گروه نرم افزاری آسمان

صفحه اصلی
کتابخانه
جلد اول
تمهیدات … ص: 7







اشارة
ص: 8
اعتاد الأساتذة الأعلام کصاحب (الکفایۀ) قدّس سرّه وجماعۀ، علی الإبتداء بالبحث عن أمور، کموضوع علم الاصول، والمائز بینه
وبین غیره من العلوم، وضابط المسألۀ الاصولیّۀ، وغیر ذلک، وتعرّضوا بهذه المناسبۀ لموضوع کلّ علم، والمائز بین العلوم علی وجه
الإطلاق، وقضایا أخري.
فمنهم من أطنب فی البحث عن تلک الامور، ومنهم من اقتصر علی قدر الحاجۀ، ومنهم من أعرض عن الدخول فی ذلک لعدم الفائدة
العملیّۀ.
لکنّا رأینا من الأفضل التعرّض لها بقدر الحاجۀ، لئلّا یخلو بحثنا عن تلک الفوائد العلمیّۀ … فنقول وباللَّه التوفیق:
ص: 9
موضوع العلم … ص: 9
اشارة
قال فی (الکفایۀ):
موضوع کلّ علم- وهو الذي یبحث فیه عن عوارضه الذاتیّۀ، أي بلا واسطۀ فی العروض- هو نفس موضوعات مسائله عیناً وما یتّحد »
.« معها خارجاً، وإنْ کان یغایرها مفهوماً، تغایر الکلّی ومصادیقه والطبیعی وأفراده
فهنا مطالب:
الأوّل: هل لکلّ علم موضوع …؟ ص: 9
صفحۀ 21 من 205
اشارة
أقوال، فعن المشهور القول بذلک، وظاهر عبارة (الکفایۀ) أنه مفروغ عنه بین العلماء.
وقد استدلّ القائلون به بوجهین:
أحدهما: إنّ فی کلّ علمٍ غرضاً، والغرض أمر واحد هو معلولٌ لمسائله المختلفۀ، لکنّ الموضوعات المتعدّدة المتباینۀ لا تؤثر أثراً
واحداً، فلابد من وجود جامعٍ بینها، لیکون هو العلۀ والمؤثر فی حصول الغرض الواحد، لأنّ الواحد لا یصدر إلّاعن الواحد.
ص: 10
وقد حاول فی (المحاضرات) إبطال هذا الاستدلال بما لا یخلو بعضه عن النظر.
والثانی: إنّ تمایز العلوم بتمایز موضوعاتها، فلو لم یکن لکلّ علم موضوع واحد لتداخلت العلوم فیما بینها.
وهذا الوجه یبتنی علی کون تمایزها بالموضوعات، لابالأغراض ولا المحمولات، وهذا أوّل الکلام، وسیأتی توضیح ذلک.
ولما أشرنا إلیه من الکلام فی الدلیلین المذکورین لقول المشهور، ذهب فی (المحاضرات) إلی أنّه لا دلیل علی اقتضاء کلّ علمٍ وجود
الموضوع، وأنّه لا حاجۀ إلی ذلک.
رأي الاستاذ … ص: 10
ضرورة وجوده لکلّ علمٍ، بنحو القضیّۀ الحقیقیّۀ- أي: کلّما وجد « لکلّ علم موضوع » : والذي اختاره شیخنا هو أنّه إنْ ارید من قولهم
وتعنون بعنوان العلم فلابدّ وأن یکون له موضوع- فهذا مالا دلیل علیه. وإنْ ارید منه القضیّۀ الخارجیّۀ، بمعنی أن العلوم المدوّنۀ-
کعلمی الطب والهندسۀ وغیرهما لها موضوعات تجمع بین مسائلها، فهذا حق … لکنّ هذاإنّما هو فی العلوم ذات المحمولات
الحقیقیّۀ، وأما العلوم الاعتباریّۀ کعلم الفقه فلا، ولذا خصّ الشیخ فی (الشفاء) وکذا تلمیذه بهمنیار والخواجۀ وغیرهم هذا البحث
بالعلوم الحقیقیّۀ.
أقول:
والآخر: الموافقۀ علی ضرورة ،« لکلّ علم موضوع » فی کلامه- دام ظلّه- أمران، أحدهما: التردید المذکور فی المراد من قول المشهور
وجود
ص: 11
الموضوع فی العلوم المدوّنۀ الحقیقیّۀ دون الاعتباریّۀ منها.
ولعلّ السبب فی ذلک هو التسلیم للإشکال الرابع من إشکالات (المحاضرات)، حیث نقض قول المشهور ببعض العلوم، کعلم الفقه،
إذ لا یعقل وجود موضوع واحد یجمع بین موضوعات مسائله، لکونها قضایا اعتباریّۀ، ولا یعقل الجامع الحقیقی بین القضایا الاعتباریۀ،
أو لکون موضوعاتها من مقولات متباینۀ بل متنافرة، فکیف یکون بینها جامع ذاتی؟
فقال شیخنا: هذا الإشکال حق، إلّاأنه یرد علی صاحب (الکفایۀ) القائل بأنّ الموضوع الجامع یتّحد مع موضوعات المسائل اتّحاد
الطبیعی مع أفراده، أمّا المشهور فلا یقولون بهذا کما أشرنا.
وقد اجیب عن الإشکال المذکور بأنّ الأحکام الشرعیّۀ، وإنْ کانت قضایا اعتباریّۀ بلحاظ المعتبَر والمنشأ، إلّاأنها حقیقیّۀ بلحاظ نفس
الإعتبار ومبادي الحکم، لکونها من مقولۀ الکیف النفسانی، وهی بهذا الإعتبار تکون مورداً لحکم العقل بحقّ الطّاعۀ والعبودیّۀ الذي
هو الغرض الملحوظ فی علم الفقه. وأمّا تباین موضوعات المسائل الفقهیّۀ فجوابه: إنّه لابدّ وأن یراد بالموضوع الواحد لکلّ علمٍ وجود
محور واحدٍ تدور حوله کلّ بحوث العلم الواحد، وهذا قد لا یتطابق مع ما یجعل موضوعاً للمسائل بحسب التدوین خارجاً…
صفحۀ 22 من 205
فالمقصود من الموضوع الواحد هو المحور الواحد للبحوث فی المسائل لا ما جعل موضوعاً لها فی مرحلۀ التدوین، وهذا المحور لا
یلزم أنْ یکون موضوعاً فی تلک المرحلۀ، فقد تتطابق الموضوعیّۀ- أي المحوریّۀ- مع الموضوعیّۀ فی مرحلۀ التألیف، وقد لا تتطابق،
.«1» والتطابق بینهما غیر لازم
فإنْ کان ما ذکر نظریّۀً جدیدة، فقد یمکن المساعدة علیها، لأنّ وجود
__________________________________________________
.41 / 1) بحوث فی علم الاصول، مباحث الدلیل اللفظی 1 )
ص: 12
محورٍ لکلّ علمٍ تدور علیه بحوثه أمر ارتکازي غیر قابل للإنکار، وأمّا إن کان شرحاً وتوجیهاً لقول صاحب (الکفایۀ) والمشهور، ففیه
تأمّل لأنه لا یتحمَّل هذا التوجیه والتفسیر، وأمّا کلمات أعلام المعقول فی المقام، فلابدّ من مراجعتها … واللَّه العالم.
المطلب الثانی: ماهی حقیقۀ موضوع العلم …؟ ص: 12
اشارة
فالمراد منه: ما کان خارج عن « العرض » هنا، فأمّا « العرض الذاتی » قالوا: هو ما یبحث فیه عن عوارضه الذاتیّۀ، ثم اختلفوا فی المراد من
الذات ومحمولًا علیه وان کان جوهراً کالذات، کالناطق بالنسبۀ إلی الحیوان، حیث یحمل علیه وهو خارج عنه، وهو نفسه جوهر.
رأي المشهور … ص: 12
منه، فالمشهور علی أنّه ما کان خارجاً عن الذات، لکنه لاحق للذات وثابت له باقتضاء جوهر الذات. وذهب جماعۀ من « الذاتی » أمّا
المتأخّرین- وتبعهم المحقق صاحب (الکفایۀ)- إلی أنّ العرض الذاتی مالا واسطۀ له فی العروض، فی مقابل ماله واسطۀ فیه، ففی قوله
إشارة إلی اختیار هذا القول خلافاً للمشهور. « أي بلا واسطۀ فی العروض » رحمه اللَّه
ثم إنّ المشهور قسّموا ما کان باقتضاء جوهر الذات إلی قسمین:
أحدهما: ما کان باقتضاء جوهر الذات بلا واسطۀ فی العروض، وسمّوه بالعارض الذاتی الأوّلی، کعروض الناطق علی الحیوان، حیث
أنه خارج عن ذات الحیوان محمول علیه، ولا واسطۀ فی هذا الحمل والعروض واللحوق، اذ علّۀ لحوق الفصل للجنس لیس إلّاالجنس،
وعلّۀ لحوق الجنس للفصل
ص: 13
لیس إلّاالفصل.
وثانیهما: ما کان باقتضاء جوهر الذات لکن مع الواسطۀ فی العروض، والواسطۀ:
تارةً: أمر مساوٍ للموضوع داخلی، وهذا منحصر بالفصل، مثاله:
التعجّب العارض علی الإنسان بواسطۀ أمرٍ مساوٍ داخلی وهو الناطق، لأن الإنسان متعجّب بعلّۀ کونه ذا نفس ناطقۀ.
واخري: أمر مساوٍ له خارجی، ومثاله: الضاحک العارض علی الإنسان بواسطۀ التعجّب، والتعجّب واسطۀ خارجیۀ مساویۀ للإنسان.
قالوا: وما کان غیر ذلک فهو عرض غریب، فالأعراض الغریبۀ ثلاثۀ:
ما کان خارجاً عن الذات عارضاً علیه بواسطۀ أمر أعم، وهو تارةً:
یکون واسطۀ لعروض الإرادة علی الإنسان، والحیوان أعم من الإنسان، واخري: خارج عن الذات، « الحیوان » داخل فی الذات، مثل
صفحۀ 23 من 205
یکون واسطۀ لعروض التحیّز علی الأبیض، والجسم أعم من الأبیض. فهذا قسمان. « کالجسم »
وما کان خارجاً عن الذات عارضاً علیه بواسطۀ أمر خارجی أخص.
وهذا هو القسم الثالث من أقسام العرض الغریب، کالتعجّب العارض علی الحیوان بواسطۀ الإنسان، والإنسان أخص من الحیوان.
وعلی الجملۀ، فهنا تعریفان، أحدهما للمشهور، وهو أن موضوع کلّ علم ما یبحث فیه عن عوارضه الذاتیۀ، أي عمّا یلحق الموضوع
باقتضاء ذاته، إمّا بلا واسطۀ وإمّا بواسطۀ أمرٍ مساوٍ، سواء کان المساوي داخلیّاً أو خارجیاً.
والثانی: ما اختاره صاحب (الکفایۀ) من أنّ موضوع کلّ علمٍ ما یبحث فیه عن عوارضه العارضۀ علیه بلا واسطۀ.
ص: 14
ویظهر الفرق بین المسلکین فی علم الاصول فی کثیر من المسائل، فمثلًا نقول: هل الأمر بالشیء، الوارد فی الکتاب والسنّۀ، یقتضی
النهی عن ضدّه الخاص أو العام؟ فاقتضاء النهی أو استلزامه یعرض علی الأمر، فعلی مسلک المحقق الخراسانی یکون هذا العروض بلا
واسطۀ، ویکون الاقتضاء حقیقیّاً وبلا عنایۀ، أما علی مسلک المشهور، فإنّ هذا العروض إنما هو بواسطۀ أمر أعم، لأنّ ذلک لا یختص
بالأمر الکتابی بل کلّ أمر کذلک- بناءً علی القول به- سواء وقع فی الکتاب أو لا؛ وکذا فی السنّۀ، فهناك عروض بواسطۀ أمر أعم،
والعارض علی الشیء بواسطۀ الأمر الأعم من العوارض الغریبۀ عندهم کما تقدّم.
وأیضاً: لایلزم بناءً علی مذهب صاحب (الکفایۀ) أنْ یکون العروض باقتضاء ذات المعروض، إذ الملاك عندهم هو أن لا تکون
واسطۀ فی العروض، وعلیه، فالحجیّۀ تثبت للخبر مثلًا، لعدم الواسطۀ فی عروضها علیه، مع أنها لیست باقتضاء ذاته.
السبب فی عدول الکفایۀ … ص: 14
ثم إنّ السبب فی عدول أصحاب هذا القول- کصاحب (الکفایۀ)- عمّا قاله المشهور، هو التخلص من اشکالٍ یلزم علیه، وتوضیح
ذلک هو: إنّ المحمولات فی مسائل العلوم تعرض علی موضوعاتها، وتلک الموضوعات هی الواسطۀ لعروضها علی موضوع العلم،
أخص من « الفاعل » فمثلًا- فی علم النحو- یعرض الرفع علی الفاعل، وبواسطته یعرض علی الکلمۀ التی هی موضوع علم النحو، لکنّ
فیلزم أن یکون هذا البحث فی علم النحو بحثاً عن العرض الغریب. وکذا فی غیره من العلوم، کالفقه مثلًا، « الکلمۀ »
ص: 15
یکون الوجوب عارضاً علی ال ّ ص لاة، وبتوسّط الصلاة یعرض علی موضوع العلم الذي هو فعل « فعل المکلَّف » فبناءً علی أن موضوعه
المکلَّف وهو أعم من الصّلاة. وکما یکون موضوع المسألۀ أخص من موضوع العلم- کما فی علمی النحو والفقه کما ذکرنا- کذلک
قد یکون أعم، وذلک کما فی علم الاصول، فیکون العروض بواسطۀ أمر أعم، لأن الموضوع فیه- علی المشهور- الأدلّۀ الأربعۀ، لکن
البحث عن وجوب المقدمۀ وعدمه- مثلًا- غیر مختص بالخطابات الشرعیّۀ، وکذا فی مسألۀ اقتضاء الأمر للنهی عن الضد، أو ظهور
الأمر فی الوجوب، ونحو ذلک.
أمّا بناءً علی تفسیر العرض الذاتی بما لا واسطۀ له فی العروض، فالإشکال مندفع، إذ المناط عدم الواسطۀ فی العروض، وهو حاصل،
وإنْ ،« فعل المکلّف » مع « الصّلاة » وکذا ،« الکلمۀ » متّحد وجوداً مع « الفاعل » لکون موضوع العلم متحداً وجوداً مع موضوع المسألۀ، لأن
….« هو نفس موضوعات مسائله عیناً وما یتّحد معها خارجاً، وإنْ کان یغایرها مفهوماً » :( اختلفا مفهوماً، ولذا قال فی (الکفایۀ
یعنی: إن نسبۀ موضوع المسألۀ إلی موضوع العلم نسبۀ النوع إلی الجنس، فموضوع العلم إنْ لوحظ لا بشرط بالنسبۀ إلی موضوعات
فإنّه إن لوحظ بشرط لا « الحیوان » : المسائل، کان العرض فیها عرضاً ذاتیّاً لموضوع العلم، وإنْ لوحظ بشرط لا، صار عرضاً غریباً. مثاله
بالنسبۀ إلی الناطق والصاهل، کان التعجّب العارض علیه عرضاً غریباً وإسناد التعجّب إلیه مجازیّاً، وإنْ لوحظ متّحداً مع الناطق وکان
وجودهما واحداً، کان التعجّب العارض بواسطۀ الناطق عرضاً ذاتیّاً بالنسبۀ إلی الناطق وبالنسبۀ إلی الإنسان.
صفحۀ 24 من 205
ص: 16
کان هذا بیان الإشکال وشرح طریق المحقّق الخراسانی لدفعه.
وقد حقّق شیخنا دام ظلّه هذا الطریق وفصّل فی المقام بما حاصله: أنّ هذا الطّریق إنّما یفید فی الواسطۀ التی هی أعم، وعلم الاصول
من هذا القبیل کما تقدّم، إذ العروض وإنْ کان بواسطۀ أمر أعم، لکنّ ال ّ ص دق حقیقی عرفاً ولیس مجازیّاً. أمّا فی سائر العلوم التی
یکون موضوع المسألۀ فیها أخص، فالإسناد لیس حقیقیّاً لا عقلًا ولا عرفاً، فیکون الإشکال فیها باقیاً علی حاله.
کما أنّ جواب صدر المتألّهین- والمحقق الإصفهانی- عن الإشکال، إنما یفید فیما إذا کانت الواسطۀ والعارض موجودین بوجودٍ
واحدٍ، کالجوهریۀ والجسمیّۀ، فإنّهما موجودان بوجودٍ واحدٍ ومجعولان بجعل واحد، الجوهر یوجد بنفس تعلّق الجعل بالجسم،
واسطۀ للعروض بحسب الترتیب العقلی، إذ الموجود عقلًا یکون ممکناً « جوهر » لکنّ « جوهر » بتوسط « موجود » فالجسم وإنْ عرض علی
والممکن یصیر جوهراً، والجوهر یصیر جسماً، لکنّ الإمکان والجوهریّۀ والجسمیّۀ کلّها موجودة بوجود واحد.
فنفس هذه الجسمیّۀ تصیر من العوارض الذاتیّۀ للموجود بتوسط الجوهریّۀ التی هی عارضۀ بتوسط الإمکان- أي الإمکان الفقري- إلّا
أنّ کلّ ذلک عروض ذاتی، لأنها جمیعاً موجودة بوجودٍ واحد.
بخلاف ما إذا کانت الواسطۀ والعارض موجودین بوجودین، کالتعجّب العارض علی الحیوان بواسطۀ الإنسان، فالعارض غریب لا
ذاتی … والإشکال حینئذٍ باق.
والمحقق النائینی حاول دفع الإشکال بالنزاع فی الصغري، فأنکر أنْ یکون العارض علی الجنس بواسطۀ النوع عرضاً غریباً.
ص: 17
لکنّ ماذکره قدّس سرّه لا ینسجم مع تصریحات أکابر الفلاسفۀ، کالشیخ والخواجۀ وغیرهما، فی تعریف العرض الذاتی، وکلّهم
یجعلون ما ذکر من العرض الغریب لا الذاتی.
رأي السید الخوئی … ص: 17
وفی (المحاضرات) ما ملخّصه: إن أساس الإشکال أمران هما: الإلتزام بأنّ البحث فی العلوم لابدّ وأن یکون من الأعراض الذاتیّۀ
لموضوع العلم.
والإلتزام بأن العارض علی الشیء بواسطۀ الخارج الأخص أو الداخل الأعم، من الأعراض الغریبۀ لا الذاتیّۀ.
قال: ویمکننا منع کلا الأمرین علی سبیل منع الخلو، بأنْ یقال: کلّ مسألۀ ترتّب علیها الغرض الذي لأجله دوّن العلم فهی من مسائل
ذاك العلم، سواء کان المحمول فیها من العوارض الذاتیّۀ لموضوع العلم أو لا، والاختصاص فی البحث عن الذاتی فقط لا دلیل علیه
بالخصوص.
قال: ولو سلّمنا لزوم ذلک، لأمکن دعوي أنّ العارض بواسطۀ الخارج الأخص أو الداخل الأعم، من العوارض الذاتیّۀ.
قال الاستاذ …: ص: 17
أمّا منع الأمر الثانی فکما تري، لأنه ینافی ما اصطلحوا علیه.
وأمّا منع الأمر الأول، فقد سبقه إلی ذلک المحقق الإصفهانی، حیث ذکر أنّ کثیراً من مسائل العلوم یشتمل علی البحث عمّا لا یکون
عرضاً ذاتیاً لموضوع العلم، من أجل دخله فی الغرض المطلوب من تدوین ذاك العلم وبحوثه.
وقد قرّر شیخنا الاستاذ هذا الإشکال، حیث ذکر أن أدلّۀ القوم علی تلک
صفحۀ 25 من 205
ص: 18
الدعوي أربعۀ:
الأول: إن لم یکن کذلک، لم تکن العلوم متباینۀ.
والثانی: إن لم یکن کذلک، لا یکون للعلم موضوع خاص به.
والثالث: أنه إذا بحث فی العلم عن العرض الغریب، لزم أن یکون العلم الجزئی کلیّاً.
والرابع: أنّه إذا بحث فی العلم عن العرض الغریب، لزم تداخل العلمین.
ثم ناقش هذه الأدلّۀ، وأوضح عدم وفاء شیء منها لإثبات الدعوي المذکورة.
وهذا تمام الکلام فی المطلب الثانی.
المطلب الثالث: فی الإتحاد والتغایر بین موضوع العلم وموضوعات المسائل … ص: 18
ذکر المحقق صاحب (الکفایۀ): أن موضوع العلم متّحد مع موضوعات مسائله خارجاً، وإن کان بینهما تغایر مفهوماً، کتغایر الکلّی
ومصادیقه والطبیعی وأفراده.
وقد اورد علی الاتّحاد الذي ذکره، بوجوهٍ لا جواب عن بعضها، کالإشکال بأنّ موضوع علم الطب هو بدن الإنسان، ونسبته إلی
موضوعات مسائله نسبۀ الکلّ إلی الأجزاء لا الکلّی إلی المصادیق.
ص: 19
تمایز العلوم … ص: 19
اشارة
واختلف الأعلام فی الجامع بین موضوعات مسائل العلم الواحد والمائز بین العلوم، فقیل: الوحدة الاعتباریۀ، وقیل: الموضوعات، وقیل:
المحمولات، وقیل: الأغراض.
والمسائل عبارة عن جملۀٍ من قضایا متشتّتۀ جمعها اشتراکها فی الدخل فی » : وهذا الأخیر هو مختار صاحب (الکفایۀ) حیث قال
الغرض الذي لأجله دُوّن هذا العلم … وقد انقدح بما ذکرنا أن تمایز العلوم إنّما هو باختلاف الأغراض الداعیۀ إلی التدوین، لا
….« الموضوعات ولا المحمولات … وإلّا کان
فنقول: کلّ علمٍ مدوّن فله موضوع یبحث عنه فیه، فی مسائل متشتّتۀ متکوّنۀ من موضوعات ومحمولات، وهذا التشتّت قد یکون من
جهۀ الموضوع، وقد یکون من جهۀ المحمول، وقد یکون من جهۀ الموضوع والمحمول معاً، فما هو الجامع بین هذه المسائل
المتشتتۀ؟ وماهو المایز بین هذا العلم وغیره من العلوم؟
الآراء فی المقام …: ص: 19
مذهب المشهور هو أنّ التمایز بالموضوعات، لأنّ هناك بین مسائل کلّ علمٍ من العلوم جهۀ اتّحاد، عبّر عنها الشیخ ابن سینا وغیره
بالتناسب، وهذا التناسب غیر حاصل بالمحمولات، لأنّها إنّما تکون ملحوظۀ بالعرض، وکلّ ما بالعرض ینتهی إلی ما بالذّات، وکذا
الأغراض، فلابدّ وأن یکون
ص: 20
صفحۀ 26 من 205
بالموضوعات، فهی الجامعۀ والمایزة.
واختار المحقق البروجردي أنه بالمحمولات، ونسبه إلی مشهور القدماء.
وبما ذکرنا یظهر مافیه وفی النسبۀ إلیهم.
وقد خالفهم المحقق الخراسانی، مع قوله بأنّ موضوع کلّ علمٍ ما یبحث فیه عن عوارضه الذاتیّۀ، ومقتضاه: أن تکون الموضوعات هی
الجامعۀ بین شتات المسائل، لأمرین:
أحدهما: إن فی علم الاصول مسائل کثیرة هی من مسائل علوم اخري، فجعل الغرض هو الجامع فراراً من هذا المشکل، لأن المسائل-
وإنْ تداخلت بین العلوم- تختلف من ناحیۀ الغرض الداعی إلی تدوینها، فلا مانع من کون المسألۀ الواحدة من مسائل علمین، وهما
متمایزان لاختلاف الغرض.
والثانی: إنّه وإنْ کان لکلّ علمٍ موضوعاً یبحث فیه عن عوارضه الذاتیّۀ، إلّا أنّ لازم القول بتمایز العلوم بالموضوعات أنْ یکون کلّ
بابٍ من کلّ علمٍ علماً علی حده، وکذا بناءً علی کونه بالمحمولات، فجعل الغرض هو الجامع فراراً من هذا المشکل.
وف ّ ص ل المحقق الخوئی فی المقام، فوافق صاحب (الکفایۀ)- من کون المائز هو الغرض لیس إلّا- فی بعض الصور وخالفه فی البعض
الآخر، فقال:
بأنّه تارةً یراد من التمایز مرحلۀ الإثبات لمن یجهل العلوم، واخري یراد منه التمایز فی مرحلۀ الثبوت وفی مقام التدوین.
أما المقام الأول: فحقیقته أن کلّ شخص إذا کان جاهلًا بحقیقۀ علمٍ من العلوم وأراد الإحاطۀ به ولو بصورة إجمالیۀ، فللعالم بذاك
العلم أنْ یمیّزه له
ص: 21
عن غیره من العلوم بما شاء من التمییز، بالموضوع أو المحمول أو الغرض، کأن یقول له فی مقام تعریف علم النحو: إن موضوعه
الکلمۀ والکلام، أو یقول: غایته حفظ اللسان عن الخطأ من المقال، أو یقول: محموله الإعراب والبناء.
وأما المقام الثانی: فلأن المؤلّف والمدوّن للعلم یختلف تمییزه له عن غیره باختلاف الدواعی.
فتارة: یکون هناك غرض خارجی یترتب علی العلم والمعرفۀ بتلک المسائل التی دوّنها، فلابدَّ من البحث عن کلّ مسألۀٍ اشتملت علی
ذلک الغرض، کما أن التمییز حینئذٍ لابدّ وأن یکون بالغرض، ولیس له التمییز بالموضوعات، إذ لا عبرة- فی الغرض- بوحدة
الموضوع وتعدّده، علی أنه یقتضی أن یکون کلّ باب بل کلّ مسألۀ علماً علی حدة، کما ذکر صاحب (الکفایۀ).
وأخري: یکون الداعی إلی التدوین نفس العلم والمعرفۀ، دون أنْ یکون هناك غرض خارجی یدعوه إلی تدوین المسائل. وهذا
یکون علی نحوین، فتارةً هناك موضوع یرید أن یبحث عن أحواله، کما فی علم الطب، فلابدّ من التمییز بالموضوع، واخري هناك
.«1» محمول یرید أن یبحث عمّا یعرض علیه ذلک المحمول، کالحرکۀ والسکون، فلابدّ من التمییز بالمحمول فقط
وحاصله: الموافقۀ مع صاحب (الکفایۀ) فی خصوص ما إذا کان الغرض من التدوین هو غرض خاص، کالصحّۀ والمرض فی علم
الطب،
__________________________________________________
.20 - 11 مؤسّسۀ صاحب العصر علیه السلام، مصابیح الاصول 19 / 1) تعلیقۀ أجود التقریرات 1 )
ص: 22
وحفظ اللّسان فی علم النحو، وصیانۀ الفکر فی علم المنطق، والمخالفۀ فیما إذا لم یکن الغرض من التدوین إلّاالمعرفۀ.
مناقشۀ الاستاذ … ص: 22
صفحۀ 27 من 205
وأورد شیخنا الاستاذ علی دلیل مائزیّۀ الغرض بنحو الإطلاق- کما علیه فی (الکفایۀ)، أو موجبۀً جزئیّۀ کما علیه المحقق الخوئی- بأنّ
ماذکر من:
لزوم کون کلّ باب علماً علی حده لو کان التمایز بالموضوع، لازم القول بمایزیّۀ الغرض کذلک، لأنّ الغرض الحاصل من حجیّۀ
الإستصحاب مغایر للغرض الحاصل من مسألۀ منجّزیۀ العلم الإجمالی، هذا فی علم الاصول، وفی المنطق کذلک، إذ الغرض الحاصل
من مباحث المعرّف مغایر للغرض الحاصل من مباحث القضایا، فهما غرضان، وهکذا.
فإن قیل: الأغراض المترتبۀ علی المباحث والأبواب لها جامع، وذلک الغرض الجامع غیر داخل تحت غرض جامع آخر، فالأغراض
المترتّبۀ علی الأبواب فی علم الاصول وإن کانت مختلفۀ، لکنّها کلّها تجتمع تحت غرضٍ واحدٍ جامعٍ لها، وهو التمکّن من استنباط
الوظیفۀ الشرعیۀ- بالمعنی الأعم، من العلم والعلمی والأصل العملی- ولیس هناك غرض فوقه.
وکذا الأمر فی علم المنطق وغیره.
قلنا: القائل بکون التمایز بالموضوعات أیضاً یقول نظیر هذا، فهو یقول بأنّ هناك موضوعاً جامعاً بین موضوعات المسائل والأبواب،
یبحث فی العلم عن العوارض الذاتیّۀ لذلک الموضوع، فالإفتراق بین العلوم یکون باختلاف الموضوعات فی العوارض الذاتیّۀ، حیث
أنّ فی کلّ أبواب هذا العلم یبحث عن العوارض الذاتیۀ للموضوع الجامع بین الموضوعات، ذلک الموضوع
ص: 23
الذي لا یبحث فی غیر هذا العلم عن عوارضه … وبالجملۀ: فإنّه لا یقع فی علم آخر بحث عن العوارض الذاتیۀ للموضوع المبحوث
عن عوارضه فی هذا العلم، وهذا الملاك موجود فی موضوعات العلوم، ولا یوجد فی موضوعات الأبواب.
فما ذکره صاحب (الکفایۀ)- ووافقه فی (المحاضرات) موجبۀً جزئیۀ- مخدوش نقضاً وحلّاً.
آراء الاستاذ … ص: 23
ثم إن شیخنا الاستاذ اختلفت کلماته فی هذا المقام، فقد اختار فی الدورة الاولی: أن الفرق بین الأبواب والمسائل، وبین العلوم، بأن
العلوم یمکن أنْ تتعدّد بتعدّد الموضوعات، لعدم الجامع المشترك بین الموضوعات الموجبۀ لتعدّد العلوم، بخلاف الأبواب والمسائل،
فقولهم- فی علم النحو مثلًا- الفاعل مرفوع، والمفعول منصوب، والمضاف إلیه مجرور، یمکن تصویر جامع بینها وهو الکلمۀ والکلام،
لصدقه علی کلّ من الموضوعات الثلاثۀ علی حدّ سواء.
ثم إنّه عدل عن هذا، لکونه إنّما یتمّ فی بعض العلوم دون الجمیع، فقد تکون النسبۀ بین موضوعی علمین نسبۀ العموم والخصوص
کالطب والطبیعی، فبینهما جامع مشترك کالجامع بین البابین من العلم الواحد أو المسألتین، فلیس الموضوع مابه التمایز فی مثل ذلک.
واختار فی الدورة الثانیۀ- التی حضرناها: أنّ التمایز یمکن أن یکون بالموضوعات، کما ذکر المشهور، أمّا فی المسائل والأبواب من
العلم الواحد فالمحمولات فیها عوارض ذاتیّۀ للموضوع دائماً، فلا یلزم من کون الموضوع
ص: 24
ملاکاً للتمایز أنْ تکون الأبواب والمسائل من کلّ علمٍ علوماً علی حده، کما ذکر صاحب (الکفایۀ).
لکنّ هذا إنّما یتم علی مبنی المشهور فی حقیقۀ موضوع کلّ علم.
وأفاد فی الدورة المتأخّرة- فی مقام المناقشۀ مع مبنی صاحب (الکفایۀ)- أن هناك- بالضرورة- ارتباطاً بین الأغراض المختلفۀ
والمسائل المختلفۀ، وهذا الإرتباط فی العلوم الإعتباریۀ- کعلم النحو- اعتباري، وفی العلوم غیر الإعتباریۀ کعلم الطب ذاتی، والذاتی
إمّا هو من ارتباط الشیء بمقتضیه وإمّا من ارتباط الشیء بشرطه، فالغرض الحاصل من العلم یحصل من ترتّب المحمولات علی
الموضوعات، وهذا الترتّب إنما یکون لأجل الارتباط، کما أنّ حصول الغرض لا یکون إلّابارتباطٍ بینه وبین الموضوع.
صفحۀ 28 من 205
ومقتضی القاعدة أنْ یکون التمایز فی الدرجۀ الأولی بما هو متقدّم علی الغرض، وهو المنشأ فی تمایز الأغراض، وهو المسائل.
أقول: فیکون ماذهب إلیه أخیراً قولًا آخر فی البحث، وحاصله: أنّه إن کان للعلم موضوع- کعلم الطبیعی الذي موضوعه الجسم من
حیث الحرکۀ والسّ کون- فالتمایز بینه وبین غیره یکون بموضوعه الجامع بین موضوعات مسائله، وإن لا یکون له موضوع بسبب
اختلاف مسائله اختلافاً لا جامع ذاتی بینها ینطبق علی موضوعات مسائله، فالتمایز یکون بالمسائل.
ثم ذکر إشکال المحقق الخراسانی فی (الکفایۀ) بأنّه لو کان الامتیاز بالمسائل لم یبق أيّ تداخل لعلم الاصول مع بعض العلوم فی
بعض المسائل، مع وجود هذا التداخل بال ّ ض رورة وکونها مشترکۀ بینه وبینها … فاضطرّ إلی إنکار الإشتراك قائلًا ما حاصله: بأنّ
المسألۀ المطروحۀ فی علم الاصول وغیره
ص: 25
وإنْ کانت متّحدةً فی ظاهر لفظها وعنوانها، إلّاأن الجهۀ المبحوث عنها فی کلّ علم تختلف عن الجهۀ المبحوث عنها فی غیره، ومثّل
لذلک بمسألۀ جواز اجتماع الأمر والنهی المطروحۀ فی الاصول والفقه والکلام معاً، وأفاد بأنّها وإنْ کانت بهذه الصیغۀ إلّاأنها فی
الحقیقۀ تعدّ فی کلّ علمٍ مسألۀ مستقلّۀ عنها فی غیره.
أقول: لکنْ یمکن المناقشۀ فیه: بأنّ المسألۀ تتشکّل من الموضوع والمحمول والنسبۀ، وکما أنّ المسألۀ متقدّمۀ علی الغرض، وما به
الامتیاز یکون قبل الغرض، کذلک الموضوع فهو متقدّم علی المحمول وعلی المسألۀ المتشکّلۀ منهما، فلولا الموضوع لم یکن
المحمول ولا المسألۀ، وبالجملۀ، فالذي ذکره فی جواب مسلک صاحب (الکفایۀ) ینفی ذلک المسلک ولا یثبت ماذهب إلیه، بل
یقوّي مبنی التمایز بالموضوعات کما اختاره فی الدورة الثانیۀ، وفی بعض العلوم فی الدورة المتأخّرة…
وأمّا ابتناء ذلک علی مسلک المشهور من ضرورة وجود الموضوع لکلّ علم، فواضحٌ أنّ جمیع هذه البحوث إنما هی علی أساس
ذاك المبنی، وإلّا فقد تقدم منه دام ظلّه أنْ لا برهان علی ضرورة وجود موضوع جامع بین موضوعات المسائل، وعلی أن البحث فی
العلوم لابدَّ وأنْ یکون عن الأعراض الذاتیّۀ.
القول بالوحدة الإعتباریّۀ …: ص: 25
وأمّا القول بالوحدة الإعتباریّۀ، فقد جاء فی (نهایۀ الدرایۀ)- لدي الجواب عن إشکال صاحب (الکفایۀ) علی قول المشهور بلزوم کون
کلّ باب من أبواب علم واحدٍ بل کلّ مسألۀ منه علماً برأسه لتمایز موضوعاتها- ما
ص: 26
حاصله: إن تمایز العلوم یمکن أن یکون بالموضوع الجامع بین المسائل، لأن العلم عبارة عن مرکّب اعتباري من قضایا متعدّدة بینها
وحدة اعتباریۀ، والموضوع الجامع بین مسائله هو المایز بینه وبین غیره من العلوم، ولا یلزم من ذلک أن یکون کلّ بابٍ أو کل مسألۀٍ
علماً علی حدة، لوجود نوع سنخیّۀ بین أبواب کلّ علم، بالإضافۀ إلی اشتراکها جمیعاً فی تحصیل الغرض الواحد.
وقد أجاب عنه شیخنا الاستاذ بأنّه- فی الحقیقۀ- التزام بما جاء فی (الکفایۀ) ولیس جواباً عنه، إذ اللّازم حینئذٍ هو التحقیق عن منشأ
تلک الوحدة والتعدّد، وأنها لوحدة الموضوع وتعدّده أو لوحدة الغرض وتعدّده.
القول بالتمایز بالمحمولات …: ص: 26
الحق مع القدماء حیث قالوا: إن » : وأمّا القول بکون التمایز بالمحمولات، فقد اختاره السید البروجردي، وعلیه حمل کلام القدماء، قال
تمایز العلوم بتمایز الموضوعات، إذ المراد بموضوع العلم هو ما یبحث فیه عن عوارضه الذاتیۀ، ولیس هو إلّاعبارة عن جامع محمولات
.«1» « المسائل الذي یکون تمایز العلوم بتمایزه
صفحۀ 29 من 205
إن جامع محمولات المسائل فی کلّ علمٍ هو » : وقد مهّد لتوضیح هذا القول خمس مقدمات، ولعلَّ عمدة کلامه فی بیان مرامه هو
الذي ینسبق أوّلًا إلی الذهن ویکون معلوماً عنده، فیوضع فی وعاء الذهن، ویطلب فی العلم تعیّناته وتشخّصاته التی تعرض له، مثلًا: فی
علم الإلهی بالمعنی الأعم یکون نفس الوجود معلوماً لنا وحاضراً فی ذهننا، فنطلب فی العلم تعیّناته
__________________________________________________
. 1) نهایۀ الاصول: 8 )
ص: 27
وانقساماته اللاحقۀ له، من الوجوب والإمکان … فصورة القضیّۀ وإنْ کان هو قولنا: الجسم موجود مثلًا، ولکن الموضوع حقیقۀً هو
عنوان الموجودیۀ، وکذلک فی علم النحو، فإنّ أوّل ما ینسبق إلی ذهن المتتبّع لاستعمالات العرب إنما هو إعراب آخر الکلمۀ، فیطلب
هو وصف المرفوعیۀ، وکذا « الفاعل مرفوع » فی علم النحو الخصوصیات التی بسببها یتحقّق الإعراب واختلافاته، فالموضوع حقیقۀً فی
فی غیر هذا المثال.
.« فالحاصل: إن تمایز العلوم بتمایز الموضوعات، أعنی بها جامع محمولات المسائل، وتمایز المسائل بتمایز الموضوعات فیها
وهذا الذي ذکرناه عنه هو عمدة کلامه رحمه اللَّه وربما یوجد بین هذا الکلام، وماذکره فی المقدّمۀ الأولی- حول موضوع علم
الإلهیات بالمعنی الأعم- منافاة، ومن هنا أشکل الشیخ الاستاذ علی المقدّمۀ الأولی، فراجع، ولکنّ هذا الکلام إنّما یتمّ فی علم الاصول
إلّاأنّ الواقع فی سائر العلوم هو أخذهم الشیء موضوعاً ،« الحجّ ۀ » فقط، حیث أنّ المتبادر إلی الذهن فیه والذي یبحث عن تعیناته هو
وفی الإلهیّات بالمعنی « الکلمۀ والکلام » وفی علم النحو « العدد » ثمّ بحثهم عن خصوصیاته وتعیّناته، فالموضوع فی علم الحساب هو
عندهم محمولًا أصلًا، ونسبۀ القول بکون الموضوع هو الجامع بین المحمولات « الوجود » باتّفاق الفلاسفۀ، فلم یکن « الوجود » الأعم هو
إلی القدماء غیر تامّۀ کما ذکر شیخنا الاستاذ دام ظلّه.
ص: 28
موضوع علم الاصول … ص: 28
اشارة
لا یشترط أن یکون لکلّ علمٍ موضوع، لعدم الدلیل التام علی ذلک، مؤیّداً بما حکاه شیخنا عن الشفاء وشرح الإشارات وأساس
الإقتباس والجوهر النضید، من أن العلوم تارةً تتشکّل من موضوع واحدٍ واخري من موضوعات.
وعلی هذا، فلا یعتبر أن یکون لعلم الاصول موضوع خاص، بل لا یکون له موضوع لأمرین:
أحدهما: إن علم الاصول لیس من العلوم المطلوب منها المعرفۀ فقط، بل الغرض منه هو التمکّن من استنباط الأحکام الکلیّۀ الإلهیّۀ،
وکلّ علمٍ یدوَّن لغرضٍ، فالمقصود تحصیل الغرض والوصول إلیه، سواء کان له موضوع أو لم یکن.
والآخر: إنَّ موضوعات مسائل هذا العلم مختلفۀ وغیر قابلۀ لتصویر جامع بینها، إذ یستحیل تصویر جامع بین الخبر والشهرة والیقین-
وهو موضوع الإستصحاب- والوجوب، وهو موضوع مسألۀ مقدمۀ الواجب…
وهکذا..
رأي صاحب الکفایۀ … ص: 28
ومن هنا أیضاً یظهر مافی مختار (الکفایۀ) من وجود الجامع، وأنّ نسبته إلی موضوعات المسائل نسبۀ الکلّی إلی المصادیق، وإنْ لم
صفحۀ 30 من 205
یکن له عنوان خاص واسم مخصوص … فَجَعَلَ موضوع علم الاصول: الکلّی المنطبق علی موضوعات مسائله المتشتّتۀ.
ص: 29
رأي المشهور … ص: 29
علی الوجوه الأربعۀ وهی: إحتمال أن تکون هی الموضوع بوصف ،« الأدلّۀ الأربعۀ » ومنه أیضاً یظهر مافی القول المعروف من جعله
الدلیلیّۀ، وأنْ تکون هی الموضوع لا بوصف الدلیلیّۀ، فالدلیلیّۀ علی الأول جزء من الموضوع وعلی الثانی من أحواله، واحتمال أن
منها هو المحکی بها، وهو قول المعصوم وفعله وتقریره، ویکون المراد منها الأعم من المحکی والحاکی، وهو « السنّۀ » یکون المراد من
الخبر.
مضافاً إلی وجود الإشکال فی کلّ من هذه الوجوه الأربعۀ.
وتوضیح الإشکال فی ذلک هو أنّه:
إن کانت الأدلّۀ الأربعۀ موضوع العلم بوصف دلیلیّتها، بمعنی أن البحث یکون عمّا یعرض الدلیل بعد الفراغ عن دلیلیّته، کما عن
المحقق القمّی، ففیه: أنّه لا یتناسب مع قولهم: لکلّ علم موضوع جامع بین موضوعات مسائله، یبحث فیه عن عوارضه الذاتیّۀ، إذ لا
ولیس جامعاً، إذ لا جامع بین الثلاثۀ. « القول والفعل والتقریر » عنوان مشیر إلی « السنّۀ » جامع بین العقل والإجماع، کما أن
فهذا الوجه ینافی قولهم بذلک، لکن صاحب (الحاشیۀ) جمع بین هذین المتنافیین.
وأیضاً: فإن لازم هذا الوجه خروج أکثر مسائل علم الاصول، عدا مباحث الألفاظ، إذ البحث عن الخبر والشهرة والإستصحاب وغیرها
إنّما هو عن أصل الدلیلیّۀ والحجیّۀ.
وإنْ کانت هی الموضوع لکنْ لا بوصف الدلیلیّۀ، کما علیه صاحب
ص: 30
هو الأعم من الحاکی، بالنسبۀ إلی قسم من المسائل، وهی التی « السنّۀ » (الفصول)، إرتفع الإشکال الثانی، بناءً علی کون المراد من
یکون البحث فیها عن أصل الدلیلیّۀ، لکن مباحث الإستلزامات العقلیۀ، ومباحث الإطلاق والتقیید، والعموم والخصوص، ونحوها من
مباحث الألفاظ، کلّها تخرج، لأنّ البحث لیس عن عوارض الأدلۀ الأربعۀ، فیکون من العوارض الغریبۀ، لکون الموضوع فی کل هذه
المباحث أعمّ من الکتاب والسنّۀ، کما أنّ الشهرة أیضاً تخرج، إلّاأن تدخل فی السنّۀ، لکونها- کالخبر- حاکیۀ.
فیضاف الإشکال بخروج مباحث حجیّۀ الخبر، « القول والفعل والتقریر » خصوص المحکی، وهو « السنّۀ » وأمّا بناءً علی کون المراد من
ومباحث باب التعارض، لأنّ البحث هناك إنما هو عن حجیّۀ الخبر الحاکی، والمفروض عدم کونه سنّۀً، فلا یکون البحث بحثاً عن
عوارض الأدلۀ الأربعۀ.
وقد حاول الشیخ الأعظم دفع هذا الإشکال بإرجاع البحث عن خبر الواحد إلی البحث عن ثبوت السنّۀ، بأنّ البحث فی الحقیقۀ: أنّه هل
السنّۀ- التی هی عبارة عن قول المعصوم وفعله وتقریره- کما تثبت بالخبر المتواتر وبالقرینۀ القطعیۀ، تثبت بخبر الواحد الثقۀ أو لا
تثبت؟ فیکون بحثاً عن عوارض السنّۀ.
لکنّ هذه المحاولۀ غیر مفیدة، لأنّه إنْ ارید بالثبوت: الثبوت الواقعی الخارجی، فقد أورد علیه شیخنا- تبعاً للمحقق الخوئی- بأن الخبر
حینئذٍ حاك وکاشف عن السنّۀ، والکاشف عن الشیء فی رتبۀٍ متأخرة عنه، ویستحیل أن یکون علۀً له.
ص: 31
وأمّا ما أجاب فی (الکفایۀ)- وتبعه المیرزا والعراقی- من أنّه حینئذٍ بحث عن الثبوت بمفاد کان التامۀ ولیس بحثاً عن عوارض السنّۀ،
الذي هو بحث عن العوارض بمفاد کان الناقصۀ، فقد أجاب عنه شیخنا بإمکان إرجاعه إلی العوارض، لأنّ البحث لیس عن الوجود
صفحۀ 31 من 205
الخارجی للشیء، بل هو عن وجوده بعلّۀٍ خاصّۀ، وأنّه هل توجد السنّۀ وتثبت خارجاً بالخبر أو لا؟ فهو بحث بمفاد کان الناقصۀ.
وإن ارید بالثبوت: الثبوت العلمی، بأنْ یکون الخبر واسطۀً فی الإثبات، أي علۀً للعلم بالسنّۀ- لا لوجودها- فیکون بحثاً عن العوارض،
وعن مفاد کان الناقصۀ. ففیه: إنّ المبحوث عن حجیّته وهو خبر الواحد- یقبل ال ّ ص دق والکذب، ولایوجب العلم کما فی المتواتر
والمحفوف بالقرینۀ.
وإنْ ارید بالثبوت: الثبوت التعبّدي، بمعنی أنّ الشارع هل جعل خبر الواحد حجۀً کاشفۀً عن ثبوت السنّۀ؟ کان البحث بحثاً عن
العوارض، لکن عن عوارض الخبر لا عن عوارض السنّۀ التی هی الموضوع.
قاله فی (الکفایۀ) وتبعه غیره.
.«1» وأجاب المیرزا: بأنْ عنوان کون السنّۀ محکیّۀ یعرض لها بواسطۀ الخبر الذي هو مباین لها، فیکون من العوارض الغریبۀ
قال شیخنا دام ظلّه: أمّا جواب (الکفایۀ) عن کلام الشیخ فوارد، لکنْ بناءً علی أن مدلول أدلّۀ اعتبار خبر الثقۀ هو إنشاء الحکم
المماثل. فهو جوابٌ مبنائی. وأمّا جواب المیرزا ففیه: إنّ حجیۀ الخبر علی مسلکه اعتبار الشارع الخبر علماً، لکنّ حصول هذه الصفۀ
للخبر- أي: صفۀ العلمیۀ الاعتباریۀ له-
__________________________________________________
.10 -9 / 1) أجود التقریرات 1 )
ص: 32
إنما کان باعتبار الشارع، فکان اعتبار الشارع واسطۀ فی ثبوته، وعلیه، فإن هذا المعتبر یکون عرضاً غریباً للخبر.
ثم إنّ المحقق الإصفهانی حاول توجیه کلام الشیخ- علی فرض إرادة الثبوت التعبّدي- علی المسلکین: إنشاء الحکم المماثل،
والمنجزیّۀ والمعذریّۀ، أمّا علی الأول: فبأنّ الحکم الذي یجعل من قبل الشارع علی طبق الحکم الذي أتی به المخبر کقول زرارة:
صلاة الجمعۀ واجبۀ، له وجود حقیقی، فالحکم وإنْ کان اعتباریاً، إلّاأن الوجوب الصادر طبق قول زرارة وجوب حقیقی للحکم
الظاهري الذي أخبر به زرارة، وهذا الوجود الحقیقی وجود تنزیلی للسنّۀ، فالبحث عن ثبوت السنّۀ بخبر الواحد بحث عن الثبوت
التنزیلی لها بخبر الواحد، أي: هل السنّۀ تثبت تنزیلًا بالخبر أو لا؟
وأمّا علی الثانی، فإنّ المنجزیّۀ والمتنجزیّۀ متضایفتان، فجعل الخبر منجزاً یلازم جعل السنّۀ متنجّزة، فیصحّ البحث عن کلٍّ منهما، بل
والحاصل: إنّ المسألۀ ،«1» الثبوت التعبّدي أکثر مساساً بالسنّۀ من التنجّز، حیث أن اعتبار الثبوت هو اعتبار کون الخبر وجوداً للسنّۀ
تکون اصولیّۀ، لأن البحث یقع عن أنه هل السنّۀ تصیر متنجّزة بالخبر أو لا؟
لکن لا یخفی أنّ ماذکره طاب ثراه إخراجٌ لعناوین المسائل المطروحۀ فی العلم عن ظواهرها، وإرجاعٌ لها إلی قضایا ومعانٍ اخري،
والمسألۀ هی: هل خبر الواحد حجۀ أو لا؟ فالحجیّۀ محمولۀ علی الخبر، وهو حاكٍ « السنّۀ » لأنّ موضوع العلم- کما هو مفروض- هو
عن السنّۀ ولیس بمصداقٍ لها…
ولو أنّا أردنا إرجاع صور القضایا فی العلم إلی قضایا اخري، للزم خروج کثیر
__________________________________________________
.37 / 1) نهایۀ الدرایۀ 1 )
ص: 33
من مسائله عنه، فلو أرجعنا قولنا فی الاصول: هل وجوب ذي المقدّمۀ یستلزم وجوب المقدّمۀ أو لا؟ إلی قولنا: هل مقدمۀ الواجب
واجبۀ أو لا؟
لخرجت المسألۀ عن الاصول ودخلت فی الفقه.
صفحۀ 32 من 205
قال الاستاذ …: ص: 33
والتحقیق: إن الإشکال لا یندفع علی أيّ المسالک الموجودة فی باب حجیّۀ خبر الثقۀ، وهی أربعۀ:
أحدها: ماذهب إلیه المشهور، وهو إنشاء الشارع الحکم فی مورد الخبر وغیره من الأمارات، کما قال العلّامۀ: ظنّیۀ الطریق لا تنافی
قطعیّۀ الحکم، واختاره المحقق الخراسانی والمحقق العراقی فی باب المجعول فی الإستصحاب.
والثانی: انّ المجعول فی مورد الأمارات هو المنجزیّۀ والمعذریّۀ. وهو ما یستفاد من بعض کلمات المحقق الخراسانی.
والثالث: إن مدلول أدلّۀ اعتبار الخبر مثلًا جعله علماً وکاشفاً عن الواقع، وهو ما یعبّر عنه بمسلک تتمیم الکشف، وهو مختار المیرزا.
والرابع: تنزیل المؤدّي منزلۀ الواقع.
والبحث عن حجیّۀ الخبر- علی جمیع هذه المسالک- بحث عن عوارضه لا عن عوارض السنّۀ … وهذا هو مقتضی الأدلۀ أیضاً،
العمري ثقتی، فما أدّي إلیک » : وقوله علیه السلام «1» « لا عذر لأحدٍ من موالینا فی التشکیک فیما یرویه عنّا ثقاتنا » : کقوله علیه السلام
عنّی فعنّی یؤدّي وما قال لک عنّی
__________________________________________________
. 150 ط مؤسّسۀ آل البیت، الباب 11 من أبواب صفات القاضی رقم: 40 / 1) وسائل الشیعۀ 27 )
ص: 34
والتشکیک من عوارض الخبر لا من عوارض السنّۀ، ومقتضی الخبر الثانی هو تنزیل کلام الراوي منزلۀ کلامه، لا أنّ «1» « فعنّی یقول
کلامه یثبت بکلام الرّاوي.
وتلخص: عدم تمامیۀ القول بموضوعیّۀ الأدلّۀ الأربعۀ للاصول، مطلقاً.
هذا، ولا یخفی أن هذا ما استقرّ علیه رأي شیخنا أخیراً، أمّا فی الدورة السابقۀ التی حضرناها، فقد اختار أنّ الموضوع ذوات الأدلۀ مع
أعمیّۀ السنّۀ، وأجاب عن الإشکال بخروج عدّةٍ من المباحث المهمۀ کالشهرة ومباحث الألفاظ والاستلزامات العقلیّۀ، بأنّه یبتنی علی
القول بکون العرض الداخلی غریباً لا ذاتیّاً، وهو خلاف التحقیق، لعدم الواسطۀ فی العروض فی هذه المسائل، وعدم صحّۀ السّلب.
لکنّ هذا الجواب إنما یتمُّ فی مباحث الألفاظ ونحوها، أمّا فی الشهرة مثلًا فلا، ولذا التزم بکون البحث عنها فی علم الاصول استطرادیّاً،
وهو کما تري.
وأما ما ذهب إلیه صاحب (الکفایۀ)- وتبعه المیرزا- من أنه کلّی منطبق علی جمیع موضوعات مسائله … فغیر صحیح أیضاً، لما عرفت
من أن الصحیح أنْ لا جامع بین موضوعات مسائل علم الاصول.
رأي السید البروجردي والمحقق الإصفهانی والکلام حولهما … ص: 34
« الحجّۀ فی الفقه » وذهب المحقق البروجردي إلی أنّ الموضوع هو
__________________________________________________
. 138 ط مؤسّسۀ آل البیت، الباب 11 من أبواب صفات القاضی رقم: 4 / 1) وسائل الشیعۀ 27 )
ص: 35
وسیأتی ذکر رأي المحقق الإصفهانی. ،« ماهو الدلیل علی الحکم الشرعی » : وتلقّاه بعضهم بالقبول وتعبیره
هو: إنا نعلم بوجود الحجج الشرعیّۀ علی الأحکام الشرعیّۀ، فلکلّ حکم من الأحکام دلیلٌ، «1» وتقریب الإستدلال کما فی تقریر بحثه
غیر أنّا نجهل بتعیّنات تلک الأدلۀ والحجج، وقد جعل علم الاصول للبحث عنها، وأنّه هل الدلیل والحجۀ علی الأحکام الفقهیۀ العملیۀ
صفحۀ 33 من 205
هو خبر الواحد أو لا؟ ظاهر الکتاب أو لا؟ الشهرة أو لا؟ وهکذا. فالموضوع فی الحقیقۀ هو ما یکون عندنا معلوماً، والمحمول ما
هنا هو العارض المنطقی لا الفلسفی، فالمقصود ما کان خارجاً « العارض » یکون مجهولًا ونرید رفع الجهل عنه، مع لحاظ أن المراد من
عن الشیء ومحمولًا علیه، أي: فکما یکون الوجود خارجاً عن ذات الجوهر ومحمولًا علیه کذلک نقول: الخبر حجۀ، بمعنی أن الحجیّۀ
خارجۀ عن ذات الخبر ومحمولۀ علیه.
والکلام علی هذا الرأي یقع فی جهتین، جهۀ الکبري وأصل المبنی فی موضوع کلّ علمٍ، وجهۀ التطبیق علی علم الاصول، أمّا الجهۀ
الأولی، فقد تقدّم الکلام علیها. وأمّا فی الجهۀ الثانیۀ، فقد طبق رحمه اللَّه ماذکره علی الخبر والشهرة والإجماع، وهذا لا کلام فیه.
أمّا علی القطع، فیرد علیه أنّ القطع بالحکم الشرعی إنّما هو نتیجۀ المسألۀ الاصولیّۀ، أي: إن المسائل فی هذا العلم مبادي تحصیل
القطع بالحکم الشرعی وانکشافه، والنتیجۀ دائماً متأخرة، فلا یصح جعل حجیّۀ القطع مبحثاً من مباحث علم الاصول.
فی باب « الحجۀ » وکذا علی المفاهیم، فإنه یرد علیه بأنّ المراد من
__________________________________________________
. 1) نهایۀ الاصول: 11 )
ص: 36
المفاهیم هو أصل وجود المفهوم لا حجیّته- بعد وجوده- کما فی باب الأخبار مثلًا.
ثم إنه یرد علی ما أفاده خروج مباحث الألفاظ من الأوامر والنواهی، والعام والخاص، والمطلق والمقیّد، والمشتق، والصحیح والأعم
…لأنّ البحث فی هذه المسائل لیس عن تعیّنات الحجّۀ.
والنکتۀ المهمّۀ الجدیرة بالذکر هی: جعله تحصیل الحجّۀ علی الحکم الشرعی هو الغرض من علم الاصول، فیکون الموضوع لهذا
لأنه الموافق للغرض، مع أنّ شأن علم الاصول، بالنسبۀ إلی الأحکام الفقهیّۀ، شأن علم المنطق بالنسبۀ إلی الفکر « الحجۀ » العلم هو
الصحیح والإستدلال المتین فی سائر العلوم، فعلم الاصول کالآلۀ بالنسبۀ إلی علم الفقه، ولذا عبّر المحقق الخراسانی بال ّ ص ناعۀ، کما
سیأتی … فعلم الاصول- بالنظر الدقیق- هو المبادئ التصدیقیّۀ لمحمولات موضوعات الفقه، ففی الاصول یتمّ وجه صحّۀ حمل
مثلًا … وهناك تقوم الحجۀ علی ثبوته لها… « الصلاة » علی « الوجوب »
وهکذا.
فالحق فی المسألۀ: إنّ لموضوع علم الاصول خصوصیّۀ ال ّ ص لاحیّۀ للاتّصاف بالحجیّۀ للحکم الشرعی، وکلّ مسألۀٍ یکون لموضوعها
هذه الخصوصیّۀ فهی مسألۀ اصولیّۀ، والجامع بین هذه الموضوعات عرضی ولیس بذاتی، وحینئذٍ لا یرد الإشکال الثالث بخروج کثیر
هو إتیان المأمور به، فإذا ثبت کونه مجزیاً کان حجۀً علی صحّۀ العمل وسقوط « الإجزاء » من المباحث، لأن الموضوع فی مسألۀ
القضاء، فکان الموضوع المذکور صالحاً لانطباق عنوان الحجۀ علیه، والموضوع فی مسألۀ المقدّمۀ یصلح- بعد ثبوت
ص: 37
الاستلزام- لأنْ یکون حجۀً، علی القول بوجوب المقدمۀ، والخبر موضوع یصلح- بعد ثبوت حجیّته- لأن یکون حجۀً علی الحکم
الشرعی.
وعلی هذا الأساس قال المحقق الإصفهانی بأنه لیس لعلم الاصول موضوع معیَّن، بل هو موضوعات مختلفۀ لها جامع عرضی، وهو
کونها منسوبۀ إلی غرض واحدٍ هو إقامۀ الحجّۀ علی الحکم الشّرعی، نظیر علم الطب الذي لا جامع ذاتی بین موضوعات مسائله، وإنّما
یجمعهاعنوان عرضی، وهو مایعبّر عنه بمایکون منسوباً إلی الصحّۀ.
ولا یرد علی هذا البیان شیء مما ذکر، وإن کان فی التنظیر بین الاصول والطب نظر، نظراً إلی أن ماذکره یتم فی علم الطب، فکلّ ما
یکون له علاقۀ بصحّۀ البدن فهو من مسائله، لکنْ لیس کلّ ماله علاقۀ بإقامۀ الحجّۀ یعدّ من مسائل علم الاصول، فعلم الرجال- مثلًا-
صفحۀ 34 من 205
له نسبۀ وعلاقۀ بإقامۀ الحجۀ علی حکم العمل، مع أنّه علم مستقل عن الاصول.
إنما الکلام فی کیفیّۀ هذه العلاقۀ والدخل، فإنا إذا قلنا بأنْ المعتبر أنْ تکون العلاقۀ مباشرة والدخل بلا واسطۀ، لزم خروج عمدة
المباحث الاصولیۀ، لکون دخلها فی إقامۀ الحجۀ مع الواسطۀ، فلا یبقی تحت التعریف إلّا مثل الخبر والشّ هرة مما یکون دخله
علیه بلا واسطۀ، أمّا مثل مباحث العام والخاص والإطلاق والتّقیید وظهورات الأوامر والنواهی، فلا یکون « الحجیّۀ » بالمباشرة، وتحمل
شیء منها حجۀً مالم تنطبق علیها ویضمّ إلیها حجیّۀ الظاهر، فعندئذٍ یمکن إقامۀ الحجّۀ علی الحکم الشرعی بها … نظیر علم الرّجال
فإنّه إذا ثبت وثاقۀ زید احتیج إلی کبري حجیّۀ خبر الثقۀ، فیکون دخیلًا فی إقامۀ الحجّۀ علی الحکم الشرعی.
ص: 38
ثم لا یخفی الفرق بینه وبین مسلک المحقق البروجردي، فإنه اتّخذ عنوان الحجّ ۀ فی الفقه جامعاً بین محمولات المسائل وجعل
المحمول الکلّی موضوعاً، أمّا المحقق الإصفهانی، فقد جعل الموضوع جامعاً بین موضوعات المسائل، فهو من هذه الجهۀ موافق
للمشهور غیر أنه جعله عرضیاً لا ذاتیّاً خلافاً لصاحب (الکفایۀ).
والحاصل: إنه وإنْ لم یقم برهان علی ضرورة وجود الموضوع الجامع بین موضوعات العلم، إلّاأن البیان المذکور غایۀ ما یمکن أنْ
یقال.
أقول:
هذا ما أفاده مدّ ظلّه، لکنّ ما أورده فی الدورة السابقۀ باق علی حاله، وحاصله: إن الجامع العنوانی لا یتّحد مع معنونه فی الخارج، لأن
موطنه الذهن دائماً، فجعله موضوعاً- والحال هذه- یؤول إلی إنکار الموضوع، فلیتدبّر.
ص: 39
تعریفُ علم الاصول … ص: 39
اشارة
واختلفت کلماتهم فی تعریف علم الاصول:
فقال المشهور: هو العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحکام الشرعیّۀ.
وقال فی (الکفایۀ): صناعۀ یعرف بها القواعد التی یمکن أنْ تقع فی طریق الإستنباط أو التی ینتهی إلیها فی مقام العمل.
وقال الشیخ الأعظم: هو القواعد التی تطبیقها بید المجتهد.
وقال المیرزا: هو العلم بالقواعد التی إذا انضمّت إلیها صغریاتها أنتجت نتیجۀً فقهیۀ.
وقال المحقق الإصفهانی: هو العلم بالقواعد التی تقع فی طریق إقامۀ الحجّۀ علی حکم العمل.
وقال المحقق العراقی: هو العلم بالقواعد التی تقع فی طریق تعیین الوظیفۀ العملیّۀ.
تعریف المشهور … ص: 39
لعدم دخل التمهید ،« الممهّدة » لأنّ هذه القواعد علم سواء علم بها أولا، وبزیادة ،« العلم » وقد أشکل علی تعریف المشهور بزیادة لفظۀ
بأنها مستلزمۀ لخروج کثیر من الأدلۀ « لاستنباط الأحکام الشرعیۀ » فی العلم، فهی العلم سواء کانت ممهّدة للإستنباط أو لا، وفی جملۀ
الدالۀ علیه، یطبّق فی
ص: 40
صفحۀ 35 من 205
موارده الخاصۀ به، وتخرج الاصول العملیۀ العقلیّۀ، کقبح العقاب بلا بیان، وکالتخییر عند دوران الأمر بین المحذورین، وکالظنّ
الإنسدادي بناءً علی الحکومۀ لا الکشف، فإنّها أحکام عقلیّۀ تطبَّق فی مواردها.
تعریف الکفایۀ … ص: 40
ولهذه الامور عدل صاحب (الکفایۀ) إلی التعریف الذي ذکره، فیکون جامعاً بالقید الذي أضافه لما کان یخرج من تعریف المشهور،
لإفادة آلیّۀ علم الاصول کما أشرنا سابقاً، لکنّ علم « صناعۀ » ولا یرد علیه شیء مما ورد علیه … لکن یرد علی تعریفه: أوّلًا: إنه قال
الاصول هو نفس القواعد لا أنّه صناعۀ تعرف بها القواعد. وثانیاً: ان ما یعرف به القواعد، یکون من المبادي التصدیقیّۀ، وهی خارجۀ
.«1» عن مسائل العلم. أورده السید الحکیم
ثمّ إنّ المحقق الإصفهانی [بعد أنْ بیّن وجه الأولویّۀ فی قول (الکفایۀ):
بأنّ من وجوه الأولویّۀ تبدیل تخصیص القواعد بکونها واسطۀ فی الاستنباط- کما - «.. الأولی تعریفه بأنه صناعۀ یعرف بها القواعد »
عن القوم- بتعمیمها لما لا یقع فی طریق الاستنباط، بل ینتهی إلیه الأمر فی مقام العمل، وذکر أن وجه الأولویّۀ استلزام التخصیص
خروج جملۀ من المسائل المدوّنۀ فی الاصول، لأنه لا ینتهی إلی حکم شرعی، بل ظن به أبداً، وإنما یستحق العقاب علی مخالفته عقلًا
کالقطع، ومثل الاصول العملیّۀ فی الشبهات الحکمیّۀ، لکون مضامینها بأنفسها أحکاماً شرعیّۀ ولیست واسطۀً فی استنباطها فی الشرعیۀ
منها. وأما العقلیّۀ فلا تنتهی إلی حکم شرعی أبداً] أجري الإشکال الذي یستلزمه التخصیص- کما عن القوم- فی جلّ مسائل الاصول،
__________________________________________________
.16 / 1) حقائق الاصول 1 )
ص: 41
فذکر الأمارات غیر العلمیّۀ سنداً کخبر الواحد، أو دلالۀً کظواهر الألفاظ، وقال بأنّ مرجع حجیّۀ الأمارات غیر العلمیۀ مطلقاً إمّا إلی
الحکم الشرعی، أو غیر منتهیۀ إلیه أبداً، وعلی أي تقدیر لیس فیها توسیط للإستنباط.
فالحاصل: إن عدول صاحب (الکفایۀ) عن تعریف القوم لیس لأجل خروج الاصول فقط، بل لأجل خروج الأمارات أیضاً … فیکون
تعریفه أولی من تعریفهم لدخول ذلک کلّه به فی علم الاصول.
لکنّه بعد أن أوضح کیفیۀ لزوم خروج الأمارات عن تعریف القوم، استدرك قائلًا:
إلّاأنْ یوجّه مباحث الأمارات غیر العلمیّۀ. »
أمّا بناءً علی إنشاء الحکم المماثل، بأنّ الأمر بتصدیق العادل مثلًا لیس عین وجوب ما أخبر بوجوبه العادل، بل لازمه ذلک، والمبحوث
عنه فی الاصول بیان هذا المعنی الذي لازمه الحکم المماثل، وهذا القدر کاف فی التوسیط فی مرحلۀ الإستنباط.
وأمّا بناءً علی کون الحجیّۀ بمعنی تنجیز الواقع، بدعوي أن الاستنباط لا یتوقّف علی إحراز الحکم الشرعی، بل تکفی الحجیّۀ علیه فی
استنباطه، إذ لیس حقیقۀ الإستنباط والإجتهاد إلّاتحصیل الحجّۀ علی الحکم الشرعی. ومن الواضح دخل حجیّۀ الامارات- بأي معنیً
.« کان- فی إقامۀ الحجّۀ علی حکم العمل فی علم الفقه
وعلیه، فعلم الاصول: ما یبحث فیه عن القواعد الممهّدة لتحصیل الحجۀ علی الحکم الشرعی. من دون لزوم التعمیم، إلّابالإضافۀ » : قال
إلی ما لا بأس بخروجه، کالبراءة الشرعیۀ التی معناها حلیّۀ مشکوك الحرمۀ
ص: 42
.«1» « والحلیّۀ، لا ملزومها، ولا المعذّر عن الحرمۀ الواقعیۀ
ثم إنه أشکل علی تعریف (الکفایۀ) باستلزامه محذورین:
صفحۀ 36 من 205
أحدهما: لزوم فرض غرضٍ جامع بین الغرضین، لئلّا یکون فن الاصول فنّین.
ثانیهما: إن مباحث حجیّۀ الخبر وأمثاله لیست مما یرجع إلیها بعد الفحص والیأس عن الدلیل علی حکم العمل، وأما جعلها مرجعاً من
دون تقیید بالفحص والیأس فیُدخل فیهاجمیع القواعد العامّۀ الفقهیّۀ، فإنّها المرجع فی جزئیّاتها.
وقد ذکر شیخنا الاستاذ دام ظلّه هذین المحذورین وقرّبهما.
أقول: لکن فی (المنتقی) ما ملخّصه عدم لزوم شیء من المحذورین.
أمّا الثانی: فبأنه یلتزم بإضافۀ القید المذکور- وهو قول صاحب (الکفایۀ): أو التی ینتهی الیها فی مقام العمل- والأمارات وإنْ کانت
خارجۀ عن القید، أي ذیل التعریف، فهی داخلۀ فی صدره، بناءً علی أنّ المراد من الإستنباط هو تحصیل الحجۀ علی الواقع. والمحذور
إنّما کان یلزم لو فسّر الإستنباط بإحراز الحکم الشرعی واستخراجه بحیث لا یشمل تحصیل الحجّۀ علیه، لأن المجعول فی الأمارات،
إمّا المنجزیّۀ والمعذریّۀ، وإما الحکم المماثل، وهی بکلا المسلکین لا تقع فی طریق استنباط الأحکام، فیلزم خروجها عن علم الاصول.
وأمّا الأول: فهو یرتفع بتصوّر غرضٍ خارجی جامعٍ بین الغرضین، ویترتّب علی جمیع مسائل علم الاصول، وذلک الغرض هو ارتفاع
التردّد
__________________________________________________
42 ط مؤسّسۀ آل البیت، بتصرف قلیل. / 1) نهایۀ الدرایۀ 1 )
ص: 43
والتحیّر الحاصل للمکلَّف من احتمال الحکم، فمسائل الاصول کلّها تنتهی إلی غایۀ واحدة، وهی ارتفاع التردّد الحاصل من احتمال
الحکم الشرعی، سواء کانت نتیجتها الاستنباط أو لم تکن کذلک. وبذلک یرتفع المحذور المذکور.
ثم أوضح شمول هذا التعریف لجمیع المسائل الاصولیّۀ، من الاصول والأمارات وغیرها.
نعم یبقی ههنا سؤال وهو: لم عدل صاحب (الکفایۀ) إلی هذا التعریف المفصل وذکر کلا القیدین، مع أن نظره لو کان إلی » : ثم قال
هذه الجهۀ المذکورة لکان یکفی فی تعریف علم الاصول أن یقول: هو القواعد التی یرتفع بها التحیّر الحاصل للمکلّف من احتمال
الحکم الشرعی، إلّاأن الأمر فی ذلک سهل، فإنّه لا یعدو کونه إشکالًا لفظیّاً. ولعلّ نظره قدّس سرّه إلی الإشارة إلی قصور تعریف
.«1» « المشهور وأنه یحتاج إلی إضافۀ قید، لا إلی بطلانه، کما قد یشعر به تبدیله وتغییره
لکن لا یخفی أنّ لفظیّۀ هذا الإشکال إنّما هی علی فرض تمامیّۀ إرجاع تعریفه إلی ماذکره وأتعب نفسه الشریفۀ، وهذا أوّل الکلام.
وأمّا تعریفه دام ظلّه، فإنّما أفاد دخول الاصول الجاریۀ فی الشبهات الموضوعیّۀ، لکونها رافعۀ للتحیّر والتردّد فی مقام العمل. وأمّا
الأمارات فهی جاریۀ ومتّبعۀ سواء قلنا بالمنجزیّۀ والمعذریّۀ، أو جعل الحکم المماثل، أو الطریقیّۀ، بلا أيّ تردّد وتحیّر فی مقام العمل،
فتأمّل. هذا أوّلًا. وثانیاً: إنه یستلزم خروج عدّةٍ من المسائل عن علم الاصول، کما سیجیء الإعتراف منه والإلتزام بذلک.
__________________________________________________
.29 -27 / 1) منتقی الاصول 1 )
ص: 44
تعریف المحقق الإصفهانی … ص: 44
تقدّم أنّه عرّف علم الاصول بالقواعد الممهّدة لتحصیل الحجّۀ علی الحکم الشّرعی، وهو تعریف یدخل به ما کان خارجاً عن تعریف
صاحب (الکفایۀ)، کما أنه یصلح لأن یکون جامعاً بین الغرضین، فلا یلزم تعدّد علم الاصول.
لکنّه صرّح فی (نهایۀ الدرایۀ) وفی (الاصول علی النهج الحدیث) بخروج البراءة الشرعیۀ وأصالۀ الحلّ عن تعریفه، فلابدّ من جعلها
صفحۀ 37 من 205
بحوثاً استطرادیۀ، لکون مفادها بنفسها أحکاماً شرعیّۀ. لکنّ ینقض علیه بالإستصحاب- بناءً علی أن مدرکه هو الأخبار- فهو أیضاً
حکم شرعی، والملاك فی الاصول العملیۀ أنْ تکون حجّ ۀ علی الحکم الشرعی، فما کان حجۀً فهو من مسائل الاصول، وما لا فلا،
فالبراءة الشرعیّۀ داخلۀ، لکونها حجّۀ شرعیّۀ، فلا وجه للإستطراد … وکذا قاعدة الحلّ.
ثم إنّ الإشکال المهمّ المتوجّه علی هذا التعریف هو: أنّه إنْ أرید من إقامۀ الحجّۀ علی حکم العمل إقامتها بلا واسطۀ، وأنّه بمجرّد
الوصول إلی تلک القاعدة تحصل الحجّۀ وتقام علی الحکم، لزم خروج کثیر من المسائل، ففی بحث دلالۀ ألفاظ العموم مثلًا لا تکون
النتیجۀ إقامۀ الحجّ ۀ بلا واسطۀ، وکذا نتیجۀ مباحث حجیّۀ الظهور. وإنْ ارید من ذلک إقامتها علی الحکم، أعمّ من أن تکون مع
الواسطۀ أو بلا واسطۀ، لزم دخول بعض العلوم کعلم الرّجال- مثلًا- فی علم الاصول.
تعریف المحقق العراقی … ص: 45
بل إنّ هذا الإشکال یتوجّه علی تعریف المحقق العراقی بأنّه القواعد
ص: 45
.«1» الخاصّۀ التی تعمل فی استخراج الأحکام الکلیّۀ الإلهیّۀ أو الوظائف العملیۀ الفعلیۀ، عقلیّۀ کانت أم شرعیّۀ
ولذا تعرّض له المحقق المذکور، وأجاب بما حاصله: أنا نختار الشق الثانی، ومع ذلک نلتزم بخروج الامور المزبورة عن مسائل
الاصول. وذلک:
أمّا أولًا: فلوضوح أن المهم والمقصود فی العلوم الأدبیۀ کالنحو والصرف لیس هو إثبات الظهور للکلمۀ والکلام، بل المهمّ فیها هو
إثبات کون الفاعل مرفوعاً والمفعول منصوباً، بخلاف مباحث الأمر والنهی والعام والخاص … فی علم الاصول، فإنها تتکفّل إحراز
الظهور فی الکلمۀ والکلام.
وأمّا ثانیاً: علی فرض أن المقصود فی العلوم الأدبیّۀ أیضاً إحراز الظهور فی شیء کظهور المرفوع فی الفاعلیۀ، والمنصوب فی
المفعولیۀ، فإنّ غایۀ ما یقتضیه ذلک حینئذٍ إنّما هو وقوع نتیجتها فی طریق استنباط موضوعات الأحکام، لا نفسها، والمسائل الاصولیۀ
إنما کانت عبارة عن القواعد الواقعۀ فی طریق استنباط نفس الأحکام الشرعیّۀ العملیۀ. وتوهّم استلزامه خروج مثل مباحث العام
والخاص أیضاً، مدفوع بأنّها وإنْ لم تکن واقعۀً فی طریق استنباط ذات الحکم الشرعی، إلّاأنها باعتبار تکفّلها لإثبات کیفیۀ تعلّق
الحکم بموضوعه کانت دخیلۀً فی مسائل الاصول، کما هو الشأن أیضاً فی مبحث المفهوم والمنطوق، حیث أن دخوله باعتبار تکفّله
لبیان إناطۀ سنخ الحکم بشیء، الذي هو فی الحقیقۀ من أنحاء وجود الحکم وثبوته. وهذا بخلاف المسائل الأدبیۀ، فإنّها ممحّضۀ
لإثبات موضوع الحکم، بلا نظر فیها إلی کیفیّۀ تعلّق الحکم أصلًا.
__________________________________________________
.20 / 1) نهایۀ الافکار 1 )
ص: 46
وبهذا البیان یظهر الوجه فی خروج مباحث المشتق، لأنّها لا تتکفّل الحکم لا بنفسه ولا بکیفیّۀ تعلّقه بموضوعه.
هذا کلّه لدفع الإشکال بالنسبۀ إلی سائر العلوم. أمّا علم الرجال، فقد التزم بدخوله فی مسائل علم الاصول، غیر أنّه بحث عنه علی
حده.
والبحث عن مفاد لفظ « کلّ » لکن یرد علی جوابه بالنسبۀ إلی العلوم الأدبیّۀ، بأنه لا فرق- بناءً علی ماذکره- بین البحث عن مفاد لفظ
مثلًا، ففی الثانی أیضاً یبحث عن کیفیّۀ تعلّق حکم التیمّم بموضوعه، وأنّه هل هو خصوص التراب أو مطلق وجه الأرض؟ « الصعید »
قاله شیخنا الاستاذ دام بقاه. ؟« الصّعید » من الاصول، دون البحث عن مفاد « کلّ » فلماذا یکون البحث عن مفاد
صفحۀ 38 من 205
مثلًا، بحث عن کیفیّۀ تعلّق الحکم بموضوعه من حیث کونه عامّاً، أمّا البحث عن مفاد « کلّ » أقول: وفیه تأمّل، لأنّ البحث عن مفاد
فهو بحث عن المعنی الموضوع له هذا اللّفظ، وأنّه التراب أو وجه الأرض، ولم یلحظ فی هذا البحث حیثیۀ سعۀ المفهوم أو « الصعید »
ضیقه، وإنّما توجد هذه الحیثیّۀ عندنا، فعندما ننظر إلی المعنیین نجد بینهما هذا التفاوت.
تعریف المحقق الخوئی … ص: 46
القواعد التی « بالقواعد » وعرّف المحقق الخوئی علم الاصول: بالعلم بالقواعد المح ّ ص لۀ للعلم بالوظیفۀ الفعلیۀ فی مقام العمل، وقصد
تقع نفسها فی طریق الاستنباط، فیکون قد اختار الشق الأول- خلافاً للمحقق العراقی- وبذلک تخرج بقیّۀ العلوم، لکونها إنّما تقع فی
طریق الإستنباط بضمّ قاعدةٍ اصولیّۀ، قال:
ص: 47
والفارق بین القواعد الاصولیّۀ وغیرها هو: إنّ القواعد الاصولیّۀ ما کانت صالحۀً وحدها- ولو فی موردٍ واحد- لأنْ تقع فی طریق »
استنباط الحکم الشرعی، من دون توقّف علی مسألۀٍ اخري من مسائل علم الاصول نفسه أو مسائل سائر العلوم، وهذا بخلاف سائر
العلوم، إذ لا یترتب علیها وحدها حکم کبروي شرعی، ولا توصل إلی وظیفۀٍ فعلیۀ ولو فی موردٍ واحد، بل دائماً تحتاج إلی ضم مسألۀٍ
اصولیۀ إلیها. فمثل العلم بالصعید وأنه عبارة عن مطلق وجه الأرض أو غیره لا یترتب علیه العُلم بالحکم، وإنما یستنبط الحکم من الأمر
.«1» « أو النهی وما یضاهیهما
إنّما هی مسائل لغویّۀ، لعدم إمکان وقوعها فی » : وحیث اختار الشق الأوّل، اضطرّ إلی الإلتزام بخروج کثیر من مباحث الألفاظ، قال
.«2» « طریق الاستنباط وحدها، وبما أنّ القوم لم یعنونوها فی اللّغۀ فقد تعرض لها فی فن الاصول تفصیلًا
تعریف المحقق النائینی … ص: 47
أخرج المسائل ،«3» والمحقق المیرزا بتعریفه العلم بأنّه العلم بالکبریات التی لو انضمّت إلیها صغریاتها استنتج منها حکم فرعی کلّی
غیر الاصولیۀ، لکونها لا تقع کبري قیاس الاستنباط، فعلم الرجال الباحث عن أحوال الرجال من حیث الوثاقۀ وعدمها، یقول: زید ثقۀ
مثلًا، فیقع هذا صغري للقیاس فی قولنا: هذا ما أخبر بوجوبه زید الثقۀ، وکلّ ما أخبر الثقۀ بوجوبه فهو واجب، فهذا واجب.
__________________________________________________
.9 - 1) مصابیح الاصول: 8 )
. 2) مصابیح الاصول: 10 )
.2 / 3) فوائد الاصول 1 )
ص: 48
قال شیخنا:
لکنّه قد اعترف فی (فوائد الاصول)، فی الأمر الثّانی من مبحث الإستصحاب، بأن لازم هذا التعریف خروج مباحث ظهور الأمر والنهی
«1» . فی الوجوب والحرمۀ عن علم الاصول، والتزم بکونها استطرادیّۀ
قال شیخنا دام بقاه: بل یستلزم خروج مباحث ظهور الأمر فی الفور أو التراخی، والمرّة أو التکرار، وکذا مباحث العمومات والمفاهیم،
لأنّ البحث فی هذه کلّها فی الصغریات، بل یسري الإشکال إلی مباحث الإطلاق والتقیید بناءً علی کون الإطلاق بدلالۀ اللّفظ لا
بحکم العقل.
وأضاف شیخنا إشکالًا آخر علی القیاس الذي یشکّله المیرزا، وهو أنّه باطل لا یتلائم مع مبناه فی حجیۀ الخبر، لأنّه یکون علی مبناه-
صفحۀ 39 من 205
وهو الطریقیۀ- علی الشکل التالی: هذا ما قام علی وجوبه الخبر، وکلّ ما قام علی وجوبه الخبر فهو معلوم الوجوب، فهذا معلوم
الوجوب، فتکون النتیجۀ کون المخبر به معلوماً وجوبه شرعاً، لکنّ هذا مقتضی مبنی جعل الحکم المماثل لا مبنی الطریقیّۀ، وهذا
مطلب مهم، ومن هنا أیضاً یقع الإشکال علی مبنی التنجیز والتعذیر فی وجه الفتوي بالوجوب أو الحرمۀ أو الإستحباب أو الکراهۀ.
وعلی الجملۀ، فهذا التعریف وإنْ أخرج علم الرّجال وغیره من العلوم، إلّا أنه یستلزم خروج مسائل کثیرة عن علم الاصول.
التحقیق فی المقام … ص: 48
وبعد، فلم نجد التعریف المانع عن دخول علم الرجال وغیره، والجامع
__________________________________________________
.308 / 1) فوائد الاصول 4 )
ص: 49
لجمیع المسائل، بین التعریفات المذکورة، إذ منها ما یکون مانعاً عن دخول علم الرجال مثلًا، مع الإلتزام بالاستطراد فی جملۀ من
المسائل المطروحۀ فی علم الاصول، ومنها ما یکون جامعاً لجمیع المسائل تقریباً، مع الإلتزام بکون علم الرجال من مسائل العلم.
وبالجملۀ، یدور الأمر بین اعتبار قید عدم الواسطۀ بین المسألۀ واستنباط الحکم الشرعی منها، وهذا یستلزم خروج بعض المسائل، وبین
إلغاء هذا القید فتدخل المسائل لکنّه یستلزم دخول غیر المسائل الوصولیۀ أیضاً فی علم الأصول.
أمّا سیّدنا الاستاذ دام ظلّه فحاول إرجاع تعریف (الکفایۀ) إلی مختاره- مع فارق واحدٍ، وهو شمول تعریفه للاصول والأمارات الجاریۀ
فی الشبهات الموضوعیّۀ أیضاً، وخروجها عن تعریف (الکفایۀ)- واختار الشق الأوّل، أعنی اعتبار القید المذکور، ثم التزم بخروج
مسألتی الصحیح والأعم، والمشتق، وحاول إدخال غیرهما من مسائل الألفاظ، لأنَّ الواسطۀ المعتبر عدمها فی اصولیّۀ المسألۀ هی
الواسطۀ النظریۀ، أمّا فی هذه المسائل فترتب الحکم علیها هو بواسطۀ کبري ارتکازیۀ مسلّمۀ. کما حاول إدخال مسألۀ اجتماع الأمر
والنهی- مع اعترافه بأنّها علی اثنین من المذاهب الثلاثۀ فیها، وهما الإمتناع من جهۀ اجتماع الضدین، والإمتناع من جهۀ التزاحم، لا
تنتهی إلی رفع التردّد فی مقام العمل، بل تحقّق موضوع المسألتین- بأنّ الدخول ولو علی مذهبٍ واحدٍ کاف لشمول التعریف لها،
وهی بناءً علی المذهب الأول- وهو الجواز مطلقاً- داخلۀ.
وأمّا شیخنا الاستاذ دام ظلّه، فقد اختار فی الدورة السابقۀ تعریف
ص: 50
صاحب (الکفایۀ)، ثم عدل عنه فاختار فی المتأخّرة تعریف المحقق العراقی وهو: الإلتزام بالشق الثانی، الذي لازمه دخول مباحث علم
الرّجال، أما بقیّۀ العلوم فلا تدخل لکونها باحثۀ عن موضوعات الأحکام الشرعیۀ، کما یخرج مبحث المشتق لکونه بحثاً عن الموضوع
کذلک.
إلّاأن شیخنا أخرج مباحث العام والخاص ونحوهما، ممّا وصفه العراقی بما یبحث فیه عن کیفیۀ تعلّق الحکم بالموضوع، بعد ورود
إلّاأن لنا تأملًا فی ذلک کما تقدّم. ،« الصعید » النقض علیه بمثل
فظهر أنّ تعریف المحقق العراقی، وتعریف المحقق الإصفهانی، وکذا تعریف المحقق صاحب (الکفایۀ)- علی ما فسّره السید الاستاذ-
کلّها تصبُّ فی مصبّ واحدٍ، وأنْ لا اختلاف بینها تقریباً إلّافی اللّفظ والتعبیر، لکن الأقرب هو الإلتزام بالشرط المذکور واعتباره کی
یخرج علم الرجال ونحوه، کما فعل السیّد الاستاذ دام علاه، واللَّه العالم.
ص: 51
صفحۀ 40 من 205
الفرق بین القواعد الفقهیّۀ والقواعد الاصولیّۀ … ص: 51
اشارة
بقی الکلام فی الفرق بین القواعد الفقهیۀ والقواعد الاصولیّۀ، وکیفیۀ إخراج الفقهیۀ عن علم الأصول، علی ضوء التعاریف المذکورة.
لا یخفی أن القواعد الفقهیۀ تنقسم إلی قسمین، منها ما یجري فی الشبهات الموضوعیۀ، وتکون نتیجته الحکم الفرعی الجزئی، کقاعدة
وتفید مضیّ هذه الصلاة «1» « کلّما شککت فیه ممّا قد مضی فامضه کما هو » : الفراغ والتجاوز، المتخذة من قوله علیه السلام
المشکوك فی ابتلائها بمانع عن الصحۀ. ومنها: ما یجري فی الشبهات الحکمیۀ، وتکون نتیجته الحکم الکلّی الإلهی، کقاعدة: ما
یضمن بصحیحۀ یضمن بفاسده، حیث تفید مثلًا ضمان فاسد القرض، لأنّ صحیحه موجب له. وهذه القواعد منها ما یکون مفاده حکماً
بالعنوان الأوّلی، کالقاعدة المذکورة، ومنها: ما یکون مفاده حکماً بالعنوان الثانوي کقاعدة نفی الضرر، بناءً علی نوعیّۀ الضرر المنفی،
وأمّا بناءً علی شخصیّته فتدخل القاعدة فیما یجري فی الشبهات الموضوعیّۀ.
ومن الواضح أیضاً: إنقسام الأصول العملیّۀ إلی: ما یجري فی الشبهات الموضوعیّۀ فقط، وإلی ما یجري فی الشبهات الحکمیّۀ فقط،
وإلی ما یجري فی کلتیهما کالإستصحاب.
__________________________________________________
(1)
. 237 ط مؤسّسۀ آل البیت، الباب 23 من أبواب الخلل رقم: 3 / وسائل الشیعۀ 8
ص: 52
أمّا ما یجري فی الشبهات الموضوعیّۀ، وینتج حکماً جزئیّاً [مثل الإستصحاب الجاري فی کریّۀ هذا الماء، من الاصول العملیۀ، ومثل
قاعدة الفراغ من القواعد الفقهیّۀ، الجاریۀ فی هذه الصلاة مثلًا] فهو خارج عن المسائل الاصولیّۀ، لأنّ کلّ أحدٍ یمکنه تطبیق القاعدة أو
الأصل علی المورد المشکوك فیه، واستنتاج الحکم الشرعی المتعلّق به، من غیر فرقٍ بین الفقیه والعامی … فهذا القسم من القواعد
والاصول خارج.
وأمّا ما یجري فی الشبهات الحکمیۀ، فالأصل العملی الجاري فی الحکم الأصولی لا ریب فی اصولیّته، کاستصحاب حجیّۀ العام بعد
التخصیص، أو استصحاب عدم تحقّق المعارِض للروایۀ، فهذا القسم من الاصول العملیّۀ الجاریۀ فی الشبهات الحکمیّۀ خارج عن
البحث.
إنّما الکلام فی الاصول العملیّۀ والقواعد الفقهیّۀ التی یتشارکان فی التطبیق علی الموارد واستخراج الأحکام الکلیّۀ الفرعیّۀ منها، فما
الفارق بینهما؟ وکیف تخرج الثانیۀ عن المسائل الاصولیّۀ؟
ولک أنْ تقول: إن تعریف علم الفقه- وهو: العلم بالأحکام الشرعیّۀ الفرعیّۀ عن أدلّتها التفصیلیّۀ- کما ینطبق علی القواعد الفقهیۀ
فتکون من مسائله، کذلک ینطبق علی الاصول العملیۀ الجاریۀ فی الشبهات الحکمیّۀ، إذ الحکم بنجاسۀ الماء المتغیّر بالنجاسۀ الزائل
تغیّره، حکم شرعی فرعی، أنتجه الإستصحاب المستفاد عن دلیلٍ تفصیلی، وهو صحیحۀ زرارة مثلًا، الدالّ علی بقاء الحکم السابق فی
الماء المذکور، وعلی الجملۀ: فکما أن قاعدة ما لا یضمن حکم فرعی، کذلک الحکم ببقاء نجاسۀ الماء، وکما أنها مستنبطۀ من
الدلیل التفصیلی وهو الإجماع، کذلک الحکم المذکور مستنبط من الدلیل
ص: 53
التفصیلی وهو الأخبار. فانطبق علیها تعریف علم الفقه، فتکون هذه الاصول العملیۀ خارجۀ عن علم الاصول وداخلۀ فی علم الفقه، فما
هو الجواب؟
صفحۀ 41 من 205
جواب الشیخ الأعظم والمیرزا … ص: 53
أجاب الشیخ الأعظم بأنّ إجراء الاصول العملیۀ فی الأحکام الکلیّۀ الفرعیۀ من عمل المجتهد ووظیفته، بخلاف القواعد الفقهیۀ. وهذا
.«2» وعن المیرزا النائینی موافقته فی ذلک ،«1» هو الفرق
وقد أشکلوا علیه بأنّ القواعد الفقهیۀ- کالاصولیّۀ- لا یمکن إلقاؤها إلی العامّی، فأيّ عامی یمکنه تشخیص الشرط المخالف للکتاب
من غیره، کی یطبق قاعدة: کلّ شرط خالف الکتاب والسنّۀ فهو باطل؟ وهکذا القواعد الاخري.
جواب المحقق العراقی … ص: 53
وأجاب المحقق العراقی بأنّ کلّ قاعدةٍ تُعمل فی استخراج الأحکام الکلیّۀ الإلهیّۀ من دون اختصاصٍ لها ببابٍ دون بابٍ من أبواب
.«3» الفقه، فهی مسألۀ اصولیّۀ، فیخرج مثل قاعدة الطهارة بلحاظ عدم سریانها فی جمیع أبواب الفقه
وأشکل علیه شیخنا دام بقاه بعدم الدلیل، وبالنقض ببعض المسائل الاصولیّۀ من جهۀ کونها مختصّۀً ببعض الأبواب، کمسألۀ الملازمۀ
بین النهی والفساد، لوضوح اختصاصها بأبواب العبادات فقط.
__________________________________________________
320 . أوّل رسالۀ الاستصحاب، ولیلحظ کلامه فإنه طویل مفید. - 1) الرسائل 319 )
.11 / 2) محاضرات فی اصول الفقه 1 )
21 . ویلاحظ أنّه أرجع الیه جواب الشیخ، من جهۀ إشتراط تطبیق قاعدة الطّهارة بالفحص، واشتراط تطبیق -20 / 3) نهایۀ الأفکار 1 )
قاعدة الشروط بمعرفۀ الکتاب والسنّۀ، ومن الواضح أن لا سبیل فی ذلک للعامی الذي لا یتمکن من الفحص ولا یعرف ظواهر الکتاب
والسنّۀ.
ص: 54
جواب المحقق الخوئی … ص: 54
وأجاب المحقق الخوئی بأنّ الفرق أمّا بین القواعد الفقهیۀ الجاریۀ فی الشبهات الموضوعیۀ، وبین القواعد الأصولیّۀ، فبأنّ القواعد
الفقهیّۀ تنتج فی تلک الشبهات الأحکام الجزئیّۀ الشخصیّۀ، کقاعدتی الفراغ والتجاوز، وقاعدة الید، ونفی الضرر … فقاعدة الفراغ مثلًا
تفید عدم الاعتناء بالشک بعد الفراغ من العمل، وهذه الکبري إذا انضمّت إلی صغراها وهو عمل الشخص المشکوك فی صحّته،
أنتجت صحّۀ ذاك العمل. هذا حال هذا القسم من القواعد الفقهیۀ. وأمّا المسائل الاصولیّۀ، فالناتج منها حکم کلّی عام ثابت لجمیع
المکلّفین، کمسالۀ حجیّۀ خبر الواحد.
وأمّا القواعد الفقهیّۀ الجاریۀ فی الشبهات الحکمیۀ، کقاعدة ما لا یضمن، فإنّها وإنْ انتجت حکماً کلیّاً- کالقواعد الاصولیۀ- إلّاأن
الفرق عدم وقوعها فی طریق الإستنباط، وإنّما هی أحکام مستنبطۀ تطبّق فی مواردها، بخلاف القواعد الاصولیّۀ، فإنّها تقع فی طریق
.«1» استنباط الحکم الشرعی أو تکون مرجعاً للفقیه فی تعیین الوظیفۀ العملیّۀ. فهذا هو الفرق
أقول: وقد أورد علیه تلامذته، کالسید الصدر وشیخنا الاستاذ بالنقض والحلّ.
،«2» وحاصل الکلام عدم تمامیّۀ هذا الجواب، لکون بعض القواعد الفقهیّۀ الجاریۀ فی الشبهات الموضوعیّۀ تفید حکماً کلیّاً لا جزئیّاً
کما أنّ من
__________________________________________________
صفحۀ 42 من 205
.13 - 1) مصابیح الاصول 11 )
2) قد وقع الخلاف بین الأعلام فی مفاد أدلۀ قاعدتی نفی الضرر والحرج، فی أن الحرج والضررالمنفیّین شخصیّان أو نوعیّان، فالسیّد )
الخوئی مثّل بهما لإفادة الحکم الشخصی بناءً علی کونهما شخصیین، والمستشکل علیه یشکل بأنهما یفیدان الحکم الکلی بناءً علی
کونهما نوعیّین. فالحاصل کون الإستدلال والإشکال کلیهما علی المبنی.
ص: 55
المسائل الاصولیّۀ ما یطبّق فی مورده ولیس واسطۀً فی الاستنباط، ومن ذلک الاستصحاب والبراءة والاحتیاط، وهذه من أهم المسائل،
حکماً شرعیّاً ثم نطبّقه علی مورده ومصداقه. « قف عند الشبهۀ » و « احتط لدینک » ففی الإحتیاط مثلًا نستنبط من
جواب المحقق الإصفهانی … ص: 55
وأجاب المحقق الإصفهانی عن السؤال علی ضوء ماذهب إلیه فی تعریف علم الاصول وعلم الفقه، فعلم الفقه عنده: إقامۀ الحجّۀ علی
الحکم الشّرعی. وعلم الاصول عنده: هو العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الاحکام الشرعیّۀ، بمعنی: إن القواعد الاصولیّۀ واسطۀ فی
إثبات التنجیز للأحکام الشرعیۀ، والإعذار للعبد أمام الشارع المقدّس [لا بمعنی کونها واسطۀ فی إثبات الحکم الشرعی، المستلزم
لخروج کثیر من المسائل عن علم الاصول، لعدم کونها واسطۀً کذلک، کقاعدة الاشتغال مثلًا].
وعلی الجملۀ، فعلم الاصول تحصیل الحجّ ۀ، وعلم الفقه تطبیق الحجّ ۀ وإقامتها. وهکذا یظهر الفرق بوضوح، ففی الإستصحاب مثلًا:
جعل الشارع الیقین السابق منجّزاً للبقاء، فیکون البحث عن المنجزیّۀ والمعذریّۀ.
نعم، یبقی حدیث الرفع، فهناك لا تنجیز ولا تعذیر، بل رفع للحکم.
وکذا أصالۀ الحلّ، حیث جعل الشارع هناك الحلیّۀ، فلا تنجیز ولا تعذیر.
ولذا یلتزم قدّس سرّه بکون البراءة الشرعیۀ وأصالۀ الحلّ من المسائل الفقهیۀ لا أنهما من المسائل الاصولیۀ.
هذامطلب المحقق الإصفهانی.
ص: 56
اختاره شیخنا الاستاذ مع تعدیل … ص: 56
وهذا مختار شیخنا الاستاذ مع تعدیل لما ذکره، بحیث تدخل البراءة وقاعدة الحلّ، إذ المختار عنده أن علم الاصول هو کلّ المسائل
التی لها دخل فی تشکیل وتحقیق النّسبۀ بین الموضوع والمحمول فی صغري قیاس الإستنباط وکبراه، وإنْ بحث عن بعض ذلک فی
خارج علم الاصول.
وأمّا ماذکره المحقق الإصفهانی فی تعریف الفقه فلم یناقشه فیه.
فکان مختاره فی الفرق بین القواعد الاصولیۀ والقواعد الفقهیّۀ- فی کلتا الدورتین-:
إن کلّ قاعدة ذات خلفیّۀ تکون حجّ ۀً للَّهعلی العبد أو للعبد أمام اللَّه، فهی قاعدة أصولیّۀ، وکلّ قاعدة لیست کذلک، فهی قاعدة
فقهیّۀ.
أقول:
ما » لکنّ لازم هذا المبنی أن یکون إجراء القواعد الفقهیّۀ والقواعد الاصولیّۀ معاً بید المجتهد فقط، إذ لا سبیل للعامی للفحص عن
القاعدة… « ما وراء » ممّا لایکون، ثم معرفۀ « ما وراء » القاعدة، وتشخیص ما یکون له « وراء
والحال أنّ بعض القواعد الفقهیّۀ یجریها العوام بلا توقّف. فتدبّر.
صفحۀ 43 من 205
ص: 57
فائدة علم الاصول … ص: 57
لا یخفی أن لعلم الاصول جهۀ آلیّۀ، وأنّه لیس البحث عن المسألۀ الاصولیّۀ إلّاوسیلۀً، فمعرفۀ مسائل هذا العلم لیست بمطلوبٍ نفسی،
بل مطلوب غیري، وذلک المطلوب هو تحصیل الحجّۀ علی الحکم الشرعی، ففائدة هذا العلم ونتیجته تتعلّق بعلم الفقه ومعرفۀ الأحکام
الشرعیّۀ، لأن الفقه- کما عرّفوه- هو العلم بالأحکام الشرعیۀ الفرعیۀ عن أدلّتها التفصیلیّۀ.
إلّاأنْ الفقه فی اصطلاح الکتاب والسنّۀ هو أعمّ من الأحکام الشرعیّۀ، ویشمل المعارف الدینیّۀ والأخلاق أیضاً.
فی علم الاصول یبحث عن النسب الواقعۀ بین الأحکام الشرعیّۀ، والنصوص المتعلّقۀ بها فی الکتاب والسنّۀ، لتفهم تلک النسبۀ فهماً
تحقیقیّاً لا تقلیدیاً.
فعلم الاصول وسیلۀ لفهم نصف الدین، وهو الفقه.
فهذه فائدة هذا العلم.
وهذا تمام الکلام فی التمهیدات.
ص: 59
حقیقۀ الوضع … ص: