گروه نرم افزاری آسمان

صفحه اصلی
کتابخانه
شاهنامه فردوسی
جلد اول
مقدّمۀ الطبعۀ الثانیۀ







مقدّمۀ الطبعۀ الثانیۀ مؤرّخ العقائد ومسؤولیته الخطیرة
التاریخ من العلوم الإنسانیۀ التی اهتم بها البشر منذ فجر الحضارة، وقد قام إنسان کلّ عصر وجیل بضبط الحوادث التی عاصرها
وعایشها أو تقدّمت علیه، بمختلف الوسائل من أبسطها إلی أعقدها حیث کان یسجل الحوادث، یوماً بالنقش علی الأحجار والجدران،
ویوماً بالکتابۀ علی الجلود والعظام وجرید النخل، ویوماً بالتحریر علی القراطیس والأوراق حتی وصل إلی ما وصل إلیه فی العصر
الحاضر من وسائل الإعلام والنشر. وقد قدّم بعمله هذا إلی الأجیال المتأخّرة کنزاً ثمیناً، ورصیداً فکریاً غالیاً وغنیاً وتجارب ملؤها العبر
والدروس، والمواعظ والنصائح التی لا یوجد نظیرها فی أيّ مختبر من مختبرات العالم سوي فی هذا المختبر(التاریخ). (لَقَدْ کانَ فی
( قصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولی الَألْباب) .( 1
وربما یتصوّر متصوّر أنّ تسجیل التاریخ وضبط الحوادث أمر سهل لا یستدعی سوي الشعور بالوقائع، ومعرفۀ اللغۀ والکتابۀ، ولکنّنی
أعتقد ککثیر ممّن لهم إلمام بالمسائل التاریخیۀ أنّ کتابۀ التاریخ الحقیقی الصحیح الذي یمکن أن یکون مساقط العبر والاعتبار،
ومهابط الوعظ والنصح، أمر مشکل جداً، لأنّ الهدف من تسجیل الحوادث، هو: إراءتها للأجیال المتأخّرة علی ما هی علیه سواء
أکانت الحوادث بعامّۀ خصوصیاتها موافقۀ مع میوله
( 8 ) . 1 . یوسف: 111
ونزعاته أم لا، وسواء أکانت لصالح المؤرّخ وقومه أم لا ;ومن المعلوم أنّ القیام بذلک، یتوقّف علی کون المؤرّخ رجلًا موضوعیاً
متبنّیاً للحقیقۀ، ومحباً لها أکثر من حبه لنفسه ونفیسه و مصالحه، و لکن هذا النمط نادر بین المؤرّخین و لا یقوم به منهم إلاّ الأمثل
فالأمثل ولا یأتی بمثله الزمان إلاّ فی الفینۀ بعد الأُخري ;ولأجل ذلک قلّ المؤرّخون الموضوعیون المنصفون، فإنّ أکثرهم یرکّزون
علی ما یروقهم وما یلائم أهواءهم والمذهب الذي یعتنقونه،ویترکون ما سوي ذلک، ولیس هذا شیئاً محتاجاً إلی البرهنۀ والاستدلال،
بل یتّضح بالرجوع إلی ما أُلّف من التواریخ أیّام الدولتین: الأمویۀ والعباسیۀ، فکلّ یخدم الحکومۀ التی کانت تعاصره وتدر علیه
الرزق، ومن ثمّ صارت التواریخ علبۀ المتناقضات، وما ذاك إلاّ لأنّ الکاتب لم یراع واجبه الأخلاقی والاجتماعی وقبل کلّ شیء
مسؤولیته الدینیۀ. تاریخ العقائد وتسجیل الفرق
هذا فیما یرجع إلی مطلق التاریخ والوقائع التی یواجهها المؤرّخ فی کلّ عصر ومصر سواء أکانت راجعۀ إلی الملوك والساسۀ، أو
السوقۀ والشعوب، وأمّا تبیین عقائد الأُمم ومذاهبها التی کانت تدین أو تتمذهب بها علی ما هی علیه، فذاك أمر صعب مستصعب،
صفحۀ 8 من 154
وأشکل من القیام بالرسالۀ المتقدّمۀ فی مجال تسجیل الحوادث وضبط الوقائع، وما هذا إلاّ لأنّ المؤلّف فی هاتیک المجالات إلاّ ما
شذّ مشدود إلی نزعات دینیۀ وعقائد قومیۀ ترسّخت فی ذهنه ونفسه وروحه،والفکرة الدینیۀ صحیحۀ کانت أو باطلۀ من أحبّ الأشیاء
عند الإنسان وربما یضحّی فی سبیلها بأثمن الأشیاء وأغلاها. هذا من جهۀ ومن جهۀ أُخري: إنّ القیام بهذه المهمۀ فی مجال تاریخ
العقائد یتوقّف علی تحلّی المؤرّخ بالشجاعۀ الأدبیۀ والعلمیۀ حتی یتمکّن بهما من البحث الموضوعی حول عقائد الشعوب وعرضها
علی ما هی علیه، والقیام بهذا الواجب عند فقدان هذین العاملین مشکل جدّاً، ومن ثمّ یتحمّل مؤرّخ العقائد مسؤولیۀ جسیمۀ أمام اللّه
( أوّلًا، وأمام وجدانه ثانیاً، وأمام الأجیال القادمۀ والتاریخ ثالثاً. ( 9
ومن المؤسف أنّ أکثر من قام بتدوین عقائد الملل لم یتجرّد عن أهوائه ومیوله ومصالحه الشخصیۀ وغلبت نزعاته وعواطفه الدینیۀ
وتع ّ ص باته الباطلۀ علی تبنّی الواقع وإراءة الحقیقۀ، فتري أنّ أکثرهم یکتب عقیدة نحلته بشکل مرغوب منمّق ویحاول أن یصحّح ما لا
یصحّ ولو بتحریف التاریخ وإنکار المسلّمات، وأمّا إذا أراد الکتابۀ عن عقائد الآخرین فلا یستطیع أن یکن عداءه لها، ولهذا یحاول أن
یعرضها بصورة مشوّهۀ، فیأتی فی غضون کلامه بنسب مفتعلۀ وآراء مختلقۀ وأکاذیب جمّۀ نزولًا علی حکم العاطفۀ الدینیۀ الکاذبۀ، أو
اعتماداً علی الکتب التی لا یصحّ الاعتماد علیها، أو تساهلًا فی ضبط العقائد والمذاهب، إلی غیر ذلک من العوامل التی صارت سبباً
لحیرة الأجیال المتأخّرة فی مجال التعرّف علی عقائد الأقوام والملل، وضلالها وإساءة الظن فیها. وأخصّ من بین تلک العوامل،
الاکتفاء فی تبیین عقائد قوم بالرجوع إلی کتب خصومهم وأعدائهم، وهذا داء عمّ أکثر مؤرّخی العقائد والنحل، نظیر من ألّف من
الأشاعرة فی ضبط عقائد المعتزلۀ، فهم یکتبون عن المعتزلۀ فی ضوء ما وجدوه فی کتاب إمام الحنابلۀ (أحمد بن حنبل) أو
إمامهم(أبو الحسن الأشعري) فینسبون إلیهم أُموراً لا تجد لها أثراً فی کتبهم، بل تجد نقیضه فیها، ولأجل ذلک صارت المعتزلۀ
مهضومۀ الحق. ولیست المعتزلۀ هی الفرقۀ الوحیدة التی تعرّضت لمثل هذا الهضم، بل قد تحمّلت الشیعۀ الإمامیۀ القسط الأوفر من
الاضطهاد والهضم، وکأنّ أصحاب المقالات والفرق اتّفقت کلمتهم علی الکتابۀ عنهم من دون مراجعۀ ولو عابرة إلی مصادرهم
ومؤلّفاتهم، وکأنّ عرض الشیعۀ حلال ینهبه کلّ من استولی علیه بقلمه وبیانه، والقوم یکتبون عن الشیعۀ کلّ شیء ولیس عندهم من
الشیعۀ شیء سوي کتب أعدائهم وخصمائهم ومن لا یحتج به فی باب القضاء والحجاج. وها نحن نقدّم نموذجاً فی هذا الباب ونشیر
إلی کتابین أحدهما لبعض المتقدمین والآخر لبعض المعاصرین، فنري کیف أنّهما تساهلا فی عرض عقائد الشیعۀ ونزلا علی حکم
« الملل والنحل » العاطفۀ، ورمیاها بکلّ فریۀ، وکأنّ الصدور مملوءة بالحقد والعداء، وإلیک البیان: ( 10 ) الشهرستانی وکتابه
المتوفّی سنۀ 548 ه) من الکتب المشهورة )« أبی الفتح محمد بن عبد الکریم الشهرستانی » للمتکلّم الأشعري « الملل والنحل » إنّ کتاب
فی هذا الباب وأکثرها تداولًا بین أترابه، ولعلّ کثیراً من أهل العلم لا یعرفون کتاباً فی هذا الموضوع سواه. ومع هذه الشهرة تري فی
طیّات الکتاب نسباً مفتعلۀ وآراء مختلقۀ عندما یعرّف الشیعۀ، ممّا یندي له الجبین،ویخجل القلم من تحریره وتسطیره، وإلیک بعض ما
2. إنّ الإمام الهادي علیه السَّلام عاشر الأئمّۀ الاثنی عشر ( نسبه إلیهم: 1. من خصائص الشیعۀ القول بالتناسخ والحلول والتشبیه.( 1
3. إنّ هشام بن الحکم کان یقول: إنّ للّه جسماً ذا أبعاض فی سبعۀ أشبار بشبر نفسه فی مکان ( توفّی بقم ومشهده هناك.( 2
4. إنّ علیاً إله واجب الطاعۀ( 4)!! إلی غیر ذلک من النسب الکاذبۀ التی نسبها إلی متکلّم الشیعۀ ربیب ( مخصوص وجهۀ مخصوصۀ.( 3
وإلی نظرائه کهشام بن سالم وزرارة ابن أعین ومحمد بن النعمان ویونس « هشام بن الحکم » بیت الإمام جعفر الصادق علیه السَّلام
بن عبدالرحمن. هذا مع العلم بأنّ هؤلاء أعاظم الشیعۀ کانوا یقتفون أثر أئمتهم ولم یکونوا یعتنقون مبدأ إلاّ بعد عرضه علیهم، ومن
المعلوم أنّ أئمّۀ أهل البیت
.1/ 1 . الملل و النحل: 166
2 . نفس المصدر.
مقالات » ص 65 ، والشیخ الأشعري فی « الفَرْق بین الفِرَق » 1، وهو فی هذا الافتعال تبع عبد القاهر البغدادي فی / 3 . الملل والنحل: 184
صفحۀ 9 من 154
1/102 و... والأخیر هو الأساس لأکثر من کتب فی الملل والنحل. :« الإسلامیین
( 11 ) .1/ 4 . الملل والنحل: 185
التوحید » : وهم دعاة التنزیه کانوا یکافحون البدع الیهودیۀ والمسیحیۀ والمجوسیۀ التی کانت تدور بین أندیۀ أهل الحدیث حتی قیل
فمن راجع کتب الشیعۀ وأحادیث أئمّتهم یجد أنّهم حکموا بکفر القائلین بالتناسخ والحلول .« والعدل علویان والتجسیم والجبر أمویان
والتشبیه و أُلوهیۀ غیره سبحانه، فکیف ینسب هذا الکاتب بصلف ووقاحۀ هذه الأُمور إلی تلامیذ قرناء الکتاب وأعداله؟!! وأعجب
من ذلک أنّه یختلق للشیعۀ فرقاً لم تسمع بها أذن الدهر وإنّما توجد فی کتب أعدائهم، فمن هشامیۀ إلی زراریۀ إلی یونسیۀ إلی... من
الفرق التی لا توجد لا فی کتب القصّاصین المحترفین للکذب، ولا فی علب العطّارین. والشیعۀ وعلماؤهم و فی مقدّمتهم السید
الشریف المرتضی یکذّبون هذه الفرق، وقد شطبوا علی وجودها بقلم عریض وهم لا یعرفونها وإنّما اختلقتها الأوهام لإسقاط الشیعۀ
من عیون الناس. هذا بعض ما یوجد فی هذا الکتاب وأعجب منه أنّه یعرف الإمام الهادی علیه السَّلام الإمام العاشر للشیعۀ بأنّه
والتواریخ والمعاجم طافحۀ ،« الحسن بن علی » مدفون بقم مع أنّه دفن بسامراء یزوره القریب والبعید، وقد دفن إلی جنبه ولده الزکی
بذکرهما وموضع قبرهما.( 1) هذا نموذج من زلاّت هذا المؤرّخ وهو من القدماء. وهلمّ معی إلی نموذج آخر و هو من متأخّري القوم
« نشأة الفکر الفلسفی » ومتنوّریهم، العائشین فی عصر النور والأمانۀ التاریخیۀ والعلمیۀ. النشار وکتابه
یقع فی ثلاثۀ أجزاء أو أزید، وقد « علی سامی النشار » الکتاب للدکتور
( 3 273 وغیره. ( 12 / 1 . راجع وفیات الأعیان لابن خلّکان: 272
خص الجزء الثانی من کتابه ببیان عقائد الشیعۀ وهو یحاول فی مقدّمته أن یکتب عن عقائد الفرق بصورة محایدة، وهو یقول فی
مقدمۀ الطبعۀ السادسۀ: ولکنّی ما زلت أري أنّ التفسیر الموضوعی المحاید هو أهمّ تفسیر فی دراسۀ الفکر عامۀ والفکر الإسلامی
خاصۀ.( 1) وربما یتصوّر الإنسان أنّ لما ذکره مسحۀ من الحق أو لمسۀ من الصدق، ولکنّه عندما یسبر الکتاب ویلاحظ ما فی غضونه
من النسب إلی الشیعۀ یقف علی أنّ ما ذکره فی المقدّمۀ واجهۀ ستر بها کلّ ما فی الکتاب من العداء المستکن وأنّه لا یرید إلاّ إبطال
عقائد الشیعۀ ولو بالنسب الباطلۀ، والحقّ أنّ الدکتور النشار وضع منشاره علی حیاة الشیعۀ تاریخاً وعقیدة، ولا یرسم عن تلک الطائفۀ
إلاّ أُموراً مشوّهۀ وعقائد باطلۀ، والکتاب یحتاج جداً إلی نظارة التنقیب، وإلیک نموذجاً من نسبه المفتعلۀ: 1. یقول عند البحث عن
2. إنّ الرجل یصر علی إنکار کون ( عنصراً شیعیاً، فالإیمان عند الشیعۀ هو معرفۀ بالقلب فقط.( 2 « جهم » الإیمان: ونلحظ أنّ فی رأي
علی علیه السَّلام رائد الفکر الفلسفی فی الإسلام حتی جر عداؤه لعلی علیه السَّلام إلی إنکار النص الذي صدر عنه فی منصرفه
حول القضاء والقدر وذهب إلی أنّ النص موضوع، قائلًا بأنّ الذین أرادوا أن یحاربوا أهل السنّۀ فی الروایات التی رووها « صفین » عن
عن علی علیه السَّلام حول القدر، التجأوا إلی وضع هذا النص، وقد زعم أنّ جاعل هذا النص هو المعتزلۀ.( 3) أمّا کون علی علیه
وأمّا کون النص مجعولًا « نهج البلاغۀ » : السَّلام رائد الفکر العقلی فنترك البحث فیه إلی آونۀ أُخري ویکفینا فی ذلک تراثه الوحید
من جانب المعتزلۀ فهذا ناجم من جهله بمصادر نهج البلاغۀ فقد رواها علماء الشیعۀ
.1/ 1 . نشأة الفکر الفلسفی فی الإسلام: 17
1 الطبعۀ السابعۀ، وستوافیک عقیدة الشیعۀ فی حقیقۀ الإیمان عند البحث عن عقائد المرجئۀ، / 2 . نشأة الفکر الفلسفی فی الإسلام: 345
فلاحظ الجزء الثالث.
( 13 ) .1/ 3 . نشأة الفکر الفلسفی فی الإسلام: 412
أنفسهم بلا توسیط أحد من المعتزلۀ، وسیوافیک بیانه فی هذا الجزء عند البحث عن الرسائل الثلاث حول القدر. والذي أوقعه فی هذا
الخبط والخلط لدي عرض تاریخ الشیعۀ وعقائدهم هو أنّه اعتمد فی دراسته علی کتب خصمائهم وأعدائهم من دون أن یعتمد علی
المتوفّی عام )« أبی الحسین محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الملطی » مصادر الشیعۀ المتوفرة، إلاّ قلیلًا لا یکفی. فاعتمد أوّلًا علی کتاب
صفحۀ 10 من 154
نشر عام 1399 ه، والکاتب حنبلی حشوي قد حشد فی کتابه شیئاً کثیراً من « التنبیه والردّعلی أهل الأهواء والبدع » 377 ه) باسم
الأکاذیب ونسب أُصولًا إلی الصحابۀ والتابعین بسند مزوّر کما سیوافیک بیانه فی هذا الجزء. أفیصحّ فی میزان النصفۀ الکتابۀ عن أُمّۀ
کبیرة یعدّون ربع المسلمین بالنقل عن کاتب حشوي وکتاب حشو؟! والعجب أنّ الدکتور عرفه بأنّه أوّل من کتب حول الشیعۀ من
شیئاً کثیراً، وقد توفّی الإمام عام 324 ه « مقالات الإسلامیین » أهل السنّۀ مع أنّ الإمام الأشعري أسبق منه، فقد کتب عن الشیعۀ فی
الفرق بین » وعلی احتمال ضعیف 330 ه فکیف یکون الملطی أوّل من کتب حول الشیعۀ من أهل السنۀ؟!! واعتمد ثانیاً علی کتاب
لأبی منصور عبد القاهر البغدادي(المتوفّی عام 429 ه) ومن راجع هذا الکتاب لمس منه مضافاً إلی البذاءة فی اللسان تعصّباً « الفرق
فی بیان عقائد الفرق ونوقفک علی نموذج من هذا، فقد قال فی خلال بیان أصناف فرق السنّۀ والجماعۀ: ولم یکن بحمد اللّه ومنّه فی
الروافض و... إمام فی الفقه ولا إمام فی روایۀ الحدیث ولا إمام فی اللغۀ والنحو، ولا موثوق به فی نقل المغازي والسیر والتواریخ ولا
إمام فی الوعظ والتذکیر ولا إمام فی التأویل والتفسیر، وإنّما کان أئمّۀ هذه العلوم علی الخصوص والعموم من أهل السنّۀ
والجماعۀ.( 1) وقال فی موضع آخر:
( 1 . الفرق بین الفرق للبغدادي:ص 232 طبع دار المعرفۀ، تحقیق محمد محیی الدین عبد الحمید. ( 14
یا أیّها الرافضۀ المبطلۀ * دعواکم من أصلها مبطلۀ( 1) هذا أدب الرجل وسیرته فی الکتاب کلّه، ونحن نمر علیه مرور الکرام
ونقول: الدعوي الأُولی دعوي بلا بیّنۀ وبرهان وإنکار وجود الأئمّۀ فی مجالات هذه العلوم بین الشیعۀ کإنکار البدیهیات، ولا نطیل
« تأسیس الشیعۀ الکرام لفنون الإسلام » الکلام فی ردّه بذکر أسماء أئمتهم فی مختلف المجالات والأُمور، وکفانا فی ذلک کتاب
تألیف السید حسن الصدر(المتوفّی عام 1354 ه). غیر أنّی أتعجب من هذه الفریۀ القارصۀ، وکیف نفی وجود شخصیات علمیۀ عند
الشیعۀ مع أنّه کان معاصراً للشیخ المفید(المتوفّی عام 413 ه) الذي یقول فی حقّه الیافعی: کان عالم الشیعۀ وإمام الرافضۀ صاحب
التصانیف الکثیرة، شیخهم المعروف بالمفید وبابن المعلم أیضاً، البارع فی الکلام والجدل والفقه، وکان یناظر أهل کلّ عقیدة مع
( الجلالۀ والعظمۀ فی الدولۀ البویهیۀ.( 2) ویعرّفه ابن کثیر فی تاریخه بقوله: کان مجلسه یحضره کثیر من العلماء من سائر الطوائف.( 3
کیف یقول ذلک وبیئۀ بغداد تجمع بینه و بین الشریف المرتضی(المتوفّی عام 436 ه) الذي یعرّفه ابن خلّکان فی تاریخه ویقول: کان
إماماً فی علم الکلام والأدب والشعر.( 4) وقال الثعالبی: قد انتهت الرئاسۀ الیوم ببغداد إلی المرتضی فی المجد والشرف والعلم والأدب
الأندلسی الظاهري (المتوفّی 456 ه) وکفی « ابن حزم » تألیف « الفصل فی الملل والأهواء والنحل » والفضل.( 5) واعتمد ثالثاً علی کتاب
فی التعرّف علی نفسیۀ
. 1 . نفس المصدر: 71
.3/ 2 . مرآة الجنان: 28
.12/ 3 . تاریخ ابن کثیر: 15
.3/ 4 . وفیات الأعیان: 313
( 15 ) .1/ 5 . تتمیم یتیمۀ الدهر: 53
إنّ » : هذا الرجل وشذوذه أنّه صوب فعل قاتل الإمام أمیر المؤمنین بحجّۀ أنّه کان مجتهداً متأوّلًا مثاباً فی عمله هذا، وإلیک نصّ عبارته
شاعر « عمران بن حطان » عبد الرحمن بن ملجم لم یقتل علیاً(رضی اللّه عنه) إلاّ متأوّلًا مجتهداً مقدراً أنّه علی صواب، وفی ذلک یقول
1) والقارئ الکریم جد علیم بأنّه لا قیمۀ لهذا الاجتهاد )« الصفریۀ: یا ضربۀ من تقیّ ما أراد بها * إلاّلیبلغ من ذي العرش رضواناً
الذي یؤدّي إلی قتل الإمام المفترض طاعته بالنصّ أوّلًا، وبإجماع الأُمّۀ ثانیاً، ولنعم ما أجاب به معاصره القاضی أبو الطیب طاهر بن
عبد اللّه الشافعی فقال: یا ضربۀ من شقی ما أراد بها * إلاّ لیهدم للإسلام أرکاناً( 2) فإذا کان هذا حال المؤلّف ونفسیته ونزعاته،
فکیف یکون حال من استند إلی مثله غیر أنّ الجنس إلی الجنس یمیل؟!! منهجنا فی دراسۀ المذاهب
صفحۀ 11 من 154
ولا « مقالات الإسلامیین واختلاف المصلّین » فلأجل هذا الخبط والتخلیط فی أکثر کتب الملل والنحل خصوصاً فی کتاب إمام الأشاعرة
« الملل والنحل » لعبد القاهر البغدادي و « الفرق بین الفرق » سیما فی ما یرجع إلی المعتزلۀ والشیعۀ فإنّه الأساس لکلّ من کتب بعده، ک
للشهرستانی وغیرهما من المتأخّرین،فقد توخّینا أن لا نعزو إلی مذهب شیئاً إلاّ بعد الوقوف علیه فی کتبهم المؤلّفۀ بأیدي أساطینهم
وأقلام علمائهم، ولا نکتب عن طائفۀ إلاّ بعد توفیر المصادر واستحضار المنابع والرجوع إلیها بدقۀ وإمعان. إنّ منهجنا فی دراسۀ
المذاهب وعقائد الفرق یبتنی علی دعامتین: الأُولی: تبنّی الواقع فی عزو مقال إلی قوم، وذلک لما عرفت.
.1/ 1 . المحلی : 485
2،ولنا مع ابن حزم بحث ضاف سیوافیک فی الجزء الثالث عندالبحث عن الحرکات الرجعیۀ فی القرون الأُولی. ( / 2 . مروج الذهب: 43
( 16
هو سرد العقائد من دون نقد أو تحلیل، وکأنّهم « الملل والنحل » الثانیۀ: العنایۀ بتحلیل عقائد الأُمم ونقدها، فإنّ الغالب علی کتاب
زعموا أنّ واجب المؤرّخ لا یتعدّي بیان الحوادث فی التاریخ، وعرض العقائد فی مجال الملل والنحل، وکأنّ إحقاق الحقّ واجب
وهذا هو المنهج الذي مشینا ،« الملل والنحل » المتکلّم فقط، ونحن ضربنا عن هذا صفحاً وتوخّینا بیان الحقّ علی وجه یناسب کتاب
علیه فی أجزاء الکتاب کلّها، وهو تحقیق الموضوع الذي طرح للبحث من جانب کلّ فرقۀ وملۀ. ولأجل ذلک أصبح الکتاب: کتاباً
کلامیاً أوّلًا، وتاریخیاً للعقائد والمذاهب ثانیاً، وموسوعۀ لبیان حالات رجالهم وشخصیاتهم وتاریخ نشوئهم ثالثاً. وأرجو منه سبحانه أن
یوفّقنا لما فیه رضاه وأن یصوننا من الزلّۀ فی الرأي والقول والفعل والعمل. وأمّا الفرق التی دار حولها البحث والنقد فهی علی سبیل
« السلف » حتی صارت هذه الکلمۀ شعاراً لهم، وکأنّ « السلفیۀ » الذین یعبّر عنهم فی عصرنا هذا ب « أهل الحدیث والحنابلۀ » . الفهرس: 1
آراؤهم وأفکارهم وترجمۀ مفکّریهم ومحقّقیهم ،وإنّما قدمنا هذه الفرقۀ علی « الأشاعرة » . معصوم من الزلۀ متحرّر من الخطأ. 2
« أحمد بن حنبل » مع أنّ الشیخ الأشعري مؤسس هذا المذهب کان معتزلیاً ثمّ تاب عن الاعتزال ورجع إلی مذهب الإمام « المعتزلۀ »
3. الحرکات .« الأشاعرة » و « أهل الحدیث » : وأسّس مذهباً معتدلًا بین المذهبین و إنّما قدمناه لأجل الصلۀ القویمۀ بین المذهبین
الرجعیۀ فی القرون الأُولی کالمرجئۀ والجهمیۀ والکرامیۀ والظاهریۀ، وسیوافیک أنّ آراءهم وأفکارهم فی هذه القرون کانت رجعیۀ
بحتۀ تخالف منطق العقل الذي تعتمد علیه المعتزلۀ، ومنطق الکتاب والسنّۀ الذي یعرج علیهما الحنابلۀ، وأمّا الذي تولی کبرها فسوف
( یظهر لک فی ذلک الفصل. ( 17
أسلاف المعتزلۀ کمعبد بن عبد اللّه الجهنی(المتوفّی عام 80 ه) وغیلان الدمشقی المقتول بدمشق بأمر الخلیفۀ الأموي « القدریۀ » .4
هشام بن عبد الملک عام 105 ، وقد اتّهم هؤلاء بنفی القدر الوارد فی الکتاب والسنّۀ، وقد قلنا إنّ الاتّهام فی غیر محله، وهؤلاء کانوا
دعاة الحریۀ والاختیار لا نفاة القدر الذي جاء فی الآثار الصحیحۀ. نعم کانوا یرفضون القدر السالب للاختیار الحاکم علی حریۀ
الإنسان و اختیاره، بل حتی علی اللّه سبحانه، وکأنّ القدر إله ثان مسلّط علی کلّ شیء حتّی إرادة اللّه وفی الوقت نفسه حنق علی
آراؤهم ورجالهم، وهؤلاء والأشاعرة « الماتریدیۀ » . الإنسان، فهو یدخل من یشاء الجنۀ، ویدخل من یشاء الجحیم بلا ملاك ولا مبرر. 5
أقرب إلی المعتزلۀ من الأشاعرة، وقد وافقوا فی کثیر من المسائل، « الماتریدیۀ » صنوان أو رضیعان یرتضعان من ثدي واحد، ولکن
. نشوؤها ومؤسسها ومعتقداتها. 9 « الوهابیۀ » . تاریخهم وعقائدهم. 8 « الخوارج » . منهجهم وآراؤهم ورجالهم. 7 « المعتزلۀ » . المعتزلۀ. 6
الاثنا عشریۀ. تلک عشرة کاملۀ. و أُقدّم کتابی « الشیعۀ الإمامیۀ » . ونبحث عن الباطنیۀ فی هذا الفصل. 10 ،« الشیعۀ الزیدیۀ والإسماعیلیۀ »
هذا لکلّ طالب للحقّ والحقیقۀ، ولکلّ متعطش للتعرّف علی الواقع بین منعرجات الأهواء النفسیۀ والانتماءات الجاهلیۀ والتع ّ ص بات
الباطلۀ، ولا أشک فی أنّ لفیفاً من الأُمّۀ سیقدّرون عملی هذا غیر أنّ المتطرّفین من الطوائف الإسلامیۀ یعدّونه تفریقاً للأُمّۀ وشقاً
لعصاها، وکأنّهم یرون التقارب الظاهري والتصفیق فی المجامع والمجالس هو روح الوحدة وسنادها، وهم فی غفلۀ عن أنّ التعرف
( علی المذاهب علی ما هی علیه، من عوامل التقریب ( 18
صفحۀ 12 من 154
وتوحید الکلمۀ وعود الأخوة الإسلامیۀ إلی المجتمع الدینی، وعلی کلّ تقدیر فلا أطلب رضا هؤلاء، ولا أعتمد علیه ولا أخشی سخط
الآخرین ولا أخافه، ورائدي هو رضوانه تعالی لا غیر. (قُلْ إِنّما أَعِظُکُمْ بِواحِ دَة أَنْ تَقُومُوا للّهِ مَثْنی وَفُرادي ثُمَّ تَتَفَکَّرُوا) .( 1) جعفر
السبحانی قم المقدسۀ الحوزة العلمیۀ 1410 ه
( 19 ) . 1 . سبأ: 46
الملل والنحل فی المؤلّفات الإسلامیۀ
الملل والنحل فی المؤلّفات الإسلامیۀ
لقد قام ثلّۀ من علماء المسلمین بتدوین کتب مف ّ ص لۀ أو مختصرة فی هذا المضمار، فکشفوا عن مصادر الآراء ومواردها، وجمعوا
واردها وشاردها، وما ألّفوه حول تبیین العقائد والنحل علی أصناف نشیر إلیها: أ. ما یتناول جمیع الشرائع والمذاهب العالمیۀ، إسلامیۀ
لإمام المذهب الظاهري، أبی محمد علی بن حزم الظاهري « الفصل فی الملل والأهواء والنحل » . کانت أو غیرها، ومن هذا القسم: 1
لأبی الفتح محمد بن عبد الکریم الشهرستانی ( 479 548 ه). ب. ما یتناول خصوص الفرق « الملل والنحل » . (المتوفّی 456 ه). 2
تألیف شیخ الأشاعرة أبی الحسن علی بن إسماعیل « مقالات الإسلامیّین واختلاف المصلّین » . الإسلامیۀ، ومن هذا القسم: 1
لأبی الحسین محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الملطی الشافعی (المتوفّی سنۀ 377 ه). « التنبیه والرد » . الأشعري(المتوفّی عام 324 ه). 2
( تألیف الشیخ عبد القاهر بن طاهر بن محمد ( 20 « الفرق بین الفرق » .3
لطاهر بن محمد « التبصیر فی الدین وتمییز الفرقۀ الناجیۀ عن الفرق الهالکۀ » . البغدادي الإسفرائینی التمیمی(المتوفّی 429 ه). 4
للکرمانی(المتوفّی 786 ه) « شرح المواقف » ذیل کتاب « الفرق الإسلامیۀ » . الإسفرائینی(المتوفّی 471 ه) المطبوع بمصر عام 1374 ه. 5
تألیف أبی ،« فرق الشیعۀ » . وقد طبع فی بغداد عام 1973 م. ج. ما یتناول خصوص مذهب من المذاهب الإسلامیۀ، ومن هذا القسم: 1
1) للشیخ أبی القاسم )« فرق الشیعۀ » . محمد الحسن بن موسی النوبختی من أعلام القرن الثالث للهجرة، وقد بیّن فیه فرق أهل الإمامۀ. 2
سعد بن عبد اللّه بن أبی خلف الأشعري القمی (المتوفّی 299 أو 301 ه). وقد طبعت هذه الکتب و وزعت فی العالم، وهی متاحۀ لکلّ
من أراد معرفۀ هذه المذاهب والمقالات والآراء والأفکار، ولنقدّم قبل الورود فی البحث أُموراً تفید القرّاء الکرام وطلاب هذه المعرفۀ:
1. الملۀ والنحلۀ فی اللغۀ
الملّۀ بمعنی الطریقۀ، والمراد هنا السنن المأخوذة والمقتبسۀ من الآخرین، ولأجل ذلک یضیفها القرآن إلی الرسل والأقوام إذ یقول
مثلًا: (بَلْ مِلَّۀَ إِبْراهیمَ حَنیفاً)( 2)، و قوله: (إِنّی تَرَکْتُ مِلّۀَ قَوم لا یُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) ( 3) ولا تستعمل مضافۀ إلی اللّه ولا إلی آحاد أُمّۀ نبی
لسان » بل إلی نفس النبی، ویقال ملّۀ إبراهیم وملّۀ محمّد صلَّی الله علیه وآله وسلَّم ولا یقال: ملّۀ اللّه. وأمّا النحلۀ فهی علی ما فی
.« انتحال المبطلین » بمعنی الدعوي، والنسبۀ بینها وبین الدین أنّها تستعمل فی الباطل کثیراً، مثل کلمۀ « العرب
1 . کما عبر عنه النجاشی فی ترجمته وربما یعبر عنه بالمقالات والفرق.
. 2 . البقرة: 135
( 21 ) . 3 . یوسف: 37
والمقصود من الکلمتین فی هذا العلم هو الطرق والمناهج العقائدیۀ سواء أکانت حقّاً أم باطلًا. 2. الصلۀ بین علم العقائد وعلم الملل
والنحل
وهناك اتّصال وثیق بین علم الکلام وعلم الملل والنحل، ووزان علم الملل والنحل بالنسبۀ إلی علم العقائد والکلام، وزان تاریخ العلم
بالنسبۀ إلی العلم نفسه، نظیر الفلسفۀ وتاریخها، فالفلسفۀ تطرح الموضوعات الفلسفیۀ علی بساط البحث، فتقیم برهاناً علی ما تتبنّاه بینما
یشرح تاریخ الفلسفۀ المناهج الفکریۀ التی نجمت فی فترات مختلفۀ، من دون ترکیز علی رأي أو تبنی عقیدة خاصۀ فی کثیر من
صفحۀ 13 من 154
الأحیان. ومثله علم الکلام بالنسبۀ إلی الملل والنحل، فالأوّل یبحث عن المسائل العقائدیۀ التی ترجع إلی المبدأ والمعاد وما یلحقهما
من المباحث ویوجه عنایته إلی إثبات فکرة خاصۀ فی موضوع معین ونقد الآراء المضادة له، ولکن الثانی یطرح المناهج الکلامیۀ
المؤسسۀ طیلۀ قرون من دون أن یتحیز إلی منهج دون منهج غالباً، وهمّه هو عرض هذه الأسّس الفکریۀ علی روّاد الفکر والمعرفۀ.
وإن شئت قلت: إنّ علم الملل والنحل یتعرّض للموضوعات الکلامیۀ المبحوث عنها فی علم الکلام ویشرحها ویعرض الآراء المختلفۀ
حولها من دون القضاء بینها، و أمّا علم الکلام فهو یتّخذ موضوعات خاصۀ للبحث ویبدي المؤلّف نظره الخاص فیها ویرکز علی رأیه
بإقامۀ البرهان. 3. قیمۀ الکتب المؤلّفۀ فی هذا المضمار
لا شکّ أنّ للکتب المؤلّفۀ فی هذا المضمار، مکانۀ فی الأوساط العلمیۀ وأنّ المؤلّفین فی الملل والنحل قد تحمّلوا جهوداً کثیرة فی
الإحاطۀ بالمناهج الفکریۀ الرائجۀ فی الملأ العلمی خصوصاً الأوائل منهم، غیر أنّه لا یمکن الاعتماد علی هذه الکتب بصورة مطلقۀ،
( وذلک لأنّا نري أنّهم یذکرون فرقاً للشیعۀ الإمامیۀ لم یسمع الدهر بأسمائها کما لم یسمع ب آراء أصحابها قط. ( 22
فهذا إمام الأشاعرة یذکر للشیعۀ الغالیۀ خمس عشرة فرقۀ، وللشیعۀ الإمامیّۀ أربعاً وعشرین فرقۀ، وینسب إلیهم القول بالتجسیم، وغیر
ذلک من الآراء والعقائد السخیفۀ، ویقسّم الزیدیۀ إلی ست فرق، وقد أخذ عنه من جاء بعده ممّن ألّف فی هذا المجال. فإذا کان حاله
فی تلک المواضع التی نحن أعرف « الملل النحل » والشهرستانی فی « الفرق بین الفرق » وحال من نسج علی منواله کالبغدادي فی
منهم بها بهذا المنوال، فکیف حالهم فیما ینقلونه عن سائر أصحاب الشرائع من الیهود والنصاري والمجوس والبراهمۀ والبوذیین
وغیرهم؟! ولأجل ذلک یجب أن تکون نسبۀ القول إلی أصحابها مقرونۀ بالاحتیاط والتثبّت والرجوع إلی مؤلّفات نفس الفرق. یقول
والعالم المحتاط لدینه لا ینسب إلی فرقۀ من :« التبصیر فی الدین » المحقّق المعاصر الشیخ محمد زاهد الکوثري فی تقدیمه لکتاب
الفرق ما لم یره فی الکتب المردودة علیهم، الثابتۀ عنهم أو فی کتب الثقات من أهل العلم المتثبتین فی عزو الأقاویل، ولا یلزمهم إلاّ ما
« المسائل الکبري » هو لازم قولهم لزوماً بیّناً لم یصرح قائله بالتبرّي من ذلک اللازم .( 1) وقد تصفّحنا أکثر ما کتبه أحمد بن تیمیۀ فی
عن خصوص الشیعۀ، فوجدناهما ملیئین بالأخطاء، لو لم نقل بالکذب والوضع. إذا عرفت « منهاج السنّۀ » عن الشیعۀ وغیرهم وفی کتابه
ذلک، فاعلم أنّه یقع الکلام فی فصول:
( 23 ) . 1 . التبصیر فی الدین: 7
الفصل الأوّل افتراق الُأمّۀ إلی ثلاث وسبعین فرقۀ
الفصل الأوّل افتراق الأُمّۀ إلی ثلاث وسبعین فرقۀ
إنّ أُمّتی تفترق علی » : روي أصحاب الصحاح والمسانید ومؤلّفو الملل والنحل عن النبی الأکرم صلَّی الله علیه وآله وسلَّم أنّه قال
وقد اشتهر هذا الحدیث بین المتکلّمین وغیرهم حتی الشعراء والأُدباء. وتحقیق الحدیث یتوقّف علی البحث فی « ثلاث وسبعین فرقۀ
جهات أربع: 1. هل الحدیث نقل بسند صحیح قابل للاحتجاج به، أو لا؟ 2. ما هو النصّ الصادر عن النبی الأکرم صلَّی الله علیه وآله
وسلَّم فی هذا المجال، فإنّ نصوص الحدیث فی ذلک المجال مختلفۀ؟ 3. ما هی الفرقۀ الناجیۀ من هذه الفرق المختلفۀ، فإنّ النبی قد
نصّ علی نجاة فرقۀ واحدة، کما سیأتیک نصه؟ 4. ما هی الفرق الاثنتان والسبعون التی أخبر النبی صلَّی الله علیه وآله وسلَّم بنشوئها
من بعده؟ وهل بلغ عدد الفرق والطوائف الإسلامیۀ إلی هذا الحدّ؟ فإلیک البحث فی هذه الجهات الأربع: أ. سند الحدیث
( روي الحدیث المذکور فی الصحاح والمسانید بأسانید مختلفۀ، و قد قام ( 24
« تخریج أحادیث الکشّاف » : المتوفّی 762 ه) بجمع أسانیده ومتونه فی کتابه )« عبد اللّه بن یوسف بن محمد الزیلقی المصري » الحافظ
وقد اهتم فیه بهذا الحدیث سنداً ومتناً، إهتماماً بالغاً، لم یسبقه إلیه غیره.... غیر أنّ القضاء فیما جمعه من الأسانید خارج عن مجال هذه
الفصل » : الرسالۀ، ولأجل ذلک نبحث فیه علی وجه الإجمال، فنقول: إنّ هاهنا من لا یعتقد بصحّۀ الحدیث منهم: ابن حزم، فی کتابه
صفحۀ 14 من 154
وحدیث « أنّ القدریۀ والمرجئۀ مجوس هذه الأُمۀ » قال: ذکروا حدیثاً عن رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم « فی الأهواء والملل
ثم قال:) هذان حدیثان لا یصحان أصلًا من ) « تفترق هذه الأُمّۀ علی بضع وسبعین فرقۀ کلّها فی النار حاشا واحدة فهی فی الجنۀ » آخر
طریق الأسناد، وما کان هکذا فلیس حجّ ۀ عند من یقول بخبر الواحد، فکیف من لا یقول به.( 1) وهناك من یعتقد بصحّۀ الاستدلال
اعلم أنّ العلماء یختلفون فی صحّۀ هذا الحدیث، :« الفرق بین الفرق » لأجل تضافر أسناده، یقول محمد محیی الدین محقّق کتاب
فمنهم من یقول إنّه لا یصحّ من جهۀ الأسناد أصلًا، لأنّه ما من إسناد روي به إلاّ وفیه ضعف، وکلّ حدیث هذا شأنه لا یجوز
الاستدلال به ;ومنهم من اکتفی بتعدّد طرقه، و تعدد الصحابۀ الذین رووا هذا المعنی عن رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم
2) وقد قام الحاکم النیشابوري بروایۀ الحدیث عن سند صحیح یرتضیه الشیخان قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سلمۀ العنزي (ثنا) )....
عثمان بن سعید الدارمی (ثنا) عمرو بن عون ووهب بن بقیۀ الواسطیان (ثنا) خالد بن عبد اللّه، عن محمد بن عمرو، عن أبی سلمۀ، عن
افترقت الیهود علی إحدي أو اثنتین وسبعین فرقۀ وافترقت النصاري علی » : أبی هریرة قال: قال رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم
إحدي أو اثنتین وسبعین فرقۀ، وتفترق أُمّتی
.1/ 1 . الفصل فی الأهواء والملل: 248
( 2 . الفرق بین الفرق: 7 8 التعلیقۀ. ( 25
محمّد بن » وهذا حدیث صحیح علی شرط مسلم، ولم یخرجاه.( 1) وقد استدرك علیه الذهبی بأنّ فی سنده . « علی ثلاث وسبعین فرقۀ
ولا یحتج به منفرداً ولکن مقروناً بغیره.( 2) فإذا کان هذا حال السند الذي بذل الحاکم جهده لتصحیحه، فکیف حال سائر « عمرو
الأسانید؟! وقد رواه الحاکم بأسانید مختلفۀ، وقال: قد روي هذا الحدیث عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص، و عمرو بن عوف المزنی
بإسنادین تفرّد بأحدهما عبد الرحمن بن زیاد الأفریقی، والآخر کثیر بن عبد اللّه المزنی، ولا تقوم بهما الحجّ ۀ.( 3) هذا حال ما نقله
الحاکم فی مستدرکه. وأمّا ما رواه أبو داود فی سننه والترمذي فی سننه، وابن ماجۀ فی صحیحه فقد قال فی حقّه الشیخ محمد زاهد
وفی « عبد الرحمن بن زیاد بن أنعم » الکوثري: أمّا ما ورد بمعناه فی صحیح ابن ماجۀ، وسنن البیهقی، وغیرهما ففی بعض أسانیده
و فی بعضها مجاهیل کما « الولید بن مسلم » و فی بعضها « راشد بن سعد » و « عباد بن یوسف » وفی بعضها « کثیر بن عبد اللّه » بعضها
( یظهر من کتب الحدیث و من تخریج الحافظ الزیلقی لأحادیث الکشاف، وهو أوسع من تکلّم فی طرق هذا الحدیث فیما أعلم.( 4
هذا بعض ما قیل حول سند الحدیث، والذي یجبر ضعف السند هو تضافر نقله واستفاضۀ روایته فی کتب الفریقین: الشیعۀ والسنّۀ
بأسانید مختلفۀ، ربما تجلب الاعتماد، وتوجب ثقۀ الإنسان به.
1، وقد رواه بسند آخر أیضاً یشتمل علی محمد بن عمرو الذي لا یحتج بمفرداته، وبسند آخر / 1 . المستدرك علی الصحیحین: 128
أیضاً مشتمل علی ضعف، وقد جعلهما الحاکم شاهدین لما صحّح من السند.
2 . التبصیر فی الدین: 9، المقدمۀ.
1، کتاب العلم. / 3 . المستدرك علی الصحیحین: 128
( 4 . التبصیر: 9، المقدمۀ . ( 26
وقد رواه من الشیعۀ، الصدوق فی خصاله فی باب السبعین وما فوق.( 1) والعلّامۀ المجلسی فی بحاره( 2)، ولعلّ هذا المقدار من النقل
یکفی فی صحّۀ الاحتجاج بالحدیث. ب. اختلاف نصوص الحدیث
هذه هی الجهۀ الثانیۀ التی أشرنا إلیها فی مطلع البحث، فنقول: إنّ مشکلۀ اختلاف نصوص الحدیث لا تقل إعضالًا عن مشکلۀ سنده،
. فقد تطرّق إلیه الاختلاف من جهات شتی، لا یمکن معه الاعتماد علی واحد منها، وإلیک الإشارة إلی الاختلافات المذکورة: 1
الاختلاف فی عدد الفرق
روي الحاکم عدد فرق الیهود والنصاري مردّداً بین إحدي وسبعین واثنتین وسبعین، بینما رواه عبد القاهر البغدادي بأسانیده عن أبی
صفحۀ 15 من 154
هریرة علی وجه الجزم والقطع، وأنّ الیهود افترقت إلی إحدي وسبعین فرقۀ، وافترقت النصاري علی اثنتین وسبعین فرقۀ. وفی الوقت
لیأتین علی أُمّتی ما أتی علی بنی إسرائیل، تفرق بنو إسرائیل » : نفسه روي بسند آخر افتراق بنی إسرائیل علی اثنتین وسبعین ملّۀوقال
ونقل بعده بسند آخر افتراق بنی إسرائیل علی إحدي وسبعین .« علی اثنتین وسبعین ملّۀ، وستفترق أُمّتی علی ثلاث وسبعین ملّۀ
فرقۀ.( 3) ویمکن الجمع بین النقلین الأخیرین بأنّ المراد من بنی إسرائیل هو الأعم من الیهود والنصاري فیصحّ عدّ الفرق اثنتین
وسبعین.
2، أبواب السبعین ومافوق، الحدیث العاشر والحادي عشر. / 1 . الخصال: 584
. 28 36 / 2 . البحار: 2
( 27 ) . 3 . الفرق بین الفرق: 5
نعم یحمل الأخیر علی خصوص الیهود من بنی إسرائیل. 2. الاختلاف فی عدد الهالکین والناجین
( إنّ أکثر الروایات تصرّح بنجاة واحدة وهلاك الباقین. فعن البغدادي بسنده عن رسول اللّه أنّه قال: کلّهم فی النار إلاّ ملّۀ واحدة.( 1
وروي الترمذي وابن ماجۀ مثل ذلک.( 2) بینما رواه شمس الدین محمد بن أحمد بن أبی بکر البشاري السیاح المعروف (المتوفّی
أصحّ « اثنتان وسبعون فی الجنۀ وواحدة فی النار » بصورة تضاده إذ قال: إنّ حدیث « أحسن التقاسیم فی معرفۀ الأقالیم » 380 ه) فی کتابه
3. الاختلاف فی تعیین الفرقۀ الناجیۀ ( أشهر.( 3 « اثنتان وسبعون فی النار وواحدة ناجیۀ » إسناداً، وحدیث
فقد اختلف النقل فی تعیین سمۀ الفرقۀ الناجیۀ أخذاً بما یقول بأنّ جمیعها فی النار إلاّ واحدة. روي الحاکم( 4) و عبد القاهر البغدادي
( 5) وأبو داود( 6) و ابن ماجۀ( 7) بأنّ النبی قال: إلاّ واحدة وهی الجماعۀ، أو قال: الإسلام وجماعتهم. وروي الترمذي( 8 )
والشهرستانی( 9) أنّ النبی صلَّی الله علیه وآله وسلَّم عرف الفرقۀ الناجیۀ بقوله: ما أنا علیه الیوم وأصحابی.
. 1 . المصدر نفسه: 76
2، باب افتراق الأُمم. / 5، کتاب الإیمان، الحدیث 2641 ;سنن ابن ماجۀ: 479 / 2 . سنن الترمذي: 26
3 . طبع الکتاب فی لیدن، عام 1324 ه الموافق ل 1906 م.
.1/ 4 . المستدرك علی الصحیحین: 128
. 5 . الفرق بین الفرق: 7
4، کتاب السنّۀ. / 6 . سنن أبی داود: 198
2، باب افتراق الأُمم. / 7 . سنن ابن ماجۀ: 479
. 5، کتاب الإیمان، الحدیث 2641 / 8 . سنن الترمذي: 26
( 28 ) . 9 . الملل والنحل : 13
ستفترق أُمّتی علی بضع وسبعین فرقۀ أعظمها فرقۀ، قوم یقیسون الأُمور » : وروي الحاکم أیضاً أنّ النبی حدّد أعظم الفرق هلاکاً بقوله
وقال: هذا حدیث صحیح علی شرط الشیخین، ولم یخرجاه.( 1) وروي صاحب روضات « برأیهم، فیحرّمون الحلال ویحلّلون الحرام
2) هذه ).« هم أنا وشیعتی »: أنّ النبی صلَّی الله علیه وآله وسلَّم عرف الفرقۀ الناجیۀ بقوله « الجمع بین التفاسیر » الجنات عن کتاب
الوجوه تعکس مدي الاختلاف فی تحدید ملامح الفرقۀ الناجیۀ. وأمّا تحقیق القول فی ذلک فسیوافیک عند البحث عن الجهۀ الثالثۀ،
وهی التالیۀ: ج. مَن هی الفرقۀ الناجیۀ؟
هذه هی الجهۀ الثالثۀ التی ینبغی الاهتمام بها حتی یستطیع الباحث من تعیین الفرقۀ الناجیۀ، بها. قال الشیخ محمد عبده: أمّا تعیین أي
فرقۀ هی الناجیۀ، أي التی تکون علی ما کان النبی علیه وأصحابه، فلم یتعیّن إلی الآن، فإنّ کلّ طائفۀ ممّن یذعن لنبینا بالرسالۀ تجعل
نفسها علی ما کان علیه النبی وأصحابه.(إلی أن قال: ) وممّا یسرنی ما جاء فی حدیث آخر أنّ الهالک منهم واحدة.( 3) أقول: ما ورد
صفحۀ 16 من 154
وهی تارة جاءت رمزاً للنجاة، وأُخري للهلاك، « الجماعۀ » : من السمات فی تحدید الفرقۀ الناجیۀ لا یتجاوز أهمّها عن سمتین: أولاها
فلا یمکن الاعتماد علیها، وإلیک بیان ذلک:
.4/ 1 . المستدرك علی الصحیحین: 430
2 . روضات الجنات: 508 ، الطبعۀ القدیمۀ.
( 29 ) . 8 222 / 3 . تفسیر المنار : 221
روي ابن ماجۀ عن عوف بن مالک قال: قال رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم : افترقت الیهود... والذي نفس محمد بیده لتفترقن
أُمّتی علی ثلاث وسبعین فرقۀ، فواحدة فی الجنۀ، وثنتان وسبعون فی النار. قیل: یا رسول اللّه من هم؟ قال: الجماعۀ.( 1) بینما نقل أنّه
2)، فإنّ الإتیان بضمیر )« وإنّ هذه الملۀ ستفترق علی ثلاث وسبعین: ثنتان وسبعون فی النار وواحدة فی الجنۀ، وهی الجماعۀ » : قال
ورجوع الضمیر ،« اثنتان وسبعون » : الجمع فی الحدیث الأوّل، وبضمیر المفرد فی الحدیث الثانی یؤید رجوع الضمیر فی الأوّل إلی
فتکون الجماعۀ تارة آیۀ الهلاك وأُخري آیۀ النجاة. أضف إلی ذلک أنّ قسماً کبیراً من النصوص لا یشتمل « الواحدة » المفرد إلی
علی هذه اللفظۀ، ولا یصحّ أن یقال إنّ الراوي ترك نقلها، أو نسیها، وذلک لأنّ ذکر سمۀ الناجی أو الهالک من الأُمور الجوهریۀ فی
مع الجماعۀ، فإنّه لا یزید فی مقام « الإسلام » هذا الحدیث، فلا یمکن أن یتجاهله أو ینساه. ومن ذلک تعلم حال ما اشتمل علی لفظ
أو ،« ما أنا علیه وأصحابی » : التعریف شیئاً علی المجرد منه، لوضوح أنّ الإسلام حقّ إنّما المهم معرفۀ المسلم الواقعی عن غیره. ثانیتها
کون هذا آیۀ النجاة لا یخلو عن خفاء. أوّلًا: إنّ هذه الزیادة غیر موجودة فی بعض نصوص الروایۀ، ولا ،« ما أنا علیه الیوم وأصحابی »
یصحّ أن یقال إنّ الراوي ترك نقلها لعدم الأهمیۀ. وثانیاً: إنّ المعیار الوحید للهلاك والنجاة هو شخص النبی صلَّی الله علیه وآله
وسلَّم وأمّا أصحابه فلا یمکن أن یکونوا معیاراً للهدایۀ والنجاة إلاّ بقدر اهتدائهم
2، باب افتراق الأُمم. / 1 . سنن ابن ماجۀ: 479
( 30 ) .1/ 4 ،کتاب السنّۀ ;المستدرك علی الصحیحین: 128 / 2 . سنن أبی داود: 198
واقتدائهم برسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم ، وإلاّ فلو تخلّفوا عنه قلیلًا أو کثیراً فلا یکون الاقتداء بهم موجباً للنجاة. وعلی ذلک
فعطف (وأصحابی) علی النبی صلَّی الله علیه وآله وسلَّم لا یخلو من غرابۀ. وثالثاً: إنّ المراد إمّا صحابته کلّهم، أو الأکثریۀ الساحقۀ.
فالأوّل: مفروض العدم لاختلاف الصحابۀ فی مسالکهم ومشاربهم السیاسیۀ والدینیۀ بعد رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم ، وأدلّ
دلیل علی ذلک ما وقع من الخلاف فی السقیفۀ وبعدها. والثانی: ممّا لا یلتزم به أهل السنّۀ، فإنّ الأکثریۀ الساحقۀ من الصحابۀ خالفوا
الخلیفۀ الثالث، وقد قتله المصریون والکوفیون فی مرأي ومسمع من بقیۀ الصحابۀ، الذین کانوا بین مؤلّب، أو مهاجم، أو ساکت. علی
أنّ حمل أصحابی علی الأکثریۀ خلاف الظاهر، ویظن أنّ هذه الزیادة من رواة الحدیث لدعم موقف الصحابۀ، وجعلهم المحور
الوحید الذي یدور علیه فلک الهدایۀ بعد النبی الأعظم، والمتوقع من رسول الهدایۀ هو أن یحدد الفرقۀ الناجیۀ بسمات واضحۀ تستفید
منها الأجیال الآتیۀ، فإنّ کلّ الفرق یدّعون أنّهم علی ما علیه النبی بل علی ما علیه أصحابه أیضاً: وکلّ یدّعی وصلًا بلیلی * ولیلی لا
و یظن أنّ هذه الزیادة طرأت « أعظمها فرقۀ قوم یقیسون الأُمور برأیهم » : تقر لهم بذاکا وأخیراً نقلنا عن الحاکم أنّه روي عن النبی قوله
علی الحدیث من بعض الطوائف الإسلامیۀ بین أهل السنّۀ، طعناً فی أصحاب القیاس، علی حین أنّ القیاس بمفهومه الأُصولی لم یکن
أمراً معهوداً لأصحاب النبیّ حتی یکتفی النبی فی تعیین الفرقۀ الهالکۀ بهذا الوصف غیر المعروف فی عصر صدور حدیث الافتراق.
أحادیث حول مستقبل الصحابۀ
( إنّ الأحادیث المتضافرة عن النبی الأکرم صلَّی الله علیه وآله وسلَّم عن مستقبل الصحابۀ ( 31
« ما أنا علیه وأصحابی » : تصدّنا عن الأخذ بمسالکهم ومشاربهم وتمنعنا عن تصحیح ما ورد فی ذیل بعض الروایات الماضیۀ، أعنی قوله
وذلک لأنّ النبی الأکرم صلَّی الله علیه وآله وسلَّم یخبر عن أحوالهم بعد رحلته، وأنّهم سیحدثون فی الدین أُموراً منکرة، وبدعاً
صفحۀ 17 من 154
محرمۀ وأنّهم یرتدون عن الدین ولأجل ذلک یحلأون عن الحوض ویذادون عنه، و قد روي هذه الأحادیث الشیخان(البخاري
فی الفصل الرابع عند البحث عن الحوض والصراط والمیزان. وإلیک بعض « جامع الأُصول » ومسلم) وغیرهما. وجمعها ابن الأثیر فی
أنا فرطکم علی » : تلک الأحادیث: 1. أخرج الشیخان عن عبد اللّه بن مسعود قال: قال رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم
الحوض، ولیرفعن إلیّ رجال منکم حتی إذا أهویت إلیهم لأناولهم اختلجوا دونی، فأقول: أي رب، أصحابی ;فیقال: إنّک لا تدري
یرد علیّ یوم القیامۀ رهط من أصحابی، أو » : 2. أخرج الشیخان أنّ رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم قال .« ماذا أحدثوا بعدك
قال من أُمّتی، فیحلأون عن الحوض، فأقول: یا ربّ أصحابی، فیقول: إنّه لا علم لک بما أحدثوا بعدك، إنّهم ارتدوا علی أدبارهم
إلی غیر ذلک من الروایات البالغ عددها إلی عشرة أحادیث وفی ضوء هذه الروایات لا یمکن الحکم بعدالۀ کلّ صحابی .« القهقري
لمجرّد الصحبۀ، للعلم بوجود الفسق والارتداد وإحداث البدع فیهم، وهذا العلم الإجمالی یصدّنا عن تعدیل کلّ صحابی وتصدیقه.
کما یصدنا عن القول بأنّ الأکثریۀ الساحقۀ من الصحابۀ إذا اتفقت علی شیء یکون دلیلًا علی صدقه وصحته، علی أنّ هذا لا یدلّ
علی أنّ جمیع الصحابۀ کانوا علی هذا المنوال بل کان فی الصحابۀ الثقات العدول، والأخیار المتقون. وقد أشبعنا الکلام حول
الصحابۀ من حیث العدالۀ.( 1)
1 . سیوافیک البحث عن عدالۀ الصحابۀ عند تحلیل عقائد أهل الحدیث فی هذا الجزء. الفرقۀ الناجیۀ فی ضوء النصوص الأُخر
لو أنّ شیخ الأزهر رجع إلی النصوص الأُخر للنبی الأکرم لتبیّن له الفرقۀ الناجیۀ فی کلام النبی صلَّی الله علیه وآله وسلَّم ، فإنّ لنبی
الرحمۀ کلمات فی مواضع أُخر یشد بعضها بعضاً، ویفسر بعضها البعض الآخر، وإلیک ما أثر عنه فی تلک المجالات ممّا تعد قرائن
منفصلۀ موضحۀ للحدیث الحاضر. 1. حدیث الثقلین
یا أیّها الناس إنّی ترکت فیکم ما إن أخذتم به لن تضلّوا: کتاب اللّه وعترتی أهل » : قال رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم
إنّی تارك فیکم خلیفتین: کتاب اللّه، حبل ممدود ما بین » : 1) روي إمام الحنابلۀ عن النبی صلَّی الله علیه وآله وسلَّم أنّه قال ).« بیتی
2) روي الحاکم فی مستدرکه عن النبی الأکرم صلَّی ).« السماء والأرض ;وعترتی أهل بیتی، وإنّهما لن یفترقا حتی یردا علیّ الحوض
إنّی أوشک أن أُدعی فأُجیب، وإنّی تارك فیکم الثقلین: کتاب اللّه عزّ وجلّ، وعترتی ;کتاب اللّه حبل » : الله علیه وآله وسلَّم أنّه قال
ممدود من السماء إلی الأرض، وعترتی أهل بیتی، فإنّ اللطیف الخبیر أخبرنی أنّهما لن یفترقا حتی یردا علی الحوض، فانظروا کیف
3) والاختلاف الموجود بین نصوص الحدیث غیر مضر أبداً، لأنّ النبی الأکرم صلَّی الله علیه وآله وسلَّم نطق بهذا ).« تخلّفونی فیهما
الحدیث فی مواضع مختلفۀ، إذ فی بعض الطرق أنّه قال ذلک فی حجّ ۀ الوداع بعرفۀ، وفی أُخري أنّه قاله بالمدینۀ فی مرضه وقد
امتلأت الحجرة بأصحابه، وفی ثالثۀ أنّه قال ذلک بغدیر خم، وفی رابعۀ أنّه
1 باب الاعتصام بالکتاب والسنّۀ. / 1 . رواه الترمذي والنسائی فی صحیحهما راجع کنز العمال: 44
. 5 189 / 2 . مسند أحمد بن حنبل: 182
( 3، وقال هذا صحیح الإسناد علی شرط الشیخین ولم یخرجاه. ( 33 / 3 . مستدرك الحاکم: 148
( قال ذلک لمّا قام خطیباً بعد انصرافه من الطائف، فقد کرر ذلک فی تلک المواطن اهتماماً بشأن الکتاب العزیز والعترة الطاهرة.( 1
والإمعان فی هذا الحدیث الذي بلغ من التواتر حدّاً لا یدانیه حدیث، إلاّ حدیث الغدیر، یقود الإنسان إلی الحکم بضلال من لم
یستمسک بهما معاً، فالمتمسّکون بهما هم الفرقۀ الناجیۀ، والمتخلّفون عنهما، أو المتقدّمون علیهما هم الهالکۀ. وقد نقل الطبرانی قوله
(2).« فلا تقدموهما فتهلکوا ولا تقصروا عنهما فتهلکوا، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منکم » : صلَّی الله علیه وآله وسلَّم فی ذیل الحدیث
2. حدیث السفینۀ
روي الحاکم بسنده عن أبی ذر رضی اللّه عنه یقول، .« الافتراق » وهذا الحدیث کالحدیث السابق یعین علی رفع الإبهام عن حدیث
من عرفنی فأنا من عرفنی، ومن أنکرنی فأنا أبوذر، سمعت النبی یقول: ألا إنّ مثل أهل بیتی فیکم، مثل سفینۀ » : وهو آخذ بباب الکعبۀ
صفحۀ 18 من 154
3) والمراد بتشبیههم علیهم السَّلام بسفینۀ نوح هو أنّ من لجأ إلیهم فی الدین ).« نوح فی قومه، من رکبها نجا ومن تخلّف عنها غرق
فأخذ فروعه وأُصوله عن أئمّتهم، نجا من عذاب النار، ومن تخلّف عنهم کمن آوي یوم الطوفان إلی جبل لیعصمه من أمر اللّه، غیر أنّ
هذا غرق فی الماء، وهذا فی الحمیم. قال ابن حجر: و وجه تشبیههم بالسفینۀ أنّ من أحبهم وعظّمهم شکراً لنعمۀ مشرّفهم، وأخذ
( بهدي علمائهم نجا من ظلمۀ المخالفات، ومن تخلّف عن ذلک غرق فی بحر کفر النعم، وهلک فی مفاوز الطغیان.( 4

1 . راجع المراجعات، المراجعۀ 8 فقد نقله عن مواضع مختلفۀ.
2 . الصواعق المحرقۀ: 135 باب وصیۀ النبی بهم.
.3/ 3 . المستدرك علی الصحیحین: 151
4 . لقد علّق السید شرف الدین فی مراجعاته علی هذه العبارة تعلیقاً لطیفاً وهو: قل لی لماذا لم یأخذ بهدي أئمتهم فی شیء من فروع
3. حدیث أهل ( الدین وعقائده إلی أن قال: ولماذا تخلّف عنهم فأغرق نفسه فی بحار کفر النعم وأهلکها فی مفاوز الطغیان؟! ( 34
بیتی أمان لأُمّتی
النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بیتی أمان » : روي الحاکم عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم
( ثمّ قال): هذا حدیث صحیح الإسناد،ولم یخرجاه.( 1 )« لأُمّتی من الاختلاف، فإذا خالفتها قبیلۀ من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبلیس
هذه الأحادیث تلقی الضوء علی حدیث الافتراق، وتحدد الفرقۀ الناجیۀ وتعیّنها. وهناك حدیث آخر ورد فی ذیل حدیث الافتراق نقله
عن النبی الأکرم « الشمس المنیرة » أحد علماء أهل السنّۀ وهو الإمام الحافظ حسن بن محمد الصغانی (المتوفّی 650 ه) فی کتابه
افترقت أُمّۀ أخی عیسی علی اثنتین وسبعین فرقۀ، وستفترق أُمّتی علی ثلاث وسبعین فرقۀ، کلّها هالکۀ إلاّ »: صلَّی الله علیه وآله وسلَّم
فلمّا سمع ذلک منه ضاق المسلمون ذرعاً وضجّوا بالبکاء، وأقبلوا علیه، وقالوا: یا رسول اللّه کیف لنا بعدك بطریق .« فرقۀ واحدة
إنّی تارك فیکم ما إن تمسکتم به لن » : النجاة؟ وکیف لنا بمعرفۀ الفرقۀ الناجیۀ حتی نعتمد علیها؟ فقال صلَّی الله علیه وآله وسلَّم
2) ولا أظن ).« تضلوا من بعدي أبداً: کتاب اللّه، وعترتی أهل بیتی ;إن اللطیف الخبیر نبّأنی أنّهما لن یفترقا حتی یردا علی الحوض
المنصف إذا رجع إلی ما ورد حول العترة من الأحادیث الحاثّۀ علی الرجوع إلیهم، یخفی علیه مراد النبی صلَّی الله علیه وآله وسلَّم
من الفرقۀ الناجیۀ فی حدیث الافتراق، مضافاً إلی أنّ آیۀ التطهیر دالّۀ علی عصمتهم، فالمتمسک بالمعصوم مصون وبالخاطئ غیر
مصون بل یقع عرضۀ للانحراف والهلاك، و للشافعی أبیات تعرب عن عرفانه الفرقۀ الناجیۀ ذکرها الشریف الحضرمی فی

.3/ 1 . المستدرك علی الصحیحین: 149
( 35 ) . 2 . الشمس المنیرة، النسخۀ المخطوطۀ فی مکتبۀ المشهد الرضوي بالرقم 1706
1) د. الفرق التی أخبر النبی بنشوئها ).« رشفۀ الصادي »
هذه هی الجهۀ الرابعۀ التی یلیق البحث عنها، فإنّ النبی قد أخبر عن أنّ الأُمّۀ الإسلامیۀ ستبلغ فی تفرّقها إلی هذا العدد الهائل، ولکن
المشکلۀ عدم بلوغ رؤوس الفرق الإسلامیۀ إلی هذا العدد، فإنّ کبار فرقها لا تتجاوز الأربع: الأوّل: القدریۀ(المعتزلۀ وأسلافهم). الثانی:
الصفاتیۀ(أهل الحدیث والأشاعرة). الثالث: الخوارج. الرابع: الشیعۀ. وهذه الفرق الأصلیۀ، وإن تشعبت إلی شعب وفروع من مرجئۀ
وکرامیۀ بفرقها ،ولکن لا یبلغ المجموع إلی هذا الحد، وإن أصرّ الشهرستانی علی تصحیح البلوغ إلیه، فقال: ثمّ یترکب بعضها مع
بعض، ویتشعب عن کلّ فرقۀ أصناف، فتصل إلی ثلاث وسبعین فرقۀ.( 2) یلاحظ علیه: أنّ المراد من أُمّتی هی الفرق الإسلامیۀ المؤمنۀ
برسالۀ النبی الأعظم، وکتاب اللّه سبحانه، وبلوغ تلک الأُمۀ بهذه الصفۀ إلی هذا الحد الهائل أوّل الکلام، لأنّ المراد هو الاختلاف فی
العقیدة التی یدور علیها فلک الهلاك والنجاة. وأمّا الاختلاف فی الأُصول والمعارف التی لیست مداراً للهدایۀ والضلالۀ، بل لا تعد
صفحۀ 19 من 154
من صمیم العقائد الإسلامیۀ، فهو خارج عن إطار الحدیث، فاختلاف الأشاعرة والمعتزلۀ، فی وجود الواسطۀ بین الوجود

. 1 . رشفۀ الصادي: 25
( 36 ) .1/ 2 . الملل والنحل: 15
والعدم، وحقیقۀ الجسم والأکوان والألوان، والجزء الذي لا یتجزأ، والطفرة، الذي أوجد فرقاً کلامیۀ، فلا یوجب دخول النار، وإن کان
الحقّ واحداً، ولا یصحّ عدّ المعتقدین بها من الفرق المنصوص علیها فی کلام النبی صلَّی الله علیه وآله وسلَّم . وبعبارة واضحۀ: إنّ
الفرق المذمومۀ فی الإسلام هی أصحاب الأهواء الضالۀ الذین خالفوا الفرقۀ الناجیۀ، فی مواضع تعد من صمیم الدین کالتوحید
بأقسامه والعدل والقضاء والقدر، والتجسیم والتنزیه، والجبر والاختیار، والهدایۀ والضلالۀ و رؤیۀ اللّه سبحانه وإدراك البشر له تعالی،
والإمامۀ والخلافۀ، ونظائرها. وأمّا الاختلاف فی سائر المسائل التی لا تمت إلی الدین بصلۀ ولا تمثل العقیدة الإسلامیۀ فلا یکون
المخالف والموافق فیها داخلاً فی الحدیث، والحال أنّ کثیراً من الفرق الإسلامیۀ یرجع اختلافهم إلی أُمور عقلیۀ أو کونیۀ، ممّا لا
یرتبط بالدین أو ما لا یسأل عنه الإنسان فی حیاته وبعدها ولا یجب الاعتقاد به. محاولات لتصحیح العدد
إنّ هناك محاولات لتصحیح مفاد الحدیث من حیث العدد المذکور فیه، نشیر إلیها فیما یلی: 1. هذا العدد الهائل کنایۀ عن المبالغۀ
فی الکثرة، کما فی قوله سبحانه وتعالی: (إِنْ تَسْتَغْفِر لَهُمْ سَبْعینَ مَرَّةً فَلَنْ یَغْفِرَ اللّهُ لَهُم) .( 1) یلاحظ علیه: أنّ هذه المحاولۀ فاشلۀ، لأنّها
إنّما تصحّ إذا ورد الحدیث بصورة السبعین أو غیرها من العقود العددیۀ، فإنّ هذا هو المتعارف فی مقام الکنایۀ ولکن الوارد فی
الحدیث هو غیر ذلک.
( 37 ) . 1 . التوبۀ: 80
تري أنّ النبی یرکز فی حقّ المجوس علی عدد السبعین، وفی حقّ الیهود علی عدد الإحدي والسبعین وفی حقّ النصاري علی اثنتین
وسبعین، وفی حقّ الأُمّۀ الإسلامیۀ علی ثلاث وسبعین. وهذاالتدرّج یعرب بسهولۀ عن أنّ المراد هو بلوغ الفرق إلی هذا الحدّ، بشکل
حقیقی لا بشکل مبالغی. 2. إنّ أُصول الفرق وإن کانت لا تصل إلی هذا العدد بل لا تبلغ نصفه ولا ربعه، وإنّ فروع الفرق یختلف
العلماء فی تفریعها، وإنّ الإنسان فی حیرة حین یأخذ فی العد، بأن یعتبر فی عدّ الفرق أُصولها أو فروعها، وإذا استقر رأیه علی
اعتبار الفروع، فعلی أيّ حدّ من التفریع یأخذه مقیاساً، إلاّ أنّ الحدیث لا یختص بالعصور الماضیۀ، فإنّ حدیث الترمذي یتحدث عن
افتراق أُمّۀ محمّد صلَّی الله علیه وآله وسلَّم وأُمّته مستمرة إلی أن یرث اللّه الأرض ومن علیها وهو خیر الوارثین، فیجب أن یتحدث
فی کلّ عصر عن الفرق التی نجمت فی هذه الأُمّۀ من أوّل أمرها إلی الوقت الذي یتحدث فیه المتحدث، ولا علیه إن کان العدد قد
( بلغ ما جاء فی الحدیث أو لم یبلغ، فمن الممکن بل المقطوع لو صحّ الحدیث وقوع الأمر فی واقع الناس علی وفق ما أخبر به.( 1
وهناك محاولۀ ثالثۀ غیر صحیحۀ جدّاً وهی الاهتمام بتکثیر الفرق، فتري أنّ الإمام الأشعري یجعل للشیعۀ الغالیۀ خمس عشرة فرقۀ،
وللشیعۀ الإمامیۀ أربعاً وعشرین فرقۀ، کما أنّ الشهرستانی یعدّ للمعتزلۀ اثنتی عشرة فرقۀ، ویعدّ للخوارج الفرق التالیۀ: المحکمۀ،
الأزارقۀ، النجدات، البیهسیۀ، العجاردة، الثعالبۀ، الأباضیۀ، الصفریۀ. وذلک لأنّ الجمیع من أصناف الشیعۀ والمعتزلۀ والخوارج یلتقون
تحت أُصول خاصۀ معلومۀ فی محلها، مثلًا أصناف الخوارج یجتمعون تحت أُصول أشهرها تخطئۀ عثمان والإمام أمیر المؤمنین علیه
السَّلام فی مسألۀ التحکیم، وتکفیر صاحب الکبیرة وتخلیده فی النار. فلا یصحّ عدّ کلّ صنف فرقۀ، وإن اختلف کلّ مع شقیقه فی
أمر جزئی، ومثل ذلک أصناف الآخرین.
( 38 ) . 1 . مقدّمۀ الفرق بین الفرق: 7
ثمّ إنّ الکاتب المعاصر عبد الرحمن بدوي، ذهب إلی عدم صحّۀ الحدیث للأسباب التالیۀ: أوّلًا: إنّ ذکر هذه الأعداد المحددة
73 أمر مفتعل لا یمکن تصدیقه فضلًا عن أن یصدر مثله عن النبی صلَّی الله علیه وآله وسلَّم . ثانیاً: إنّه لیس فی ،72 ، المتوالیۀ: 71
صفحۀ 20 من 154
وسع النبی صلَّی الله علیه وآله وسلَّم أن یتنبأ مقدماً بعدد الفرق التی سیفترق إلیها المسلمون. ثالثاً: لا نجد لهذا الحدیث ذکراً فیما
ورد لنا من مؤلفات من القرن الثانی بل ولا الثالث الهجري ولو کان صحیحاً لورد فی عهد متقدّم. رابعاً: أعطت کلّ فرقۀ لختام
الحدیث، الروایۀ التی تناسبها، فأهل السنّۀ جعلوا الفرقۀ الناجیۀ هی أهل السنّۀ، والمعتزلۀ جعلوها فرقۀ المعتزلۀ، وهکذا وقال: وقد ظهر
التعسّف البالغ لدي مؤرّخی الفرق فی وضعهم فروقاً وأصنافاً داخل التیارات الرئیسیۀ حتی یستطیعوا الوصول إلی 73 فرقۀ، وفاتهم أنّ
افتراق المسلمین لم ینته عند عصرهم، وأنّه لا بدّ ستنشأ فرق جدیدة باستمرار ممّا یجعل حصرهم هذا خطأ تماماً، إذ لا یحسب حساباً
لما سینشأ بعد ذلک من فرق إسلامیۀ جدیدة.( 1) ولا یخفی أنّ ما ذکره من الأسباب غیر صحیح عدا ما ذکره من السبب الرابع وما
ذیله به. أمّا دلیله الأوّل، فلأنّ ما جاء فیه هو نفس المدّعی ولم یبیّن وجهاً لافتعال الحدیث. وأمّا دلیله الثانی، فلأنّ المتبادر منه أنّه لیس
فی وسع النبی صلَّی الله علیه وآله وسلَّم التنبّؤ بالأحداث الآتیۀ، ولکنّه باطل بشهادة الصحاح والسنن علی تنبوّئه صلَّی الله علیه وآله
وسلَّم بإذن اللّه عن کثیر من الحوادث الواقعۀ فی أُمّته، وقد جمعنا
( 39 ) .1/ 1 . مذاهب الإسلامیین: 34
عدّة من تنبّوئه فی موسوعتنا: مفاهیم القرآن.( 1) وربما یرید الکاتب من عبارته معنی آخر، وهو أنّ النبی صلَّی الله علیه وآله وسلَّم
لا یصح له أن یقدم علی مثل هذا التنبّؤ، لأنّه إقدام غیر مرغوب فیه، لما یحتوي علی الإضرار بالأُمّۀ، ولکن هذا الرأي منقوض أیضاً
بتنبّؤات أُخري تضاهی المورد هذا، فهذا هو النبی صلَّی الله علیه وآله وسلَّم یتنبّأ بالمستقبل المظلم الذي یواجهه ذو الخویصرة من
وجوه الخوارج الذي أتی النبی صلَّی الله علیه وآله وسلَّم و هو یقسمالغنائم بعد منصرفهم من حنین فقال للنبی صلَّی الله علیه وآله
ویلک من یعدل إن لم أعدل قد خبت وخسرت إن لم » : وسلَّم : یا رسولاللّه اعدل، فقال رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم
دعه فإنّ له أصحاباً یحقّر أحدکم صلاته مع صلاتهم » : فقال عمر بن الخطاب: یا رسول اللّه ائذن لی فیه أن أضرب عنقه؟ قال ،« أعدل
وصیامه مع صیامهم، یقرأون القرآن لا یجاوز تراقیهم، یمرقون من الإسلام کما یرمق السهم من الرمیّۀ، ینظر إلی نصله فلا یوجد فیه
2) فأي فرق بین هذا التنبّؤ ونظائره الواردة فی أحادیث النبی صلَّی الله علیه وآله وسلَّم ، والتنبّؤ بافتراق أُمّته إلی الفرق ).« شیء
المعدودة؟ وأمّا دلیله الثالث، فعجیب جداً، فقد رواه أبو داود( 202 275 ه) فی سننه، والترمذي ( 209 279 ه ) فی صحیحه، وابن
ماجۀ( 218 276 ه) فی سننه، وأحمد بن حنبل( 241 ه) فی مسنده، والجمیع من أعیان أصحاب الحدیث فی القرن الثالث، فکیف یقول
وإلیک بعض ما أسندوه: 1. روي أبو داود فی کتاب السنۀ، عن أبی هریرة قال: قال رسول اللّه: !؟« بل ولا الثالث الهجري » : هذا الکاتب
افترقت الیهود علی إحدي أو اثنتین وسبعین فرقۀ، وتفرّقت النصاري علی إحدي أو اثنتین وسبعین فرقۀ، وتفترق أُمّتی علی ثلاث
ألا إنّ من قبلکم من أهل » : ثمّ روي عن معاویۀ بن أبی سفیان أنّ رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم قام فینا فقال .« وسبعین فرقۀ
الکتاب افترقوا علی ثنتین وسبعین ملۀ،
. 3 508 / 1 . مفاهیم القرآن: 503
( 5، کتاب الفتن. ( 40 / 2 . التاج: 286
2. روي الترمذي فی باب ما (1).« وإنّ هذه الملۀ ستفترق علی ثلاث وسبعین: ثنتان وسبعون فی النار وواحدة فی الجنۀ وهی الجماعۀ
لیأتین » : جاء فی افتراق هذه الأُمّۀ مثله، عن أبی هریرة. و روي عن عبد اللّه بن عمر قال: قال رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم
علی أُمّتی ما أتی علی بنی إسرائیل حذو النعل بالنعل حتی إن کان منهم من أتی أُمّه علانیۀ، لکان فی أُمّتی من یصنع ذلک، وإنّ بنی
قالوا: ومن هی یا رسول « إسرائیل تفرّّقت علی ثنتین وسبعین ملۀ، وتفترق أُمّتی علی ثلاث وسبعین ملّۀ کلّهم فی النار إلاّ ملّۀ واحدة
قال رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله » : 3. روي ابن ماجۀ فی باب افتراق الأُمم عن أبی هریرة قال (2).« ما أنا علیه وأصحابی » : اللّه؟ قال
وروي عن عوف بن مالک قال: قال رسول .« وسلَّم : تفرّقت الیهود علی إحدي وسبعین فرقۀ، وتفترق أُمّتی علی ثلاث وسبعین فرقۀ
افترقت الیهود علی إحدي وسبعین فرقۀ، فواحدة فی الجنۀو سبعون فی النار ;وافترقت النصاري علی ثنتین وسبعین فرقۀ، فإحدي » : اللّه
صفحۀ 21 من 154
وسبعون فی النار وواحدة فی الجنۀ ;والذي نفس محمد بیده لتفترقنّ أُمّتی علی ثلاث وسبعین فرقۀ، فواحدة فی الجنۀ وثنتان وسبعون
4. وروي أحمد بن حنبل عن ( وروي عن أنس بن مالک ما یقرب من ذلک.( 3 .« الجماعۀ » : قیل: یا رسول اللّه: من هم؟ قال « فی النار
أبی هریرة ما نقلناه عنه آنفاً.( 4) کما روي أیضاً عن أنس بن مالک ما رویناه عنه سابقاً.( 5) وعلی کلّ تقدیر فلا یهمنا البحث حول
عدد الفرق وکثرتها و قلّتها، بل
4، کتاب السنّۀ. / 1 . سنن أبی داود: 198
. 5، کتاب الإیمان، الحدیث 2641 / 2 . سنن الترمذي: 26
2، باب افتراق الأُمم. / 3 . سنن ابن ماجۀ: 479
.2/ 4 . مسند أحمد: 332
( 41 ) .3/ 5 . مسند أحمد: 120
( الذي نتوخّ اه فی هذه الصحائف هو البحث عن الفرق الموجودة فی الأوساط الإسلامیۀ و هی عبارة عن هذه الفرق: أهل السنّۀ( 1
بأصنافهم: أهل الحدیث والأشاعرة والمعتزلۀ والخوارج، والشیعۀ بفرقها الثلاث: الإمامیۀ الاثنی عشریۀ، الزیدیۀ، الإسماعیلیۀ. وأمّا الفرق
التی بادت واندثرت، وقد أکل الدهر علیها و شرب، فهی غیر مطروحۀ لنا بل البحث عنها مفصلًا ضیاع للوقت إلاّ علی وجه الإشارة.
*** (قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلی أَنْ یَبْعَثَ عَلَیْکُمْ عَذاباً مِنْ فَوقِکُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلکُمْ أَوْ یَلْبِسکُمْ شِیَعاً وَیُذیقَ بَعْضکُمْ بَأْسَ بَعْض انْظُر
کَیْفَ نُصَرِّفُ الآیاتِ لَعَلَّهُمْ یَفْقَهُون).( 2)
1 . أهل السنّۀ لا یعتبرون الخوارج منهم، بل لا یعتبرون المعتزلۀ منهم أیضاً، ولکن المراد من أهل السنّۀ هنا هو المعنی الأعم، أي غیر
الشیعۀ، أي من یقول بکون الخلافۀ بالبیعۀ والشوري، فکلّ من یقول بکون الإمامۀ مقاماً تنصیصیّاً یعد من الشیعۀ، ومن یقول بکونها
مقاماً انتخابیاً فهو معدود من أهل السنّۀ، فالملاك فی التقسیم هو هذا لا المصطلح المعروف بین أهل الحدیث والأشاعرة، فلو خضعنا
لمصطلح الأوّلین، فهم ربما لا یعدّون الأشاعرة أیضاً منهم، هذا ابن تیمیۀ یکن العداوة للأشاعرة ولا یعدّهم منهم.
( 43 ) ( 42 ) . 2 . الأنعام: 65
الفصل الثانی بدایات الاختلاف فی عصر الرسالۀ
الفصل الثانی بدایات الاختلاف فی عصر الرسالۀ
لا شکّ فی أنّ المسلمین قد اختلفوا بعد لحوق النبی الأکرم بالرفیق الأعلی إلی فرق مختلفۀ، وسنبین جذور هذه الخلافات وحوافزها
فی الأبحاث الآتیۀ. إنّما الکلام فی وضع المسلمین أیّام النبی الأکرم صلَّی الله علیه وآله وسلَّم ، فهل کانوا محتفظین بوحدة کلمتهم
ومستسلمین لأمر نبیّهم جمیعاً کما أمر اللّه به سبحانه، أم کان هناك بعض الاختلاف بینهم فی جملۀ من المسائل؟ لا شکّ أنّ المسلم
الحقیقی هو من یستسلم لأوامر اللّه ورسوله ولا یخالفه قید شعرة آخذاً بقوله سبحانه: (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَیْنَ یَدَي اللّهِ
وَرَسُولهِِِ واتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَمیعٌ عَلیم)( 1). وقد فسر المفسرون قوله سبحانه: (لا تُقَدّمُوا بَیْنَ یَدَي اللّه وَرَسُوله) بقولهم: أي لا تتقدموا
علی اللّه ورسوله فی کلّ ما یأمر وینهی، ویؤیده قوله سبحانه فی نفس السورة:(وَاعْلَمُوا أَنَّ فیکُمْ رَسُولَ اللّهِ لَو یُطِیعُکُمْ فی کَثیر مِنَ
الَأمْرِلَعَنِتّم) .( 2) وقال عزّ من قائل: (فَلا وَرَبّکَ لا یُؤْمِنُونَ حَتّی یُحکّمُوكَ فِیما شَجَرَ بَیْنَهُمْ ثُمَّ لا یَجِدُوا فی أَنْفُسِهِمْ حَرجاً مِمّا قَ َ ض یْت
وَیُسَلِّمُوا تَسْلیماً) .( 3)
. 1 . الحجرات: 1
. 2 . الحجرات: 7
( 44 ) . 3 . النساء: 65
صفحۀ 22 من 154
ومع ذلک کلّه فقد نجمت بین الصحابۀ والنبی الأعظم مشاجرات ومنازعات بین آونۀ وأُخري قد ضبطها التاریخ وأصحاب السیر. غیر
إنّ شبهات أُمّته فی آخر زمانه، ناشئۀ من شبهات خصماء » : أنّ الشهرستانی یصر علی أنّ أکثر الخلافات کان من جانب المنافقین و قال
أوّل زمانه من الکفّار والملحدین، وأکثرها من المنافقین، وإن خفی علینا ذلک فی الأُمم السالفۀ لتمادي الزمان، فلم یخف فی هذه
الأُمّۀ أنّ شبهاتها نشأت کلّها من شبهات منافقی زمن النبی، إذ لم یرضوا بحکمه فیما کان یأمر وینهی، وشرعوا فیما لا مسرح للفکر فیه
ثمّ ذکر الشهرستانی حدیث ذي .« ولا مسري وسألوا عمّا منعوا من الخوض فیه والسؤال عنه، وجادلوا بالباطل فی ما لا یجوز الجدال فیه
إن لم أعدل فمن » : الخویصرة التمیمی فی تقسیم الغنائم إذ قال: اعدل یا محمد، فإنّک لم تعدل، حتی قال علیه الصلاة والسلام
1) إنّ ما ذکره الشهرستانی صحیح لا غبار علیه غیر أنّ الاعتراض والخلاف لم یکن منحصراً بالکفار و المنافقین بل کان ).« یعدل
هناك رجال من المهاجرین والأنصار، یعترضون علی النبی فی بعض الأُمور التی لا تروقهم، وکأنّ الشهرستانی نسی قصۀ الحدیبیۀ
حیث آثر رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم الصلح یوم الحدیبیۀ علی الحرب وأمر به، عملًا بما أوصی اللّه إلیه، وکانت المصلحۀ
فی الواقع وفی نفس الأمر توجبه لکنّها خفیت علی أصحابه فطفق بعضهم ینکره والآخر یعارضه علانیۀ بکلّ ما لدیه من قوة. هذا هو
عمر بن الخطاب فإنّه بعد ما تقرر الصلح بین الفریقین علی الشروط الخاصۀ وقد أدرکته الحمیۀ، فأتی أبا بکر و قد استشاط غضباً
فقال: یا أبا بکر ألیس برسول اللّه ؟ قال: بلی. قال: أو لسنا بالمسلمین؟ قال: بلی. قال: أولیسوا بالمشرکین؟قال: بلی. قال: فعلام نعطی
الدنیۀ فی دیننا... الحدیث.( 2) وکأنّ الشهرستانی غفل أیضاً عن الجدال الشدید بین النبی وبعض
.1/ 1 . الملل والنحل: 21
( 45 ) .3/ 2 . السیرة النبویۀ لابن هشام: 317
لا خلاف بین العلماء أنّ التمتع المراد بقوله تعالی: (فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَة إِلَی الحَجِّ » : أصحابه فی متعۀ الحج. قال الإمام القرطبی
فَمَا اسْتَیْسَرَ مِنَ الهَدي) ( 1) هو الاعتمار فی أشهر الحجّ قبل الحجّ، قلت: وهو فرض من نأي عن مکۀ بثمانیۀ وأربعین میلًا من کلّ
جانب علی الأصح، وإنّما أضیف الحجّ بهذه الکیفیۀ إلی التمتع أو قیل عنه: التمتع بالحج، لما فیه من المتعۀ، أي اللذة بإباحۀ
محظورات الإحرام فی المدة المتخلّلۀ بین الإحرامین، وهذا ما کرهه عمر وبعض أتباعه فقال قائلهم: أننطلق و ذکورنا تقطر؟! وفی
إنّک لن تؤمن بها » : أنّ رجلاً قال: أنخرج حجاجاً ورؤوسنا تقطر؟ وأنّ النبی صلَّی الله علیه وآله وسلَّم قال له « مجمع البیان »
2) ولأجل هذه المکافحۀ التی نجمت فی حیاة النبی خطب عمر بن الخطاب فی خلافته وقال: متعتان کانتا علی عهد رسول اللّه ).« أبداً
صلَّی الله علیه وآله وسلَّم وأنا أنهی عنهما وأعاقب علیهما .( 3) وهذه الأُمور تسهل لنا التصدیق بما رواه البخاري فی إسناد عن عبید
لما اشتد بالنبی صلَّی الله علیه وآله وسلَّم وجعه قال: ایتونی بکتاب أکتب لکم کتاباً لا تضلوا » : اللّه بن عبد اللّه، عن ابن عباس قال
قوموا عنّی، ولا » : قال عمر: إنّ النبی صلَّی الله علیه وآله وسلَّم غلبه الوجع، وعندنا کتاب اللّه حسبنا، فاختلفوا وکثر اللغط. قال .« بعده
(4).« فخرج ابن عباس یقول: إنّ الرزیۀ کلّ الرزیۀ ما حال بین رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم وبین کتابه .« ینبغی عندي التنازع
فقال قوم: یجب علینا ،« جهزوا جیش أُسامۀ لعن اللّه من تخلّف عنه »: کما تسهل لنا التصدیق بخلافهم فی حال حیاته عندما أمرهم بقوله
امتثال
. 1 . البقرة: 196
2 . النص والاجتهاد: 120 ، وقد نقل مصادر کلامه.
. 3 فی تفسیر آیۀ 24 من سورة النساء ;شرح التجرید للفاضل القوشجی: 484 / 3 . مفاتیح الغیب للرازي: 201
( 46 ) .1/ 4 . صحیح البخاري: 30
أمره، وأُسامۀ قد برز من المدینۀ، وقال قوم: قد اشتد مرض النبی علیه الصلاة والسلام فلا تسع قلوبنا مفارقته والحالۀ هذه، فنصبر حتی
نبصر أي شیء یکون من أمره.( 1) نعم کانت هناك هنابث ومشاجرات فی أُمور لا تروق سلیقۀ بعض النفوس ومیولهم، غیر أنّ هذه
صفحۀ 23 من 154
الخلافات لم تکن علی حدّتنشق بها عصا الوحدة وتنفصم بها عري الأُخوة، وأعظم خلاف بین الأُمّۀ هو الخلاف الذي نجم بعد لحوقه
بالرفیق الأعلی، وهو الخلاف فی الإمامۀ وقد لمست الأُمۀ ضرره وخسارته حتی أنّ الشهرستانی أعرب عن عظم هذه الخسارة بقوله:
2) وإلیک بیان أساس هذا الاختلاف: لما التحق ).« ما سل سیف فی الإسلام علی قاعدة دینیۀ مثل ما سل علی الإمامۀ فی کلّ زمان »
النبی الأکرم صلَّی الله علیه وآله وسلَّم بالرفیق الأعلی صارت الأُمّۀ فرقتین باقیتین إلی الآن: الأُولی: القائلون بأنّ منصب الإمامۀ
منصب إلهی وأنّ الإمام یقوم بالوظائف التی کانت قد أُلقیت علی عاتق النبی من تبیین الأحکام الشرعیۀ وتفسیر کتاباللّه وصیانۀ الدین
عن النقص والزیادة والإجابۀ علی الأسئلۀ الواردة والاعتراضات المتوجهۀ إلی الدین مضافاً إلی إدارة المجتمع البشري وسیاسته التی
یعبر عنها بالحکومۀ الإسلامیۀ. الثانیۀ: القائلون بأنّ منصب الإمامۀ منصب عادي یجب أن یقوم بها واحد من آحاد الأُمّۀ لتبریر أمر
المجتمع سیاسۀ واجتماعاً واقتصاداً وغیر ذلک، وأنّه لم یرد فی أمر الخلافۀ نص علی شخص ما وهؤلاء هم الموسومون بأهل السنّۀ.
*** (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّه جَمیعاً ولا تَفَرَّقُوا). ( 3)
. 1 24 / 1 . الملل والنحل: 23
. 1 24 / 2 . الملل والنحل: 23
( 47 ) . 3 . آل عمران: 103
الفصل الثالث