً » : و لعلّ المستثنی نظر الی قوله تعالی
و لکن ذلک لا یستدعی نزولها بالمدینۀ لمناسبۀ وجود الیهود فیها، بل هی عامّۀ تشمل النصاري و المشرکین أیضا، علی أنّ نزول آیۀ
بشأن قصّۀ یهودیّۀ لا تستوجب مقارنۀ نزولها یوم کانوا ینابذون الإسلام، و الآیات بهذا النمط کثیرة ( 1) نفس المصدر.
. 2) راجع الدر المنثور: ج 4 ص 208 )
. 3) الکهف: 4 )
ص: 195
فی سور مکیّۀ، و ذلک لوجود الصلۀ القریبۀ بین الیهود و المشرکین قبل مهاجرة النبیّ (صلی اللّه علیه و آله) الی المدینۀ، کما تقدّمت
الإشارة الی ذلک.
.«1» « وَ اصْبِرْ نَفْسَکَ مَعَ الَّذِینَ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِیِّ ... الی قوله: فُرُطاً » : *** و قال أیضا باستثناء قوله تعالی
زعموها نزلت فی عیینۀ بن حصن، عرض علی رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) و هو آنذاك بالمدینۀ، أن یتباعد مجلس فقراء
.«2» المؤمنین، إن کان یرید إسلام عظماء البلد
لکن الصحیح أنها نزلت فی امیّۀ بن خلف، عرض علیه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ذلک و هو بمکۀ فدعی النبی (صلی اللّه علیه و
و لهجۀ الآیۀ و سیاقها أیضا تشی بذلک. «3» آله) الی طرد الفقراء و تقریب صنادید قریش
*** و فی المصحف الأمیري و تاریخ القرآن للزنجانی: استثناء قوله تعالی:
تسع عشرة آیۀ. «4» « وَ یَسْئَلُونَکَ عَنْ ذِي الْقَرْنَیْنِ ... الی قوله: لا یَسْتَطِیعُونَ سَمْعاً »
زعموا أنّ الذین وجّهوا هذا السؤال الی النبیّ (صلی اللّه علیه و آله) کانوا هم الیهود أنفسهم، و من ثم کان نزول الآیات- بصدد
.«5» الإجابۀ- فی المدینۀ
صفحۀ 115 من 259
و الصحیح أنّ المشرکین هم الذین سألوا هذا السؤال، لکن بتعلیم من الیهود، کان المشرکون بعثوا من یسأل الیهود عن أوصاف رسول
. اللّه، فأجابوهم ( 1) الکهف 28 . الإتقان: ج 1 ص 15 ، و تأریخ القرآن لأبی عبد اللّه الزنجانی: ص 29
. 2) الدر المنثور: ج 4 ص 220 )
. 3) أسباب النزول بهامش الجلالین: ج 1 ص 230 . و الدر المنثور: ج 4 ص 220 )
.101 - 4) الکهف: 83 )
. 5) الدر المنثور: ج 4 ص 340 )
ص: 196
بأسئلۀ یوجّهونها الی رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) فإن أجاب فهو نبیّ حقا.
روي أبو جعفر الطبري: أنّ قریشا بعثت النضر بن الحرث و عقبۀ بن أبی معیط الی أحبار الیهود بالمدینۀ، فقالوا لهم: سلوهم عن
محمد، وصفوا لهم صفته، و أخبروهم بقوله، فإنّهم أهل الکتاب الأوّل- التوراة- و عندهم علم ما لیس عندنا، من علم الأنبیاء. فخرجا
حتی قدما المدینۀ، فسألوا أحبار الیهود عن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) و وصفوا لهم أمره و بعض قوله، و قالا: إنّکم أهل التوراة
و قد جئناکم لتخبرونا عن صاحبنا هذا. فقالت لهم أحبار الیهود: سلوه عن ثلاث نأمرکم بهن، فإن أخبرکم بهن فهو نبیّ مرسل، و إن
لم یفعل فالرجل متقوّل سلوه عن فتیۀ ذهبوا فی الدهر الأوّل، ما کان من أمرهم، فإنّه قد کان لهم حدیث عجیب سلوه عن رجل طوّاف
بلغ مشارق الأرض و مغاربها، ما کان نبؤه؟. سلوه عن الروح ما هو؟ فإن أخبرکم بذلک فإنّه نبیّ فاتّبعوه ...
.«1» الخ. و الحدیث طویل و فی نفس الوقت طریف
«2» الی آخر السورة « إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ کانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا » : *** و فی الإتقان جاء استثناء قوله تعالی
.«3» اربع آیات
هذا ... و لم یبیّن سند هذا الاستثناء الغریب! و لعلّه سهو أو جزاف من الکلام، إذ لا شیء فی الآیات یصلح دلیلا علی مدنیّتها، و لا
ورد فی تفسیرها ما یتناسب و نزولها بالمدینۀ!! نعم روي فی الدر المنثور عن مجاهد قال: کان من المسلمین من یقاتل و هو یحبّ أن
لکن لحن ( 1) جامع البیان: 215 ص 127 و ج 16 ص 7. و الدر المنثور: ج .«4» «... فَمَنْ کانَ یَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ » ، یري مکانه، فانزل اللّه
. 4 ص 210 . و لباب النقول بهامش الجلالین: ج 1 ص 228
.110 - 2) الکهف: 107 )
. 3) الإتقان: ج 1 ص 15 )
. 4) الدر المنثور: ج 4 ص 255 )
ص: 197
قالت الیهود، أوتینا التوراة « وَ ما أُوتِیتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِیلًا » الآیۀ و فحواها لا تلتئم و ذلک .. و روي الطبرسی عن ابن عباس: لما نزل قوله
و فیها علم کثیر.
لکن هذا لا یدلّ علی کونها نزلت بالمدینۀ کما مرّ غیر «1» و لذلک قال الحسن: أراد بالکلمات العلم «... قُلْ لَوْ کانَ الْبَحْرُ » فأنزل اللّه
مرة!
-12 سورة مریم: مکیّۀ
.«2» قال جلال الدین: استثنی منها آیتان
صفحۀ 116 من 259
.«3» « أُولئِکَ الَّذِینَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ مِنَ النَّبِیِّینَ مِنْ ذُرِّیَّۀِ آدَمَ- الی قوله-: خَرُّوا سُجَّداً وَ بُکِیا » : -1 آیۀ السجدة
و یکذبه: أنّ هذه الآیۀ نزلت تعقیبا علی الآیات التی سبقتها من أوّل السورة الی هنا، ذکرت أحوال الأنبیاء و أمم سالفۀ بتفصیل، ثم
جاء مدحهم جمیعا بصورة إجمالیّۀ فی هذه الآیۀ، کأنّها تلخیص لتلکم السمات و الأوصاف، و کانت نتیجۀ علیها، فأمّا أن نقول بأن
جمیعها من أوّل السورة الی هذه الآیۀ مدنیّۀ أو کلّها مکیّۀ، و لا موقع لهذا الاستثناء الغریب، و الذي لم یبیّن المستثنی سنده فی ذلک؟!
.«4» « وَ إِنْ مِنْکُمْ إِلَّا وارِدُها کانَ عَلی رَبِّکَ حَتْماً مَقْضِیا » : -2 قوله تعالی
و هذه کسابقتها مرتبطۀ تمام الارتباط بآیات اکتنفتها سبقا و لحوقا، بما لا یدع مجالا لاستثنائها وحدها.
-13 سورة طه: مکیّۀ
. فَاصْبِرْ عَلی ما یَقُولُونَ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ* ( 1) مجمع البیان: ج 6 ص 499 » : استثنی منها آیتان: الأولی قوله تعالی
. 2) الإتقان: ج 1 ص 15 )
. 3) مریم: 58 )
. 4) مریم: 71 )
ص: 198
.«1» « رَبِّکَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ غُرُوبِها
.«2» لکن الآیۀ تفریع علی آیات سبقتها، مضافا الی لهجتها الخاصّۀ بآیات مکیّۀ. و ورد فی تفسیرها ما یؤکّد نزولها بمکۀ
.«3» «... وَ لا تَمُدَّنَّ عَیْنَیْکَ إِلی ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ » : الثانیۀ قوله تعالی
قال جلال الدین: لما أخرجه البزّار عن أبی رافع، کان بعثه النبیّ (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لیستسلف من یهودي طعاما، فأبی إلّا
.«4» برهن، فحزن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) علی ذلک، فنزلت الآیۀ
لکن القضۀ- علی فرض صحّتها- لا تصلح داعیۀ لنزول هذه الآیۀ بشأنها، و لا مناسبۀ بینها و بین فحوي الآیۀ رأسا.
-14 سورة الأنبیاء: مکیّۀ
و لم یذکروا سند الاستثناء. «5» « أَ فَلا یَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِی الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها » : استثنی منها قوله تعالی
لکن السیاق مکیّ بلا کلام. و جاءت نظیرتها فی سورة الرعد: 41 أیضا، و لهجتها مکیّۀ، لو لا اتفاق روایات الترتیب علی مدنیّتها علی
ما سبق.
-15 سورة المؤمنون: مکیّۀ
. 1) طه: 130 ) .«6» ثلاث عشرة آیۀ *« حَتَّی إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِیهِمْ- الی قوله- مُبْلِسُونَ » : استثنی منها قوله تعالی
. 2) تفسیر الطبري: ج 16 ص 168 )
. 3) طه: 131 )
. 4) الإتقان: ج 1 ص 16 . و راجع تفسیر الطبري: ج 16 ص 169 )
صفحۀ 117 من 259
. 5) الأنبیاء: 44 . الإتقان: ج 1 ص 16 )
. 77 . الإتقان: ج 1 ص 16 - 6) المؤمنون: 64 )
ص: 199
و لا شاهد لهذا الاستثناء بتاتا. و لعلّ المستثنی نظر الی روایات فسرت العذاب بما اصیب المشرکون یوم بدر أو یوم الفتح. لکنه غفل
.«1» عن أنّها تفسیر لوعد سابق، لا حکایۀ عن أمر کان. راجع أبا جعفر الطبري و غیره
-16 سورة الفرقان: مکیّۀ
. استثنی منها ثلاث آیات: 68 و 69 و 70
لکن الآیات منسجمۀ مع قریناتها سبقا و لحوقا تمام الانسجام، بما یستحیل استثناؤها لوحدها. و فی تفسیر الطبري و غیره ما یؤکّد
.«2» نزولها بمکۀ فراجع
-17 سورة الشعراء: مکیّۀ
استثنی منها خمس آیات:
.«3» « أَ وَ لَمْ یَکُنْ لَهُمْ آیَۀً أَنْ یَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِی إِسْرائِیلَ » : -1 قوله تعالی
و لعلّه لما ورد فی تفسیرها من أنّ المراد من علماء بنی إسرائیل- هنا- هم: أسد و اسید و ابن یامین و «4» حکی ابن غرس: أنّها مدنیّۀ
.«5» ثعلبۀ و عبد اللّه بن سلام
لکن وجه الآیۀ بلا شکّ مع مشرکی قریش، و توبیخ لاذع بهم. أمّا التفسیر الوارد فلا یعنی نزول الآیۀ بعد إیمان هؤلاء الیهود، و إنّما
هو بیان مصداق من مصادیق الآیۀ تحقّقت فیما بعد.
مراجعۀ المشرکین الی الیهود فیما یخصّ معرفۀ رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) فکانوا یعرّفونهم خصائص و سمات «6» و قد تقدّم
کانت موجودة فیه (صلی اللّه علیه و آله) و الآیۀ إنّما تعنی ذلک، و إنّ هذا شیء کان یعرفه أهل الکتاب. کما اعترفوا هم قبل هجرته
. (صلی اللّه علیه و آله) و إنّما نکروه بعد ذلک طمعا فی حطام الدنیا ( 1) تفسیر الطبري: ج 18 ص 28
. 2) تفسیر الطبري: ج 19 ص 26 )
. 3) الشعراء: 197 )
. 4) الإتقان: ج 1 ص 16 )
. 5) تفسیر الطبري: ج 19 ص 69 . و الدر المنثور: ج 5 ص 95 )
. 6) تقدم ذلک فی الصفحۀ: 195 )
ص: 200
و لم تعن الآیۀ إیمانهم و إنما عنت معرفتهم. و بذلک لا یصلح التفسیر الوارد لتعیین نزول الآیۀ بالمدینۀ.
الی آخر السورة أربع آیات. «1» « وَ الشُّعَراءُ یَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ » : -2 قوله تعالی
و سند الاستثناء ما روي أنّها نزلت فی رجلین تهاجیا علی عهد رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله «2» حکی استثناء ذلک عن ابن عباس
.«3» و سلم) أحدهما من الأنصار و الآخر من المهاجرین
صفحۀ 118 من 259
لکنه معارض بما هو أقوي سندا و أکثر عددا: أنّها نزلت فی مشرکی قریش، کان شعراؤهم یهجون رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) و
یقرأها سفلتهم علی ملأ من الناس امتهانا بموقف رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) فنزلت الآیۀ تقریعا بشأنهم و تندیدا بسلوکهم الشنئ
.«5» و هکذا رجّحه أبو جعفر الطبري .«4» و قد جاء الطبرسی باسماء هؤلاء المشرکین فی تفصیل عریض
-18 سورة القصص: مکیّۀ
أربع آیات. «6» « الَّذِینَ آتَیْناهُمُ الْکِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ یُؤْمِنُونَ- الی قوله-: سَلامٌ عَلَیْکُمْ لا نَبْتَغِی الْجاهِلِینَ » : استثنی منها قوله تعالی
قیل: نزلت فی جماعۀ من أهل الکتاب کانوا قد أسلموا، منهم: عبد اللّه بن سلام و تمیم الداري و الجارود العبدي و سلمان الفارسی
.«7»
.«8» و قیل: نزلت فی أصحاب النجاشی قدموا المدینۀ و شهدوا وقعۀ أحد
. لکن لو صحّ تفسیر الآیۀ بالمذکورین فإنّما عنت الاخبار عمّا سیکون لا عمّا ( 1) الشعراء: 224
. 2) الإتقان: ج 1 ص 9 و 16 )
. 3) الدر المنثور: ج 5 ص 99 . و تفسیر الطبري: ج 19 ص 78 )
. 4) مجمع البیان: ج 7 ص 208 )
. 5) جامع البیان: ج 19 ص 78 )
.55 - 6) القصص: 52 )
. 7) مجمع البیان: ج 7 ص 258 )
. 8) الإتقان: ج 1 ص 16 )
ص: 201
کان! فضلا عن معارضۀ هذا التفسیر بتفسیرها بجماعۀ من أهل الکتاب کانوا مسلمین بالنبیّ (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قبل مبعثه، و
.«1» هم أربعون رجلا علی ما جاء فی تفسیر الطبرسی و تفسیر الطبري و غیرهما فراجع
.«2» «... وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْکِتابِ إِلَّا بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِینَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ » : و یؤکد ما ذکرنا قوله تعالی
هذه الآیۀ مکیّۀ وردت بشأن مجادلۀ أهل الکتاب.
و هی مکیۀ .«3» «... وَ کَ ذلِکَ أَنْزَلْنا إِلَیْکَ الْکِتابَ فَالَّذِینَ آتَیْناهُمُ الْکِتابَ یُؤْمِنُونَ بِهِ وَ مِنْ هؤُلاءِ مَنْ یُؤْمِنُ بِهِ » :- و قوله تعالی- أیضا
أیضا بالاتفاق.
و هذه نظیرة الآیۀ المبحوث عنها تماما، إخبار عمّا سیکون.
.«4» «... إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَیْکَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلی مَعادٍ » : *** و استثنی منها- أیضا- قوله تعالی
فالآیۀ علی الاصطلاح الثانی «5» قیل: نزلت علی رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) و هو مهاجر الی المدینۀ، عند وصوله الی الجحفۀ
لا مکیّۀ و لا مدنیّۀ. «6»
لکن الاختیار المشهور هو المصطلح الأوّل. و علیه فالآیۀ مکیّۀ. و قد سبق ذلک.
-19 سورة العنکبوت: مکیّۀ
صفحۀ 119 من 259
قالوا: «7» استثنی من أوّلها الی الآیۀ الحادیۀ عشرة، قالوا: نزلن بالمدینۀ
نزلت الآیات فی اناس من المسلمین تخلّفوا عن الهجرة، ثم کتب إلیهم أصحاب ( 1) مجمع البیان: ج 7 ص 358 . و جامع البیان: ج 20
. ص 57 . و الدر المنثور: ج 5 ص 133
. 2) العنکبوت: 46 )
. 3) العنکبوت: 47 )
. 4) القصص: 85 )
. 5) مجمع البیان: ج 7 ص 268 )
. 6) تقدم ذلک فی الصفحۀ: 129 )
. 7) الإتقان: ج 1 ص 16 )
ص: 202
.«1» رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فی ذلک، فعمدوا الی المهاجرة فردتهم قریش و وقع بینهم قتال و عنف
لکن الآیۀ عامّۀ، نزلت فی مؤمنی مکۀ وقعوا تحت شدّة، و کانت ابتلاء لهم لیعلم الصادق من الکاذب. و هکذا فسّرها أبو جعفر
.«3» ( و جاءت به الروایۀ عن الإمام أبی عبد اللّه الصادق (علیه السلام «2» الطبري
هذا و لم یخالف أحد فی «4» هذا فضلا عن أنّ مفتتح السورة لو صحّ نزولها بالمدینۀ لأصبحت السورة مدنیّۀ، وفق المصطلح المتقدّم
مکیّتها.
.«5» « وَ کَأَیِّنْ مِنْ دَابَّۀٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ یَرْزُقُها وَ إِیَّاکُمْ وَ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ » : *** و استثنی منها- أیضا- قوله تعالی
استثناها جلال الدین، لما رواه ابن أبی حاتم- بسند ضعیف- عن ابن عمر قال: خرجت مع رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) حتی
دخل بعض حیطان المدینۀ، فجعل یلتقط من التمر و یأکل، ثم قال (صلی اللّه علیه و آله) هذه صبح رابعۀ منذ لم أذق طعاما و لم
.«6» «... وَ کَأَیِّنْ مِنْ دَابَّۀٍ » : أجده ... قال ابن عمر: فو اللّه ما برحنا و لا رمنا حتی نزلت
و الروایۀ مطعون فی سندها، فضلا عن اضطراب متنها و عدم معقولیّۀ فحواها! هذا ... و قد روي عن مقاتل و الکلبی: أنّها نزلت فی
جماعۀ من المؤمنین المستضعفین، ضاق بهم المقام بمکۀ قبل هجرة الرسول (صلی اللّه علیه و آله) و وقعوا فی عسر و شدّة، فامروا
. بالهجرة الی المدینۀ، قالوا: کیف نخرج الی بلد ( 1) أسباب النزول بهامش الجلالین: ج 2 ص 32
. 2) جامع البیان: ج 20 ص 83 )
. 3) مجمع البیان: ج 7 ص 272 )
. 4) تقدم ذلک فی الصفحۀ: 133 )
. 5) العنکبوت: 60 )
. 6) الإتقان: ج 1 ص 16 . و الدر المنثور: ج 5 ص 149 )
ص: 203
یا عِبادِيَ الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِ ی واسِعَۀٌ فَإِیَّايَ فَاعْبُدُونِ- الی قوله-: وَ کَأَیِّنْ مِنْ دَابَّۀٍ » : لیس لنا به دار و لا عقار و لا معیشۀ! فنزلت الآیۀ
.«1» الخ «...
و الروایۀ الثانیۀ أوفق بنصّ الکتاب و أولی بالاعتبار، و من ثمّ فهی الصحیحۀ المقبولۀ!
-20 سورة الروم: مکیّۀ
صفحۀ 120 من 259
جاء فی المصحف الأمیري و تاریخ القرآن لأبی عبد اللّه الزنجانی و المجمع:
.«2» « فَسُبْحانَ اللَّهِ حِینَ تُمْسُونَ وَ حِینَ تُصْبِحُونَ » : استثناء قوله تعالی
و لا سند لهذا الاستثناء، فضلا عن ارتباطها الوثیق مع آیات سبقنها و آیات لحقتها!
-21 سورة لقمان: مکیّۀ
وَ لَوْ أَنَّ ما فِی الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَ الْبَحْرُ یَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَۀُ أَبْحُرٍ- الی قوله-: بِما » : روي عن ابن عباس: استثناء قوله تعالی
ثلاث آیات. «3» *« تَعْمَلُونَ خَبِیرٌ
و ذلک لانّه (رضی اللّه عنه) روي فی سبب نزولها: أنّ أحبار یهود قالوا لرسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) بالمدینۀ: إنّا قد اوتینا التوراة
.«4» و فیها علم کثیر، فقال (صلی اللّه علیه و آله): إنّها فی جنب علم اللّه قلیل، فنزلت الآیات
( و لکن التعلیل إن کان یتناسب مع الآیۀ رقم: 27 فرضا، فإنّه لا یتناسب مع الآیتین بعدها، و لا یصلح داعیۀ لنزولهما البتۀ. ( 1
. 60 . مجمع البیان: ج 8 ص 290 - العنکبوت: 56
. 2) الروم: 17 . تاریخ القرآن لأبی عبد اللّه الزنجانی: ص 30 . و مجمع البیان: ج 8 ص 293 )
.29 - 3) لقمان: 27 )
. 4) الدر المنثور: ج 5 ص 167 . و الإتقان: ج 1 ص 16 )
ص: 204
و الصحیح أنّ الآیات الثلاث، هی کسوابقها و لواحقها منسجمۀ بعضها مع بعض و هی جمیعا عرض لعظمۀ ربّ العالمین، لا یدانیه
أحد، و لا یماثله شیء! .... فلا سبب یفصلها عن قریناتها، و من ثم لا وجه لاستثنائها أصلا.
و لو صحّت الروایۀ المذکورة عن ابن عباس، فلا بدّ أنّه (صلی اللّه علیه و آله) قرأها علیهم حینما عرضوا علیه ذلک التحدّي الغریب!
لا أنّها نزلت حینذاك.
-22 سورة السجدة: مکیّۀ
.«1» « تَتَجافی جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ یُنْفِقُونَ » : استثنی منها قوله تعالی
قال جلال الدین: لما أخرجه البزّار و ابن مردویه عن بلال، قال: کنّا جلوسا و ناس من أصحاب رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله)
.«2» یصلّون بعد المغرب الی العشاء فنزلت
قلت: الآیۀ عامّۀ. و انسجامها مع قریناتها من آیات بادیۀ الوضوح. فضلا عن عدم التئامها مع فحوي الروایۀ فی شیء.
.«3» « فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِیَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْیُنٍ » : *** و فی المصحف الأمیري و تاریخ الزنجانی: استثناء قوله تعالی
و لعل ذلک نظرا لأنّها تتمیم للآیۀ السابقۀ. و الأصحّ أنّها کسابقتها عامّۀ.
1) السجدة: ) .«4» « أَ فَمَنْ کانَ مُؤْمِناً کَمَنْ کانَ فاسِقاً- الی قوله- نُزُلًا بِما کانُوا یَعْمَلُونَ » : *** و روي عن ابن عباس: استثناء قوله تعالی
.16
. 2) الإتقان: ج 1 ص 16 . و الدر المنثور: ج 5 ص 175 )
صفحۀ 121 من 259
. 3) السجدة: 17 )
.19 - 4) السجدة: 18 )
ص: 205
و ذلک لما روي بطرق و أسانید کثیرة و معتبرة: أنّها نزلت فی علی بن أبی طالب (علیه السلام) و الولید بن عقبۀ بن أبی معیط، فی
مشاجرة جرت بینهما یوم بدر، قال له الولید: اسکت فإنّک صبیّ و أنا أبسط منک لسانا و أحدّ منک سنانا و أردّ منک للکتیبۀ! فقال
له علی (علیه السلام) علی رسلک فإنّک فاسق، و لیس کما تقول.
أخرجها أبو الفرج الأصبهانی فی کتاب الاغانی، و الواحدي فی أسباب النزول و ابن مردویه. و الخطیب البغدادي. و ابن عساکر من
طرق عن ابن عباس. و أخرجها ابن اسحاق و ابن جریر عن عطاء بن یسار. و أخرجها ابن أبی حاتم عن السدّي و عبد الرحمن بن أبی
.«1» لیلی. فالمؤمن الذي عنته الآیۀ الکریمۀ هو علی بن أبی طالب و الفاسق هو الولید
.«2» و أخرجها الحافظ الحسکانی باثنی عشر طریقا، ربّما بلغت بذلک حدّ التواتر
قلت: سیاق الآیۀ عام، و هی مرتبطۀ مع بقیّۀ الآیات، سابقۀ و لا حقۀ. یبدو ذلک لأدنی مراجعۀ الی السورة.
نعم یجوز نزول آیۀ مرّة ثانیۀ لمناسبۀ تستدعی ذلک، الأمر الذي حدث فی کثیر من آیات سوف ننبّه علیها. و یحتمل أنّ المحاورة
إِنْ » : المذکورة بلغت النبیّ (صلی اللّه علیه و آله) فقرأ الآیۀ الکریمۀ، تطبیقا مع المورد، فقد فسق الولید هذا فی آیات اخري، و نزلت
1) راجع الدر المنثور: ج 5 ص 178 . و ) .«4» بشأنه الخاصّ، أخرجه جلال الدین بأسانید رجالها ثقات «3» « جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا
. تفسیر الطبري: ج 21 ص 68 . و تفسیر النیسابوري بهامش الطبري: ج 21 ص 72 . و مجمع البیان: ج 8 ص 332
.453 - 2) شواهد التنزیل: ج 1 ص 445 )
. 3) الحجرات: 6 )
82 . و أخرجه أیضا أصحاب مجامیع معتبرة فراجع. - 4) لباب النقول بهامش الجلالین: ج 2 ص 80 )
ص: 206
-23 سورة سبأ: مکیّۀ
.«1» « وَ یَرَي الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ هُوَ الْحَقَّ وَ یَهْدِي إِلی صِراطِ الْعَزِیزِ الْحَمِیدِ » : استثنی منها قوله تعالی
هذه الآیۀ إشارة الی أنّ أهل العلم الواقعیین یؤمنون بهذا الکتاب إیمانا صادقا عن علم و یقین، و لا شکّ أنّ الأمر کذلک، فالنابهون
العقلاء و أرباب الفضیلۀ و الکمال، لا یتردّدون فی الإیمان بهذا الکتاب العزیز الذي لا ریب فیه، فور معرفتهم به. و هذا شأن کلّ حقّ
صریح. و هکذا رجّح هذا المعنی العلّامۀ الطبرسی، قال: و هذا أولی، لعمومه ... ثم قال: لأنّهم یتدبّرونه و یتفکّرون فیه، فیعلمون بالنظر
.«2» و الاستدلال أنّه لیس من قبل البشر
و من ثم زعم بعضهم أنّ الآیۀ مدنیۀ .«3» لکن أبا جعفر الطبري فسّر الآیۀ- ابتداء- بمسلمی أهل الکتاب کعبد اللّه ابن سلام و نظرائه
و إنما نقل عن قتادة: أنهم أصحاب محمد «5» هذا ... و أبو جعفر لم یستند فی تفسیره ذلک الی نقل مأثور «4» نزلت بعد إسلام هؤلاء
(صلی اللّه علیه و آله و سلم) السابقین الأوّلین ممّن وجدوا الإسلام حقیقۀ ناصعۀ فاحتضنوها عن معرفۀ و یقین. فنقله یختلف عن رأیه
سبع آیات. «6» « لَقَدْ کانَ لِسَبَإٍ فِی مَسْکَنِهِمْ آیَۀٌ- الی قوله-: وَ رَبُّکَ عَلی کُلِّ شَیْءٍ حَفِیظٌ » : هو!*** و استثنی منها- أیضا- قوله تعالی
. 1) سبأ: 6 )
.379 - 2) مجمع البیان: ج 8 ص 378 )
صفحۀ 122 من 259
. 3) جامع البیان: ج 22 ص 44 )
. 4) الإتقان: ج 1 ص 16 )
5) و فی مجمع البیان: ج 8 ص 378 : أنّه قول الضحّاك. )
.21 - 6) سبأ: 15 )
ص: 207
یروي عن فروة بن مسیک: أنّه سأل رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) أو سمع رجلا یسأله (صلی اللّه علیه و آله) عن سبأ: جبل أم
أرض، رجل أم امرأة؟
فنزلت الآیات، و کان هذا السؤال بعد مرجعه من غزو قبائل سبأ، أرجعه رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لأنّه لم یؤمر بذلک
.«1»
.«2» قال ابن الحصار: و هذا یدلّ علی أنّ نزول الآیات کان بالمدینۀ، لأنّ مهاجرة فروة کانت بعد إسلام ثقیف سنۀ تسع من الهجرة
حکایۀ عمّا تقدّم نزوله قبل الهجرة بمکۀ، لا نزوله حینذاك. « و انزل فی سبأ ما انزل » : لکنه قال بعد ذلک: و یحتمل أن یکون قوله
قلت: لو صدقت القصۀ لا بدّ من حمل قوله فی ذلک علی الحکایۀ، اذ یبعد جدا نزول آیۀ أو آیات لمجرد سؤال رجل کان جوابه
(صلی اللّه علیه و آله و سلم) کافیا لارضاء حسّ استطلاعه- کما جاء فی الروایۀ- و لم یستدع تفصیلا تعرّضت له الآیات.
علی أنّ ملاحظۀ عبري بشأن قصۀ سبأ کما وردت فی القرآن تکفی للدلالۀ علی أنّ الهدف منها عامّ کسائر القصص الواردة فی
القرآن تروم توجیه البشریّۀ الی معالم السیر الصحیح، تنبیها لها علی مواضع الخطأ فی حیاتها الغابرة لتأخذ منها درسا تسیر علیه فی
حیاتها الحاضرة.
و الصحیح فی قصۀ فروة بن مسیک: أنّه سأل النبیّ (صلی اللّه علیه و آله) عن قصۀ سبأ بعد أن قرأها فی القرآن، فسأله (صلی اللّه علیه
و آله) عن سبأ أرجل هو أم امراة، أم هو اسم أرض أم جبل؟ فشرح له النبیّ (صلی اللّه علیه و آله) أنّه رجل من العرب کان له من
. و هذا یدلّ علی تأخّر السؤال عن نزول الآیات. ( 1) مجمع البیان: ج 8 ص 386 . و جامع البیان: ج 22 ص 53 .«3» الأولاد کذا و کذا
. و الدر المنثور: ج 5 ص 231
. 2) الاتقان: ج 1 ص 16 )
. 3) مجمع البیان: ج 8 ص 386 )
ص: 208
و أخیرا فإنّ الروایۀ بهذا الشأن عن فروة مضطربۀ و متناقضۀ بعضها مع بعض، بما یجعل الاستناد إلیها فی الحکم بنزول الآیات بشأنها
مستحیلا.
فقد أخرج ابن أبی حاتم عن علی بن رباح قال: حدّثنی فلان-؟- أنّ فروة بن مسیک الغطفانی-؟- قدم علی رسول اللّه (صلی اللّه
علیه و آله و سلم) فقال:
یا نبیّ اللّه إنّ سبأ قوم کان لهم فی الجاهلیۀ غزو. و إنّی أخشی أن یرتدّوا عن الإسلام-؟- أ فأقاتلهم؟ فقال: ما امرت فیهم بشیء بعد،
فانزلت هذه الآیۀ:
.«1» «... لَقَدْ کانَ لِسَبَإٍ فِی مَسْکَنِهِمْ آیَۀٌ »
انظر الی هذه الروایۀ المتفکّکۀ سندا و متنا و أسلوبا، و عدم أيّ مناسبۀ بین مضمونها و نزول هکذا آیات!! الأمر الذي یجعلنا نطمئن
.«2» بأنّها لم تکن من حیاکۀ إنسان نابه یلتفت الی ما یقوله من کلام! و هکذا سائر الروایات الواردة بهذا الشأن، فراجع
فان کانت هکذا مناسبات تستدعی نزول قرآن، فأجدر بنا أن نقول: إنّه کان ینزل بلا مناسبۀ!!
صفحۀ 123 من 259
-24 سورة فاطر (الملائکۀ): مکیّۀ
قال الحسن: إلّا آیتین:
.«3» «... إِنَّ الَّذِینَ یَتْلُونَ کِتابَ اللَّهِ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ أَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ » : الأولی: قوله تعالی
.«4» «... ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنا مِنْ عِبادِنا » : الثانیۀ قوله
. و لعلّ الأولی لذکر الصلاة فیها ... ( 1) لباب النقول بهامش الجلالین: ج 2 ص 55
2) تفسیر الطبري. و الدر المنثور، و غیرهما. )
. 3) فاطر: 29 )
. 4) فاطر: 32 )
ص: 209
فقد روي عکرمۀ عن ابن عباس: أنّ الظالم .« فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَیْراتِ » : و الثانیۀ من أجل تعقیبها بقوله
.«1» ... هو المنافق
غیر أنّ الصلاة فرضت بمکّ ۀ ... و کان تطبیق الظالم علی المنافق لا یستدعی نزول الآیۀ بالمدینۀ حیث وفور المنافقین، لأنّه تطبیق و
بیان مصداق من ابن عباس، إن صحّ الحدیث. و اللّفظ عامّ لا یتقیّد بموارد تطبیقه.
-25 سورة یس: مکیّۀ
استثنیت منها آیتان:
.«2» « إِنَّا نَحْنُ نُحْیِ الْمَوْتی وَ نَکْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ وَ کُلَّ شَیْءٍ أَحْصَیْناهُ فِی إِمامٍ مُبِینٍ » : الأولی: قوله تعالی
أخرج الحاکم و الترمذي عن أبی سعید الخدري، قال: کانت بنو سلمۀ فی ناحیۀ من المدینۀ، فشکوا الی رسول اللّه (صلی اللّه علیه و
آله و سلم) بعد منازلهم من المسجد و الصلاة معه، فنزلت الآیۀ، فقال لهم رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله): إنّ آثارکم تکتب، فلم
.«3» ینتقلوا
لکن القصّۀ لا تصلح سببا لنزول جمیع فقرات الآیۀ، لعدم المناسبۀ! و لعلّ رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) استشهد بفقرة منها بعد ما
شکوا إلیه بعد منازلهم، حیث أفضل الأعمال أحمزها.
وَ إِذا قِیلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَکُمُ اللَّهُ قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا لِلَّذِینَ آمَنُوا أَ نُطْعِمُ مَنْ لَوْ یَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِی » : الثانیۀ: قوله تعالی
. 1) مجمع البیان: ج 8 ص 399 و 409 ) .«5» قال ابن عباس: نزلت بالمدینۀ بشأن المنافقین «4» « ضَلالٍ مُبِینٍ
. 2) یس: 12 )
. 3) مجمع البیان: ج 8 ص 418 . و الإتقان: ج 1 ص 16 . و تفسیر الطبري: ج 22 ص 100 )
. 4) یس: 47 )
. 5) الإتقان: ج 1 ص 16 . و مجمع البیان: ج 8 ص 413 )
ص: 210
و هکذا یشهد بذلک سیاق الآیۀ ذاتها. «1» لکنّها صریحۀ فی خطابها مع الذین کفروا، و قد نصّ أبو جعفر نزولها بشأن المشرکین
صفحۀ 124 من 259
. و فی المصحف الأمیري و تاریخ الزنجانی: استثناء الآیۀ رقم: 45
و لعلّه سهو جاء فی اشتباه الرقم. و علی الفرض فسیاقها نفس سیاق الآیۀ رقم: 47 و الکلام فیها هو الکلام فی تلک.
-26 سورة الزمر: مکیّۀ
قُلْ یا عِبادِ الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّکُمْ لِلَّذِینَ أَحْسَنُوا فِی هذِهِ الدُّنْیا حَسَنَۀٌ وَ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَۀٌ إِنَّما یُوَفَّی الصَّابِرُونَ » : استثنی منها قوله تعالی
.«2» « أَجْرَهُمْ بِغَیْرِ حِسابٍ
.«3» عن بعضهم: أنّها نزلت بالمدینۀ « جمال القراء » نقل السخاوي فی
.«4» لکن الآیۀ بنفسها تشی بأنّها مکیّۀ، نزلت تحرّض المؤمنین المستضعفین علی المهاجرة. و هکذا روي عن ابن عباس
.«5» «... اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِیثِ کِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِیَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِینَ یَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ » : *** و استثنی- أیضا- قوله تعالی
.«6» حکی ابن الجزري عن بعضهم- أیضا- أنّها نزلت بالمدینۀ
لکن لهجۀ الآیۀ الرنّانۀ الأخّاذة بمجامع القلوب، بذاتها شاهدة علی أنّها مکیّۀ، کما أنّ السیاق أیضا یشهد بذلک، و لا وجه لهذا
الاستثناء بتاتا.
. قُلْ یا عِبادِيَ الَّذِینَ أَسْرَفُوا عَلی أَنْفُسِهِمْ ( 1) جامع البیان: ج 23 ص 9 » : *** و هکذا استثنی منها قوله تعالی
. 2) الزمر: 10 )
. 3) الإتقان: ج 1 ص 16 )
. 4) مجمع البیان: ج 8 ص 492 )
. 5) الزمر: 23 )
. 6) الإتقان: ج 1 ص 16 )
ص: 211
ثلاث آیات. «1» *« - الی قوله-: وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ
.«2» قیل: نزلن فی وحشی قاتل حمزة! روي ذلک عن ابن عباس بسند ضعیف
و هکذا فسّرها أبو جعفر بعدّة «3» نعم أخرج ابن أبی حاتم بسند صحیح عن ابن عباس، قال: انزلت هذه الآیۀ فی مشرکی أهل مکۀ
.«4» طرق
قلت: لا یستحق وحشی- و هو وحش فی صورة إنس- أن تنزل علیه بالخصوص آیۀ هی ذات صدي عاطفی رقیق، و ذات إشارات
لأنّ الآیۀ نزلت بمکۀ، و « وحشی » خفیّۀ لا یلمسها إلّا ذووا أفهام ناضجۀ و قرائح متوقّدة! قال العلّامۀ الطبرسی: و لا یصحّ نزولها بشأن
.«5» وحشی أسلم بعدها بسنین کثیرة، و لکن یحتمل أن یکون قرئت علیه الآیۀ فکانت سبب إسلامه
-27 سورة المؤمن (غافر): مکیّۀ:
استثنیت منها ثلاث آیات:
.«6» « وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّکَ بِالْعَشِیِّ وَ الْإِبْکارِ » : الأولی: قوله تعالی
.«7» قال الحسن: لأنّها تعنی بذلک صلاة المغرب و صلاة الفجر، و قد ثبت أنّ فرض الصلاة نزل بالمدینۀ
صفحۀ 125 من 259
قلت: و هذا غریب! لأنّ الصلاة أوّل ما فرضت فرضت بمکۀ، و کان المسلمون یصلّون بها جماعۀ و فرادي. و تقدّم: أنّ الصلاة هی
.55 - أوّل شیء جاء به جبرائیل و علّم رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) الوضوء و الصلاة فی بدء بعثته ( 1) الزمر: 53
. 2) لباب النقول بهامش الجلالین: ج 2 ص 63 )
3) نفس المصدر. )
. 4) جامع البیان: ج 24 ص 10 )
. 5) مجمع البیان: ج 8 ص 503 )
. 6) المؤمن: 55 )
. 7) مجمع البیان: ج 8 ص 512 )
ص: 212
.«1» ( (صلی اللّه علیه و آله و سلم
دلیل علی مکیّتها، فضلا عن السیاق المتناسب! الثانیۀ و الثالثۀ: قوله « فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِکَ » : و أیضا فإنّ صدر الآیۀ
قال جلال الدین: أخرج .«2» *« إِنَّ الَّذِینَ یُجادِلُونَ فِی آیاتِ اللَّهِ بِغَیْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ- الی قوله- وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ » : تعالی
ابن حمید و ابن أبی حاتم بسند صحیح-!- عن أبی العالیۀ، قال: إنّ الیهود أتوا النبیّ (صلی اللّه علیه و آله) فقالوا: الدجّال منّا یخرج
.«3» « لَخَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَکْبَرُ » : فی آخر الزمان ... و جعلوا یعظّمون من شأنه، فأنزل اللّه هاتین الآیتین، و فیهما
قلت: نعوذ باللّه من سفاسف الکلام، کیف تنزل آیۀ قرآنیۀ فی ردّ مزعومۀ تافهۀ تبجح بها یهودي، لتجعل المقایسۀ بین دجل دجّال و
فلم یذکر شیئا من تلکم الأحادیث الفارغۀ التی ملأ بها جلال الدین «4» خلق السماوات و الأرض؟! و لقد أحسن أبو جعفر الطبري
السیوطی تفسیره، و نحن ننزّه القرآن الکریم منها بتاتا! ثمّ إنّ الآیۀ قارنت بین خلق السماوات و خلق الناس، و جعلت الأولی أکبر، و
هذا دلیل علی جحود وقع بشأن خلق الإنسان ... الأمر الذي یتنافی مع تلک المزعومۀ السخیفۀ ...
. انخرط مع أمثال السیوطی فی هذا ( 1) تقدم ذلک فی الصفحۀ: 125 «5» و من العجیب أنّ مثل الطبرسی
.57 - 2) المؤمن: 56 )
. 3) الدر المنثور: ج 5 ص 353 . و أسباب النزول بهامش الجلالین: ج 2 ص 65 )
. 4) جامع البیان: ج 24 ص 50 )
. 5) مجمع البیان: ج 8 ص 528 )
ص: 213
الفراغ التافه!
-28 سورة الشوري: مکیّۀ
أَمْ یَقُولُونَ افْتَري عَلَی اللَّهِ کَذِباً- الی قوله-: » : استثنی منها قوله تعالی
ثلاث آیات. «1» « وَ الْکافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِیدٌ
.«2» قیل: نزلن فی الأنصار. رواه الطبرانی عن ابن عباس بسند ضعیف
.«3» « وَ لَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ- الی قوله- خَبِیرٌ بَصِیرٌ » : و قوله
.«4» قیل: نزلت فی أصحاب الصفّۀ، أخرجه الحاکم و صححه
صفحۀ 126 من 259
افْتَري * یعنی محمد- عَلَی اللَّهِ » : قلت: من المستبعد جدا نزول الآیات الاول فی الأنصار، إذ کیف یعقل نسبۀ هذا الکلام إلیهم
ثم الروایۀ تذکر أنّ الأنصار أسائوا الظنّ برسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) فحسبوه یقاتل دون أهل بیته خاصّۀ، فنزلت الآیۀ !؟*« کَذِباً
!؟...
أمّا الآیۀ الأخیرة فهی عامّۀ، و لو صحّت الروایۀ عن علی (علیه السلام) فإنّما تعنی شمولها لهم بعمومها، لا أنّها نزلت بشأنهم الخاص،
إذ ذلک- علی هذا الفرض- قدح لاذع بأهل الصفّۀ، و حاشا القرآن أن یجرح من عاطفۀ جماعۀ من المؤمنین لمکان فقرهم!!*** و
.«5» « وَ الَّذِینَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْیُ هُمْ یَنْتَصِرُونَ- الی قوله-: فَأُولئِکَ ما عَلَیْهِمْ مِنْ سَبِیلٍ » : استثنی- أیضا- قوله تعالی
.26 - 1) الشوري: 24 ) .«6» حکی أبو غرس عن بعضهم: أنّهنّ نزلن بالمدینۀ
. 2) لباب النقول بهامش الجلالین: ج 2 ص 68 )
. 3) الشوري: 27 )
. 4) لباب النقول بهامش الجلالین: ج 2 ص 68 )
.41 - 5) الشوري: 39 )
6) الإتقان: ج 1 ص 16 . و زاد فی مجمع البیان: ج 9 ص 20 الآیۀ رقم 23 و 38 عن الحسن و قتادة، لکنّه لم یذکر سند الاستثناء، و )
هما کسائر آیات السورة ذواتا لهجۀ مکیّۀ و السیاق نفس السیاق.
ص: 214
غیر أنّ السیاق مکیّ لا غیر، و آیات تقدّمتها و آیات تأخّرتها مرتبطۀ بها تمام الارتباط، ممّا یجعل التفکیک مستحیلا، و کلّهن نزلن
بشأن المؤمنین فی مکۀ أیام کانوا مستضعفین، هذا لا یشکّ فیه من راجع الآیات.
-29 سورة الزخرف: مکیّۀ
.«1» « وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رُسُلِنا أَ جَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَۀً یُعْبَدُونَ » : استثنی منها قوله تعالی
.«3» و قیل: نزلت بالمدینۀ «2» قال مقاتل: نزلت ببیت المقدس لیلۀ المعراج
فهی مکیّۀ بلا شکّ، نزلت بشأن « إیّاك أعنی و اسمعی یا جارة » لکن الآیۀ مرتبطۀ بقریناتها المکتنفۀ بها ارتباطا وثیقا. و نزلت ب
أو ببیت المقدس فلا تجعلها مدنیّۀ، و إنّما هی مکیّۀ باعتبار نزولها قبل الهجرة، وفق الاصطلاح «3» المشرکین. أمّا نزولها فی السماء
.«5» المتقدّم
و جاء فی المصحف الأمیري و مقلدته: استثناء آیۀ رقم: 54 . و لعلّه اشتباه فی الرقم.
-30 سورة الجاثیۀ: مکیّۀ
.«6» « قُلْ لِلَّذِینَ آمَنُوا یَغْفِرُوا لِلَّذِینَ لا یَرْجُونَ أَیَّامَ اللَّهِ » : استثنی منها قوله تعالی
. 1) الزخرف: 45 ) .«7» قال قتادة: نزلت بالمدینۀ
. 2) مجمع البیان: ج 9 ص 38 . و الدر المنثور: ج 6 ص 19 )
. 3) الإتقان: ج 1 ص 16 )
. 5) تقدم ذلک فی الصفحۀ: 129 )
صفحۀ 127 من 259
. 6) الجاثیۀ: 14 )
. 7) مجمع البیان: ج 9 ص 70 . و الإتقان: ج 1 ص 16 )
ص: 215
و الصحیح: أنّها من آیات الصفح التی نزلت بمکۀ ایام کان المؤمنون مستضعفین، و من ثم نسخت فیما بعد، عند ما قویت شوکۀ
.«1» الإسلام بالمدینۀ
-31 سورة الاحقاف: مکیّۀ
.«2» « قُلْ أَ رَأَیْتُمْ إِنْ کانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ کَفَرْتُمْ بِهِ وَ شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِی إِسْرائِیلَ عَلی مِثْلِهِ فَآمَنَ وَ اسْتَکْبَرْتُمْ » : استثنی منها قوله تعالی
.«3» أخرج الطبرانی أنّها نزلت بالمدینۀ فی قصۀ إسلام عبد اللّه بن سلام
قلت: ما أغرب ولع المفسّرین بکلّ آیۀ جاء فیها إلماح بإیمان أهل الکتاب فسرعان ما أوّلوها بعبد اللّه بن سلام و أضرابه؟! و الصحیح:
أنّها تشنیع بقریش تقاعست عن الإیمان بدین جاء علی ید رجل منهم و علی لغتهم، ثم یؤمن به غیرهم. من بنی إسرائیل و غیرهم. و
إنّما خصّ بنو إسرائیل بالذکر- هنا- لمزید عنایۀ العرب آنذاك بهم و ثقتهم بعلمهم و ثقافتهم.
هذا ... و قد أخرج ابن أبی حاتم عن مسروق قال: انزلت هذه الآیۀ بمکۀ بشأن المشرکین، و هکذا أخرج أبو جعفر الطبري بعدة أسناد
.«4»
خمس آیات. قیل: نزلت الآیات فی «5» *« وَ وَصَّیْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَیْهِ إِحْساناً- الی قوله-: وَ هُمْ لا یُظْلَمُونَ » : *** و استثنی- أیضا- قوله
. أبی بکر حیث برّ بوالدیه ( 1) راجع تفسیر الطبري: ج 25 ص 87
. 2) الاحقاف: 10 )
. 3) لباب النقول بهامش الجلالین: ج 2 ص 72 . و تفسیر الطبري: ج 26 ص 8. و الإتقان: ج 1 ص 16 )
. 4) جامع البیان: ج 26 ص 7. و الدر المنثور: ج 6 ص 39 )
.19 - 5) الاحقاف: 15 )
ص: 216
.«1» و فی ابنه عبد الرحمن عند ما عقّ والدیه، و هما یحاولان إسلامه
لکن الآیات فی کلا الموضعین عامّۀ، بدلیل صیغۀ الجمع تعقیبا علی کلّ من الفقرتین، فالآیات تصویر تفصیلی عن الذي یبرّ بوالدیه و
.«2» الذي یعقّهما بصورة عامّۀ
و علی تقدیر نزولها بشأن أبی بکر و ابنه عبد الرحمن فلا موجب لعدّها مدنیّۀ بعد أن کانت تلک القصۀ بشأنهما- علی فرض الصحّۀ-
بمکۀ.
.«3» « فَاصْبِرْ کَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ » : *** و کذلک لا وجه لاستثناء قوله
بعد أن کانت لهجتها مکیّۀ، و سیاق لحنها موجّه الی مشرکی قریش، نزلت أیام کان المسلمون علی ضعف و من ثم نسخت بعدئذ
بآیۀ القتال.
-32 سورة ق: مکیّۀ
صفحۀ 128 من 259
نزلت «4» « وَ لَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَیْنَهُما فِی سِتَّۀِ أَیَّامٍ وَ ما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ » : أخرج الحاکم و غیره: أنّ قوله تعالی
بالمدینۀ، ردّا علی مزعومۀ یهودیّۀ، قالوا: إنّ اللّه استراح یوم السبت بعد أن خلق السماوات و الأرض فی ستۀ أیام من یوم الأحد الی
.«6» « وَ قَبْلَ الْغُرُوبِ » و زاد فی المجمع عن الحسن الی قوله .«5» یوم الجمعۀ
قلت: أمّا نزولها ردّا علی تلک المزعومۀ الباطلۀ فنعم، و أمّا أنّها نزلت بالمدینۀ فلا! و ذلک لأنّ العرب- کما سبق مرارا- کانوا علی
. اتصال دائم بأهل الکتاب، ( 1) الدر المنثور: ج 6 ص 41 . و تفسیر الطبري: ج 26 ص 13
. 2) مجمع البیان: ج 9 ص 87 )
. 3) الاحقاف: 35 . الإتقان: ج 1 ص 16 )
. 4) ق: 38 )
. 5) الدر المنثور: ج 6 ص 110 . و الإتقان: ج 1 ص 16 )
. 6) ق: 39 )
ص: 217
و ربّما کانوا یأخذون منهم تعالیم أو معارف ممّا یخصّ خلق السماوات و الأرض، فکانت مشهورة بین العرب المشرکین، فهذا الردّ-
لو صحّ أنّه ردّ- لا یدلّ علی أنّه نزل بالمدینۀ! فلعلّ الروایۀ القائلۀ بأنّها نزلت فی الیهود، إنّما تعنی ما ذکرنا، أي نزلت فی تعالیم کانوا
بثّوها بین العرب.
التی هی من آیات الصفح المکیّۀ، و التی نسخت فیما *«... فَاصْبِرْ عَلی ما یَقُولُونَ » : و الشاهد علی أنّ الآیۀ مکیّۀ: ما جاء تفریعا علیها
بعد.
-33 سورة النجم: مکیّۀ
.«1» هُوَ أَعْلَمُ بِکُمْ إِذْ أَنْشَأَکُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّۀٌ فِی بُطُونِ أُمَّهاتِکُمْ فَلا تُزَکُّوا أَنْفُسَکُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقی ...» : استثنی منها قوله
أخرج الواحدي عن ثابت بن الحرث الأنصاري، قال: کانت الیهود تقول- اذا هلک لهم صبیّ صغیر-: صدّیق. فبلغ ذلک رسول اللّه
هُوَ أَعْلَمُ » : (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فقال: کذبوا، ما من نسمۀ یخلقها اللّه فی بطن امّه إلا انّه شقیّ أو سعید، فأنزل اللّه عند ذلک
.«2» «... بِکُمْ
قلت لو صحّت الروایۀ فلا دلالۀ فیها علی نزول الآیۀ بالمدینۀ، فلعلّ قولۀ الیهود- و هم یبثّون تعالیمهم الفاسدة بین العرب- بلغت
هُوَ أَعْلَمُ » : الرسول (صلی اللّه علیه و آله) و هو بمکۀ، فنزلت الآیۀ بها! لکن الروایۀ المذکورة لا مساس لها بفحوي الآیۀ رأسا، لأنّ قوله
.« واسع المغفرة » : تعلیل لقوله «... بِکُمْ
یعنی: إنّ هذا الإنسان مفطور علی اقتراف مطالیب أرضیّۀ سافلۀ وفقا لفطرته البشریّۀ المترکّبۀ من نزعات و رغبات، و اللّه أعلم بذلک،
. و من ثم عهد ( 1) النجم: 32
. 2) لباب النقول بهامش الجلالین: ج 2 ص 89 . و الدر المنثور: ج 6 ص 128 )
ص: 218
علی نفسه الغفران، رحمۀ بهذا الإنسان و رأفۀ بموقفه الخاصّ تجاه رغباته و نزغاته.
.«1» الی تمام الآیات التسع «... أَ فَرَأَیْتَ الَّذِي تَوَلَّی » : *** و استثنی- أیضا- قوله
قیل: نزلت فی رجل اتی النبی (صلی اللّه علیه و آله) عند خروجه الی غزاة، یطلب مرکبا و سلاحا فلم یجد، فلقی صدیقا له فقال:
صفحۀ 129 من 259
أعطنی شیئا. فقال:
.«2» أعطیک بکري هذا علی أن تتحمّل بذنوبی، فقال: نعم. فنزلت الآیات
لکن الآیات لا تنطبق علی فحوي القصۀ فی شیء و إنّما نزلت فی صندید من صنادید قریش فی تفصیل ذکره أبو جعفر الطبري،
.«3» فراجع
-34 سورة القمر: مکیّۀ
استثنی منها ثلاث آیات:
.«5» زعموها نزلت یوم بدر «4» « سَیُهْزَمُ الْجَمْعُ وَ یُوَلُّونَ الدُّبُرَ » : الأولی: قوله تعالی
.«6» و الصحیح: أنّها وعد بظفر المسلمین فیما یأتی، فتحقّق یوم بدر
.«7» « إِنَّ الْمُتَّقِینَ فِی جَنَّاتٍ وَ نَهَرٍ. فِی مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِیکٍ مُقْتَدِرٍ » : الثانیۀ و الثالثۀ: قوله تعالی
.41 - و لم یذکر المستثنی سببا لاستثنائهما! کما لا وجه له بعد ملاحظۀ وحدة السیاق، و ذلک الانسجام الوثیق. ( 1) النجم: 33
. 2) الدر المنثور: ج 6 ص 128 )
.42 - 3) جامع البیان: ج 27 ص 41 )
. 4) القمر: 45 )
. 5) لباب النقول بهامش الجلالین: ج 2 ص 90 )
. 6) مجمع البیان: ج 9 ص 194 . و راجع الإتقان: ج 1 ص 17 و 36 . و تفسیر الطبري: ج 27 ص 65 )
.55 - 7) القمر: 54 )
ص: 219
و جاء فی المصحف الأمیري: استثناء الآیات رقم: 44 و 45 و 46 . و لعله اشتباه فی الرقم اثبتوه من غیر تحقیق.
-35 سورة الواقعۀ: مکیّۀ
و لعلّه لما رواه ابن مسعود من رؤیا رآها رسول اللّه (صلی اللّه علیه و «1» « ثُلَّۀٌ مِنَ الْأَوَّلِینَ. وَ ثُلَّۀٌ مِنَ الْآخِرِینَ » : استثنی منها قوله تعالی
و هذه القصۀ کانت بالمدینۀ. «2» آله) فقصّها علی أصحابه ثم قرأ علیهم الآیتین
لکن قراءته (صلی اللّه علیه و آله) لا تدلّ علی نزولهما حینذاك.
فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُ ومِ. وَ إِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِیمٌ. إِنَّهُ لَقُرْآنٌ کَرِیمٌ. فِی کِتابٍ مَکْنُونٍ. لا یَمَسُّهُ إِلَّا » : و استثنی- أیضا- قوله
.«3» « الْمُطَهَّرُونَ. تَنْزِیلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِینَ. أَ فَبِهذَا الْحَدِیثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ. وَ تَجْعَلُونَ رِزْقَکُمْ أَنَّکُمْ تُکَذِّبُونَ
لما رواه مسلم و الحاکم و غیرهما: أنّ اصحاب رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) اصیبوا بجدب أو نفدت میاههم فی سفر من الأسفار،
أو فی غزوة تبوك، فشکوا إلیه فقام (صلی اللّه علیه و آله) و صلّی رکعتین ثم دعا اللّه، فأرسل اللّه سحابۀ فأمطرت علیهم، فجعل بعض
.«4» المنافقین یسرّ الی بعضهم: إنّما مطرنا بنوء کذا، فنزلت الآیات
غیر أنّ الآیات تأبی الانطباق علی هذه القصۀ، و أنّها ردّ علی ناکري القرآن وحیا من اللّه العزیز الحمید، و لا مساس لها بقضیّۀ الأنواء،
لا فی ظاهر الآیات و لا فی فحواها. کما أنّ انسجام الآیات سبقا و لحوقا ذلک الانسجام البدیع یجعل من قبول الروایۀ المذکورة
صفحۀ 130 من 259
. 40 . الإتقان: ج 1 ص 17 - مستحیلا. ( 1) الواقعۀ: 39
. 2) مجمع البیان: ج 9 ص 219 )
.82 - 3) الواقعۀ: 75 )
93 - 4) اسباب النزول بهامش الجلالین: ج 2 ص 92 )
ص: 220
-36 سورة الملک: مکیّۀ
.«1» روي عن ابن عباس: انزلت تبارك الملک فی أهل مکۀ إلّا ثلاث آیات
قلت: لیس معنی هذا الکلام: أنّها نزلت بمکۀ غیر ثلاث آیات نزلن بغیرها! و ذلک لأنّه قال: فی أهل مکّ ۀ، و لم یقل: فی مکۀ أو
بمکۀ! بل المعنی: أنّ هذه السورة نزلت تقریعا و تشنیعا بأهل مکۀ أي المشرکین، فکلّ آیاتها تهدید و توعید بشأنهم، غیر ثلاث آیات
قُلْ هُوَ » : و الثالثۀ قوله «... هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَکُمُ الْأَرْضَ » : و الثانیۀ قوله .«... إِنَّ الَّذِینَ یَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ » : تخصّ المؤمنین: اولاها قوله تعالی
.«2» «... الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ
.«3» فالصحیح- کما فی حدیث ابن خدیج-: أنّها نزلت جملۀ واحدة بمکۀ
-37 سورة القلم: مکیّۀ
سبعۀ عشرة «4» *« إِنَّا بَلَوْناهُمْ کَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّۀِ- الی قوله-: لَوْ کانُوا یَعْلَمُونَ » : حکی السخاوي فی جمال القرّاء: استثناء قوله
آیۀ. و قوله:
ثلاث آیات. فهذه عشرون آیۀ زعموها نزلت بالمدینۀ و زاد فی المجمع «5» « فَاصْبِرْ لِحُکْمِ رَبِّکَ*- الی قوله-: فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِینَ »
الآیۀ رقم: 51 و الآیۀ رقم:
.«6» 52
إِنَّا » : أخرج ابن أبی حاتم و ابن جریح: أنّ أبا جهل قال یوم بدر: خذوهم أخذا، فاربطوهم فی الحبال، و لا تقتلوا منهم أحدا، فنزلت
. 1) الدر المنثور: ج 6 ص 246 ) .«7» الخ «... بَلَوْناهُمْ
. 2) الملک: 12 و 15 و 29 )
. 3) الدر المنثور: ج 6 ص 246 )
.33 - 4) القلم: 17 )
.50 - 5) القلم: 48 )
. 6) الإتقان: ج 1 ص 17 . و مجمع البیان: ج 10 ص 330 )
. 7) الدر المنثور: ج 6 ص 253 )
ص: 221
و لکن لا مناسبۀ ظاهرة بین کلام أبی جهل هذا و فحوي الآیات المذکورة، لیکون الداعی لنزولها! و الصحیح: أنّها نزلت بشأن
.«1» المشرکین عموما، انسجاما مع بقیۀ آیات السورة، و هکذا فسّرها العلّامۀ الطبرسی و أبو جعفر الطبري
صفحۀ 131 من 259
الخ فهی من آیات الصفح المکیّۀ بلا ریب، و ما ندري ما وجه هذا الاستثناء الغریب؟! *«... فَاصْبِرْ لِحُکْمِ رَبِّکَ » : و أمّا قوله
-38 سورة المزّمل: مکیّۀ
.«2» « وَ اصْبِرْ عَلی ما یَقُولُونَ- الی قوله-: وَ مَهِّلْهُمْ قَلِیلًا » : استثنی منها قوله
لکن الآیتین تصبیر للنبیّ (صلی اللّه علیه و آله) تجاه أذي المشرکین، و توعید بهم، فهما من آیات الصفح «3» حکاه الاصبهانی
المکیّۀ، و لا وجه لعدهما مدنیّتین.
.«4» *« إِنَّ رَبَّکَ یَعْلَمُ أَنَّکَ تَقُومُ- الی قوله-: إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ » : *** و حکی ابن الغرس استثناء قوله
قال جلال الدین: و یردّه ما أخرجه الحاکم: أنّه نزل بعد نزول صدر السورة بسنۀ، و ذلک حین فرض قیام اللیل فی أوّل الإسلام قبل
«.... یا أَیُّهَا الْمُزَّمِّلُ. قُمِ اللَّیْلَ » : و هکذا أخرج عبد بن حمید عن عکرمۀ، قال: لبث المسلمون بعد نزول «5» فرض الصلوات الخمس
1) مجمع البیان: ج 10 ص 336 . و جامع ) .«6» « فَاقْرَؤُا ما تَیَسَّرَ مِنْهُ » : سنۀ فشقّ علیهم و تورّمت أقدامهم، حتی نسختها آخر السورة
. البیان: ج 29 ص 19
.11 - 2) المزمل: 10 )
. 3) الإتقان: ج 1 ص 17 )
. 4) المزمل: 20 )
. 5) الإتقان: ج 1 ص 17 )
. 6) الدر المنثور: ج 6 ص 280 )
ص: 222
و هو استدلال غریب، لأنّ الصلاة هی اولی فریضۀ فرضت «1» قلت تمسّک القائل بمدنیّۀ الآیۀ، بأنّ الصلاة و الزکاة لم تفرضا بمکۀ
أمّا الزکاة فلیست هی الزکاة المفروضۀ بحدود و أنصبۀ مقررة، و إنّما هی مطلق التصدّق الذي کان واجبا حینذاك، کما فی «2» بمکۀ
.«4» « الَّذِینَ لا یُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ کافِرُونَ » : و قوله «3» « وَ الَّذِینَ هُمْ لِلزَّکاةِ فاعِلُونَ » : قوله تعالی
نعم جاءت تفاصیل حدودها و أحکامها بالمدینۀ، أمّا أصلها فکانت واجبۀ بمکۀ بلا شک.
و القتال لم یشرّع أصلا إلّا بالمدینۀ. لکنّه علی تقدیر أن یراد بالقتال: هو ما یقع « وَ آخَرُونَ یُقاتِلُونَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ » : ولیته تمسّک بقوله
فعلیّا، لا ما سیفرض و سیقع بعد ذلک! و الاحتمال الثانی أوجه، نظرا الی أنّه تعالی- فی هذه الآیۀ- یذکر أسباب رفع ذلک التکلیف
الأوّل الشدید و تبدیله الی تکلیف آخر خفیف. و من تلک الأسباب تشریع القتال بعدئذ، من غیر أن یکون هنا دلیل صریح علی إرادة
فعلیّته حینذاك.
-39 سورة المرسلات: مکیّۀ
.«5» « وَ إِذا قِیلَ لَهُمُ ارْکَعُوا لا یَرْکَعُونَ » : قالوا باستثناء: قوله
و ثقیف «6» قال مقاتل: نزلت فی ثقیف حین أمرهم رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) بالصلاة، فقالوا: لا ننحنی، فإنّ ذلک سبّۀ علینا
أسلمت بالمدینۀ.
لکن وجه الآیۀ و سیاقها مع المکذّبین، و هم مشرکو العرب، و لا معنی لأن یکون هذا الموضع من السورة خلوا من هذه الآیۀ الی
صفحۀ 132 من 259
. أواخر سنی الهجرة ثم تکتمل. إذ ذلک یخلّ بفصاحۀ السورة و یخلخل من نظمها المنسجم. ( 1) مجمع البیان: ج 10 ص 382
. 2) راجع سیرة ابن هشام: ج 1 ص 259 )
. 3) المؤمنون: 4 )
. 4) فصلت: 7 )
. 5) المرسلات: 48 )
. 6) مجمع البیان: ج 10 ص 419 )
ص: 223
علی أنّ الرکوع هنا بمعنی: الخضوع للّه و الانقیاد التامّ لأوامره و نواهیه، لا الرکوع المصطلح جزء من الصلاة. و هذا هو اختیار أبی
راجع: تفسیر شبر فی «2» « وَ أَقِیمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّکاةَ وَ ارْکَعُوا مَعَ الرَّاکِعِینَ » : کما جاء بهذا المعنی قوله تعالی .«1» جعفر الطبري
هذا الموضع قال: أو ارید به الخضوع و الانقیاد للحقّ. و قال- فی سورة المرسلات- بصورة جزمیّۀ: و إذا قیل لهم ارکعوا:
إذن فلا مساس للآیۀ بقضیّۀ إسلام ثقیف، بل هی عامّۀ حکایۀ عن صمود المشرکین أمام الحقّ .«3» سلّموا و اخشعوا أو انقادوا
الصراح.
-40 سورة المطفّفین: مکیّۀ
قالوا: نزل صدرها فی المدینۀ أوّل قدوم رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) إلیها فقد کان أهل المدینۀ من أخبث الناس کیلا، فأنزل اللّه
.«4» (عزّ و جلّ): ویل للمطفّفین- الی تمام الست آیات- فأحسنوا الکیل بعد ذلک
و قد تقدّم: أنّه من المستبعد جدا مواجهۀ الرسول (صلی اللّه علیه و آله) للأنصار بهکذا آیات ذوات لهجۀ عنیفۀ، فی أوّل لقیاه معهم
فی دارهم التی آووه إلیها، و شمّروا ساق الجدّ لمؤازرته و نصرته، عاهدوه علی أنفسهم و أموالهم فی سبیل إعلاء کلمۀ الإسلام.
.«5» و الصحیح: أنّها بأجمعها مکیّۀ
و کانت هناك استثناءات من سور مکیّۀ ترکناها خوف الإطالۀ، و لعدم الاستناد الی حجّ ۀ مقبولۀ. کالاستثناء من سورتی اللیل و
. الماعون ذکرهما السیوطی فی الإتقان. ( 1) راجع جامع البیان: ج 29 ص 150
. 2) البقرة: 43 )
. 3) تفسیر شبر: ص 46 و 545 )
. 4) الإتقان: ج 1 ص 17 . و الدر المنثور: ج 6 ص 324 . و مجمع البیان: ج 10 ص 452 )
. 5) راجع الصفحۀ: 154 )
ص: 224
استثناءات من سور مدنیۀ:
اشارة
تقدم: استبعاد أن تبقی آیۀ غیر مسجّلۀ فی سورة مکیّۀ حتی تنزل سورة مدنیّۀ بعد فترة طویلۀ أم قصیرة، فتسجّل فیها. و هکذا استبعده
صفحۀ 133 من 259
.«1» ابن حجر فی شرح البخاري و غیره
و لکن مع ذلک فقد قالوا فی کثیر من آیات مسجّلۀ فی سور مدنیّۀ: أنّهنّ مکیّات. و نحن نذکر هنّ تباعا حسب ترتیب السور فی
المصحف الشریف، و نعقّبها بما نرتئیه من رأي.
-1 سورة البقرة: مدنیّۀ
استثنی منها ثلاث آیات:
.«2» « فَاعْفُوا وَ اصْفَحُوا حَتَّی یَأْتِیَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ » : الأولی: قوله تعالی
زعموها نزلت بشأن المشرکین أیام کان المسلمون بمکۀ ضعفاء.
شاهد نزولها بشأن أهل الکتاب، أوائل هجرة الرسول (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الی «... وَدَّ کَثِیرٌ مِنْ أَهْلِ الْکِتابِ » : لکن صدر الآیۀ
قاتِلُوا الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ- الی قوله-: » : المدینۀ، و لم تقو شوکۀ الإسلام بعد، ثم نسخت بقوله
.«4» راجع الطبرسی، بشأن نزول الآیۀ و نسخها بآیۀ براءة «3» « مِنَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتابَ حَتَّی یُعْطُوا الْجِزْیَۀَ عَنْ یَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ
.«5» «... لَیْسَ عَلَیْکَ هُداهُمْ » : الثانیۀ: قوله تعالی
زعموها- أیضا- نزلت بشأن صمود المشرکین تجاه قبول الحقّ، نظیرة قوله:
. 1) تقدم ذلک فی الصفحۀ: 169 ) .«6» « إِنَّکَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لکِنَّ اللَّهَ یَهْدِي مَنْ یَشاءُ »
. 2) البقرة: 109 )
. 3) التوبۀ: 29 )
. 185 . و الدر المنثور: ج 1 ص 107 - 4) مجمع البیان: ج 1 ص 184 )
. 5) البقرة: 272 )
. 6) القصص: 56 )
ص: 225
.«1» لکن الآیۀ نزلت بشأن إنفاق المسلمین عن الکفّار، حیث امتنعوا من ذلک زعما أنّها محرّمۀ علیهم و هم علی غیر دینهم، فنزلت
.«2» «... وَ اتَّقُوا یَوْماً تُرْجَعُونَ فِیهِ إِلَی اللَّهِ » : الثالثۀ: قوله تعالی
و علی الفرض فهی مدنیّه علی ما .«3» قیل: هی آخر آیۀ نزلت علی رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) و هو بمنی فی حجّ ۀ الوداع
سلف.
-2 سورة النساء: مدنیّۀ
.«4» «... إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُکُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلی أَهْلِها » : قیل: إلّا قوله تعالی
.«5» «... یَسْتَفْتُونَکَ قُلِ اللَّهُ یُفْتِیکُمْ فِی الْکَلالَۀِ » : و قوله
فإنّهما نزلتا بمکۀ ...!
.«6» ذکر ذلک الطبرسی و لم یذکر حجّۀ و لا القائل بذلک
و لعلّ الوجه فی الآیۀ الأولی ما قیل: إنّها نزلت بعد الفتح بمکۀ، خطابا مع النبیّ (صلی اللّه علیه و آله) بردّ مفتاح الکعبۀ الی عثمان بن
صفحۀ 134 من 259
.«7» طلحۀ حین قبض منه المفتاح یوم الفتح و أراد أن یدفعه الی العباس عن ابن جریح
لکن العبرة بمکیّۀ الآیۀ نزولها قبل الهجرة کما سبق. علی أنّ الآیۀ لا تنطبق علی القصّۀ المزعومۀ، لأنّ دفع المفتاح الی النبیّ (صلی اللّه
علیه و آله) لم یکن برسم أمانۀ و استیداع! و إلّا فحاشی النبیّ (صلی اللّه علیه و آله) أن یخون الأمانات حتی ینبّهه اللّه بنزول آیۀ.! و
الطبرسی أیضا رفض هذا التنزیل ...
. و امّا الآیۀ الثانیۀ فلم نعرف السبب و لا احتماله. و قد ذکر الطبرسی فی ( 1) مجمع البیان: ج 2 ص 385 . و الدر المنثور: ج 1 ص 357
. 2) البقرة: 281 )
. 3) الدر المنثور: ج 1 ص 370 )
. 4) النساء: 58 )
. 5) النساء: 176 )
. 6) مجمع البیان: ج 3 ص 1 )
. 7) مجمع البیان: ج 3 ص 63 )
ص: 226
و لهجۀ الآیۀ تنادي بمدنیّتها، لأنّها من آیات الأحکام. .«1» سبب نزولها وجوها لا تصلح سندا لهذا الاستثناء
غیر أنّ هذا الاستثناء ینظر الی المصطلح الثانی المتقدّم. و أمّا علی المصطلح الأوّل المشهور-: ما نزل بعد الهجرة فهو مدنیّ حتی و لو
.«2» کان نزوله بمکۀ- فالآیۀ مدنیّۀ
-3 سورة المائدة: مدنیّۀ
الْیَوْمَ یَئِسَ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ دِینِکُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی » : استثنی منها قوله تعالی
.«3» « وَ رَضِیتُ لَکُمُ الْإِسْلامَ دِیناً
و هکذا زعمه أبو عبد اللّه الزنجانی «4» قیل: نزلت علی رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) و هو واقف بعرفات فی حجّۀ الوداع
.«5» فی تاریخ قرآنه
لکن أبا عبد اللّه الصادق (علیه السلام) قال: نزلت الآیۀ بعد أن نصب رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) علیا (علیه السلام) علما
و هکذا سجّلها ابن واضح الیعقوبی، «6» « الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ » : للأمّۀ یوم غدیر خم، منصرفه عن حجّۀ الوداع، فأنزل اللّه یومئذ
قال: و کان نزولها یوم النّص علی أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب (صلوات اللّه علیه) بغدیر خم. قال: و هی الروایۀ الصحیحۀ الثابتۀ
.«8» و قد ذکرها الحافظ الحسکانی بعدّة طرق «7» الصریحۀ
ثم انّ نزول الآیۀ بعرفات أو بغدیر خم لا یجعلها مستثناة من المدنیّات، وفق المصطلح المشهور المتقدّم. ( 1) مجمع البیان: ج 3 ص
.149
. 2) تقدم ذلک فی الصفحۀ: 129 )
. 3) المائدة: 3 )
. 4) الدر المنثور: ج 2 ص 257 )
. 5) تاریخ القرآن لأبی عبد اللّه الزنجانی: ص 27 )
. 6) تفسیر التبیان: ج 3 ص 435 )
صفحۀ 135 من 259
. 7) تاریخ الیعقوبی: ج 2 ص 35 )
.160 - 8) شواهد التنزیل: ج 1 ص 156 )
ص: 227
-4 سورة الانفال: مدنیّۀ
.«1» « وَ إِذْ یَمْکُرُ بِکَ الَّذِینَ کَفَرُوا لِیُثْبِتُوكَ أَوْ یَقْتُلُوكَ أَوْ یُخْرِجُوكَ، وَ یَمْکُرُونَ وَ یَمْکُرُ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَیْرُ الْماکِرِینَ » : استثنی منها قوله
قالوا: إنّها نزلت فی قصۀ دار الندوة اجتمعت فیها قریش للتآمر علی رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) و فشلت مؤامرتهم بهجرة الرسول
.«2» (صلی اللّه علیه و آله و سلم) و مبیت علی (علیه السلام) علی فراشه
فی صدر الآیۀ حکایۀ « إذ » لکن نزول الآیۀ بشأن تلک القصۀ لا یستدعی نزولها حینذاك، و لا سیّما بعد ملاحظۀ أداة ظرف الماضی
عن أمر سابق! و فی المصحف الأمیري و تاریخ الزنجانی: استثناء الآیات: 31 الی 36 . نظرا لأنّها نزلت بشأن مشرکی قریش: لکنّها
وَ ما کانَ اللَّهُ لِیُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِیهِمْ وَ ما کانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ » : کالآیۀ المذکورة حکایۀ لأمر سابق، و لا دلیل علی نزولها حینذاك. و قوله
أیضا حکایۀ عن ماض و إخبار عن حال، أي لم یعذّبهم اللّه فیما قبل، بسبب وجودك بین أظهرهم و لا یعذّبهم «3» « وَ هُمْ یَسْتَغْفِرُونَ
الآن- بعد خروجک- لوجود جماعۀ من المؤمنین لم یستطیعوا الخروج و هم علی عزم الهجرة، فرفع اللّه العذاب عن مشرکی مکۀ
.«4» لحرمۀ استغفار هؤلاء المؤمنین الباقین بین أظهرهم
بمکۀ. ثم قال: و یردّه ما صحّ عن ابن عباس «... وَ إِذْ یَمْکُرُ بِکَ الَّذِینَ کَفَرُوا » هذا ... و نقل جلال الدین عن قتادة أنّه قال: نزلت الآیۀ
و قد أخرجه فی اسباب النزول عن ابن عباس: أنّ الآیۀ نزلت بعد مقدمه (صلی اللّه علیه و آله) «5» أنّ هذه الآیۀ بعینها نزلت بالمدینۀ
. 1) الانفال: 30 ) .«6» المدینۀ
. 2) مجمع البیان: ج 4 ص 537 )
. 3) الانفال: 33 )
. 4) مجمع البیان: ج 4 ص 539 )
. 5) الإتقان: ج 1 ص 15 )
. 6) لباب النقول بهامش الجلالین: ج 1 ص 170 )
ص: 228
و ذلک «2» و صحّح هذا الاستثناء ابن العربی و غیره .«1» « یا أَیُّهَا النَّبِیُّ حَسْبُکَ اللَّهُ وَ مَنِ اتَّبَعَکَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ » : و استثنی أیضا- قوله
یا أَیُّهَا النَّبِیُّ حَسْبُکَ اللَّهُ وَ مَنِ اتَّبَعَکَ » لما أخرجه أبو محمد من طریق طارق عن عمر بن الخطاب، قال: أسلمت رابع أربعین فنزلت
.«3» و هکذا روي عن ابن عباس .« مِنَ الْمُؤْمِنِینَ
و قال الواقدي: نزلت بالمدینۀ فی بنی قریظۀ و بنی «4» لکن یعارضه ما روي عن الکلبی، قال: نزلت هذه الآیۀ بالبیداء فی غزوة بدر
.«5» النضیر
هذا ... و سیاق الآیۀ یشهد بمدنیّتها، نزلت فی إبان تشریع القتال، سواء أ مع المشرکین أم مع أهل الکتاب. فالآیۀ یسبقها قوله تعالی:
.«... فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِی الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ » «... الَّذِینَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ یَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ »
وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ » «... وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَیْلِ » .« وَ لا یَحْسَ بَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا یُعْجِزُونَ »
.«6» «... وَ إِنْ یُرِیدُوا أَنْ یَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَکَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَیَّدَكَ بِنَصْرِهِ » .«... لَها
صفحۀ 136 من 259
.«... یا أَیُّهَا النَّبِیُّ حَسْبُکَ اللَّهُ وَ مَنِ اتَّبَعَکَ »
.«7» «... یا أَیُّهَا النَّبِیُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَی الْقِتالِ »
انظر الی هذا السیاق المنسجم بعضه مع بعض انسجاما یجعلنا علی ثقۀ من وحدة مترابطۀ نزلت جملۀ واحدة.
و أیضا: لا معنی لکفایۀ أربعین رجلا أسلموا بمکۀ و هم علی ضعف ما داموا فیها. الأمر الذي یؤکّ د من نزول الآیۀ بالمدینۀ حیث
. جعلت تزداد شوکۀ المؤمنین و تقوي جانبهم مع الأیّام و الساعات، فکانت فیهم الکفایۀ و الکفاءة. ( 1) الانفال: 64
. 2) الإتقان: ج 1 ص 15 )
. 3) الدر المنثور: ج 3 ص 200 )
. 4) مجمع البیان: ج 4 ص 557 )
. 5) تفسیر التبیان: ج 5 ص 152 )
. 6) الأنفال: 56 و 57 و 59 و 60 و 61 و 62 )
. 7) الأنفال: 64 و 65 )
ص: 229
و هکذا فسّرها أبو جعفر الطبري، قال: یقول لهم جلّ ثناؤه: ناهضوا عدوّکم فإنّ اللّه کافیکم أمرهم و لا یهوّلنّکم کثرة عددهم و قلّۀ
.«1» عددکم فإنّ اللّه مؤیّدکم بنصره. و ذکر لهذا المعنی روایات، و لم یتعرّض لشیء من روایات نزولها بشأن إسلام عمر بن الخطاب
-5 سورة براءة: مدنیّۀ
استثنی منها أربع آیات:
ما کانَ لِلنَّبِیِّ وَ الَّذِینَ آمَنُوا أَنْ یَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِکِینَ وَ لَوْ کانُوا أُولِی قُرْبی ... الی قوله: إِنَّ إِبْراهِیمَ لَأَوَّاهٌ » : الأولی و الثانیۀ: قوله تعالی
.«2» « حَلِیمٌ
قالوا: نزلت بشأن أبی طالب عند ما حضرته الوفاة، دخل علیه النبیّ (صلی اللّه علیه و آله و سلم) و عنده أبو جهل و عبد اللّه بن أبی
امیّۀ. فقال النبیّ (صلی اللّه علیه و آله و سلم): أي عم، قل: لا إله إلّا اللّه، أحاجّ لک بها عند اللّه. فقال القرشیان: یا أبا طالب، أ ترغب
عن ملّۀ عبد المطلب؟! فکانا کلّما عرض علیه النبیّ (صلی اللّه علیه و آله) کلمۀ الشهادة أعادا کلامهما.
فکان آخر کلام أبی طالب: أنّه علی ملّۀ عبد المطلب، و أبی أن یقول: لا إله إلا اللّه. فقال النبیّ (صلی اللّه علیه و آله) عند ذلک:
.«3» « إِنَّکَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لکِنَّ اللَّهَ یَهْدِي مَنْ یَشاءُ » لأستغفرنّ لک ما لم انه عنک. فنزلت الآیۀ ... کما و نزلت
و قالوا- أیضا-: إنّها نزلت بشأن والدي رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أراد أن یستغفر لأبیه، و هکذا استجاز ربّه فی زیارة قبر
. امّه فأجازه، فبدا له أن یستغفر لها فنزلت الآیۀ تنهاه.! فما رئی رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) ( 1) جامع البیان: ج 10 ص 26
.114 - 2) براءة: 113 )
. 3) القصص: 56 . الدر المنثور: ج 3 ص 282 . و صحیح البخاري: ج 2 ص 119 و ج 6 ص 87 )
ص: 230
.«1» أکثر باکیا من یومه ذاك
أقول: قاتل اللّه العصبیّۀ الجاهلیّۀ: إنّها نزعۀ أمویّۀ ممقوتۀ عمدت الی الحطّ من کرامۀ بنی هاشم و إلی تشویه جانب أقرباء النبیّ (صلی
اللّه علیه و آله) لتجعل من أبیه و امّه مشرکین، و یموت أبو طالب کافرا، و هو المحامی الأوّل و المدافع الوحید فی وقته عن رسول اللّه
صفحۀ 137 من 259
(صلی اللّه علیه و آله) و قد قال تعالی:
و لا شکّ أنّ أبا طالب کان أوّل من آواه و نصره و وقف دونه بنفسه و نفیسه. و «2» « وَ الَّذِینَ آوَوْا وَ نَصَرُوا أُولئِکَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَ  قا »
.«3» الآیۀ الکریمۀ شهادة عامّۀ تشمله قطعیّا
و یکفی دلیلا علی إیمانه الصادق، قوله فی قصیدته التی یحمی بها عن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) مهدّدا قریش أجمع، قال
فیها:
لقد علموا أنّ ابننا لا مکذّب لدینا و لا یعنی بقول الأباطل
فأصبح فینا أحمد فی أرومۀ تقصر عنه سورة المتطاول
حدبت بنفسی دونه و حمیته و دافعت عنه بالذرا و الکلاکل
«4» فأیّده ربّ العباد بنصره و أظهر دینا حقّه غیر باطل
هذا ... و أمّا نحن الإمامیّۀ فإنّ اصول معتقداتنا تقضی بلزوم طهارة آباء النبیّ (صلی اللّه علیه و آله و سلم) و الأئمۀ (علیهم السلام) و
امّهاتهم، لم یتلوّثوا بدنس شرك قط، فلم یزالوا ینحدرون من صلب شامخ الی رحم طاهر. کما جاء فی الزیارة السابعۀ للإمام أبی عبد
أشهد أنّک کنت نورا فی الأصلاب الشامخۀ و الأرحام المطهّرة، لم تنجّسک الجاهلیۀ بأنجاسها و لم » :( اللّه الحسین (علیه السلام
.« تلبسک من مدلهمّات ثیابها
. و فی حدیث ابن عباس عن النبیّ (صلی اللّه علیه و آله و سلم): لم یزل اللّه ( 1) جامع البیان: ج 11 ص 31
. 2) الانفال: 74 )
. 3) راجع حق الیقین للسید عبد اللّه شبر: ج 1 ص 100 )
. 4) سیرة ابن هشام: ج 1 ص 299 )
ص: 231
.«1» ... ینقلنی من الأصلاب الطیّبۀ الی الأرحام الطاهرة مصفی مهذّبا
أي لم تزل تنتقل من صلب مؤمن موحّ د الی صلب مؤمن «2» « وَ تَقَلُّبَکَ فِی السَّاجِ دِینَ » : و الی هذا المعنی جاء تأویل قوله تعالی
قال العلّامۀ الطبرسی: و قیل: معناه: و تقلّبک فی اصلاب الموحّدین من نبیّ .«3» موحّد. قال مجاهد: من نبیّ الی نبیّ حتی اخرجت نبیّا
الی نبی حتی اخرجک نبیّا عن ابن عباس فی روایۀ عطا و عکرمۀ. و هو المروي عن أبی جعفر الإمام محمد بن علی الباقر، و أبی عبد
اللّه الإمام جعفر بن محمد الصادق (علیهما السلام) قالا: فی أصلاب النبیّین نبیّ بعد نبیّ حتی أخرجه من صلب أبیه من نکاح غیر
.«4» ( سفاح من لدن آدم (علیه السلام
*** و الصحیح فی سبب نزول الآیۀ: ما ذکره أبو علی الطبرسی: أنّ المسلمین جاءوا الی النبیّ (صلی اللّه علیه و آله و سلم) یطلبون
.«5» إلیه الاستغفار لموتاهم الذین مضوا علی الکفر أو النفاق، قالوا: الا تستغفر لآبائنا الذین ماتوا فی الجاهلیۀ، فنزلت الآیۀ
فلو صحّت «... ما کانَ لِلنَّبِیِّ وَ الَّذِینَ آمَنُوا » و ممّا یدلّنا علی صحّۀ هذه الروایۀ و بطلان الروایۀ الأولی: أنّ الآیۀ الکریمۀ جاءت بلفظ
تلک الروایۀ لما کان هناك سبب معقول لإرداف غیره (صلی اللّه علیه و آله) من المؤمنین معه فی هذا الإنکار الصارم.
و أخیرا فإنّ هذه الآیۀ و الآیۀ رقم: 80 و الآیۀ رقم: 84 نزلن جمیعا علی نمط واحد، و السبب شیء واحد: هو ما کان المؤمنون علی
رجاء أن یترحّم علی آبائهم و امّهاتهم و أقربائهم الذین ماتوا علی الکفر، ملتمسین من النبیّ (صلی اللّه علیه ( 1) الدر المنثور: ج 3 ص
.294
. 2) الشعراء: 219 )
. 3) الدر المنثور: ج 5 ص 98 )
صفحۀ 138 من 259
. 4) مجمع البیان: ج 7 ص 207 )
. 5) مجمع البیان: ج 5 ص 76 )
ص: 232
و آله) أن یساعدهم علی هذه الأمنیۀ، فنزلت الآیۀ لتقطع أملهم فی ذلک إذا کانوا علموا من آبائهم البقاء علی الشرك حتی الموت:
.«2» و لتوضیح أکثر راجع تفسیر الآیتین .«1» *« إِنَّ اللَّهَ لا یَغْفِرُ أَنْ یُشْرَكَ بِهِ وَ یَغْفِرُ ما دُونَ ذلِکَ لِمَنْ یَشاءُ »
لَقَدْ جاءَکُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِکُمْ عَزِیزٌ عَلَیْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِیصٌ عَلَیْکُمْ بِالْمُؤْمِنِینَ رَؤُفٌ رَحِیمٌ. فَإِنْ تَوَلَّوْا » : *** الثالثۀ و الرابعۀ: قوله تعالی
و هما آخر سورة براءة. .«3» « فَقُلْ حَسْبِیَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ وَ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِیمِ
قال ابن الغرس إنّهما مکیّتان.
.«4» قال جلال الدین: و هذا غریب، کیف و قد ورد أنّهما آخر ما نزل
قلت: لم یثبت نزول الآیتین بمکۀ، و لا ذکر قائله دلیلا أو سندا لذلک.
فثبت الآیۀ فی سورة مدنیّۀ- و لا سیّما هی آخر السور المدنیّۀ- هو بذاته دلیل علی نزولها بالمدینۀ، حیث الأصل الأولی فی الآیات هو
الثبت الطبیعی تباعا حسب النزول. مضافا الی ما ورد فی سبب نزولهما: جاءت جهینۀ تسأل رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله)- أوّل
.«5» قدومه المدینۀ- عهدا یأتمنون الیه، فنزلت الآیتان
.«6» کما روي أنّهما آخر الآیات القرآنیۀ نزولا بالمدینۀ
-6 سورة الرعد: مدنیّۀ
. وَ لَا* ( 1) النساء: 48 و 116 » : أخرج أبو الشیخ عن قتادة، قال: سورة الرعد مدنیّۀ إلّا قوله تعالی
. 2) تفسیر الطبري: ج 10 ص 137 و 141 . و مجمع البیان: ج 5 ص 54 و 56 . و الدر المنثور: ج 3 ص 64 و 66 )
.129 - 3) براءة: 128 )
. 4) الإتقان: ج 1 ص 15 . و الدر المنثور: ج 3 ص 296 )
. 5) الدر المنثور: ج 3 ص 297 )
6) نفس المصدر و مجمع البیان: ج 5 ص 86 )
ص: 233
.«1» «... یَزالُ الَّذِینَ کَفَرُوا تُصِیبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَۀٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِیباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّی یَأْتِیَ وَعْدُ اللَّهِ
.«2» الی آخر الآیۀ- و التی بعدها -« وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُیِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ » : و ذکر الطبرسی استثناء قوله
لکن الآیۀ تشنیع بموقف المشرکین المتأرجح و إرعاب لهم، کما هی تبشیر بفتح للمسلمین قریب، فهی لأن تکون من تتمّۀ آیات
أرجح. و عن عکرمۀ: أنّها نزلت بالمدینۀ فی سرایا رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) و القارعۀ هی «3» سابقۀ نزلت فی صلح الحدیبیّۀ
.«4» السریّۀ کانت تدوّخهم. و الوعد هو الفتح
-7 سورة الحج: مدنیّۀ
.«5» «... هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا » : استثنی منها قوله
صفحۀ 139 من 259
.«6» قال جلال الدین: الی تمام الآیات الثلاث فإنّهنّ نزلن بالمدینۀ
قلت: و علی ذلک فینبغی الانتهاء الی الآیۀ رقم: 22 . بل الی الآیۀ رقم:
24 ستّ آیات، نظرا للانسجام الوثیق بینهنّ بما لا یمکن التفکیک.
لکن لا سند لهذا الاستثناء، و من ثم فالقول به غریب. مضافا الی ما ورد متواترا أنّها نزلت بشأن ثلاثۀ من المؤمنین هم: حمزة بن عبد
المطلب، و عبیدة بن الحارث، و علی بن أبی طالب، تبارزوا ثلاثۀ من الکفّار، هم: عتبۀ و شیبۀ ابنا ربیعۀ، و الولید بن عتبۀ. قال علی
. (علیه السلام): أنا اوّل من یجثو فی الخصومۀ ( 1) الرعد: 31
. 2) الإتقان: ج 1 ص 15 . و مجمع البیان: ج 5 ص 273 )
. 3) راجع مجمع البیان: ج 6 ص 292 )
. 4) جامع البیان: ج 13 ص 105 )
. 5) الحج: 19 )
. 6) الإتقان: ج 1 ص 9 )
ص: 234
.«2» فالآیۀ نزلت متأخرة عن وقعۀ بدر، أو نزلت ببدر .«1» علی رکبتیه بین یدي اللّه یوم القیامۀ
وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِیٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّی أَلْقَی الشَّیْطانُ فِی أُمْنِیَّتِهِ ... الی قوله: عَذابُ یَوْمٍ » : *** و استثنی- أیضا- قوله
الآیات الاربع. «3» « عَقِیمٍ
.«5» قالوا: نزلن بمکۀ بشأن قصۀ الغرانیق .«4» أخرج ابن المنذر عن قتادة: أنّهنّ مکیّات
و قد زیّفنا حدیث الغرانیق، و أنّه حدیث مفتعل، وضعته الزنادقۀ للتشویه علی سمعۀ القرآن و رسالۀ محمد (صلی اللّه علیه و آله و
.«6» ( سلم
و الآیۀ إشارة الی البدع التی تنتاب شرائع الأنبیاء علی أیدي المحرّفین، لکنّه تعالی یحفظ دینه علی أیدي علماء ربانیّین فی کلّ عصر،
و تلک البدع هی فتنۀ للذین فی قلوبهم مرض. .«7» ینفون بدع المبطلین کما فی الحدیث الشریف
و فی المصحف الأمیري و تاریخ الزنجانی: أنّ الآیات نزلن بین مکۀ و المدینۀ! و لم یعرف لهذا القید سبب معقول أو منقول!
-8 سورة محمد (صلی اللّه علیه و آله): مدنیّۀ
وَ کَأَیِّنْ مِنْ قَرْیَۀٍ هِیَ أَشَ دُّ قُوَّةً مِنْ قَرْیَتِکَ الَّتِی أَخْرَجَتْکَ ( 1) صحیح البخاري: ج 6 ص 123 و 124 . و صحیح » : استثنی منها قوله
. مسلم: ج 8 ص 246
. 349 . و تفسیر الطبري: ج 17 ص 99 - 2) الدر المنثور: ج 4 ص 348 )
.55 - 3) الحج: 52 )
. 4) الدر المنثور: ج 4 ص 342 . و راجع البرهان: ج 1 ص 202 )
. 5) مجمع البیان: ج 7 ص 90 . و تفسیر الطبري: ج 17 ص 131 . و الدر المنثور: ج 4 ص 366 )
. 6) تقدّم ذلک فی صفحۀ: 84 )
. 7) سفینۀ البحار: ج 1 ص 55 )
ص: 235
صفحۀ 140 من 259
.«1» « أَهْلَکْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ
قال السخاوي فی جمال القرّاء: قیل إنّ النبیّ (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لما توجّه مهاجرا الی المدینۀ وقف فنظر الی مکۀ و بکی،
.«2» فنزلت تسلیۀ لخاطره الشریف
لکن الآیۀ فی سیاقها منسجمۀ مع آیات قبلها و بعدها انسجاما وکیدا، بحیث لا یدع مجالا للقول بالتفکیک، فامّا أنّ الجمیع مکیّۀ أو
الجمیع مدنیۀ.
و بما أنّ السورة تقریع عنیف بالمشرکین و إثارة عامّۀ بالمؤمنین، تمهیدا لتشریع القتال، فهی مدنیّۀ نزلت بهذا اللحن اللاذع، و جعلت
تعدّد مساوئ ارتکبتها قریش، و تهدّدها بقتل ذریع و فشل فظیع إزاء معاندتهم مع الحقّ.
و الآیۀ المذکورة أیضا علی نفس النمط. لم تخرج علی قریناتها.
-9 سورة الحجرات: مدنیّۀ
.«3» «... یا أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناکُمْ مِنْ ذَکَرٍ وَ أُنْثی » : نسب الی ابن عباس: استثناء قوله تعالی
علی ما زعمه بعضهم أنّه من دلائل مکیّۀ الخطاب! و قد اسبقنا أنّه لا دلیل فی ذلک ... بدلیل ،« الناس » و لعلّه لمکان الخطاب مع
.«4» « یا أَیُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّکُمُ » وقوعه فی سورة البقرة
-10 سورة الرحمن: مدنیّۀ
. و لم یعرف سبب هذا الاستثناء الغریب! ( 1) محمد: 13 «5» «... یَسْئَلُهُ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ » : استثنی منها قوله
. 2) الإتقان: ج 1 ص 20 . و الدر المنثور: ج 6 ص 48 )
. 3) الحجرات: 13 . مجمع البیان: ج 9 ص 128 )
. 4) البقرة: 21 )
. 5) الرحمن: 29 . الإتقان: ج 1 ص 17 )
ص: 236
-11 سورة المجادلۀ: مدنیّۀ
.«1» «... ما یَکُونُ مِنْ نَجْوي ثَلاثَۀٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ » : استثنی منها قوله
و لم یعرف السبب أیضا.
-12 سورة التحریم: مدنیّۀ
.«2» قال قتادة: هی الی رأس العشرة مدنیّۀ: و الباقی مکیّ
و یردّه: أنّ الآیتین الأخیرتین هما من تتمّۀ المثل الذي ضربه اللّه، نصحا لزوجات الرسول (صلی اللّه علیه و آله و سلم) و قد تطاولن
صفحۀ 141 من 259
علیه. فلو فصلناهما عن سائر آیات السورة لما بقی لهما موقع بدیع.
-13 سورة الإنسان: مدنیّۀ
و قیل الی آخر السورة. .«3» *«... فَاصْبِرْ لِحُکْمِ رَبِّکَ » : استثنی منها قوله
.«4» قالوا: نزلت فی أبی جهل
لکن الآیۀ تفریع علی آیات سبقت فلا یعقل انفکاکها عنها، علی أنّ الأمر بالصبر تجاه تعسّ فات المعاندین أو الجاهلین، هی خصیصۀ
.«5» الأنبیاء فی جمیع أدوار حیاتهم التی ملؤها الکفاح و الجهاد. و من ثم قیل: الآیۀ عامّۀ فی کلّ عاص و فاسق و کافر
***
. 1) المجادلۀ: 7. الإتقان: ج 1 ص 17 )
2) نفس المصدر. )
. 3) الإنسان: 24 )
. 4) الدر المنثور: ج 6 ص 302 . و مجمع البیان: ج 10 ص 402 و 413 )
. 5) مجمع البیان: ج 10 ص 413 )
ص: 237
و هناك سور اخري مدنیّۀ قالوا فیها باستثناءات غریبۀ ترکناها، حیث طال بنا البحث و فیما ذکرنا کفایۀ لإثبات أنّ لا وقع لتلکم
الاستثناءات إطلاقا، سواء من سور مکیّۀ أم مدنیّۀ و کلّها مستندة الی حدس أو نقل ضعیف لا مبرّر للاستناد إلیها البتّۀ.
و بذلک نطوي سجل هذا البحث، و الحمد للّه أوّلا و آخرا.
ص: 239
معرفۀ أسباب النزول* قیمۀ هذه المعرفۀ و فائدتها.
* الاهتداء الی معرفۀ أسباب النزول.
* الفرق بین سبب النزول و شأن النزول.
* معنی قولهم: نزلت الآیۀ فی کذا.
* الفرق بین التنزیل و التأویل.
* هل یشترط فی ناقل السبب حضوره المشهد؟
* العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المورد.
.« إیاك أعنی و اسمعی یا جارة » * نزل القرآن به
* القرآن یجري کما تجري الشمس و القمر.
* کیف الاهتداء الی معالم القرآن؟
ص: 241
معرفۀ أسباب النزول
اشارة
صفحۀ 142 من 259
و إذ کان القرآن ینزل نجوما، و فی فترات متفاصلۀ بعضها عن بعض، و لمناسبات شتی کانت تستدعی نزول آیۀ أو آیات تعالج شأنها،
فقد اصطلحوا علی تسمیۀ تلکم المناسبات بأسباب النزول أو شأن النزول- علی فرق بینهما- و هو علم شریف، و فی نفس الوقت خطیر
یمسّ التنزیل فی صمیم معناه، و یهدي المفسّر المسترشد و الفقیه المستنبط الی حیث سواء السبیل.
و استیفاء هذا البحث یقتضی النظر فی مسائل: قیمۀ هذه المعرفۀ و فائدته فی مجال الفقاهۀ و التفسیر! .. و کیف الاهتداء الی معرفۀ
أسباب النزول؟ ..
و هل هناك فرق بین قولهم: سبب النزول، أو شأن النزول؟. و الفرق بین التنزیل و التأویل، و کذا ظهر الآیۀ و بطنها فی مصطلح
السلف! .. و ما معنی قولهم: نزلت الآیۀ فی کذا؟ .. و هل یجب فی الناقل الأوّل للسبب أن یکون حاضر المشهد؟ .. و أنّ العبرة بعموم
اللفظ لا بخصوص المورد! .. و أنّ القرآن نزل بایاك أعنی و اسمعی یا جارة .. و انّه یجري کما تجري الشمس و القمر! ..
و کیف الاهتداء الی معالم القرآن؟ ... و ما هی الوسائل المستعملۀ فی هذا السبیل؟ ... و نحو ذلک من أبحاث عامّۀ و شاملۀ ..
قیمۀ هذه المعرفۀ:
لمعرفۀ شأن النزول دورها الخطیر فی فهم معانی القرآن الکریم و حلّ
ص: 242
معضلات التفسیر فی کلا مجالی الأصول و الفروع .. إنّها ترفع النقاب عن وجوه کثیر من الآیات، نزلت لتعالج مشکلۀ فی وقتها، لکنها
فی نفس الوقت ذات وجه عامّ تعالج مشاکل الامّۀ عبر الحیاة .. و ربّما کان الوقوف علی الحادثۀ الأولی و المناسبۀ الأولی التی
استدعت نزولها، من خیر الوسائل لکشف الإبهام عن وجه الآیۀ، إذ فیها الإشارة لا محالۀ الی تلک الواقعۀ بالذات ...
قال الواحدي: لا یمکن معرفۀ تفسیر الآیۀ دون الوقوف علی ق ّ ص تها و بیان سبب نزولها ... و جعل السیوطی من فوائد معرفۀ أسباب
النزول، الوقوف علی المعنی و إزاحۀ الإشکال عن وجه الآیۀ .. الأمر الذي لا محید عنه بعد أن کانت الآیۀ مرتبطۀ بالحادث المستدعی
للنزول و ناظرة إلیه ..
و لذلک شواهد فی التنزیل: .«1» ... قال القشیري: بیان سبب النزول طریق قويّ فی فهم معانی الکتاب العزیز
«2» «.. إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَیْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَیْهِ أَنْ یَطَّوَّفَ بِهِما » : قال تعالی
لأنّه لرفع الإثم و لیس للإلزام، فالآیۀ تکون دالۀ علی جواز السعی بین «... فَلا جُناحَ عَلَیْهِ » فقد أشکل علی بعض المفسّرین هذا التعبیر
الصفا و المروة لا الوجوب، مع انّه إجماعی.
لکن اذا ما عرفنا سبب نزولها، لم یبق مجال لهذا الإشکال.
و ذلک أنّ مراسیم الحجّ و الاعتمار کانت معهودة منذ العهد الجاهلی غیر أنّ العرب کانوا قد لوّثوا من هذه المشاعر ببدع أبدعوها،
و علی المروة صنما آخر علی صورة امرأة یقال ،« أساف » من ذلک أنّهم کانوا قد وضعوا علی الصفا صنما علی صورة رجل یقال له
زعموا أنّهما زنیا فی الکعبۀ فمسخهما اللّه حجرین، فوضعا علی الجبلین لیعتبر بهما .. فلمّا طالت المدّة عبدتهما العرب جهلا ،« نائلۀ » لها
. 1) البرهان: ج 1 ص 22 . و الإتقان: ج 1 ص 82 )
. 2) البقرة: 158 )
ص: 243
و سفها. فکانوا إذا طافوا بینهما مسحوهما تبرّکا ...
ثمّ لمّا جاء الإسلام و کسرت الأصنام، تحرّج المسلمون عن الطواف بینهما، زعما انّه کان من بدع الجاهلیۀ تقربا الی الصنمین .. فنزلت
.«1» الآیۀ لترفع هذه الشبهۀ عن أذهان المسلمین
صفحۀ 143 من 259
.«2» قال الإمام الصادق (علیه السلام): کان المسلمون یرون أنّ الصفا و المروة ممّا ابتدع أهل الجاهلیۀ، فأنزل اللّه هذه الآیۀ
و روي عنه أیضا: أنّ ذلک کان فی عمرة القضاء. و ذلک أنّ رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) کان قد شرط علیهم أن یرفعوا
أصنامهم، فتشاغل رجل من أصحابه حتی اعیدت الأصنام، فجاءوا الی رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) فسألوه عن ذلک، و قیل له أنّ
فلانا لم یطف تحرّجا لما قد اعیدت الأصنام ..
.«3» .. فأنزل اللّه هذه الآیۀ
لَیْسَ عَلَی الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِیما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَ آمَنُوا » : *** و قال تعالی
.«4» « ثُمَّ اتَّقَوْا وَ أَحْسَنُوا وَ اللَّهُ یُحِبُّ الْمُحْسِنِینَ
قد یزعم زاعم أن لا بأس بتناول الخمرة إذا قوي إیمان الرجل و صلح عمله، فإنه لا یضرّه شرب المسکر قلیلا .. هکذا کان یزعم عمرو
.«6» و قیل: هو قدّامۀ بن مظعون .«5» بن معدي کرب کما قیل
سوي أنّ الآیۀ نزلت فیمن سلفت منه هذه الشنیعۀ المنکرة ثم تاب و آمن و عمل صالحا ثم اهتدي، فقد عفا اللّه عما سلف.
***
. 1) راجع أسباب النزول للواحدي: ص 25 )
. 2) مجمع البیان: ج 1 ص 240 )
. 3) تفسیر العیاشی: ج 1 ص 70 ح 133 )
. 4) المائدة: 93 )
. 5) الإتقان: ج 1 ص 83 )
. 6) التفسیر و المفسرون ج: 1 ص 60 )
ص: 244
.«1» « وَ لَیْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُیُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَ لکِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقی وَ أْتُوا الْبُیُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ » : و قال تعالی
کما خفی المقصود من هذا الاستنکار .« یَسْئَلُونَکَ عَنِ الْأَهِلَّۀِ قُلْ هِیَ مَواقِیتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَ جِّ » فقد خفی وجه ارتباطها مع صدر الآیۀ
و هی القبائل الستّ العربیّۀ کانت إذا احرمت امتنعت من الدخول «2» أنّ الحمس » : علی صنیع یبدو غریبا! أمّا إذا راجعنا سبب النزول
و بذلک یرتفع الإبهام بکلا جانبیه. ... «.. الی الخباء أو البیوت إلّا من ظهورها، فینقبون فی مؤخرتها نقبا یدخلون و یخرجون منه
إِنَّمَ ا النَّسِیءُ زِیادَةٌ فِی الْکُفْرِ یُضَلُّ بِهِ الَّذِینَ کَفَرُوا یُحِلُّونَهُ عاماً وَ یُحَرِّمُونَهُ عاماً لِیُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَیُحِلُّوا ما » : *** و قال تعالی
.«3» «... حَرَّمَ اللَّهُ زُیِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ
کانت العرب تدین بحرمۀ الشهور الأربعۀ امتدادا لملۀ إبراهیم (علیه السلام). لکنّهم ربّما کان یشقّ علیهم المکث طول ثلاثۀ أشهر لا
یغزون، أو ربّما کانت الحرب علی ساق فیهل أحد الأشهر الحرم، و کان یصعب علیهم ترك القتال .. و لذلک کانوا ینسئون ذلک
الشهر الی وقت آخر لیستمرّوا فی النهب و الغزو و سفک الدماء ..
و هکذا کانوا ینسئون بمراسم الحج لتتوافق مع فصل الربیع کلّ عام، و کان قد وافق الحجّ قبل حجّۀ الوداع ذا القعدة، فلمّا حجّ النبیّ
. (صلی اللّه علیه و آله) فی ( 1) البقرة: 189
2) الحمس- بالضمّ فسکون- جمع أحمس و حمساء، بمعنی المتصلّب فی دینه و مذهبه، اطلق علی ستّ قبائل معروفۀ: قریش و کنانۀ )
. و خزاعۀ و ثقیف و جشم و بنی عامر بن صعصعۀ. مجمع البیان: ج 2 ص 284
. 3) التوبۀ: 37 )
ص: 245
صفحۀ 144 من 259
ألا و إنّ الزمان قد استدار کهیئته یوم خلق اللّه السماوات و الأرض، السنۀ اثنا عشر شهرا منها أربعۀ حرم، ثلاثۀ » : القابل، قال فی خطبته
أراد صلّی اللّه علیه و آله أنّ الأشهر الحرم رجعت «... متوالیات ذو القعدة و ذو الحجّۀ و المحرم، و رجب الذي بین جمادي و شعبان
.«1» ... الی مواضعها و عاد الحجّ الی ذي الحجۀ، و بطل النسیء
الطریق الی معرفۀ أسباب النزول
لمعرفۀ الصحیح من أسباب النزول طرق معهودة تعارف علیها أهل الاصطلاح، من تصحیح الإسناد أو استفاضۀ النقل أو تواتره، ممّا
یقطع معه من صحّۀ الحادثۀ. لکن هناك وسیلۀ أخري لعلّها أدقّ و أوفق للاعتبار و أکثر اطّرادا مع ضوابط دراسۀ التاریخ: أن یکون
المأثور من شأن النزول مما یرفع الإبهام عن وجه الآیۀ تماما و یحلّ مشکلۀ تفسیرها علی الوجه الأتمّ.
علی قید أن لا یکون مخالفا لضرورة دین أو متنا فرا مع بدیهۀ العقل الرشید.
الأمر الذي یکفی بنفسه شاهد صدق علی صحّۀ الحدیث أیّا کان الإسناد.
و ممّا یجدر التنبّه له فی هذا الباب، أنّ الطابع الغالب علی أحادیث شأن النزول، هو الضعف و الجهالۀ و الإرسال، فضلا عن الوضع و
الدّس و التزویر ...
هکذا جاء فی وصف الائمۀ:
قال الإمام بدر الدین الزرکشی: یجب الحذر من الضعیف فیه و الموضوع، فإنّه کثیر. قال المیمونی: سمعت الإمام أحمد بن حنبل
أي لا أصل لها معتمدا علیه. قال المحقّقون من .« ثلاث لیس لها أصول- أو لا أصل لها-: المغازي، و الملاحم، و التفسیر » : یقول
1) مجمع البیان: ج 5 ) .«2» ... أصحابه: یعنی أنّ الغالب، انها لیس لها أسانید صحاح متّصلۀ الإسناد ... و إلّا فقد صحّ من ذلک کثیر
. ص 19
. 2) البرهان: ج 2 ص 156 )
ص: 246
قال جلال الدین السیوطی: الذي صحّ من ذلک قلیل جدّا، بل أصل المرفوع منه (أي المتّصل الإسناد) فی غایۀ القلّۀ ... و قد ذکر
السیوطی فی نهایۀ الکتاب ما لا یبلغ علی الثلاثمائۀ حدیث مرفوع، ما بین ضعیف و سقیم و معضل ... و الباقی مرسل لا حجیّۀ فیه
.«1» .. إطلاقا
الأمر الذي یعود لومه علی السلف تساهلهم بأمر ضبط الحوادث، و من ثمّ فإنّ رصیدنا الیوم بهذا الشأن ضئیل للغایۀ، و لا یفی بحاجۀ
التفسیر فی سوي القلیل.
هذا الواحدي عمد الی جمع الشوارد من أسباب النزول، فلم یمکنه التحرّز عن الضعاف و المجاهیل و ما لا حجیّۀ فیه. مثلا نراه یروي
کثیرا عن ابن عباس عن طریق الکلبی عن أبی صالح .. قال جلال الدین السیوطی: و أوهی طرق التفسیر طریق الکلبی عن أبی صالح
عن ابن عباس. فان انضمّ الی ذلک روایۀ محمد بن مروان السدّي الصغیر، فهی سلسلۀ الکذب .. و کثیرا ما یخرج منها الثعلبی و
.«2» .. الواحدي
أخرج الواحدي و الثعلبی من طریق السدّي عن الکلبی عن أبی :-«3» *«.. وَ إِذا لَقُوا الَّذِینَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا » : و قال- عند قوله تعالی
صالح عن ابن عباس، قال: نزلت هذه الآیۀ فی عبد اللّه بن ابی و أصحابه ... ثم قال: هذا الإسناد واه جدا، فإنّ السدّي الصغیر کذاب و
.«4» .. کذا الکلبی و أبو صالح ضعیف
قال: «5» «.. إِنَّ اللَّهَ لا یَسْتَحْیِی أَنْ یَضْرِبَ مَثَلًا ما » : و عند قوله تعالی
.«6» أخرج الواحدي من طریق عبد الغنی بن سعید الثقفی ... و هو واه جدّا
صفحۀ 145 من 259
.257 - و فی المطبوعۀ من نسخ أسباب النزول للواحدي تصحیف، ذکر الروایۀ عن ( 1) الإتقان: ج 4 ص 180 و 214
. 2) الإتقان: ج 4 ص 209 )
. 3) البقرة: 14 )
. 4) لباب النقول بهامش الجلالین: ج 1 ص 9 )
. 5) البقرة: 26 )
6) لباب النقول بهامش الجلالین: ج 1 ص 11 بالهامش. )
ص: 247
و لیس له ذکر فی کتب التراجم .. «1» عبد العزیز بن سعید
نزلت ردا علی الیهود فی تعییرهم تحویل القبلۀ- کما تقدّم- قال «2» «... وَ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَیْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ » : و قوله
قال: و فی الآیۀ روایات اخر ضعیفۀ .. .«3» .. السیوطی: ما ورد من الروایات بهذا المعنی إسنادها قويّ و المعنی یساعده أیضا فلیعتمد
قال الذهبی: أشعث بن سعید أبو الربیع «5» قال: و أشعث یضعّف فی الحدیث «4» منها ما رواه الواحدي و غیره عن أشعث السّمان
.«6» السمان من الضعفاء، و قد ترکه الدارقطنی و غیره و ضعّفه أحمد و ابن معین
*** و هذا جلال الدین السیوطی الناقم علی الواحدي اعتماده المراسیل و المجاهیل نراه قد تورّط المناکیر و ما خالف العقل و الشرع
.« لباب النقول » فی موارد من اختیاراته فی شأن النزول من کتابه
وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَیْرٌ لِلصَّابِرِینَ. وَ اصْبِرْ وَ ما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ » : مثلا یروي بشأن نزول قوله تعالی
.«7» « وَ لا تَحْزَنْ عَلَیْهِمْ وَ لا تَکُ فِی ضَیْقٍ مِمَّا یَمْکُرُونَ. إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِینَ اتَّقَوْا وَ الَّذِینَ هُمْ مُحْسِنُونَ
من طریق البیهقی عن أبی هریرة: أنّ النبی (صلی اللّه علیه و آله) وقف علی حمزة حین استشهد باحد، و قد مثّل به. فقال: لأمثّلنّ
بسبعین منهم مکانک.
.«8» فنزل جبرائیل بهذه الآیات
. قال: و أخرج الترمذي عن ابیّ ابن کعب، قال اصیب فی أحد من الأنصار ( 1) اسباب النزول للواحدي: ص 13
. 2) البقرة: 115 )
. 3) لباب النقول بهامش الجلالین: ج 1 ص 24 )
. 4) اسباب النزول للواحدي: ص 20 )
. 5) لباب النقول بهامش الجلالین: ج 1 ص 25 )
. 6) المغنی للذهبی: ج 1 ص 91 )
.128 - 7) النحل: 126 )
. 8) لباب النقول بهامش الجلالین: ج 1 ص 213 )
ص: 248
أربعۀ و ستون و من المهاجرین ستۀ منهم حمزة، و قد مثّلوا بهم. فقالت الأنصار:
لئن أصبنا منهم یوما مثل هذا لنربینّ علیهم ... فلمّا کان یوم فتح مکّۀ أنزل اللّه هذه الآیات ..
هذا مع العلم أنّ سورة النحل مکیّۀ، نزلت آیاتها کلّها بمکۀ قبل الهجرة.
و قد ذکرنا ذلک فیما سبق.
هذا .. و قد أحسّ السیوطی نفسه بالوهن المذکور، و من ثمّ لجأ الی افتراض نزول الآیات ثلاث مرات: قبل الهجرة، و بعدها باحد، ثمّ
صفحۀ 146 من 259
.«1» ... یوم الفتح بمکۀ
*** و یزید فی الطین بلّۀ، وجود أمثال هذه الغرائب فی المدوّنات الحدیثیۀ الکبري أمثال البخاري و مسلم و غیرهما ممّا زعمه القوم
أصح کتب الحدیث، لکنّها رغم هذا الزعم ملیئۀ بهکذا أساطیر لا تلتئم مع قدسیۀ الإسلام.
و قد أسبقنا الحدیث عن اسطورة الغرانیق، و قصۀ ابن نوفل، ممّا صحّحه القوم، و هی تمسّ کرامۀ القرآن و قدسیّۀ مقام النبوّة ... و
إلیک نموذجا آخر:
قال السیوطی: و أخرج الطبرانی و ابن أبی شیبۀ فی مسنده و الواحدي و غیرهم بسند فیه من لا یعرف، عن حفص بن میسرة القرشی
عن امّه عن امّها خولۀ و قد کانت خادم رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) أنّ جروا دخل بیت النبی (صلی اللّه علیه و آله) فدخل تحت
السریر فمات، فمکث النبیّ (صلی اللّه علیه و آله) أربعۀ أیام لا ینزل علیه الوحی، فقال: یا خولۀ، ما حدث فی بیت رسول اللّه (صلی
اللّه علیه و آله) جبرئیل ما یأتینی؟ فقلت فی نفسی لو هیّأت البیت، فکنسته فأهویت بالمکنسۀ تحت السریر فأخرجت الجرو. فجاء النبی
وَ الضُّحی الی قوله- ( 1) الاتقان: ج 1 ص » : (صلی اللّه علیه و آله) و ترتعد لحیاه، و کان إذا نزل علیه الوحی أخذته الرّعدة، فأنزل اللّه
. 96 . و لباب النقول بهامش الجلالین: ج 1 ص 214
ص: 249
.«1» فَتَرْضی
قال ابن حجر- فی شرح البخاري- ق ّ ص ۀ إبطاء جبرئیل بسبب وجود جرو کلب تحت سریره (صلی اللّه علیه و آله) و لم یشعر به
.«2» ... مشهورة. لکن کونها سبب نزول الآیۀ غریب، بل شاذّ مردود
قلت: هذه الق ّ ص ۀ المزعومۀ مدنیّۀ، و السورة مکیّۀ بلا خلاف! غیر أنّ الکذوب تخونه ذاکرته!!*** و أخرج الشیخان (البخاري و
مسلم) عن المسیّب، قال: لمّا حضرت أبا طالب الوفاة دخل علیه النبیّ (صلی اللّه علیه و آله) و عنده أبو جهل و عبد اللّه بن أبی امیّۀ،
فقال النبیّ (صلی اللّه علیه و آله): أي عمّ قل: لا إله إلّا اللّه، أحاجّ لک بها عند اللّه .. فقال: أبو جهل و عبد اللّه: یا أبا طالب، أ ترغب
عن ملّۀ عبد المطلب؟
ما کانَ لِلنَّبِیِّ وَ الَّذِینَ آمَنُوا أَنْ یَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِکِینَ وَ لَوْ » فقال النبیّ (صلی اللّه علیه و آله) لاستغفرنّ لک ما لم أنه عنک .. فنزلت
.«3» « کانُوا أُولِی قُرْبی مِنْ بَعْدِ ما تَبَیَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِیمِ
و یفنّد هذه المزعومۀ، بل المکذوبۀ المفتعلۀ، أنّ أبا طالب رحمه اللّه مات قبل الهجرة بثلاث سنین، و کان عضدا قویّا لرسول اللّه
(صلی اللّه علیه و آله) أمّا آیۀ براءة فإنّها نزلت فی سنۀ التسع من الهجرة، أي بعد وفاة أبی طالب باثنتی عشرة سنۀ .. هذا فضلا عن
الدلائل الوفیرة علی إسلام أبی طالب، ذکرناها فی مجالها المناسب .. و لا یقول بکفره إلّا ذوو الأحقاد علی الإسلام و المسلمین أحقاد
.136 - 5. الإتقان: ج 1 ص 92 . و لباب النقول بهامش الجلالین: ج 2 ص 135 - بدر و حنین.! ( 1) الضحی: 1
. 2) فتح الباري: ج 8 ص 545 )
. 3) براءة: 113 . و صحیح البخاري: ج 6 ص 87 . و ج ص 119 )
ص: 250
.«1» و قد لجأ السیوطی الی افتراض نزول الآیۀ مرّتین
و اسبقنا الکلام عن هذه الآیۀ فیما قیل من استثناء آیات مکیّۀ من سورة براءة المدنیّۀ.
*** و أخرج البخاري عن عمر بن الخطاب، قال: لما توفی عبد اللّه بن أبی سلول، جاء ابنه الی رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله)
فسأله أن یعطیه قمیصه یکفّن فیه أباه فأعطاه، ثم سأله أن یصلی علیه، فقام رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) لیصلی علیه. قال عمر:
فأخذت ثوبه و قلت: تصلّی علیه، و قد نهاك ربّک أن تصلی علیه؟! فقال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله): إنّما خیّرنی اللّه فقال
صفحۀ 147 من 259
و سأزید علی السبعین .. قال: إنّه منافق. قال: فصلّی «2» «.. اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِینَ مَرَّةً فَلَنْ یَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ »
.«3» « وَ لا تُصَلِّ عَلی أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَ لا تَقُمْ عَلی قَبْرِهِ » : علیه رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) فأنزل اللّه
.«4» ... قال عمر: فعجبت بعد من جرأتی علی رسول اللّه
.«5» « وَ لَقَدْ صَدَّقَ عَلَیْهِمْ إِبْلِیسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ » : قلت
کیف یظنون بنبیّ الإسلام جهله- و العیاذ باللّه- بأحکام الإسلام، فیحاولوا اختلاق منقبۀ لابن الخطاب، و إن کانت قد تستدعی الحطّ
من قداسۀ رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) و المنقصۀ من کرامته. بل سوّلت لهم انفسهم امرا، فصبر جمیل، و اللّه المستعان علی ما
یصفون ..
أوّلا: النبیّ (صلی اللّه علیه و آله) معصوم، و کلّ أفعاله و أقواله و حتی تقریره، سنّۀ متّبعۀ، لیس لأحد- علی الاطلاق- أن یعارضه
. فیأمره أو ینهاه ممّا ( 1) الإتقان: ج 1 ص 95
. 2) براءة: 80 )
. 3) براءة: 84 )
.86 - 4) صحیح البخاري: ج 6 ص 85 )
. 5) سبأ: 20 )
ص: 251
لَقَدْ کانَ لَکُمْ فِی رَسُولِ » : یرتبط بأمر الشریعۀ .. إن هذا إلّا فضول و خروج عن الطاعۀ و الاستسلام و معاکسۀ صریحۀ مع قوله تعالی
.«1» « اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَۀٌ لِمَنْ کانَ یَرْجُوا اللَّهَ وَ الْیَوْمَ الْآخِرَ
و من ثمّ حاول أئمّۀ. النقد و التمحیص إنکار هذه الروایۀ. و قالوا: هذا وهم من الرواة .. و علّلوا ذلک بأنّه یستلزم أن یکون عمر قد
.«2» ... اجتهد مع وجود النصّ
و حاول ابن حجر تصحیح الخبر و الرّد علی هؤلاء، لکنه أتی بما یزید فی الطین بلّۀ، و فی الطنبور نغمۀ .. انظر الی سفاسفه:
یقول: زعم غیر هؤلاء أنّ عمر اطّلع علی نهی خاصّ فی ذلک. و قال القرطبی: لعلّ ذلک وقع فی خاطر عمر، فیکون من قبیل الإلهام ..
و یحتمل أن یکون فهم ذلک من نهی الاستغفار ...
و» قال ابن حجر: و ما قاله القرطبی أقرب ... لأنّه لم یتقدم نهی عن الصلاة علی المنافقین ... بدلیل أنّه قال فی آخر الحدیث: فأنزل اللّه
و ثانیا: کیف علم عمر أنّ الصلاة علی المنافق محرّمۀ فی الشریعۀ، و لم تنزل بتحریمها آیۀ بعد- !؟« لا تصلّ علی أحد منهم مات أبدا
کما نبّه علیه ابن حجر- أ فهل یجوز أن یلهم عمر بما لا یعرفه مبلّغ الشریعۀ.؟!
و قد حاول ابن حجر محاولۀ اخري فی حل هذه المشکلۀ الثانیۀ بما زاد و هنا فی وهن و ابتعادا عن الحقیقۀ أکثر.
فقد أخرج عن ابن مردویه: أنّ عمر قال له (صلی اللّه علیه و آله): أ تصلّی علیه و قد نهاك اللّه أن تصلّی علیه! فقال له النبیّ (صلی
اللّه علیه و آله): أین؟
. 1) الأحزاب: 21 ) .«... اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ » : قال: قال
.253 - 2) ذکره عنهم ابن حجر فی فتح الباري: ج 8 ص 252 )
ص: 252
لیست للتخییر، بل للتسویۀ، فی عدم « أو » قال ابن حجر: فکان عمر قد فهم من هذه الآیۀ ما هو الأکثر الأغلب من لسان العرب، من أنّ
الوصف المذکور ..
أنّها للمبالغۀ، و أنّ العدد المعیّن لا مفهوم له، بل المراد نفی المغفرة لهم و لو کثر « سَبْعِینَ مَرَّةً » : قال: و فهم عمر أیضا من قوله تعالی
صفحۀ 148 من 259
الاستغفار، فیحصل من ذلک النهی عن الاستغفار، فأطلقه ..
و فهم أیضا أنّ المقصود الأعظم من الصلاة علی المیّت طلب المغفرة للمیّت و الشفاعۀ له، فلذلک استلزم عنده النهی عن الاستغفار
ترك الصلاة .. قال:
و لهذه الامور استنکر علی النبیّ (صلی اللّه علیه و آله) إرادة الصلاة علی عبد اللّه بن ابیّ ...
.«1» !... قال: هذا تقریر ما صدر عن عمر، مع ما عرف من شدّة صلابته فی الدین
یا للعجب من عقلیّۀ ابن حجر، کیف یتصوّر من عمر عملاقا فی فهم قضایا الدین و الوقوف علی مزایا اللغۀ، ممّا غفل عنه مثل رسول
و یجهل الکثیر من «2» اللّه (صلی اللّه علیه و آله) الذي هو مبلّغ الشریعۀ و أفصح من نطق بالضاد؟! أمثل من لا یعرف الأبّ من القتّ
یقوم بتأنیب ناموس الشریعۀ و صمیم العربیّۀ الفصحاء؟! إن هذا إلّا و هم ناشئ عن عصبیّۀ عمیاء اعاذنا اللّه «3» الآداب و السنن
. منها!*** ( 1) فتح الباري: ج 8 ص 252
قال: عرفنا « وَ فاکِهَۀً وَ أَبا » 2) أخرج الطبري فی التفسیر: ج 30 ص 38 عن أنس قال: قرأ عمر سورة عبس، فلمّا أتی علی هذه الآیۀ )
الفاکهۀ فما الأبّ؟ .. ثم قال: انّ هذا لهو التکلّف!. و أورده ابن کثیر فی تفسیره: ج 4 ص 473 و صحّحه ... ثمّ تعجّب من عدم فهم
فالأبّ علف *« مَتاعاً لَکُمْ وَ لِأَنْعامِکُمْ » عمر معنی الأبّ، لأنّ الکلّ یعلم أنّه من نبات الأرض ممّا یقتات به البهائم لقوله تعالی بعد ذلک
الدوابّ کالقتّ.
.( 3) راجع نوادر الأثر فی علم عمر: (الغدیر: ج 6 ص 83 )
ص: 253
و بعد .. فإذ قد عرفت قیمۀ ما أسند من روایات أسباب النزول الواردة فی أهم الکتب الحدیثیّۀ، فکیف بالمقطوع و المرسل و المجهول
.. الأمر الذي ینبؤك عن أصالۀ ما لدینا من صحاح الروایات فی هذا الباب ... و قد صحّ کلام الإمام أحمد: ثلاثۀ لیس لها أصل
معتمد: المغازي و الملاحم و التفسیر ..
خمسۀ أوجه: الأوّل: إنّه فی تحویل القبلۀ و ارتیاب الیهود فی ذلک. «1» « فَأَیْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ » : هذا السیوطی یخرّج لقوله تعالی
عن ابن جریر و ابن أبی حاتم من طریق علی بن أبی طلحۀ عن ابن عباس.
الثانی: أن تصلی حیثما توجّهت به راحلتک. أخرجه الحاکم و غیره عن ابن عمر.
الثالث: إنّه کان فی سفر لیلۀ ظلماء فصلّی کلّ رجل علی حیاله لا یدرون این وجه القبلۀ. أخرجه الترمذي من حدیث عامر بن ربیعۀ. و
کذا الدارقطنی من حدیث جابر.
قالوا: الی أین؟ فنزلت. «2» « ادْعُونِی أَسْتَجِبْ لَکُمْ » الرابع: لمّا نزلت
أخرجه ابن جریر عن مجاهد.
الخامس: عن قتادة أنّ النبیّ (صلی اللّه علیه و آله) قال: إنّ أخا لکم قد مات فصلّوا علیه، فقالوا: إنّه کان لا یصلی الی القبلۀ .. فنزلت ..
قال السیوطی- تعقیبا علی ذلک-: فهذه خمسۀ أسباب مختلفۀ، و أضعفها الأخیر لإعضاله. ثم ما قبله لإرساله. ثم الثالث لضعف رواته.
.«3» .. و الثانی صحیح لکنه قال: قد أنزلت فی کذا، و لم یصرّح بالسبب. و الأوّل صحیح الإسناد و صرّح فیه بذکر السبب فهو المعتمد
***
. 1) البقرة: 115 )
. 2) غافر: 60 )
. 3) الإتقان: ج 1 ص 93 )
ص: 254
صفحۀ 149 من 259
سبب النزول أو شأن النزول:
؟« شأن النزول » أو « سبب النزول » : ما هو الفارق بین قولهم
إن کانت هناك مشکلۀ حاضرة، سواء أ کانت حادثۀ أبهم أمرها، أم مسألۀ خفی وجه صوابها، أم واقعۀ ضلّ سبیل مخرجها، فنزلت
الآیۀ لتعالج شأنها و تضع حلا لمشکلتها، فتلک هی أسباب النزول، أي السبب الداعی و العلۀ الموجبۀ لنزول قرآن بشأنها.
لأنّ الشأن أعمّ موردا من السبب- فی مصطلحهم- بعد أن کان الشأن یعنی: الأمر الذي نزل .« شأن النزول » : و هذا أخصّ من قولهم
القرآن- آیۀ أو سورة- لتعالج شأنه بیانا و شرحا أو اعتبارا بمواضع اعتباره. کما فی أکثریّۀ قصص الماضین و الإخبار عن امم سالفین،
أو عن مواقف أنبیاء و قدّیسین، کانت مشوهۀ و کادت تمسّ من کرامتهم أو تحط من قدسیتهم، فنزل القرآن لیعالج هذا الجانب، و
یبیّن الصحیح من حکایۀ حالهم و الواقع من سیرتهم بما یرفع الإشکال و الإبهام، و ینزّه ساحۀ قدس أولیاء اللّه الکرام.
و علیه فالفارق بین السبب و الشأن- اصطلاحا- أنّ الأول یعنی مشکلۀ حاضرة لحادثۀ عارضۀ. و الثانی مشکلۀ أمر واقع، سواء أ کانت
حاضرة أم غابرة. و هذا اصطلاح و لا مشاحّۀ فیه ..
*** و قولهم: نزلت فی کذا .. أعمّ، قد یراد السبب العارض، و قد یراد شأن أمر واقع فی الغابر .. و أحیانا یراد بیان حکم و تکلیف
شرعی دائم .. قال الزرکشی: و قد عرف من عادة الصحابۀ و التابعین أنّ أحدهم إذا قال: نزلت هذه الآیۀ فی کذا .. فإنّه یرید بذلک
.32 - 1) البرهان: ج 1 ص 31 ) .«1» .. أنّ هذه الآیۀ تتضمّن هذا الحکم، لا أنّ هذا کان السبب فی نزولها
ص: 255
إلّا أنّ السیوطی خصّ أسباب النزول بالنوع الأوّل، و رفض أن یکون بیان قصّۀ سالفۀ سببا لنزول سورة أو آیۀ قرآنیّۀ، و من ثم اعترض
.«1» .. علی الواحدي- فی أسباب النزول- قوله: نزلت سورة الفیل فی قصۀ أصحاب أبرهۀ الذي جاء لهدم الکعبۀ
قال: و الذي یتحرّر فی سبب النزول أنّه ما نزلت الآیۀ أیام وقوعه، لیخرج ما ذکره الواحدي فی سورة الفیل من أنّ سببها قصۀ قدوم
الحبشۀ، فإنّ ذلک لیس من أسباب النزول فی شیء، بل هو من باب الإخبار عن الوقائع الماضیۀ، کذکر قصۀ قوم نوح و عاد و ثمود و
مع أنّ الواحدي لم یصرّح بالسبب، بل ذکر أنّها نزلت فی قصۀ أصحاب الفیل .. .. «2» .. بناء البیت و نحو ذلک
و لا وجه لما تضایق السیوطی علی نفسه و علی الآخرین، بعد أن کان المصطلح علی دواعی النزول هی المناسبات المقتضیۀ لنزول
قرآن، سواء أ کانت حادثۀ واقعۀ، أم اختلافا فی مسألۀ شرعیّۀ فرغیّۀ أو عقائدیّۀ، أم قصّۀ غابرة کانت ذات عبرة أو موضع اختلاف،
فأراد اللّه تعالی تحریرها و تهذیبها و تطهیر ساحۀ قدس أولیائه الکرام ..
التنزیل و التأویل:
؟« ما فی القرآن آیۀ إلّا و لها ظهر و بطن » سأل الفضیل بن یسار الإمام أبا جعفر الباقر (علیه السلام) عن الحدیث المعروف
.«3» «... ظهره تنزیله و بطنه تأویله. منه ما قد مضی و منه ما لم یکن، یجري کما تجري الشمس و القمر » :( فقال (علیه السلام
. ظهر القرآن الذین نزل فیهم، و بطنه الذین عملوا ( 1) اسباب النزول للواحدي: ص 259 » :( و قال (علیه السلام
. 2) لباب النقول بهامش الجلالین: ج 1 ص 5 )
. 3) بصائر الدرجات: ص 196 ح 7 )
ص: 256
.«1» «... بمثل أعمالهم
ذلک أنّ للآیۀ وجها مرتبطا بالحادثۀ الواقعۀ- التی استدعت نزولها- و وجها آخر عاما تکون الآیۀ بذلک دستورا کلیّا یجري علیه
صفحۀ 150 من 259
المسلمون أبدیا، و کما أنّ الآیۀ عالجت- بوجهها الخاصّ- مشکلۀ حاضرة، فإنّها- بوجهها العام- سوف تعالج مشاکل الامۀ علی مرّ
الأیام ...
و لو أنّ الآیۀ نزلت فی قوم ثم مات اولئک القوم ماتت الآیۀ لما بقی من القرآن شیء و لکن » :( قال الإمام أبو جعفر (علیه السلام
.«2» « القرآن یجري أوّله علی آخره ما دامت السماوات و الأرض. و لکلّ قوم یتلونها، هم منها من خیر أو شرّ
نعم، انّ الحکمۀ فی نزول آیۀ أو سورة، لیست بالتی تقتصر علی معالجۀ مشاکل حاضرة، و لیست دواء وقتیّا لداء عارض وقتی .. إذن
تنتفی فائدتها بتبدّل الأحوال و الأوضاع .. بل القرآن، فی جمیع آیۀ و سوره، نزل علاجا لمشاکل امّۀ بکاملها فی طول الزمان و عرضه
.«3» « نزل القرآن بإیّاك أعنی و اسمعی یا جارة » :( .. و الی ذلک یشیر قولهم (علیهم السلام
و هذا الوجه العامّ للآیۀ، هو ناموسها الأکبر، الکامن وراء ذلک الوجه الخاصّ، و إنّما یلقی بأضوائه علی الآفاق من وراء ذلک الستار
الظاهري، و تنبعث أنواره من ذلک البطن الکامن وراء هذا الظهر ...
و هذا من اختصاص القرآن فی بیان مقاصده من الوجهین الخاص و العام، و من ثم فإنّ له تنزیلا (الذین نزل فیهم) و تأویلا (الذین
عملوا بمثل أعمالهم).
و ذلک ظهره و هذا بطنه ..
. غیر أنّ الوقوف علی تأویل القرآن و فهم بطون الآیات، انّما هو من ( 1) تفسیر العیاشی: ج 1 ص 11 ح 4
. 2) تفسیر العیاشی: ج 1 ص 10 ح 7 )
3) تفسیر العیاشی: ج 1 ص 10 ح 4 )
ص: 257
.«1» .. اختصاص الراسخین فی العلم، ممّن ثبتوا علی الطریقۀ فسقاهم ربهم ماء غدقا
.«3» « تعرفه الائمّۀ » : و فی روایۀ اخري «2» أي التأویل « نحن نعلمه » :- و من ثم قال الإمام أبو جعفر- بعد أن تلا الآیۀ
.«4» « وَ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَیْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِیمٌ » : *** قال تعالی
هذه الآیۀ نموذج من الآیات ذوات الوجهین، لها تنزیل و لها تأویل، ظهر و بطن، و إنّما یعلم سرّها الکامن العامّ اولوا البصائر فی الدین
الائمّۀ المعصومون (علیهم السلام).
و لکن مع ملاحظۀ سبب ... «5» هذه الآیۀ تبدو- فی ظاهرها- متعارضۀ مع آیات توجب التوجّه فی الصلاة شطر المسجد الحرام
النزول، و إنّه دفع لشبهۀ الیهود و رفع لارتیابهم فی تحویل القبلۀ، یتبیّن أن لا معارضۀ، و یرتفع الإبهام عن وجه الآیۀ ... ذلک أنّ
الاستقبال فی الصلاة و العبادات أمر اعتباري محض، ینوط باعتبار صاحب الشریعۀ فی مصالح یراها مقتضیۀ حسب الأحوال و
الأوضاع، و لیس وجه اللّه محصورا فی زاویۀ القدس الشریف أو الکعبۀ المکرّمۀ ..
و بذلک تنحلّ مشکلۀ الآیۀ و ترتفع إبهامها، و أن لیس ترخیصا فی الاتجاه بسائر الجهات ..
هذا .. و قد فهم الأئمۀ (علیهم السلام) أمرا آخر أیضا، استخرجوه من باطن الآیۀ، حیث تأویلها المستمرّ ... و أنّها تعنی جواز التطوّع
بالنوافل الی حیث ( 1) من الآیۀ رقم 16 من سورة الجن.
. 2) بصائر الدرجات: ص 196 ح 7 )
. 3) بصائر الدرجات: ص 196 ح 8 )
. 4) البقرة: 115 )
. 5) البقرة: 144 و 149 و 150 )
ص: 258
صفحۀ 151 من 259
توجّهت به راحلتک ... أو اشتبهت القبلۀ، فتصلّی الی أي الجهات شئت ..
.«1» ( هکذا وجدنا صراحۀ الروایات الواردة عن أئمّۀ أهل البیت (علیهم السلام
قال سیّدنا الطباطبائی (قدس سره): إنّک إذا تصفّحت کلمات الأئمۀ (علیهم السلام) فی عموم القرآن و خصوصه، و مطلقه و مقیّده،
لوجدت کثیرا ما، استفادة حکم من عموم الآیۀ، ثم استفادة حکم آخر مع ملاحظۀ خصوصها.
من الوجهین للآیۀ « الکراهۀ » و « الحرمۀ » من وجهها الخاصّ، و هکذا « الوجوب » من الآیۀ من وجه عمومها، و « الاستحباب » فقد یستفاد
بذاتها ..
قال: و علی هذا المقیاس تجد اصولا هی مفاتیح لکثیر من مغالق الآیات، إنّما تجدها فی کلماتهم (علیهم السلام) لا غیرهم .. قال: و
من هنا یمکنک أن تستخرج من لباب کلامهم فی المعارف القرآنیۀ قاعدتین أساسیّتین:
الأولی: انّ کلّ عبارة من عبارات الآیۀ الواحدة، فإنّها لوحدها تفید معنی و تلقی ضوء علی حکم من أحکام الشریعۀ .. ثم هی مع
العبارة التالیۀ لها، تفید حکما آخر، و مع الثالثۀ حکما ثالثا .. و هکذا دوالیک ...
فقوله: «2» « قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِی خَوْضِهِمْ یَلْعَبُونَ » : مثلا قوله تعالی
کلا *« یَلْعَبُونَ » و کذا مع .. « فِی خَوْضِ هِمْ » أیضا کلام آخر هو تام. و مع « ثُمَّ ذَرْهُمْ » : جملۀ تامّۀ الإفادة ... و هی مع قوله *« قُلِ اللَّهُ »
کلام ذو فائدة تامّۀ ...
و اعتبر نظیر ذلک فی کلّ آیۀ شئت من آیات القرآن ..
الثانیۀ: انّ القصّتین أو المعنیین إذا اشترکا فی جملۀ أو نحوها، فهما راجعان الی مرجع واحد ..
239 و - 1) راجع وسائل الشیعۀ: باب 8 و 15 من أبواب القبلۀ ج 3 ص 225 ) .«3» .. قال: و هاذان سرّان، تحتهما أسرار. و اللّه الهادي
.57 - تفسیر العیاشی: ج 1 ص 56
. 2) الانعام: 91 )
. 3) تفسیر المیزان: ج 1 ص 262 )
ص: 259
.«1» « وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً » : و قوله تعالی
قیل: نزلت بشأن الجنّ استأذنوا رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) أن یشهدوا مسجده .. و قد کان صعبا علیهم و هم منتشرون فی فجاج
الأرض .. فنزلت: انّ کلّ موضع من الأرض فهو مسجد للّه یجوز التعبّد فیه .. سوي أنّه یجب الإخلاص فی العبادة فی أيّ مکان کانت
و هکذا روي عن سعید بن جبیر. «2» ..
أمکنۀ العبادة .. :« المعابد » بمعنی « المساجد » هذا إذا أخذت
و ربّما فسّرت بمعنی المصدر، و أنّ العبادات بأسرها خاصّۀ باللّه تعالی لا یجوز السجود لغیره .. روي ذلک عن الحسن.
و قال جمع من المفسّرین کسعید بن جبیر و الزجّاج و الفراء: إنّها المواضع السبعۀ حالۀ السجود، و هی للّه، إذ هو خالقها و الذي أنعم
بها علی الإنسان.
.«3» فلا ینبغی أن یسجد بها لأحد سوي اللّه تعالی
و بهذا المعنی الأخیر أخذ الإمام أبو جعفر محمد بن علی الجواد (علیه السلام) حینما سأله المعتصم العباسی عن هذه الآیۀ، فقال: هی
.«4» ... الاعضاء السبعۀ التی یسجد علیها
و کان هذا الحادث فی ق ّ ص ۀ سارق جیء به الی مجلس المعتصم، فاختلف الفقهاء الحضور فی موضع القطع من یده .. فکان من رأي
الإمام (علیه السلام) أن یقطع من مفصل الاصابع .. و لمّا سأله المعتصم عن السبب، أجاب بأن راحۀ الکفّ، هی إحدي مواضع
صفحۀ 152 من 259
. السجود السبعۀ، و أنّ المساجد للّه، ( 1) الجنّ: 18
. 2) لباب النقول بهامش الجلالین: ج 2 ص 121 )
- 3) و هکذا فسّرها الأئمۀ من أهل البیت فیما ورد من التفسیر المأثور و مجمع البیان: ج 10 ص 372 و تفسیر البرهان: ج 4 ص 394 )
.395
. 4) مجمع البیان: ج 10 ص 372 )
ص: 260
.«1» فلا تقطع
و هکذا، و بهذا الاسلوب البدیع استنبط (علیه السلام) من تعبیر القرآن دلیلا علی حکم شرعیّ کان حلّا قاطعا لمشکلۀ الفقهاء حلا
أبدیّا ..
و هذا من بطن القرآن و تأویله الساري مع کلّ زمان. تعرفه الأئمۀ، إمام کلّ عصر حسب حاجۀ ذلک العصر. قال الإمام الصادق (علیه
.«2» « إنّ للقرآن تأویلا، فمنه ما قد جاء و منه ما لم یجیء فإذا وقع التأویل فی زمان إمام من الائمّۀ عرفه إمام ذلک الزمان » :( السلام
.«3» « ما یستطیع أحد أن یدّعی أنّ عنده جمیع القرآن کلّه ظاهره و باطنه غیر الأوصیاء » :( قال الإمام أبو جعفر الباقر (علیه السلام
و اللّه، إنّی لأعلم کتاب اللّه من أوّله الی آخره کأنّه فی کفّی. فیه خبر السماء و خبر الأرض و خبر ما » :( و قال الصادق (علیه السلام
.«4» «- کان و خبر ما هو کائن. فیه تبیان کلّ شیء- کما قال تعالی
هل یجب حضور ناقل السبب؟
ذکر الواحدي أنّه لا یحلّ القول فی أسباب النزول، إلّا بالروایۀ و السماع ممّن شاهدوا التنزیل و وقفوا علی الأسباب و بحثوا عن علمها
.«5» ..
و هذا الاشتراط إنّما هو من أجل الاستیثاق بأنّ ما ینقله حکایۀ عن حسّ مشهود، لا أنّه من اجتهاد أو تخرّص بالغیب. و من ثمّ من
. عرفناه صادقا فی ( 1) وسائل الشیعۀ: باب 4 من أبواب حد السرقۀ ج 18 ص 490 ح 5
. 2) بصائر الدرجات: ص 195 ح 5 )
. 3) الکافی: ج 1 ص 228 ح 2 )
.« وَ نَزَّلْنا عَلَیْکَ الْکِتابَ تِبْیاناً لِکُلِّ شَیْءٍ » 4) الکافی: ج 1 ص 229 ح 4. و الآیۀ من سورة النحل: 89 )
. 5) اسباب النزول للواحدي: ص 4 )
ص: 261
لهجته، ثقۀ فی إخباره، حذرا واعیا یتجنّب الحدس و التخمین، و لا یخبر إلّا عن علم، و لا یروي إلّا عن یقین .. فإنّ مثله مصدّق و لو
کان غائب المشهد .. و من ثم نعتمد قول خیار الصحابۀ .. و لو لم یصرّح بحضوره المشهد، و کذا إخبار التابعین لهم بإحسان، و من
بعدهم من أئمّۀ صادقین ..
و لنفس السبب نعتمد أقوال أئمّتنا المعصومین بشأن تفسیر القرآن، تنزیله و تأویله، لأنّهم أعرف الخلق بعلوم القرآن ظاهره و باطنه،
سوي أنّ المهمّ هو العلم بصحّۀ الإسناد إلیهم أو تواتر النقل و قلیل ما هو ..
العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المورد:
هذه قاعدة اصولیّۀ مطّردة فی جمیع أحکام الشریعۀ المقدّسۀ، فما یصدر من منابع الوحی و الرسالۀ بشأن بیان أحکام اللّه و تکالیفه
صفحۀ 153 من 259
للعباد، لیس یخصّ موردا دون مورد، و لم یأت الشرع لمعالجۀ حوادث معاصرة، و إنّما هو شرع للجمیع .. الأمر الذي دعا بالفقهاء الی
إلغاء الخصوصیات الموردیّۀ و الأخذ بإطلاق الحکم، إن لفظیّا أو مقامیّا، حسب المصطلح.
هذا بالنسبۀ الی کافۀ أحکام الشریعۀ، سنّۀ و کتابا، و إن کان فی الکتاب آکد. و قد عرفت صریح الروایات بهذا العموم فی آیات
القرآن. فکلّ ما فی القرآن من أحکام و تکالیف واردة فی الآیات الکریمۀ، فإنّما ینظر إلیها الفقهاء من الوجه العامّ، و لا یأبهون
بخصوص المورد إطلاقا.
فإنّها لا تعم بلفظها، و إن کانت قد تعم ،«1» نعم هناك بعض الخطابات مع فئات معهودة، صدرت علی نحو القضیّۀ الخارجیّۀ
بملاکها، إذا کان قد أحرز یقینا .. و فی القرآن منه کثیر .. ( 1) من مصطلح علم المیزان (المنطق) و هو عبارة عن معهودیّۀ الموضوع
فی القضیّۀ، کقولک: اکرم من فی المسجد أو فی المدرسۀ، ترید من هو فی مسجد البلد أو مدرسته فی الحال الحاضر. و لیس فی کلّ
الأزمان و کلّ المساجد و المدارس علی الإطلاق.
ص: 262
الَّذِینَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِینَ أَحْسَ نُوا مِنْهُمْ وَ اتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِیمٌ. الَّذِینَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ » : قال تعالی
.«1» «... النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَکُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِیماناً وَ قالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَکِیلُ
و قد أصابهم القرح الشدید .. و کان أبو سفیان حاول الکرّة و تندّم علی « أحد » نزلت الآیۀ بشأن المؤمنین بعد منصرفهم من وقعۀ
انصرافه عن القتال ..
و بلغ الخبر للمسلمین، و کان الّذي أشاع الخبر هو نعیم بن مسعود الأشجعی، کما فی الحدیث عن الإمامین الباقر و الصادق علیهما
و قیل: الرکب الذي دسّه أبو سفیان للإرجاف بالمؤمنین. و قیل: هم المنافقون بالمدینۀ. .«2» السلام
لکن المؤمنین الصادقین صمدوا علی الثبات و الإیمان و عزموا علی مجابهۀ العدوّ بکلّ مجهودهم، و انتدبهم رسول اللّه (صلی اللّه
علیه و آله) قصدا لإرهاب المشرکین، و فی مقدّمۀ المنتدبین الإمام أمیر المؤمنین (علیه السلام).
الذین جمعوا لهم، هم « النّاس » إشارة الی اناس معهودین أو فرد معهود. و المقصود من « قالَ لَهُمُ النَّاسُ » : و الشاهد فی قوله تعالی
أصحاب أبی سفیان ..
نعم مجموعۀ هذه الحادثۀ تفیدنا مسألۀ الثبات علی الإیمان و أن لا نهاب عدوّا و لا تجمّع الناس ضدّ الحقّ ما دام اللّه ناصرنا و کافلنا،
نعم المولی و نعم النصیر.
إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا سَواءٌ عَلَیْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا یُؤْمِنُونَ. خَتَمَ اللَّهُ عَلی قُلُوبِهِمْ وَ عَلی سَمْعِهِمْ وَ عَلی » : *** و قوله تعالی
.«3» « أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ
إنّما یعنی الذین کفروا علی عهده (صلی اللّه علیه و آله) و عاندوا و أصرّوا علی اللجاج، بعد وضوح الحقّ و سطوع البرهان. و لیس
.173 - مطلق الکفّار علی مرّ ( 1) آل عمران: 172
. 2) مجمع البیان: ج 2 ص 541 )
.7 - 3) البقرة: 6 )
ص: 263
الزمان. و هذا تیئیس للنبیّ (صلی اللّه علیه و آله) فلا تذهب نفسه علیهم حسرات.
قال العلّامۀ الطباطبائی (قدس سره): و لا یبعد أن یکون المراد هم الکفّار من صنادید قریش و کبراء مکۀ الذین عاندوا و لجوا فی أمر
الدین و لم یألوا جهدا فی ذلک. إذ لا یمکن استطراد هذا التعبیر فی حقّ جمیع الکفّار، و إلّا لانسدّ باب الهدایۀ .. فالأشبه أن یکون
هاهنا و فی سائر الموارد من کلامه تعالی هم کفّار مکۀ فی أوّل البعثۀ، إلّا أن تقوم قرینۀ علی خلافه .. نظیر *« الَّذِینَ کَفَرُوا » المراد من
صفحۀ 154 من 259
فیما اطلق فی القرآن من غیر قرینۀ علی إرادة الإطلاق، هم السابقون الأوّلون من المؤمنین. *« الَّذِینَ آمَنُوا » : ما سیأتی أنّ المراد من قوله
.«1» خصّوا بهذا الخطاب تشریفا
هؤلاء قوم معهودون لا کلّ کافر. و یدلّ علیه أمره (صلی اللّه علیه و آله) أن :« الکافرون » و هکذا قال (رحمه اللّه) فی تفسیر سورة
.«2» یخاطبهم ببراءته من دینهم و امتناعهم من دینه
و بذلک تنحلّ مشکلۀ کثیر من الآیات جاءت بهذا التعبیر و أشباهه.
نعم هذا الحکم یسري فیمن شابه اولئک فی العناد و اللجاج مع الحقّ بعد الوضوح.
نزل القرآن بایّاك أعنی و اسمعی یا جارة:
هکذا روي أبو النضر محمد بن مسعود العیاشی باسناده عن الإمام أبی عبد اللّه الصادق (علیه السلام) فیما رواه عنه عبد اللّه بن بکیر.
. و هذا مثل یضرب لمن یخاطب ( 1) تفسیر المیزان: ج 1 ص 50 .«3» « نزل القرآن بإیاك أعنی و اسمعی یا جارة » : قال
. 2) تفسیر المیزان: ج 20 ص 526 )
. 3) تفسیر العیاشی: ج 1 ص 10 ح 4 )
ص: 264
شخصا أو یتکلّم عن أمر، و هو یرید غیره، علی سبیل الکنایۀ أو التعریض.
ما عاتب اللّه نبیّه فهو یعنی به من قد مضی فی » : و روي بإسناده عن ابن أبی عمیر عمّن حدّثه عن أبی عبد اللّه (علیه السلام) قال
.«2» «( عنی بذلک غیره (صلی اللّه علیه و آله «1» « وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ کِدْتَ تَرْکَنُ إِلَیْهِمْ شَیْئاً قَلِیلًا » : القرآن. مثل قوله
أي مضی ذکره إشارة أو تلویحا و ربّما نصّا ... و الأکثر أن یراد امّته (صلی اللّه علیه و آله) بالعتاب، و « من قد مضی فی القرآن » : قوله
لا سیّما المؤمنون صدر الإسلام، کانوا علی قلق و اضطراب فی مواضعهم مع الکفّار ..
و بهذا المعنی ورد قولهم (علیهم السلام) فیما رواه محمد بن مسلم عن الإمام أبی جعفر الباقر (علیه السلام) قال: یا محمّد إذا سمعت
.«3» .. اللّه ذکر أحدا من هذه الامّۀ بخیر فنحن هم. و إذا سمعت اللّه ذکر قوما بسوء ممّن مضی فهم عدوّنا
قال (علیه .. «4» لأنّ القرآن یجري أوّله علی آخره ما دامت السماوات و الأرض. و لکلّ قوم آیۀ یتلونها هم منها من خیر أو شرّ
.«5» السلام): ظهر القرآن الذین نزل فیهم، و بطنه الذین عملوا بمثل أعمالهم
کیف الاهتداء الی معالم القرآن؟
هی حقائقها الراهنۀ، الساریۀ الجاریۀ مع مختلف الأحوال و متقلّبات الأزمان، ،«6» ما فی القرآن آیۀ إلّا و لها ظهر و بطن، و ربّما بطون
. یعرفها الراسخون فی العلم، الذین ثبتوا علی الطریقۀ فسقاهم ربّهم شرابا غدقا .. ( 1) الاسراء: 74
. 2) تفسیر العیاشی: ج 1 ص 10 ح 5 )
. 3) تفسیر العیاشی: ج 1 ص 13 ح 3 )
. 4) المصدر: ص 10 ح 7 )
. 5) المصدر: ص 11 ح 4 )
. 6) راجع تفسیر البرهان: ج 1 ص 20 )
ص: 265
و خیر وسیلۀ لفتح مغالق القرآن هو اللجوء الی أبواب (رحمۀ اللّه) و منابع فیضه القدسی، أهل بیت الوحی، الذین هم أدري بما فی
صفحۀ 155 من 259
البیت. فإنّ بیدهم مقالید هذه المغالق و مفاتیح هذه الأبواب ...
فإنّهم عدل القرآن و أحد الثقلین الذین أوصی بهما الرسول الکریم (صلی اللّه علیه و آله) و فی کلماتهم الکثیر من الإرشادات الی
معالم القرآن و فهم حقائقه الناصعۀ، ممّا لا تجده فی کلام غیرهم علی الإطلاق ..
.«1» « أَ وَ لَمْ یَرَوْا أَنَّا نَأْتِی الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها » : من ذلک ما ورد بشأن قوله تعالی
.«2» « أَ فَلا یَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِی الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها » :- و قوله- فی آیۀ اخري
و هذا تهدید و وعید بالهلاك و الدمار، ان لم یرضخوا لناموس الشریعۀ الغرّاء .. و لکن کیف هذا التهدید، و بم کان هذا الوعید؟
و قد فسّرها جلّ المفسّرین بغلبۀ الإسلام و التضایق علی بلاد الکفر و الإلحاد، قال الثعالبی: إنّا نأتی أرض هؤلاء بالفتح علیک فننقصها
و هکذا رجّحه ابن کثیر قال: و هو «3» بما یدخل فی دینک من القبائل و البلاد المجاورة لهم، فما یؤمّنهم أن نمکنک منهم أیضا
.«5» و هذا اختیار ابن جریر .«4» وَ لَقَدْ أَهْلَکْنا ما حَوْلَکُمْ مِنَ الْقُري » : ظهور الإسلام علی الشرك قریۀ بعد قریۀ، کقوله تعالی
و قد ذهب ابن کثیر و غیره حتی سید قطب الی أنّ السورة مکیّۀ، و لم یذکر أحد استثناء هذه الآیۀ منها. و سورة الأنبیاء مکیّۀ بلا
. خلاف و لم یذکروا سندا ( 1) الرعد: 41
. 2) الأنبیاء: 44 )
. 3) تفسیر الثعالبی: ج 2 ص 274 )
4) الاحقاف: 27 )
.521 - 5) تفسیر ابن کثیر: ج 2 ص 520 )
ص: 266
لاستثناء الآیۀ منها .. الأمر الذي لا یلتئم مع هذا الاختیار فی معنی الآیۀ ..
ثم الآیۀ صریحۀ فی نقصان أطراف الأرض، و لم یعهد اختصاص اسم الأرض بمکۀ المکرّمۀ ..
نعم، فتح هذا المغلاق فی وجه الآیۀ، و فسّرها تفسیرا جلیّا، ما جاء فی کلام الإمام الصادق (علیه السلام) فیما رواه ابن بابویه الصدوق،
.«1» « فقد العلماء » : قال: سئل الصادق (علیه السلام) عن هذه الآیۀ، فقال
و قد فهم منه الفقهاء- فی .«2» « أَوْ یُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ » : و ذلک: أنّ الأرض، یراد بها المعمورة منها فی أکثر الأحیان، کما فی قوله تعالی
حدّ المحاربین- نفیهم من عمارة الأرض، فلا یدخلوا بلدا و لا یحلّوا دیارا إلّا اخرجوا ..
و إذا کانت عمارة الأرض، هی حصیلۀ جهود العلماء و الاختصاصیّین من أهل العلم، فعفوك أنّ خرابها بفقد العلماء و ذهاب الخیار
.«3» .. من الصلحاء، فعند ذلک تفسد البلاد و تهلک العباد .. و الروایات بهذا المعنی کثیرة عن الأئمۀ
و قد تنبّه لذلک بعض الأقدمین، فیما روي عن ابن عباس: تخرّب قریۀ و یکون العمران فی ناحیۀ. و النقصان نقصان أهلها و برکتها ..
و قال الشعبی:
تنقص الأنفس و الثمرات. و فی روایۀ عن ابن عباس أیضا: خرابها بموت علمائها و فقهائها و أهل الخیر منها. قال مجاهد: هو موت
.«4» العلماء
.«5» «.. وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُري آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَیْهِمْ بَرَکاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ » : قال تعالی
. 1) تفسیر البرهان: ج 2 ص 302 ح 5 ) .«6» « وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِکَۀِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِیسَ أَبی وَ اسْتَکْبَرَ » : *** و قوله تعالی
. 2) المائدة: 33 )
.302 - 3) تفسیر البرهان: ج 2 ص 301 )
. 4) مجمع البیان: ج 6 ص 300 و تفسیر ابن کثیر: ج 2 ص 520 )
صفحۀ 156 من 259
. 5) الاعراف: 96 )
. 6) البقرة: 34 )
ص: 267
فقد أشکل علی المفسّرین وجه هذا السجود و الأمر به، و لا تجوز العبادة لغیر اللّه.! و من ثم اختلفوا هل أنّه کان بوضع الجباه علی
الأرض، و أنّهم جعلوا آدم قبلۀ یسجدون للّه تعالی؟
و هو کنایۀ عن قیامهم «1» .. نعم ورد الحدیث عن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) أنّه کان لآدم سجود طاعۀ، و للّه سجود عبادة
بمصالح الإنسان عبر الحیاة، فإنّ قوي الطبیعۀ بأسرها مسخّرة لهذا الإنسان خاضعۀ تحت إرادته ... و السجود هو الخضوع التامّ. قال
وَ خَرُّوا لَهُ » :- و هذا نظیر قوله تعالی- بشأن یوسف و اخوته «2» الشاعر: تري الأکم فیها سجّدا للحوافر. أي التلال مذلّلۀ لحوافر الخیول
اي وقعوا علی الارض خضوعا له .. علی وجه ... «3» « سُجَّداً
.«3» « وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأي بُرْهانَ رَبِّهِ » : *** و قوله تعالی
فلو لا الامتناعیّۀ دلّت علی أنّ الهمّ من یوسف لم یقع .. سوي أنّ الذي منعه و عصمه من همّ المعصیۀ ما ذا کان؟ فقیل: إنّه رأي صورة
أبیه عاضّا علی إصبعه.
و قیل غیر ذلک .. ممّا یتنافی و عصمۀ مقام النبوّة .. و الصحیح ما هدانا إلیه الأئمۀ الراشدون: أنّه الإیمان الصادق الذي هو منشأ
إشارة الی « کَذلِکَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَ الْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِینَ » : العصمۀ فی أنبیاء اللّه (علیهم السلام). بدلیل تعقیبه بقوله
. 1) عیون الاخبار: ج 1 ص 263 قطعۀ من ح 22 . و بحار الأنوار: ج 11 ص 140 ح 6 ) .«5» مقام عصمۀ الأنبیاء
. 2) بحار الأنوار: ج 11 ص 140 )
. 3) یوسف: 24 و 100 )
. 5) راجع تفسیر المیزان: ج 11 ص 141 و 181 )
ص: 269
تاریخ القرآن