گروه نرم افزاری آسمان

صفحه اصلی
کتابخانه
شاهنامه فردوسی
جلد دوم
البارئ لا یشبه المخلوقات







البارئ لا یشبه المخلوقات
استدلّ علی تنزیهه سبحانه عن مشابهۀ المخلوقات بأنّه لو أشبهها لکان حکمه فی الحدوث حکمها،ولو أشبهها لم یخل من أن یشبهها
فی جمیع الجهات أو فی بعضها ;فلو أشبهها فی جمیع الجهات، کان محدثاً مثلها من جمیع الجهات، وإن أشبهها فی بعضها کان
محدثاً من حیث أشبهها، ویستحیل أن یکون المحدث لم یزل قدیماً و قد قال الله تعالی: (لَیْسَ کَمِثْلِهِ شیء) .( 1) وقال تعالی: (وَلَمْ
3) ویلاحظ علی هذا الدلیل: أنّ صلب البرهان عبارة عن کون المشابهۀ من جمیع الجهات أو بعضها یلازم ).( یَکُنْ لَهُ کُفواً أَحَد) ( 2
کونه محدثاً، وهذه الملازمۀ فی مجال المشابهۀ فی جمیع الجهات أمر صحیح لا غبار علیه. ولکن المشابهۀ فی بعض الجهات مع
التحفّظ علی قدمه سبحانه لا تستلزم حدوثه. فلو قالت المشبهۀ: بأنّ الله قدیم ولکن له ید وجارحۀ مثل ید الإنسان وجوارحه، فالمشابهۀ
. 3 . اللمع: 20 . 2 . الأخلاص: 4 . من بعض الجهات مع حفظ القدم لا ینتج کونه محدثاً. 1 . الشوري: 11
( 69 )
والحاصل أنّ المشابهۀ من بعض الجهات مع القول بکونه قدیماً لا یستلزم الحدوث. نعم لو اعتمد الشیخ علی أنّ المشابهۀ للمخلوق
فی أیّۀ جهۀ من الجهات، لا تنفک عن الحاجۀ، والحاجۀ آیۀ الإمکان صحّ الاستدلال، لأنّ الممکن لا یکون واجب الوجود، وما لیس
بواجب فهو حادث ذاتاً أو زماناً، و الکلّ محتاج إلی علۀ واجبۀ. وفی مورد المثال: لو کان لذاته مکان کسائر الأجسام لکان لها حیز،
فتکون محتاجۀ إلی الحیز، الحاجۀ لا تجتمع مع وجوب الوجود وتتناسب مع الإمکان، والموصوف به إمّا حادث ذاتی أو حادث
زمانی، فالأشیاء الممکنۀ المجردة، لها الحدوث الذاتی، والأشیاء الممکنۀ الواقعۀ فی إطار الزمان، لها الحدوث الزمانی. وباختصار: إنّ
الاکتفاء بکون المشابهۀ مستلزمۀ للحدوث، لا یوجب کون البرهان منتجاً، وإنّما ینتج البرهان إذا کانت المشابهۀ منجرة إلی الحاجۀ
( المضادة لوجوب الوجود حتی ینتهی الأمر إلی إمکانه وحدوثه. ( 70
استدلاله علی وحدانیۀ الصانع
استدلاله علی وحدانیۀ الصانع
استدلّ الشیخ الأشعري علی وحدانیۀ الصانع ببرهان التمانع، وقال: إنّ الصانعَیْن المفترضین لا یجري تدبیرهما علی نظام، ولا یتّسق علی
أحکام، ولابدّ أن یلحقهما العجز أو واحداً منهما، لأنّ أحدهما إذا أراد أن یحیی إنساناً، وأراد الآخر أن یمیته، لم یخل أن یتم مرادهما
جمیعاً، أو لا یتم مرادهما، أو یتم مراد أحدهما دون الآخر، ویستحیل أن یتم مرادهما جمیعاً، لأنّه یستحیل أن یکون الجسم حیاً ومیتاً
فی حال واحدة. وإن لم یتم مرادهما جمیعاً وجب عجزهما، والعاجز لا یکون إلهاً ولا قدیماً. وإن تم مراد أحدهما دون الآخر وجب
عجز من لم یتم مراده منهما، والعاجز لا یکون إلهاً وقدیماً، فدلّ ما قلناه علی أنّ صانع الأشیاء واحد، وقد قال الله تعالی: (لَوْکانَ فِیهِما
2) یلاحظ علی ما أفاده: أوّلا: أنّ ما ذکره هو برهان التمانع الوارد فی الکتب الکلامیۀ، ولکنّه لم یستقص ).( آلِهۀٌ إِلاّالله لَفَسدَتا) ( 1
. 2 . اللمع: 20 21 . جمیع شقوقه، إذ لقائل أن یقول: إنّ الإلهین بما أنّهما عالمان بما لا 1 . الأنبیاء: 22
( 71 )
نهایۀ لعلمهما واقفان علی المصالح والمفاسد، وما یصحّ فعله ممّا لا یصحّ، فیتّفقان علی ما فیه المصلحۀ والحکمۀ. ومن المعلوم أنّه
لیس إلاّ أمراً واحداً، فحینئذ تتحد إرادتهما علی إیجاد ما اتّفقا علیه، فإنّ الاختلاف فی الإرادة إمّا ناشئ من حبّ الذات، فیقدّم ما فیه
المنفعۀ الشخصیۀ علی غیره، أو ناشئ من الجهل بالمصالح والمفاسد، وکلا العاملین منفیان عن ساحۀ الإلهین المفروضین. ولأجل
استیعاب جمیع الشقوق تجب الإجابۀ عن هذا الشق أیضاً. وموجز الإجابۀ (والتفصیل یطلب من الأسفار الکلامیۀ) أنّ تعدد الصانع فی
صفحۀ 31 من 151
الخارج یدلّ علی وجود تباین واختلاف بینهما فی أمر من الأُمور، فهما إمّا متباینان فی جمیع الذات، (کما هو الحال فی الأجناس
العالیۀ، فإنّ الجوهر یباین العرض بتمام الذات) أو فی بعضها کتباین نوع من نوع آخر(مثل الإنسان بالنسبۀ إلی الفرس) أو فی
الشخصیات والتعینات. وعلی کلّ تقدیر یجب أن یکون هناك نوع من التباین والاختلاف ولو من جهۀ واحدة، وفی مرحلۀ من مراحل
الوجود ;وإلاّ فلو تساویا من جمیع الجهات، لارتفع التعدد وصار المفروضان إلهاً واحداً وهو خلف. وعلی فرض وجود اختلاف بین
الإلهین، یجب أن یختلف شعورهما وإدراکهما ولو فی مورد أو موردین، إذ لا معنی لأن یتحد تشخیصهما وإدراکهما وعلمهما مع
الاختلاف فی الذات أو التعیّنات. وعندئذ، لا یمکن أن نقول إنّهما یتفقان فی جمیع الموارد علی شیء واحد وهو مقتضی الحکمۀ
والمصلحۀ، لأنّ المفروض أنّ کلّواحد یري فعله موافقاً للحکمۀ والمصلحۀ، ولا دلیل علی انحصار المصلحۀ والحکمۀ فی جهۀ واحدة،
بل من الممکن أن یکون کلا الفعلین مقرونین بالصلاح ولکلّ منهما فلاح. هذا هو التقریر الصحیح للبرهان. وثانیاً: أنّ قوله سبحانه:
( (لَوْ کانَ فِیهِما آلِهَۀٌ إِلاّ الله) لیس ناظراً إلی ( 72
وحدة الصانع والخالق، بل الآیۀ ترکّز علی وحدة التدبیر فی العالم، وأنّ مدبّر العالم إله واحد لا غیر. والبرهان القرآنی علی وحدة
التدبیر جاء ضمن آیتین تتکفّل کلّ واحدة منهما ببیان بعض شقوق البرهان. وإلیک الآیتان مع توضیح البرهان: 1. (لَوْ کانَ فِیهِما آلِهَۀٌ
2. (وَما کانَ مَعَهُ مِنْ إِله إِذاً لَذَهَبَ کُلُّ إِله بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُ هُمْ عَلی بَعْض ( إِلاّ الله لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ الله رَبّ العَرْشِ عَمّا یَصِفُونَ).( 1
سُبْحانَ الله عَمّا یَصِفُونَ) ( 2) توضیح البرهان بجمیع شقوقه إنّ تصویر تعدّد المدبّر للعالم یفترض علی صور: 1. أن یتفرد کلّ واحد من
الآلهۀ المفترضۀ بتدبیر مجموع الکون باستقلاله بمعنی أن یعمل کلّواحد ما یریده فی الکون دون منازع، ففی هذه الصورة یلزم تعدّد
التدبیر لأنّ المدبّر متعدد ومختلف فی الذات، ونتیجۀ تعدّد التدبیر طروء الفساد علی العالم وذهاب الانسجام المشهود، وإلیه یشیر قوله
سبحانه:(لَو کانَ فِیهِما آلهۀ إِلاّ الله لَفَسدتا...) . 2. أن یدبر کلّ واحد قسماً من الکون الذي خلقه، وعندئذ یجب أن یکون لکلّ جانب
من الجانبین نظام مستقل خاص مغایر لنظام الجانب الآخر وغیر مرتبط به ;وهذا الفرض یستلزم انقطاع الارتباط وذهاب الانسجام من
الکون، والحال أنّا نري فی الکون نوعاً واحداً من النظام شاملًا لکلّ جوانب الکون من الذرة إلی المجرة، وإلی هذا القسم من البرهان
یشیر قوله سبحانه فی الآیۀ الأُخري(إِذاً لَذَهَبَ کُلُّ إِله بِما خَلَقَ) . 3. أن یتفوّق أحد الآلهۀ المفترضۀ علی البقیۀ فیوحّد جهودهم
. 2 . الأنبیاء: 91 . وأعمالهم، 1 . الأنبیاء: 22
( 73 )
ویصبغها بصبغۀ الانسجام والاتحاد، وعندئذیکون ذلک الإله المتفوّق، هو الإله الحقیقی دون البقیۀ، وإلی هذا الشق یشیر قوله سبحانه:
(وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلی بَعْض) . وباختصار، أنّ ما ذکره الأشعري من البرهان علی وحدانیۀ الصانع، غیر مستوعب لجمیع الشقوق، وإنّ الآیۀ
التی استشهد بها لیست راجعۀ إلی وحدانیۀ الصانع، بل راجعۀ إلی وحدانیۀ المدبّر. والفرق بین التوحید فی الخالقیۀ والتوحید فی
( المدبّریۀ غیر خفی علی العارف بالمسائل الکلامیۀ. ( 74
إعادة الخلق المعدوم جائز
إعادة الخلق المعدوم جائز
استدلّ الشیخ الأشعري علی جواز إعادة الخلق المعدوم بالبیان التالی: إنّ الله سبحانه خلقه أوّلًا، لا علی مثال سبقه، فإذا خلقه أوّلًا لم
یعیه أن یخلقه خلقاً آخر. ثمّ استشهد بالآیات الواردة حول إمکان المعاد، التی منها قوله سبحانه:(وَضَ رَبَ لَنا مَثلًا وَنَسیَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ
یُحیی العِظام وَهَی رَمیمٌ* قُلْ یُحییها الّذي أَنْشَأها أوّل مَرّة وَهُوَ بِکُلِّ خَلْق عَلیمٌ) .( 1) یلاحظ علی ما ذکره: أنّ هنا مسألتین یجب فصل
کلّ منهما عن الأُخري: الأُولی: إعادة الخلق الأوّل بعد فنائه بتلاشیه وتفرّق أجزائه، وهذا ما أخبرت عنه الشرائع السماویۀ، واستدلّ
القرآن علی إمکانه بطرق متعددة نشیر إلیها عن قریب، ومثل هذا لیس إعادة للخلق الأوّل بعد انعدامه من جمیع الجهات، بل هو إحیاء
صفحۀ 32 من 151
للمواد المبعثرة من الإنسان بإعادة الروح إلیها. والحاکم بأنّ الإنسان المعاد هو الإنسان المبتدأ، هو وحدة الروح المجردة المتعلّقۀ فی
. کلّ زمن ببدن خاص، والروح لا تفنی بفناء المادة، ولا تنفک أجزاؤها. 1 . یس: 78 79
( 75 )
وقد استدلّ القرآن علی إمکان هذا النوع من الإعادة بطرق مختلفۀ نأتی بأُصولها: 1. الاستدلال بعموم القدرة، مثل قوله سبحانه:(أَوَلَمْ
2. قیاس ( یَرَوا أَنَّ الله الّذي خَلَقَ السَّمواتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ یَعْیَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِر عَلی أَنْ یُحْییَ الْمَوتی بَلی إِنَّهُ عَلی کُلّ شَیء قَدیرٌ) .( 1
3. الاستدلال علی إمکان إحیاء الموتی بإحیاء الأرض ( الإعادة علی الابتداء، کما فی قوله سبحانه: (کَما بَدَأنا أَوّل خَلْق نُعیدُهُ) .( 2
4. الاستدلال بالوقوع علی الإمکان، فإنّ ( بالمطر والنبات، کما فی قوله سبحانه: (وَیُحْیی الَأرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَکَ ذلِکَ تُخْرَجُونَ) .( 3
.5 .( أدلّ دلیل علی إمکان الشیء وقوعه، ولأجل ذلک نقل سبحانه قصۀ بقرة بنی إسرائیل (البقرة: 67 73 ) وحدیث عزیر(البقرة: 259
الاستدلال ببعض المنامات الطویلۀ التی امتدت ثلاثمائۀ سنۀ وزیدت علیها تسع، فإنّ النوم أخو الموت، ولا سیّما الطویل منه. والقیام
من هذا النوم یشبه تجدّد الحیاة وتطوّرها. 6. قیاس قدرة الإعادة علی قدرة إخراج النار من الشجر الأخضر، کما فی قوله سبحانه:(قُلْ
یُحْیِیها الَّذي أَنْشَأَها أَوّلَ مَرّة وَهُوَ بِکُلِّ خَلْق عَلیم* الَّذي جَعَلَ لَکُمْ مِنَ الشَّجَرِالَأخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُون) .( 4) هذه هی البراهین
المشرقۀ التی اعتمد علیها القرآن فیما یتبنّاه من إمکان المعاد ووقوعه، وهذه المسألۀ لا تمتّ إلی المسألۀ التالیۀ بصلۀ. الثانیۀ: إعادة
. 4 . 3 . الروم: 19 . 2 . الأنبیاء: 104 . المعدوم من جمیع الجهات، بعینه لا بمثله، وهذا هو الذي 1 . الأحقاف: 33
. یس: 79 80
( 76 )
ادّعی الشیخ الرئیس ابن سینا الضرورة علی امتناعه، وأقام البراهین علیه، ونذکر منها ما یناسب وضع کتابنا. إنّ إعادة الشیء المعدوم
من جمیع الجهات نوع إیجاد له، والمفروض أنّ هذا الإیجاد یغایر الإبداع الذي تعلّق بإیجاده قبل أن یکون معدوماً. ومع تعدّد الإیجاد
وتعدّد أعمال القدرة کیف یکون المعاد نفس المبتدأ من جمیع الجهات. نعم، یکون المعاد مثل المبتدأ لا عینه، ولأجل الإیضاح نأتی
بمثال: إذا قام الإنسان بخلق صورة الفرس بالشمعۀ اللینۀ، ثمّ محا الصورة التی أوجدها وأعادها ثانیاً، فلا یصحّ لأحد أن یقول: إنّ
الصورة الثانیۀ عین الأُولی، لأنّ الأُولی تعلّقت بها قدرة وأوجدت بإیجاد خاص، والثانیۀ تعلّقت بها قدرة أُخري فی زمان آخر،
وأُوجدت بإیجاد ثان، والقدرتان مختلفتان، والإیجادان متعدّدان، فکیف یکون الموجدان واحداً بل لا مناص علی القول باختلافهما.
فإذا لم یصحّ إعادة المعدوم فی المثال المذکور (الذي کانت المادة فیه محفوظۀ والصورة فقط منعدمۀ) فکیف یصحّ فیما کانت
( الصورة والمادة معدومتین غر باقیتین؟ هذا هو الفرق البارز بین المسألتین، ولم یشر الشیخ الأشعري إلی الفرق بینهما. ( 77
الله سبحانه لیس بجسم
الله سبحانه لیس بجسم
بشکل واضح، وبذلک امتاز منهجه عن « اللمع » لقد أکّ د الشیخ الأشعري علی تنزیه الله سبحانه عن الجسم والجسمانیات فی کتاب
منهج کثیر من أهل الحدیث الذین لا یتورّعون عن إسناد أُمور إلیه سبحانه تلازم تجسیمه وکونه ذا جهۀ. وقد أوضحنا حال هذه
الطائفۀ عند البحث عن عقائد أهل الحدیث والحنابلۀ فی الجزء الأوّل. وأمّا البرهان الذي اعتمد علیه الشیخ فیرسمه فی العبارة التالیۀ:
فإن قال قائل: لم أنکرتم أن یکون الله تعالی جسماً؟ قیل له: أنکرنا ذلک لأنّه لا یخلو أن یکون القائل بذلک أراد أن یکون طویلًا
عریضاً مجتمعاً، أو یکون أراد تسمیته جسماً وإن لم یکن طویلًا عریضاً مجتمعاً عمیقاً، فإن أراد الأوّل فهذا لا یجوز، لأنّ المجتمع لا
یکون شیئاً واحداً، لأنّ أقلّ قلیل الاجتماع لا یکون إلاّمن شیئین، لأنّ الشیء الواحد لا یکون لنفسه مجامعاً. وقد بیّنا آنفاً أنّ الله
عزّوجلّ شیء واحد، فبطل أن یکون مجتمعاً. وإن أردتم الثانی فالأسماء لیست إلینا، ولا یجوز أن یسمی الله تعالی باسم لم یسمِّ به
صفحۀ 33 من 151
نفسه، ولا سمّاه به رسوله، ولا أجمع المسلمون علیه ولا علی معناه.( 1) یلاحظ علیه: أنّ توحیده سبحانه علی مراتب نذکر منها ماله
. صلۀ بالمقام: 1 . اللمع: 24
( 78 )
1.توحیده سبحانه بمعنی أنّه واحد لا نظیر له ولا مثیل. وهذا ما یعنی من قوله سبحانه: (وَلَمْ یَکُنْ لَهُ کُفُواً أَحَد) ( 1)، وقوله سبحانه:
(لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیء)( 2)، وهذا القسم من التوحید یهدف إلی أنّ واجب الوجوب بالذات واحد لا یتثنی ولا یتکرر، لیس له نظیر ولا
التی یخبر عنها القرآن « الأحدیۀ » مثیل. 2. توحیده سبحانه بمعنی بساطۀ ذاته وتنزهه عن أنواع الترکیب والکثرة فی مقام الذات. ولعل
فی الآیات الکریمۀ، عبارة عن هذا النوع من التوحید، وهو بساطۀ الذات والتنزّه عن الترکیب والکثرة. قال سبحانه: (قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ)
3) وفی ضوء هذین التوحیدین نخرج بالنتیجتین التالیتین: أ. الله سبحانه واحد لا نظیر له ولا مثیل. ب. الله سبحانه أحد، بسیط، لا جزء ).
لذاته ولا ترکیب. وهناك قسم ثالث من التوحید، وهو التوحید فی الخالقیۀ، وأنّه لیس فی صفحۀ الوجود خالق إلاّ هو، وخالقیۀ
الفواعل الأُخر بالاعتماد علیه والاستمداد من خالقیته سبحانه. إذا عرفت ذلک، تعرف الخلط فی کلام الشیخ الأشعري بوضوح، لأنّ ما
تقدّم منه فی البحث السابق هو وحدة صانع العالم، ولکن ما هو مقدمۀ برهانه هنا بساطۀ ذاته وعدم ترکبه من شیء، ولم یسبق ذلک
أنّه سبحانه لیس جسماً، لأنّ الجسمانیۀ تستلزم کون الشیء عریضاً طویلًا »: فی البحث السابق حتی یعتمد علیه فی إثبات ما یتبنّاه من
وعلی ذلک فلا یتم برهان الشیخ إلاّإذا برهن علی بساطۀ الذات .« مجتمعاً عمیقاً. وهو یلازم الکثرة، والکثرة لا تجتمع مع الوحدة
. 3 . الاخلاص: 1 . 2 . الشوري: 11 . ووحدتها 1 . الاخلاص: 4
( 79 )
وعدم تکثّرها عقلاً ولا خارجاً، وإلاّ لا یکون برهانه موضوعیاً معتمداً علی شیء أثبته من قبل. نعم، فی وسع الشیخ أن یبرهن علی
( البساطۀ بأنّ الکثرة الخارجیۀ أو الذهنیۀ تستلزم احتیاج الواجب إلی أجزائه، والمحتاج لا یکون واجباً، بل ممکناً. ( 80
صفاته الذاتیۀ
صفاته الذاتیۀ
اتّفق الإلهیون علی أنّه سبحانه: عالم، قادر، حی، سمیع، بصیر، وهذه هی الصفات الذاتیۀ حسب مصطلح المتکلّمین، والصفات الثبوتیۀ
الکمالیۀ حسب مصطلح متکلّمی الإمامیۀ. وهی فی مقابل صفات الفعل، أعنی: ما ینتزع لا من مقام الذات بل من مقام الفعل ککونه
رازقاً، محییاً، ممیتاً وغیرها. وإلیک نصوص استدلاله فی تلک المجالات: أ. الله سبحانه عالم
استدلّ الأشعري علی کونه سبحانه عالماً: بأنّ الأفعال المحکمۀ لا تتسق فی الحکمۀ إلاّ من عالم. وذلک أنّه لا یجوز أن یحوك
الدیباج بالتصاویر ویصنع دقائق الصنعۀ من لا یحسن ذلک ولا یعلمه.( 1) ما ذکره من البرهان قد ذکره قبله غیره ببیان رائق وتعبیر
بدیع، فإنّ إتقان الفعل واستحکامه آیۀ علم الفاعل بشؤون الفعل و ما یقوّمه وما یفنیه. ب. الله سبحانه حیّ قادر
. استدلّ علی هذا بأنّه لا تجوز الصنائع إلاّمن حیّ قادر، لأنّه لو جاز 1 . اللمع: 24
( 81 )
حدوثها ممّن لیس بقادر حی، لم ندر لعل سائر ما یظهر من الناس یظهر منهم وهم عجزة موتی، فلماّ استحال ذلک، دلّت الصنائع علی
أنّ الله حی.( 1) کان الألیق التفکیک بین الحیاة والقدرة، وتقدیم البحث فی القدرة علی البحث فی الحیاة، لأنّه إذا ثبت کونه قادراً و
قد أثبت فعله کونه عالماً ثبت کونه حیاً بلا حاجۀ إلی الاستدلال الجدید، لأنّ الحیّ عبارة عن العالم القادر، أو الدرّاك الفعال. فمن
کان عالماً قادراً فهو حیّ قطعاً. ج. الله سبحانه سمیع بصیر
قال الأشعري: إنّ الحی إذا لم یکن موصوفاً بآفۀ تمنعه من إدراك المسموعات والمبصرات إذا وجدت، فهو سمیع بصیر، والله تعالی
صفحۀ 34 من 151
منزّه عن الآفۀ من الصمم والعمی، إذ کانت الآفۀ تدّل علی حدوث من جارت علیه.( 2) یلاحظ علیه: أنّ الأبصار تتعلّق بالأضواء
والألوان. والسمع یتعلّق بالأصوات والکلمات، فلو کان إبصاره سبحانه للمبصرات، وسماعه للمسموعات بالإدراك الحسی المادي،
نظیر الإنسان والحیوان، لاحتاج فی تحقّقهما إلی الآلۀ. وعند ذاك یأتی ما ورد فی کلام الشیخ من مسألۀ الصحّۀ والتنزّه عن الآفۀ، نظیر
الصمم والعمی، وأنّ الآفۀ آیۀ الحدوث. وأمّا لو کان توصیفه بهذین الوصفین بالمعنی اللائق بساحته، فحقیقۀ کونه سمیعاً بصیراً ترجع
إلی حضور المسموعات والمبصرات لدیه، وعدم غیابهماعنه سبحانه ولا یختص الحضور بهما، بل الموجودات علی الإطلاق بهویاتها
الخارجیۀ حاضرة لدیه، لأنّها قائمۀ به سبحانه، قیام المعنی الحرفی بالمعنی الاسمی، فهی حاضرة لدیه، غیر غائبۀ عنه، من غیر فرق بین
2 . اللمع: . المبصر والمسموع وغیرهما،وتخصیصهما بالذکر لکون الحس المتعلّق بهما فی الإنسان 1 . اللمع: 25
.25
( 82 )
أشرف من غیره، فاقتصر علیهما، وإلاّ فالله سبحانه أجل من أن یسمع ویري بالآلۀ، ویباشر بذاته الأضواء والأصوات. وباختصار: إنّ واقع
الإبصار والسماع لیس إلاّ حضور المبصرات والمسموعات لدي البصیر والسمیع. وأمّا الآلۀ وأعمالها والتأثر من الخارج فمقدّمات
إعدادیۀ. فلو تحقّق فی مورده الحضور، بلا حاجۀ إلی تلک المقدمات لکان أحقّ بکونه سمیعاً وبصیراً. ونضیف فی الختام أنّه لم یعلم
فإنّ کون المدرك (بالکسر) مادیاً آیۀ الحدوث لکونه ممکناً، والممکن حاجته « الآفۀ تدلّ علی حدوث من جارت علیه » : کنه قوله
إلی الواجب أزلیۀ، وأمّا الصحّۀ والآفۀ، فالکلّ بالنسبۀ إلی القدم والحدوث سواسیۀ فلا الصحۀ آیۀ القدم، ولا الآفۀ آیۀ الحدوث. بل
( کون الشیء (الإدراك) مادیاً آیۀ الحدوث للتلازم بین المادیۀ والحدوث. ( 83
صفاته قدیمۀ لا حادثۀ
صفاته قدیمۀ لا حادثۀ
إنّ الحی إذا لم یکن عالماً کان موصوفاً بضدّالعلم، أي الجهل. ولو کان موصوفاً به لاستحال أن یعلم، لأنّ ضدّ العلم لو کان قدیماً
لاستحال أن یبطل، وإذا استحال أن یبطل لم یجز أن یصنع المصانع الحکیمۀ، فلما صنعها دلّت علی أنّه عالم، وصحّ أنّه لم یزل
عالماً.( 1) یلاحظ علیه: أوّلًا: أنّ الحدوث والقدم من أوصاف الأُمور الوجودیۀ، وضد العلم لیس إلاّ أمراً عدمیاً ومثله لا یوصف لا
وثانیاً: أنّ کلّ موجود إمکانی مسبوق بعدم .« لأنّ ضد العلم لو کان قدیماً لاستحال أن یبطل » : بالحدوث ولا بالقدم، فلا یصحّ قوله
قدیم، فلو کان قدم العدم مانعاً عن الانقلاب إلی الوجود، تلزم استحالۀ أن یبطل کلّ عدم وینقلب إلی الوجود. وکان له الاستدلال
بشکل آخر: إنّ اتصافه بالعلم بعد ما کان جاهلًا، أو بالقدرة بعد ما کان عاجزاً، یستلزم کون ذاته محلًا للحوادث، وهو یلازم التغییر
والانفعال فی ذاته، وهو آیۀ الحدوث،والواجب منزّه عن ذلک کلّه. کما کان له الاستدلال بشکل ثان وهو: لو کان الذات الإلهیۀ فاقدة
. 1 . اللمع: 25 26
( 84 )
وحیث إنّ کلّ ممکن مرتبط بعلّۀ،ومحتاج إلی محدث، لزم « حادثۀ » و « ممکنۀ » لهذه الصفات منذ الأزل، لاستلزم ذلک کون صفاته
أن نقف علی محدثها، فهل وردت من قبل نفسها، أو من قبل الله سبحانه، أو من جانب علۀ أُخري؟ وکلّها باطلۀ. أمّا الأوّل: فلا یحتاج
لا یعطیه. أضف إلیه « العلم والقدرة » إلی مزید بیان، إذ لا یعقل أن یکون الشیء علۀ لنفسه. وأمّا الثانی: فکسابقه، فإنّ فاقد الکمال
أنّه یلزم الخلف أي قدم الصفات. لأنّ المفروض أنّ العلۀ هی الذات وهی قدیمۀ فیلزم قدم معلولها. وأمّا الثالث فکسابقیه أیضاً إذ لیس
هنا عامل خارجی یکون مؤثراً فی عروض صفاته علی ذاته سبحانه مضافاً إلی أنّه یستلزم افتقار الواجب إلیه. إلی غیر ذلک من
البراهین المشرقۀ التی جاءت فی الکتب الکلامیۀ والفلسفیۀ ;وکأنّ الشیخ أبا الحسن إبّان الانفصال عن المعتزلۀ وخلع الاعتزال عن
صفحۀ 35 من 151
نفسه کخلع القمیص شقّ علیه الأخذ من علومهم وأفکارهم، وأراد الاعتماد علی ما توحیه إلیه نفسه، فجاء بالبرهان الذي تري وزنه
( وقیمته. ( 85
صفاته زائدة علی ذاته