گروه نرم افزاری آسمان

صفحه اصلی
کتابخانه
شاهنامه فردوسی
جلد سوم
الأصل الأوّل التوحید







الأصل الأوّل التوحید
عرِّف التوحید فی مصطلح المتکلّمین بأنّه العلم بأنّ الله سبحانه واحد لا یشارکه غیره فی الذات والصفات و الأفعال والعبادة وبالجملۀ
(لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْء)(الشوري/ 11 ). والّذي یصلح للبحث عنه فی هذا الأصل عبارة عن الاُمور التالیۀ: 1-إثبات وجوده سبحانه فی مقابل
الدهریّۀ والمادیّۀ القائلین بأصالۀ المادّة وقدمها و غناها فی الفعل والانفعال و إیجاد الأنواع عن قدرة خارجۀ عن نطاقها. 2- إنّه سبحانه
واحد لا ثانی له، بسیط لا جزء له، فهو الواحد الأحد، خلافاً للثنویّۀ والمانویّۀ فی الواحدیّۀ، وللنّصاري فی الأحدیّۀ. 3- عرفان صفاته
- سبحانه سواء أکانت من صفات الذات ککونه عالماً قادراً حیّاً سمیعاً بصیراً مدرکاً، أم من صفات الأفعال ککونه خالقاً رازقاً غافراً. 4
کیفیّۀ استحقاقه لهذه ال ّ ص فات وتبیّن وجه حملها علیه سبحانه، فهل تحمل علیه کحملها علی سائر الممکنات أو لا؟ 5- تنزیهه سبحانه
عمّا لا یلیق به کالحاجۀ وکونه جسماً أو جسمانیّاً، عرضاً أو جوهراً أو غیر ذلک. 6- تنزیهه سبحانه عن إمکان الرؤیۀ الّتی یتبنّاها أهل
( الحدیث والأشاعرة ( 309
بحماس. فمع أنّ هذه الأبحاث الستّۀ صالحۀ للبحث فی هذا الأصل، لکن نري أنّ المعتزلۀ یرکّزون علی البحث عن الرابع والسادس
أکثر من غیرهما، و یمرّون علی الأبحاث الباقیۀ مروراً إجمالیاً. وما هذا إلاّ لأنّ أهل الحدیث والأشاعرة متّفقون معهم فیها. وهذا أیضاً
یؤیّد ما ذکرنا من أنّ الاُصول العقائدیۀ إنّما رتّبت ونظمت بین کلّ فرقۀ لأجل الردّ علی مخالفیها لا لبیان الاُصول الّتی یناط بها
الإسلام والإیمان فی عصر النّبیّ والصحابۀ. و لأجل ذلک صار التوحید عند المعتزلۀ رمزاً للتنزیه، فکلّما أطلقت هذه الکلمۀ، انصرفت
أذهانهم إلی تنزیهه سبحانه عمّا لا یلیق به فی باب ال ّ ص فات و مجال الرویۀ. وبما أنّهم ینفون الصفات الزائدة علی ذاته سبحانه، وتثبته
الأشاعرة و قبلهم أهل الحدیث، صارت الصفاتیۀ شعاراً لهذه الفرقۀ. إذا وقفت علی ذلک فلنرکّز علی النّقاط الّتی یرجی تبیینها فی
زاویۀ فکر الاعتزال ونطوي الکلام عن غیرها لعدم الخلاف، فنقول: إنّ البحث عن صفاته سبحانه یتمرکز علی نقاط ثلاث: الاُولی:
صفحۀ 128 من 196
تبیین کیفیّۀ استحقاقه سبحانه لصفاته الکمالیّۀ وحملها علیه، فهل هذه الصّفات حادثۀ أو قدیمۀ، زائدة علی الذات أم لا؟ الثانیۀ: تبیین
کیفیۀ حمل الصفات الخبریۀ علیه الواردة فی الذکر الحکیم من الید والوجه والعین، فهل تحمل علی الله سبحانه بظواهرها الحرفیّۀ کما
علیه السّلفیۀ والأشاعرة، أو تحمل علیه بظواهرها التصدیقیّۀ، أو لا هذا ولا ذاك بل تؤوّل لقرائن عقلیّۀ؟ الثالثۀ: نفی الرؤیۀ الحسیۀ الّتی
( یدّعیها أهل الحدیث. فلنرجع إلی تبیین النقطۀ الاُولی أعنی تبیین کیفیّۀ حمل الصّفات علیه. ( 310
أ - نفی الصفات الزائدة علی ذاته اتّفق أهل الحدیث والکلابیّۀ وتبعهم الشیخ الأشعري علی أنّ لله سبحانه صفات ذات کمالیّۀ قدیمۀ،
وعند الکلابیّۀ إنّه تعالی یستحقّ هذه الصفات لمعان أزلیّۀ، وأراد بالأزلی القدیم، إلاّ أنّه لمّا رأي » : زائدة علی ذاته. قال القاضی
المسلمین متّفقین علی أنّه لا قدیم مع الله تعالی لم یتجاسر علی إطلاق القول بذلک، ثمّ نبغ الأشعري و أطلق القول بأنّه تعالی یستحقُّ
1) ورائدهم فی هذه العقیدة هو الظّواهر القرآنیۀ. قال سبحانه: )« هذه ال ّ ص فات لمعان قدیمۀ لوقاحته و قلّۀ مبالاته بالإسلام والمسلمین
(أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) (النساء/ 166 )، وقال تعالی: (وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَی وَلا تَضَعُ إلاّ بِعِلْمِهِ)(فاطر/ 11 ). وقال عزّ من قائل: (ذو القوّة المتین)
(الذاریات/ 58 ). قالوا: إنّ ظواهر هذه الآیات تعرب عن أنّ هنا ذاتاً ولها علم ولها قدرة کلاهما یغایران ذاته. ولو کانا نفس ذاته لما
صحّ التعبیر بقوله (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) أو (ذُو القوة المتین) ومثلها سائر الآیات الظاهرة فی مغایرة ال ّ ص فات للذات( 2). هذا دلیل أهل الحدیث
و الکلابیّۀ و الأشاعرة و نرجع إلی تبیین مفاد الآیات بعد الفراغ من دلیل المعتزلۀ. تثنیۀ القدیم فی نظریّۀ أهل الحدیث
إنّ هذه النظریّۀ الّتی یتبنّاها أهل الحدیث اغتراراً بظواهر النّصوص، تؤدّي إلی تعدّد القدیم المنتهی إلی تعدّد الواجب حسب عدد
الصفات، وأيّ ثنویّۀ أسوأ من هذه؟ فلو قالت الثنویّۀ بأصلین أزلیّین هما النور و الظلمۀ، وقالت المانویّۀ بأنّ العالم مرکّب من أصلین
2 . لاحظ: الابانۀ . قدیمین أحدهما نور والآخر ظلمۀ، أو قالت النّصاري بالأقانیم 1 . شرح الاُصول الخمسۀ: ص 183
. للشیخ الأشعري: ص 107
( 311 )
الثّلاثۀ فقد قال هؤلاء الأشاعرة بقدماء کثیرین بحسب تعدّد الصفات. وبذلک تقف علی أنّ الحافز علی الترکیز علی نفی ال ّ ص فات
الزائدة، هو التحفّظ علی التوحید و وحدانیّۀ الواجب والقدیم، ونفی المثیل و النّظیر له أخذاً بقوله سبحانه (لیس کمثله شیء) و (قل هو
الله أحد). فمن المحتمل عند البعض أنّ المعتزلۀ أرادوا بهذا، الردّ علی فکرة الأقانیم لدي النّصاري، فإنّ القول بأنّ الذات الإلهیّۀ جوهر
یتقوّم بأقانیم أي صفات هی الوجود والعلم والحیاة، قد أدي إلی الاعتقاد باستقلال الأقانیم عن الجوهر، وإلی اعتبار الصّفات أشخاصاً،
اقنوم العلم فی الابن. فلموا جهۀ هذا الاعتقاد نفی المعتزلۀ وصف الله بأنّه جوهر واعتبروا ال ّ ص فات هی « الاقنوم الثانی » وإلی تجسّ د
الذات غیر مغایرة لها، فصفات الله لیست حقائق مستقلّۀ و إنّما هی اعتبارات ذهنیّۀ، ویمکن أن تختلف وجوه الاعتبارات فی النظر إلی
الشیء الواحد دون أن یلزم من ذلک التعدّد فی ذاته، فیقال عالم و نعنی إثبات علم هو ذاته، ونفی الجهل عن ذاته، ویقال: قادر ونعنی
إثبات ذاته ونفی العجز، فالله حیّ عالم قادر بذاته لا بحیاة وعلم وقدرة زائدة علی ذاته( 1). یلاحظ علیه: أنّه إنّما یصح لو کانت
ال ّ ص فات الذاتیّۀ منحصرة فی الثلاث: العلم والقدرة و الحیاة حتّی یقال إنّ الهدف من القول بالعینیّۀ نفی توهّم التثلیث، بل الصفات
الذاتیۀ أکثر من ذلک. أضف إلی ذلک أنّ تفسیر عقیدة المعتزلۀ فی باب ال ّ ص فات بأنّها لیست حقائق مستقلّۀ و إنّما هی اعتبارات
ذهنیّۀ، غیر تامّۀ ناشئۀ من تفسیر خصومهم بما ذکر، بل الحقُّ أنّ مرادهم هو أنّ واقعیّۀ خارجیّۀ بسیطۀ تجمع هذه الواقعیات ببساطتها و
وحدتها، لا أنّها اعتبارات ذهنیّۀ، و لیست للصفات واقعیّۀ خارجیۀ، فإنّه لا ینطبق إلاّ علی القول بالنیابۀ. 1 . نهایۀ
. قسم المعتزلۀ للدکتور أحمد محمود صبحی، ص 123 « فی علم الکلام » الاقدام فی علم الکلام للشهرستانی: ص 192 194 ، و
312 ) محاولۀ الأشاعرة لتصحیح تثنیۀ القدیم )
لمّا کان ما استند إلیه أهل الاعتزال من البرهان فی نفی الصفات الزائدة برهاناًدامغاً قاطعاً للنزاع، حاول أهل التفکیر من الأشاعرة نقده،
إنّ الکفر إثبات ذوات قدیمۀ » : ولکن أتوا بالعجب العجاب. فهذا هو القاضی عضد الدین الإیجی یجیب عن البرهان فی مواقفه بقوله
صفحۀ 129 من 196
1) وقد أقرّه شارحه الشریف الجرجانی. وهو من الوهن بمکان، إذ هو أشبه بتخصیص القاعدة العقلیّۀ، والقاعدة )« لا ذات وصفات
العقلیّۀ لا تخ ّ صص. إذ لسائل أن یسأل: أيّ فرق بین الذات والوصف حتّی یکون القول بتعدّد الأوّل موجباً للکفر دون الثانی، مع أنّ
ملاك الکفر موجود فی کلا الموضعین، فإنّ القول بتعدّد القدماء قول بتعدّد الواجب، قول بتعدد الغنیّ بالذات المستغنی عن غیره،
قول بتعدّد من یکون وجوده عن ذاته لا عن غیره، وهذا کلّه من صفات الباري عزّ اسمه، فلو کانت صفاته غیر ذاته و کانت قدیمۀ،
تکون واجبۀ غنیّۀ عن کلّ شیء، واجدة لوجودها. وهناك محاولۀ ثانیۀ للتخلّص عن تعدّد القدماء وهی القول بأنّ الصفات لا هو ولا
غیره( 2) وهذا أشبه باللّغز مع أنّ العقائد الإسلامیّۀ تتّسم بسمۀ الوضوح والسهولۀ، لا التعقید والغموض الّذي ربّما ینتهی فی المقام إلی
رفع النقیضین. ولو قال بحدوث الصفات ولن یقول أبداً یکون الفساد أفحش، والمصیبۀ أعظم، لأنّ اتّصافه بالقدرة الحادثۀ مثلًا إمّا
بالاختیار وإمّا بالإیجاب. والأوّل محال لاستلزامه محذور التسلسل فی صفاته، لأنّ الکلام ینتقل إلی القدرة الثانیۀ. فهل اتّصافه بها عن
اختیار أو بایجاب؟ فعلی الأول یعود السؤال فیلزم التسلسل. وعلی الثانی یلزم أن یکون فاعلاً موجباً بالذات، وأيُّ نقص أعظم من
. 2 . أوائل المقالات: ص 17 . تصویر مبدأ الکمال والجمال وخالق 1 . المواقف: ص 280
( 313 )
القدرة والاختیار فی الإنسان، فاعلًا موجباً فی اتّصافه بصفاته، فلو صحّ کونه موجباً فی مورد، فلیصحّ فی سائر الموارد ککونه فاعلًا
موجباً بالقیاس إلی مصنوعاته. وهذه الاُمور هی الحوافز الحقیقیۀ الّتی دعت المعتزلۀ إلی القول بالتوحید والتنزیه فی باب الصفات
ونفی الصفات الزائدة والمعانی القائمۀ بذاته، ولم یکن الحافز إلاّ الفرار عن الثنویّۀ و توابعها. ومن الجسارة الواضحۀ بل الظلم الفاحش
أرادت المعتزلۀ أن تنفی أنّ الله عالم قادر حیّ » اتّهام هذه الفرقۀ بما کتبهم عنه أهل الملل والمقالات. فهذا الأشعري یتّهمهم بقوله
سمیع بصیر، فمنعهم خوف السیف من إظهارهم نفی ذلک، فأتوا بمعناه، لأنّهم إذا قالوا: لا علم لله ولا قدرة له، فقد قالوا: إنّه لیس
بعالم ولا قادر و وجب ذلک علیهم، وهذا إنّما أخذوه عن أهل الزندقۀ والتعطیل، لأنّ الزنادقۀ قال کثیر منهم إنّ الله لیس بعالم ولا
قادر ولا حیّ ولا سمیع ولا بصیر، فلم تقدر المعتزلۀ أن تفصح بذلک فأتت بمعناه و قالت: إنّ الله عالم قادر حیّ سمیع بصیر من طریق
التسمیۀ (الکتاب والسنّۀ) من غیر أن یثبتوا له حقیقۀ العلم والقدرة والسّمع والبصر. وحاصل ( 1)تحلیل الشیخ أنّ المعتزلۀ کانت بصدد
نفی الأسماء والصفات وفاقاً للزنادقۀ، فلم یقدروا علیه خوفاً من السلطۀ، ولکنّهم نفوا العلم والقدرة والحیاة حتّی یتسنّی لهم نفی
الأسماء والصفات (العالم والقادر) بالملازمۀ، فمثلهم کمثل من خرج من الباب موهماً للانصراف ثمّ دخل من النافذة. تلک والله جرأة
فی الدین و جسارة بلا مبرّر، والآثار الباقیۀ من المعتزلۀ تبیّن لنا جهۀ إصرارهم علی نفی الصفات الزائدة علی الذات. ولیست الغایۀ نفی
لو کان عالماً بعلم، لکان » : أسمائه وصفاته وتصویر کونه سبحانه غیر عالم ولا قادر، بل الغایۀ نفی الثنویّۀ وتعدُّد الواجب. قال القاضی
. لا یخلو إمّا أن یکون موجوداً أو معدوماً، 1 . الابانۀ: ص 107 108
( 314 )
لا یجوز أن یکون معدوماً، وإن کان موجوداً فلا یخلو إمّا أن یکون قدیماً أو محدثاً، والأقسام کلُّها باطلۀ، فلم یبق إلاّ أن یکون عالماً
لو کان یستحقّ هذه الصفات لمعان قدیمۀ، وجب أن تکون هذه المعانی مثلًا لله تعالی...إلی آخر » : 1). وقال أیضاً )« بذاته علی ما نقوله
2). کلّ ذلک یعرب عن أنّ الداعی لنفی الصفات الأزلیّۀ هو تنزیهه سبحانه عن المثل بل الأمثال. تعالی عمّا یقول الظالمون )« ما أفاده
علوّاً کبیراً. نعم هناك حافزان آخران صارا سببین لنفی الصفات الزائدة علی الذات نشیر إلیهما: 1- ترکیب الذات مع ال ّ ص فات، فإنّه
بسیط لا جزء له، والترکیب حلیف الامکان، لأنّ المرکّب متقوّم « أحد » سبحانه کما هو واحد لا نظیر له ولا مثیل فهو عزّ وجلّ
بالأجزاء، والمتقوّم لا یکون واجباً ولا غنیاً. 2- استلزام القول بالصفات الزائدة علی الذات کونه سبحانه ناقصاً مستکملًا بالخارج عن
ذاته و حیطۀ وجوده، مع أنّه سبحانه کلّ الجمال والکمال، لا یشذُّ کمال عن حیطۀ وجوده، ولاجمال عن حدِّ ذاته. ولأجل هذین
کما اشتهرت الأشاعرة « الصفات الزائدة علی الذات » الأمرین مع ما تقدّم من حدیث تعدّد القدماء اشتهرت المعتزلۀ بنفاة الصفات
صفحۀ 130 من 196
بالصفاتیۀ، متظاهرین بأنّ هناك ذاتاً و وصفاً، والذات غیر الوصف، وکلاهما قدیمان. إذا عرفت موقف المعتزلۀ فی نفی الصفات
الزائدة علی الذات، فهلمّ معی نقرأ بحثاً آخر من هذا المقام وهو تبیین کیفیّۀ حمل ال ّ ص فات علی ذاته سبحانه علی مذهبهم، إذ کیف
. 2 . یمکن توصیفه سبحانه بأنّه عالم و قادر مع القول بعدم الصفات الزائدة علی 1 . شرح الاُصول الخمسۀ: ص 183
المصدر نفسه: ص 195 ، ولاحظ ص 197 . ولاحظ الملل والنحل: ج 1 ص 46 فی تبیین القاعدة الأولی من القواعد الأربع الّتی اختارها
واصل بن عطاء، تري فیها التصریح منه بأنّ الغایۀ لنفی الصفات هو التنزیه.
( 315 )
الذات أي عدم العلم والقدرة المغایرین لها. وهذا هو البحث المهمّ فی المقام، فنقول: إنّ لهم فی تبیین کیفیّۀ الحمل آراء مختلفۀ بین
صحیح و زائف و إلیک الاشارة إلی عناوین مذاهبهم إلی أن نأخذ بالتّفصیل. أ - مذهب أبی الهذیل: إنّه عالم بعلم هو هو. ب -
مذهب أبی علیّ الجبّائی: إنّه یستحقُّ هذه الصفات الأربع الّتی هی کونه قادراً، عالماً، حیّاً، موجوداً لذاته. ج - مذهب أبی هاشم: إنّه
یستحقّها لما هو علیه فی ذاته( 1). هذه هی مذاهبهم الثلاثۀ فی تبیین کیفیّۀ الحمل، وقد حاق بها الابهام، وإلیک التوضیح: توضیح
مذهب أبی الهذیل
إنّ أبا الهذیل من کبار رجال الاعتزال و أحد شیوخ مدرسۀ البصرة، توفّی سنۀ 235 ه، و یعتبر أوّل من نظم قواعد الاعتزال و وضع
اُصوله، ولکنّ الزّمان عبث بکتبه، ولأجل ذلک طرأ علی مذهبه الابهام حتّی إنّ القاضی عبدالجبّار أرجعه إلی مذهب أبی علیّ
2). لکن ما نقل عنه حول مذهبه فی علم الباري )« أراد أبو الهذیل ما ذکره الشیخ أبو علیّ إلاّ أنّه لم تتلخّص له العبارة » : الجبّائی و قال
والفرقۀ الهذیلیّۀ » : یدفعنا إلی القول بأنّ مذهبه فی باب الصفات یغایر مختار الجبّائی و إلیک هذه الکلمات: قال الشیخ الأشعري
3). )« یزعمون أنّ لله علماً هو هو، وقدرة هی هو، وحیاة هی هو، وسمعاً هو هو، وکذلک قالوا فی سائر صفات الذات
. 3 . مقالات الاسلامیین: ص 179 . 2 . المصدر نفسه: ص 183 . 1 . شرح الاُصول الخمسۀ: ص 182
( 316 )
انفرد أبو الهذیل بعشر قواعد، الاُولی: إنّ الباري تعالی عالم بعلم و علمه ذاته، قادر بقدرة و قدرته ذاته، حیّ بحیاة و » : قال الشهرستانی
حیاته ذاته، وإنّما اقتبس هذا الرأي من الفلاسفۀ الّذین اعتقدوا أنّ ذاته واحدة لا کثرة فیها بوجه، وإنّما الصفات لیست وراء الذات
1). ولو صحّ نقل هذه الکلمات عن أبی الهذیل فهو لا یهدف إلی إنکار أسمائه کالعالم و القادر )« معانی قائمۀ بذاته بل هی ذاته
والحیّ، ولا إلی إنکار صفاته من العلم و القدرة والحیاة، بل یعترف بهما معاً، غیر أنّه یقول باتّحاد الصفات مع الذات وجوداً و عینیّۀ،
وتغایرهما مفهوماً دفعاً للاشکالات المتوجّهۀ إلی القول بالزیادة. ولأجل إیقاف القارئ علی مرام الشیخ أبی الهذیل نأتی بالتوضیح
فی نظر أهل اللّسان هو الذات الموصوفۀ بالعلم والقدرة و الحیاة، بمعنی أنّه یتبادر مفهوم « عالم، قادر، حیّ » التالی: إنّ المتبادر من قولنا
بسیط ینحلّ إلی ذلک المرکّب م آلًا. فتکون هناك اثنینیّۀ باعتبار أنّ هناك موصوفاً و معروضاً و وصفاً و عرضاً. هذا هو المتبادر فی
الاستعمالات العرفیّۀ، ولا یمکن إنکار ذلک أبداً. ولکنّه بهذا المعنی لا یصحّ إطلاقه علی الله، لاستلزامه تثنیۀ الواجب أوّلًا، وترکّبه من
شیئین ثانیاً، واستکماله بغیره ثالثاً. فلأجل ذلک یجب أن یصار فی توصیفه سبحانه إلی فرض آخر یحفظ معه أمران:کونه سبحانه
واجداً لحقیقۀ العلم والقدرة و الحیاة حتّی لا یلزم التّعطیل، وکونه واحداً بسیطاً غیر مرکّب من شیء و شیء حتّی لا ترد الاشکالات
الثلاثۀ الماضیۀ، والتحفّظ علی هذین الأمرین لا یحصل إلاّ بالقول بأنّ أوصافه سبحانه و نعوته کلّها موجودة بوجود واحد وهو وجود
الذات، وهی بمفردها مصداق لهذه النعوت، و یکفی نفس وجودها فی حمل هذه الصفات الکمالیّۀ علیها بلا طروء تعدُّد فی مرحلۀ
. الذات. ولأجل تقریب المطلب وأنّه یمکن أن تحمل صفات کثیرة علی شیء 1 . الملل والنحل: ج 1، ص 49 50
( 317 )
واحد، وینتزع منه مفاهیم عدیدة، نأتی بمثال و إن کان الفرق بین المثل والممثّل عظیماً، ولکنّ الهدف هو التقریب لا التشبیه. إذا
صفحۀ 131 من 196
تصوّرنا الإنسان الخارجی و فرضنا له ماهیّۀ، فلها ذاتیات کالحیوان والناطق یعدّان من الاُمور الذاتیۀ بالنسبۀ إلی ماهیته، فهذه الذاتیات
موجودة بوجود واحد شخصی من دون أن تکون حیثیّۀ الحیوان فی الخارج غیر حیثیّۀ الناطق، بل الإنسان الخارجی کلّه بوحدته
مصداق للحیوان، کما هو کلّه مصداق للناطق. فهنا شیء واحد و هو الشخصیۀ الخارجیۀ الّتی هی مصداق الإنسان، یصحّ أن ینتزع منه
مفاهیم کثیرة من دون أن تنثلم وحدته. وعلی ضوء هذا المثال نقول : إنّ ذاته سبحانه بوحدتها و بساطتها، مصداق لکونه عالماً وقادراً
و حیّاً، ولیست حقیقۀ العلم فی ذاته تغایر واقعیّۀ القدرة فیه. کما أنّ کلیهما لا یغایران حقیقۀ الحیاة. بل الذات الواحدة بما أنّها موجود
بسیط، مصداق لهذه الکمالات من دون أن تضمّ إلی الذات ضمیمۀ أو تطرأ کثرة. وبهذا البیان تحفظ علی بساطته، کما تحفظ علی
کونه واجداً لحقیقۀ الصفات الکمالیّۀ. ولا یهدف هذا البیان إلی إخلاء الذات عن حقیقۀ هذه الصّفات، ولا تعطیلها عن الاتّصاف بها،
بل یرید أنّ الذات لأجل کونها کلّ الکمال و کلّ الجمال، ولیس فوقها موجود أکمل و أجمل، بوحدتها و بساطتها واجدة لحقیقۀ
هذه الصفات. والفرق بین کونه سبحانه عالماً و کون زید عالماً، بعد اشتراکهما فی کونهما واجدین لحقیقۀ هذا الوصف، هو أنّه
سبحانه ببساطته واجد لهذا الکمال، وذاته مصداق للعلم، ولکنّ زیداً بذاته غیر واجد لهذا الکمال و إنّما وصل إلیه فی مرتبۀ بعدها.
وأشباهه، فإنّ المتبادر منه هو الذات المتّصفۀ بالمبدأ لا « العالم » نعم، کونه سبحانه عالماً بهذا المعنی یخالف ما هو المتبادر منه لفظ
الذات البسیطۀ المتحقّق فیها المبدأ، والقسم الثانی مصداق جدید لم یتعرّف علیه العرف کما لم یتعرّف علیه الواضع، وإنّما هو مصداق
( کشف عنه العقل بدقّته و غفل عنه العرف لمسامحته، ولکنّه لا یضر ( 318
بالاطلاق، لأنّ العرف لا یتوجّه إلی هذه الدّقائق، وأهل الدقّۀ غیر غافلین عن هذا الفرق، وارتکاب خلاف الظواهر بهذا المقدار فراراً
عن الاشکالات العقلیّۀ کثیر النظیر( 1). ثمّ إنّ القائلین بوحدة الصّفات مع الذات لا یعنون منها الوحدة من حیث المفهوم والموضوع له،
و إنّما یعنون بها الوحدة من حیث « العالم » غیر ما یفهم من المحمول کلفظ « الله عالم » بداهۀ أنّ ما یفهم من لفظ الجلالۀ فی قولنا
العینیّۀ والتحقّق، بمعنی أنّ ما هو المصداق للفظ الجلالۀ هو المصداق للفظ العالم، وهکذا سائر الصفات. برهان بدیع لاثبات الوحدة
إنّ بدیهۀ العقل حاکمۀ بأنّ ذاتاً ما إذا کان لها من » : ثمّ إنّ لأهل التّحقیق فی إثبات الوحدة العینیّۀ براهین دقیقۀ نکتفی بذکر واحد منها
الکمال ما هو بحسب نفس ذاتها، فهی أفضل و أکمل من ذات لها کمال زائد علی ذاتها، لأنّ تجمّل الاُولی بذاتها، وتجمّل الثانیۀ
بصفاتها. وما تجمّل بذاته أشرف ممّا یتجمّل بغیر ذاته، وإن کان ذلک الغیر صفاته. وواجب الوجود یجب أن یکون فی أعلی ما
یتصوّر من البهاء و الشّرف والجمال، لأنّ ذاته مبدأ سلسلۀ الوجودات و واهب کلّ الخیرات و الکمالات، والواهب المفیض لا محالۀ
أکرم و أمجد من الموهوب المفاض علیه، فلو لم یکن کماله بنفس حقیقته المقدّسۀ، بل مع اللّواحق لکان المجموع من الذات و
.(2)« اللّواحق أشرف من الذات المجرّدة، والمجموع معلول فیلزم أن یکون المعلول أشرف و أکمل من علّته وهو محال بیّن الاستحالۀ
هذا هو واقع النّظریۀ و حقیقتها، وأنت إذا لاحظت دلیلها وما أوضحناها به 1 . قال سبحانه (الآن خفف الله عنکم وعلم
. أنّ فیکم ضعفاً) (الانفال / 66 ) فهل یمکن الأخذ بظاهره البدئی فی أنّه لم یکن عالماً قبله. 2 . الاسفار: ج 6، ص 134 135
( 319 )
تقف علی أنّ ما ردّ به تلک النظریۀ ناش عن عدم الوقوف علی مراد القائل، ولو أنّهم کانوا واقفین علی مصدر هذه النظریّۀ لما وجّهوا
وألزم أبو الهذیل فقیل له: إذا قلت إنّ علم الله هو الله » : إلیها سهامهم المرقوشۀ، وإلیک تلک الردود واحداً بعد الآخر. 1- قال الأشعري
إنّ من قال عالم ولا علم، کان مناقضاً، کما أنّ من قال علم » : -2 وقال .« فقل: یا علم الله اغفر لی و ارحمنی فأبی ذلک، فلزمته المناقضۀ
1). یلاحظ علیه: أمّا أوّلاً: فإنّ أبا الهذیل لم یقل بالوحدة من حیث المفهوم و إنّما قال بالوحدة من حیث )« ولا عالم کان مناقضاً
لأنّ ،« یا علم الله اغفرلی » التحقق و العینیّۀ وما ذکره من النّقض إنّما یرد علی الوجه الأوّل لا علی الوجه الثانی. فلا یصحّ أن یقال
و یدعی « الله » من حیث المفهوم مکان لفظ « علم الله » المفهوم من لفظ علم الله غیر المفهوم من لفظ الجلالۀ، فلا یصحّ أن یوضع
بمفهوم غیره، ولأجل ذلک لا یصحّ أن یقال یا موجود، ویقصد به الله سبحانه، بحجّۀ أنّ ماهیّته إنیّته، ووجوده نفس ماهیّته. وأمّا ثانیاً:
صفحۀ 132 من 196
فبأنّ الشیخ الأشعري خلط بین نظریّۀ أبی الهذیل و نظریۀ الجبّائی الّذي تتلمذ علیه الشیخ الأشعري سنین متمادیۀ إلی أن رفضه و رفض
مذهبه، وانسلک فی عداد الحنابلۀ. فتصوّر أنّ مذهب أبی علیّ نفس مذهب أبی الهذیل. ففی مذهب أبی علیّ، الذات خالیۀ من
ال ّ ص فات الحقیقیّۀ، غیر أنّها نائبۀ منابها، ولأجل هذه النیابۀ یصحّ الحمل، ویجیء توضیحه عمّا قریب، بخلافه علی مذهب أبی الهذیل.
الفضیحۀ الرابعۀ من فضائحه (أبی الهذیل) قوله بأنّ علم الله سبحانه و تعالی هو الله و قدرته هی هو، ویلزمه علی » : -3 قال البغدادي
هذا القول أن یکون الله تعالی علماً و قدرة، ولو کان هو علماً وقدرة لاستحال أن یکون عالماً قادراً، لأنّ العلم لا یکون
. 1 . الابانۀ: ص 108
( 320 )
1). یلاحظ علیه: أنّ ما ذکره من الاشکال مبنیُّ علی اقتناص المعارف الإلهیۀ من اللّغۀ والعرف، أو من )« عالماً والقدرة لا تکون قادرة
باب مقایسۀ الواجب بالممکن، فیما أنّ العلم والقدرة فی الإنسان عرض والإنسان معروض لهما، تخیّل أنّ العلم والقدرة فی جمیع
المراتب أعراض لا تخرج عن حدِّها، ولکنّه غفل عن أنّ للعلم والقدرة والحیاة مراتب و درجات. فالعلم منه عرض کعلمنا بالأشیاء
الخارجیّۀ، و منه جوهر کعلمنا بذاتنا و حضور ذاتنا لدي ذاتنا، ومنه واجب قائم بنفسه کعلم الله سبحانه بذاته. فعند ذلک لا مانع من أن
یجب أن یکون فی » : یکون هناك علم قائم بالذات و قدرة مثلها و حیاة کذلک. وهناك کلمۀ قیّمۀ للحکیم الفارابی حیث یقول
الوجود وجود بالذات، وفی العلم علم بالذات، وفی القدرة قدرة بالذات، وفی الارادة إرادة بالذات، حتّی تکون هذه الاُمور فی غیره لا
ومصدر ه( 2)ذه الکلمات العجیبۀ هو مقایسۀ الغائب بالشاهد و تصوّر أنّ علمه سبحانه أو قدرته و حیاته کعلم الممکنات و .« بالذات
قدرتها و حیاتها. فذلک هو التشبیه الّذي هو الأساس لمذهب أهل الحدیث ومن لفّ لفّهم. 4- ذکر الشهرستانی أنّ أبا الهذیل اقتبس
هذا الرأي من الفلاسفۀ الّذین اعتقدوا أنّ ذاته واحدة لا کثرة فیها بوجه( 3). یلاحظ علیه: أنّه رجم بالغیب ومن الممکن أنّه وصل إلیه
من خطب الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام کما سیوافیک کلامه، وقد عرفت أنّ المعتزلۀ فی التوحید والعدل عالۀ علی خطب الإمام
. لو کان مفهوم کونه عالماً حیّاً قادراً نفس ذاته، لم یفد 1 » : أمیر المؤمنین علیه السلام . 5- قال القاضی الایجی
. 3 . الملل والنحل: ج 1، ص 50 . 2 . تعالیق الاسفار: ج 6، ص 135 . الفرق بین الفرق: ص 127
( 321 )
لو کان العلم نفس الذات والقدرة نفس » : -6 وقال أیضاً .« بمثابۀ حمل الشیء علی نفسه « الله الواجب »: حملها علی ذاته، وکان قولنا
1). یلاحظ علیه: أنّ الاشکالین من الوهن بمکان، حتّی إنّ )« الذات لکان العلم نفس القدرة فکان المفهوم من العلم والقدرة واحداً
المستشکل لم یقبله. وأساس الاشکال هو الخلط بین الوحدة المفهومیّۀ والوحدة المصداقیّۀ، والقائل یقول بالثانی لا بالأوّل. ولأجل
وفیه نظر، فإنّه لا یفید إلاّ زیادة هذا المفهوم علی مفهوم الذات، وأمّا زیادة ما صدق علیه » : ذلک یقول الایجی فی دفع الاشکال الأوّل
وعند ذلک یصحّ لشیخ الاعتزال أن یتمثّل و یقول: وکم من عائب قولًا صحیحاً * وآفته من .« هذا المفهوم علی حقیقۀ الذات فلا
الفهم السقیم کلام الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام فی عینیّۀ الصفات مع الذات
قد ورد فی خطب الإمام علیه السلام ما یدلّ علی نفی زیادة الصفات لله تعالی بأبلغ وجه و آکده حیث قال فی خطبۀ من خطبه
أوّل الدین معرفته، وکمال معرفته التصدیق به، وکمال التصدیق به توحیده، وکمال توحیده الاخلاص له، وکمال » : المشهورة
الاخلاص له نفی الصِّفات عنه، لشهادة کلّ صفۀ أنّها غیر الموصوف، وشهادة کلّ موصوف أنّه غیر الصِّفۀ، فمن وصف الله سبحانه
فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثنّاه، ومن ثنّاه فقد جزّأه، ومن جزّأه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار إلیه، ومن أشار إلیه فقد حدّه، ومن حدّه
2). وتوضیح هذه الجمل الدّریّۀ تدفعنا إلی البسط فی الکلام ولکنّ )« فقد عدّه، ومن قال فیم فقد ضمّنه، ومن قال علام فقد أخلی منه
2 . نهج البلاغۀ: الخطبۀ الاُولی. . المقام لا یقتضیه وإنّما نشیر إلی بعضها. 1 . المواقف: ص 280
( 322 )
صفحۀ 133 من 196
یرید تخلیصه سبحانه من الزوائد والثوانی حتّی لا یکون خلیطاً مع غیره، ثمّ فرّع ،« وکمال توحیده الاخلاص له » : قال علیه السلام
یرید نفی ال ّ ص فات الّتی وجودها غیر وجود الذات لا نفی حقائقها عن ذاته، « وکمال الاخلاص له نفی ال ّ ص فات عنه » : علی ذلک قوله
فإنّ ذاته بذاته مصداق لجمیع النعوت الکمالیّۀ و الأوصاف الإلهیّۀ من دون قیام أمر زائد علی ذاته، فعلمه وقدرته و .... کلُّها موجودة
إشارة إلی برهان نفی « لشهادة کلِّ صفۀ أنّها غیر الموصوف ... الخ » : بوجود ذاته الأحدیّۀ مع أنّ مفاهیمها متغایرة. وقال علیه السلام
الصفات العارضۀ، سواء فرضت قدیمۀ کما علیه الکلابیّۀ و الأشاعرة أو حادثۀ. فإنّ الصفۀ إذا کانت عارضۀ کانت مغایرة للموصوف
أي من وصفه بصفۀ زائدة فقد قرنه بغیره، فان کان ذلک الغیر مستقلّا فی الوجود « فمن وصفه فقد قرنه » : بها. فعندئذ یترتّب علیه قول
ومن ثنّاه فقد » : یلزم أن یکون له ثان فی الوجود، وإن کان غیر مستقلّ فبما أنّه جزء له فقد جعله مرکّباً ذا جزأین و إلیه یشیر بقوله
ومن المعلوم أنّ من جزّأه فقد جهله، ولم یعرفه علی ما هو علیه. ومن جهله بهذا المعنی فقد أشار إلیه، ومن أشار إلیه فقد حدّه، « جزّأه
لأنّ الاشارة إلی الشیء حسّیّۀ کانت أو عقلیّۀ تستلزم جعله محدوداً بحدّ خاصّ، ومن حدّه بحد معیّن فقد جعله واحداً بالعدد إلی
آخر ما أفاده. هذا هو توضیح نظریّۀ أبی الهذیل وهو المختار لدي الإمامیّۀ وعلیه خطب الإمام وکلمات أئمّۀ أهل البیت علیهم السلام
وعندئذ یحین وقت إیضاح النظریۀ الثانیۀ المنسوبۀ إلی أبی علی الجبّائی. توضیح مذهب أبی علیّ الجبّائی
إنّ أبا علیّ الجبّائی یقول: إنّه تعالی یستحقّ هذه ال ّ ص فات الأربع الّتی هی کونه قادراً عالماً حیّاً موجوداً لذاته. فهو یهدف إلی نظریّۀ
اُخري یلیق أن یتّهم معها ( 323 ) بالتعطیل.
وبین قول القائل: « عالم بذاته لا بعلم » : والفرق بین قول القائل » : وقد أوضح الشهرستانی الفرق بین هذه النظریۀ و النظریۀ السابقۀ بقوله
1). ولقد أحسن فی )« أنّ الأوّل هو نفی الصفۀ، والثانی إثبات ذات هو بعینه صفۀ، أو إثبات صفۀ هی بعینها ذات ،« عالم بعلم هو ذاته »
التّوضیح و أصاب الغرض. فعلی هذا القول لیست الذات واجدة لواقعیات ال ّ ص فات، غیر أنّ ما یترقّب من الذات المتصفۀ بها، یترتّب
علی ذاته سبحانه و إن لم تکن هناك تلک الصفات. مثلًا أثر الذات الموصوفۀ بالعلم هو إتقان الفعل وهو یترتّب علی ذاته سبحانه بلا
وصاحب النظریّۀ توفّق فی الجمع بین الأمرین الخطیرین. .« خذ الغایات واترك المبادئ » وجود وصف العلم فیه، وقد اشتهر عندهم
فمن جانب اتّفقت الشرائع السماویّۀ علی أنّه سبحانه عالم حیّ قادر. ومن جانب آخر واقعیۀ الصفۀ لا تنفکّ عن القیام بالغیر بحیث لو
لم تکن قائمۀ به لما صدق علیه الوصف. فعندئذ یدور الأمر بین الاُمور التالیۀ: 1- نفی کونه عالماً قادراً حیّاً .... وهذا یکذّبه اتّفاق
الشرائع السماویۀ ووجود آثار الصفات فی أفعاله من الإتقان والنظم البارزین. 2- کون صفاته زائدة علی ذاته وهو یستلزم المفاسد
وهو لا یتّفق مع واقعیّۀ « أبی الهذیل » السابقۀ من تعدّد القدماء وغیره. 3- کون صفاته عین ذاته کما علیه شیخ المعتزلۀ فی عصره
الصِّفات، فإنّ واقعیّتها نفس قیامها بالغیر لا صیرورتها نفسه، فتعیّن القول التالی: 4- کون ذاته نائبۀ مناب ال ّ ص فات وإن لم تکن هناك
. واقعیّتها. وممّن اختار هذا 1 . الملل والنحل: ج 1 ص 50
( 324 )
هو عالم، قادر، حیّ، ولا أثبت له علماً، ولا قدرة، ولا حیاة ولا أثبت سمعاً ولا » : القول قبل الجبّائی هو عبّاد بن سلیمان المعتزلی. قال
أثبت بصراً. وأقول: هو عالم لا بعلم، وقادر لا بقدرة، وحیُّ لا بحیاة، وسمیع لا بسمع، وکذلک سائر ما یسمّی به من الأسماء الّتی
1). تقییم نظریّۀ النیابۀ )« یسمّی بها
إنّ هذه النظریّۀ من الوهن بمکان، فإنّ أبا علیّ لو تأمّل فی واقعیّۀ الصفات الکمالیّۀ لما أصرّ علی أنّ واقعیّتها فی جمیع المجالات و
المراحل، واقعیۀ القیام بالغیر. وإنّما هی واقعیتها فی بعض المراتب کعلم الإنسان و قدرته و حیاته، ولیس فی جمیع المراتب کذلک.
وذلک لأنّ الکمالات ترجع إلی الوجود، وله شؤون و عرض عریض. فکما أنّ منه وجوداً رابطاً و رابطیّاً و جوهراً، فکذا العلم. فمنه
عرض قائم بالغیر، ومنه جوهر قائم فی نفسه کعلم الإنسان المدرك بذاته، ومنه ممکن ومنه واجب، وهکذا سائر الصفِّات. وعلی ذلک
فالاصرار علی واقعیّۀ واحدة تجمع شتات العلم، إصرار فی غیر محلِّه. فإنّ للعلم و کلّ کمال مثله، إطارات و قوالب و مظاهر و مجالات
صفحۀ 134 من 196
تختلف حسب اختلاف المراتب. إذا وقفت علی مذهب الوالد (أبی علیّ) فهلمّ معی ندرس مذهب الولد فی باب حمل الصفِّات
الذاتیۀ علیه سبحانه. مذهب أبی هاشم
وعبّر « وعند أبی هاشم یستحقّها لما هو علیه فی ذاته » : إنّ لأبی هاشم فی کیفیّۀ استحقاق الصفِّات مذهباً خاصّاً عبّر عنه القاضی بقوله
إنّه 1 . مقالات الاسلامیین: ج 1، ص 225 . نعم نقل القاضی فی شرح الاُصول الخمسۀ ص 183 » : عن نظریۀ أبیه بقوله
رأیاً آخر لسلیمان بن جریر وهو غیر عباد بن سلیمان فلا یختلط علیک الأمر.
( 325 )
إنّ أبا علیّ جعل نفس الباري علّۀ لکونه عالماً و قادراً، » : 1). وقد حاول البغدادي تبیین الفرق بقوله )« یستحقّها القدیم تعالی لذاته
وخالف أبو هاشم أباه و زعم أنّ الله عالم لکونه علی حال، قادر لکونه علی حال وزعم أنّ له فی کلِّ معلوم حالًا مخصوصاً، وفی کلِّ
قال الجبّائی: » : 2). و أوضحه الشهرستانی بقوله )« مقدور حالًا مخصوصاً. وزعم أنّ الأحوال لا موجودة ولا معدومۀ ولا معلومۀ ولا أشیاء
أي لا یقتضی کونه عالماً، صفۀ هی علم أو حال توجب کونه عالماً، وعند أبی هاشم: « لذاته »: عالم لذاته، قادر حیّ لذاته، ومعنی قوله
بمعنی أنّه ذو حالۀ هی صفۀ معلومۀ وراء کونه ذاتاً موجوداً، وإنّما تعلم الصِّفۀ علی الذات، لا بانفرادها. فأثبت أحوالًا « هو عالم لذاته »
3). وأنت تعلم أنّ )« هی صفات لا موجودة ولا معدومۀ ولا معلومۀ ولا مجهولۀ، أي هی علی حیالها لا تعرف کذلک بل مع الذّات
سمعت الشیخ » : هذه المحاولات تزید فی الغموض، وقد أصبحت نظریّته لغزاً من الألغاز لم یقف علیه أحد. قال الشریف المرتضی
المفید یقول: ثلاثۀ أشیاء لا تعقل وقد اجتهد المتکلّمون فی تحصیل معانیها من معتقدیها بکلِّ حیلۀ، فلم یظفروا منهم إلاّ بعبارات
4). ممّا یقال ولا )« یناقض المعنی فیها مفهوم الکلام: اتّحاد النّصرانیۀ (التثلیت مع ادّعاء الوحدة)، وکسب النّجاریۀ و أحوال البهشمیّۀ
حقیقۀ عنده * معقولۀ تدنو إلی الأفهام الکسب عند الأشعري والحال * عند البهشمی وطفرة النظام( 5) 1 . شرح
. 5 . 4 . الفصول المختارة: ص 128 . 3 . الملل والنحل: ج 1، ص 82 . 2 . اُصول الدین للبغدادي: ص 92 . الاُصول الخمسۀ: ص 129
. القضاء والقدر، لعبد الکریم الخطیب: ص 185
( 326 )
الّتی یتبنّاها أبو هاشم فلنکتف بهذا المقدار. هذا کلّه حول المسألۀ الاُولی الّتی ترکِّز « الأحوال » وبما أنّ تحقیق نظریته مبنیّ علی تحقیق
المعتزلۀ علیها عند البحث عن الأصل الأوّل (التوحید) وإلیک البحث فی المسألۀ الثانیۀ الّتی یرکّزون علیها فی إطار هذا الأصل، وهی
( تبیین کیفیّۀ حمل الصفّات الخبریّۀ علیه سبحانه. *** ب - المعتزلۀ وحمل الصفات الخبریّۀ ( 1
قسّم الباحثون صفاته سبحانه إلی صفات ذاتیّۀ و صفات خبریّۀ، فتوصیفه سبحانه بالعلم والقدرة توصیف بصفات ذاتیّۀ، کما أنّ
توصیفه بما دلّ علیه ظواهر الآیات والأحادیث کالوجه والیدین صفات خبریّۀ. وأمّا عقیدة المعتزلۀ فی هذه الصفِّات، فقد وصفها
أجمعت المعتزلۀ علی أنّ الله واحد لیس کمثله شیء وهو السّمیع البصیر، » : الشیخ الأشعري فی کتابه بأحسن وجه. وإلیک نصّ کلامه
ولیس بجسم، ولا شبح، ولا جثّۀ، ولا صورة لحم ولا دم، ولا شخص ولا جوهر ولا عرض، ولا بذي لون ولا طعم ولا رائحۀ ولا مجسّۀ،
ولا بذي حرارة ولا برودة ولا رطوبۀ ولا یبوسۀ، ولا طول ولا عرض ولا عمق، ولا اجتماع ولا افتراق. ولا یتحرّك ولا یسکن ولا
یتبعّض، ولا بذي أبعاض و أجزاء و جوارح وأعضاء، ولیس بذي جهات ولا بذي یمین و شمال وأمام وخلف وفوق وتحت، ولا یحیط
به مکان ولا یجري علیه زمان ولا تجوز علیه المماسّۀ ولا العزلۀ ولا الحلول فی الأماکن، ولا یوصف بشیء من صفات الخلق الدالۀ
علی حدوثهم، ولا یوصف بأنّه متناه، ولا یوصف بمساحۀ ولا ذهاب فی الجهات، ولیس بمحدود، ولا والد ولا مولود، ولا تحیط به
الأقدار، ولا تحجبه الأستار، ولا تدرکه 1 . هذه هی النقطۀ الثانیۀ التی ترکّز علیها المعتزلۀ فی هذا الأصل.
( 327 )
الحواسّ ولا یقاس بالناس، ولا یشبه الخلق بوجه من الوجوه ولا تجري علیه الآفات، ولا تحلّ به العاهات، وکلّ ما خطر بالبال، وتصوّر
صفحۀ 135 من 196
بالوهم فغیر مشبه له. لم یزل أوّلًا، سابقاً، متقدّما للمحدثات، موجوداً قبل المخلوقات، ولم یزل عالماً قادراً حیّاً ولا یزال کذلک. لا تراه
العیون، ولا تدرکه الأبصار، ولا تحیط به الأوهام، ولا یسمع بالأسماع، شیء لا کالأشیاء، عالم قادر حیّ لا کالعلماء القادرین الأحیاء.
وإنّه القدیم وحده ولا قدیم غیره ولا إله سواه، ولا شریک له فی ملکه، ولا وزیر له فی سلطانه ولا معین علی إنشاء ما أنشأ وخلق ما
خلق. لم یخلق الخلق علی مثال سبق، ولیس خلق شیء بأهون علیه من خلق شیء آخر ولا بأصعب علیه منه، ولا یجوز علیه اجترار
المنافع ولا تلحقه المضارّ، ولا یناله السرور واللذات، ولا یصل إلیه الأذي و الآلام، لیس بذي غایۀ فیتناهی، ولا یجوز علیه الفناء، ولا
1). والسابر فی نهج )« یلحقه العجز والنقص، تقدّس عن ملامسۀ النساء، وعن اتّخاذ الصاحبۀ والأبناء، قال: فهذه جملۀ قولهم فی التّوحید
البلاغۀ یقف علی أنّ المعتزلۀ أخذت جلّ هذه الکلمات من خطب الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام لکن باختلاف فی التعبیر
والألفاظ. وقد ذکرت المعتزلۀ وغیرهم دلیلًا عقلیّاً علی تنزیهه سبحانه عن هذه الصفِّات، خلاصته: أنّه سبحانه لیس مادّة ولا مادیّاً ولا
مرکّباً منهما، وما لیس کذلک یمتنع علیه هذه الصفات. فمن یُثبت له حرکۀ أو سکوناً أو یداً أو رجلًا فلا منتدح له عن القول بکونه
جسماً أو جسمانیاً. هذا هو الحقّ القراح الّذي لا یشکّ فیه مسلم واع. إنّما الکلام فی تفسیر ما ورد من النُّصوص المشتملۀ بظواهرها
علی هذه الصفِّات. وهذه النقطۀ هی المخمصۀ الکبري للمعتزلۀ. فلابدّ لهم من الجمع ما بین العقل والنّقل بوجه یقبله العقل، ولا
1 . مقالات الاسلامیین للاشعري: ص 155 156 . وقد کتب أبو الفتح محمد بن علی الکراجکی (م 449 ) قائمۀ
، فمن أراد فلیرجع إلی کنز الفوائد، ج 1 « البیان عن جمل اعتقاد أهل الایمان » تشتمل علی اُصول التنزیه علی مذهب الامامیۀ أسماها
ص 240 ط بیروت.
( 328 )
یکذّبه النقل. ثمّ إنّ للباحثین من المتکلِّمین و أهل الحدیث فی المقام طرقاً نشیر إلیها: الأوّل : الإثبات مع التّشبیه والتّکییف. الثّانی :
الإثبات بلا تشبیه ولا تکییف. الثالث : التفویض. الرابع : التّأویل. وقد بحثنا عن الوجوه الثّلاثۀ الاُول فی الجزء الثانی، وهی خیرة أهل
الحدیث والأشاعرة. والأمر الرابع هو خیرة المعتزلۀ. ولأجل ذلک یسمّون المؤوّلۀ، فیؤوّلون الآیات المشتملۀ علی الید والوجه
والاستیلاء وغیر ذلک، ولنا هنا کلمۀ موجزة وهی: إنّ التأویل علی قسمین: قسم یرفضه الکتاب ولا یرضی به العقل وهو تأویل
النصوص القرآنیّۀ والأحادیث المتواترة بحجّۀ أنّها تخالف العقل ال ّ ص ریح فقط، وهذا رأي عازب، بل فکرة خاطئۀ. فإنّ ظواهر الکتاب
والنصوص الصحیحۀ لا یمکن أن تکون مخالفۀ للعقل. ولقد کذب من قال من المؤوّلۀ: إنّ الأخذ بظواهر الکتاب والسنّۀ من اُصول
الکفر أو إنّ التمسّک فی اُصول العقائد بمجّرد ظواهر الکتاب والسنّۀ من غیر بصیرة فی العقل هو أصل ضلالۀ الحشویۀ( 1). فإنّ هؤلاء
لم یعرفوا موقف الکتاب والسنّۀ الصحیحۀ، فإنّ من الممتنع أن یشتمل الکتاب الهادي علی ما یضادّ العقل الصحیح. وهو القائل (أَفَلا
یَتَدَبَّرُونَ القُرآنَ أَمْ عَلَی قُلُوب أَقْفَالُهَا)(محمد/ 24 ). وقسم یراد منه تمییز الظاهر التصدیقی عن الظاهر الحرفی، وتمییز الظاهر البدوي
، عن الظاهر الاستمراري (ما یستقرّ فی الذهن بعد التدبّر) ومثل هذا لا یتحقّق إلاّ 1 . علاقۀ الاثبات والتفویض: ص 67
نقلًا عن الصاوي علی تفسیر الجلالین ج 3، ص 10 وغیره.
( 329 )
بالتأمّل فی نفس الآیۀ الکریمۀ و ما احتفّ بها من القرائن اللفظیۀ أو ما جاء فی الآیات الأخر. وهذا القسم لو صحّت تسمیته بالتأویل،
تأویل مقبول. کیف وهو لیس بتأویل بمعنی صرف الکلام عن ظاهره والأخذ بخلاف الظاهر، بل واقعیته تحدید ظاهر الکلام، وتعیینه.
وهذا من خواصّ کلِّ کلام مشتمل علی نکات بدیعۀ و معانی رفیعۀ ألقی لهدایۀ الناس باختلاف طبقاتهم و تعدّد ثقافاتهم. ومثل هذا
لو صحّ علیه أنّه أخذ بخلاف الظاهر فإنّما هو أخذ بخلاف الظاهر الحرفی و رفض لظاهره الابتدائی. وأمّا الظاهر التصدیقی
فهناك ظاهر « فلان کثیر الرّماد » : والاستمراري فهو عین الأخذ به. ونمثِّل لک مثالاً: إذا قال القائل فی تبیین سماحۀ شخص وجوده
حرفی و ظاهر تصدیقی، کما أنّ هناك ظاهراً بدئیاً و ظاهراً استمراریّاً. فالأوّل مرفوض جدّاً، فإنّ کثرة الرّماد فی البیت لو لم یکن ذمّاً
صفحۀ 136 من 196
لا یکون مدحاً، مع أنّ القائل بصدد المدح. والثانی مقبول عند العقلاء وعلیه یدور رحی الفصاحۀ والبلاغۀ و إلقاء الخطب الرنانّۀ و
إنشاء الکلم اللّذیذة علی الأسماع. المعتزلۀ بین التأویل المرفوض و المقبول
إنّ المعتزلۀ فی تفسیر الآیات الواردة فی مجال الصفِّات بین تأویل مرفوض، وتأویل مقبول. فتارة یؤوّلون الکلام بحجّ ۀ أنّه یخالف
العقل ولا یذکرون للتّأویل قرینۀ مقالیّۀ أو شاهداً من سائر الآیات. وهذا یعرب عن أنّ الغایۀ منه هو التخلّص من مخالفۀ النقل مع
العقل، وهذا هو التأویل المرفوض، فحاشا أن یکون النقل مخالفاً للعقل. بل المخالفۀ تتراءي إمّا لعدم تشخیص حقیقۀ النّقل و تخیّل ما
لیس بظاهرها ظاهراً، أو لاشتباه العقل فیما یحکم و یبرم. وأخري یؤوّلون معتمدین علی القرائن و الشّواهد الّتی تثبت الظهور
( التصدیقی وتوقفنا علی أنّ الظهور البدائی أو التصوّري لیس بمراد. وهذا هو التّأویل المقبول، ( 330
وإلیه الاستناد فی تأویل المتشابهات بالمحکمات و تعیین الظهور التصدیقی. ولأجل إیقاف القارئ علی نماذج من التأویلین نأتی
بمثالین: 1- قول سبحانه: (قَالَ یَا إِبْلِیسُ مَا مَنَعَکَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَ ا خَلَقْتُ بِیَدَيَّ اسْتَکْبَرْتَ أَمْ کُنْتَ مِنَ العَالِینَ) (ص/ 75 ). تري أنّ
القاضی یبادر إلی تأویل الآیۀ بأنّ الید هنا بمعنی القوّة( 1). یلاحظ علیه: أنّ الید و إن کانت تستعمل فی القوّة والنعمۀ ، قال سبحانه
(وَاذْکُرْ عَبْدَنَا دَاوُد ذَا الأیدِ إِنَّهُ أَوّاب)(ص/ 17 ) فإنّ الید فی هذه الآیۀ مردّدة ابتداء بین النعمۀ والقوّة والعضو المخصوص، إلاّ أنّ
القرینۀ فی الآیات تدلُّ علی أنّها کنایۀ عن النعمۀ أو القوّة، والقرینۀ علیه ورودها فی قصّۀ داود المشهورة فی القرآن. فقد کان ذا نعمۀ
29 ) و هذه الآیات قرینۀ علی أنّ الید إنّما کنّی - و قوّة، أشار إلیهما سبحانه فی تلک ا لسورة وقال: (إنّا سَخَّرْنَا الجِبَالَ مَعَهُ...) (ص/ 19
بها عن النّعمۀ والقوّة. إلاّ أنّ الآیۀ السابقۀ تفارق هذه الآیۀ و لیس مثلها وذلک لأجل أمرین: أوّلًا: إنّ من المعلوم أنّ الخالق لا یخلق
شیئاً إلاّ عن قوّة، فلا معنی لذکرها إلاّ أن تکون هنا نکتۀ، مثل دفع توهّم العجز فی المتکلّم و لیس المقام کذلک کما سیأتی فی قوله
سبحانه (وَالسَّماءَ بَنَیْنَاهَا بِأَیْد). وثانیاً : أنّه لو کان المراد منها هو القوّة، فما هو وجه التثنیۀ؟ فلأجل ذلک کان اللّازم علی القاضی و
أمثاله، الامعان فی الآیۀ حتّی یقفوا علی الظهور التصدیقی، لیستغنوا به عن مخالفۀ العقل. فنقول: إنّ الید فی الآیۀ استعملت فی العضو
المخصوص، ولکنّها کنّی بها عن الاهتمام بخلقۀ آدم حتّی یتسنّی بذلک ذمّ إبلیس علی ترك السجود لآدم. فقوله سبحانه: (مَامَنَعَکَ
. أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِیَدَيَّ) کنایۀ عن أنّ آدم لم یکن مخلوقاً لغیري حتّی 1 . شرح الاصول الخمسۀ: ص 228
( 331 )
یصحّ لک یا شیطان التجنّب عن السجود له، بحجّ ۀ أنّه لا صلۀ له بی، مع أنّه موجود خلقته بنفسی، ونفخت فیه من روحی. فهو
مصنوعی و مخلوقی الّذي قمت بخلقه، فمع ذلک تمرّدت عن السجود له. فاُطلقت الخلقۀ بالید و کنّی بها عن قیامه سبحانه بخلقه،
وعنایته بایجاده، وتعلیمه إیّاه أسماءه، لأنّ الغالب فی عمل الإنسان هو القیام به باستعمال الید، یقول: هذا ما بنیته بیدي، أو ما صنعته
بیدي، أو ربّیته بیدي و یراد من الکل هو القیام المباشري بالعمل، و ربّما استعان فیه بعینه و سمعه و غیرهما من الأعضاء، لکنّه لا
یذکرها و یکتفی بالید. وکأنّه سبحانه یندِّد بالشیطان بأنّک ترکت السجود لموجود اهتممت بخلقه و صنعه. و نظیر ذلک قوله سبحانه:
(أَوَ لَمْ یَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَیْدِینَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِکُونَ) (یس/ 71 ) فالأیدي کنایۀ عن تفرّده تعالی بخلقها، لم یشرکه أحد
فیه. فهی مصنوعۀ لله تعالی والناس یتصرّفون فیها تصرف المّلاك کأنّها مصنوعۀ لهم، فبدل أن یشکروا یکفرون بنعمته. وأنت إذا
قارنت بین الآیتین تقف علی أنّ المقصود هو المعنی الکنائی، والمدار فی الموافقۀ والمخالفۀ هو الظهور التّصدیقی لا التصوّري. قال
و ذلک مشهور فی لغۀ العرب. یقول أحدهم: هذا « لما خلقت أنا » جار مجري قوله «( قوله تعالی:( لما خلقت بیديّ » : الشریف المرتضی
ما کسبت یداك، وما جرت علیک یداك. و إذا أرادوا نفی الفعل عن الفاعل استعملوا فیه هذا ال ّ ض رب من الکلام فیقولون: فلان لا
تمشی قدمه، ولا ینطق لسانه، ولا تکتب یده، وکذلک فی الاثبات، ولا یکون للفعل رجوع إلی الجوارح فی الحقیقۀ بل الفائدة فیه
1). وأمّا قوله سبحانه (وَالسَّمَاءَ بَنَیْنَاهَا بِأَیْد وَ إِنَّا لَمُوسعونَ) (لذاریات/ 47 )، فالمراد من الأیدي هو القوّة و الإحکام، )« النفی عن الفاعل
. والقرینۀ علیه قوله: (لموسعون) وکأنّه سبحانه 1 . امالی المرتضی: ج 1، ص 565
صفحۀ 137 من 196
( 332 )
یقول: والسماء بنیناها بقدرة لا یوصف قدرها و إنّا لذو سعۀ فی القدرة لا یعجزها شیء، أو بنیناها بقدرة عظیمۀ و نوسعها فی الخلقۀ.
ومن أراد أن یقف علی تأویل غیر مقبول فی تفسیر الآیۀ فعلیه أن یرجع إلی کلام الزمخشري فی هذاالباب، فإنّ تأویله أردأ من تأویل
القاضی، وهو من ذلک العالم البارع الأدیب بعید جدّا( 1). هذا نموذج من التّأویل المردود، وأمّا التأویل المقبول فحدّث عنه ولا حرج،
وإلیک نموذجاً منه: 2- قوله سبحانه: (إِنَّ رَبَّکُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمواتِ وَالأرْضَ فِی سِتَّۀِ أَیَّام ثُمَّ اسْتَوي عَلَی العَرْشِ یُدَبِّرُ الأمْرَ مَا مِنْ
شَفِیع إلاّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِکُمُ اللّهُ رَبّکُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَکَّرُونَ)(یونس/ 3). وقوله سبحانه: (إِنَّ رَبَّکُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمواتِ وَالأرْضَ
فِی سِتَّۀِ أَیَّام ثُمَّ اسْتَوي عَلَی العَرْشِ یُغْشِی الَّیْلَ النَّهَارَ یَطْلُبُهُ حَثِیثاً وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرات بِأَمْرِهِ ألا لَهُ الخَلْقُ وَالَأمْرُ تَبَارَكَ
اللّهُ رَبُّ العَالَمِینَ) (الأعراف/ 54 ). وقد شغل بال المفسّرین و أهل الکلام استواؤه سبحانه علی العرش، فأقصی ما عند أهل التنزیه من
الأشاعرة أنّه سبحانه مستو علی عرشه (جالس أو مستقرّ علیه) ولکن من غیر کیف( 2). وأمّا المشبّهۀ فهم یقولون بالجلوس علی العرش
علی الکیف والتّشبیه. ولو أنّ القوم تدبّروا فی نفس الآیتین الماضیتین والآیات الاُخر( 3) التّی ورد فیها قوله سبحانه: (ثُمَّ اسْتَوي عَلَی
العَرْشِ)، لوقفوا علی أنّ الظهور التصوّري وهو کونه سبحانه ذا سریر متربّعاً علیه، غیر مراد قطعاً، إذ لا مناسبۀ لهذا المعنی مع ما جاء فی
. الآیات من بیان عظمۀ قدرته وسعۀ ملکه و تدبیره، وإنّه لا یشذّ عن علمه شیء، بل 1 . لاحظ الکشاف: ج 3 ص 21
3 . الرعد / 2، الفرقان / 59 ، السجدة / 5، الحدید / 5، غافر / 15 ، طه / 8 باختلاف . 2 . الابانۀ: باب ذکر الاستواء علی العرش، ص 85
یسیر .
( 333 )
المراد هو الظهور التصدیقی، وأنّ الاستواء بمعنی التمکّن والاستیلاء التام، لا الجلوس ولا الاستقرار بعد التزلزل، کما أنّ المراد من
العرش، عرش التدبیر و عرش الملک لا الّذي یجلس علیه الملوك. ولیس هذا شیئاً غیر موجود فی الأدب العربی بل هو مملوء من
هذه المعانی. أمّا الاستواء بمعنی الاستیلاء فقد قال الأخطل یمدح بشراً أخا عبدالملک بن مروان حین ولی إمرة العراقین: قد استوي
بشر علی العراق * من غیر سیف ودم مهراق فالحمد للمهیمن الخلّاق فلیس المراد من الاستواء الجلوس أو الاستقرار، بل التمکّن
والاستیلاء التام والسیطرة علی العراقین وکسح کلِّ مزاحم ومخالف. وقال الطرمّاح بن حکیم: طال علی رسم مهدد أبده * وعفی
واستوي به بلده والمراد استقام له الأمر واستتبّ. وقال آخر: فلمّا علونا و استوینا علیهم * ترکناهم صرعی لنسر و کاسر هذا حول
الاستواء. وأمّا العرش، فالمتبادر منه تصوّراً هو السریر یجلس علیه الملوك، و یدبّرون منه ملکهم و یصدرون الأوامر والنواهی. غیر أنّه
هناك کنایۀ عن الملک والسّلطۀ. یقال: ثلّ عرش بنی فلان، إذا زال ملکهم. یقول الشاعر: إذا ما بنو مروان ثلّت عروشهم * وأودت
کما أودت أیاد وحمیر فلیس المراد تهدّم العروش الّتی کانوا یجلسون علیها، بل کنایۀ عن زوال الملک والسیطرة وانقطاع سلطتهم.
والدقۀ فی الآیات الّتی ورد فیها استیلاؤه سبحانه علی العرش یثبت بوضوح أنّ المراد من الآیۀ هو السیطرة والتمکّن علی صحیفۀ
( الکون ( 334
والخلقۀ، وأنّها بعد الخلقۀ فی قبضۀ قدرته و حوزة سلطنته لم تفوّض لغیره، ولأجل ذلک یذکر فی سورة یونس بعد هذه الجملۀ قوله:
(یدبِّر الأمر ما من شفیع إلاّ من بعد إذنه) معرباً عن أنّه المدبِّر لأمر الخلقۀ، وذلک لاستیلائه علی عرش ملکه. فمن استولی علی عرش
ملکه یقوم بتدبیره، ومن ثلّ عرشه أو زال ملکه أو انقطع عنه لا یقدر علی التدبیر. کما أنّه سبحانه یذکر بعد هذه الجملۀ فی سورة
الأعراف کیفیّۀ التدبیر و یقولِ >>: یُغْشِی الَّیْلَ النَّهَارَ یَطْلُبُهُ حَثِیثاً وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرات بِأَمْرِهِ ألا لَهُ الخَلْقُ وَالَأمْرُ ) فهذه
الجمل تعابیر عن تدبیره صحیفۀ الکون. وکونه مصدراً لهذه التدبیرات الشامخۀ، دلیل علی أنّه مستول علی ملکه، مهیمن علیه، مسیطر
علی ما خلق ولم یخرج الکون عن حوزة قدرته، ومثله سائر الآیات الواردة فیها تلک الجملۀ، فإنّک تري أنّه جاء فی ضمن بیان فعل
الّذي هو أحد مراتبه. وأمّا إذا فسّرنا الاستواء بالجلوس والاستقرار، والعرش « التوحید فی التدبیر » من أفعاله سبحانه. ففیها دلالات علی
صفحۀ 138 من 196
بالکرسی الّذي یتربّع علیه الملوك، یکون المعنی غیر مرتبط بما ورد فی الآیۀ من المفاهیم، إذ أيّ مناسبۀ بین التربّع علی الکرسی
المادي والقیام بهذه التدابیر الرفیعۀ. فإن المصحِّح للتدبیر هو السیطرة والهیمنۀ علی الملک وهو لا یحتاج إلی التربّع والجلوس علی
الکرسی، بل یتوقّف علی سعۀ ملکه و نفوذ سلطته. وقد قام القاضی بتأویل الآیۀ بمثل ما ذکرنا-بعبارات قلیلۀ-وهو نموذج واضح
للتأویل المقبول. وإذا وقفت علی هذا المقیاس تقدر علی تمییز المقبول عن الزائف فی الصفات الخبریّۀ، وعلیک بالآیات الوارد فیها
الألفاظ التالیۀ: الوجه، العین، الساق، مجیئه سبحانه. وفی الأحادیث المرویّۀ عن طرق ضعاف ورد: الرجل، والقدم. فالمعتزلۀ بل العدلیّۀ
( عامّۀ یصفونه سبحانه بکلِّ ما وصف نفسه به. ولکنّ ( 335
الاختلاف فی تمییز المراد الجدّي عن الصّوري، والظاهر التصدیقی عن الظاهر الحرفی. فالمشبِّهۀ والأشاعرة مصّرون علی الأخذ بالأوّل
مع أنّ سیرة العقلاء العارفین بالکلام وأسالیب البلاغۀ علی الثانی. وعند ذلک لا تجد أيّ مخالفۀ بین العقل والنّقل الصحیح کالقرآن
الکریم. وأمّا الروایات فأکثرها إسرائیلیات دسّت فی الأحادیث الإسلامیّۀ من طریق الأحبار والرهبان و نقلها السذّج من أصحاب
الحدیث زاعمین أنّها حقائق راهنۀ یلزم الأخذ بها، وقد استوفینا الکلام فیها عند البحث عن عقائد أهل الحدیث. *** ج- نفی الرؤیۀ
الحسیۀ
هذه هی النقطۀ الثالثۀ الّتی ترکز علیها المعتزلۀ عند البحث عن التوحید، وقد عرفت أنّ التوحید رمز للتنزیه، أي تنزیهه سبحانه عن
شرح الاُصول » الجسم والجسمانیّات و أحکامها. وقد شغلت هذه المسألۀ بال المفسِّرین و المتکلِّمین وقد بحث عنها القاضی فی کتابیه
وممّا یجب نفیه عن الله تعالی الرؤیۀ، وهذه مسألۀ خلاف بین الناس، وفی » : علی وجه البسط. یقول القاضی « المغنی » و ،« الخمسۀ
الحقیقۀ الخلاف فی هذه المسألۀ إنّما یتحقّق بیننا وبین هؤلاء الأشاعرة الّذین لا یکیّفون الرؤیۀ. وأمّا المجسّمۀ فهم یسلِّمون أنّ الله
تعالی لو لم یکن جسماً لم صحّ أن یري، ونحن نسلِّم لهم أنّ الله تعالی لو کان جسماً لصحّ أن یري والکلام معهم فی هذه المسألۀ
وبما أنّا استوفینا دراسۀ أدلّۀ المجوّزین للرؤیۀ فی الجزء الثانی، فلنکتف فی المقام بدراسۀ أدلّۀ النافین علی وجه الإجمال. فنقول: .« لغو
استدلّت المعتزلۀ علی نفی الرؤیۀ بالأدلّۀ العقلیّۀ والسّمعیۀ. أمّا العقلیۀ، فهی ما أثبتها الحسّ والعلوم الطبیعیۀ من أنّ الرائی بالحاسّۀ لا
یري الشیء إلاّ إذا کان مقابلًا أو حاّلًا فی المقابل أو فی حکم المقابل. وقد ثبت أنّ الله تعالی لا یجوز أن یکون کذلک، لأنّ المقابلۀ
( من أحکام الأجسام والأعراض وهو سبحانه فوق الممکنات والمادّیات. ( 336
هذا ما استدلّ به القاضی تبعاً لمشایخه. ثمّ أجاب عمّا ربّما یتمسّک به المجوّز من أنّه یمکن أن نري القدیم تعالی بحاسّۀ سادسۀ من
دون الحاجۀ إلی المقابلۀ. وقال: إنّه لو جاز أن یري القدیم بحاسّۀ سادسۀ لجاز أن یذاق بحاسّۀ سابعۀ، وأن یلمس بحاسّۀ ثامنۀ، وأن
یشمّ بحاسّۀ تاسعۀ، ویسمع بحاسّۀ عاشرة. تعالی عن ذلک علوّاً کبیراً( 1). أقول: کان علی القاضی أن یعترض أیضاً بأنّ الرؤیۀ بحاسّۀ
سادسۀ مضافاً إلی أنّه رجم بالغیب، خروج عن الموضوع. وأمّا السمعیّۀ: فقد استدلّ القاضی بقوله تعالی: (لاتُدْرِکُهُ الأبْصَارُ وَ هُوَ
وجه الدّلالۀ فی الآیۀ هو ما قد ثبت من أنّ الإدراك إذا قرن بالبصر، لا » : یُدْرِكُ الأبْ َ ص ارَ وَ هُوَ اللَّطِیفُ الخَبِیر)(الأنعام/ 103 ). قال
یحتمل إلاّ الرؤیۀ. وثبت أنّه تعالی نفی عن نفسه إدراك البصر، ونجد فی ذلک تمدّحاً راجعاً إلی ذاته. وما کان نفیه تمدّحاً راجعاً
أدرکت ببصري » : إلی ذاته کان إثباته نقصاً، والنقائص غیر جائزة علی الله تعالی فی حال من الأحوال. ثمّ قال: فإن قیل: ألیس یقولون
فکیف یصحّ قولکم إنّ الادراك إذا قرن بالبصر لا یحتمل إلاّ الرؤیۀ؟ اُجیب بأنّ هذا لیس من اللّغۀ فی شیء، و إنّما « حرارة المیل
أقول: إنّ العرب فی هذا المجال تقول: .« اخترعه ابن أبی بشر الأشعري لیصحّح مذهبه به، إذ لم یرد فی کلامهم لا المنظوم ولا المنثور
والبصر لیس بآلۀ فی « مشیت برجلی و کتبت بقلمی » : علی أنّ الباء إنّما تدخل علی الآلۀ کقولهم « أحسست ببصري حرارة المیل »
إدراك الحرارة، بل یستوي فیه البصر والسّمع، فلو اُطلق البصر فلا یراد منه إلاّ العضو الحاسّ لا العضو الّذي یري به. ثمّ إنّ القاضی
. أفاض الکلام فی دلالۀ الآیۀ وردّ ما اُثیر حولها من الشبهات بوجه 1 . شرح الاُصول الخمسۀ: ص 248 253
( 337 )
صفحۀ 139 من 196
ممتاز، فمن أراد فلیرجع إلیه( 1). ومن لطیف ما أفاده فی المقام، هو الاجابۀ عن احتجاج المثبتین بما رووه عن النّبیّ صلَّی الله علیه و
2). فأجاب عن الاستدلال بوجوه: الأوّل: إنّ الأخذ بظاهر )« إنّکم سترون ربّکم یوم القیامۀ کما ترون القمر لیلۀ البدر » : آله و سلَّم قال
الخبر یستلزم أن نري الله سبحانه مثلما نري القمر، فإنّا لا نري القمر إلاّ مدوّراً عالیاً منوّراً، والله سبحانه أعلی من هذه الصفات. یلاحظ
علیه: أنّ وجه الشّبه هو الرؤیۀ الحسیّۀ الیقینیّۀ. فکما أنّ الإنسان لا یشکّ بعد ما رأي القمر أنّه رآه، فهکذا فیه سبحانه لاتمام
الخصوصیات. الثانی: أنّ هذا الخبر یروي عن قیس بن أبی حازم، عن جریر بن عبدالله البجلی، عن النّبیّ صلَّی الله علیه و آله و سلَّم.
منذ سمعت علیّاً علی منبر الکوفۀ یقول: انفروا » : وقیس هذا مطعون فیه من وجهین: أحدهما: أنّه کان یري رأي الخوارج. یروي أنّه قال
ومن دخل بغض أمیر المؤمنین علیه السلام قلبه فأقلّ أحواله أن لا یعتمد « إلی بقیّۀ الأحزاب یعنی النّهروان ، دخل بغضه علی قلبی
علی قوله، ولا یحتجّ بخبره. وثانیهما: قیل إنّه خولط فی عقله آخر عمره، والکتبۀ یکتبون عنه علی عادتهم فی حال عدم التّمییز، ولا
ندري أنّ هذا الخبر رواه وهو صحیح العقل أو مختلطه. الثالث: إن صحّ هذا الخبر فأکبر ما فیه أن یکون خبراً من أخبار الآحاد. وخبر
.( الواحد ممّا لا یقتضی العلم. ومسألتنا طریقها القطع والثبات. ثمّ إنّ هذا الخبر معارض بأخبار رویت. ثمّ ذکر بعض الأخبار( 3
2 . صحیح البخاري، کتاب المواقیت، الباب 16 ، الحدیث 26 ج 1 ص . 1 . شرح الاُصول الخمسۀ: ص 248 253
. 111 ، وباب الاذان وغیره. 3 . شرح الاُصول الخمسۀ: ص 269
( 338 )
الاجابۀ عن الشّبه الثلاث إنّ للمثبتین، شبهاً ثلاثاً أشبه ما تکون بشبهات الأحداث: الأولی:إنّ القدیم تعالی عندکم راء لذاته، فیجب أن
یري نفسه فیما لم یزل. وکلّ من قال إنّه یري نفسه، قال إنّه یراه غیره. یلاحظ علیه: أنّ الصغري والکبري ممنوعتان. فإن اُرید من رؤیته
لذاته حضور ذاته لذاته وعدم غیبوبتها عنها، فهو صحیح ولا صلۀ له بالرؤیۀ الحسّیّۀ، وإن اُرید الرؤیۀ بالبصر فالصغري ممنوعۀ. وأمّا
الکبري فزعم المستدلّ أنّ المسألۀ مسألۀ فقهیّۀ لا یصحّ التفکیک بینهما. الثانیۀ:إنّ مصحِّح الرؤیۀ هو الوجود، بدلیل أنّ الشیء متی
کان موجوداً کان مرئیاً. ومتی لم یکن کذلک لم یکن مرئیّاً. یلاحظ علیه: أنّ الوجود شرط الرؤیۀ لا العلّۀ التامّۀ. ولأجل ذلک لا یري
الإنسان الارادات والکراهات ولا غیر ذلک. فللرؤیۀ شرائط قد حقِّقت فی العلوم الطّبیعیۀ. الثالثۀ:إنّ إثبات الرؤیۀ للّه تعالی لا تؤدّي إلی
حدوثه، ولا إلی حدوث معنی فیه، ولا إلی تشبیهه بخلقه. وأجاب القاضی أنّ إثبات الرؤیۀ تؤدّي إلی تشبیهه بخلقه، لأنّ الشّیء إنّما
یري إذا کان مقابلًا، أو حالًا فی المقابل، وهذه من صفات الأجسام، فیجب أن یکون تعالی جسماً، وإذا کان جسماً یجب أن یکون
محدثاً ( 1). 1 . کان علی القاضی و غیره البحث عن حدوث کلامه سبحانه أو قدمه فی المقام، لأنّ نفی قدمه من
شئون توحیده، ولکنه غفل عن ذلک.
الأصل الثانی العدل