گروه نرم افزاری آسمان

صفحه اصلی
کتابخانه
شاهنامه فردوسی
جلد سوم
الأصل الخامس الأمر بالمعروف و النّهی عن







الأصل الخامس الأمر بالمعروف و النّهی عن المنکر
هذا هو الأصل الخامس من الأُصول الخمسۀ. والأُصول المتقدّمۀ تتعلّق بالنّظر والاعتقاد بخلافه، فهو بالعمل ألصق و علی هذا الأصل
بعث واصل بن عطاء و غیره دعاته إلی الأقطار المختلفۀ کما عرفته فی ترجمته. ویبحث فیه عن المسائل التّالیۀ. 1 هل الأمر بالمعروف
والنّهی عن المنکر واجب أو لا؟ 2 هل وجوبهما سمعیّ أو عقلی؟ 3 ما هی شرائط وجوبهما؟ 4 هل وجوبهما عینی أو کفائی؟ 5
مراتب الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر. أمّا الأُولی، فقد ذکر القاضی أنّه لاخلاف بین الأُمّۀ فی وجوب الأمر بالمعروف والنّهی عن
هل ؟« من الإمامیّۀ » المنکر إلاّ ما یحکی عن شرذمۀ من الإمامیّۀ لا یقع بهم و بکلامهم اعتداد( 1). یلاحظ علیه: أنّه ماذا یرید من قوله
کلمۀ من تبعیضیّۀ أو بیانیّۀ؟ فإن کان الأوّل کما هو الظّاهر، فلا نعرف تلک الشّرذمۀ من الإمامیّۀ، فإنّهم عن بکرة أبیهم مقتفون للکتاب
. والسنّۀ، وصریح الکتاب و أحادیث العترة الطّاهرة علی 1 . شرح الاصول الخمسۀ: ص 741
( 427 )
وجوبهما. فمن أراد فلیرجع إلی جوامعهم الحدیثیّۀ( 1). ونکتفی بروایۀ واحدة من عشرات الرّوایات. روي جابربن عبدالله الأنصاري عن
إنّ الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر سبیل الأنبیاء و منهاج الصلحاء، فریضۀ عظیمۀ بها تقام » : أبی جعفر الباقر علیه السلام أنّه قال
2). وإن کان )« الفرائض و تؤمن المذاهب، وتحلّ المکاسب، وتردّ المظالم، و تعمّر الأرض، و ینتصف من الأعداء، و یستقیم الأمر
الثّانی، فهو غیر صحیح. وهذه کتب الإمامیّۀ فی الکلام والتّفسیر والفقه مشحونۀ بالبحث عن فروع المسألۀ بعد تسلیم و جوبهما. قال
إنّ الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر باللّسان فرض علی الکفایۀ بشرط الحاجۀ إلیه، لقیام الحجّۀ علی من لا » :( الشّیخ المفید (م 413 ه
3). وهذا المحقّق الطّوسی نصیر الدّین (م 672 ه) یقول فی )« علم لدیه إلاّ بذکره أو حصول العلم بالمصلحۀ به أو غلبۀ الظّنّ بذلک
4). نعم، بعض مراتب الأمر بالمعروف )« والأمر بالمعروف واجب، وکذا النّهی عن المنکر. وبالمندوب مندوب » :« تجرید الاعتقاد »
کالجهاد الابتدائی مع العدوّ الکافر مشروط بوجود الإمام العادل. قال الإمام علیّ بن موسی الرّضا علیه السلام فی کتابه إلی المأمون:
5). وقد استظهر بعض الفقهاء من هذا الحدیث و )« والجهاد واجب مع إمام عادل، ومن قاتل فقتل دون ماله ورحله و نفسه فهو شهید »
غیره أنّ المراد هو الإمام المعصوم المنصوص علی ولایته من جانب الله سبحانه بواسطۀ النّبی. غیر أنّ فی دلالۀ الرّوایات علی هذا
الشرط نوع خفاء، بل عموم ولایۀ الفقیه فی زمان الغیبۀ کاف فی تسویغ ذلک 1 . لاحظ: وسائل الشیعۀ، ج 11 ، الباب
. 4 . 2 . المصدر السابق، الحدیث السابع. 3 . أوائل المقالات: ص 98 . الأول من أبواب الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، ص 393
. کشف المراد: ص 271 ، ط صیدا. 5 . الوسائل: ج 11 ، الباب الثانی عشر من أبواب جهاد العدو، الحدیث 10
صفحۀ 176 من 196
( 428 )
للفقیه الجامع للشّرائط( 1). وأمّا سائر مراتب الأمر بالمعروف من الإنکار بالقلب و التّذکیر باللّفظ والعمل بالید فسیأتی البحث عنه فی
السّمع » : المسألۀ الخامسۀ. نعم، کان علی القاضی أن یذکر خلاف الحنابلۀ و الأشاعرة فی مجابهۀ الظّالمومکافحته. قال إمام الحنابلۀ
ولا نري الخروج علی أئمّتنا ولاة أمرنا، وإن » : وقال الشیخ أبو جعفر الطّحاوي الحنفی .« والطّاعۀ للأئمّۀ و أمیر المؤمنین البرّ و الفاجر
2). وهؤلاء )« جاروا، ولا ندعو علی أحد منهم، ولا ننزع یداً من طاعتهم، ونري طاعتهم من طاعات الله فریضۀ علینا ما لم یأمروا بمعصیۀ
.(3)« ومن أعظم الجهاد کلمۀ عدل عند سلطان جائر » : یرون إطاعۀ السّلطان الجائر، مع أنّ النّبی الأکرم صلَّی الله علیه و آله و سلَّم قال
إنّ النَاس إذا رأوا الظّالم فلم یأخذوا علی یدیه أوشک أن یعمّهم » : وروي أبوبکر أنّه سمع رسول الله صلَّی الله علیه و آله و سلَّم یقول
4). ومع ذلک کلّه فقد نسی القاضی أن ینسب عدم وجوب الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر إلی هذه الجماهیر، )« الله بعقاب منه
ونسبه إلی الإمامیّۀ وقد عرفت کیفیّۀ النسبۀ. والمسألۀ من الوضوح بمکان لا تحتاج معه إلی تکثیر المصادر. وامّا الثانیۀ، فقد ذهب أبو
بل لا یعلم عقلا إلاّ فی موضع واحد، وهو أن یري أحدنا غیره یظلم أحداً » : علیّ الجبّائی إلی أنّ ذلک یعلم عقلًا. وقال ابنه أبو هاشم
فیلحقه بذلک غمّ، فإنّه یجب علیه النّهی و دفعه، دفعاً لذلک الضرر الّذي لحقه من 1 . جواهر الکلام: ج 21 ، ص 13
2 . قد ذکرنا عبارات القوم فی وجوب طاعۀ السلطان الظالم فی الجزء الأول من کتابنا هذا. 3 . صحیح الترمذي، ج 4، کتاب . 14
. 4 . المصدر السابق، الباب 8، رقم الحدیث 2168 . الفتن، الباب 14 ، ص 471 ، رقم الحدیث 2174
( 429 )
1). یلاحظ علیه: أنّ أبا هاشم )« وهو الصّحیح من المذهب » : وقال القاضی « الغمّ عن نفسه. فإمّا فیما عدا هذا الموضع فلا یجب إلاّ شرعاً
یصوّر حیاة الفرد منقطعۀ عن سائر النّاس، فلأجل ذلک أخذ یستثنی صورة واحدة. ولو وقف علی کیفیّۀ حیاة الفرد فی المجتمع لحکم
علی الکلّ بحکم واحد، وذلک أنّ أعضاء المجتمع الواحد الّذین یعیشون فی بیئۀ واحدة مشترکون فی المصیر، فلو کان هناك خیر
لعمّ الجمیع ولم یقتصر علی فاعله، ولو کان هناك شرّ یشمل الجمیع أیضاً و لم یختصّ بمرتکبه، ومن هنا یجب أن تحدّد تصرّفات
الأفراد فی المجتمع و تحدّد حرّیاتهم بمصالح الأُمّۀ ولا تتخطّاها. ولأجل ذلک یشبّه النّبیُّ صلَّی الله علیه و آله و سلَّم وحدة المجتمع
برکّاب سفینۀ فی عرض البحر إذا تهدّدها خطر تهدّد الجمیع ولم یختصّ بأحد دون أحد. ولذلک لا یجوز لأحد رکّابها أن یثقب
موضع قدمه، بحجّۀ أنّه مکان یختصّ به ولا یرتبط بالآخرین، لأنّ ضرر هذا العمل یعود إلی الجمیع ولا یعود إلیه خاصّۀ. روي البخاري
مثل القائم علی حدود الله، والواقع فیها، کمثل قوم » : عن النّعمان بن بشیر أنّه قال: سمعت عن النّبی صلَّی الله علیه و آله و سلَّم قال
استهمّوا علی سفینۀ فأصاب بعضهم أعلاها و بعضهم أسفلها. فکان الّذین فی أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا علی من فوقهم فقالوا: لو
.(2)« أنّا خرقنا فی نصیبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا. فإن یترکوهم وما أرادوا، هلکوا جمیعاً و إن أخذوا علی أیدیهم نجوا و نجوا جمیعاً
إنّ المعصیۀ » : وروي الترمذي نظیره فی سننه کتاب الفتن: روي جعفر بن محمّد عن آبائه، عن رسول الله صلَّی الله علیه و آله و سلَّم
قال جعفر 1 . شرح الاصول « إذا عمل بها العبد سرّاً لم تضرّ إلاّ عاملها فإذا عمل علانیۀ ولم یغیّر علیه أضرّت بالعامّۀ
2 . صحیح البخاري: ج 3، باب هل یقرع فی القسمۀ والاستهام فیه، ص 139 . المطبوع علی النسخۀ الامیریۀ، ورواه . الخمسۀ: ص 742
. الجاحظ فی البیان والتبیین ج 2 ص 49
( 430 )
بن محمّد علیهما السلام : وذلک أنّه یذلُّ بعمله دین الله و یقتدي به أهل عداوة الله( 1) و بهذا یعرف قیمۀ کلام أبی هاشم حیث إنّه
نظر إلی حقیقۀ المجتمع بنظرة فردیّۀ، ولأجل ذلک لم یقل بوجوب الأمر بالمعروف عقلًا إلاّ فی مورد واحد وهو ما إذا عرضه الغمّ
من ظلم أحد أحداً، مع أنّه لو کان هذا هو الملاك لوجب فی کثیر من الموارد بنفس الملاك، غایۀ الأمر ربّما یکون الضّرر مشهوداً و
ربّما یکون مستوراً. ثمّ إنّ البحث عن وجوبه سمعیّاً أو عقلیّاً بحث کلامی لا صلۀ له بکتاب تاریخ العقائد، غیر أنّا إکمالًا للفائدة نأتی
صفحۀ 177 من 196
بنکتۀ وهی: أنّ الظاهر من القول بوجوب اللّطف هو أنّ وجوب الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر عقلیّ، وذلک لأنّ اللُّطف لیس إلاّ
تقریب العباد إلی الطّاعۀ و ابعادهم عن المعصیۀ، ومن أوضح ما یحقّق تلک الغایۀ هو الأمر بالمعروف بعامّۀ مراتبه. غیر أنّ المحقّق
وأوضحه شارح .« لو کانا واجبین عقلاً، لزم ما هو خلاف الواقع أو الاخلال بحکمته » : الطّوسی استشکل علی وجوبهما عقلاً وقال
إنّهما لو وجبا عقلًا لوجبا علی الله تعالی. فإنّ کلّ واجب عقلیّ یجب علی کلّ من حصل فی حقّه وجه » : کلامه العلّامۀ الحلّی وقال
الوجوب، ولو وجبا علیه تعالی لکان إمّا فاعلًا لهما، فکان یلزم وقوع المعروف قطعاً، لأنّه تعالی یحمل المکلّفین علیه، وانتفاء المنکر
قطعاً، لأنّه تعالی یمنع المکلّفین منه، وهذا خلاف ما هو الواقع فی الخارج. و إمّا غیر فاعل لهما فیکون مخلّا بالواجب وذلک محال
2). یلاحظ علیه: أنّ وجوبهما عقلًا لا یلازم وجوبهما علی الله سبحانه بعامّۀ مراتبه،لأنّه لو وجب علیه بعامّۀ )« لما ثبت من حکمته تعالی
مراتبه یلزم إخلال الغرض و إبطال التّکلیف. وهذا یصدّ العقل عن إیجابهما علی الله سبحانه فیما لو استلزم الإلجاء و الإخلال بالغرض،
2 . کشف المراد: ص 271 ، ط . 1 . الوسائل: ج 11 ، کتاب الجهاد، الباب 4 من أبواب الأمر بالمعروف، الحدیث 1
صیدا.
( 431 )
فیکتفی فیه بالتّبلیغ و الانذار و غیرهما ممّا لا ینافی حریّۀ المکلّف فی مجال التّکلیف. وإلی ذلک یشیر شیخنا الشّ هید الثانی بقوله:
لاستلزام القیام به علی هذا الوجه (من وجوبه قولاً و فعلاً) الالجاء الممتنع فی التّکلیف، ویجوز اختلاف الواجب باختلاف محالّه، »
.(1)« خصوصاً مع ظهور المانع، فیکون الواجب فی حقّه تعالی الانذار والتّخویف بالمخالفۀ لئلّا یبطل التّکلیف، والمفروض أنّه قد فعل
وأمّا الثّالثۀ، وهی شرائط وجوبهما، فقد فصِّل فیه الکلام المتکلّمون والفقهاء فقالوا: شرائط الأمر بالمعروف والنَّهی عن المنکر ثلاثۀ:
الأوّل: علم فاعلهما بالمعروف والمنکر. الثّانی: تجویز التّأثیر، فلو عرف أنّ أمره و نهیه لا یؤثّران لم یجبا. الثّالث: انتفاء المفسدة، فلو
عرف أو غلب علی ظنّه حصول مفسدة له أو لبعض إخوانه فی أمره و نهیه سقط وجوبهما دفعاً للضرر( 2). وهناك شروط أُخر لم
یذکرها العلّامۀ فی کلامه. منها: الرابع : تنجّز التّکلیف فی حقّ المأمور والمنهیّ، فلو کان مضطرّاً إلی أکل المیتۀ لا تکون الحرمۀ فی
حقّه منجّزة، فلا یکون فعله حراماً ولا منکراً، وإن کان فی حقّ الآمر والنّاهی منجّزاً. وعلی کلّ تقدیر فالشّرط الثّالث أي عدم المفسدة
شرط فی موارد خاصّۀ لا مطلقاً. فربّما یجب علی الآمر و النّاهی تحمّل المضرّة و عدم ترك الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر، کما
.( إذا کان ترکه لهما لغایۀ دفع المفسدة موجباً لخروج النّاس عن الدّین وتزلزلهم و غیر ذلک ممّا أوضحنا حاله فی أبحاثنا الفقهیّۀ( 3
وأمّا الرّابعۀ، وهی کون وجوبهما عینیّاً أو کفائیاً، فالأکثر علی أنّه کفائیّ، لأنّ 1 . الروضۀ البهیۀ: ج 1، کتاب الجهاد،
الفصل الخامس، ص 262 ، الطبعۀ الحجریۀ. 2 . کشف المراد: ص 271 ، ط صیدا. 3 . لاحظ: رسالتنا الفقهیۀ فی التقیۀ. فقد قلنا إنّ
التقیۀ ربّما تحرم إذا کان الفساد فی ترکها أوسع.
( 432 )
الغرض شرعاً وقوع المعروف وارتفاع المنکر، من غیر اعتبار مباشر معیّن، فإذا حصلا ارتفع الوجوب وهو معنی الکفائی. والاستدلال
علی کونه عینیّاً بالعمومات غیر کاف کما حقّق فی محلّه. وأمّا الخامسۀ، أعنی مراتبهما، فتبتدئ من القلب، ثمّ اللّسان، ثمّ الید و تنتهی
فانکروا بقلوبکم، والفظوا بألسنتکم، وصکّوا بها جباههم، ولا تخافوا فی الله » : باجراء الحدود و التّعزیرات. قال الباقر علیه السلام
1). وعلی هذا یصبح الأمر بالمعروف علی قسمین: قسم لا یحتاج إلی جهاز و قدرة، وهذا ما یرجع إلی عامّۀ الناس. وقسم )« لومۀ لائم
یحتاج إلی الجهاز والقوّة و یتوقّف علی صدور الحکم، وهذا یرجع إلی السّلطۀ التنفیذیّۀ القائمۀ بالدّولۀ الإسلامیّۀ بأرکانها الثّلاثۀ. وقد
بسط الفقهاء الکلام فی بیان مراتبهما. فمن لاحظ الروایات وکلمات الفقهاء یقف علی أنّ بعض المراتب واجب علی الکلّ والبعض
الآخر یجب علی أصحاب القوّة والسّلطۀ. إلی هنا تمّ البحث عن الأُصول الخمسۀ للمعتزلۀ، وبقی هنا بحوث نجعلها خاتمۀ المطاف.
. 1 . الوسائل: ج 11 ، کتاب الجهاد، الباب الثالث من أبواب الأمر بالمعروف، الحدیث 1
صفحۀ 178 من 196
( 433 )
خاتمۀ المطاف
خاتمۀ المطاف
الأوّل: تحلیل بعض ما رمی به مشایخ المعتزلۀ من الانحلال الأخلاقی، فإنّ فی ذلک توضیحاً للحقّ، بل دفاعاً عنه. الثانی: تبیین تاریخ
المعتزلۀ من حیث تدرّجهم من القدرة إلی ال ّ ض عف، وذلک بحث تاریخیّ یهمّنا من بعض الجهات، وسیظهر فی طیّات البحث. الثالث:
الآثار العلمیّۀ الباقیۀ من المعتزلۀ. 1 دفاع عن الحقّ
الاعتزال ظهر فی أوساط المسلمین بطابعه العقلی لتحقیق العقائد الإسلامیّۀ، ودعمها علی ضوء الدّلیل و البرهان. فکانوا یدافعون عنها
حسب طاقاتهم الفکریّۀ، یشهد بذلک حیاة مشایخهم و أئمّتهم و تلامیذهم. ولعلّ تصلّبهم فی المناظرة، وعدم السّ کوت فی مقابل
الملاحدة وأهل الکتاب من الیهود والنّصاري، لأجل عنایتهم بالأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر، حتّی صار ذلک أحد أُصولهم الّتی
بها یتمیّزون عن غیرهم، وقد عرفت نماذج من مناظراتهم مع المخالفین فلا نعید. ولم یکن دفاعهم عن الإسلام منحصراً بالمناقشات
اللّفظیۀ، بل کانوا یستعملون القوّة إذا أُتیح لهم ذلک. مثلاً: إنّ بشّار بن برد کان متّهماً بالالحاد، فهدّده واصل بالقتل، ولم یکتف
( بذلک حتّی نفاه من البصرة، فذهب إلی حرّان و بقی فیها إلی أن توفّی واصل ثمّ عاد إلی البصرة. ( 434
و فی ذلک یقول صفوان الأنصاري مخاطباً لبشّ ار: کأنّک غضبان علی الدّین کلّه * وطالب دخل لا یبیت علی حقد رجعت إلی
الأمصار من بعد واصل * وکنت شریراً فی التّهائم والنّجد( 1) ومن مظاهر دعمهم لأُصول العقائد الإسلامیّۀ و مکافحۀ التّجسیم والتّشبیه
هو أنّ واصل بن عطاء بعث تلامیذه إلی الأطراف و الأکناف لتبلیغ رسالۀ التّنزیه و رفض التّشبیه، وقد أتینا بأسماء المبعوثین فی
لواصل، کان فیها نیّف و ثلاثون « الألف مسألۀ فی الردّ علی المانویّۀ » ترجمته( 2). وروي عمر الباهلی أنّه قرأ الجزء الأوّل من کتاب
مسألۀ، وهو الّذي أوفد حفص بن سالم إلی خراسان، فناظر جهم بن صفوان و قطعه وجعله یرجع إلی القول الحقّ. وعلی ذلک درج
أصحاب واصل و تلامیذه من بعده( 3). وتبع واصلًا و عمرو بن عبید، أبو الهذیل العلّاف و قد قرأت فی ترجمته بعض مناظراته. ولا
وقد بعثه الرّشید إلی مناظرة السمنی، وهو یدلّ علی أنّ المعتزلۀ کانوا هم المتحمّسین « معمر بن عباد » تنس ما ذکرناه فی ترجمۀ
للمناظرة بین أهل السنّۀ، وأمّا غیرهم فلا یملکون فی مقام المناظرة سوي القول بأنّ البحث حرام. هذا هو القاضی عبد الجبّار قد قام فی
و کتاباً آخر فی نبوّة النّبیّ الأکرم صلَّی الله علیه « تنزیه القرآن عن المطاعن » وجوه الملحدین والشاکّین فی إعجاز القرآن، فألّف کتابه
بأنّه أعدّه « شرح الأُصول الخمسۀ » قال محقّق کتاب « تثبیت دلائل نبوّة سیّدنا محمّد صلَّی الله علیه و آله و سلَّم » و آله و سلَّم أسماه
. 2 . المنیۀ والامل: ص 20 ، ط توماارنلد. 3 . المنیۀ والامل: ص 21 . للطّبع. 1 . البیان والتبیین: ج 1، ص 25
( 435 )
ونحن إذا قرأنا فی حیاتهم هذه البطولات الفکریّۀ و العملیّۀ، یشکل علینا قبول ما نسبه إلیهم أعداؤهم من المجون و الانحلال
الأخلاقی. لا أقول إنّ کلّ عالم معتزلی، عادل لا یعصی ولا یخطأ، غیر أنّ الکلام فی أنّ تنزیه طائفۀ خاصّ ۀ کالحنابلۀ و الأشاعرة،
ورمی طائفۀ أُخري بضدّه، ممّا لا یؤیّده الإنصاف، فلو قلنا إنّما حکمهم حکم سائر الطوائف الإسلامیّۀ حیث فی کلّ طائفۀ ظالم لنفسه،
ومقتصد، وسابق بالخیر( 1) لکان أقرب إلی الواقع والحقیقۀ. ولأجل إیقاف القاريء علی بعض ما رمیت به تلک الطائفۀ نذکر مایلی:
ما زلت آخذ روح الزقّ فی لطف * و أستبیح دماً من غیر مجروح حتّی انثنیت ولی روحان فی جسد * و الزق منطرح جسم بلا
1 روي ابن قتیبۀ أنّ النّظام کان یغدو علی سکر و یروح علی سکر و یبیت علی حرائرها، ویدخل فی الأدناس و یرتکب ( روح( 2
للجاحظ، أنّ المأمون رکب یوماً فرأي ثمامۀ « المضاحک » الفواحش والشائنات، وله فی الشّراب شعر. 2 نقل البغدادي عن کتاب
3 وذکر .( سکران قد وقع علی الطّین، فقال المأمون له: ألا تستحیی؟ قال: لا والله. قال: علیک لعنۀ الله. قال ثمامۀ: تتري ثمّ تتري( 3
صفحۀ 179 من 196
أیضاً أنّ أبا هاشم الجبّائی کان أفسق أهل زمانه و کان مصرّاً علی شرب الخمر وقیل: إنّه مات فی سکره حتّی قال فیه بعض المرجئۀ:
( یعیب القول بالإرجاء حتّی * یري بعض الرجاء من الجرائر وأعظم من ذوي الارجاء جرماً * وعیديّ أصرّ علی الکبائر( 4
2 . تأویل مختلف .( 1 . اقتباس من قوله سبحانه : (فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخیرات)(فاطر / 32
. 4 . المصدر السابق: ص 191 . 3 . الفرق بین الفرق: ص 173 . الحدیث: ص 18
( 436 )
یلاحظ علیه: أنّ ابن قتیبۀ والبغدادي تفرّدا فی نقل هذه النّقول والنسب، وأمّا غیرهما من الأشاعرة فنزّهوا أقلامهم عن ذکرها، ولو
للبغدادي « الفرق بین الفرق » کانت لهذه النّسب مسحۀ من الحقّ أو لمسۀ من ال ّ ص دق لما تورّعوا عن ذکرها، علی أنّ من سبر کتاب
یري فیه قسوة عجیبۀ فی حقّ الطّوائف الإسلامیّۀ لا سیّما المعتزلۀ. وعلی ذلک، فما أحسن قول القائل إذا تمثّل به فی حقّ هذه الطائفۀ:
حسدوا الفتی إذ لم ینالوا سعیه * فالکلّ أعداء له و خصوم کضرائر الحسناء قلن لوجهها * حسداً و بغیاً إنّه لدمیم( 1) (ربّنا اغفر لنا
ولإخواننا الّذین سَبَقُونا بالإیمان)(الحشر/ 10 ) المعتزلۀ من القوّة إلی الضّعف
إنّ فکرة الاعتزال کانت فکرة بدائیۀ، ونبتۀ غرسها واصل بن عطاء فی أوائل القرن الثّانی، وأخذت تتکامل عن طریق تلامیذه و بعض
زملائه کعمرو بن عبید. وقد کان له تأثیر فی بدء ظهورها إلی أن استطاع أن یستجلب إلیه بعض الخلفاء الأمویین المتأخّرین، کیزید
بن ولید بن عبدالملک (م 126 ه)، ومروان بن محمّد بن مروان آخر خلفائهم (م 132 ه)، حیث اشتهر أنّ الأخیر کان یقول بخلق
القرآن و نفی القدر( 2). ولمّا اندلعت نیران الثورات ضدّ الأمویین، وقضت علی خلافۀ تلک الطغمۀ الأثیمۀ، لمع نجم المعتزلۀ فی عصر
أبی جعفر المنصور ( 136 158 ه) وقد عرفت فی ترجمۀ عمرو بن عبید وجود الصلۀ الوثیقۀ بینه و بین المنصور. ولمّا هلک المنصور،
أخذ المهدي ابنه زمام الحکم، ولم یر للمعتزلۀ فی زمنه أيّ نشاط یذکر، خصوصاً أنّ المهدي کان شدیداً علی أصحاب الأهواء،
. حسب ما یقولون. 1 . الشعر لأبی الأسود الدؤلی صاحب الامام أمیر المؤمنین علیه السلام راجع ملحق دیوانه. 2
وکان مروان یلقب بالحمار، والجعدي لأنّه تعلم من الجعد بن درهم مذهبه فی القول بخلق » : الکامل لابن الاثیر: ج 4، ص 332 قال
القرآن والقدر وغیر ذلک.
( 437 )
روي الکشّی عن محمّد بن عیسی بن عبید، عن یونس، عن هشام ... أنّه لمّا کان أیّام المهدي، شدّد علی أصحاب الأهواء، وکتب له
قد سمعت الکتاب یقرأ علی النّاس علی باب الذّهب » : ابن المفضّل صنوف الفرق، صنفاً صنفاً، ثمّ قرأ الکتاب علی النّاس، فقال یونس
1). وبما أنّ أهل الحدیث کانوا یشکّلون الأکثریّۀ الساحقۀ، فیکون المراد من أصحاب الأهواء )« بالمدینۀ، مرّة أُخري بمدینۀ الوضّاح
الّذین شدّد علیهم المهدي، غیرهم من سائر الفرق فیعمّ المعتزلۀ و المرجئۀ والمحکّمۀ والشیعۀ و غیرهم. ولأجل ذلک لم یر أيّ نشاط
للمعتزلۀ أیّامه، حتّی مضی المهديُّ لسبیله، و جاء عصر الرّشید ( 170 193 ه) فیحکی التّاریخ عن وجود نشاط لهم فی أیّامه، حتّی انّه
وکان » : لم یوجد فی عصره من یجادل السمنیۀ غیرهم( 2) ومع ذلک لم یکن الرّشید یفسح المجال للمتکلّمین. یقول ابن المرتضی
3). نعم ابتسم الدّهر للمعتزلۀ أیّام المأمون، لأنّه کان متعطّشاً إلی العلم و التعقّل، )« الرّشید نهی عن الکلام، وأمر بحبس المتکلّمین
وفی هذه السّنۀ » : والبحث والجدال، فنري فی عصره أنّ رجال المعتزلۀ یتّصلون ببلاطه، وکان لهم تأثیر کبیر فی نفسیّته. یقول الطّبري
212 ه) أظهر المأمون القول بخلق القرآن وتفضیل علیّ بن أبی طالب علیه السلام وقال: هو أفضل النّاس بعد رسول الله صلَّی الله )
علیه و آله و سلَّم وذلک فی شهر ربیع الأوّل( 4) و لمّا استفحلت دعوة المحدّثین إلی قدم القرآن و اشتدّ أمرهم کتب المأمون عام
218 ه) إلی إسحاق بن إبراهیم فی امتحان القضاة و المحدّثین، 1 . رجال الکشی: ترجمۀ هشام بن الحکم، الرقم )
131 ، ص 227 . ولعل هذا الکتاب أوّل کتاب أُلِّف فی الملل والنحل بین المسلمین. 2 . لاحظ: طبقات المعتزلۀ، لابن المرتضی، ص
. 4 . تاریخ الطبري: ج 7، ص 188 ، حوادث سنۀ 212 . 3 . طبقات المعتزلۀ، لابن المرتضی، ص 56 .55
صفحۀ 180 من 196
( 438 )
وممّا جاء فی تلک الرسالۀ: فاجمع من بحضرتک من القضاة، و اقرأ علیهم کتاب أمیر المؤمنین هذا إلیک، فابدأ بامتحانهم فیما
یقولون، و تکشیفهم عمّا یعتقدون فی خلق الله القرآن و إحداثه، وأعلمهم أنّ أمیر ألمؤمنین غیر مستعین فی عمله، ولا واثق فیما قلّده
الله و استحفظه من أُمور رعیّته، بمن لا یوثق بدینه و خلوص توحیده و یقینه، فإذا أقرّوا بذلک و وافقوا أمیر المؤمنین فیه، وکانوا علی
سبیل الهدي والنّجاة، فمرهم بنصّ من یحضرهم من الشّهود علی الناس، ومسألتهم عن علمهم فی القرآن، و ترك إثبات شهادة من لم
یقرّ أنّه مخلوق محدث ولم یره، والامتناع من توقیعها عنده، واکتب إلی أمیر المؤمنین بما یأتیک عن قضاة أهل عملک فی مسألتهم و
الأمر لهم بمثل ذلک. ثمّ أشرف علیهم و تفقّد آثارهم حتّی لا تنفذ أحکام الله إلاّ بشهادة أهل البصائر فی الدّین و الإخلاص للتّوحید
1). رسالۀ ثانیۀ من المأمون فی )«( و اکتب إلی أمیر المؤمنین بما یکون فی ذلک إن شاء الله، و کتب فی شهر ربیع الأوّل سنۀ ( 218 ه
إشخاص سبعۀ نفر إلیه
ثمّ إنّ المأمون کتب إلی إسحاق بن إبراهیم رئیس الشرطۀ فی بغداد أن یشخص إلیه سبعۀ نفر من المحدّثین. منهم: 1 محمّد بن
سعد کاتب الواقدي 2 أبو مسلم، مستملی یزید بن هارون 3یحیی بن معین 4 زهیر بن حرب أبو خثیمۀ 5 إسماعیل بن داود 6
إسماعیل بن أبی مسعود 7 أحمد بن الدورقی، فامتحنهم المأمون و سألهم عن خلق القرآن، فأجابوا جمیعاً أنّ القرآن مخلوق
فأشخصهم إلی مدینۀ السّلام و أحضرهم إسحاق بن إبراهیم دارَه فشهّر أمرهم و قولهم بحضرة الفقهاء و المشایخ من أهل الحدیث،
. فأقرّوا بمثل ما 1 . تاریخ الطبري: ج 7 ص 197 ، حوادث سنۀ 218
( 439 )
أجابوا به المأمون فخلّی سبیلهم. فقد فعل ذلک إسحاق بن إبراهیم بأمر المأمون. رسالۀ ثالثۀ للمأمون إلی إسحاق بن إبراهیم
وممّا بیّنه أمیر المؤمنین برویّته و طالعه بفکره، » : ثمّ إنّ المأمون کتب بعد ذلک إلی إسحاق بن إبراهیم رسالۀ مف ّ ص لۀ و ممّا جاء فیه
فتبیّن عظیم خطره و جلیل ما یرجع فی الدّین من وکفه و ضرره، ما ینال المسلمون بینهم من القول فی القرآن الّذي جعله الله إماماً
لهم. و أثراً من رسول الله و صفیّه محمّد صلّی الله علیه و آله باقیاً لهم و اشتباهه علی کثیر منهم حتّی حسن عندهم و تزیّن فی
عقولهم أن لا یکون مخلوقاً، فتعرّضوا لذلک لدفع خلق الله الّذي بان به عن خلقه، و تفرّد بجلالته من ابتداع الأشیاء کلّها بحکمته،
وأنشأها بقدرته، والتقدّم علیها بأوّلیّته الّتی لا یبلغ أولاها ولا یدرك مداها، وکان کلّ شیء دونه خلقاً من خلقه و حدثاً هو المحدِث
له، وإن کان القرآن ناطقاً به ودالاً علیه و قاطعاً للاختلاف فیه وضاهوا به قول النّصاري فی ادّعائهم فی عیسی بن مریم أنّه لیس
بمخلوق إذ کان کلمۀ الله. والله عزّوجلّ یقول: (إنّا جعلناه قرآناً عربیّاً) و تأویل ذلک أنّا خلقناه کما قال جلّ جلاله: (وجَعَلَ مِنْها
زَوْجَها لِیَسکنَ إلیها) وقال: (وجَعَلْنا اللّیلَ لباساً و جَعَلْنا النّهارَ معاشاً)و (جَعَلْنا مِنَ الماءِ کلّ شیء حیّ) فسوّي عزّ وجلّ بین القرآن وبین
هذه الخلائق الّتی ذکرها فی شیۀ ال ّ ص نعۀ و أخبر أنّه جاعله وحده فقال: (إنّه لقرآنٌ مجیدٌ* فی لوح محفوظ) فقال ذلک علی إحاطۀ
اللّوح بالقرآن ولا یحاط إلاّ بمخلوق، وقال لنبیّه : (لا تُحرِّك بِهِ لِسانَکَ لِتَعْجَلَ بِهِ) وقال: (مَا یَأتِیهم مِن ذِکْر مِن ربِّهِم مُحْ دَث) و قال:
(ومَن أَظْلَمُ ممّنِ افتري علی اللّهِ کذباً أو کذَّب بآیاتِه) و أخبر عن قوم ذمّهم بکذبهم أنّهم قالوا ما أنزل الله علی بشر من شیء، ثمّ
( أکذبهم علی لسان رسوله فقال لرسوله: (قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الکتابَ الّذي جاءَ بهِ موسی)فسمّی الله تعالی القرآن قرآناً ( 440
و ذکراً و إیماناً و نوراً و هديً و مبارکاً و عربیاً و قصصاً فقال: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَیْکَ أَحْسَنَ القُ َ صصِ بِما أَوْحَیْنا إِلیکَ هذا القرآن) و
قال: (قُلْ لِئنِ اجْتَمَعَت الإنْسُ و الجنُّ علی أَن یأْتُوا بِمِثلِ هذا القرآن لا یأَتُونَ بمثلهِ) و قال: (قُلْ فَأْتُوا بعشرِ سِوَر مَثْلهُ مُفْتَریات) وقال:
(لا یَأْتیهِ الباطل مِنْ بَیْنَ یَدَیْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ)فجعل له أوّلًا و آخراً، ودلّ علیه أنّه محدود مخلوق، وقد عظّم هؤلاء الجهلۀ بقولهم فی
القرآن الثلم فی دینهم والحرج فی أمانتهم، وسهّلوا السّبیل لعدوّ الإسلام، واعترفوا بالتّبدیل والالحاد علی قلوبهم حتّی عرّفوا و وصفوا
خلق الله و فعله بال ّ ص فۀ الّتی هی للّه وحده و شبّهوه به، والأشباه أولی بخلقه ولیس یري أمیر المؤمنین لمن قال بهذه المقالۀ حظّاً فی
صفحۀ 181 من 196
الدّین ولا نصیباً من الإیمان والیقین....إلی أن قال: فاقرأ علی جعفر بن عیسی وعبدالرحمن بن إسحاق القاضی کتابَ أمیر المؤمنین بما
کتب به إلیک و انصصهما عن علمهما فی القرآن و أعلمهما أنّ أمیرالمؤمنین لا یستعین علی شیء من أُمور المسلمین إلاّ بمن و ثق
بإخلاصه و توحیده، و أنّه لاتوحید لمن لم یقرّ بأنّ القرآن مخلوق. فإن قالا: بقول أمیرالمؤمنین فی ذلک فتقدّم إلیهما فی امتحان من
یحضر مجالسهما فی الشّ هادات علی الحقوق و نصّهم عن قولهم فی القرآن، فمن لمن یقل منهم إنّه مخلوق أبطلا شهادته ولم یقطعا
حکماً بقوله و إن ثبت عفافه بالقصد والسّداد فی أمره، وافعل ذلک بمن فی سائر عملک من القضاة و أشرف علیهم إشرافاً یزید الله به
1). دعوة )« ذا البصیرة فی بصیرته و یمنع المرتاب من إغفال دینه واکتب إلی أمیر المؤمنین بما یکون منک فی ذلک إن شاء الله
المحدّثین والقضاة لسماع کتاب الخلیفۀ
ولما جاءت الرسالۀ الثالثۀ إلی إسحاق بن إبراهیم، أحضر لفیفاً من المحدّثین منهم 1 أبو حسّان الزیادي، 2 وبشر بن ولید الکندي، 3
. وعلیّ بن أبی مقاتل، 1 . تاریخ الطبري: ج 7، ص 198 و 199 و 200 ، حوادث سنۀ 218
( 441 )
4والفضل بن غانم، 5 والذیال بن الهیثم، 6 وسجّادة، 7 والقواریري، 8 وأحمد بن حنبل، 9وقتیبۀ، 10 وسعدویه الواسطی، 11
وعلیّ بن الجعد، 12 وإسحاق بن أبی إسرائیل، 13 وابن الهرش، 14 وابن علیّۀ الأکبر، 15 ویحیی بن عبدالرحمان العمري، 16
وشیخاً آخر من ولد عمر بن الخطّاب، کان قاضی الرقّۀ، 17 وأبو نصر التمّار 18 وأبو معمر القطیعی، 19 ومحمّد بن حاتم بن میمون،
20 ومحمّدبن نوح المضروب، 21 وابن الفرخان، 22 والنّضر بن شمیل، 23 وابن علیّ بن عاصم، 24 وأبو العوام البزاز، 25 وابن
شجاع، 26 وعبدالرّحمان بن إسحاق. فقرأ علیهم رسالۀ المأمون مرّتین حتّی فهموه، ثمّ سأل کلّ واحد عن رأیه فی خلق القرآن. فنجد
فی الأجوبۀ عیّاً و غباوة، لا یتطلّبون الحقّ. و إلیک نصّ محاورة إسحاق مع بعض هؤلاء. 1 إسحاق بن إبراهیم، مخاطباً بشر بن الولید:
ما تقول فی القرآن؟ بشر: القرآن کلام الله. إسحاق: لم أسألک عن هذا، أمخلوق هو، قال الله: (خالق کلّ شیء) ما القرآن شیء؟ بشر:
هو شیء. إسحاق: فمخلوق ؟ بشر: لیس بخالق. إسحاق: لیس أسألک عن هذا، أمخلوق هو؟ بشر: ما أُحسن غیر ما قلتُ لک، وقد
استعهدت أمیر المؤمنین أن لا أتکلّم فیه، ولیس عندي غیر ما قلت لک. محاورته مع علیّ بن أبی مقاتل
( إسحاق بن إبراهیم: القرآن مخلوق؟ ( 442
علیّ بن أبی مقاتل: القرآن کلام الله. إسحاق: لم أسألک عن هذا. ابن أبی مقاتل: هو کلام الله. محاورته مع أبی حسّان الزیادي
إسحاق: القرآن مخلوق هو؟ أبو حسّ ان: القرآن کلام الله، والله خالق کلّ شیء، وما دون الله مخلوق، وأمیر المؤمنین إمامنا و بسببه
سمعنا عامّۀ العلم، وقد سمع ما لم نسمع، وعلم ما لم نعلم، وقد قلّده الله أمرنا، فصار یقیم حجّنا وصلاتنا و نؤدّي إلیه زکاة أموالنا،
ونجاهد معه، ونري إمامته إمامۀ، وإن أمرنا ائتمرنا، وإن نهانا انتهینا، وإن دعانا أجبنا. إسحاق: القرآن مخلوق هو؟ أبو حسّان: (أعاد
کلامه السابق). إسحاق: إنّ هذه مقالۀ أمیر المؤمنین. أبو حسّان: قد تکون مقالۀ أمیر المؤمنین و لا یأمر بها الناس ولا یدعوهم إلیها،
وإن أخبرتنی أنّ أمیر المؤمنین أمرك أن أقول، قلت ما أمرتنی به، فإنّک الثقۀ المأمون علیه فیما أبلغتنی عنه من شیء فإن أبلغتنی عنه
علی بن أبی مقاتل: قد یکون قوله کاختلاف أصحاب رسول الله صلَّی الله » بشیء صرت إلیه. إسحاق: ما أمرنی أن أبلغک شیئاً. قال
أبو حسّان: ما عندي إلاّ السّمع والطاعۀ، فمرنی أئتمر. إسحاق: ما .« علیه و آله و سلَّم فی الفرائض و المواریث، ولم یحملوا النّاس علیها
( أمرنی أن آمرك و إنّما أمرنی أن أمتحنک. محاورته مع أحمد حنبل إسحاق: ما تقول فی القرآن؟ ( 443
أحمد: هو کلام الله. إسحاق: أمخلوق هو؟ أحمد: هو کلام الله، لا أزید علیها. إسحاق: (قرأ علیه رقعۀ و فیها: أشهد أن لا إله إلاّ الله
أحداً فرداً لم یکن قبله شیء ولا بعده شیء، ولا یشبهه شیء من خلقه فی معنی من المعانی ولا وجه من الوجوه). فلمّا أتی إسحاق
لا یشبهه شیء، من خلقه فی معنی من المعانی ولا وجه من » : 1)، وأمسک عن قوله )« لیس کمثله شیء وهو السّمیع البصیر » : إلی قوله
فاعترض علیه ابن البکاء الأصغر( 2) فقال: أصلحک الله، إنّه (أحمد) یقول: سمیع من اذن، بصیر من عین. فقال إسحاق: ما ،« الوجوه
صفحۀ 182 من 196
معنی قوله سمیع بصیر؟ أحمد: هو کما وصف نفسه. إسحاق: فما معناه؟ أحمد: لا أدري، هو کما وصف نفسه. ثمّ إنّ إسحاق دعا بهم
رجلاً رجلاً، کلّهم یقولون: القرآن کلام الله إلاّ هؤلاء النفر: قتیبۀ وعبید الله بن محمّد بن الحسن، وابن علیۀ الأکبر، وابن البکاء،
وعبدالمنعم بن إدریس، والمظفّر بن مرجا، ورجلاً ضریراً لیس من أهل الفقه ولا یعرف بشیء منه إلاّ أنّه دسّ فی ذلک الموضع،
ورجلًا من ولد عمر بن الخطّاب قاضی الرّقۀ، وابن الأحمر. فأمّا ابن البکاء الأکبر فإنّه قال: القرآن مجعول لقول الله تعالی: (إنّا جعلناه
قرآناً عربیّاً) والقرآن محدث لقوله: (ما یأتیهم من ذکر من ربّهم محدث). قال له إسحاق: فالمجعول مخلوق؟ قال: نعم.
2 . فی . من الرقعۀ التی نقلها ص 200 و لکن نقله ص 201 « لیس کمثله شیء وهو السمیع البصیر » : 1 . سقط قوله
والصحیح ما أثبتناه. « أصغر » المصدر
( 444 )
قال إسحاق: فالقرآن مخلوق؟ قال: لا أقول مخلوق، ولکنّه مجعول، فکتب مقالته. فلمّا فرغ من امتحان القوم و کتبت مقالاتهم رجلًا
رجلاً و وجّهت إلی المأمون، فمکث القوم تسعۀ أیّام ثمّ دعا بهم وقد ورد کتاب المأمون جواب کتاب إسحاق بن إبراهیم فی أمر
هؤلاء. الرسالۀ الرابعۀ للمأمون إلی إسحاق
أمّا بعد فقد بلغ أمیر المؤمنین کتابک، جوابَ کتابه کان إلیک فیما » : کتب المأمون فی جواب رسالته کتاباً مف ّ ص لًا نأخذ منها مایلی
ذهب إلیه متصنّعۀ أهل القبلۀ و ملتمسو الرِّئاسۀ فیما لیسوا له بأهل من أهل الملّۀ من القول فی القرآن و أمرك به أمیر المؤمنین من
ثمّ تکلّم المأمون فی حقِّ الممتنعین عن الاعتراف بکون القرآن مخلوقاً و الرِّسالۀ .« امتحانهم و تکشیف أحوالهم و إحلالهم محالّهم
مفصّلۀ( 1) والملفَت للنّظر فیها أمران: الأوّل: أمر المأمون رئیس الشّرطۀ بضرب عنق بشر بن الولید، وإبراهیم المهدي إذا لم یتوبا بعد
الاستتابۀ، وحمل الباقین موثّقین إلی عسکر أمیر المؤمنین و تسلیمهم إلی من یؤمن بتسلیمهم إلیه لین ّ ص هم أمیر المؤمنین، فإن لم
یرجعوا و یتوبوا حملهم جمیعاً علی السّیف. الثانی: تذکّر بعض أفعال الممتنعین بالاعتراف بخلق القرآن، بوجه یعرب أنّهم لم یکونوا
وأمّا الذیّال بن الهیثم فأعلمه أنّه کان فی الطّعام الّذي کان » : أهل صلاح و فلاح، بل کانوا من مقترفی المعاصی نقتطف منها مایلی
یسرقه فی الأنبار، وفیما یستوي علیه من أمر مدینۀ أمیر المؤمنین أبی العبّاس ما یشغله و أنّه لو کان مقتفیاً 1 . لاحظ
. 202 203 : تاریخ الطبري 7
( 445 )
آثار سلفه و سالکاً مناهجهم و مهتدیاً سبیلهم لما خرج إلی الشرّك بعد إیمانه. وأمّا أحمد بن حنبل و ما تکتب عنه فاعلمه أنّ أمیر
المؤمنین قد عرف فحوي تلک المقالۀ وسبیله فیها و استدلّ علی جهله و آفته بها. وأمّا الفضل بن غانم فأعلمه أنّه لم یخف علی أمیر
المؤمنین ما کان منه بمصر، وما اکتسب من الأموال فی أقلّ من سنۀ، وما شجر بینه و بین المطّلب بن عبدالله فی ذلک، فإنّه من کان
شأنُه شأنَه، وکانت رغبته فی الدّنیا و الدِّرهم رغبته فلیس بمستنکر أن یبیع إیمانه طمعاً فیهما و ایثاراً لعاجل نفعهما. وأمّا الزّیادي
فأعلمه أنّه کان منتحلًا، ولا أوّل دعیّ کان فی الإسلام خولف فیه حکم رسول الله وکان جدیراً أن یسلک مسلکه. وأمّا الفضل بن
الفرخان فأعلمه أنّه حاول بالقول الّذي قاله فی القرآن أخذ الودائع الّتی أودعها إیّاه عبدالرّحمان بن إسحاق و غیره تربّصاً بمن
استودعه و طمعاً فی الاستکثار لما صار فی یده ولا سبیل علیه عن تقادم عهده و تطاول الأیّام به. وأمّا محمد بن حاتم وابن نوح
والمعروف بأبی معمر فأعلمهم أنّهم مشاغیل بأکل الرّبا عن الوقوف علی التوحید، وإنّ أمیر المؤمنین لو لم یستحلّ محاربتهم فی الله
ومجاهدتهم إلا لإربائهم و ما نزل به کتاب الله فی أمثالهم لاستحلّ ذلک، فکیف بهم وقد جمعوا مع الإرباء شرکاً و صاروا للنصاري
ثمّ وقّع فی الوقیعۀ فی کلّ واحد من الممتنعین ما یشمئزّ القلم من نقله، فلو کانت تلک النّسب علی وجهها فویل لهم مما کسبت .« مثلًا
أیدیهم من عظائم المحرّمات و ما کسبت قلوبهم من الشِّرك ( 1). فلمّا وصل کتاب المأمون إلی إسحاق بن إبراهیم دعا القوم و قرأ
علیهم کتاب المأمون، فأجاب القوم الممتنعون کلّهم، واعترفوا بأنّ القرآن مخلوق إلاّ أربعۀ نفر منهم 1 . تاریخ
صفحۀ 183 من 196
. 203 204 / الطبري: 7
( 446 )
أحمد بن حنبل، وسجادة، والقواریري، ومحمّد بن نوح المضروب، فأمر بهم إسحاق بن إبراهیم فشدّوا فی الحدید. فلمّا کان من الغد
دعا بهم جمیعاً یساقون فی الحدید فأعاد علیهم المحنۀ فأجابه سجادة إلی أنّ القرآن مخلوق فأمر باطلاق قیده و خلّی سبیله وأصرّ
الآخرون علی قولهم. فلمّا کان من بعد الغد عاودهم أیضاً فأعاد علیهم القول، فأجاب القواریري إلی أنّ القرآن مخلوق فأمر بإطلاق
قیده و خلّی سبیله، و أصرّ أحمد بن حنبل و محمّد بن نوح علی قولهما ولم یرجعا فشدّا جمیعاً فی الحدید و وجِّها إلی طرسوس و
کتب معهما کتاباً بإشخاصهما. ثمّ لمّا اعترض علی الرّاجعین من عقیدتهم برّروا عملهم بعمل عمّار بن یاسر حیث أکره علی الشِّرك و
قلبه مطمئنّ بالإیمان( 1) و قد کُتب تأویلهم إلی المأمون، فلأجل ذلک ورد کتاب مأمون بأنّه قد فهم أمیر المؤمنین ما أجاب القوم
إلیه، وأنّ بشر بن الولید تأوّل الآیۀ الّتی أنزل الله تعالی فی عمّار بن یاسر وقد أخطأ التّأویل إنّما عنی الله عزّوجلّ بهذه الآیۀ من کان
معتقد الإیمان مظهر الشرك، فأمّا من کان معتقد الشِّرك مظهر الإیمان فلیس هذه له، فأشخصهم جمیعاً إلی طرسوس لیقیموا بها إلی
خروج أمیر المؤمنین من بلاد الرّوم. فأخذ إسحاق بن إبراهیم من القوم الکفلاء لیوافوا بالعسکر بطرسوس، فأشخص کلّ من ذکرنا
أسماءهم، فلمّا صاروا إلی الرّقۀ بلغتهم وفاة المأمون، فأمر بهم عنبسۀ بن إسحاق وهو والی الرقۀ إلی أن یصیروا إلی الرقۀ، ثمّ
أشخصهم إلی إسحاق بن إبراهیم بمدینۀ السّلام (بغداد) مع الرّسول المتوجّه بهم إلی أمیر المؤمنین، فسلّمهم إلیه فأمرهم إسحاق
بلزوم منازلهم ثمّ رخّص لهم ذلک فی الخروج( 2). وما ذکرناه هو خلاصۀ محنۀ أحمد و من کان علی فکرته فی زمن المأمون ولیس
2 . تاریخ الطبري: ج 7، ص 195 .( فیه 1 . إشارة الی قوله سبحانه (إلاّ من أکره وقلبه مطمئن بالایمان) (النمل / 106
إلی 206 بتلخیص منّا.
( 447 )
إلاّ إشخاص أحمد و محمّد بن نوح موثّقین فی الحدید إلی طرسوس و إشخاص غیرهما مطلقین، ولمّا بلغهم وفاة المأمون رجعوا من
وصار المأمون إلی دمشق سنۀ ( 218 ه) و امتحن » : الرقّۀ ولم یسیروا إلی طرسوس. هذا وقد ذکر القصّۀ الیعقوبی بصورة مختصرة و قال
النّاس فی العدل والتّوحید وکتب فی إشخاص الفقهاء من العراق و غیرها فامتحنهم فی خلق القرآن و أکفر من امتنع أن یقول :
1). هذا تفصیل المحنۀ أیّام المأمون، وأمّا ما وقع فی )« القرآن غیر مخلوق، وکتب أن لا تقبل شهادته، فقال کلّ بذلک إلاّ نفراً یسیراً
أیّام الخلیفتین: المعتصم والواثق، فسیوافیک بیانه بعد تعلیقتنا. تعلیق علی محنۀ خلق القرآن
إنّ هنا أُموراً لا بدّ من الإلفات إلیها: 1 لم یظهر من کتب الخلیفۀ إلی صاحب الشّرطۀ وجه إصراره علی أخذ الاعتراف من المحدِّثین
بخلق القرآن. فهل کان الحافز إخلاصه للتوحید، وصموده أمام الشِّرك، أو کان هناك مرمی آخر لإثارة هذه المباحث، حتّی ینصرف
المفکِّرون بسبب الاشتغال بهذه المباحث عن نقد أفعالهم و انحرافاتهم، وبالتّالی إیقاف الثّورة أو إضمارها. فإنّ القلوب إذا اشتغلت
بشیء، منعت عن الاشتغال بشیء آخر. 2 لو کانت الرِّسالۀ مکتوبۀ بید الخلیفۀ أو باملائه، فهی تحکی عن عمق تفکیره فی المباحث
الکلامیّۀ، وإحاطته بأکثر الایات وقد جاء فی المقام بأسدِّ الدّلائل و أتقنها، حیث استدلّ تارة بتعلّق الجعل بالقرآن، وأُخري باحاطۀ
. و رابعۀ بتوصیفه بصفات کلّها صفات 1 ،« محدث » اللّوح المحفوظ به، ولا یحاط إلاّ بمخلوق، وثالثۀ بتوصیفه ب
تاریخ الیعقوبی: ج 2، ص 468 ، ط دار صادر.
( 448 )
المخلوق من تعلّق النّزول به ونهی النّبی عن العجلۀ بقراءته، والدّعوة إلی الاتیان بمثله، وأنّ له أماماً و خلفاً، إلی غیر ذلک. 3 إنّ
إنّ القائلین بقدم القرآن یضاهئون قول » : الرِّسالۀ کشفت القناع عن السّبب الّذي أدخل هذه المسألۀ فی أوساط المسلمین، وقال
وهو یعرب عن أنّ الفکرة دخلت إلی أوساط المسلمین بسبب احتکاك المسلمین ،« النّصاري فی أنّ المسیح کلمۀ ولیس بمخلوق
صفحۀ 184 من 196
بهم. وما یقال من أنّ الیهود هم المصدر لدخول هذه الفکرة بینهم غیر تامّ والمأمون أعرف بمصدر هذه الفکرة. 4 لو صحّ ما ذکره
الطّبري من صورة المحاورة الّتی دارت بین رئیس الشّرطۀ والمحدِّثین، فإنّه یکشف عن جمود المجیبین و عیّهم فی الجواب، فإنّهم
اتّفقوا علی أنّ القرآن لیس بخالق، ولکنّهم امتنعوا عن الاعتراف بأنّه مخلوق، وبالتّالی جعلوا واسطۀ بین الخالق والمخلوق أو بین النّفی
والاثبات، وهو کما تري. ولو کان عذرهم فی عدم الاعتراف بأنّ القرآن مخلوق، هو الخوف من أن یکون هذا الاعتراف ذریعۀ
للملاحدة حتّی ینسبوا إلی المسلمین بأنّهم یقولون إنّ القرآن مخلوق أي مختلق و مزوّر أو مخلوق للبشر، فیمکن التخلّص منه
بالتّصریح بأنّه مخلوق لله سبحانه لاغیر، والله هو خالقه و جاعله لیس غیر. 5 لا شکّ أنّ عمل الخلیفۀ کان أشبه بعمل محاکم التّفتیش
فی القرون الوسطی حیث کان البابا والبطارقۀ والقساوسۀ، یتحرّون عقائد الناس لا سیّما المکتشفین أمثال غالیلو، وکان ذلک و صمۀ
عار علی حیاة الخلیفۀ و بالتّالی علی المعتزلۀ الّذین کان الخلیفۀ یلعب بحبالهم، ویلحقهم وزر أعماله، وما یترك فی المجتمع من ردّ
فعل سیّیء. ومن المعلوم أنّ أخذ الاعتراف بکون القرآن مخلوقاً فی جوّ رهیب، لا یوافق تعالیم المعتزلۀ، کما لا یوافق تعالیم الإسلام،
علی أنّه لا قیمۀ لهذا الاعتراف عند العقل و النّقل فکیف رضی القوم بهذا العمل. 6 العجب من تلوّن الخلیفۀ فی قضائه فی حقّ
( الممتنعین عن الاعتراف بخلق ( 449
القرآن، فیري أنّ بشر بن الولید، وإبراهیم المهدي مستحقّان لضرب العنق إذا استتیبا ولم یتوبا، والباقین مستحقّون للإشخاص إلی
عسکره، مع أنّ الجرم واحد، والکلّ کانوا محدِّثین فهماء، ولم یکن الأوّلان قائدي الشرك، والباقون مقتفیه. فلو کان القول بعدم خلق
القرآن أو قدمه موجباً للردّة والرجوع إلی الشرّك فالحکم الإلهی هو القتل وإلاّ فلا، وهذا یعرب عن أنّ جهاز القضاء کان أداة طیّعۀ
بأیدي الخلفاء، یستغلّونه حسب أهوائهم. 7 إنّ محنۀ القائلین بعدم خلق القرآن، تمّت فی زمن الخلیفۀ المأمون بالإشخاص والإبعاد
من دار السّلام إلی طرسوس. غیر أنّ التأریخ یذکر إشخاص اثنین موثّقین إلی عسکر الخلیفۀ، وإشخاص الباقین بلا قیود ولا ضرب ولا
قتل إلی الخلیفۀ. ولم یحدّث التاریخ هنا عن ضرب وقتل. ولکنّ المحنۀ لم تنته بموت المأمون، بل استمرّت فی خلافۀ أخیه المعتصم،
فالواثق ابنه ولکن بصورة سیّئۀ، حدث عنها التّاریخ. قضی المأمون نحبه وجاء بعده أخوه المعتصم ( 218 227 ه) فضیّق الأمر علی
وامتحن المعتصم أحمد بن حنبل فی خلق القرآن، فقال أحمد: أنا رجل علمت علماً ولم » : القائلین بعدم خلق القرآن. یقول الیعقوبی
أعلم فیه بهذا، فأحضر له الفقهاء و ناظره عبدالرّحمان بن إسحاق و غیره، فامتنع أن یقول إنّ القرآن مخلوق، فضرب عدّة سیاط. فقال
إسحاق بن إبراهیم: ولِّنی یا أمیر المؤمنین مناظرته فقال: شأنک به. إسحاق بن ابراهیم: هذا العلم الّذي علمته نزل به علیک ملک أو
( علمته من الرجال؟ ابن حنبل: علمته من الرِّجال. إسحاق: علمته شیئاً بعد شیء أو جملۀ؟ ابن حنبل: علمته شیئاً بعد شیء. ( 450
إسحاق: فبقی علیک شیء لم تعلمه؟ ابن حنبل: بقی علیّ. إسحاق: فهذا ممّا لم تعلمه وقد علّمکه أمیر المؤمنین. ابن حنبل: فإنّی أقول
بقول أمیر المؤمنین. إسحاق: فی خلق القرآن؟ ابن حنبل: فی خلق القرآن. فأشهد علیه وخلع علیه و أطلقه إلی منزله( 1). هذا ما کتبه
وفیها » : ذلک المؤرخ المتوفّی (عام 290 ه). وأمّا الطبري فلم یذکر فی حیاة المعتصم ما یرجع إلی مسألۀ خلق القرآن. وقال المسعودي
2). نعم ذکر الجزري فی کامله فی حوادث )« (سنۀ 219 ه) ضرب المعتصم أحمد بن حنبل ثمانیۀ وثلاثین سوطاً لیقول بخلق القرآن
وفیها أحضر المعتصم أحمد بن حنبل و امتحنه بالقرآن، فلم یجب إلی القول بخلقه، فأمر به فجلد جلداً عظیماً » : سنۀ ( 219 ه) و قال
3). وروي الجاحظ أنّه لم یکن فی مجلس الامتحان ضیق، ولا کانت حاله حالًا مؤیساً، )« حتّی غاب عقله و تقطّع جلده و حبس مقیّداً
ولا کان مثقّلًا بالحدید، ولا خلع قلبه بشدّة الوعید، ولقد کان ینازع بألین الکلام ویجیب بأغلظ الجواب و یرزنون و یخفّ و یحلمون
وقد تبیّن أنّ » : 4). هذا ولکن المتحیّزین إلی الحنابلۀ یذکرون المحنۀ بشکل فظیع. هذا أبو زهرة قد لخّص مقالهم بقوله )« و یطیش
2 . مروج . أحمد بن حنبل کان مقیّداً مسوقاً عند ما مات المأمون، فأُعید إلی 1 . تاریخ الیعقوبی: ج 2، ص 472
. 4 . الفصول المختارة علی هامش الکامل للمبرد: ج 2، ص 139 . 3 ط دار الاندلس. 3 . الکامل، ج 5، ص 233 / الذهب: 464
( 451 )
صفحۀ 185 من 196
السجن ببغداد حتّی یصدر فی شأنه أمر، ثمّ سیق إلی المعتصم و اتّخذت معه ذرایع الاغراء و الارهاب، فما أجدي فی حمله ترغیب و
لا ترهیب، فلمّا لم یجد القول رغباً و رهباً، نفّذوا الوعید فأخذوا یضربونه بالسیاط، المرّة بعد الأُخري، ولم یترك فی کلِّ مرّة حتّی
یغمی علیه و ینخس بالسیف فلا یحسّ. فتکرّر ذلک مع حبسه نحواً من ثمانیۀ وعشرین شهراً فلمّا استیأسوا منه و ثارت فی نفوسهم
.(1)« بعض نوازع الرّحمۀ أطلقوا سراحه وأعادوه إلی بیته وقد أثخنه الجراح و أثقله الضّرب المبرح المتوالی والالقاء فی غیابات السِّجن
للحافظ أبی الفرج عبدالرّحمان بن الجوزي ومن تبعه مثل « مناقب الامام أحمد بن حنبل » ولیس لما ذکره أبو زهرة مصدر سوي
2). والنّاظر فی هذین الکتابین یري تحیّزهما لأحمد بن حنبل و أنّهما یریدان نحت الفضائل له و )« البدایۀ و النهایۀ » الحافظ ابن کثیر فی
عند ما قصرت أیدیهما عنها لجأوا إلی المنامات، فلا یمکن الاعتماد علیهما فیما یرویان من التّفاصیل فی هذه المحنۀ. وقد عرفت
التضارب فی التاریخ بین قائل بأنّ أحمد رجع عن رأیه أثناء الضّرب کالیعقوبی، وقائل بأنّه بقی علی إنکاره. محنۀ خلق القرآن والواثق
قضی المعتصم نحبه و خلفه ابنه الواثق ( 223 227 ه)( 3) وکان للمعتزلۀ فی عصره قوّة و قدرة و نشاط و سیطرة. قال الیعقوبی:
وامتحن الواثق النّاس فی خلق القرآن فکتب إلی القضاة أن یفعلوا ذلک فی سائر البلدان و أن لا یجیزوا إلاّ شهادة من قال بالتوحید، »
2 . البدایۀ والنهایۀ، ج 10 ، ص . 4). 1 . ابن حنبل حیاته وعصره أبو زهرة، ص 65 )« فحبس بهذا السبب عالماً کثیراً
. 4 . تاریخ الیعقوبی: ج 2، ص 482 . 3 . البدایۀ والنهایۀ: ج 10 ، ص 297 . 230 الی 343
( 452 )
وأمر الواثق بامتحان الأساري الّذین فودوا من أسر الفرنج، بالقول بخلق القرآن و أنّ الله لا یري فی الآخرة، » : یقول الحافظ ابن کثیر
فمن أجاب إلی القول بخلق القرآن وأنّ الله لا یري فی الآخرة فودي و إلاّ ترك فی أیدي الکفّار. وهذه بدعۀ صلعاء، شنعاء، عمیاء،
1). ولکن تحیّز ابن کثیر للحنابلۀ و أصحاب القول بعدم خلق القرآن واضح )« صمّاء لا مستند لها من کتاب ولا سنّۀ ولا عقل صحیح
فی کتابه. فالاعتماد علی ما ینقل من المحنۀ فی حقِّ الحنابلۀ إن لم تؤیّده سائر الآثار مشکل، وبما أنّ فی الکتاب، مغالاة فی الفضائل،
إنّ مالک بن هیثم الخزاعی کان أحد » : و محاولۀ لجعله اسطورة فی التّأریخ بنقول مختلفۀ، نکتفی بما یذکره الطبري فی المقام. یقول
نقباء بنی العبّاس، وکان حفیده أحمد بن نصر بن مالک، یغشاه أصحاب الحدیث کیحیی بن معین و ابن الدورقی و ابن خیثمۀ، وکان
یظهر المباینۀ لمن یقول: القرآن مخلوق، مع منزلۀ أبیه من السّلطان فی دولۀ بنی العبّاس، ویبسط لسانه فیمن یقول ذلک مع غلظۀ
الواثق علی من یقول ذلک. فحرّك أصحاب الحدیث و کلّ من ینکر القول بخلق القرآن أحمد بن نصر و حملوه علی الحرکۀ لانکار
القول بخلق القرآن، والغایۀ من هذه الحرکۀ، الثورة فی بغداد علی الخلیفۀ الواثق، وخلعه من الخلافۀ، غیر أنّ هذه المحاولۀ فشلت
فأخذوا و حملوا إلی سامراء، الّتی کانت مقرّاً للواثق، فحضر القوم واجتمعوا عنده، فلمّا اُتی بأحمد بن نصر قال له: یاأحمد ما تقول فی
القرآن؟ قال: کلام الله، قال أفمخلوق هو؟ قال: هو کلام الله، قال:فما تقول فی ربِّک أتراه یوم القیامۀ؟ قال: یا أمیر المؤمنین جاءت
الآثار عن رسول الله أنّه قال: ترون ربّکم یوم القیامۀ کما ترون القمر لا تضامون فی رؤیته، فنحن علی الخبر. فقال الواثق لمن حوله: ما
. تقولون فیه؟ فقال عبدالرحمان بن إسحاق: یا أمیر 1 . البدایۀ والنهایۀ: ج 10 ، ص 307
( 453 )
المؤمنین هو حلال الدم. وقال ابن أبی دؤاد: یا أمیر المؤمنین، کافر یستتاب لعلّ به عاهۀ، أو تغیّر عقلیّ، فقال الواثق، إذا رأیتمونی قد
قمت إلیه فلا یقومنّ أحد معی، فإنّی أحتسب خطاي إلیه، ودعا بالصمصامۀ، سیف عمرو بن معدیکرب، فمشی إلیه وهو فی وسط
الدّار، ودعا بنطع فصیر فی وسطه حبل فشدّ رأسه، ومدّ الحبل، فضربه الواثق ضربۀ، فوقعت علی حبل العاتق، ثمّ ضربه أُخري علی
1). هذه خلاصۀ الق ّ ص ۀ. ومن المعلوم أنّ هذه القسوة من الخلیفۀ )« رأسه، ثمّ انتضی سیما الدمشقی سیفه، فضرب عنقه و حزّ رأسه
أمر الواثق بامتحان أهل الثّغور » : کانت مبرّرة عنده، لا لأجل قوله بخلق القرآن و رؤیۀ الله، بل لما قام به من الثّورة علیه. ویقول أیضاً
2). وقام الواثق بنفس العمل الّذي قام به أبوه )« فی القرآن، فقالوا بخلقه جمیعاً إلاّ أربعۀ نفر، فأمر الواثق بضرب أعناقهم إن لم یقولوه
صفحۀ 186 من 196
فی امتحان أسري المسلمین، فمن قال إنّ القرآن مخلوق فودي به، ومن أبی ذلک ترك فی أیدي الرّوم و أمر لطالب بخمسۀ آلاف
درهم، وأمر أن یعطوا جمیع من قال إنّ القرآن مخلوق ممن فودي به دیناراً لکلِّ إنسان من مال حمل معهم( 3). وکانت المحنۀ
مستمرّة، والضیق علی أصحاب القول بعدم خلق القرآن متواصلًا إلی أن وافاه الأجل ومات الواثق عام 232 . وقد اتّفقت کلمۀ أهل
السّیر علی أنّ الخلفاء کانوا یلعبون بحبال عدّة من المعتزلۀ الّذین کسبوا منزلۀ عظیمۀ لدي الخلفاء، وهم ثمامۀ بن أشرس و أحمد بن
أبی دؤاد الزیّات و غیرهم. وبموت الخلیفۀ و تسنّم ابنه المتوکّل علی الخلافۀ، غاب نجم المعتزلۀ و انحدروا من الأوج إلی الحضیض و
. 2 .329 ، من العزِّ إلی الذّلّۀ، وإلیک هذا القسم من التّاریخ. 1 . تاریخ الطبري: ج 7، حوادث سنۀ 231 ، ص 328
454 ) قصّۀ المحنۀ و خلافۀ المتوکّل ) . 3 . المصدر السابق: ص 332 . المصدر السابق: ص 331
قضی الواثق نحبه و قام مقامه المتوکّل و أمر الناس بترك النظر و البحث والجدال و ترك ما کانوا علیه فی أیّام الخلفاء الثلاث:
نهی المتوکِّل النّاس عن الکلام فی » : المأمون و المعتصم والواثق، وأمر شیخ المحدِّثین بالتحدیث و إظهار السنّۀ( 1). قال الیعقوبی
القرآن و أطلق من کان فی السّجون من أهل البلدان، ومن أخذ فی خلافۀ الواثق، فخلّاهم جمیعاً و کساهم، وکتب إلی الآفاق کتباً
2). هذه هی ال ّ ض ربۀ الأُولی الّتی وجّهها المتوکِّل إلی المعتزلۀ، وأقفل باب البحث والمناظرة الّذي کان )« ینهی عن المناظرة و الجدل
لصالح المعتزلۀ علی ضدِّ أهل الحدیث، حیث کان المعتزلۀ یتفوّقون علی خصمائهم فی مجال النِّقاش. ومع ذلک کلّه لم یکن ذلک
ضربۀ قاضیۀ لنظام الاعتزال، ولأجل ذلک لم یعزل أحمد بن دؤاد عن قضاء القضاة ولا عن مظالم العسکر، بل أبقاه علی منصبه إلی أن
فلمّا فلج أحمد بن أبی دؤاد فی » : عجز عن القیام بالعمل لإصابته بالفالج عام 233 و اختار بعده ولده محمّد بن أحمد. یقول الخطیب
3). ومن المعلوم أن )« جمادي الآخرة سنۀ 233 ... ولّی المتوکِّل ابنه محمّد بن أحمد أبا الولید القضاء و مظالم العسکر مکان أبیه
أحمد بن أبی دؤاد هو العامل المؤثِّر فی دعوة الخلفاء علی ضدِّ أهل الحدیث القائلین بقدم القرآن أو کونه غیر مخلوق. ویظهر من
ابن الجوزي فی کتاب مناقب الإمام أحمد أنّ المتوکِّل وجّه إلی المعتزلۀ ضربۀ ثانیۀ مؤثِّرة فی إبعادهم عن ساحۀ المساجد والمدارس
3 . تاریخ بغداد: . 2 . تاریخ الیعقوبی: ج 2، ص 484 485 . وإشخاص أهل الحدیث 1 . مروج الذهب: ج 4، ص 1
. ج 1، ص 298
( 455 )
فی سنۀ 234 أشخص المتوکِّل الفقهاء و المحدِّثین، وأمرهم أن یجلسوا للنّاس و أن یحدِّثوا بالأحادیث فیها » : ودعوتهم إلیها. یقول
الردّ علی المعتزلۀ والجهمیّۀ، وأن یحدِّثوا فی الرّؤیۀ، فجلس عثمان بن أبی شیبۀ فی مدینۀ المنصور، ووضع له منبر و اجتمع علیه نحو
1). والتّاریخ یعرب عن )« من ثلاثین ألفاً من الناس، وجلس أبوبکر بن أبی شیبۀ فی مسجد الرصافۀ و اجتمع علیه نحو من ثلاثین ألفاً
شدّة تفاقم أمر المعتزلۀ سنۀ بعد سنۀ وانجذاب المتوکِّل إلی أهل الحدیث، وتخطئۀ عمل أبیه الواثق، حیث إنّ أباه قتل بسیفه أحمد بن
نصر لأجل قوله بعدم خلق القرآن وصلبه و کانت جثّته باقیۀ علی ال ّ ص لیب إلی عام 237 ، ولکنّ المتوکِّل أمر بإنزال جثّته وهو نوع
وقد کان المتوکِّل لمّا أفضت إلیه الخلافۀ، نهی عن الجدال » : تخطئۀ لعمل أبیه أوّلًا، وإمضاء لمنهج أهل الحدیث ثانیاً. یقول الطبري
فی القرآن وغیره، ونفذت کتبه بذلک إلی الآفاق، وهمّ بإنزال أحمد بن نصر عن خشبته، فاجتمع الغوغاء و الرّعاع إلی موضع تلک
الخشبۀ و کثروا و تکلّموا، فبلغ ذلک المتوکّل، فوجّه إلیهم نصربن اللّیث، فأخذ منهم نحواً من عشرین رجلاً فضربهم و حبسهم،
وترك إنزال جثّۀ أحمد بن نصر من خشبته لما بلغه من تکثیر العامّۀ فی أمره، وبقی الّذین أُخِذوا بسببه فی الحبس حیناً ... فلمّا دفع
2). ومع ذلک لم )« بدنه إلی أولیائه فی الوقت الّذي ذکرت، حمله ابن أخیه موسی إلی (بغداد) وغسل ودفن و ضمّ رأسه إلی بدنه
وفی سنۀ 237 غضب المتوکِّل » : یکتف فی قطع جذور المعتزلۀ عن بلاطه و صار بصدد الانتقام من آل ابن أبی دؤاد. یقول الطبري
علی ابن أبی دؤاد و أمر بالتّوکیل علی ضیاع أحمد بن أبی دؤاد لخمس بقین من صفر، وحبس یوم السبت لثلاث خلون من شهر ربیع
. 2 . الأوّل ابنه أبا الولید محمّد بن أحمد بن أبی دؤاد فی دیوان الخراج 1 . مناقب الامام أحمد: ص 375 385
صفحۀ 187 من 196
. تاریخ الطبري: ج 7، حوادث سنۀ 237 ، ص 368 369
( 456 )
1). والظّاهر من الخطیب فی تاریخه أنّ عزل محمّد بن أحمد کان یوم )« وحبس إخوته عند عبید الله بن السريّ خلیفۀ صاحب الشرطۀ
الأربعاء بعشر بقین من صفر سنۀ 240 وصُ درت أمواله، ومات أبو الولید محمّد بن أحمد ببغداد فی ذي القعدة سنۀ 240 ومات أبوه
أحمد بعده بعشرین یوماً ( 2). ثمّ إنّ إبعاد المعتزلۀ عن ساحۀ القدرة فسح للشعب إظهار حقده و إبداء کامل غیظه فی مناسبات شتّی.
منها ما عرفت عند إنزال جثّۀ أحمد بن نصر، ومنها ما فعلوه فی تشییع جنازة أحمد بن حنبل، فقد شیّعه جماعۀ کثیرة و إن غالی ابن
وعن بعض الشهود أنّه مکث طول الأسبوع رجاء أن یصل إلی القبر فلم یتمکّن إلاّ بشقِّ » : الجوزي کما هو شأنه فی حقِّ إمامه وقال
3). وأخذ الشعراء یهجون المعتزلۀ. یقول شاعرهم: أفلت سعود نجومک ابن دؤاد * و بدتْ )« النّفس لکثرة ازدحام النّاس علیه
نحوسک فی جمیع إیاد فرحت بمصرعک البریّۀ کلّها * من کان منها موقتاً بمعاد کم من کریمۀ معشر أرملتَها * و محدِّث أوثقتَ
بالأقیادِ کم مجلس لله قد عطّلتَه * کیلا یحدّث فیه بالاسناد کم من مساجد قد منعتَ قضاتها * من أن یعدّل شاهد برشاد کم من
مصابیح لها أطفأتها * کیما تزلّ عن الطّریق الهادي( 4) وأخذ أهل الحدیث یجلسون فی المساجد و یروون الأحادیث ضدّ الاعتزال
.( ویکفّرون المعتزلۀ. سأل أحدهم أحمد بن حنبل عمّن یقول إنّ القرآن مخلوق، فقال: کافر. قال: فابن دؤاد؟ قال کافر بالله العظیم( 5
2 . تاریخ بغداد: ج 1، ص 298 ، ولاحظ الکامل لابن . 1 . تاریخ الطبري: ج 7، حوادث سنۀ 237 ، ص 367 368
5 . تاریخ بغداد: ج 3، ص . 4 . تاریخ بغداد: ج 4، ص 155 . 3 . مناقب الامام أحمد: ص 418 . الاثیر ج 5، حوادث سنۀ 240 ، ص 294
.285
( 457 )
عند ذلک شعرت المعتزلۀ بأنّ الظّروف قاسیۀ و أنّ السّلطۀ والأکثریّۀ الساحقۀ من أهل السنّۀ یریدون أن یقضوا علیهم و یشفوا غیظ
صدورهم منهم، ومع ذلک کلّه کانت عندهم طاقۀ یردّون بها عن أنفسهم الّتی رشقوا بها و یتمسّ کون بکلِّ طحلب وحشیش.فقام
فأثنی علیهم و عدّ فضائلهم وکان الکتاب من حیث الصیاغۀ والتعبیر « فضیلۀ المعتزلۀ » الجاحظ أحد أُدباء المعتزلۀ فألّف کتاباً باسم
بمکان توجّهت إلیه أبصار الخاصۀ والعامّۀ، و بالتّالی ظهر علیه ردّ أو ردود، أشهرها ما کتبه أحمد بن یحیی الراوندي (م 345 ه) الّذي
ولم یبرح زمان حتّی جاء أبو الحسین عبدالرحمن بن محمّد بن عثمان « فضیحۀ المعتزلۀ » کان من المعتزلۀ، ثمّ رجع عنهم فألّف کتابه
انتصر فیه للجاحظ علی ابن الرّاوندي والموجود من هذه الکتب الثّلاثۀ هو الأخیر. ثمّ إنّ ممّا أعان علی « الانتصار » الخیّاط فألّف
انقراضهم هو تشتّت مذاهبهم و فرقهم، فإنّ القوم تفرّقوا إلی مدرستین، مدرسۀ معتزلۀ بغداد و مدرسۀ معتزلۀ البصرة، ولم تکن حتّی
فی نفس کلِّ واحدة منهما وحدة فی التّفکیر، فصاروا فرقاً ینوف علی العشرین و عند ذلک بلغوا الی درجۀ من ال ّ ض عف والانحلال،
وإن کان ینجم بینهم رجال مفکّرون کأبی علیّ الجبائی (م 303 ه) و ولده أبی هاشم (م 321 ه). وجاءت الضّربۀ الأخیرة من جانب أبی
الحسن الأشعريّ الّذي کان ربیب أبی علیّ الجبّائی و تلمیذه، ورجوعه عن الاعتزال بالتحاقه بأهل الحدیث، فقد رقی فی البصرة یوم
من عرفنی فقد عرفنی، ومن لم یعرفنی فأنا اعرّفه بنفسی أنا فلان بن فلان، کنت أقول بخلق » : الجمعۀ کرسیّاً و نادي بأعلی صوته
.(1)« القرآن، وأنّ الله لا تراه الأبصار، وأنّ أفعال الشّرّ أنا أفعلها و أنا تائب مقلع، معتقد للردّ علی المعتزلۀ، مخرج لفضائحهم ومعایبهم
فقد کان لرجوع من کان من أکابر تلامیذ أبی علیّ الجبّائی أثر بارز فی النّفوس 1 . فهرس ابن الندیم، الفن الثالث
. من المقالۀ الخامسۀ ص 231 ، ووفیات الاعیان، ج 3، ص 275
( 458 )
وبذلک أخذ الدهر یقلب علیهم ظهر المجنّ، تقلّب لجّ ۀ البحر بالسفن المشحونۀ والفلک المصنوعۀ، بین بالغ إلی ساحل النّجاة و
هالک فی أمواج الدّهر. هذا هو القادر بالله أحد خلفاء العبّاسیین قام فی سنۀ ( 408 ه) بنفس العمل الّذي قامت به المعتزلۀ فی عصر
صفحۀ 188 من 196
وفی سنۀ ( 408 ه)، استتاب القادر بالله الخلیفۀ فقهاء المعتزلۀ فأظهروا الرّجوع و تبرّأوا من » : المعتصم والواثق. یقول الحافظ ابن کثیر
الاعتزال و الرفض والمقالات المخالفۀ للإسلام، وأخذت خطوطهم بذلک و أنّهم متی خالفوا أحلّ فیهم من النّکال والعقوبۀ ما یتّعظ
به أمثالهم، وامتثل محمود بن سبکتکین أمر أمیر المؤمنین فی ذلک واستنّ بسنّته فی أعماله الّتی استخلفه علیها من بلاد خراسان و
غیرها فی قتل المعتزلۀ والرافضۀ والإسماعیلیّۀ والقرامطۀ والجهمیّۀ والمشبّهۀ و صلبهم و حبسهم و نفاهم وأمر بلعنهم علی المنابر وأبعد
وصنّف القادر بالله کتاباً فی الأُصول » : 1). قال الخطیب ) « جمیع طوائف أهل البدع و نفاهم عن دیارهم وصار ذلک سنّۀ فی الإسلام
ذکر فیه فضائل الصحابۀ علی ترتیب مذهب أصحاب الحدیث و أورد فی کتابه فضائل عمر بن عبدالعزیز و إکفار المعتزلۀ و القائلین
2). أقول: وهذا الکتاب )« بخلق القرآن وکان الکتاب یقرأ کلّ جمعۀ فی حلقۀ أصحاب الحدیث بجامع المهدي و یحضر النّاس سماعه
وصار هذا الکتاب محوراً لتمییز الحقِّ عن الباطل و ال ّ ص حیح عن الزّائف. وقال ابن الجزري فی حوادث « بالبیان القادري » هو المعروف
ولمّا ملک محمود بن سبکتکین الريّ.. نفی المعتزلۀ إلی خراسان و أحرق کتب الفلسفۀ و مذاهب الاعتزال والنّجوم و » :( سنۀ ( 420 ه
3 . 2 . تاریخ بغداد: ج 4، ص 37 و 38 . 3). 1 . البدایۀ والنهایۀ: ج 12 ص 6 )« أخذ من الکتب ما سوي ذلک مائۀ حمل
. . الکامل: ج 7، حوادث سنۀ 420
( 459 )
وفی یوم الجمعۀ ثانی عشر شعبان هجم قوم من أصحاب عبدالصمد » : وقال ابن کثیر فی حوادث سنۀ ( 456 ه) ناقلًا عن ابن الجوزي
علی أبی علیّ بن الولید المدرس للمعتزلۀ فسبّوه وشتموه لامتناعه من الصلاة فی الجامع و تدریسه للنّاس بهذا المذهب و أهانوه و
1). وقال فی حوادث سنۀ ( 477 ه): )« جرّوه ولعنت المعتزلۀ فی جامع المنصور و جلس أبو سعید بن أبی عمامۀ وجعل یلعن المعتزلۀ
.« إنّ أبا علیّ بن الولید شیخ المعتزلۀ کان مدرّساً لهم فأنکر أهل السنّۀ علیه فلزم بیته خمسین سنۀ إلی أن توفّی فی ذي الحجّۀ منها »
وفیها نقمت الحنابلۀ علی الشیخ أبی الوفاء علیّ بن عقیل وهو من کبرائهم بتردّده إلی أبی علیّ بن » :( ویقول أیضاً فی حوادث ( 461 ه
وفی یوم الخمیس حادي عشر المحرّم حضر إلی » :( 2). ویقول فی حوادث سنۀ ( 465 ه )« الولید المتکلّم المعتزلی واتّهموه بالاعتزال
3). وبذلک حقّق )« الدیوان أبو الوفاء علیّ بن محمّد بن عقیل العقیلی الحنبلی وقد کتب علی نفسه کتاباً یتضمّن توبته من الاعتزال
وأخذت الطّائفتان، الحنابلۀ والمعتزلۀ یتصارعان و یقتتلان قتال موت أو حیاة، فصارالانتصار « کما تدین تدان » التّاریخ السنّۀ المعروفۀ
لأصحاب الحدیث، والهلاك والاضطهاد للمعتزلۀ، فلم یظهر بعد هذه القرون إلاّ آحاد ینجمون فی الفینۀ بعد الفینۀ والفترة بعد الفترة
لا تجد لهم ذکراً بارزاً فی ثنایا التاریخ. إنّ تکامل الأُمم و بلوغها الذّروة من العظمۀ، ثمّ انحدارها إلی هاویۀ الضعف والانحلال سنّۀ
إلهیّۀ قضی بها علی جمیع الأُمم، فلم یکن ارتقاء المعتزلۀ بلا سبب، کما أنّه لم یکن ضعفهم بلا علّۀ. فیجب علی الباحث المتأمِّل فی
ثنایا القضایا التّاریخیۀ تحلیل هذه الظاهرة تحلیلًا علمیّاً یوافق الأُصول المسلّمۀ فی تحلیل هذه المباحث. 1 . البدایۀ
. 3 . المصدر نفسه: ص 98 و 105 . 2 . المصدر نفسه: ص 98 و 105 . والنهایۀ: الجزء 12 ، ص 91
( 460 )
أقول: إنّ المعتزلۀ لم یسقطوا سیاسیّاً فحسب، بل سقطوا فکریّاً، فلا تسمع بعد أبی هاشم الجبائی (م 321 ه) فی القرن الرابع، وبعد
القاضی عبدالجبّار (م 415 ه) فی القرن الخامس، مفکّراً قویّاً فی المسائل الکلامیّۀ، یوازي المتقدّمین منهم مثل أبی هذیل العلّاف،
والنّظام. بل أکثر ما قام به المتأخّرون بعد القاضی لا یتجاوز عن تبیین المذهب و توضیح صیاغته من دون تأسیس قاعدة أو أصل فی
المجالات الکلامیّۀ. والظّاهر أنّه لم یکن لسقوطهم سبب واحد، بل یستند انحلالهم إلی أسباب متعدّدة أدّت بهم إلی الهلاك والدمار
والانقراض إلاّ فی نقاط خاصّ ۀ کالیمن و غیرها. وها إلیک بیان الأُمور الّتی سبّبت سقوطهم: 1 إنّ مذهب السنّۀ بمفهومه الحقیقی،
یبتنی علی عدالۀ الصحابۀ أجمعین وإجلالهم، بل علی تعدیل السلف من التّابعین وتابعی التّابعین فی الأقوال والأفعال، کیف وهؤلاء
عند أهل السنّۀ عمد المذهب، الّتی قام علیها صرحه. وجرح واحد من ال ّ ص حابۀ أو ترك قوله، إخلال فی الأساس، وهو ما لا یقبله
صفحۀ 189 من 196
المذهب بتاتاً. فلأجل ذلک تري أنّ أهل السنّۀ، یقدِّسون السلف و یکسونهم حلیۀ العدالۀ الّتی لا تقلُّ عن العصمۀ فی حقِّ النّبی الأکرم
والعترة الطاهرة علیهم السلام عندالشیعۀ. وما هذا إلاّ لأنّ المذهب مبنیّ علی تلک الأُسس من أوّل یوم اجتمعوا فیه لاختیار خلیفۀ
للرّسول إلی یومنا هذا. فمع أنّ کثیراً من المفکِّرین منهم یتلون کتاب الله ال ّ ص ریح فی التندید ببعض الصحابۀ، و یقرأون الصحاح
والمسانید ال ّ ص ریحۀ فی ارتداد الکثیر منهم بعد رحلۀ النّبی صلَّی الله علیه و آله و سلَّم ویقلبون التاریخ ظهر المِجنّ، فیشاهدون فیه
موبقات بعض الصحابۀ وخداعهم و ضلالهم، مع ذلک کلِّه لا ینبسون فیهم ببنت شفۀ و یحکِّمون الأصل علی هذه المعارف
الصحیحۀ. وهذه قاصمۀ للمذهب السنّی بالمعنی الحقیقی. هذا من جانب. ومن جانب آخر، إنّ المعتزلۀ کانوا منتمین لأهل السنّۀ، وفی
( الوقت نفسه کانوا ( 461
یعطون للعقل قسطاً أوفر و یقدِّمونه علی النّصوص الواردة فی الصِّحاح والمسانید عن الصحابۀ والتابعین. مثلًا إنّ النّصوص النبویّۀ الّتی
یرویها المحدِّثون من أهل السنّۀ ترکِّز علی التجسیم والرؤیۀ والتشبیه والجبر وسلب الاختیار عن الإنسان، فمعنی کون الفرقۀ فرقۀ سنّیۀ،
تکریم هذه الأُصول والأحادیث وعدم الخروج عن خطوطها، ولکنّهم مع الانتماء واجهوا هذه النّصوص بشدّة و قسوة، فأخذوا یردّونها
و یضربونها عرض الجدار، وهذان لا یجتمعان. فکون الإنسان مقتفیاً لمذهب أهل السنّۀ لا ینفکّ عن اقتفاء هذه الآثار و عدم التخطّی
عنها، والثورة علی هذه النّصوص، إمحاء لمذهب السنّۀ وهدم لأُسسه، فکیف یجتمعان. فلازم ذلک أنّهم صاروا یتبنّون مبدأین
متناقضین یضربون بواحد منهما المبدأ الآخر. فالحقّ أنّ التسنّن بالمعنی الصحیح هو ما کان علیه أحمد بن حنبل و نظراؤه من الجمود
علی الظواهر، والأخذ فی الصفات الخبریّۀ بالمعنی الحرفی، و رفض العقل والبرهان فی مجالی العقائد والأحکام، وترك التفکیر
والتعقّل فی المعارف، وهذا هو الخطّ السنّی الحقیقیّ الّذي علیه و هّابیۀ الیوم فی نجد والحجاز، فمن أراد الانتماء إلی هذا المذهب،
یجب أن یسلک هذا الطریق و یترك التفکّر والبرهنۀ فی جمیع المجالات، ومن جمع بینهما فقد جمع بین الضدّین والنقیضین. إنّا نري
أنّ الشیخ أبا الحسن الأشعريّ بعد ما تاب والتحق بالحنابلۀ، وحاول إثبات عقائد أهل الحدیث بالبرهنۀ والدلیل، قابله إنکار شدید من
رئیس حنابلۀ بغداد طریقته بأنّه « البر بهاري » قبل الحنابلۀ، ولأجل ذلک لم یترجموه فی طبقاتهم ولا عدّوه من أنفسهم، بل استنکر
یتجاوز فی طرح الأُصول والعقائد عن النّصوص ویدخل فی باب الدلیل والبرهان، وقد صار ذلک سبباً لحدوث مخاصمۀ شدیدة بین
( الحنابلۀ والأشاعرة علی مدي القرون. وقد عرفت فی الجزء الثانی شکوي الأشاعرة من المتوسّمین بالحنبلیّۀ، وما هذا إلاّ ( 462
لأنّ خطّ الحنابلۀ خطّ الروایۀ عن التّابعین والصحابۀ والاقتفاء بهم من دون أن یقیموا للعقل وزناً، وهذا علی طرف النقیض من کتب
الإمام الأشعري (سوي الابانۀ) وکتب أئمّۀ الأشاعرة، فإنّها مشحونۀ بالاستدلال العقلیّ علی العقائد وإن کان لصالح آراء أهل الحدیث.
وفی ضوء ذلک تقف علی أنّ موضع المعتزلۀ من المجتمع السنّی موضع الرقعۀ من اللّباس، فکانوا من أهل السنّۀ و یدّعون الانتماء
إلیهم، غیر أنّ أهل السنّۀ لا یقبلونهم وهذا وحده یکفی فی سقوطهم من أعین العامّۀ و أوساط الناس. 2 کان لأصحاب الحدیث بما
أنّهم حفظۀ السنّۀ و علماء الدین نفاذ عجیب فی نفوس العامّۀ و کان ذلک کافیاً فی إثارة سخطهم علی المعتزلۀ، لأنّهم ما زالوا
یذکرونهم علی صهوات المنابر وأندیۀ الوعظ والإرشاد بالالحاد ورفض السنّۀ و مخالفۀ الدین، ولم تکن الوقیعۀ فیهم منحصرة بیوم أو
شهر أو سنۀ، بل امتدّت طوال قرون فی العواصم الإسلامیّۀ حتّی أیقن بسطاء الأُمّۀ بل علماؤهم بأنّ الاعتزال خروج علی الدّین باسم
الدّین ومحو للسنّۀ باسم البرهنۀ بالعقل. وکفی هذا فی إبعاد المعتزلۀ عن ساحۀ المجتمع و إسقاطهم عن أعین النّاس والهجوم علیهم
وعلی أموالهم إذا أتیحت للنّاس الفرصۀ و وافقت علیه السّلطۀ الحاکمۀ. 3 إنّ المعتزلۀ کانوا یتبنّون عقائد تخدش عواطف العامّۀ
بخلاف أهل الحدیث، فقد کانوا یتبنّون ما یوافق أفکارهم و مصالحهم فی الدّنیا و الآخرة، فأهل الحدیث کانوا یدّعون بأنّ شفاعۀ
الشّ افعین تعمّ العادل والفاسق و أنّ رسول الله ادّخرها للمذنبین من أُمّته و مثل هذا یوجب التفاف عامّۀ الناس حول رایتهم، وهذا
بخلاف ما یتبنّاه المعتزلۀ، فإنّهم یقولون بأنّها لا تشمل إلاّ صلحاء الأُمّۀ، والغرض منها رفع الدّرجۀ لاإمحاء الذّنوب. فأيُّ العقیدتین
أولی بأن تتّبع عند عامّۀ النّاس؟ إنّ أهل الحدیث یقولون بأنّ الخلود فی النّار یختصّ بالکافر، والمؤمن وإن کان فاسقاً لا یخلّد و إن
صفحۀ 190 من 196
( مات بلا توبۀ. ( 463
وهذا بخلاف ما یقوله المعتزلۀ من خلود مرتکبی الکبائر فی النّار إذا ماتوا بلا توبۀ. فکان لفکرة أهل الحدیث جاذبیّۀ تضمّ العامّۀ
إلیهم و هذا بخلاف ما تقوله المعتزلۀ. 4 إنّ نجم المعتزلۀ أفل بعد الواثق عند ما تسنّم المتوکِّل منصّۀ الخلافۀ، فعند ذلک صارت
السلطۀ الحکومیّۀ سیفاً مصلتاً فوق رقابهم و شبحاً مرعباً یلاحقهم بعد ما کانت أداة طیّعۀ لهم، والنّاس علی دین ملوکهم وسلاطینهم،
ثمّ اشتدّ غضب الخلفاء علیهم علی مرِّ الزمن، فصار ذلک سبباً لذبح المعتزلۀ تحت کلّ حجر و مدر، وقد استغلّ أهل الحدیث
والحنابلۀ غضب السّلطۀ علی المعتزلۀ وقادوهم إلی الحدّ الّذي عرفت من النکایۀ. 5 إنّ المعتزلۀ قد اشتهروا بالقول بحریّۀ الفرد فی
أعماله و کانوا یدافعون عن حریّۀ الإنسان و احترام العقل، وهذا لا یجتمع مع ما ارتکبوه فی أیّام الخلفاء الثلاث، فناقضوا بذلک
أنفسهم و عارضوا تعالیمهم و أظهروا أنّهم لا یقدرون العقل حقّ قدره، فإذا کانت الحریّۀ تفرض علی المعتزلۀ أن یدینوا بخلق القرآن،
فهذا بنفسه یفرض علیهم أن لا یسوقوا النّاس بالجبر والحبس والضّرب علی الاعتراف بخلق القرآن، وغایۀ ما کان علی المعتزلۀ تشکیل
أندیۀ الوعظ والارشاد والجدال الصحیح حتّی یتمّوا الحجّ ۀ علی متحرّي الحقیقۀ أخذاً بقوله سبحانه: (اُدْعُ إِلی سَبِیلِ رَبِّکَ بِالحِکْمَۀِ
وَالمَوْعِظَ ۀِ الحَسَ نَۀِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّکَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِیلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالمُهْتَدِین)( 1). وأین هذا من الاصرار
إنّ الحرکۀ الفلسفیّۀ العلمیّۀ الّتی بدأت تتقوّي و تنتشر » ؟ علی تبدیل السّرائر والحکومۀ علی الضمائر و فرض العقیدة بالجبر وال ّ ض رب
بید المعتزلۀ وأخذت تلقی أنصاراً و أعواناً، لو ترکت تسیر فی مجراها الطبیعی، لاستطاعت أن تقضی علی الرّوح الرجعیۀ فی الأُمّۀ
. علی قوّتها و عنفها. ولکتب لها الفوز والنجاح، ولکنّ 1 . سورة النحل / 125
( 464 )
المعتزلۀ استبقوا الزمن واستعجلوا الأُمور، فأرادوا فی زمن دولتهم أن یحقِّقوا ما لا یتحقّق إلا بالاقناع، وأن ینجزوا فی برهۀ و جیزة ما قد
6 إنّ صمود أحمد بن حنبل فی طریق عقیدته أضفی له عند الأُمّۀ بطولۀ فی طریق حفظ السنّۀ وجعل منه أُسطورة .(1)« یتطلّب قروناً
للدّفاع عن العقائد و قبول الاضطهاد فی طریق الدّین ولمّا أفرج عنه التفّ النّاس حوله واندفعوا یحاربون أعداءه و یکیدون لهم، ولم
یبرح فی الإجهار علی ضدّ المعتزلۀ و إثارة النّاس علیهم. 7 إنّ الرجعیّۀ کانت متأصّ لۀ فی نفوس العامّۀ، متحکّمۀ فی کثیر من العلماء
وکانوا لا یرغبون فی مخالفۀ السلف قدر شعرة، وهذا أوجب انتصار أهل الحدیث علی أهل العقل والاستدلال، وکان عمل المعتزلۀ
مثیراً لروح التعصّب فیهم أزید ممّا کانوا علیه، ولعلّهم کانوا یتقرّبون فی ضربهم و شتمهم و قتلهم إلی الله. 8 وقد کان للشّیخ أبی
الحسن الأشعري دور مؤثّر فی تألیب العامّۀ و الخاصّ ۀ علی المعتزلۀ، فإنّه کان معتزلیّاً عارفاً بسلاح العقل والمنطق. فقد رجع عن
المعتزلۀ لأجل أنّه رأي الهوّة السحیقۀ بین أهل السنّۀ و أهل الاعتزال، فأراد أن یتّخذ طریقاً وسطاً بین المذهبین، ولکنّه بدلًا من أن
یستعمل ذلک السِّلاح فی نصرة الدّین قام بمقاومۀ الاعتزال وهدمه، ولم یفعل ذلک إلاّ مجاراة للرأي العامّ و طمعاً فی کسب عطفهم
و تأییدهم، وبالتالی خضع للقوي الرجعیۀ إلی حدّ کبیر، فأمضی کلّ ما کان علیه الحنابلۀ من مسألۀ القدر والرّؤیۀ بحرفیتّها. 9 إنّ
جنوح السّلطۀ إلی أصحاب الحدیث من عصر المتوکِّل إلی آخر العبّاسیّین وتولّیهم عن المعتزلۀ دعاة العدل والتّوحید، لم یکن خالیاً
عن الأهداف السیاسیّۀ الّتی کانت لمصالح عروشهم وحکومتهم، لأنّ من مباديء أهل الحدیث وجوب إطاعۀ السّلطان الجائر و حرمۀ
الخروج علیه و وجوب الصلاة خلف کلّ برّ وفاجر إلی غیر ذلک من الأحکام الّتی ذکرها إمام الحنابلۀ فی عقیدة أهل الحدیث، ومن
المعلوم أنّ هذا هو ما تتوخّ اه السّلطۀ، فإنّ فی ذلک دعماً لجورها و استبدادها. وأین هذا من القول بالعدل والدعوة إلی التفکّر و
وجوب الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر و وجوب الخروج علی السلطان الجائر و نصب الإمام العادل، إلی غیر ذلک من الأُصول
الّتی کانت المعتزلۀ تتبنّاه ولم تکن لصالح الحکومۀ. هذا و ذاك صار سبباً لرجوع السّلطۀ إلی أهل الحدیث و تقدیمهم علی المعتزلۀ.
10 إنّ للّه سبحانه سنّۀ فی الأقوام و الأُمم عبّر عنها فی الکتاب العزیز بقوله: (وتلک الأیّام نداولها بین النّاس) (آل عمران/ 140 ) فلا
تري أُمّۀ فی ذروة العزِّ دائماً ولا فی حضیض الذلّ کذلک. نعم لتحقّق السنّۀ و تبلورها فی المجتمع أسباب وعلل ربّما یکون ما ذکرنا
صفحۀ 191 من 196
. من الأسباب بعضها. 1 . المعتزلۀ لحسن زهدي جار الله: ص 252
.( 2 الآثار الباقیۀ من المعتزلۀ( 1 ( 465 )
کان مشایخ الاعتزال و أئمّتهم ذوي قرائح خصبۀ، وکفاءات خاصّۀ فی نضد القریض و ارتجال الخطب. فکان إلقاء الکلام علی الوجه
البلیغ، المطابق لمقتضی الحال، أحد أسلحتهم الفتّاکۀ فی باب المناظرة. ومن المحتمل أیضاً أنّ تسمیۀ علم الکلام به لأنّ المعتزلۀ هم
الأُسس لتدوین علم الکلام بین أهل السنّۀ، وبما أنّهم قد بلغوا الذّروة والسّنام فی البلاغۀ والفصاحۀ و إلقاء الکلام، سمّیت صناعتهم
بأوصافهم و خصوصیّاتهم، فأطلقوا علی منهجهم الفکري لفظ الکلام و علمه. ویظهر ذلک من الرّجوع إلی تاریخ حیاتهم، وقد عرفت
أنّ واصل بن عطاء مع أنّه کان به لثغۀ بالرّاء ولکن کان یتجنّب عن الراء فی خطبه، فیتکلّم بالقمح مکان البُرّ، والغیث مکان المطر. ولم
یکن التفوّق فی البلاغۀ مخت ّ ص اً به، بل هو الغالب علی أئمّۀ المعتزلۀ. فلا عجب لأن یترکوا کتباً قیّمۀً فی مجالات العقیدة والأدب
والتفسیر، غیر أنّ الدهر لعب بکتبهم، 1 . هذا هو البحث الثانی الذي وعدنا به فی صدر خاتمۀ المطاف.
( 466 )
وأعان علی حرقها و إعدامها خصماؤهم، فلم یصل إلینا إلاّ النّزر القلیل الّذي حفظته الصدفۀ. و نذکر من آثار المعتزلۀ ما طبع و نشر،
وأمّا المخطوطۀ منها الموجودة فی المکتبات العالمیّۀ فهی علی عاتق الفهارس، ولو قمنا به لطال بنا المقام فنذکر المطبوع حسب
لأبی جعفر الاسکافی (م 240 )، فی فضائل الإمام أمیرالمؤمنین علیّ بن أبی طالب « المعیار والموازنۀ » التّسلسل التّاریخی للتألیف. 1
له أیضاً طبع فی مطبعۀ السعادة، عام « درّة التنزیل و غرّة التأویل » 2 . علیه السلام تحقیق محمد باقر المحمودي،طبع فی بیروت/ 1402
لأبی عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (م 255 ه) فی أربعۀ أجزاء، طبع عدّة مرّات، آخرها طبعۀ دار الفکر « البیان و التبیین » 1326 ه). 3 )
جمعها الإمام « الفصول المختارة من کتب الجاحظ » له أیضاً طبع فی القاهرة (عام 1331 ه). 5 « المحاسن والاضداد » 4 . عام 1968
تحقیق محمّد هارون المصري طبع « العثمانیّۀ » للمبّرد فی القاهرة، (عام 1324 ه). 6 « الکامل » عبید الله بن حسّ ان، طبع علی هامش
مصر، واستقصی المحقّق ما بثّه ابن أبی الحدید فی شرحه علی نهج البلاغۀ من کتاب (نقض العثمانیۀ) لأبی جعفر الاسکافی، فجمعه
« رسائل الجاحظ » فجاء الکتاب ونقضه فی مجلّد واحد. وتعرّفت علی شأن الکتاب فی ترجمۀ الجاحظ. 7 « العثمانیّۀ » وطبعه فی آخر
له أیضاً، تحقیق طه الحاجزي، طبع فی مصر. 9 « البخلاء » فی جزءین، تحقیق عبدالسلام هارون، طبع فی القاهرة عام ( 1964 م). 8
( فی الردّ علی ابن الرّاوندي، تألیف أبی الحسین المعروف بالخیّاط، ( 467 « الانتصار »
طبع مع مقدّمۀ و تحقیق وتعلیق للدکتور نیبرج الاستاذ بجامعۀ (آبسالۀ) فی (مملکۀ السوید). وفی آخره قائمۀ لفهرس الکتب المذکورة
لأبی القاسم البلخی (م 317 « فضل الاعتزال أو ذکر المعتزلۀ » 10 . ( فی هذا الکتاب أکثرها للمعتزلۀ یبلغ عددها أربعین کتاباً( 1
لقاضی القضاة عبدالجبّار بن أحمد « شرح الأُصول الخمسۀ » أو 319 ه) تحقیق فؤاد سیّد، طبع الدّار التونسیۀ، عام ( 1406 ه). 11
415 ه). حقّقه وقدّم له الدّکتور عبدالکریم عثمان، المطبوع بمصر، عام ( 1364 ه)، فی ( 804 ) صفحۀ وراء الفهارس وهو أجمع کتاب )
له أیضاً، وهو إملاء القاضی لتلامیذه، وقد طبع منه لحدّ « المغنی » لتبیین الأُصول الخمسۀ الّتی تتبنّاها المعتزلۀ فی مجال العقائد. 12
الآن أربعۀ عشر جزءاً وهو فی عشرین جزءاً، وقد اکتشفته البعثۀ العلمیّۀ المصریّۀ بالیمن، وهو أبسط کتاب للمعتزلۀ فی مجال الکلام،
ولخّصۀ الشیخ الطُّوسی، والأصل والملخّص « الشافی » والجزء الأخیر منه فی الإمامۀ، الّذي نقضه السیّد المرتضی بکتاب أسماه ب
له « متشابه القرآن » طبع عن النسخۀ المخطوطۀ بدار الکتب المصریّۀ. له أیضاً ما یلی: 14 « تنزیه القرآن عن المطاعن » مطبوعان. 13
المختصر فی » 16 .« المجموع المحیط بالتکلیف له » فی جزءین. طبع فی القاهرة، دار التراث، تحقیق الدکتور عدنان زرزور. 15
. من رسائل العدل والتوحید تحقیق محمد عمارة. 1 . الانتصار: قسم الفهرس، ص 249 252 « أُصول الدّین
( 468 )
لأبی رشید « دیوان الأُصول فی التوحید » له أیضاً، تحقیق فؤاد سیّد، طبع الدار التونسیۀ، عام ( 1406 ه). 18 « طبقات المعتزلۀ » 17
صفحۀ 192 من 196
سعید بن محمّد النیسابوري رئیس المعتزلۀ بعد القاضی عبدالجبّار، طبع مصر، عام ( 1968 م)، تحقیق محمّد عبدالهادي أبو ریدة، وقد
لأبی السعد المحسن « الطبقتان الحادیۀ عشرة والثانیۀ عشرة من طبقات المعتزلۀ » تبعنا فی نسبۀ الکتاب إلیه، رأي محقِّق الکتاب. 19
للقاضی حیث ترجم فیه الطبقتین الحادیۀ عشرة « طبقات المعتزلۀ » بن محمّد کلام الجشمی البیهقی (م 494 ه)، وکأنّه ذیل لکتاب
رسالۀ إبلیس إلی إخوانه » 20 .« شرح العیون » والثانیۀ عشرة من المعتزلۀ، تحقیق فؤاد سیّد، طبع الدّار التونسیۀ، وهو جزء من کتابه
له أیضاً، تحقیق حسین المدرسی الطباطبائی، طبع عام ( 1406 )، وقد ألّفه بصورة روائیّۀ علی النهج المعروف الیوم. 21 « المناحیس
للشّیخ محمود بن عمر بن محمود الزمخشري (م 538 ه) وقد طبع عدّة مرّات، وهو أحد التفاسیر الّتی یرجع إلیها « تفسیر الکشّ اف »
جمیع المسلمین فی الوقوف علی بلاغۀ القرآن، ولا یزال إلی الیوم ینظر إلیه کأحد التفاسیر المهمّۀ، وقد أدرج فی تفسیره حسب
فی اللّغۀ، طبع فی مصر. 23 « أساس البلاغۀ » تناسب الآیات آراء المعتزلۀ و أخضع الآیات لتلک المباديء. وله أیضاً ما یلی: 22
عجب العجاب فی شرح » تحتوي مائۀ مقالۀ فی النصایح، طبع فی مصر و بیروت و استنبول. 24 « أطواق الذهب فی المواعظ والخطب »
« الجبال و الأمکنۀ والمیاه » طبع فی ایران مع شرح عبدالغنی الأردبیلی. 26 « الانموذج » طبع فی القاهرة و استنبول. 25 « لامیۀ العرب
( طبع فی حیدرآباد. ( 469 « الفائق فی غریب الحدیث » 28 .« ربیع الأبرار و نصوص الأخبار » طبع فی لیدن. 27
مقدّمۀ » طبع فی مصر و غیرها. 31 « المفصّل فی صناعۀ الإعراب » طبع فی القاهرة و بیروت. 30 « الکلم النوابغ أو نوابغ الکلم » 29
لعز الدین عبدالحمید بن أبی الحدید البغدادي المدائنی (م 655 ه) وهو « شرح نهج البلاغۀ » فی اللّغۀ، طبع فی لیبسیک. 32 « الأدب
أعظم الشّروح و أطولها و أشملها بالعلوم والآداب والتّاریخ والمعارف، ألّفه لمؤیّد الدّین محمد بن أحمد بن العلقمی وزیر المستعصم
بالله آخر الخلفاء والملوك العبّاسیّین، وکان له کتب فیها عشرة آلاف مجلّد من نفاس الکتب( 1) طبع فی عشرین جزءاً بتحقیق محمّد
لأحمد بن یحیی بن المرتضی أحد أئمّۀ الزّیدیۀ، ولد عام (م 764 ه) وتوفّی « طبقات المعتزلۀ » أبی الفضل إبراهیم فی القاهرة. 33
فی شرح کتاب الملل والنحل . 34 البحر الزخّار دورة فقهیۀ علی مذهب « المنیۀ والأمل » بظفار عام ( 840 ه)، وهو جزء من کتابه الآخر
تألیف القاسم بن محمّد بن علیّ الزیديّ العلويّ (م 1029 ه). « کتاب الأساس لعقائد الأکیاس » الإمام زید طبع فی ستۀ أجزاء. 35
« العلم الشامخ فی إیثار الحقّ علی الآباء والمشایخ » 36 . حقّقه و قدّم له الدکتور البیرنصري نادر، طبع دار الطلیعۀ بیروت، عام 1980
للشیخ صالح المقبلی (م 1108 ه)، طبع القاهرة عام ( 1331 ه)( 2). *** هذه هی المعتزلۀ و تأریخها، هذه تعالیمها و مشایخها و آثارها،
فمن أراد الکتابۀ 1 . مقدمۀ نهج البلاغۀ، بقلم المحقق. 2 . ولعل الفائت منّی أکثر من المذکور، والتکلیف علی حدّ
المقدور، وقد اکتفینا بذکر ما وقفنا علی المطبوع من کتبهم، أمّا المخطوط منها فحدّث عنه ولا حرج، یقف علیها من راجع فهرس
مخطوطات المکتبۀ المتوکلیۀ فی جامع صنعاء بالیمن، وقد صور أکثرها دار الکتب المصریۀ ونشر قسماً کبیراً منها.
( 470 )
« الفرق بین الفرق » عن المعتزلۀ فعلیه الرجوع إلی هذه المصادر وإن کانت قلیلۀ، لکنّها تغنیه عن الرجوع إلی کتب خصمائهم ک
للبغدادي، فإنّه أخذ ما أخذه عن خصمهم ابن الراونديّ فنسب إلیهم فی کتابه فضائح لا یمکن الرّکون علیه، فإنّ الخصم لا یصدّق فی
النّسبۀ والنقل. نعم، کان انقراض المعتزلۀ انهزاماً لدعاة الحرّیّۀ و انتصاراً للتحجّر و تقویۀ لقوي الجهل والأُمیّۀ، ولو کانت الحرّیّۀ سائدة
علی الأُمّۀ الإسلامیّۀ لکان الوضع غیر ما نشاهده بین الأُمّۀ، والحکم لله العلیّ القدیر. بلغ الکلام إلی هنا و فرغنا من تألیف هذا الجزء و
ترصیفه و تبییضه یوم الجمعۀ یوم تحریر القدس العالمی التاسع والعشرین من شهر رمضان من شهور عام 1409 ه/ق. والحمدللّه أوّلًا و
آخراً و ظاهراً و باطناً. قم مؤسسۀ الإمام الصادق علیه السلام جعفر السبحانی
تعریف مرکز