گروه نرم افزاری آسمان

صفحه اصلی
کتابخانه
شاهنامه فردوسی
جلد اول
4. رسالۀ الحسن البصري فی الدفاع








4. رسالۀ الحسن البصري فی الدفاع عن نظریۀ الاختیار
صفحۀ 120 من 154
قال القاضی عبد الجبار:المشهور أنّ عبد الملک بن مروان کاتبه بأنّه قد بلغنا عنک من وصف القدر ما لم یبلغنا عن أحد من الصحابۀ،
فاکتب بقولک إلینا فی هذا الکتاب، فکتب إلیه: بسم اللّه الرّحمن الرّحیم سلام علیک أمّا بعد: فإنّ الأمیر أصبح فی قلیل من کثیر
مضوا، والقلیل من أهل الخیر مغفول عنهم، و قدیماً قد أدرکنا السلف الذین قاموا بأمر اللّه، واستنّوا بسنّۀ رسوله، فلم یبطلوا حقاً، ولا
ألحقوا بالرب تعالی إلاّ ما ألحق بنفسه،ولا یحتجون إلاّ بما احتج اللّه تعالی به علی خلقه بقوله الحقّ:(وَماخَلَقْتُ الجنَّ والإِنسَ إِلاّ
لِیعبُدُونِ) ( 1). ولم یخلقهم لأمر ثمّ حال بینهم و بینه، لأنّه تعالی لیس بظلام للعبید ولم یکن فی السلف من ینکر ذلک ولا یجادل فیه،
لأنّهم کانوا علی أمر واحد متسق.( 2) وإنّما أحدثنا الکلام فیه، حیث أحدث الناس النکرة له، فلمّا أحدث المحدثون فی دینهم ما
أحدثوه، أحدث المتمسّکون بکتابه ما یبطلون به المحدثات، ویحذرون به من المهلکات.
. 1 . الذاریات: 56
( 2 . فی مخطوطۀ أیا صوفیا:متفقین. ( 283
وذکر: إنّ الذي أوقعهم فیه تشتت الأهواء، وترك کتاب اللّه تعالی، ألم تر إلی قوله: (قُلْ هاتُوا بُرهانَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ صادِقیِن) ( 1). فافهم
أیّها الأمیر ما أقوله، فإنّ ما نهی اللّه عنه فلیس منه، لأنّه لا یرضی ما یسخط، وهو من العباد، فإنّه تعالی یقول: (ولا یَرضی لِعبادِهِ الکُفرَ
وَإِنْ تشکُرُوا یَرْضَهُ لَکُمْ) .( 2) فلو کان الکفر من قضائه وقدره، لرضی به ممّن عمله، وقال تعالی: (وَقَضی ربُّکَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إیّاهُ)
3)؟! وقال: (وَالّذي قدَّرَ فَهَدي) ( 4) ولم یقل والذي قدّر فأضل، لقد أحکم اللّه آیاته وسنّۀ نبیّه علیه السَّلام فقال: (قُلْ إِنْ ضَ لَلتُ )
فَإِنّما أَضِلُّ عَلی نَفسِی وَإِنِ اهْتَدَیْتُ فَبِما یُوحِی إِلیَّ رَبِّّی )( 5). وقال: (الّذي أَعطی کُلَّ شَیْء خَلْقَهُ ثُمّ هَدَي) ( 6). ولم یقل ثمّ أضل،
وقال: (إِنّ عَلَیْنا لَلْهُدي) ( 7)، ولم یقل إنّ علینا للضلال ولا یجوز أن ینهی العباد عن شیء فی العلانیۀ، ویقدره علیهم فی السر، ربّنا
أکرم من ذلک وأرحم ولو کان الأمر کما یقول الجاهلون ما کان تعالی یقول: (اعْمَلُوا ما شِئْتُم)( 8). ولقال: اعملوا ما قدرت علیکم،
وقال: (لِمَنْ شاءَ مِنْکُمْ أنْ یَتَقدَّمَ أو یَتَأخَّرَ) ( 9). لأنّه جعل فیهم من القوّة ذلک لینظر کیف یعملون، ولو کان الأمر کما قاله المخطئون،
لما کان إلیهم أن یتقدّموا ولا یتأخّروا،ولا کان لمتقدم حمد فیما عمل، ولا علی متأخّر لوم، ولقال: جزاء بما عمل بهم، ولم یقل جزاء
بما عملوا وبما کسبوا، وقال تعالی: (وَنَفْس وَما سَوّاها* فَأَلْهَمَها فُجُورَها
. 1 . النمل: 64
. 2 . الزمر: 7
. 3 . الإسراء: 23
. 4 . الأعلی: 3
. 5 . سبأ: 50
. 6 . طه: 50
. 7 . اللیل: 12
. 8 . فصلت: 40
284 ) وَتَقواها) .( 1) أي بیّن لها ما تأتی و ما تذر ثمّ قال: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَکّاها* وَقَدْ خابَ مَنْ دَسّاها).( 2) فلو کان هو ) . 9 . المدثر: 37
الذي دسّاها ما کان لیخیب نفسه، تعالی عمّا یقول الظالمون علوّاً کبیراً، وقوله تعالی: (رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لنَا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِ عفاً فِی
( النّار).( 3
فلو کان اللّه هو الذي قدّم لهم الشر، ما قال ذلک، وقال تعالی: (رَبّنا إِنّا أَطَعْنا سادَتَنا وَکُبَراءَنا فَأَضَ لُّونا السَّبِیلا)( 4). فالکبراء أضلّوهم
دون اللّه تعالی، بل قال تعالی: (إِنّا هَدَیْناهُ السَّبیلَ إِمّا شاکِراً وَإِمّا کَفُوراً )( 5) (وَمَنْ شَکَرَ فَإِنّما یَشْکُرُلِنَفْسِهِ) ( 6). وقال: (وَأَضلَّ فِرعَوْنُ
قَوْمَهُ وَما هَدَي).( 7) وقال تعالی: (وما أضَ لَّنا إلاّ المُجْرِمُون) ( 8). (وأضَلَّهُمُ السّامِرِي) ( 9). (إنَّ الشیطانَ یَنْزَغُ بَیْنَهُمْ)( 10 ). (فَزَیَّنَ لَهُمُ
صفحۀ 121 من 154
الشّیطانُ أعْمَالَهُم).( 11 ) و قال: (وَ أمّا ثَمُودُ فَهَدَیْناهُمْ فَاسْتَحبُّوا العَمی عََلی الهُدي)( 12 )فکان بدو الهدي من اللّه واستحبابهم العمی
( بأهوائهم وظلم آدم نفسه، ولم یظلمه ربّه فقال:(رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا)( 13 ). وقال موسی :(هذا مِنْ عَمَلِ الشَّیطانِ إنّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِین)( 14
. فغواه أهل الجهل وقالوا: (فَإِنَّ
. 1 . الشمس: 7 و 8
. 2 . الشمس: 9و 10
. 3 . ص: 61
. 4 . الأحزاب: 67
. 5 . الإنسان: 3
. 6 . لنمل: 40
. 7 . طه: 79
. 8 . الشعراء: 99
. 9 . طه: 85
. 10 . الإسراء: 53
. 11 . النحل: 63
. 12 . فصلت: 17
. 13 . الأعراف: 23
285 ) اللّهَ یُضِلُّ مَنْ یَشاءُ ویَهْدِي مَنْ یَشاءُ)( 1) ولِمَ لم ینظروا إلی ما قبل الآیۀ وما بعدها، لیبیّن لهم أنّه تعالی لا ) . 14 . القصص: 15
یضلّ إلاّ بتقدّم الکفر والفسق، کقوله تعالی: (ویُضِلُّ اللّهُ الظّالِمِینَ )( 2). وقوله: (فَلَمّا زَاغُوا أزَاغَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ) ( 3). (وما یُضِلُّ بهِ إِلاّ
.( الفاسِقِین) ( 4
وبین الحسن فی کلامه الوعید، فقال: إنّه تعالی قال: (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَیْهِ کَلِمَ ۀُ العَذَابِ أَفأنتَ تُنْقِذُ مَنْ فِی النّارِ)( 5). وقال :(کَذلِکَ حَقَّتْ
کَلِمَۀُ رَبِّکَ عَلَی الّذِیَن فَسَقُوا) .( 6) وقال تعالی: (أُدْخُلُوا فِی السّلْمِ کَافَّۀ) ( 7). فکیف یدعوهم إلی ذلک وقد حال بینهم وبینه؟ وقال:
(وَما أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُول إِلاّ لِیُطاعَ بِإِذْنِ اللّهِ)( 8). فکیف یجوز ذلک و قد منع خلقه من طاعته؟ قال: والقوم ینازعون فی المشیئۀ وإنّما
شاء اللّه الخیر بمشیئته قال: (یُریدُ اللّهُ بِکُُمُ الیُسْرَ وَلا یُریدُ بِکُمُ العُسرَ) ( 9). وقال فی ولد الزنی إنّه من خلق اللّه، وإنّما الزانی وضع
نطفته فی غیر حقّها، فتعدّي أمر اللّه، واللّه یخلق من ذلک ما یشاء وکذلک صاحب البذر إذا وضعه فی غیر حقّه.( 10 ) وقال فی
الرسالۀ: إنّ اللّه تعالی أعدل وأرحم من أن یعمی عبداً، ثمّ یقول له: أبصر وإلاّ عذبتک، وإذا خلق اللّه الشقی شقیاً، ولم یجعل له سبیلًا
إلی السعادة فکیف یعذبه؟! وقد قال اللّه تعالی لآدم وحواء: (فَکُلا مِنْ حَیْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ)( 11 ). فغلبهما الشیطان علی
هواه ثمّ قال: (یا بَنِی
. 1 . فاطر: 8
. 2 . إبراهیم: 27
. 3 . الصف: 5
. 4 . البقرة: 26
. 5 . الزمر: 19
. 6 . یونس: 33
صفحۀ 122 من 154
. 7 . البقرة: 208
. 8 . النساء: 64
. 9 . البقرة: 185
10 . کذا فی النسخۀ والظاهر: حقله.
286 ) آدَمَ لا یَفْتِنَنَّکُمُ الشَّیطانُ کَما أَخرجَ أبَوَیْکُمْ مِنَ الجِنَّۀِ) .( 1) ولیس للشیطان علیهم سلطان إلاّ لیعلم من یؤمن ) . 11 . الأعراف: 19
بالآخرة ممّن هو منها فی شک. وبعث اللّه الرسول نوراً ورحمۀ فقال: (اسْتَجِیُبوا للّهِ وللرّسُولِ) ( 2) وقال: (اسْتَجِیبُوا لرَبِّکُم) ( 3) وقال:
(أَجِیبُوا داعِیَ اللّهِ) ( 4) و(وَأَنَّ هذا صِراطِی مُسْتَقِیماً فاتَّبِعُوه)( 5) وقال: (وَما کُنّا مُعذِّبِینَ حَتّی نَبْعَثَ رَسُولًا) ( 6) فکیف یفعل ذلک ثمّ
یعمیهم عن القبول. وقال تعالی: (إِنَّ اللّهَ یَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسانِ) ( 7) وینهی عمّا أمر به الشیطان قال فی الشیطان : (یَدْعُوا حِزْبَهُ لِیَکُونُوا
مِنْ أَصحابِ السَّعِیرِ) ( 8) فمن أجاب الشیطان کان من حزبه، فلو کان کما قال الجاهلون لکان إبلیس أصوب من الأنبیاء علیهم
السَّلام إذ دعاؤه إلی إرادة اللّه تعالی وقضائه، ودعت الأنبیاء إلی خلاف ذلک، وإلی ما علموا أنّ اللّه قد حال بینهم و بینه.
وقال القوم فیمن أسخط اللّه: إنّ اللّه جبلهم علی إسخاطه، وکیف یسخط أن عملوا بقضائه علیهم وإرادته، واللّه یقول: (ذلِکَ بِما
( قَدَّمَتْ یَدَاكَ) ( 9) وهؤلاء الجهّال یقولون: إنّ اللّه قدّمه وما أضلّهم سواه: (لِیُرْدُوهُمْ ولِیَلْبِسُوا عَلَیْهِمْ دِینَهُمْ ولو شاءَ اللّهُ ما فَعَلُوهُ)( 10
فلو کان الأمر کما زعموا، لکان الدعاء والأمر لا تأثیر له، لأنّ الأمر مفروغ منه، لکن التأویل علی غیر ما قالوه وقد قال تعالی: (ذلِکَ
یَوٌم مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ وذلِکَ
. 1 . الأعراف: 27
. 2 . الأنفال: 24
. 3 . الشوري: 47
. 4 . الأحقاف: 31
. 5 . الأنعام: 153
. 6 . الإسراء: 15
. 7 . النحل: 90
. 8 . فاطر: 6
. 9 . الحج: 10
287 ) یَومٌ مَشْهُود) ( 1)، والسعید ذلک الیوم هو المتمسّک بأمر اللّه والشقی هو المضیع. ) . 10 . الأنعام: 137
وقال فی الرسالۀ: واعلم أیّها الأمیر، أنّ المخالفین لکتاب اللّه تعالی وعدله یحیلون فی أمر دینهم بزعمهم علی القضاء والقدر ثمّ لا
یرضون فی أمر دنیاهم إلاّ بالاجتهاد والتعب والطلب والأخذ بالحزم فیه. وذلک لثقل الحقّ علیهم، ولا یعولون فی أمر دنیاهم وفی سائر
تصرفهم علی القضاء والقدر، فلو قیل لأحدهم: لا تستوثق فی أُمورك، ولا تقفل حانوتک احترازاً لمالک و اتّکل علی القضاء والقدر،
هذا فی الجنّۀ و لا أُبالی. وقبض أُخري و » : لم یقبل ذلک، ثمّ یعوّلون علیه فی الذي قال: وما یحتجون به أنّ اللّه تعالی قبض قبضۀ فقال
فإنّهم یرون ربّهم یصنع ذلک، کالمقارع بینهم المجازف، فتعالی اللّه عمّا یصفونه. فإن کان الحدیث .« قال: هذا فی النار ولا أُبالی
حقّاً، فقد علم اللّه تعالی أهل الجنّۀ وأهل النار، قبل القبضتین وقبل أن خلقهم، فإنّما قبض اللّه أهل الجنۀ الذین فی علمه أنّهم یصیرون
إلیها، و إنّما مرادهم أن یقرروا فی نفوس الذین یقبلون ما رووه، أن تکون أعمال الناس هباءً منثوراً، من حیث قد فرغ من الأمر،
وکیف یصح ذلک مع قوله: (تَکادُ السَّماواتُ یَتَفَطَّرْن مِنْهُ و تَنْشَقّ الأرضُ وتَخِرُّالجِبَالُ هَدّاً* أن دَعَوْا للرّحمنِ وَََلداً)( 2) وهو الذي
حملهم علیه. وما معنی قوله: (فَما لَهُمْ لا یُؤْمِنُون) ( 3) وقد منعهم؟ وکیف یقول: (ما کانَ لَأهلِ المَدینۀِ ومَن حَوْلَهُمْ مِنَ الَأعرابِ أَنْ
صفحۀ 123 من 154
یَتَخَلّفُوا عَنْ رَسُولِ اللّهِ) ( 4) بل کان یجب أن یقول: ما کان لأهل المدینۀ أن یعملوا بما قضیت علیهم( 5)، ولما قال: (فَلَولا کانَ مِنَ
الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِکُمْ أُولُوا بَقِیّۀ یَنْهَوْنَ عَنِ الفَسادِ فِی
. 1 . هود: 103
. 2 . مریم: 90 91
. 3 . الانشقاق: 20
. 4 . التوبۀ: 120
5 . کذا فی النسخۀ والظاهر: إلاّ بما قضیت علیهم. ( 288 ) الأرْضِ) ( 1). وهو الذي حال بینهم و بین الطاعۀ.
وإذا کان الأمر مفروغاً منه، فکیف یقول: (لَیْسَ عَلَیالأعْمَی حَرَجٌ ولا عَلَی الأعْرَجِ حَرَجٌ ولا عَلَی المَرِیضِ حَرَجٌ) ( 2) وکیف ابتلی
العباد فعاقبهم علی فعلهم؟ وکیف یقول:(إِنّا هَدَیْناهُ السَّبیَل إِمّا شاکِراً وَإِمّا کَفُوراً) ( 3) وکیف یقول: (قَدَّرَ فَهَدَي) ( 4) ولم یقل قدّر
فأضل، وکیف یصحّ أنّه خلقهم للرّحمۀ والعبادة بقوله: (فِطْرَةَ اللّهِ الّتی فَطَرَالنّاسَ عَلَیْها)( 5) وقوله : (فَطَرکُمْ أَوّّلَ مَرَّة) ( 6) وقوله:
(إِلاّمَنْ رَحِمَ رَبُّکَ وَلِذلِکَ خَلَقَهُمْ) ( 7) فإذا خلقهم لذلک، فکیف یصحّ أن لا یجعل لهم سبیلًا، ویقرهم علی السعادة والشقاء علی ما
یذکرون. وکیف یبتلی إبلیس بالسجود لآدم، فإذا عصی یقول له(فَاهْبِطْ مِنها) ( 8) ویجعله شیطاناً رجیماً؟ وکیف یقول:(فَمَا یَکُونُ لَکَ
أَنْ تَتَکَبَّرَ فِیها) ( 9) وکیف یحذر آدم عداوته. إن کان الأمر مفروغاً منه علی ما تقولون؟ وقال فی الرسالۀ: واعلم أیّها الأمیر ما أقول:
إنّ اللّه تعالی لم یخف علیه بقضائه شیء، ولم یزدد علماً بالتجربۀ، بل هو عالم بما هو کائن وما لم یکن، ولذلک قال: (ولَوْ بَسَ طَالّلهُ
الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا)( 10 )، (ولَوْلا أنْ یَکُونَ النّاسُ أُمّۀً واحِدَةً)( 11 ) فعلم سبحانه أنّه خلق خلقاً من ملائکۀ وجن وإنس، وأنّه یبتلیهم قبل
أن یخلقهم، وعلم ما یفعلون کما قدّر أقواتهم، وقدّر ثواب أهل
. 1 . هود: 116
. 2 . النور: 61
. 3 . الإنسان: 3
. 4 . الأعلی: 3
. 5 . الروم: 30
. 6 . الإسراء: 51
. 7 . هود: 119
. 8 . الأعراف: 13
. 9 . الأعراف: 13
. 10 . الشوري: 27
( 289 ) . 11 . الزخرف: 33
الجنّۀ وعقاب أهل النار قبل ذلک، ولو شاء إدخال العصاة النار لفعل، لکنّه سهل سبیلهم لتکون الحجۀ البالغۀ له علی خلقه، والعلم
لیس بدافع إلی معاصیه، لأنّ العلم غیر العمل، (فَتَبَارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الخالِقِین) .( 1) وقال: فی قولهم فی الضلال والهدي، وقوله: (وَلو
شاءَ ربُّکَ لآمَنَ مَنْ فِی الأرضِ کُلُّهُمْ جَمِیعاً) ( 2)، (وَلَو شاَء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَی الهُدَي) ( 3)، لأنّ المراد بذلک إظهار قدرته علی ما
یریده کما قال: (إنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأرْضَ أوْ نَسْقِطْ عَلَیْهِمْ کِسَفاً مِنَ السّمَاءِ) ( 4)، (ولو نشاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَی مَکَاَنَتِهِمْ)( 5)، (ولَوْ نَشَاءُ
لَطَمَسْنَا عَلَی أعْیُنِهِمْ)( 6)، (ولَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِی کُلِّ قَرْیَۀ نَذِیراً)( 7)، و قال: (فلَعَلَکَّ بَاخِعٌ نَفْسَکَ عَلَی آثَارِهِمْ إنْ لَمْ یُؤْمِنُوا) ( 8)، حتّی
بلغ من قوله أن قال:(فَإِنِ اسْتََطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِیَ نَفقَاً فِی الَأرضِ أَو سُلَّماً فِی السَّماِء)( 9) ، فإنّما یدلّ بذلک رسوله علی قدرته، فکذلک
صفحۀ 124 من 154
غیر الذي شاء منهم،ولذلک قال فی حجتهم یوم القیامۀ ردّاً علیهم لقولهم: (لَوْ أَنَّ اللّهَ هَدانِی لَکُنتُ مِنَ المُتَّقِینَ)( 10 ) ورد ذلک
بقوله: (بَلی قَدْ جاءَتْکَ آیاتِی فَکَذَّبْتَ بِها وَاسْتَکْبَرْتَ).( 11 ) وقال تعالی بعد ما حکی عنهم قولهم: (لو شاءَ الرّحمَنُ ما عَبَدْنَاهُمْ ما لَهُمْ
بِذَلِکَ مِنْ عِلْم إنْ هُمْ إلاّ یَخْرُصُونَ).( 12 ) وقال تعالی بعد ما حکی عنهم قولهم: (سَیَقُولُ الّذِینَ أشْرَکُوا لَوْ شَاءَ اللّهُ ما أشْرَکْنَا ولَا
آباؤُنا ولا حَرَّّْمنا مِنْ
. 1 . المؤمنون: 14
. 2 . یونس: 99
. 3 . الأنعام: 35
. 4 . سبأ: 9
. 5 . یس: 67
. 6 . یس: 66
. 7 . الفرقان: 51
. 8 . الکهف: 6
. 9 . الأنعام: 35
. 10 . الزمر: 57
. 11 . الزمر: 59
290 ) شَیْء) ( 1) مکذباً لهم:(کَذلِکَ کَذَّبَ الّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتّی ذاقُوا بَأْسَنا) ( 2)، فنعوذ باللّه ممن ألحق باللّه ) . 12 . الزخرف: 20
الکذب. وجعلوا القضاء والقدر معذرة، وکیف یصحّ ذلک مع قوله: (وَما ظَلَمْناهُمْ وَلکِنْ کانُوا هُمُ الظّالمین) ( 3)؟! وکیف یصحّ أن
یقول: (وَما أَصابَکَ مِنْ سَیّئَۀ فَمِنْ نَفْسَکَ)( 4)؟! أي العقوبۀ التی أصابتک هی من قبل نفسک بعملک. ولو شاء تعالی أن یأخذهم
بالعقوبۀ من دون معصیۀ لقدر علی ذلک، لکنّه رؤوف رحیم. ولذلک أرسل موسی إلی فرعون و قد قال: (ما عَلِمْتُ لَکُمْ مِنْ إله
غَیْرِي)( 5) فقال: (فَقُولا لَهُ قَولًا لََیِّنَاً)( 6) وقال: (اذْهَبْ إلی فِرْعَوْنَ إنّهُ طَغَی) ( 7) (فَقُلْ هَلْ لَکَ إِلی أَنْ تَزکّی) ( 8) وقال:(وَلَقَدْ أَخذنا
آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنینَ وَنَقْص مِنَ الثَّمراتِ لَعلَّهُمْ یَذَّکَّرون) ( 9) فیتوبون، فلمّا لجّوا فی کفرهم بعد ذلک الأمر والترغیب إلی طاعته،
أخذهم بما فعلوا.
قال: ثمّ انظر أیّها الأمیر، کیف صنیعه لمن أطاع فقال: (إلاّقَوْمَ یُونُسَ لمّا آمَنُوا کَشَ فْنا عَنْهُمْ عَذابَ الخِزْيِ فِی الحَیاةِ الدُّنیا ومَتَّعْناهُمْ
إلی حِین)( 10 ) ، (ولَوْ أنَّ أهْلَ القُري آمَنُوا وَاتُّّقوا لَفَتَحْنا عَلَیْهِمْ)( 11 ) ، (ولو أنّهُمْ أقامُوا التوراةَ والإنجیَل)( 12 ) ، و قال موسی: (ادْخُلُوا
الأرضَ المُقَدَّسَ ۀَ الّتِی کَتَبَ اللّهُ لَکُ مْ ولا تَرْتَدُّوا عَلَی أدْبارِکُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِینَ)( 13 ) ، وقال: (فَلَمّا عَتَوْا عَنمّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنا

. 1 . الأنعام: 148
. 2 . الأنعام: 148
. 3 . الزخرف: 76
. 4 . النساء: 79
. 5 . القصص: 38
. 6 . طه: 44
. 7 . طه: 24
صفحۀ 125 من 154
. 8 . النازعات: 18
. 9 . الأعراف: 130
. 10 . یونس: 98
. 11 . الأعراف: 96
. 12 . المائدة: 66
291 ) لَهُمْ کُونُوا قِرَدةً خاسِئِینَ)( 1) ، فهذا صنیعه بأهل طاعته، وما قدّمناه صنیعه بأهل معاصیه عاجلًا، فإذا هم اتّبعوا ) . 13 . المائدة: 21
أهواءهم، عاقبهم بما یستحقون.
رُْکَنُ 􀂨 وقال فی الرسالۀ: ولا یصحّ الجبر إلاّ بمعونۀ اللّه، ولذلک قال لمحمّد صلَّی الله علیه وآله وسلَّم : (وَلولا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ کِدْتّ تَ
إِلَیهِمْ شَیئاً قَلیلًا) ( 2) ، وقال یوسف علیه السَّلام : (وإلاّ تَصْ رِفْ عَنِّی کَیْدَهُنَّ أصْبُ إلَیْهِنَّ) ( 3) فقد بیّن وأمر ونهی، وجعل للعبد
فضل الاعتزال » السبیل علی عبادته، وأعانه بکلّ وجه ولو کان عمل العبد یقع قسراً لم یصحّ ذلک. هذا نصّ الرسالۀ نقلناها برمتها عن
للقاضی عبد الجبار ص 216 223 . قال المعلّق علی کتاب القاضی: رسالۀ الحسن إلی عبد الملک بن مروان مطبوعۀ « وطبقات المعتزلۀ
طبعها رویتر عدد 21 سنۀ 1933 م وأضاف منها نسخۀ من مکتبۀ أیا صوفیا استنبول برقم 3998 . وهذه الرسالۀ « دار الإسلام » فی مجلۀ
والعلم لیس بدافع إلی معاصیه، » : تعترف بعلمه السابق ولکن تنکر کونه موجباً للجبر بمحکم آیاته. ومن لطیف کلامه فی الرسالۀ قوله
کلام مؤلّف کتاب المعتزلۀ .« لأنّ العلم غیر العمل
إنّ عامۀ المسلمین فی صدر الإسلام کانوا یؤمنون بالقدر خیره وشره من اللّه تعالی وأنّ الإنسان فی هذه الدنیا مسیّر لا مخیّر وأنّ القلم
قد جفّ علی علم اللّه، وقد قال أحد رجاز ذلک الزمان معبراً عن تلک العقیدة:
. 1 . الأعراف: 166
. 2 . الإسراء: 74
( 292 ) . 3 . یوسف: 33
( یا أیّها المضمر همّاً لاتهم * إنّک إن تقدر لک الحمی تحم ولو علوت شاهقاً من العلم * کیف توقیک وقد جف القلم( 1
یلاحظ علیه: أنّ نسبۀ کون الإنسان مسیّراً لا مخیّراً إلی عامّۀ المسلمین خطأ جداً، وإنّما هی عقیدة تسربت إلی المسلمین من بلاط
الأمویین، وهم أخذوه من الأحبار والرهبان، وإلاّ فالطبقۀ المثلی من المسلمین کانوا یعتقدون بالاختیار فی مقابل التسییر. و هذه خطب
« الحسن بن علی » علی علیه السَّلام وأبناء بیته الرفیع جاهرة بالاختیار ونفی کون التقدیر سالباً للحریۀ، وهذا هو الحسن البصري یسأل
عن مکانۀ القدر فی التشریع الإسلامی، وهو علیه السَّلام یجیب بما عرفته.( 2) کیف وإنّ التکلیف والوعد والوعید یقوم علی أساس
الحریۀ ولا یجتمع مع الجبر کما أنّ إرسال الرسل لا یتم إلاّ بالقول بأنّ الإنسان مخیّر فی اتّباع الرسول ومخالفته مضافاً إلی أنّ تعذیب
الإنسان المسیّر ظلم قبیح منفیّ عنه سبحانه عقلًا ونقلًا. وهذه الوجوه کافیۀ فی إثبات أنّ الرأي العام للمسلمین لولا الضغط من البلاط
الأموي هو الاختیار. وما تقدم من رسالۀ عادل بنی أُمیۀ! لأصدق شاهد علی أنّ مذهب الجبر أذیع من قبل الحکام الأمویین.

. 1 . کتاب المعتزلۀ: 91 نقلًا عن تأویل مختلف الحدیث لابن قتیبۀ: 25
. 2 . لاحظ ص: 292
هل الإیمان بخلافۀ الخلفاء من صمیم الدین؟
هل الإیمان بخلافۀ الخلفاء من صمیم الدین؟
صفحۀ 126 من 154
ما سلّ سیف فی الإسلام علی قاعدة دینیۀ مثل ما » : إذا کان الخلاف فی الإمامۀ أعظم خلاف بین الأُمّۀ حسب نظر الشهرستانی إذ قال
فیجب علی دعاة الوحدة الذین یبذلون سعیهم لتوحید الصفوف معالجۀ هذه المسألۀ من وجهۀ علمیۀ .« سلّ علی الإمامۀ فی کلّ زمان
وفی جو هادئ. فإن حل هذه المسألۀ ونظائرها یوجب تقارب الخطی، بل یوحّد الصفوف. فإنّ الوحدة بشکلها السلبی الذي یدعو إلی
تناسی الماضی، والتغافل عنه من أساسه، وإسدال الستار علی کلّ ما فیه من مفارقات، علی ما یتبنّاه بعض دعاتها، لا تؤثر ولا تحقّق
أُمنیّتهم، وإنّما تحقّق تلک الأمنیۀ لو أثبتت بصورة علمیۀ أنّ جملۀ کبیرة من صور الخلاف لا تستند علی أساس، وإنّما هی ولیدة
دعایات خلقتها بعض الظروف وغذّاها قسم من السلطات فی عهود خاصۀ، ولأجل ذلک نطرح هذه المسألۀ علی طاولۀ البحث حتی
تتقارب الأفکار المتباعدة فإنّ الصراع العلمی والجدال بالحقّ، مهما کان بصورة علمیۀ، یکون من أفضل عوامل التقریب ورفع التباعد،
فنقول: من راجع الکتب الکلامیۀ لأصحاب الحدیث، وبعدهم الأشاعرة وجد أنّهم یعدّون الإیمان بخلافۀ الخلفاء الأربع وحتی
( تفاضلهم حسب زمن إمامتهم من صمیم الإیمان، ولابدّ أن نأتی ببعض النصوص للقدامی منهم: ( 294
1. قال إمام الحنابلۀ (المتوفّی عام 241 ه) فی کتاب السنّۀ: خیر هذه الأُمّۀ بعد نبیّنا صلَّی الله علیه وآله وسلَّم أبو بکر، وخیرهم بعد
2. وقال أبو جعفر ( أبی بکر، عمر ;وخیرهم بعد عمر، عثمان ;وخیرهم بعد عثمان، علی، رضوان اللّه علیهم خلفاء راشدون مهدیّون.( 1
ونثبت الخلافۀ بعد النبی صلَّی الله علیه وآله وسلَّم لأبی بکر :« بیان السنۀ والجماعۀ » الطحاوي الحنفی فی العقیدة الطحاویۀ المسمّاة ب
3. وقال أبو ( الصدیق تفضیلًا وتقدیماً علی جمیع الأُمّۀ ثمّ لعمر بن الخطاب ثمّ لعثمان بن عفان ثمّ لعلی بن أبی طالب علیه السَّلام .( 2
الحسن علی بن إسماعیل الأشعري(المتوفّی عام 324 ه) عند بیان عقیدة أهل الحدیث وأهل السنّۀ: ویقرّون بأنّهم الخلفاء الراشدون
المهدیون أفضل الناس کلّهم بعد النبی صلَّی الله علیه وآله وسلَّم .( 3) وقال أیضاً بعد ما استعرض خلافۀ الأئمّۀ الأربعۀ قال رسول
4. وقال عبد القاهر البغدادي فی بیان الأُصول (4).« الخلافۀ فی أُمّتی ثلاثون سنۀ، ثمّ ملک بعد ذلک »: اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم
التی اجتمع علیها أهل السنّۀ: وقالوا بإمامۀ أبی بکر الصدیق بعد النبی خلاف من أثبتها لعلی وحده من
المطبوع ضمن رسائل بإشراف حامد محمد الفقی، وهذا الکتاب ألّفه لبیان مذاهب أهل العلم وأصحاب الأثر وأهل « السنّۀ » 1 . کتاب
السنّۀ ووصف من خالف شیئاً من هذه المذاهب أو طغی فیها، أو عاب قائلها بأنّه مخالف مبتدع وخارج عن الجماعۀ، زائل عن منهج
السنّۀ وسبیل الحقّ.
للشیخ عبد الغنی المیدانی الحنفی الدمشقی: 471 478 .و قد توفّی الطحاوي عام 321 ه. « شرح العقیدة الطحاویۀ » . 2
. 3 . مقالات الإسلامیین: 323
5 ولاحظ العقائد / الباب السادس عشر: ص 190 وما ذکره من الحدیث رواه أحمد فی مسنده: 220 « الإبانۀ عن أُصول الدیانۀ » . 4
( 295 ) . النسفیۀ: 177 ، ولمع الأدلۀ للإمام الأشعري: 114
الرافضۀ، وخلاف قول الراوندیۀ الذین أثبتوا إمامۀ العباس وحده.( 1) أقول: هذه هی عقیدة هؤلاء الأعلام وغیرهم ممّن کتب فی
موضوع الإمامۀ عن أهل السنّۀ، ولرفع الستار عن وجه الحقیقۀ، نبحث فی نواح خاصۀ لها صلۀ وثیقۀ بالموضوع وهذه النواحی عبارة
عن: 1. هل الإمامۀ والخلافۀ من أُصول الدین أو من فروعه؟ 2. هل هناك نصّ فی القرآن أو السنّۀ فی مسألۀ الإمامۀ أو لا؟ 3. مبدأ
ظهور هذه العقیدة؟ 4. هل هناك نصّ علی أفضلیۀ بعضهم علی بعض وفق تسلسل زمانهم؟ فإذا تبیّن الحال فی هذه المواضع یتبیّن
الحال فی المسألۀ التی بیّناها آنفاً. أ. هل الإمامۀ من الأُصول أو من الفروع؟
الشیعۀ الإمامیۀ علی بکرة أبیهم اتّفقوا علی کون الإمامۀ أصلًا من أُصول الدین، و قد برهنوا علی ذلک فی کتبهم،ولأجل ذلک یعد
الاعتقاد بإمامۀ الأئمّۀ من لوازم الإیمان الصحیح عندهم، وأمّا أهل السنّۀ فقد صرّحوا فی کتبهم الکلامیۀ أنّها لیست من الأُصول،
وإلیک بعض نصوصهم: 1. قال الغزالی (المتوفّی عام 505 ه): اعلم أنّ النظر فی الإمامۀ أیضاً لیس من المهمات، ولیس أیضاً من فن
المعقولات بل من الفقهیات، ثمّ إنّها مثار للتع ّ ص بات، والمعرض عن الخوض فیها أسلم من الخائض فیها، وإن أصاب فکیف إذا
صفحۀ 127 من 154
أخطأ؟! ولکن إذ جري الرسم باختتام المعتقدات بها، أردنا أن نسلک المنهج المعتاد، فإنّ فطام القلوب عن المنهج المخالف
للمألوف، شدید النفار. ولکنّا نوجز القول فیه.( 2)
. 1 . الفرق بین الفرق: 350
( 296 ) .« المنهج المألوف » وصحیحها « المخالف » 2 . الاقتصاد فی الاعتقاد: 234 ،وفی العبارة صعوبۀ والظاهر زیادة کلمۀ
2. قال الآمدي ( 551 631 ه): واعلم أنّ الکلام فی الإمامۀ لیس من أُصول الدیانات ولا من الأُمور اللابدیات بحیث لا یسع المکلّف
الإعراض عنها، والجهل بها بل لعمري، إنّ المعرض عنها لأرجی حالًا من الواغل فیها، فإنّها قلّما تنفک عن التعصب والأهواء وإثارة
الفتن والشحناء، والرجم بالغیب فی حقّ الأئمّۀ والسلف بالإزراء، وهذا مع کون الخائض فیها سالکاً سبیل التحقیق، فکیف إذا کان
خارجاً عن سواء الطریق. لکن لما جرت العادة بذکرها فی أواخر کتب المتکلّمین والإبانۀ عن تحقیقها فی عامۀ مصنّفات الأُصولیّین لم
3. قال السیّد الشریف (المتوفّی 816 ه) فی شرح المواقف: المرصد ( نر من الصواب خرق العادة بترك ذکرها فی هذا الکتاب.( 1
الرابع فی الإمامۀ ومباحثها ولیست من أُصول الدیانات والعقائد خلافاً للشیعۀ بل هی عندنا من الفروع المتعلّقۀ بأفعال المکلّفین إذ
نصب الإمامۀ عندنا واجب علی الأُمّۀ سمعاً، وإنّما ذکرناها فی علم الکلام تأسّیاً بمن قبلنا، إذ قد جرت العادة من المتکلّمین بذکرها
4. قال الرازي: اتّفقت الأُمّۀ، إلاّ شذاذاً منهم، علی وجوب الإمامۀ والقائلون بوجوبها، منهم من أوجبها عقلًا، ( فی أواخر کتبهم.( 2
ومنهم من أوجبها سمعاً، أمّا الموجبون عقلًا، فمنهم من أوجبها علی اللّه تعالی، ومنهم من أوجبها علی الخلق.( 3) وعلی کلّ تقدیر فقد
اعتبر أهل السنّۀ هذا الوجوب حکماً شرعیاً فرعیاً کسائر الأحکام الفرعیۀ الواردة فی الکتاب والسنّۀ والکتب الفقهیۀ، وإذا تبیّن هذا
المطلب فلنبحث عن الموضوع الثانی. ب. هل هناك نصّ علی الإمامۀ أم لا؟
اتّفقت الشیعۀ الإمامیۀ علی أنّ المذاهب الحقّ فی باب الإمامۀ هو القول
. 1 . غایۀ المرام فی علم الکلام: 363
.8/ 2 . شرح المواقف: 344
( 3 . المحصل للرازي: 406 ، ط ایران. ( 297
بالتنصیص وأنّ النبی الأکرم صلَّی الله علیه وآله وسلَّم نصّ فی أیام حیاته علی الخلیفۀ من بعده، وذلک فی موارد ضبطها التاریخ
أشهرها قوله صلَّی الله علیه وآله وسلَّم فی یوم الغدیر، أي الثامن عشر من ذي الحجۀ الحرام فی عام حجّۀ الوداع فی منصرفه من
قال الناس: نعم، ؟« ألست أولی بکم من أنفسکم » : مکۀ عند بلوغه غدیر خم رافعاً ید علی علیه السَّلام فی محتشد کبیر، وهو یقول
وقد قامت ثلّۀ کبیرة من علماء الفریقین بضبط طرق هذا .« من کنت مولاه فهذا علیٌّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه » : فقال
الحدیث وأسناده، فأّلفوا فی ذلک مختصرات ومف ّ ص لات، أجمعها وأعمّها کتاب الغدیر لآیۀ اللّه الحجّۀ الأمینی رضوان اللّه علیه .
هذا ما عند الشیعۀ، وأمّا عند السنّۀ، فالرأي السائد هو عدم التنصیص علی أحد والزعم بأنّ رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم مات
ولم یستخلف. فهذا هو إمام الحرمین یقول: وما نص النبی صلَّی الله علیه وآله وسلَّم علی إمامۀ أحد بعده وتولیته، إذ لو نص علی
ذلک لظهر وانتشر کما اشتهرت تولیۀ رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم وسائر ولاته، وکما اشتهر کلّ أمر خطیر.( 1) وقال
یوم السقیفۀ، فلو کان رسولاللّه « ابسط یدك أُبایعک »: الأشعري: وممّا یبطل قول من قال بالنصّ علی أبی بکر: أنّ أبا بکر قال لعمر
البدایۀ » 2) وقد عقد ابن کثیر الحنبلی فی کتابه ).« صلَّی الله علیه وآله وسلَّم نصّ علی إمامته لم یجز أن یقول أبسط یدك أُبایعک
3) والمسألۀ أي عدم وجود النصّ علی ).« تاریخ الخلفاء » باباً مستقلًا فی أنّ رسول اللّه لم یستخلف وتبعه السیوطی فی « والنهایۀ
المتقمّصین بالخلافۀ بعد النبی من
. 1 . لمع الأدلۀ: 114
. 2 . اللمع: 136
صفحۀ 128 من 154
( 5 ;تاریخ الخلفاء: 7، ط مصر. ( 298 / 3 . لاحظ البدایۀ: 250
الوضوح بمکان بحیث لا تحتاج إلی إقامۀ الدلیل علیها، کیف و هذه قصۀ السقیفۀ لم نر أحداً فیها من الذین رشّحوا أنفسهم للخلافۀ،
کسعد بن عبادة من الأنصار، وأبی بکر من المهاجرین، استدلّ علی صحّۀ خلافته بنصّ النبی علیه. فهذا هو سعد بن عبادة یقول بعد أن
حمد اللّه وأثنی علیه: یا معشر الأنصار لکم سابقۀ فی الدین وفضیلۀ فی الإسلام لیست لقبیلۀ من العرب، إنّ محمّداً لبث بضع عشرة
سنۀ فی قومه یدعوهم إلی عبادة الرحمن وخلع الأنداد والأوثان، فما آمن به من قومه إلاّ رجال قلیل... إلی أن قال: حتّی إذا أراد بکم
الفضیلۀ ساق إلیکم الکرامۀ، وخ ّ ص کم بالنعمۀ، فرزقکم اللّه الإیمان به وبرسوله، والمنع له ولأصحابه والإعزاز له ولدینه، والجهاد
لأعدائه... إلی أن قال: وتوفّاه اللّه وهو عنکم راض وبکم قریر عین، استبدّوا بهذا الأمر دون الناس. هذا منطق مرشّح الأنصار لا تري فیه
تلمیحاً إلی وجود النصّ علیه ولیس یقصر عنه منطق أبی بکر فی هذا الموقف حین قال: فهم أي المهاجرین أوّل من عبد اللّه فی
الأرض، و آمن باللّه وبالرسول، وهم أولیاؤه وعشیرته، وأحقّ الناس بهذا الأمر من بعده، ولا ینازعهم فی ذلک إلاّ ظالم... إلی أن قال:
من ذا ینازعنا سلطان محمد وإمارته ونحن أولیاؤه وعشیرته إلاّمدل بباطل أو متجانف لإثم، أو متورط فی هلکۀ.( 1) فهذان المنطقان
من سعد بن عبادة وأبی بکر یعربان عن عدم وجود النصّ علی واحد منهما، وأمّاالخلیفتان الآخران فحدث عنهما ولا حرج، فقد رقی
عمر بن الخطاب من ّ ص ۀ الخلافۀ بأمر من أبی بکر عندما دعا عثمان بن عفان فی حال مرضه فقال له: اکتب: بسم اللّه الرّحمن الرحیم...
هذا ما عهد أبو بکر بن أبی قحافۀ إلی المسلمین: أمّا بعد، ثمّ أُغمی علیه، فکتب عثمان: قد استخلفت علیکم عمر بن الخطاب ولم
یکن خیراً منه، ثمّ أفاق وقال: اقرأ علیَّ، فقرأ علیه
( 299 ) . 2، حوادث السنّۀ 11 / 1 . تاریخ الطبري: 456
فکبّر أبو بکر... إلی أن قال لعثمان: جزاك اللّه خیراً عن الإسلام وأهله، وأمّره أبو بکر من هذا الموضع.( 1) وأمّا عثمان فقد انتخب عن
طریق الشوري التی عیّن أعضاءها عمر بن الخطاب عندما طعنه أبو لؤلؤة غلام المغیرة بن شعبۀ و کان أعضاء الشوري ستۀ أشخاص
( وهم: علی بن أبی طالب، وسعد بن أبی وقاص، وعثمان بن عفان، وطلحۀ بن عبد اللّه، وعبد الرحمن بن عوف، والزبیر بن العوام.( 2
وقد ذکر التاریخ کیفیۀ استلام عثمان للخلافۀ، فهذا هو التاریخ المسلّم به، یعرب بوضوح عن عدم وجود نصّ علی واحد من الخلفاء
الثلاث جمیعاً، وإلاّ لم یحتج إلی تعیین أوّل الخلفاء لثانیهم وإلی تعیین الشوري وانتخاب الخلیفۀ عن طریقها. وقد قام المحدّثون
جامع » القدامی منهم والمتأخّرون، بجمع ما ورد من الأحادیث حول الخلافۀ والإمارة، منهم الإمام أبو السعادات الجزري فی کتابه
فقد جمعها فی الجزء الرابع من هذا الکتاب، ومنهم العلّامۀ علاء الدین علی المتقی الهندي(المتوفّی « الأُصول من أحادیث الرسول
الجزء الخامس، ولا یوجد فیه نصّ صریح علی واحد من الخلفاء الثلاث. نعم فی المقام « کنز العمال » 975 ه) فقد جمعها فی کتابه
روایات تشیر إلی أنّ الخلافۀ من حقّ قریش، و هی أحادیث مشهورة موجودة فی الکتاب الآنف ذکره. إذا وقفت علی هذین الأمرین،
تقف علی أنّ ما ادّعیناه من عدم کون الاعتقاد بخلافۀ الخلفاء من صمیم الدین نتیجۀ ذینک الأمرین، وذلک لأنّه إذا کان أصل
الإمامۀ والخلافۀ من الفروع لا من الأُصول، من جانب، وثبت حسب نصوص القوم أنّ النبی لم ینص علی خلافۀ واحد منهم من جانب
آخر، غایۀ ما فی الباب أنّ الأُمّۀ فی صدر الإسلام قاموا بواجبهم الشرعی أو العقلی حیث کان
.1/ 1 . الإمامۀ والسیاسۀ: 18 وص 25 ، ط مصر ;الشرح الحدیدي: 165
( 300 ) .3/ 2 . تاریخ الطبري: 293
نصب الإمام واجباً بأحد الوجهین، فإنّ أقصی ما یمکن أن یقال: إنّ خلافۀ هؤلاء کانت أمراً صحیحاً غیر مخالف للأُصول والقواعد،
ولکن یجب أن یعلم أنّه لیس کلّ قضیۀ صحیحۀ جزءاً من الدین ;وعلی فرض کونها من الدین، فلیس کلّ ما هو من الدین یجب أن
یعد من العقائد ;وعلی فرض کونها من العقائد، فلیس کلّ ما هو یعد من العقائد مائزاً بین الإیمان والکفر أو بین السنّۀ والبدعۀ. وهذه
مراحل ثلاث یجب أن یرکز علیها النظر فنقول: إنّ غایۀ جهد الباحث حسب أُصول أهل السنّۀ هی إثبات کون خلافتهم أمراً صحیحاً،
صفحۀ 129 من 154
لأنّ نصب الإمام واجب علی الأُمّۀ عقلًا أو شرعاً، فلأجل ذلک قاموا بواجبهم فنصبوا هذا وذاك للإمامۀ، ونتیجۀ ذلک أنّ عملهم کان
أمراً مشروعاً ولکن لیس کلّ أمر مشروع یعد جزءاً من الدین. فلو قام القاضی بفصل الخصومۀ بین المترافعین فی ضوء الکتاب والسنّۀ
فحکم بأنّ هذا المال لزید دون عمرو وکان قضاؤه صحیحاً لا یعد خصوص هذا القضاء (لا أصل القضاء بالصورة الکلیۀ) من الدین،
إذ لیس کلّ أمر صحیح جزءاً من الدین، ولا یصحّ أن یقال إنّه یجب أن نعتقد أنّ هذا المال لزید دون عمرو، ولو تنزّلنا عن ذلک وقلنا
إنّه من الدین، ولکن لیس کلّ ما هو من الدین یعد من العقائد فکون الماء طاهراً ومطهّراً حکم شرعی، ولکن لیس من العقائد، فأيّ
فرق بینه و بین خلافۀ الخلفاء مع اشتراك الجمیع فی کونه حکماً فرعیاً لا أصلًا من الأُصول. ولو تنزّلنا مرّة ثانیۀ وقلنا إنّه من العقائد،
ولکن لیس کلّ ما یجب الاعتقاد به مائزاً بین الإیمان والکفر، أو بین السنّۀ والبدعۀ، إذ للمسائل العقائدیۀ درجات ومراتب، فالشهادة
بتوحیده سبحانه ونبوة نبیّه وإحیاء الناس یوم الدین، تعد مائزاً بین الکفر والإیمان، ولیس کذلک الاعتقاد بعذاب القبر، أو سؤال منکر
ونکیر، أو کون مرتکب الکبیرة مؤمناً. و علی هذا الأساس یجب علی إخواننا أهل السنّۀ تجدید النظر فی هذا الأصل الذي ذهبوا إلیه،
( وهو جعلهم الاعتقاد بخلافۀ الخلفاء المشار إلیهم، آیۀ السنّۀ، ومخالفته آیۀ البدعۀ. ( 301
ولو توفّی الرجل عن أولاد صغار بلا وصی ولا تعیین قیّم لصغاره فعلی الحاکم الإسلامی تعیین القیّم علیهم لئلّا تضیع أموالهم، وعندئذ
یسأل فهل الاعتقاد بالأصل الکلی من صمیم الدین؟ وأنّه یجب علی المسلم أن یعتقد بأنّ من مات عن أولاد صغار یجب علی الحاکم
نصب من یلی أُمورهم؟ وعلی فرض کونه بصورته الکلیۀ من صمیمه، فهل الاعتقاد بأنّ زیداً ولی الصغار عند نصب الحاکم له، من
صمیم الدین، أو أنّ المطلوب فی الفروع هو العمل عند الابتلاء. وأمّا الاعتقاد التفصیلی بالکبریات والصغریات فغیر لازم؟ ج. مبدأ
ظهور هذه العقیدة
لم یکن فی عصور الخلفاء الثلاث أي أثر من هذه العقیدة ولم یکن یخطر ببال أحد من المهاجرین والأنصار أنّه یجب الاعتقاد بخلافۀ
هذا أو ذاك أو ذلک، وأنّ من لم یکن معتقداً بخلافتهم یخرج عن صفوف المؤمنین ویلتحق بالمبدعین. وإنّما أوجدت تلک الفکرة
ید السیاسۀ بهدف الإزراء بعلی علیه السَّلام ، وتصحیح خروج معاویۀ علیه لأخذ ثأر الخلیفۀ، ولعلّ عمرو بن العاص هو أوّل من بذر
تلک الفکرة. ویدلّ علی ذلک ما ذکره المسعودي فی کتابه: قال: اجتمع عمرو بن العاص مع أبی موسی الأشعري فی دومۀ الجندل،
غلامه لکتابۀ ما یتفقان علیه، فقال عمرو بن العاص بعد الشهادة بتوحیده سبحانه نبوة نبیّه « عمرو » فجري بینهما مناظرات و قد أحضر
صلَّی الله علیه وآله وسلَّم : ونشهد أنّ أبا بکر خلیفۀ رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم عمل بکتاب اللّه وسنّۀ رسول اللّه صلَّی
الله علیه وآله وسلَّم حتّی قبضه اللّه إلیه، وقد أدّي الحقّ الذي علیه. قال أبو موسی: اکتب ثمّ قال فی عمر مثل ذلک، فقال أبو موسی:
اکتب، ثمّ قال عمرو: واکتب: وأنّ عثمان ولی هذا الأمر بعد عمر علی إجماع من المسلمین وشوري من أصحاب رسول اللّه صلَّی الله
علیه وآله وسلَّم ورضاً منهم، وأنّه کان مؤمناً. فقال أبو موسی الأشعري: لیس هذا ممّا قعدنا له. قال عمرو: واللّه لابدّمن أن یکون
( مؤمناً أو کافراً. فقال أبو موسی: کان مؤمناً. ( 302
قال عمرو: فمره یکتب . قال أبو موسی: اکتب. قال عمرو: فظالماً قتل عثمان أو مظلوماً؟ قال أبو موسی: بل قتل مظلوماً. قال عمرو: أو
لیس قد جعل اللّه لولی المظلوم سلطاناً یطلب بدمه؟ قال أبو موسی: نعم. قال عمرو: فهل تعلم لعثمان ولیاً أولی من معاویۀ؟ قال أبو
موسی: لا. قال عمرو: أفلیس لمعاویۀ أن یطلب قاتله حیثما کان حتی یقتله أو یعجز عنه؟ قال أبو موسی: بلی. قال عمرو للکاتب:
اکتب، وأمره أبو موسی فکتب. قال عمرو: فإنّا نقیم البیّنۀ علی أنّ علیّاً قتل عثمان....( 1) وهذا النصّ من حجّۀ التاریخ وغیره یعرب عن
أنّ الاعتقاد بخلافۀ الخلفاء إنّما برز للوجود فی جو مشحون بالعداء والبغضاء والمنافسۀ والمغالبۀ، حتی جعل ذلک الداهیۀ الماکر،
الاعتقاد بخلافۀ الشیخین وسیلۀ لانتزاع الإقرار بخلافۀ الثالث من الخلفاء، ولم یکن الانتزاع مقصوداً بالذات، بل کان أخذه ذریعۀ
لانتزاع الاعترافات الأُخري من أنّه قتل مظلوماً وأنّه لیس له ولی یطلب بدمه أولی من معاویۀ وأنّ علیّاً هو القاتل... إلی آخره. ثمّ إنّ
الأجواء السیاسیۀ المخالفۀ لأمیر المؤمنین علیه السَّلام أخذت تروّج تلک العقیدة من أجل الإطاحۀ به علیه السَّلام وإثبات صحّۀ
صفحۀ 130 من 154
قیام معاویۀ وصحّۀ أعماله وقیامه ونصبه فصار ذلک المستمسک السیاسی بمرور الزمان، عقیدة دینیۀ، سقته الأوضاع السیاسیۀ الأمویۀ
والعباسیۀ، إلی أن ذکرت فی الکتب والمؤلفات وعدّت من صمیم الدین. وقد استفحلت أهمیۀ الإیمان بخلافۀ الخلفاء ولا سیما الثالث
منهم فی عهد معاویۀ عندما کتب إلی عماله بعد عام الجماعۀ: أن برئت الذمۀ ممّن روي شیئاً من فضل أبی تراب وأهل بیته. فقامت
الخطباء فی کلّ کورة وعلی کلّ منبر یلعنون علیاً و یبرأون منه ویقعون فیه وفی أهل بیته، وکان أشدّ الناس بلاء حینئذ أهل الکوفۀ
لکثرة من فیها من شیعۀ علی علیه السَّلام ، فاستعمل معاویۀ علیهم زیاد بن سمیۀ وضم إلیها البصرة، فکان یتتبع الشیعۀ وهو بهم

( 303 ) . 2 397 / 1 . مروج الذهب: 396
عارف، لأنّه کان منهم أیّام علی علیه السَّلام فقتلهم تحت کلّ حجر ومدر، وأخافهم وقطع الأیدي والأرجل، وسمل العیون،
وصلبهم علی جذوع النخل، وطردهم وشردهم عن العراق، فلم یبق بها معروف منهم. وکتب معاویۀ إلی عماله فی جمیع الآفاق ألاّ
یجیزوا لأحد من شیعۀ علی وأهل بیته شهادة، وکتب إلیهم: أن انظروا من قبلکم من شیعۀ عثمان ومحبّیه وأهل ولایته والذین یروون
فضائله و مناقبه، فأدنوا مجالسهم وقرّبوهم وأکرموهم، واکتبوا إلی بکلّ ما یروي کلّ رجل منهم، واسمه واسم أبیه وعشیرته، ففعلوا
ذلک، حتّی أکثروا فی فضائل عثمان ومناقبه لما کان یبعثه إلیهم معاویۀ من الصلات والکساء والحباء والقطائع ویفیضه فی العرب
منهم و الموالی، فکثر ذلک فی کلّ مصر، وتنافسوا فی المنازل والدنیا، فلیس یجیء أحد مردود من الناس عاملًا من عمال معاویۀ
فیروي فی عثمان فضیلۀ أو منقبۀ إلاّکتب اسمه وقربه وشفعه، فلبثوا بذلک حیناً. ثمّ کتب إلی عماله أنّ الحدیث فی عثمان قد کثر
وفشا فی کلّ مصر وفی کلّ وجه وناحیۀ، فإذا جاءکم کتابی هذا فادعوا الناس إلی الروایۀ فی فضائل الصحابۀ والخلفاء الأوّلین، ولا
تترکوا خبراً یرویه أحد من المسلمین فی أبی تراب إلاّوتأتونی بمناقض له فی الصحابۀ، فإنّ هذا أحب إلیّ وأقرّ لعینی، وأدحض لحجّۀ
أبی تراب وشیعته، وأشدّ إلیهم من مناقب عثمان وفضله. فقرئت کتبه علی الناس، فرویت أخبار کثیرة فی مناقب الصحابۀ مفتعلۀ لا
حقیقۀ لها، وجدّ الناس فی روایۀ ما یجري هذا المجري حتّی أشادوا بذکر ذلک علی المنابر، و أُلقی إلی معلّمی الکتاتیب فعلّموا
صبیانهم وغلمانهم من ذلک الکثیر الواسع حتّی رووه وتعلّموه کما یتعلّمون القرآن، وحتی علّموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم،
فلبثوا بذلک ما شاء اللّه.( 1) کلّ ذلک یثبت أنّ الإیمان بخلافتهم ولا سیما الثالث منهم، کان ولید
( 11 45 نقله عن کتاب الأحداث لأبی الحسن علی بن محمد بن أبی سیف المدائنی. ( 304 / 1 . الشرح الحدیدي: 44
سیاسات غاشمۀ انطلقت من البیت الأموي وأشیاعه ضد البیت العلوي وأتباعه. وبذلک یسهل تصدیق ما ذکره الکاتب الکبیر محمود
إنّ الأهواء الشخصیۀ والأغراض المذهبیۀ کان لها أثر بعید فی وضع الحدیث :« أضواء علی السنۀ المحمدیۀ » أبو ریۀ فی کتابه القیم
علی رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم لکی یؤید کلّ فریق رأیه، ویحقّق م آربه بحقّ وبغیر حقّ وبصدق وبغیر صدق.( 1) وفی
الختام للقارئ الکریم أن یسأل : مَن جعل الاعتقاد بخلافۀ الخلفاء الأربع من صمیم الدین دون سواهم؟! وأن یسأل عن وجه التفاضل
والتمییز بینهم و بین سائر الخلفاء الذین تسلّموا دفۀ الخلافۀ عن طریق الوراثۀ، أو تنصیص سابق منهم علی اللاحق، أو ببیعۀ عدّة من
الشامیین وغیرهم. وهذا عمر بن عبد العزیز قد تسلّم دفّۀ الحکم بأحد هذه الطرق مع أنّهم لا یجعلون الإیمان بخلافته من صمیم
وقال صلَّی .« لا یزال هذا الأمر فی قریش، ما بقی منهم اثنان »: الإیمان، مع أنّه من قریش وقال رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم
2) اللّهمّ إلاّأن یعتذروا عن هذا التخصیص بأنّ رسول اللّه ).« قریش ولاة الناس فی الخیر والشر إلی یوم القیامۀ » : الله علیه وآله وسلَّم
3) لکن فی سنده سعید بن جمهان، قال أبو حاتم ).« الخلافۀ فی أُمّتی ثلاثون سنۀ، ثمّ ملک بعد ذلک » : صلَّی الله علیه وآله وسلَّم قال
:« بحوث مع أهل السنّۀ والسلفیۀ » الرازي: شیخ یکتب حدیثه ولا یحتج به.( 4) ثمّ إنّ هنا نکتتین نبّه علیهما العلّامۀ الروحانی فی کتابه
(ص 24 25 ) نأتی بهما معاً:
1 . أضواء علی السنّۀ المحمدیۀ.
صفحۀ 131 من 154
. 4 438 / 2 . جامع الأُصول: 437
3 . المصدر السابق.
( 305 ) .4/ 4 . الجرح والتعدیل: 10
1. الحقّ الذي یراه المتتبع فی التاریخ هو أنّ عقیدة خلافۀ الخلفاء الثلاث وقداستهم البالغۀ، قد أُقحمت فی عقائد أهل السنّۀ إقحاماً،
وإنّما کان ذلک رد فعل ومحاکاة لعقیدة الشیعۀ فی علی علیه السَّلام وأولاده الطاهرین، ولذا صیغت هذه العقیدة أوّلًا عند أهل
السنّۀ فی قالب الرد والمعارضۀ لعقیدة الشیعۀ فقط، ثمّ ألحقوا علیّاً علیه السَّلام بهم فی عصر متأخر. وبتفصیل أکثر نقول: إن جعل
خلافۀ الشیخین من العقائد، لم یکن فی القرن الأوّل. وغایۀ ما کان یقال فیهما هو أنّ خلافتهما کانت صحیحۀ. هذا فضلًا عن عقیدتهم
فی خلافۀ عثمان وعلی، بل إنّ عثمان لم یکن بذلک المرضی عند الناس. ثمّ إنّ المرجئۀ کانت تشک فی عدالۀ عثمان وعلی، بل فی
إیمانهما.( 1) ونحلۀ الإرجاء کانت شائعۀ فی عامۀ الناس آنذاك قبل غلبۀ أهل الحدیث، بل لقد کان لهم القدح المعلّی حتی بعد
وجود أهل الحدیث والسنّۀ فی کثیر من البلاد. حتی قال الأمیر نشوان الحمیري: ولیس کورة من کور الإسلام إلاّ والمرجئۀ غالبون
2. تقرر الأمر فی نحلۀ أهل الحدیث علی قبول خلافۀ علی علیه السَّلام بعد ما کانوا فی الغالب من العثمانیۀ ( علیها إلاّ القلیل.( 2
ینکرون خلافۀ علی، و یظهر أنّ قبول خلافۀ علی علیه السَّلام کان علی ید الإمام أحمد بن حنبل، فقد ذکر ابن أبی یعلی بالإسناد
عن ودیزة الحمصی قال: دخلت علی أبی عبد اللّه أحمد بن حنبل حین أظهر التربیع بعلی رضی اللّه عنه فقلت له: یا أبا عبد اللّه إنّ
هذا لطعن علی طلحۀ والزبیر، فقال: بئس ما قلت وما نحن وحرب القوم وذکرها، فقلت: أصلحک اللّه إنّما ذکرناها حین ربعت بعلی
وأوجبت له الخلافۀ وما یجب للأئمّۀ قبله، فقال لی: وما یمنعنی من ذلک، قال: قلت: حدیث ابن
.6/ 1 . طبقات النساء: 154
( 306 ) . 2 . الحور العین: 203
عمر( 1)، فقال لی: عمر خیر من ابنه فقد رضی علیاً للخلافۀ علی المسلمین وأدخله فی الشوري، وعلی بن أبی طالب رضی اللّه عنه قد
سمّی نفسه أمیر المؤمنین ;فأقول أنا لیس للمؤمنین بأمیر، فانصرفت عنه.( 2) وهذا یعرب عن أنّ مسألۀ التربیع کانت مسألۀ ثقیلۀ علی
هذا المحدّث، وقد کان غیر الکوفیّین علی هذا المذاق. وممّا یؤید عدم کون خلافۀ الخلفاء من صمیم الدین: أنّ أحمد بن حنبل فی
رسالته المؤلّفۀ حول مذاهب أهل السنّۀ لم یذکرها فی عداد العقائد الإسلامیۀ، بل بعدما أکمل بیان العقائد قال: ومن السنّۀ ذکر
محاسن أصحاب رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم والکف عمّا شجر بینهم، فمن سبّ أصحاب رسول اللّه أو واحداً منهم فهو
مبتدع رافضی، حبهم سنّۀ، والدعاء لهم قربۀ، والاقتداء بهم وسیلۀ، والأخذ ب آثارهم فضیلۀ، وخیر هذه الأُمّۀ بعد نبیها أبو بکر،
وخیرهم بعد أبی بکر عمر، وخیرهم بعد عمر عثمان، وخیرهم بعد عثمان علی، رضوان اللّه علیهم خلفاء راشدون مهدیون.( 3) وأمّا
البحث عن الدلیل الدالّ علی أفضلیۀ بعضهم علی بعض وفق تسلسل زمانهم، فسیوافیک الکلام فیه فی الجزء السادس. *** (ثُمَّ أَورَثْنَا
.( الْکِتابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَیْراتِ بِإِذْنِ اللّهِ ذلِکَ هُوَ الْفَضْلُ الْکَبیر) ( 4
***
.« کنّا نعد ورسول اللّه حیّ وأصحابه متوافرون: أبو بکر ثمّ عمر ثمّ عثمان ثمّ نسکت » 1 . الحدیث المنسوب إلی ابن عمر هو
.1/ 2 . طبقات الحنابلۀ: 393
. 3 . کتاب السنّۀ: 49
( 307 ) . 4 . فاطر: 32
خاتمۀ المطاف