گروه نرم افزاری آسمان

صفحه اصلی
کتابخانه
جلد اول
حقیقۀ الوضع … ص: 59
اشارة







ص: 61
إختلفت کلمات المحقّقین فی حقیقۀ الوضع علی ستۀ أقوال أو أکثر، ونحن نذکرها ونتکلّم علیها، فنقول:
صاحب الکفایۀ … ص: 61
أمّا صاحب (الکفایۀ) قدّس سرّه فلا یظهر من کلامه شیء عن حقیقۀ الوضع، وإنما قال:
الوضع هو نحو اختصاصٍ للّفظ بالمعنی وارتباط خاص بینهما، ناشٍ من تخصیصه به تارةً ومن کثرة استعماله فیه أخري، وبهذا المعنی »
.«1» « صحّ تقسیمه إلی التعیینی والتعیّنی
فهذا الکلام- کما لایخفی- لیس فیه بیانٌ لحقیقۀ الوضع، ولهذا قد لا یذکر کلامه فی هذا المبحث إلّاللإشارة إلی الخصوصیّات التی
لحظها فیه…
أمّا العدول المذکور فلأنّه وإن کان الوضع ؟« نحو اختصاص » : وأنّه لماذا قال ،« الاختصاص » إلی « التخصیص » کالسرّ فیعدوله عن
لعدم المعنی « اختصاص » من الواضع، لکنّ الوضع التعیّنی یحصل علی أثر کثرة استعمال اللّفظ فی المعنی، فهو « تخصیصاً » التعیینی
فلأنّ الاختصاص علی نحوین، فتارةً: یوجد أثر تکوینی فی « نحو اختصاص » للتّخصیص التعیّنی. وأمّا التعبیر ب
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الاصول: 9 )
ص: 62
.« نحو اختصاص » المختصّ والمختصّ به، کالإختصاصات الواقعیّۀ، واخري: لا یوجد، ومن هذا القبیل وضع الألفاظ، فهو
صفحۀ 44 من 205
هذا، والکلام فی المقام حول حقیقۀ هذا الإختصاص، لأنه علقۀ بین اللّفظ والمعنی موجودة بلا ریب، ولیست من سنخ الجواهر
والأعراض، لأنّها امور موجودة، والعلقۀ بین اللّفظ والمعنی- کلفظ الماء وذاك الجسم البارد بالطبع السیّال- غیر قائمۀ بالوجود، فإنّها
موجودة سواء وجد المعنی أو لا…
إلّا أنّ وجودها یکون بالإعتبار کما لایخفی، لکن لا من سنخ الإعتبارات الشرعیّۀ والعقلائیّۀ لکون موضوعها هو الوجود الخارجی للبیع
مثلًا فی اعتبار الملکیّۀ ولزید عند اعتبار الزوجیّۀ، لما تقدّم من عدم تقوّم العلقۀ الوضعیّۀ بین اللّفظ والمعنی بالوجود، لا ذهناً ولا خارجاً
.«1» « نحو اختصاص » : …ولعلّ هذه الامور مقصودة لصاحب (الکفایۀ) فی قوله
المحقق النائینی … ص: 62
وذهب المحقق المیرزا إلی أنّ حقیقۀ الوضع: تخصیص الخالق الألفاظ بالمعانی، وهذا التخصیص أمر متوسّط بین التکوین والتشریع.
وتوضیحه: إن الألفاظ والمعانی غیر متناهیۀ، لکنّ الوضع للامور غیر المتناهیۀ غیر ممکن، هذا من جهۀٍ، ومن جهۀٍ اخري: المناسبۀ
الموجودة بین اللّفظ والمعنی، کلفظ الماء ومعناه لیست بذاتیّۀ- کالمناسبۀ الذاتیۀ بین النار والحرارة- بل هی جعلیّۀ، لکنّ أفراد الإنسان
وأهل اللسان لا یعلمون بتلک المناسبۀ، فلابدّ وأن یکون الجاعل هو اللَّه سبحانه، فإنّه الملهِم لأن یعیّنوا اللّفظ الکذائی للمعنی
الکذائی، وهذا معنی کونه وسطاً بین التکوین
__________________________________________________
.11 / 1) أجود التقریرات 1 )
ص: 63
والتشریع.
ولا یخفی مافیه، فإنّه- بغض النظر عن عدم قابلیّۀ التخصیص للتعیین والتعیّن معاً- لیس الامور الواقعیّۀ إلّاما یوجد فی الخارج بإزائها
شیء، کالجواهر والأعراض- عدا الإضافۀ- أو ما لا یوجد ذلک، بل یوجد المنشأ للانتزاع کالفوقیّۀ والتحتیّۀ ونحوهما. وأمّا وجود أمر
ثالثٍ یکون وسطاً بین الامور الخارجیۀ الواقعیۀ وبین التشریعیۀ فهو غیر معقول. هذا أوّلًا.
وثانیاً: إنّ الوضع یتبع احتیاج البشر فی إفادة أغراضه ومقاصده، فهو فی الحقیقۀ یحلُّ محلّ الإشارة المفهمۀ، فإذا ولد له مولود وضع له
اسماً کی ینادیه به متی أراده، وکذا لو اخترع جهازاً، وهکذا … فلیس الواضع هو اللَّه ولا أحد معیّن من أفراد البشر. اللّهم إلّاأن یثبت
«1» « وَعَلَّمَ آدَمَ الَأسْمَاء کُلَّهَا » : بدلیلٍ یقینی أنّ المراد من قوله تعالی
هو أسماء الکائنات، ولکن دون إثبات ذلک خرط القتاد.
المحقق العراقی … ص: 63
والمحقّق العراقی ذهب إلی أنّ الوضع عبارة عن: نحو إضافۀ واختصاص خاص یوجب قالبیّۀ اللّفظ للمعنی وفنائه فیه فناء المرآة فی
المرئی، بحیث یصیر اللّفظ مغفولًا عنه وبإلقائه کأنّ المعنی هو الملقی، بلا توسیط أمرٍ فی البین، قال: ومن جهۀ شدّة العلاقۀ والإرتباط
بین اللّفظ والمعنی وفناء الأول فی الثانی تري سرایۀ التعقید من اللّفظ إلی المعنی، وسرایۀ الحسن والقبح من المعنی إلی اللّفظ.
وأورد علیه فی (المحاضرات) بما حاصله: إنّ هذه الملازمۀ المجعولۀ
__________________________________________________
. 1) سورة البقرة: 31 )
ص: 64
صفحۀ 45 من 205
إمّا هی مطلقۀ للعالم والجاهل بها، أو أنها مخت ّ ص ۀ بالعالم بها، فإن کانت مطلقۀ لزم أنْ یدرکها الجاهل باللغۀ أیضاً، وإنْ کانت
لخصوص العالم بالوضع، فإنّ العلم بالوضع متأخر عن الوضع، فجعل العلقۀ الوضعیّۀ للعالم بها محال، بل لابدّ من أن یتحقق الوضع، ثم
یحصل العلم به، ثم تجعل الملازمۀ لخصوص العالم.
وأجاب شیخنا دام ظلّه: بأنّ هذا الإیراد بعد الدقّۀ فی کلام العراقی غیر وارد، لأنّه یري أن الجعل هنا هو کسائر المجعولات الأدبیّۀ،
فکما أن الجاعل یضع المرفوعیۀ للفاعل والمنصوبیّۀ للمفعول، کذلک یجعل اللّفظ مبرزاً للمعنی، وعلی هذا، فکما أنّ القواعد فی
العلوم الأدبیّۀ قابلۀ لتعلّق العلم والجهل فکذا الإختصاص الوضعی بین اللّفظ والمعنی، وکما لا معنی للسؤال عن أن تلک القواعد
مجعولۀ لمطلق الناس أو لخصوص العالمین، فکذلک اختصاص اللّفظ بالمعنی، وعلی الجملۀ، فإنّ هنا إعتباراً خاصّاً بین طبیعیّ اللّفظ
والمعنی، بغضّ النظر عن العلم والجهل. هذا أوّلًا.
وثانیاً: إن حلّ المطلب أنّه لا مانع من القول بکون المجعول فی باب الوضع هو: اختصاص اللّفظ بالمعنی من باب الملازمۀ، بأن تکون
هذه الملازمۀ نظیر الملازمات الخارجیّۀ، کالتی بین النار والحرارة، فإنها موجودة سواء علم بها أولا، وهنا یجعل الجاعل الملازمۀ بین
اللّفظ والمعنی، وهو جعل مهمل بالنسبۀ إلی العالم والجاهل، والسرّ فی ذلک هو: إن الاهمال لیس بغیر معقول علی الإطلاق، بل کلّ
انقسامٍ کان من خصوصیّات نفس الجاعل فالإهمال فیه غیر معقول، مثلًا: الرقبۀ تنقسم إلی المؤمنۀ والکافرة واعتبار وجوب العتق تعود
کیفیّته إلی المعتبر، فتارةً یجعله مع لحاظ الرقبۀ لا بشرط
ص: 65
من الخصوصیّتین واخري یجعله بشرط، فهنا الإهمال غیر معقول، لأنّ المجعول المنقسم موضوعه إلی قسمین مثلًا لابدّ وأن یلحظ فی
مرحلۀ الجعل. لکن هذه القاعدة لیست مطّردة فی جمیع الموارد، فالماهیّات مثلًا بالنسبۀ إلی الوجود والعدم لا هی مطلقۀ، ولا هی
مشروطۀ، بل الماهیّۀ بالنسبۀ إلی الوجود مهملۀ.
وعلی الجملۀ، فإن الجاعل للملازمۀ یعتبر تلک الملازمۀ- الثابتۀ بین اللوازم وملزوماتها- بین اللّفظ والمعنی، وهذا الشیء المعتبر تارة
یکون معلوماً واخري مجهولًا.
فما ذکره فی المحاضرات غیر وارد علی المحقق العراقی، عند شیخنا الاستاذ، وکذا عند سیدنا الاستاذ، لکنْ ببیان آخر، فراجع
(المنتقی).
وأورد شیخنا دام بقاه فی الدورةالسابقۀ- التی حضرناها بأنّ عملیّۀ الوضع من الامور المألوفۀ عند کلّ فردٍ، فإن الشخص عندما یضع
اسماً علی ولده، فإنّه لا یعتبر هذا الاسم ملازماً لذات الولد، بل إنها- أي الملازمۀ- لا تخطر بباله أبداً، غیر أن أثر هذه التسمیۀ هو
تبادر المسمّی إلی ذهن السّامع عند سماع الاسم بعد العلم بالتّسمیۀ، فتکون الملازمۀ حینئذٍ موجودة لکنها غیر مقصودة لاللواضع ولا
لغیره.
« إیقاظ فیه إرشاد » ثم عدل عن هذا الإشکال فی الدورة المتأخّرة بعد التأمّل فی کلام المحقق العراقی فی (المقالات) تحت عنوان
فی کلامه، إلّاأنه قد أوضح تحت العنوان المزبور أنّ حقیقۀ الوضع: تعلّق الإرادة بنحو « الملازمۀ » فذکر أنّه وإنْ تکرّرت کلمۀ
اختصاص، وبهذا النحو من الإختصاص تتم مبرزیّۀ اللّفظ للمعنی وقالبیّته له، فالمعتبر عنده هو هذه
ص: 66
المبرزیّۀ لا الملازمۀ بین اللّفظ والمعنی. إذن: فالإعتبار متعلِّق بجعل اللّفظ مبرزاً للمعنی لا بالملازمۀ، ثم قال: والقائل بالتعهّد إنْ کان
.«1» مراده هذا فنعم الوفاق
لکنّه أورد علیه فی کلتا الدورتین فی قوله بأنّ هذا الإختصاص بعد تحقّقه بالإعتبار یصبح مستغنیاً عن الإعتبار وتکون له واقعیّۀ
وخارجیّۀ. بعدم معقولیّۀ حصول الخارجیّۀ للشیء المعتبر بعد اعتباره، بحیث لا یزول بزوال الاعتبار أو باعتبار العدم، لأنّه یعنی
صفحۀ 46 من 205
الانقلاب، وهو محال.
أقول:
عن نظریّۀ المحقق العراقی، فی قبال ما جاء فی (المحاضرات)، وقد اشتمل کلامه علی الإلتزام «2» ( وقد دافع السید الاستاذ فی (المنتقی
بالأمرین، أعنی:
.« الملازمۀ » أوّلًا: إن المجعول فی نظر المحقق العراقی هو
وثانیاً: إن ما یتعلق به الإعتبار یتحقق له واقع ویتقرّر له ثبوت واقعی کسائر الامور الواقعیّۀ.
وقال فی آخر کلامه: إن هذه الدعوي لا محذور فیها ثبوتاً ولا إثباتاً.
أقول:
لکنّی أجد اضطراباً فی کلامه فیما یرتبط بالأمر الثانی- ولابدّ وأنه من المقرر رحمه اللَّه- وذلک لأنّه فی أوّل البحث یقول ما لفظه:
إن الإنصاف یقضی بأن نظر المحقق العراقی یمکن أن یکون إلی جهۀٍ اخري، وهی أن »
__________________________________________________
.47 / 1) مقالات الاصول 1 )
.47 / 2) منتقی الاصول 1 )
ص: 67
الوضع أمر اعتباري إلّاأنّه یختلف عن الامور الإعتباریۀ الاخري بأنّ ما تعلّق به الإعتبار یتحقق له واقع ویتقرّر له ثبوت واقعی، کسائر
الامور الواقعیّۀ، فهو یختلف عن الامور الواقعیّۀ، من جهۀ أنه عبارة عن جعل العلقۀ واعتبارها، ویختلف عن الامور الإعتباریۀ، بأن ما
یتعلّق به الإعتبار لا ینحصر وجوده بعالم الإعتبار، بل یثبت له واقع فی الخارج.
فالمدعی: إن الجاعل اعتبر مفهوم الملازمۀ والعلقۀ بین اللّفظ والمعنی، وقد نشأ من اعتبار هذه » : ویقول فی أثناء البحث ما نصّه
الملازمۀ ملازمۀ حقیقیۀ واقعیۀ بین طبیعی اللّفظ وطبیعی المعنی، بلحاظ أن ذلک الإعتبار أوجب عدم انفکاك العلم بالمعنی وتصوّره
عن العلم باللّفظ وتصوره، وتلازم الانتقال إلی المعنی مع الانتقال إلی اللّفظ، وهذا یعنی حدوث ملازمۀ واقعیۀ بین اللّفظ والمعنی…

فکم فرق بین العبارتین؟
إنه علی الأولی یتوجّه إشکال شیخنا الاستاذ، أمّا علی الثانیۀ فلا، بل یکون الوضع حاله حال التبادر، کما تقدّم فی کلام شیخنا.
ویبقی الإشکال علی المحقق العراقی والسید الاستاذ فی تعلّق الجعل بالملازمۀ، بل إنّ هذا الإشکال یقوي بناءً علی العبارة الثانیۀ من
أن تلک العلقۀ الواقعیّۀ تنشأ من العلقۀ الإعتباریۀ، لوضوح أنّها حینئذٍ غیر مقصودة للواضع، ولا مستندة إلیه، فکیف تکون الملازمۀ من
فعله؟
المحقق الفشارکی وجماعۀ … ص: 67
قال المحقق الحائري فی (درر الاصول):
الذي یمکن تعقّله: أنْ یلتزم الواضع أنه متی أراد معنیً وتعقّله وأراد »
ص: 68
إفهام الغیر، تکلَّم بلفظ کذا، فإذا التفت المخاطب بهذا الإلتزام ینتقل إلی ذلک المعنی عند استماع ذلک اللّفظ منه، فالعلاقۀ بین اللّفظ
والمعنی تکون نتیجۀ لذلک الالتزام، ولیکن منک علی ذکر…
صفحۀ 47 من 205
.«1» « الدالّ علی التعهّد تارةً یکون تصریح الواضع، واخري: کثرة الإستعمال، ولا مشاحۀ فی تسمیۀ الأول وضعاً تعیینیّاً والثانی تعینیّاً
وقد استدلّ لهذا القول- الذي اختاره جمع من المحققین، کالنهاوندي والخوئی- بوجوه هی:
أوّلًا: مساعدة الوجدان.
وثانیاً: إن الوضع مساوق للجعل لغۀً، ومن هذا الباب وضع القانون مثلًا.
وثالثاً: إن الغرض من الوضع هو قصد التفهیم، وهو- أي هذا القصد- من اللّوازم الذاتیّۀ للالتزام، وهذا الإرتباط بین الغرض وعمل
الإنسان- أعنی قصده- یوجب القول بکون الوضع عبارة عن الإلتزام.
هذا، ولا یخفی أنّ الوضع بناءً علی هذا أمر تکوینی، لأنّ الإلتزام من أفعال النفس وله واقعیّۀ، فلیس الوضع من الامور الإعتباریۀ.
وأیضاً: فإنّ هذا المبنی إنما یتمشّی علی القول بأنّ کلّ مستعملٍ واضع، لأنّ المستعمل کلّما قصد تفهیم معنیً أبرزه باللّفظ الموضوع
له، فلا محالۀ لا یتعلّق الإلتزام من الإنسان إلّابما یکون تحت اختیاره، ویستحیل تعلّق الالتزام بفعل الغیر، بأنْ یلتزم الواضع مثلًا أنَّ کلّ
من أراد الجسم البارد السیّال فهو یبرز قصده ومراده بلفظ الماء.
__________________________________________________
35 ط جامعۀ المدرّسین. / 1) درر الاصول 1 )
ص: 69
وأیضاً: مما ذکره فی کیفیّۀ تقسیم الوضع إلی التعیینی والتعیّنی یظهر أنّ کلّ من لم یکن تعهّده مسبوقاً بالغیر فهو الواضع الأوّل للّفظ،
وهذا لا ینفی أن یکون المستعملون کلّهم واضعین کما ذکرنا من قبل.
هذا هو المهمّ من الکلام فی أدلّۀ هذا القول ومزایاه.
ثم إنّه قد أورد علی هذا المبنی بأن الإلتزام باستعمال اللّفظ عند إرادة تفهیم المعنی فرعٌ للعلم بالوضع، فلابدَّ أولًا من العلم بالوضع ثم
الإلتزام بالإستعمال کذلک، فإنْ کان الوضع هو الإلتزام نفسه لزم الدور، لأن الإلتزام موقوف علی العلم بالوضع، وهو موقوف علی
الإلتزام.
وقد أوضح شیخنا دام ظلّه الجواب عن هذا الایراد بأنّ الالتزام تارةً کلّی واخري شخصی، والوضع من قبیل الأول، بمعنی أنّ الواضع
یلتزم إلتزاماً کلیّاً بأنّه متی أراد المعنی الکذائی استعمل اللّفظ الکذائی، وللشخص فی نفس الوقت التزام شخصی أیضاً، لکونه أحد
المستعملین، والذي یتوقف علی العلم بالوضع هو الإلتزام الشخصی دون الکلّی.
نقد نظریۀ التعهّد … ص: 69
هذا، وقد ردّ شیخنا الاستاذ فی کلتا الدورتین، وکذا سیّدنا الاستاذ فی (المنتقی)- بعد أنْ کان یوافق علیه من قبل- علی مبنی الإلتزام
والتعهّد، وأبطلاه بالتفصیل.
أمّا شیخنا فقد ناقش فی الأدلّۀ واحداً واحداً:
فأجاب عن الدلیل الأول- وهو مساعدة الوجدان- بأنّ المستعمل للّفظ فی معناه له علم بالوضع، وله إرادة للمعنی، وله قصد لتفهیم
المخاطب بمراده، فهذه الامور موجودة عند کلّ مستعمل، ومنها التزامه باستعمال اللّفظ
ص: 70
الخاص عند إرادة معناه الخاص، ولکن ما الدلیل علی أن الوضع هو نفس هذا الإلتزام ولیس شیئاً آخر غیره؟
إنه بعد أن سمّی ولده بالحسن مثلًا، یلتزم باستعمال هذا الاسم متی أراد ولده، ولکن هل هذا الإلتزام هو الوضع أو أنه شیء آخر
والإلتزام المزبور من مقارناته؟
صفحۀ 48 من 205
وأجاب عن الدلیل الثانی- وهو کون الوضع فی اللّغۀ: الجعل- بأن الضابط فی کون لفظ بمعنی لفظ صحّۀ استعمال أحدهما فی مکان
فَلَمَّا وَضَ عَتْهَا قَالَتْ رَبِّ » : فی موارد استعمالها، کما فی قوله تعالی « الجعل » بکلمۀ « الوضع » الآخر، فلنلاحظ هل یمکن استبدال کلمۀ
«1» « إِنِّی وَضَعْتُهَا أُنثَی وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ
ونحو ذلک؟ هذا أوّلًا.
وهما نقیضان … وهذا برهان آخر علی اختلاف المعنی. « التقریر » یقابله « الجعل » وهما ضدّان، و « الرفع » یقابله « الوضع » وثانیاً: إن
ومن هنا یظهر أن کلّ مورد جاز فیه استبدال أحدهما بالآخر فهو بالعنایۀ…،
وممّا یشهد بالمغایرة بحث العلماء فی حدیث الرفع بأن الرفع یقابل الوضع، فلِمَ استعمل الرفع وارید به عدم الجعل؟
وأجاب عن الدلیل الثالث بما حاصله: قبول وجود الإلتزام، والتسلیم بتحقق العلقۀ بین اللّفظ والمعنی، ولکنْ لا دلیل علی أنّ المحصّل
لتلک العلقۀ الوضعیۀ هو الإلتزام بالخصوص لا شیء آخر.
ومن هنا ذکر فی (المحاضرات) فی أدلّۀ هذا القول: بطلان الأقوال
__________________________________________________
. 1) سورة آل عمران: 36 )
ص: 71
الاخري، ومن الواضح أنّ هذا غیر تام، لوجود غیر تلک الأقوال فی المسألۀ.
فقد قال: إنّ المراد من التعهّد یتصوّر بأنحاء، فذکر ثلاثۀ أنحاء وأبطلها، النحو الأول: أن یراد به التعهّد والبناء «1» وأمّا السید الاستاذ
علی ذکر اللّفظ بمجرّد تصوّر المعنی والإنتقال إلیه، فمتعلَّق التعهّد هو ذکر اللّفظ.
والنحو الثانی: أن یراد به التعهّد والبناء علی ذکر اللّفظ عند إرادة تفهیم المعنی. والنحو الثالث: أن یراد به التعهد والبناء علی تفهیم
المعنی باللّفظ عند إرادة تفهیمه، فیکون متعلَّق التعهّد هو نفس التفهیم لا ذکر اللّفظ.
أقول: والثالث هو ظاهر عبارة (الدرر) المتقّدمۀ، وعبارة (المحاضرات) الذي قال: بأنّه التعهّد بإبراز المعنی باللّفظ عند إرادة تفهیمه.
فأشکل علیه:
أوّلًا: بأنّه یستلزم اللغویّۀ، لأنّ المفروض أنْ لا مفهم للمعنی إلّااللّفظ الخاص، فالتفهیم به حاصل قهراً، سواء کان هناك تعهّد أو لم
یکن.
وثانیاً: بأنّه یستلزم الدور، لأن التعهّد یتوقف علی کون متعلَّقه- وهو التفهیم- مقدوراً، والقدرة علی تفهیم المعنی بهذا اللّفظ إنما
تحصل بالتعهّد- بناءً علی هذا القول- فالقدرة المذکورة متوقّفۀ علی التعهّد، والتعهّد متوقّف علی القدرة.
أقول:
أمّا إشکال اللغویۀ، فالظّاهر عدم لغویّۀ التعهّد، فصحیحٌ أنْ المفهم للمعنی هو اللّفظ الخاص لا لفظ آخر، لکنّ متعلّق التعهّد هو إبراز
هذا اللّفظ الخاص متی ارید تفهیم معناه.
__________________________________________________
(1)
.61 / منتقی الاصول 1
ص: 72
وأمّا إشکال الدور، فقد ذکر شیخنا جوابه بتعدّد متعلّق التعهّد والبناء، فأحدهما: البناء الکلّی، وهو التعهّد بنحو القضیۀ الحقیقیّۀ بأنه
کلّما أراد تفهیم المعنی وقصد ذلک أظهر قصد التفهیم باللّفظ الخاص الموضوع لذاك المعنی، وبهذا البناء یصیر اللّفظ مقدمۀً لإبراز
صفحۀ 49 من 205
قصد تفهیم المعنی، ثم إنه فی الإستعمالات الخاصّۀ یکون ذلک اللّفظ الذي کان مقدمۀً بسبب التعهّد الکلّی متعلَّقاً للإرادة المقدمیّۀ
والتوصلیّۀ، وبهذا البیان یندفع إشکال الدور، فکلّ واضع لابدّ وأنْ یکون عنده إرادة وتعهّد کلّی، وذلک البناء الکلّی یستتبع البناءات
والإرادات الجزئیّۀ، إذ له عند کلّ استعمال إرادة جزئیّۀ.
لکنّه دام بقاه أورد علیه بالنقض: بأنّ الأطفال والمجانین وحتی بعض الحیوانات لهم وضعٌ أیضاً، ولا تتمشّی من هؤلاء الإرادة والتعهّد
الکلّی.
وأورد علیه أیضاً: بأنّ کون کلّ مستعمل واضعاً- کما صرّح به فی (المحاضرات)- خلاف العرف واللّغۀ، وماذکره من أنّ عنوان
ینصرف عن سائر المستعملین إلی المستعمل الأوّل لکونه السّابق، یخالف مبناه فی الإنصراف، فإنّه لا یري- فی جمیع بحوثه « الواضع »
فی الفقه والاصول- للإنصراف منشأً إلّاالتشکیک فی الصّدق، فلا تکون الأسبقیّۀ منشأً له.
هذا، وفی (المحاضرات) فی نهایۀ المطلب:
إن مذهبنا هذا ینحلّ إلی نقطتین، النقطۀ الاولی: إن کلّ متکلّم واضع حقیقۀ، وتلک نتیجۀ ضروریّۀ لمسلکنا بأن حقیقۀالوضع: التعهّد
والإلتزام النفسانی. النقطۀ الثانیۀ: إنّ العلقۀ الوضعیّۀ مختصۀ بصورةٍ خاصّۀ، وهی ما إذا قصد المتکلّم تفهیم المعنی باللّفظ، وهی أیضاً
نتیجۀ حتمیۀ للقول بالتعهد، بل وفی الحقیقۀ هذه هی النقطۀ الرئیسیۀ لمسلکنا هذا، فإنّ علیها یترتب نتائج ستأتی فیما بعد.
ص: 73
قال: وأما ما ربما یتوهّم هنا من أن العلقۀ الوضعیّۀ لو لم تکن بین الألفاظ والمعانی علی وجه الاطلاق، فلا یتبادر شیء من المعانی منها
إذا صدرت عن شخصٍ بلا قصد التفهیم، أو عن شخص بلا شعور واختیار، مع أنّه لا شبهۀ فی تبادر المعنی منها.
.«1» فأجاب: بأن هذا التبادر غیر مستند إلی العلقۀ الوضعیۀ، بل إنما هو من جهۀ الانس الحاصل بینهما بکثرة الإستعمال أو بغیرها
أقول:
أمّا النقطۀ الاولی، فقد عرفت مافیها من کلام شیخنا.
وأمّا النقطۀ الثانیۀ، فیظهر مافیها من کلامه أیضاً، مضافاً إلی أنّ دعوي کون الإنتقال من اللّفظ إلی معناه عند سماعه- حتی من الأطفال
والمجانین الذین لا یقصدون التفهیم- إنما هو علی أثر الأُنس الحاصل بین اللّفظ والمعنی بکثرة الإستعمال أو غیرها أوّل الکلام.
وتلخّص:
أنه لا دلیل علی هذا القول، بل الدلیل علی خلافه.
الفلاسفۀ … ص: 73
وهو مبنی: الوجود التنزیلی، أي: اعتبار اللّفظ وجوداً للمعنی.
وحاصله: إن للشیء أربعۀ أنحاء من الوجود، اثنان منها تکوینیّان، وهما الوجود الخارجی والوجود الذهنی، وإثنان اعتباریّان، وهما
الوجود الکتبی والوجود اللّفظی.
فحقیقۀ الوضع عبارة عن اعتبار اللّفظ وجوداً للمعنی، فإنّه وإنْ کان
__________________________________________________
.51 / 1) محاضرات فی علم الاصول 1 )
ص: 74
وجود اللّفظ من مقولۀ الکیف المسموع، ووجود المعنی وجوداً جوهریّاً، لکنّ اعتبارهما واحداً ممکن، لکون الإعتبار والتنزیل خفیف
المؤنۀ.
صفحۀ 50 من 205
حیث ینزّل الطواف « الطواف بالبیت صلاة » وقد أورد علی هذا القول: بأنّ التنزیل لابدّ وأنْ یکون لأجل أثرٍ یترتب علیه، ففی مثل
بمنزلۀ الصلاة، یوجد الأثر، وهو اشتراط الطهارة فی الطواف کما هی شرط فی الصلاة، أمّا فی الوضع فلا یمکن دعوي التنزیل بلحاظ
بمنزلتها لم یترتب الأثر المذکور علی اللّفظ. « ن ا ر » فإذا نزّلنا « الإحراق » الخارجیّۀ هو « النار » الأثر، فأثر
وجوداً للمعنی، حصلت للفظ « الشمس » فإذا اعتبر اللّفظ مثل « الماهیّۀ » مظهراً ل « الوجود » فأجاب عنه شیخنا دام ظلّه: بأنّ القوم یرون
تلک المظهریّۀ، فکما کان وجودها الخارجی مظهراً لماهیّتها، کذلک یکون لفظ الشمس … وهذا الأثر کاف لصحّۀ التنزیل
والإعتبار.
والإشکال الوارد عند شیخنا- تبعاً (للمحاضرات)- هو أن التنزیل والإعتبار أمر عقلی دقیق، لا یتأتّی من کلّ أحدٍ، مع أن الوضع یتحقّق
حتی من الأطفال.
المحقق الإصفهانی … ص: 74
ویقول المحقق الإصفهانی: إن حقیقۀ الوضع هو الوضع الإعتباري لا غیر … وتوضیح ذلک:
إن العلقۀ الوضعیۀ بین اللّفظ والمعنی لیست من الامور الواقعیۀ التی یوجد بأزائها شیء فی الخارج کالجواهر والأعراض، ولا من الامور
الواقعیّۀ التی لیس بأزائها فی الخارج شیء، کالامور الانتزاعیۀ- کالفوقیۀ، فإنّها لیست فی الخارج، وإنما منشأ الانتزاع موجود وهو
السقف- والدلیل علی مغایرة
ص: 75
العلقۀ الوضعیۀ للامور الواقعیۀ بقسمیها هو أن تلک الامور لا تختلف باختلاف الأنظار بخلاف العلقۀ الوضعیّۀ، وأیضاً: فإنّ لوجود أو
عدم تلک الامور أثراً، فوجود السواد علی الجدار وعدم وجوده ذو أثر، کما أنّ السقف مثلًا إذا عدمت فوقیّته وسلبت عنه صار تحتاً،
بخلاف العلقۀ الوضعیّۀ، فإنّ وجودها وعدم وجودها بالنسبۀ إلی طرفیها سواء.
وعلی الجملۀ، فإن العلقۀ الوضعیّۀ لیست من الامور الواقعیّۀ، بل هی من الامور الإعتباریّۀ.
ثم إن المحقق الإصفهانی یستعین علی مدّعاه بمطلبین:
الأوّل: إن سنخ دلالۀ اللّفظ علی المعنی سنخ دلالۀ الأعلام والعلائم الموضوعۀ علی الطرق لتحدید المسافات، فکما توضع العلامۀ علی
رأس الفرسخ للدّلالۀ علی ذلک، کذلک وضع اللّفظ علی المعنی، فهو للدلالۀ علیه.
کذلک هذه الکلمۀ هی التی تستعمل للدّلالۀ علی هذا « الوضع » والثانی: إنّه کما أنّ الکلمۀ المستعملۀ لذلک العمل التکوینی هو
.« الواضع » للمعنی الکذائی، والذي جعله دالّاً علیه یسمی ب « موضوع » العمل الإعتباري، فیقال: هذا اللّفظ
فظهر:
-1 إن العلقۀ الوضعیّۀ أمر اعتباري.
-2 إن هذا الأمر الإعتباري من سنخ وضع الدلالات والعلائم والأعلام، فکما أنّ هناك وضعاً لکنه تکوینی، فهنا أیضاً وضع لکنه
اعتباري.
فحقیقۀ الوضع: جعل اللّفظ ونصبه ووضعه علی المعنی فی عالم الإعتبار.
ص: 76
مختار شیخنا الاستاذ … ص: 76
وذهب شیخنا دام بقاه فی الدورتین إلی أن حقیقۀ الوضع هی العَلامیَّۀ والدلیلیّۀ.
صفحۀ 51 من 205
قال: بأن الإنسان فی بادئ الأمر کان یبرز مقاصد النفسانیۀ وأغراضه القلبیۀ والباطنیۀ بواسطۀ الإشارة، وحتی الآن أیضاً قد یلتجئ إلی
ذلک إذا لم یتمکن من التلفّظ، فکانت الإشارة هی الوسیلۀ والسبب والعلامۀ لتفهیم مقاصده، فلما وجد اللّفظ، کان دوره نفس دور
الإشارة، وقام مقامها فی الوسیلیّۀ، فکان اللّفظ هو العلامۀ والوسیلۀ لإفادة المعنی المتعلق به الغرض، فکان وضع لفظ علی معنیً علامۀً
له ووسیلۀً لإفهامه، وکان اسماً لذلک المعنی یُطلق عند إرادته، والعلامیۀ والدلیلیّۀ والتسمیۀ- ما شئت فعبّر- عنوان عام یشمل الوضع
للاسم وللفعل وللحرف.
هذا وجداناً.
«1» « لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِیّاً » : ویدلّ علیه من الکتاب، قوله تعالی
أي:
أحد یُعرف بهذا الاسم. وکذا قوله تعالی: « یحیی » لم یکن فی الوجود قبل
«2» « هُوَ سَمَّاکُمُ الْمُسْلِمینَ »
أي: هو الذي وضع علیکم هذا الاسم، هذه العلامۀ.
ومن الأخبار، ما رواه الشیخ الصدوق بسند معتبرٍ فی (العیون) و (التوحید) و (معانی الأخبار) عن ابن فضّال عن الرضا علیه السلام عن
بسم اللَّه. قال: معنی قول القائل بسم اللَّه، أي اسمیّ نفسی بسمۀٍ من سمات اللَّه عز وجل وهی العبادة، فقلت: وما السمۀ؟ قال: العلامۀ
.«3»
__________________________________________________
(1)
. سورة مریم: 7
. 2) سورة الحج: 78 )
3) معانی الأخبار: 3 ط مکتبۀ الصدوق. )
ص: 77
«1» « وَبِالنَّجْمِ هُمْ یَهْتَدُونَ » إن العلامۀ علی قسمین، تارة: هی ذاتیۀ مثل
واخري: هی جعلیۀ مثل الصّبح الصّادق حیث جعل علامۀ شرعیّۀً للصّلاة.
فواقع التسمیۀ- وهو الذي یسأل عنه ابن فضّال، لا مفهوم التسمیۀ- هو العلامۀ.
ومن کلمات اللغویین، ما جاء فی (القاموس) و (لسان العرب) من أنّ الألفاظ علامۀ للمعانی والاسم علامۀ للمسمّی.
« الحسن » علامۀ- بالطبع- علی وجع الصدر، کذلک لفظ « ا ح ا ح » ومن هنا، فقد قُسمت الدلالۀ إلی العقلیّۀ والطبعیّۀ واللفظیّۀ، فکما أن
علامۀ- بالوضع علی المسمّی بهذا الاسم.
فحقیقۀ الوضع: جعل العلامۀ والاسم/ التسمیۀ والعَلامیّۀ…
والفرق بین هذا المبنی ومبنی المحقق العراقی قابلیّۀ مختارنا للتقسیم إلی التّعیینی والتعیّنی، وأن الجعل بناءً علیه أمر اعتباري ولیس من
سنخ الجعل التکوینی، وإنما هو امتداد للإشارة کما ذکرنا.
__________________________________________________
(1)
. سورة النحل: 16
ص: 79
صفحۀ 52 من 205
أقسام الوضع: والمعنی الحرفی … ص: 79
اشارة
ص: 81
قُسّم الوضع من حیث اللّفظ إلی: الوضع الشخصی والوضع النوعی.
وقُسّم من حیث المعنی إلی: الوضع العام والموضوع له العام، والوضع الخاص والموضوع له الخاص، والوضع العام والموضوع له
الخاص.
ثم وقع الکلام فی المعنی الحرفی.
والأصل فی التّقسیم المذکور هو: إن الوضع یتعلّق باللّفظ والمعنی، وهو- علی جمیع الآراء فی حقیقته- عمل اختیاري، وکلّ عمل
اختیاري فإنّه یتصوَّر هو إنْ کان وحده، وهو وأطرافه إن کان ذا أطراف.
واللّفظ عندما یتصوَّر، فتارةً: یکون موضوعاً للمعنی بمادّته وهیئته، وأخري: یکون موضوعاً له بمادّته دون هیئته، وثالثۀً: یکون موضوعاً
له بهیئته دون مادّته.
فالأول: کزید وغیره من الأعلام الشخصیّۀ، وکأسماءِ الأجناس.
والثانی: کالضربْ مثلًا، الدالّ علی الحدث المعلوم، فإنّه موضوع لذاك المعنی بمادّته فقط.
والثالث: کالضارب مثلًا، فإنّ مادّته لاتدلّ علی معناه الموضوع له، وإلّا لزم دلالۀ مثل یضرب علیه أیضاً.
هذا، وقال المحقّقون بأنّ وضع الألفاظ فی أسماء الأجناس، وفی
ص: 82
الأعلام، وکذا فی الموادّ شخصیٌّ، أمّا فی الهیئات- کهیئۀ فاعل مثلًا- فهو نوعی، فإنّ هذه الهیئۀ موضوعۀ لکلّ من قام به الفعل وصدر
عنه.
فوقع الإشکال فی المواد، وأنّه کیف یکون الوضع فیها شخصیّاً؟ لأنّه إنْ کانت المادّة موضوعۀ لکلّ من یقوم المعنی به فیکون الوضع
شخصیّاً، لزم أنْ یکون الوضع فی الهیئات- کضارب ومضروب مثلًا- کذلک، لأنها موضوعۀ لذلک أیضاً، مع أنْ الوضع فیها نوعی لا
شخصی.
موضوع لهذه الذات، کذلک المادة، کمادّة الضرب « زید » توضیحه: إنهم قالوا فی المادّة بأنّ وضعها شخصی، یعنی: کما أن لفظ
ونحوها. ولیس المراد من الشخص هنا هو الفرد، بل المراد نفس المادة ولو بطبیعتها، فی ضمن أيّ هیئَۀٍ کانت، فهذه الخصوصیّۀ أینما
وجدت فهی موضوعۀ لهذا الحدث. وقالوا فی الهیئات مثل هیئۀ الفاعل والمفعول وغیرهما بأن الوضع نوعی، والمراد من ذلک أنّ
فمن هذه الهیئۀ المندکّۀ فی المادّة ینتقل إلی عنوانٍ انتزاعی یکون هو « الضرب » مندکّ ۀ فی مادة « ضارب » الواضع عندما یجد هیئۀ
الموضوع من قبل الواضع عند لحاظ الهیئات، فهو یلحظ هیئۀ ضارب فینتقل إلی عنوانٍ کلّی هو: کلّ ما کان علی زنۀ الفاعل فهو
موضوع لهذه النسبۀ، ویلحظ هیئۀ المفعول فینتقل إلی عنوانٍ انتزاعی کلّی هو: کلّ ما کان علی زنۀ المفعول فهو موضوع لهذه النسبۀ.
علی الترتیب بین هذه الحروف، یلحظها ویضعها للحدث الخاص، الذي هو المعنی « ض، ر، ب » فالملحوظ فی وضع المادّة هو المادة
لها فی اللّغۀ، فیکون حال الوضع فیها حال الوضع فی مثل زید. أمّا فی وضع الهیئات فالملحوظ الموضوع له هو العنوان الإنتزاعی
کلّ ما کان علی زنۀ » : الجامع
ص: 83
وهکذا. « علی زنۀ مفعول » أو « فاعل
صفحۀ 53 من 205
فالإشکال هو: لماذا یمکن لحاظ المادّة بنفسها ووضع اللّفظ للحدث الخاص، ولا یمکن لحاظ الهیئۀ بنفسها، وماهو الفارق بینهما؟
جواب المحقق الإصفهانی … ص: 83
والوجه الذي ذکره المحقق الإصفهانی رحمه اللَّه- وهو خیر ما قیل فی المقام لبیان الفرق هو: إن الامور الواقعیّۀ منها الجوهر ومنها
العرض، والجوهر غیر محتاج فی وجوده إلی العرض وإنْ کان غیر منفکٍ عنه، إذ لا وجود للجسم فی العالم بلا شکل، بخلاف
العرض فإنّه فی وجوده محتاج إلی الجوهر، فبین الوجودین تلازم، لکن الجوهر فی حدّ ذاته لا یحتاج إلی العرض بخلافه فإنه محتاج
إلی الجوهر.
وکذلک المعانی.. فقسم منها غیر محتاجٍ فی ذاته إلی الغیر، کالمعانی الاسمیّۀ، وقسم منها محتاج إلی الغیر فی حدّ ذاته، وهو المعنی
الحرفی.
إذا اتضح هذا، فإنّ الهیئۀ مثل ضارب محتاجۀ إلی المادّة وهو الضرب، کما أنَّ معناها- وهو النسبۀ الصدوریۀ- محتاج إلیها کذلک،
فضاربٌ هیئۀ مندکّ ۀ هی ومعناها فی المادة وهی الضرب، ولأجل هذا الإندکاك والفناء الذاتی لا یکون للهیئۀ قابلیۀ اللّحاظ
« علی هیئۀ مفعول » أو « کلّ ما کان علی هیئۀ فاعل » الإستقلالی، فلا محیص فی ناحیۀ لفظها أنْ یکون الملحوظ والمتصوَّر عنوان
وهکذا.
وعلی الجملۀ، فإنّ المادّة غیر مندکّۀ فی الهیئۀ، لذا کانت قابلۀ للّحاظ، لذا کان الوضع شخصیّاً، وأمّا الهیئۀ فإنها مندکّۀ فی المادّة، فهی
غیر قابلۀ للّحاظ، لذا یکون الوضع نوعیّاً.
ص: 84
مناقشۀ الاستاذ … ص: 84
هذا غایۀ ما أمکن ذکره فی بیان الفرق بین المواد والهیئات، من حیث قابلیّۀ المواد للوضع الشخصی دون الهیئات.
وقد أورد علیه شیخنا فی کلتا الدورتین بما حاصله: أنّ الهیئۀ إن کانت قابلۀ للّحاظ کانت قابلۀً للوضع الشخصی وإلّا فلا … ثم أکّد
علی قابلیّتها لذلک بأنّ حقیقۀ الهیئۀ هو الشکل، فکما أنّ هیئۀ الدار مثلًا شکل طارئ علی المواد الإنشائیّۀ والبنائیۀ، کذلک هیئۀ
وإذا تحقّق کونها شکلًا، فالشکل من الأعراض، والأعراض إنما تحتاج إلی المادة « ض ر ب » ضارب ومضروب مثلًا شکل طارئ علی
فی وجوداتها، أمّا فی اللّحاظ والتصوّر فلا.
ثم أوضح دام ظلّه ذلک: بأن ملاك القابلیّۀ للّحاظ الاستقلالی وعدمها هو الصلاحیّۀ للوقوع طرفاً للنّسبۀ، فما لا یصلح لأن یقع طرفاً
للنسبۀ لا یصلح لأن یلحظ باللّحاظ الإستقلالی- کما هو الحال فی واقع الرَّبط، فلا یقع طرفاً لها ولا یمکن لحاظه إلّابطرفیه- والهیئات
وهکذا. « هیئۀ ضارب عارضۀ علی مادة الضرب » و « هیئۀ مقتول عارضۀ علی مادة القتل » : صالحۀ لوقوعها طرفاً للنسبۀ، لصحّۀ قولنا
وأیضاً، فإنّا نلحظ هیئۀ فاعل مثلًا فی قبال سائر الهیئات ونقول: هذه غیر تلک! وهذا هو ملاك شخصیّۀ الوضع، ویؤیّد ذلک أیضاً
قولهم: کلّما کان علی زنۀ فاعل … وکلّ ما کان علی زنۀ مفعول … فإنّه لا ریب فی لحاظهم المادّة ثم الحکم بأنها إن وجدت فی
هیئۀ کذا دلَّت علی کذا…
وتلخّص، إمکان اللّحاظ الإستقلالی فی الهیئات، وبهذا ظهر أن حکمها یختلف عن المعانی الحرفیّۀ.
ص: 85
وإن کان الدلیل علی نوعیّۀ الوضع فی الهیئات: عدم انفکاکها عن المادّة- بخلاف المادّة فتنفکّ عن الهیئۀ، فلذا کان الوضع فیها
شخصیّاً- فقد ذکر شیخنا أنه لا حاجّ ۀ أشد من احتیاج الماهیّۀ إلی الوجود، فتقوّمها به أشدّ بمراتب من تقوّم العرض بالجوهر، لأنّ
صفحۀ 54 من 205
الماهیّۀ أینما وجدت لا یمکن ظهورها إلّابالوجود، ولذا قالوا: تخلیتها تحلیتها، ومع ذلک کلّه، فللعقل القدرة علی تجرید الماهیّۀ من
الوجود، وأن یحکم بأنّ الماهیۀ غیر الوجود…
وتلخّص:
أن التفریق بین الهیئات والمواد غیر صحیح، وأن حکمها واحد، والحقّ أن الوضع فی کلیهما شخصی.
والبحث فی أقسام الوضع فی جهات …: ص: 85
الجهۀ الاولی … ص: 85
أقسام الوضع بلحاظ المعنی الملحوظ حین وضع اللّفظ أربعۀ، والحصر عقلی، إذ المعنی الملحوظ إمّا أنْ یکون عامّاً أو خاصّاً، فإنْ
کان عامّاً فإمّا یکون الموضوع له نفس ذلک العام أو جزئیّاته، وإنْ کان خاصّاً فإمّا یکون الموضوع له نفس ذلک الخاص أو کلّی
ذلک الخاص.
فالأقسام فی مقام الثبوت أربعۀ.
الجهۀ الثانیۀ … ص: 86
لا إشکال فی قسمین من الأقسام الأربعۀ، وهما: الوضع الخاص والموضوع له الخاص، وهو وضع الأعلام الشخصیّۀ. والوضع العام
والموضوع له العام، وهو وضع أسماءِ الأجناس کالفرس والأسد وغیرهما.
إلّاأن هناك بحثاً فی المراد من الوضع العام والموضوع له العام، فقد
ص: 86
یلحظ المعنی القابل للوجود والعدم، والإطلاق والتقیید، ویوضع اللّفظ لذاته المعرّاة عن کلّ ذلک، ویعبَّر عن هذا بالماهیّۀ المهملۀ.
وقد یلحظ المعنی مع تلک الخصوصیّات، ویوضع للماهیّۀ اللّا بشرط عنها، ویعبَّر عن هذا بالماهیۀ المطلقۀ، ویسمّی هذا العام بالعام
الفعلی، کما یسمّی ذاك بالعام الشأنی.
إنّ کلّاً من العامّین یقبَل الوضع ویمکن تحقّقه، لکنّ مذهب المشهور هو العموم الفعلی، ومذهب سلطان المحققین هو العموم الشأنی.
ثم إنه إن کان اللّفظ فی العام موضوعاً للماهیّۀ القابلۀ لل ّ ص دق علی کثیرین مع لحاظ اللّابشرطیۀ بالنسبۀ إلی الخصوصیّات، دَخَلَ
الإطلاق واللّابشرط فی حیّز الموضوع له، وحینئذٍ فلو ارید تقیید الماهیّۀ کالرقبۀ بالإیمان مثلًا، لزم تجریدها عن خصوصیۀ اللّابشرطیّۀ،
فکان التقیید مجازاً.
أمّا بناءً علی الوضع للعموم الشأنی فلا تلزم هذه المجازیّۀ.
وأیضاً: إذا کانت اللّابشرطیّۀ داخلۀً فی حیّز المعنی الموضوع له، کانت الدّلالۀ علی الإطلاق والشمول بالوضع، بخلاف مبنی السّلطان،
فإنها ستکون بمقدّمات الحکمۀ.
قال الاستاذ
قد ذکرنا إمکان الوضع علی کلّ من النحوین، إلّاأنّ الحق مع السّلطان فی أن الذي صدر من الواضع هو الوضع بنحو الماهیّۀ المهملۀ،
لأنّا نحمل علی تلک الماهیّۀ کلّاً من التقیید والإطلاق، ونقسّم الماهیّۀ إلی المهملۀ والمطلقۀ والمقیَّدة.
هذا، ولا یخفی أنه إن کان الموضوع له هو الماهیّۀ المهملۀ- الماهیّۀ من حیث هی هی- فإنّها غیر قابلۀ للّحاظ، والإهمال فی الموضوع
فی مرحلۀ
صفحۀ 55 من 205
ص: 87
الجعل غیر معقول عندهم، فلا محیص عن القول بأنها تلحظ بواسطۀ الماهیّۀ اللّابشرط القسمی، أمّا الماهیّۀ اللّابشرط فلا تحتاج فی
لحاظها إلی واسطۀ، وقد أشار المحقق العراقی إلی هذا الفرق.
الجهۀ الثّالثۀ … ص: 87
فی الوضع العام والموضوع له الخاص، بأنْ یکون المعنی الملحوظ عامّاً یقبل الصّدق علی کثیرین، فیوضع اللّفظ بواسطته علی کلّ فردٍ
فرد.
قالوا: بإمکانه، لأن العام وجه للخاص، ومعرفۀ وجه الشیء معرفۀ الشیء بوجه، إذْ لا یلزم فی الوضع معرفۀ المعنی بالکنه.
قال الاستاذ
فی هذا الإستدلال نقاط، أمّا أنّ معرفۀ المعنی علی الإجمال تکفی لصحّۀ الوضع، ولا یلزم المعرفۀ التفصیلیۀ والوقوف علی کنه
المعنی، فهذا صحیح. وأمّا أنّ معرفۀ وجه الشیء معرفۀ للشیء بوجهٍ، فهذا أیضاً صحیح.
إنما الکلام فی أنّ العام وجه للخاص، وتوضیح الإشکال هو:
وهذه المغایرة مغایرة تباین، وإذا کانت المفاهیم متباینات، ،« زید » غیر مفهوم « الإنسان » إنّ للعام مفهوماً، وللخاص مفهوم، فمفهوم
استحال أنْ یکون بعضها حاکیاً عن الآخر، ومع عدم الحکایۀ کیف تحصل المعرفۀ ولو بوجه؟
وأیضاً، فإنّ مفهوم العام هو ال ّ ص دق علی کثیرین، ومفهوم الخاص هو الإباء عن ال ّ ص دق علی کثیرین، فکیف یکون الصدق علی
کثیرین حاکیاً عن الإباء عن الصدق؟
فما ذکره صاحب (الکفایۀ) غیر وافٍ بحلّ المشکلۀ.
ص: 88
فقال المحقق العراقی بأن المفاهیم العامۀ علی قسمین، أحدهما:
فإنه إنما یحکی عن ذات الإنسان وهو الحیوان الناطق، ولا ،« الإنسان » المفاهیم العامّۀ التی لیس لها قابلیّۀ الحکایۀ عن المصادیق، مثل
یحکی عن زید وعمرو … والقسم الآخر: المفاهیم العامۀ المنتزعۀ من نفس الخصوصیّات، فهذا القسم یکون وجهاً لها، مثل: مفهوم
مصداق الإنسان، وفرد الإنسان، وشخص الإنسان. فداعی هذا القسم من المفاهیم من حیث انتزاعه عن الفردیّۀ هو الحکایۀ عن الفرد،
وحینئذٍ أمکن الوضع العام والموضوع له الخاص.
فلا یصحّ صدقه علیه، کما لا یصحّ صدق « بکر » و « عمرو » و « زید » إن کان عین مفهوم « مصداق الإنسان » وأشکل علیه شیخنا بأن
من حیث « زید » إنما یحکی عن « مصداق الإنسان » وإنْ کان غیره فکیف یحکی مفهوم عن مفهوم؟ ومفهوم « عمر » علی « زید » مفهوم
أنه مصداق الإنسان، ولا یحکی عنه من حیث أنه زید، وکلّ جامع فإنه یحکی عن الأفراد من حیث انطباقه علیها ولا یحکی عنها من
جهۀ کونها أفراداً.
وذکر المحقق الشیخ علی القوچانی، وتبعه المحقق المشکینی فی (حاشیۀ الکفایۀ) ما حاصله:
إنه إنْ ارید وضع اللّفظ بواسطۀ العام علی الأفراد بما لها من الخصوصیات، فهذا غیر ممکن، لکون مفهوم العام مبایناً لمفهوم
الخصوصیۀ، ولا یکون المباین وجهاً لمباینه، ولکن الموضوع له هو مفاهیم الجزئیات بلحاظ وجوداتها، فالمفهوم الخاص هو الموضوع
له بلحاظ وجوده لا بلحاظ مفهومه، وحینئذٍ، فلمّا کان الکلّی متّحداً وجوداً مع الفرد صار
ص: 89
عنواناً له، وکانت معرفۀ المعنون بالعنوان.
صفحۀ 56 من 205
وأورد علیه شیخنا:
أوّلًا: بأن کون الموضوع له هو الوجودات لا المفاهیم، غیر معقول، إذ الموضوع له هو ما یکون قابلًا لأنْ تتعلّق به الإرادة الإستعمالیۀ،
فالموضوع له لابدّ وأنْ یکون قابلًا للتفهیم، والوجودات غیر قابلۀ لذلک، بل القابل للتفهیم ما یقبل الدخول فی الذهن وهو المفهوم.
علی أنّ معانی الألفاظ قابلۀ للوجود والعدم، فکیف تکون الألفاظ موضوعۀً للوجودات الخاصّۀ؟
وثانیاً: إنّ المقصود أنْ نري الجزئیّات والخصوصیّات بتوسط المعنی العام الکلّی الملحوظ لدي الوضع، والإتحاد فی الوجود لا یعقل
أن یصیر منشأً للعنوانیّۀ، بأنْ یکون أحد المتحدین مرآة لرؤیۀ الآخر ولحاظه، ومن هنا، فإن الجنس والفصل الموجودین بوجودٍ واحدٍ،
لا یکون الإتحاد الوجودي بینهما مصحّحاً لحکایۀ أحدهما عن الآخر، وأوضح من ذلک مقولۀ الإضافۀ، فإنها متّحدة مع المضاف فی
الوجود، مع أنه لا یعقل أن یحکی أحدهما عن الآخر، فلا تعقل حکایۀ الفوقیۀ عن السقف والابوّة عن الأب.
طریق آخر ذکره بعض الفلاسفۀ:
ولا یخفی أن مورد الکلام هو الوضع لخصوصیّات الماهیّۀ القابلۀ للصدق علی الکثیرین، لا الخصوصیات مع أمارات التشخّص،
فالبحث هو أن یکون الإنسان مرآة ینظر به حصص الإنسان من زیدٍ وعمرو وبکر، لا تلک الحصص مع مشخّصاتها وأعراضها، بأنْ
یحکی الإنسان عن زید مع ماله من الکم والکیف، فإنّه لیس للعام هذه الصلاحیّۀ أصلًا … فنقول:
ص: 90
إن المفاهیم علی أقسام:
وسائر أسماء الأجناس، فإنه مفهوم قابل للصّدق علی کثیرین، وهو « الإنسان » : فمنها: ما هو کلّی وهو مصداق لمفهوم الکلّی أیضاً، مثل
مصداق لمفهوم الکلّی أیضاً.
ومنها: ماهو جزئی مفهوماً، فلا یقبل الصّدق علی کثیرین، وهو مصداق لمفهوم الجزئی أیضاً، مثل الأعلام الشخصیّۀ.
فهذا السنخ من المفاهیم مفاهیم جزئیۀ وشخصیّۀ من « الفرد » و « الشخص » ومنها: ماهو جزئیٌ مفهوماً، لکنه مصداق لمفهوم الکلّی، مثل
حیث المفهومیّۀ، ولکنها مصادیق لمفهوم الکلّی، لذلک نقول: الجزئی جزئی مفهوماً وکلّی مصداقاً، فهی جزئیّۀ بالحمل الأوّلی وکلیّۀ
بالحمل الشائع.
فهذا القسم الثالث له صلاحیّۀ الحکایۀ والکشف عن الحصص، وذلک لأنّ هذه المفاهیم وإنْ کانت کلیّۀً من حیث الوجود، إلّاأن
الوضع إنما هو للمفاهیم لا للوجودات، وحینئذٍ تري الإتحاد المفهومی بین مفهوم الفرد وواقع الفرد، وبین مفهوم الشخص وواقع
الشخص، ولأجل هذا الإتحاد المفهومی تکون صالحۀً للحکایۀ.
وهذا هو الأساس فی صحۀ الأحکام علی المفاهیم التی لها حکم بالحمل الأوّلی، ولها حکم آخر بالحمل الشائع، مثل قولنا: شریک
فشریک الباري موجود بالحمل الشائع، والإمتناع حکم واقع « ممتنع » الباري ممتنع، فما لم یکن للموضوع وجود ذهنی لا یحمل علیه
شریک الباري لا شریک الباري المتصوَّر ذهناً. وکذا مثل قولنا: إجتماع النقیضین محال، المعدوم غیر موجود، وهکذا. فکما أن مفهوم
اجتماع النقیضین له الصلاحیّۀ لأنْ یحکی
ص: 91
فله الصلاحیّۀ «… الشخص » و « الفرد » وکذلک « مصداق الإنسان » فکذا عنوان « محالٌ » عن اجتماع النقیضین الذي هو موضوعٌ لقولنا
لأنْ یحکی عن الحصّۀ الواقعیۀ للإنسان التی هی مصداق جزئی حقیقی.
وتلخّص: إمکان الوضع العام والموضوع له الخاص، عن طریق التفصیل المذکور بین المفاهیم العامّۀ، وتحقّق الوحدة المفهومیّۀ فی
قسمٍ منها، فإنّه بالوحدة المفهومیۀ وبالحمل الأوّلی تصیر منشأً للحکایۀ عن الحصّۀ.
أقول:
صفحۀ 57 من 205
هذا ما استقرّ علیه رأیه فی الدورة المتأخّرة.
ومصادیقها، لأن « الجزئی » و « الشخص » و « الفرد » إلّاأنه فی الدورة السابقۀ أشکل علی هذا الوجه بما حاصله: وجود الفرق بین مفاهیم
مفهوم الفرد مثلًا من حیث أنّه مفهوم الفرد یحکی عن جمیع الأفراد واحداً واحداً، أما واقع الفرد ومصداقه فلا حکایۀ له عن هذا
وذاك من الأفراد، والذي نحن بصدده هو الوصول إلی الواقع عن طریق المفهوم، فالإشکال یعود، لأنّ حیثیّۀ الواقع حیثیۀ الإباء عن
الصدق علی کثیرین، ومفهوم الفرد حیثیّته القبول للصدق علی کثیرین، فبینهما تناقض، والنقیض لا یحکی عن نقیضه.
فإنْ قیل:
إنا إذا لم نتمکّن من لحاظ الجزئیات، یلزم بطلان القضایا الحقیقیّۀ، لأن الأفراد الحقیقیۀ غیر متناهیۀ، ولولا لحاظها بواسطۀ العام- وهو
العنوان الکلّی المتناهی- لم یمکن الوضع لها، فلا تتحقق القضیۀ الحقیقیۀ.
قلنا:
ص: 92
لحاظ أفراد « کلّ من کان مستطیعاً فیجب علیه الحج » : لیس الحکم فی القضایا الحقیقیۀ بلحاظ الخصوصیات دائماً، فلا یلزم فی مثل
المستطیع، بل الحکم یتوجّه إلی کلّ مستطیع من حیث أنه مستطیع، لامن حیث أنه زید وعمرو وبکر … وهذا القدر کاف فی صحّۀ
القضیّۀ الحقیقیّۀ.
لکنّ الکلام فی المقام فی لحاظ الخصوصیّۀ- بما هی خصوصیّۀ- بواسطۀ العام، فبین المقام ومسألۀ القضیۀ الحقیقیّۀ فرق، وإنکار
الوضع العام والموضوع له الخاص لا یضرّ بتلک المسألۀ.
الجهۀ الرابعۀ … ص: 92
فی الوضع الخاص والموضوع له العام، بأنْ یکون المعنی الملحوظ حین الوضع خاصّاً، فیوضع اللّفظ بواسطته علی العام القابل للصّدق
علی کثیرین.
وحاصل کلامه: «1» ( وقد أنکر الکلّ هذا القسم إلّاالمیرزا الرشتی فی (بدائع الاصول
غیر أنّه تارةً یوضع اللّفظ « زید » یري مع « الإنسان » إنه کما أن الجزئی یري بواسطۀ الکلّی، کذلک الکلّی یري بواسطۀ الجزئی، فإنّ
.« إنسان » واخري یوضع علیه اللّفظ من حیث أنه ،« زید » علیه من حیث أنه
وقد أوضح ذلک بأن من یصنع معجوناً مرکّباً من أجزاء، تارة یلحظ المعجون بلحاظ کونه معجوناً خاصّاً، واخري یلحظه بلحاظ
الخاصیّۀ التی فیه، فالوضع باللّحاظ الثانی خاص والموضوع له عام، فالفرق بین الوضع العام والموضوع له العام، وبین الوضع الخاص
والموضوع له العام، هو الفرق
__________________________________________________
. 1) بدائع الاصول: 39 )
ص: 93
بین قولنا: کلّ مسکر حرام، وقولنا: الخمر حرام لإسکاره، فوزان القضیّۀ الاولی وزان العام والموضوع له العام، لأنه یلحظ العام المسکر
ویجعل الحرمۀ لهذا العام، أما فی القضیّۀ الثانیۀ فالموضوع الملحوظ هو إسکار الخمر، لکنْ لا یضع الحکم للإسکار المختص بالخمر،
بل إنّه یري بإسکار الخمر عموم الإسکار ویضع الحکم لهذا العام.
وأشکل علیه شیخنا الاستاذ:
بأن الخاص والعام متقابلان متعاندان، وکاشفیّۀ المعاند والمباین لمباینه محال.
صفحۀ 58 من 205
هو إسکار الخمر فقط، « الخمر حرام لإسکاره » : وأمّا ماذکره من المثال، فجوابه- کما ذکر صاحب (الکفایۀ)- أنه لو کان الملحوظ فی
أن یکون إسکار الخمر وجهاً للإسکار، « الخمر حرام لإسکاره » فإن الحکم لن یتجاوز هذا الموضوع، أي الخمر المسکر، وإنْ ارید مِن
فهذا غیر معقول، لأن إسکار الخمر لا یصیر مرآة للإسکار، کما أن إنسانیۀ زید لا تصیر مرآة للإنسان. وإنْ أرید أنّا نلحظ إسکار
الخمر ومن لحاظه ننتقل إلی طبیعۀ الإسکار ونجعل الحکم لهذه الطبیعۀ، أو نضع اللّفظ للطبیعۀ التی انتقلنا إلیها بسبب هذه الخصوصیّۀ،
فهذا لیس من قبیل الوضع الخاص والموضوع له العام، بل هو من قبیل الوضع العام والموضوع له العام.
إذن، الخصُوصیّۀ- سواء فی الأحکام أو الأوضاع- لا تصیر مرآةً وحاکیۀً عن العام.
غایۀ ما هناك: إن الخصوصیّۀ تصیر وسیلۀً للانتقال، ومنشأ للّحاظ، فیکون العموم فی الوضع والموضوع له کلیهما، بأن یُلحظ الفرد
وتُلحظ بذلک
ص: 94
الإنسانیّۀ الموجودة فیه، وتصیر الإنسانیۀ الموجودة فی هذا الفرد منشأً للانتقال إلی مفهوم الإنسان، مثاله: أنْ یلحظ الشخص الذي فی
جامعاً انتزاعیّاً، وهذا انتقال من الخصوصیّۀ إلی « مَن فی المسجد » ویصیر « مَن فی المسجد » وإلی « الشخص » المسجد، وینتقل إلی
الجامع، وهو أمر، والحکایۀ والمرآتیّۀ أمر آخر، إلّاأنه قد وقع الخلط بین الأمرین فی کلام المحقّق المذکور.
ص: 95
المعنی الحرفی … ص: 95
اشارة
ثم إنه قد وقع البحث بینهم فی وقوع الوضع العام والموضوع له الخاص بناءً علی إمکانه، فقال جماعۀ بأن وضع الحروف من هذا
القبیل، وقال المحقق صاحب (الکفایۀ) بأن الوضع فیها عام والموضوع له فیها عام کذلک.
فالکلام فی جهتین، إحداهما: حقیقۀ المعنی الحرفی، والاخري: وضع المعنی الحرفی.
الجهۀ الاولی … ص: 95
اشارة
قد ذکرت أقوال فی معنی الحروف:
فقیل: إنها لا معنی لها أصلًا.
وقال الأکثر: إنها ذات معان.
فقال صاحب (الکفایۀ): إن معنی الحروف ومعنی الاسم واحد ذاتاً.
وقال الآخرون: بالإختلاف الجوهري بین الاسم والحرف.
ثم اختلفوا فی ذلک، علی أقوال.
وإلیک التفصیل:
القول الأول …: ص: 95
صفحۀ 59 من 205
أمّا القول الأول، فهو مردود عند الکلّ، إنه یجعل الحروف کعلامات الإعراب وحرکات الکلمات، فلا تفید إلّاخصوصیات المعانی.
ص: 96
فیرد علیه: بأن تلک الخصوصیۀ هی المعنی لا محالۀ.
القول الثانی …: ص: 96
والمهمّ نظریّۀ صاحب (الکفایۀ)، والکلام حولها یکون بذکر مقدمات، ثم بیان المدّعی، والدّلیل، ثم الإشکالات علی هذه النظریّۀ
الوارد منها وغیر الوارد.
أمّا المقدمات فهی:
أوّلًا: إن المعانی علی قسمین، فمنها ما لا یختلف باختلاف اللحاظ کمفهوم الانسان والحجر، ومنها ما یقبل الاختلاف باختلاف
اللحاظ، مثل من والابتداء، فی والظرفیۀ … وهکذا. ومورد البحث هذا القسم.
وثانیاً: إن ذات المعنی لا یختلف باختلاف اللحاظ، فهو کالمرآة، فإنها لا تختلف سواء لوحظت بما ینظر أو لوحظت بما به ینظر،
والمثال الدقیق هو الأعراض، فالبیاض علی الجدار تارةً ینظر وصفاً للجدار، واخري ینظر إلیه فی مقابل الجدار، وهو فی کلتا الحالتین
هو البیاض، ولا تختلف حقیقته.
وثالثاً: إن کلّ ماهیّۀ ما لم توجد لم تتشخّص، إذ الخصوصیّۀ مساوقۀ للوجود، کما أنها ما لم تتشخّص لم توجد.
ورابعاً: إن عمل الواضع هو لحاظ المعنی ووضع اللّفظ علیه، وعمل المستعمِل هو لحاظ المعنی واستعمال اللّفظ الموضوع له فیه،
فتکون مرحلۀ الإستعمال متأخرة عن مرحلۀ الوضع، کما أنّ الوضع متأخّر رتبۀً عن المعنی الموضوع له اللّفظ، وعلیه، فلا یمکن أن
یتجاوز لحاظ المعنی فی مرحلۀ الإستعمال إلی مرحلۀ الوضع، ویستحیل أن یصیر لحاظ المستعمِل عند الإستعمال جزءً من المعنی
الموضوع له اللّفظ.
ص: 97
وخامساً: إن لحاظ المعنی فی مرحلۀ الإستعمال من المستعمل، یعنی وجود المعنی فی ذهن المستعمل، وهذا الوجود لا یمکن أن یرد
علی المعنی الموجود، بل یرد علی المعنی، لأن الماهیّۀ الواحدة لا تقبل الوجود مرّتین، والموجود لا یقبل الوجود بموجودٍ آخر.
هذه هی المقدمات.
والمدّعی هو:
وهکذا. « الإستعلاء » و « علی » و « الظرفیۀ » و « فی » وکذا « الإبتداء » هو الآتی إلیه من لفظ « من » إن کلّ ما یأتی إلی الذهن من لفظ
وتوضیحه مع إقامۀ الدلیل علیه: إن الموضوع له إنما هو ذات المعنی، ولیس اللّحاظ داخلًا فی حیّز المعنی، فلا یمکن أن یکون اللّفظ
موضوعاً للمعنی الملحوظ، لأنه یستلزم أن یکون کلّ معنیً ملحوظاً عند الإستعمال، والحال أنّ الملحوظ لا یصح أن یلحظ مرةً اخري.
« مِن » لذات المعنی، غیر أن المستعمل تارةً ینظر إلی المعنی شأناً وصفۀً لغیره فیستعمل « من » ولفظ « الإبتداء » إن الواضع یضع لفظ
« البیاض » تماماً کما هو الحال فی المرآة و « الإبتداء » واخري ینظر إلی المعنی بالنظر الإستقلالی فی مقابل المعانی الاخري فیستعمل
کما تقدم.
فکون المعنی معنیً إسمیاً أو حرفیّاً یرجع إلی مرحلۀ الإستعمال وکیفیّۀ لحاظ المستعمل فی ظرف الإستعمال، أمّا فی مرحلۀ الوضع فلا
اختلاف جوهري بینهما، بل الموضوع له واحد وهو ذات المعنی.
فالآلیّۀ الموضوع لها الحرف، التی تخ ّ صص المعنی، هذه الآلیّۀ إنما جاءت من ناحیۀ اللّحاظ، واللّفظ لیس موضوعاً لا للحصّۀ الخارجیّۀ
ولا
صفحۀ 60 من 205
ص: 98
للحصّۀ الذهنیّۀ.
أمّا أنه غیر موضوع للح ّ ص ۀ الذهنیّۀ، فلأن الدلالۀ علی هذه الحصّۀ إنما تکون نتیجۀ اللّحاظ باللّحاظ الآلی، واللّحاظ الآلی إنما یکون
فی ظرف الإستعمال، وهذا یستحیل أن یکون هو الموضوع له، لکونه متأخّراً رتبۀً کما تقدَّم، فالحرف غیر موضوع للمعنی الخاص
الملحوظ الآلی الذهنی.
هذا أوّلًا.
وثانیاً: إذا کان اللّحاظ الآلی جزءً للمعنی الموضوع له، فإنه یستلزم أن یکون اللّحاظ الإستقلالی فی وضع الأسماء أیضاً جزءً للموضوع
له، والتالی باطل لعدم التزام أحدٍ به، فالمقدّم مثله.
وثالثاً: إذا کان اللّحاظ الآلی والجزئیّۀ الذهنیّۀ داخلۀً فی وضع الحرف، لزم أنْ یکون جمیع استعمالاتنا مجازیّۀ، وذلک لأنا نجرّد
المعانی لدي استعمالها عن تلک الجزئیّۀ، فیکون استعمالًا فی غیر ما وضع له.
وأما أنه غیر موضوع للحصّۀ الخارجیّۀ، فلأنّ کثیراً ما تستعمل الحروف فی المعنی الجزئی الحقیقی، لا الخارجی. ففی قولنا مثلًا: سرت
النقطۀ الخارجیّۀ. ولذا جعله بعض الفحول- وهو المحقق صاحب (الحاشیۀ) علی « من » من البصرة إلی الکوفۀ، لیس المستعمل فیه لفظۀ
أي: لأن الجزئی الإضافی کلّی لا جزئی. « وهو کما تري » : المعالم- جزئیّاً إضافیّاً فقال صاحب الکفایۀ
وتتلخّص نظریۀ صاحب (الکفایۀ) فی:
-1 الحروف لها معان.
-2 إنها متّفقۀ مع الأسماء المستعملۀ فی معانیها. خلافاً للمشهور.
ص: 99
-3 إن الإختلاف إنما یأتی فی الإستعمال من جهۀ لحاظ المستعمِل فی ظرف الإستعمال، وهذا لا یوجد اختلافاً جوهریّاً بین الاسم
والحرف.
-4 إنه لیس الموضوع له فی الحروف المعنی الجزئی والخصوصیۀ، لا ذهناً ولاخارجاً، فالوضع فیها عام والموضوع له عام.
هذا، والجدیر بالذکر: إن المحقّق الخراسانی یجعل الآلیّۀ والإستقلالیّۀ عبارةً عن الآلیّۀ والإستقلالیّۀ فی المفهومیّۀ، یعنی: کما أنّ
الجواهر مستقلّۀ فی الوجود خارجاً ولا تحتاج إلی شیء فی تحقّقها، وأن الأعراض بخلافها، کذلک الاسم والحرف فی التعقّل، فالاسم
« السیر » إلی الذهن غیر قائم بشیء، بخلاف الحرف، فإنّه لا یأتی إلی الذهن إلّاإذا کان معه « الإبتداء » یتعقّل مستقلّاً، أي: یأتی مفهوم
مثلًا.
هذا تمام الکلام فی بیان هذه النظریّۀ.
ما لا یرد علیه من الإشکال:
وإذا تبیّن واقع نظریۀ صاحب (الکفایۀ)، فلا یرد علیه:
-1 أنه إذا کان بین الآلیّۀ والإستقلالیّۀ فرق، فمن المفاهیم الاسمیّۀ ما یلحظ فی الذهن آلۀً للغیر، فیلزم أنْ یکون حرفاً، کالتبیّن فی قوله
تعالی:
«1» « وَکُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّی یَتَبَیَّنَ لَکُمُ الْخَیْطُ »
فإنّه ملحوظ آلۀً ومرآةً للفجر، مع أنه اسم.
فی الآیۀ الکریمۀ وإنْ کان طریقاً لمعرفۀ « التبیّن » وجه عدم الورود: أن مراده من الآلیّۀ- کما تقدّم- عدم الإستقلالیّۀ فی المفهومیّۀ، و
ولا یحتاج فی ذلک إلیه ولا إلی غیره، فهو « الفجر » الفجر، إلّاأنه مستقلّ فی التعقّل عن
صفحۀ 61 من 205
__________________________________________________
. 1) سورة البقرة: 187 )
ص: 100
اسم ولیس بحرف.
-2 إنّه تارةً یکون المعنی الحرفی ملحوظاً بالإستقلال، کما لو علم بمجیء زید ثم شک فی أنه وحده أو معه أحد، فیقال: مع عمرو.
فإن هذه المعیّۀ أصبحت ملحوظۀ بالإستقلال ومقصودة بالتفهیم.
أي الحرف، غیر مستقلّ فی التعقّل، فلو ارید مجیؤه إلی الذهن، فلابدّ من کونه قائماً بغیره من « مع » وجه عدم الورود: أن معنی
ونحوه، أمّا حیث یراد إفادة معناه وهو المعیّۀ فهو اسم ولیس بحرف. « مجیء »
-3 قوله: بأن المعنی یتغیّر بحسب تعدّد اللّحاظ، فیه: إن حقیقۀ اللّحاظ لیس بشیءٍ غیر الوجود الذهنی، فإذا کان المعنی قابلًا لوجودین
ذهنیّین- الوجود الآلی والوجود الإستقلالی- لزم أنْ یوجدا فی الخارج کذلک، أي یلزم أن تکون ذات المعنی خارجاً قابلۀً للتقسیم
إلی القسمین، فإذا وجد المعنی الحرفی خارجاً بالوجود الإستقلالی، إحتاج إلی معنیً حرفی لیکون رابطاً، وهکذا.
ولکنّ اللّازم والتالی باطل، فالملزوم والمقدّم مثله.
أورده المحقق الإصفهانی.
وأجاب شیخنا الاستاذ بعدم الملازمۀ بین البابین، فقد یکون المعنی قابلًا للنوعین من الوجود فی الذهن، لکنه لا یکون فی الخارج
کذلک، فالأعراض مثلًا لا تقبل فی الخارج إلّاالوجود بالغیر، لکنّها فی الوجود الذهنی تقبل النوعین، وکالإنسان، فإن الماهیّۀ واحدة،
وهی تقبل الوجود الذهنی بنحوین: القابل لل ّ ص دق علی کثیرین، وغیر القابل له، فهی تقبل الوجود فی الذهن بوجود الفرد الذهنی،
وتقبل الوجود فی الذهن بوجود الکلّی الطبیعی،
ص: 101
لکنها فی الخارج لا تقبل الوجود إلّابنحو الصدق علی کثیرین.
ما یرد علیه من الإشکال
أوّلًا: فی قوله: الآلیّۀ والاستقلالیۀ تأتی من ناحیۀ اللّحاظ، وإلّا فلا فرق جوهري بینهما.
فإنّ اللّحاظ لیس إلّاالوجود الذهنی، فإذا لم یکن فی حاقّ المعنی وذاته لا آلیّۀ ولا إستقلالیّۀ، فإنّ لحاظه- أي وجوده- لا یغیّره عمّا
هو علیه.
وبعبارةٍ اخري: لیس الوجود إلّاأنْ ینقلب النقیض إلی النقیض، بأنْ یکون الشیء موجوداً بعد أنْ کان معدوماً، فالوجود لا یغیّر الماهیّۀ
والحقیقۀ بل یُظهرها بعد أنْ لم یکن لها ظهور.
وإذا کان اللّحاظ- سواء من الواضع أو المستعمِل- لیس إلّاوجود المعنی، فکیف یکون المعنی باللّحاظ آلیّاً تارةً واستقلالیّاً اخري؟
وثانیاً: إنْ کان الموضوع له اللّفظ ذات المعنی، وکان الإستقلال وعدم الإستقلال خارجین عنه، غیر أنْ الواضع اشترط علی المستعمل
استعمال الاسم إن کان المعنی ملحوظاً بالإستقلال، والحرف إنْ لم یکن.
ففیه: أنه إذا کان المعنی الموضوع له اللّفظ مطلقاً غیر متقیَّد لا بالآلیّۀ ولا بالإستقلالیّۀ، فکیف یصبح بالإستعمال مقیّداً بهذا تارةً
وبذاك اخري؟
وثالثاً: إذا کان الموضوع له هو ذات المعنی فقط، لصحّ استعمال الحرف فی محلّ الاسم وبالعکس، ومن عدم صحّۀ هذا الإستعمال
یستکشف وجود الفرق الجوهري بینهما.
قال صاحب (الکفایۀ): وجه عدم الصحّۀ هو: إنّ هذا الإستعمال وإنْ کان فی الموضوع له، إلّاأنه بغیر ما وضع علیه.
صفحۀ 62 من 205
ص: 102
فقالوا فی شرح هذا الکلام: إن مراده تقیید الواضع للعلقۀ الوضعیّۀ.
قلنا: إنْ ارید أنّ الوضع مقیَّد، فلیس من المعقول کون الوضع مقیّداً والموضوع له غیر مقیَّد، لأن الوضع من مقولۀ الإضافۀ، فیکون
التقیید فی ناحیۀ الإضافۀ موجباً للتقیید فی متعلَّقها، فتقیید الموضوع مع عدم تقیید الموضوع له غیر ممکن.
وإنْ کانت العلقۀ الوضعیّۀ مطلقۀ غیر مقیَّدة، فلابدّ من کون الموضوع والموضوع له کلیهما مطلقین، وحینئذٍ جاز استعمال کلّ فی
مکان الآخر، وبطل منع ذلک بناء علی تقیید الوضع.
فلا یندفع هذا الإشکال، اللهم إلّابأنْ یقال: إن الواضع شرط علی المستعملین لدي الإستعمال لحاظ الاسم مستقلًاّ ولحاظ الحرف آلۀً.
ویردّه:
عدم وجود الموجب لاتّباع شرط الواضع والإلتزام به.
القول الثالث …: ص: 102
اشارة
إنّ المعنی الحرفی یختلف والمعنی الاسمی اختلافاً جوهریّاً، وإلیه ذهب جمهور المحققین، غیر أنهم اختلفوا فی تصویر هذا الإختلاف
وبیان حقیقته:
* رأي المیرزا
فقال المحقق النائینی: إنّ المعنی الحرفی یباین المعنی الاسمی، والتباین بینهما هو بالإیجادیّۀ والإخطاریّۀ، فالمفاهیم الاسمیّۀ إخطاریّۀ،
والمفاهیم الحرفیّۀ إیجادیّۀ.
وقد ذکر لإثبات مدّعاه خمس مقدّمات، وبناه علی أربعۀ أرکان:
وملخّص کلامه هو:
ص: 103
إن المعانی علی قسمین، منها: إخطاریّۀ، ومنها: غیر إخطاریّۀ، فما یکون صالحاً لأنْ یخطر فی الذهن بنفسه فهو معنًی اسمی، وما لا
یصلح لذلک بل لابدَّ من کونه ضمن کلامٍ مرتّب بترتیب معیّن فهو معنی حرفی.
والمعانی غیر الإخطاریۀ إیجادیّۀ، غیر أنّ هذه المعانی الإیجادیّۀ تنقسم إلی قسمین، فمن الحروف ما یوجد مصداق لمعناه فی الخارج،
کحروف النداء والتشبیه ونحوها، فإنّه لمّا یستعمل حرف النداء ویقال: یا زید، یوجد مصداقٌ للنداء خارجاً، وکذا فی: زید کالأسد،
فهی حروف نسبیّۀ، أي أن معناها لیس إلّاإیجاد النسبۀ ،« إلی » و « علی » و « من » ومن الحروف ما لا یوجد مصداق لمعناه فی الخارج مثل
والربط بین المعانی المتباینۀ التی لاربط بینها، کما فی: سرت من البصرة إلی الکوفۀ.
فالحروف کلّها إیجادیّۀ، غیر أنْ بعضها لمعناه مصداق فی الخارج وبعضها لا، بل هی لإیجاد الربط والنسبۀ فقط، فما فی کلام صاحب
(الحاشیۀ) من تقسیم الحروف إلی إیجادیۀ وغیر إیجادیۀ غیر صحیح.
وبالجملۀ، فلا شیء من الحروف بإخطاري.
ثم قال: إن النسبۀ بین المعنی الاسمی والمعنی الحرفی هی النسبۀ بین المفهوم والمصداق، فالمعنی الاسمی له خاصیّۀ المفهوم،
الذي هو معنی حرفی، هو التفاوت بین « یازید » الذي هو معنی اسمی، وبین « النداء » والمعنی الحرفی له خاصیّۀ المصداق، فالتفاوت بین
صفحۀ 63 من 205
مع الإلتفات إلی أنا بواسطۀ الحرف نوجد المعنی، ولا ظرف لمعناه إلّا ظرف الإستعمال، وهو موطن ،« مصداق الماء » و « مفهوم الماء »
تحقّقه، بخلاف مثل صیغ العقود والإیقاعات التی موطن تحقّق المنشأ فیها هو وعاء الإعتبار.
ص: 104
فظهر أن الإختلاف بین المعنیین- الاسمی والحرفی- جوهري، إذ المعنی الاسمی إخطاري مستقل فی التعقّل غیر محتاج إلی شیء،
والمعنی الحرفی إیجادي غیر مستقل وهو یفید الربط بین المعانی الإخطاریۀ المتباینۀ، فهو غیر إخطاري، إذ لیس إلّافی عالم
الإستعمال، فالمعانی الاسمیّۀ دائماً مقصودة بالإستقلال، والمعانی الحرفیّۀ دائماً آلیّۀ وینظر إلیها بالتبع، بل إنها حین الإستعمال فانیۀ فناء
فی مقام التکلّم، لا فی الخارج، وهذا الربط - « السطح » و « زید » بین « علی » اللّفظ فی المعنی، وهی توجد الربط بین الأسماء- کربط
والنسبۀ من قبیل النسبۀ بین الظلّ وذي الظل، ولذا قد تطابق وقد تخالف- ولیس من قبیل النسبۀ فی الخارج، التی هی النسبۀ بین الدّال
والمدلول وحقیقۀ هذه النسبۀ فی الحروف عبارة عمّا یؤخذ من قیام احدي المقولات التسع بموضوعاتها، فإنْ لم تؤخذ هذه
الخصوصیّۀ فی المقولات التسع لم تکن هناك نسبۀ، فالعرض لو لم یکن فیه جهۀ قیام بالجوهر فلا نسبۀ، کما هو الحال بین جوهرٍ
.«1» وجوهرٍ آخر، إذ حقیقۀ النسبۀ ناشئۀ من قیام احدي المقولات التسع بموضوعاتها
مناقشات الشیخ الاستاذ … ص: 104
وذکر شیخنا الاستاذ علی هذا القول إشکالات، فقال:
-1 أمّا قوله: إن حقیقۀ النسبۀ لیست إلّاقیام احدي المقولات التسع بموضوعاتها، فإن معناه انحصار النسبۀ بین المقولات العرضیّۀ، ویلزم
لعدم وجود المقولۀ فیه، ولا یخفی مافیه. « شریک الباري ممتنع » منه انکارها فی مثل
__________________________________________________
32 ط مؤسّسۀ صاحب الأمر (عج). -25 / 1) أجود التقریرات 1 )
ص: 105
-2 وأمّا قوله بأنّ جمیع الحروف إیجادیّۀ، ولیس فیها جهۀ الحکایۀ أصلًا، إذ لیس لها ما وراء کی تحکی عنه، فما معنی ال ّ ص دق
والکذب فی مثل: زید علی السطح، عمرو فی الدار ؟…
أجاب رحمه اللَّه: بأنّ مناط الصّدق والکذب هو وجود وعدم وجود المطابق.
وفیه: إن موضوع ال ّ ص دق والکذب هو الخبر، وحیث لا یکون خبرٌ فلا یکون صدق وکذبٌ، ولازم کلامه انتفاء الخبر فی مثل زید فی
الدار، لأن الخبر إن کان له مطابَق فهو صدق وإلّا فهو کذب. وتوضیح ذلک: إن فی الجملۀ الخبریۀ مسلکین: أحدهما: إنّها تدل علی
ثبوت أو عدم ثبوت النسبۀ، وهذا هو المشهور- وربّما ادّعی علیه الإتفاق کما عن التفتازانی- والآخر: إن الجملۀ الخبریۀ دالّۀ علی
قصد الحکایۀ. وسوف نوضح الفرق بین المسلکین فی مسألۀ الإنشاء والإخبار.
«1» « إِن جَاءکُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ » : وکیف کان، فإن قوام الإخبار هو الإعلام والإنباء، قال تعالی
فإذا لم یکن هناك منبأ عنه، ومدلول، ومحکی، فلا موضوع للإعلام والإنباء والإخبار … وهذا هو المهمّ، وإذا کان شأن الحروف هو
الربط وأنه لیس للحروف ما وراء، فعن أيّ شیء یخبر وینبئ … والعجیب أنه قد ناقض نفسه فی ضمن کلامه، عندما ذکر انقسام
الألفاظ إلی المستقل وغیر المستقل، وغیر المستقل إلی قسمین، حیث عبَّر عن بعض الهیئات والحروف بأنّها تفید کذا وتدل علی کذا،
فإذا لم یکن للحروف معنیً مطلقاً، فما معنی الإفادة والدلالۀ؟
__________________________________________________
صفحۀ 64 من 205
. 1) سورة الحجرات: 6 )
ص: 106
-3 وأمّا قوله بأنّ النسبۀ بین المعنی الاسمی والحروف نسبۀ المفهوم إلی المصداق، فغیر صحیح، لأن المصداق والمفهوم لا اختلاف
بینهما إلّافی الوجود، وإلّا فالذات واحدة، کزید والإنسان، فکلاهما حیوان ناطق والنسبۀ نسبۀ الکلّی والفرد، فالنسبۀ المذکورة تختص
فی وحدة الذات، ولا تجتمع مع الإختلاف الذاتی بین مفهوم الاسم ومفهوم الحرف، کما هو الحق الذي اختاره فی مقابل مبنی
صاحب (الکفایۀ)، بل علی هذا المبنی تکون النسبۀ هی النسبۀ بین العنوان والمعنون، کمفهوم الوجود والمصادیق الخارجیّۀ للوجود.
-4 وأمّا قوله بأن المعنی الحرفی فانٍ فی مقام الإستعمال وغیر ملحوظ أصلًا. ففیه: أنه خلاف الوجدان، فقد یکون تمام النظر فی موردٍ
.« سرت من البصرة إلی الکوفۀ » فی « من » إلی إفادة معنی حرف من الحروف، کلفظۀ
وهذا الإشکال من المحقق الخوئی فی (حاشیۀ أجود التقریرات).
-5 إنه لا ریب فی أن الحروف موجدة للربط بین المفاهیم الاسمیّۀ، فالسیر بما له من المفهوم مغایر للبصرة بما له من المفهوم، لکنّها
بدلالتها علی معانیها توجد الربط، لا أنها توجده من غیر أنْ تدل علی معنی.
وعلی الجملۀ، فإن دعواه بأنّ الحروف إیجادیّۀ فقط، دعوي بلا دلیل، بل الدلیل قائم علی بطلانها. أمّا وجداناً، فلأن قولنا زید فی
المفید للظرفیّۀ « فی » الحاکی عن الجوهر وهو المکان، وعلی « الدار » الحاکی عن الجوهر وهو المکین، وعلی « زید » الدار، یشتمل علی
یفید الربط بینهما، ولولا هذا الحرف لما انتقل إلی الذهن الربط بین « فی » الحاکی عن الربط، فکلّ من الاسمین یفید معناه الخاص، و
الاسمین المذکورین. وأمّا برهاناً، فلأن
ص: 107
بهذا اللّفظ، کذلک هی تقتضی إفادة النسبۀ والربط بینهما « الدار » بهذا اللّفظ، ومعنی « زید » حکمۀ الوضع التی اقتضت أنْ یفاد معنی
بحاكٍ، إذْ لا وجه لأنْ یکون لذینک المعنیین حاك ولا یکون هناك حاكٍ عن معنی الربط، فلا محالۀ، توجد فی الأسماء والحروف
جهۀ الحکایۀ، غیر أنّ الأسماء تحکی عن معانٍ مستقلّۀ، والحروف تحکی عن معانٍ غیر مستقلّۀ وهذا هو الفرق.
فالأسماء والحروف مشترکۀ فی الإخطاریّۀ والحکایّۀ، والإختلاف فی الإستقلال وعدم الإستقلال.
إشکال المحقق العراقی ودفعه … ص: 107
وأمّا ما أورده المحقّق العراقی علی المیرزا من أنه: إنْ کان المراد من إیجاد الحرف الربط بین المفهومین إیجاده بین مفهومین
مرتبطین فهو تحصیل للحاصل، وإنْ کانا غیر مرتبطین فإیجاده للربط بین غیر مرتبطین محال.
فقد أجاب عنه الاستاذ بأن مراد المیرزا أن الحروف توجد الربط بین المفاهیم، بمعنی أنه لولا الحروف لما وجد الإرتباط بینها.
* رأي المحقق العراقی … ص: 107
کمقولۀ الأین والإضافۀ ونحوهما. وتوضیح کلامه هو: ،«1» إن الحروف موضوعۀ للأعراض النسبیّۀ الإضافیّۀ
إن المعانی علی أقسام:
-1 المعانی الموجودة فی نفسها لنفسها، وهی الجواهر، کزید.
-2 المعانی الموجودة فی نفسها لغیرها، وهی الأعراض، کالبیاض.
صفحۀ 65 من 205
3 -
ی
ن
ا
ع
م
ل
ا
ی
ت
ل
ا
لا ۀ
یّ س
ف
ن
ا
ه
ل
اً ق
ل
ط
م
،
لا ی
ف
ا
ه
س
ف
ن
لا و
ا
ه
س
ف
ن
ل
،
ل
ب
ی
ف
__________________________________________________
52 ط جامعۀ المدرّسین. -42 / 1) نهایۀ الأفکار 1 )
ص: 108
بالفارسیّۀ. « أست » غیرها لغیرها بغیرها، مثاله: وجود الرابط، کالرابط بین زید وقائم، وهو المعبَّر عنه ب
ثم إنّ القسم الثانی ینقسم إلی قسمین: الأعراض النسبیّۀ، والأعراض غیر النسبیّۀ.
العرض لا یکون بغیر نسبۀ، لأنه لغیره، لکن بعض الأعراض لیس له إلّا نسبۀ واحدة، وهی النسبۀ إلی الموضوع، کالبیاض القائم
فیسمّی القسم الأول « الدار » وإلی المکان وهو ،« زید » له نسبۀ إلی المکین وهو « فی » بالجدار، وبعضها ذو نسبتین، کمقولۀ الأین، فمثل
بالعرض غیر النسبی، والثانی بالعرض النسبی.
فالأسماء موضوعۀ للجواهر کلفظ الجسم، وللأعراض غیر النسبیّۀ کلفظ البیاض.
«… إلی » و « فی » و « علی » و « من » والحروف موضوعۀ للأعراض النسبیّۀ، ك
.« أست » والهیئات موضوعۀ للرابط، وهو
فالموضوع له الحرف عبارة عن العرض النسبی، وعن الوجود الرابطی، والموضوع له الهیئۀ عبارة عن وجود الرابط، فالحروف مثل
.« إلی » والأین الإنتهائی « من » والأین الإبتدائی « فی » هی لأقسام الأین، الأین الظرفی « فی » و « إلی » و « من »
فلا ندري هو من أيّ مقولۀٍ، لکن هذا لا یضرّ بالنظریۀ، ولا « اللام » قال: ومن الحروف ما لا نتمکّن من تصوّر معناه الموضوع له مثل
یوجب بطلانها.
ص: 109
.« أست » وعلی الجملۀ، فالهیئات موضوعۀ لوجود الرابط، مفاد
والحروف علی قسمین: منها ماهو موضوع للنسبۀ، مثل حروف التمنّی والترجّی، فهی موضوعۀ لنسبۀ تشوّق المترجّی إلی المترجّی،
.« فی » و « إلی » و « من » والمتمنّی إلی المتمنّی، مثل لیت ولعل. ومنها الحروف الاخري، فهی موضوعۀ للأعراض النسبیّۀ مثل
قال: ومعانی الحروف متعلّقۀ بالغیر، فلا إستقلالیّۀ لها، لا فی ذواتها ولا فی وجوداتها.
المناقشات … ص: 109
قبل کلّ شیء، لم یذکر هذا المحقق دلیلًا علی ما ادّعاه من کون المعنی الحرفی عبارةً عن العرض النسبی.
ثم:
-1 إذا کان معنی الحرف عبارةً عن العرض النسبی، فأین الأعراض النسبیۀ لحروف التشبیه والعطف والنداء؟ وقوله بوجود هذا المعنی
إلّاأنّا لا نعرفه بال ّ ض بط، غیر مفید، لأنّ الأعراض النسبیّۀ کمقولۀ الأین والإضافۀ والجدة … معروفۀ، فلماذا لا نعلم بالعرض النسبی فی
مثل کأنّ زیداً أسد، ومثل: یا زید ؟…
إن الحقیقۀ أن هذه الحروف لیس معناها هو العرض النسبی.
-2 ماذکره من أنّ المعنی الحرفی متقوّم ماهیّۀً ووجوداً بالغیر، فیه: إن کلّ عرض مستقل ماهیّۀً ومحتاج إلی الغیر وجوداً، من غیر فرق
بین النسبی وغیره.
فی مبحث «1» ( -3 إنّ العرض النسبی نفسه معنیً اسمی، ففی (الأسفار
صفحۀ 66 من 205
__________________________________________________
215 ط مکتبۀ المصطفوي. / 1) الأسفار 4 )
ص: 110
الأین، فی نقض تعریف هذه المقولۀ بنسبۀ الشیء إلی المکان، قال ما معناه:
ینبغی أنْ نقول بأنّ مقولۀ الأین هی الهیئۀ الحاصلۀ للشیء، والهیئۀ معنی اسمی، ثم قال: فمقولۀ الأین عبارة عن الهیئۀ الحاصلۀ
بالاضافۀ.
فجمیع الأعراض النسبیۀ من مقولۀ الجدة والوضع … هیئات حاصلۀ، والهیئات معانٍ مستقلۀ، والحال أن المعنی الحرفی غیر مستقل.
-4 ماذکره فی لیت ولعلّ، فیه: إن التشوق صفۀ نفسانیّۀ ولیس بنسبۀ، غایۀ الأمر، هو صفۀ نفسانیۀ ذات تعلّق وإضافۀ إلی الغیر، مثل
الحب والبغض.
هی الهیئۀ الحاصلۀ للشیء من الإضافۀ إلی المکان، فلا « الأین » مخدوش، لأنّ « الأین الإنتهائی » و « الأین الإبتدائی » -5 وماذکره فی
إضافۀ انتهائیۀ، لکنّ کلیهما من مقولۀ الأین « إلی » إضافۀ ابتدائیۀ، وفی « من » إضافۀ اخري، ففی « أین » ابتداء لها ولا انتهاء، نعم، لکلّ
للأین الإنتهائی غیر معقول. « إلی » للأین الإبتدائی، و « من » …فجعل
قال شیخنا الاستاذ:
هذا کلّه بناءً علی أن مسلکه فی معنی الحرف هو العرض النسبی.
لکن کلماته مشوّشۀ…
* رأي السید الخوئی … ص: 110
قال طاب ثراه فی تعلیقۀ (أجود التقریرات):
والتحقیق أن یقال: إن الحروف بأجمعها وضعت لتضییقات المعانی الاسمیّۀ وتقییداتها بقیودٍ خارجۀٍ عن حقائقها، ومع ذلک لا نظر »
لها إلی النسب الخارجیۀ، بل التضییق إنما هو فی عالم المفهومیّۀ وفی نفس المعانی، کان له
ص: 111
وجود فی الخارج أو لم یکن، فمفاهیمها فی حدّ ذاتها متعلّقات بغیرها ومتدلّیات بها، قبال مفاهیم الأسماء التی هی مستقلّات فی
أنفسها.
توضیح ذلک: إن کلّ مفهومٍ اسمی له سعۀ وإطلاق بالإضافۀ إلی الحصص التی تحته، وسواء کان الإطلاق بالقیاس إلی الخصوصیات
المنوّعۀ أو المصنّفۀ أو المشخّصۀ، أو بالقیاس إلی حالات شخصٍ واحد، ومن الضروري أن غرض المتکلّم کما یتعلّق بإفادة المفهوم
علی إطلاقه وسعته، کذلک قد یتعلَّق بإفادة حصّۀٍ خاصّۀٍ منه، کما فی قولک: الصلاة فی المسجد حکمها کذا. وحیث أنّ حصص
المعنی الواحد فضلًا عن المعانی الکثیرة غیر متناهیۀ، فلابدّ للواضع الحکیم من وضع ما یوجب تخ ّ صص المعنی وتقیّده، ولیس ذلک
فی قولنا: الصلاة فی « فی » إلّاالحروف والهیئات الدالّۀ علی النسب الناقصۀ، کهیئات المشتقات، وهیئۀ الإضافۀ أو التوصیف، فکلمۀ
المسجد، لا تدل إلّاعلی أنّ المراد من الصلاة لیس هی الطبیعۀ الساریۀ إلی کلّ فردٍ، بل خصوص حصّۀ منها، سواء کانت تلک الحصّۀ
موجودةً فی الخارج أم معدومۀ، ممکنۀ کانت أم ممتنعۀ، ومن هنا یکون استعمال الحروف فی الممکن والواجب والممتنع علی نسقٍ
واحدٍ وبلا عنایۀ فی شیء منها، فنقول:
فی جمیع ذلک یوجب « اللّام » ثبوت القیام لزیدٍ ممکن، وثبوت العلم للَّهتعالی ضروري، وثبوت الجهل له تعالی مستحیل. فکلمۀ
صفحۀ 67 من 205
تخصّص مدلوله، فیحکم علیه بالإمکان مرة، وبالضرورة اخري، وبالإستحالۀ ثالثۀ.
فما یستعمل فی الحرف لیس إلّاتضییق المعنی الاسمی، من دون لحاظ نسبۀ خارجیۀ، حتی فی الموارد الممکنۀ، فضلًا عما یستحیل فیه
تحقّق
ص: 112
.«1» « نسبته، کما فی الممتنعات وفی أوصاف الواجب تعالی، ونحوهما
هذا، والأدلّۀ علی هذا المبنی- کما فی (المحاضرات)- هی:
أولًا: بطلان سائر الأقوال.
وثانیاً: إن المعنی المذکور یشترك فیه جمیع موارد استعمال الحرف، من الواجب والممتنع والممکن، علی نسقٍ واحد، ولیس فی
المعانی ما یکون کذلک.
وثالثاً: إنه نتیجۀ المختار فی حقیقۀ الواضع، أي التعهّد، ضرورة أن المتکلّم إذا قصد تفهیم حصۀٍ خاصۀ فتفهیمه منحصر بواسطۀ
الحرف ونحوه.
.«2» ورابعاً: موافقۀ ذلک للوجدان، والارتکاز العرفی
أقول:
لقد أوضح الاستاذ رأي هذا المحقق فی الدورة السابقۀ وقرّبه علی البیان التالی:
إن الحروف علی قسمین:
القسم الأول، الحروف التی وزانها وزان الإنشاء.
مبرزة لاعتبار الزوجیّۀ، کذلک قسم من الحروف، فإنها مبرزة، فمثل « أنکحت » مبرزة لاعتبار الملکیۀ، و « بعت » یعنی: کما أن صیغۀ
وضعت لإبراز الصفۀ النفسانیۀ، وهی التمنّی والترجّی. « لعلّ » و « لیت »
والقسم الثانی، الحروف الموضوعۀ لتضییق المعانی الاسمیۀ. وکذا الهیئات، والجمل التامّۀ، الاسمیۀ منها کزید قائم، والفعلیّۀ منها کقام
زید،
__________________________________________________
27 - الهامش ط مؤسّسۀ صاحب الأمر (عج). / 1) أجود التقریرات 1 )
.84 / 2) محاضرات فی اصول الفقه 1 )
ص: 113
والجمل الناقصۀ کغلام زید، فهذه کلّها موضوعۀ لإفادة التضییق.
وتوضیحه: إنه قد تتعلَّق إرادة المتکلِّم لأنْ یفید معنیً علی إطلاقه، وقد تتعلَّق لأنْ یفید حصّۀً من المعنی بإیجاد ضیقٍ فیه، فمرةً یقول:
حصّۀ من الصلاة وأفادها. هذا بحسب الحصص. « فی » الصلاة، واخري یقول: الصلاة فی المسجد، فأوجد بواسطۀ
وکذا الحال بحسب الحالات، فهو تارةً: یقول: زید، واخري: یرید إفادة زید فی حالۀٍ مخصوصۀ، فیأتی بحرفٍ أو بهیئۀٍ للدّلالۀ علی
ذلک، کأنْ یقول جاء زید راکباً، فبذلک یحصل نوع من التضییق فی المعنی.
وکذا الکلام فی الجمل التامّۀ، فقد یدلّل علی الجلوس ویفیده، وقد یرید إفادة حصّۀٍ من الجلوس، فیقول: جلس زید، أو زید جالس.
وهکذا یتحقق بالحروف التضییق فی المعانی الاسمیۀ، ولکلّ حرفٍ معناه الخاص، وبه یتحقق التضیق بحسب معناه.
لا یقال: التضییق معنًی اسمی، فإذا کان المعنی الموضوع له الحرف هو التضییق، کان معنی الحرف معنًی اسمیّاً.
لأنا نقول: الموضوع له الحرف لیس مفهوم التضییق، بل هو واقعه ومصداقه، فما یأتی إلی الذهن من لفظ التضییق هو مفهوم التضییق،
صفحۀ 68 من 205
وغیرها هو مصداق التضییق. « من » و « إلی » و « فی » ولکن التضییق الآتی إلی الذهن من
مناقشات شیخنا الاستاذ … ص: 113
ثم ذکر الاستاذ دام بقاه بأنه: لا ریب فی وجود التضییق وتحقّقه فی
ص: 114
الموارد المذکورة، ولکنْ لا دلیل علی أن ذلک هو الموضوع له الحرف، بأنْ یکون مدلول الحرف وضعاً هو التضییق، فلعلّ التضییق
هو لازم المعنی الموضوع له الحرف، وعلی الجملۀ، فإنّ المدّعی أعم من الدلیل.
ثم إنه لا یمکن أنْ یکون المعنی واقع التضییق، لأن التضییق قدر مشترك بین الإبتداء والإنتهاء والظرفیّۀ، وإلی جانبه یوجد فی کلّ
واحدٍ من هذه الموارد تضییق یختصُّ به، ولذا لایوجد جامع بین المعنیین الاختصاصیّین لحرفین من الحروف.
یفید التضییق، فهما یشترکان فی هذه الجهۀ، لکنْ فی کلّ منهما جهۀ امتیاز، فهل المعنی الموضوع له فی « إلی » و « من » مثلًا: کلّ من
هذین الحرفین هو الجهۀ المشترکۀ بینهما أو الجهۀ التی یمتاز بها کلّ منهما عن الآخر؟ إن المدلول هو المعنی الذي فی جهۀ الإمتیاز،
أما التضییق فذاك هو المدلول الأعمّ الذي یشترك فیه الحرفان، ولا یمکن أن یکون هو الموضوع له، لأنه الجامع لتلک الموارد کلّها،
لیس تلک الحیثیّۀ التی بها یکون مصداقاً للقدر المشترك، بل مدلوله ومفهومه الموضوع له هو حیثیّته المعاندة لحیثیّۀ « فی » فمدلول
أعنی تلک الحیثیۀ الخاصّ ۀ، وإلّا، فالتضییق موجود فی کلیهما ولا تعاند لهما فیه، فجعل هذه الحیثیۀ المشترکۀ التی هی اللّازم ،« من »
الأعم فی الحروف غیر صحیح.
هذا أوّلًا.
وثانیاً: إذا کانت الحروف موضوعۀ لواقع التضییق لا مفهومه، فمن المستحیل أن تکون مضیّقۀً لواقع التضییق، لأن المضیَّق لا یطرأ علیه
تضییق، لأن المماثل لا یقبل المماثل، هذا من جهۀ. ومن جهۀٍ اخري: إن التضیّق إنما
ص: 115
یطرق علی مالیس فیه ضیق، وکذا التوسعۀ. وعلی ماذکرنا نقول: إن القضایا علی قسمین، منها: الشرطیۀ الإنشائیۀ، کقولنا: إذا زالت
الشمس فصل، ومنها: الشرطیۀ الخبریۀ، کقولنا: إذا طلعت الشمس فالنهار موجود، ولا ریب أن الشرط فی القسم الثانی یرد علی مدلول
یرجع « إذا طلعت » : الهیئۀ- وهو مختار المحققین، خلافاً للشیخ رحمه اللَّه القائل برجوع القید فی الواجب المشروط إلی المادّة- فقید
إلی مدلول الجملۀ الجوابیۀ والنسبۀ الموجودة بین النهار والوجود.
الشرطیۀ، وارداً علی مدلول الهیئۀ وهو الضیّق، « إذا » وحینئذٍ، فلو کانت الحروف موضوعۀ لواقع التضییق، لزم أن یکون التضیق بسبب
ومعنی ذلک أن یضیَّق المضیَّق مرّة اخري، وهو محال، لأن التقیید لا یقبل الإطلاق والتقیید، کما أنّ الإطلاق کذلک، لأن المقابل لا
یقبل المقابل، والمماثل لا یقبل المماثل.
هذا ما أورده فی الدورة السابقۀ.
أما فی الدورة اللّاحقۀ، فذکر أن أساس هذا المبنی هو دعوي بطلان القول بوضع الحروف للنِسب، لکنْ سیأتی صحّۀ هذا القول، فلا
أساس لمبنی التضییق. هذا أوّلًا.
وثانیاً: إن الموضوع له الحرف هو ملزوم التضییق، وقد وقع الخلط فی هذا المبنی بین اللّازم والملزوم، وهذا ما أشار إلیه فی تلک
حصۀ فی قولنا: الصلاة فی المسجد کذا. « ال ّ ص لاة » بالفارسیۀ یُصیّر « دریّت » الذي هو « فی » الدورة، أما فی المتأخّرة فأوضح قائلًا: بأنّ
حصّۀً فی قولنا: سرت من البصرة إلی الکوفۀ، فهی حروفٌ « السیر » یصیّران « إلی » و « من » وکذا
صفحۀ 69 من 205
ص: 116
تخرج المفاهیم والمعانی عن إطلاقها، وتحصّصها، لکن لیس معانی هی الحروف هذه التحصیصات والتضییقات، بل هی النسب،
النسبۀ الإنتهائیۀ، وهذه المعانی لازمها التضییق. وسیأتی تفصیل « إلی » النسبۀ الإبتدائیۀ، ومعنی « من » النسبۀ الظرفیۀ، ومعنی « فی » فمعنی
ذلک فی بیان الرأي المختار.
* مناقشات السیّد الاستاذ … ص: 116
علی نظریۀ التضییق فی جهاتٍ نلخّصهاکما یلی: «1» ( وتکلّم السید الاستاذ فی (المنتقی
-1 إنّ التضییق من الأفعال التسبّبیۀ التولیدیۀ التی تتحقق بأسبابها، بلا توسیط الإرادة والإختیار فی تحقّقها، وهو مسبّب عن الربط بین
المفهومین بلا اختیار، فهو مسبب والربط والنسبۀ سبب، ولولا حصول الربط والنسبۀ بینهما کالربط بین زید والدار لا یتحقق التضییق فی
مفهوم زید.
فإنْ أراد من وضع الحروف لتضییق المعانی الاسمیّۀ وضعها للمسبَّب، أي نفس التضییق دون السبب، فهو غیر معقول، لأنّ الحرف إمّا
أن یوضع لمفهوم التضییق، أو لمصداقه وواقعه، لکن الأوّل باطل، للتباین بین مفهوم التضییق ومفهوم الحرف، عند العرف، مع استلزام
الوضع له الترادف بین اللّفظین فی المعنی، مضافاً إلی أن التضییق من المفاهیم الاسمیّۀ.
والثانی یبطل بوجوه:
الأول: إن الوضع بأزاء الوجود ممتنع، لکون الغرض من الوضع هو انتقال المعنی عند إلقاء اللّفظ، والوجود سواء الخارجی أو الذهنی،
لا یقبل الانتقال، ویأبی الوجود الذهنی، لأن المقابل لا یقبل المقابل، أو أن المماثل لا
__________________________________________________
.114 / 1) منتقی الاصول 1 )
ص: 117
یقبل المماثل.
والثانی: إن مقتضی حکمۀ الوضع وضع الحروف لنفس الخصوصیۀ الموجبۀ للتضییق، کی یحصل تفهیم الحصّۀ الخاصۀ من مجموع
الکلام وبضمیمۀ الاسم إلی الحرف، لا الوضع لنفس التضییق، فإنه خارج عن دائرة الغرض من الوضع.
والثالث: إنه لو کان الموضوع له الحرف نفس المصداق، لزم الترادف بین لفظ الحرف وبین الألفاظ الاسمیۀ الدالّۀ علی مصداق
وحصّۀً منه، والوجدان قاض بعدم الترادف. « مصداق التضییق » مرادفاً للفظ « فی » التضییق، فیکون لفظ
وإنْ أراد وضع الحروف للسّبب، أعنی نفس الرّبط والنّسبۀ- کما قد یظهر من بعض عبارة التقریرات- فهو عبارة اخري عن مبنی
المیرزا.
-2 إن ما ادّعاه من صحّۀ استعمال الحروف حتی فی الموارد غیر القابلۀ للنسبۀ والربط کصفات الباري، غیر تام، لأنه بناءً علی کون
الموضوع له الحرف هو التضییق، لیس المراد کلّی التضییق الشامل لجمیع الأفراد، بل الموضوع له کلّ حرفٍ تضییق من جهۀٍ خاصّ ۀٍ
تضییقه من جهۀ خاصّ ۀ وهی « من » تضییق المفهوم الاسمی من جهۀ الظّرفیّۀ، والموضوع له لفظ « فی » للمفهوم، والموضوع له لفظ
الإبتداء، وهکذا. وظاهرٌ أنّ التضییق الخاص یتوقّف علی ثبوت خصوصیّۀٍ وارتباطٍ بین المفهومین الاسمیین، بحیث ینشأ منه التضییق
الخاص، فیصحّ استعمال الحرف فیه، فلا یحصل تضییق مفهوم زید بکونه فی الدار إلّابتحقّق الإرتباط والنسبۀ الخاصّۀ بینه وبین الدار،
فیعبَّر عن ذلک التضییق بالحرف، وعلیه، فاستعمال الحرف فی صفات الباري
صفحۀ 70 من 205
ص: 118
یتوقف علی ثبوت النسبۀ والإرتباط بین الصفۀ والذات، کی یتحقق التّضییق المعبَّر عنه بالحرف، فیرجع الإشکال کما هو.
-3 ثم إنه بناءً علی أنْ یکون الموضوع له فی الحروف هو التضییق، یکون معنی الحرف من المعانی الإیجادیّۀ، وهو الأمر الذي فرَّ منه،
والوجه فی کونه إیجادیّاً: إن المفروض وضع الحروف لواقع التضییق، لکنّه مسبّب عن النسبۀ والربط، وقد عرفت إیجادیّۀ الربط
والنسبۀ، وأنها تحصل فی ذهن السامع بنفس اللّفظ، فکذلک التضییق یکون إیجادیّاً یحصل فی ذهن السامع بواسطۀ اللّفظ باعتبار تبعیّۀ
وجوده لوجود النسبۀ، وهی معنی إیجادي.
-4 وأمّا ماذکره فی (المحاضرات) من الوجوه المعتَمدة لهذا المبنی، فکلّها مردودة. فبطلان الوجوه الاخري لا یعنی صحّۀ هذا الوجه
وتعیّنه.
واختیار التعهّد فی حقیقۀ الوضع لا یقتضی کون الموضوع له فی الحروف هو التضییق، بل هذا المبنی فی وضع الحروف- بناءً علی
تمامیّته- یصلح علی جمیع المبانی فی حقیقۀ الوضع. والقول بهذا المبنی لا یصحّح استعمال الحرف فی جمیع الموارد، بل الإشکال
الذي وجّهه علی مبنی المحقق الإصفهانی والمحقق النائینی من عدم صحۀ استعمال الحرف فی صفات الباري یتوجّه علی هذا المبنی
أیضاً. ودعوي الإرتکاز مجازفۀ.
* رأي المحقق البروجردي … ص: 118
وقال السیّد البروجردي طاب ثراه: إنه لابدّ من البحث عن حقیقۀ المعنی الحرفی علی ضوء الأمر الواقع، فما هو واقع الحال فی مثل:
سرت من البصرة إلی الکوفۀ؟
إن الواقع فی هذا المثال وجود امور فی الخارج، ووجود معانٍ لا فی
ص: 119
الخارج.
أمّا الامور الموجودة فی الخارج فهی:
-1 السیر.
-2 الفاعل.
-3 البصرة.
-4 الکوفۀ.
فأمّا الامور الاخري، التی هی معانی غیر موجودة فی الخارج، بل هی موجودة بالوجود الإندکاکی فهی:
أ- إن السیر الموجود فی الخارج لیس هو مطلق السیر، بل هو سیر صادر من هذا الفاعل الخاص المعیّن، وهذا حیث صدوري، لا
یمکن انکاره، لکنه مندك فی الکلام ولا خارجیّۀ له.
ب- إن السیر الموجود فی الخارج له جهۀ ابتداء، فإنه من البصرة، وهذا حیث شروعی.
ج- إنّ السیر الموجود فی الخارج له جهۀ انتهاء، فإنه إلی الکوفۀ، وهذا حیث انتهائی.
فظهر أن فی مثالنا سبعۀ معان، أربعۀ منها خارجیّۀ وثلاثۀ اندکاکیّۀ، والخارج ظرف وجود کلّ هذه المعانی علی هذا الشکل والترتیب
الخاص.
لکنّ ما یتصوَّر ویأتی إلی الذهن من هذا الکلام تارةً یکون علی طبق الموجود فی الخارج، واخري یري الذهن کلّ واحدٍ من تلک
صفحۀ 71 من 205
المعانی الخارجیّۀ والإندکاکیّۀ مستقلّاً عن غیره. فإنْ رآها علی النحو الأوّل فقد رآها مرتبطۀ، وإنْ رآها علی النحو الثانی فلا ارتباط
بینها، ولولا ما یُوجد بینها
ص: 120
وهکذا. «… حیث شروع » و « کوفۀ » و « بصرة » و « فاعلًا » و « سیراً » الإرتباط بفعل الذهن، فإنه یري
وعلی الجملۀ، إن هذه المعانی تارةً: تأتی إلی الذهن کما هی مرتبطۀ فی الخارج، واخري: تأتی إلی الذهن متفرقۀ مستقلّۀ بلا ارتباط
فیما بینها، فهی بحاجۀ إلی ما یحقّق الإرتباط فیما بینها.
قال: فما کان بحسب اللّحاظ الأوّل [یعنی اللّحاظ المطابق للخارج] رابطۀً بالحمل الشائع، یصیر بحسب اللّحاظ الثانی مفهوماً مستقلّاً
یحتاج فی ارتباطه بالغیر إلی رابط.
وقال: إن وجدت فی الذهن علی وزان وجودها الخارجی یکون معنیً أدویاً، وإنْ انتزع عنها مفهوم مستقل ملحوظ بحیاله فی قبال
.«1» مفهومی الطرفین، یصیر مفهوماً اسمیّاً
نقد الشیخ الاستاذ … ص: 120
ذکر شیخنا الاستاذ دام بقاه معلِّقاً علی قول السید البروجردي: بأن ما کان بحسب اللّحاظ الأول رابطۀً، یکون باللّحاظ الثانی معنًی
اسمیاً، فقال:
هل المراد أنّه هو نفسه یصیر معنیً اسمیّاً أو غیره؟ ظاهر الکلام أنه نفسه…
وحینئذٍ یستلزم القول بأن الذات الواحدة تصیر بلحاظٍ شیئاً وبلحاظٍ آخر شیئاً آخر، وهذا معناه ورود الإستقلال وعدمه علی الشیء
واحد، وهو عین مبنی المحقق الخراسانی صاحب (الکفایۀ).
فکان علی السید البروجردي أن یوافق علی مبنی صاحب (الکفایۀ)، لکنّه یري الإختلاف الجوهري بین المعنی الاسمی والمعنی
الحرفی.
__________________________________________________
.17 - 1) نهایۀ الاصول 16 )
ص: 121
* رأي المحقق الإصفهانی … ص: 121
إن المعنی الحرفی عبارة عن النسبۀ الخاصۀ الموجودة فی مورد تحقّقها، فالحروف والهیئات موضوعۀ للروابط والنسب الخاصۀ
.«1» الموجودة فی أنحاء المنسوبات المختلفۀ والمرتبطۀ المختلفۀ
توضیحه: إن الوجود ینقسم إلی:
-1 الوجود الجامع لجمیع النفسیّات، وهو اللَّه عزّ وجلّ، فإنهم یقولون بأنّه وجود فی نفسه بنفسه لنفسه.
-2 الوجود فی نفسه لنفسه بغیره، وهو الجوهر.
-3 الوجود فی غیره لغیره بغیره، وهو العرض.
وفی مقابلها: الوجود الذي لا نفسیّۀ له أصلًا، وجمیع أنحاء النفسیّات مسلوبۀ عنه، بل نفسیّته بالطرفین ووجوده فی الغیر، وهذا الوجود
صفحۀ 72 من 205
غیر محمول علی شیء من الماهیّات، وإنما هو وجود شیء لشیء، بخلاف وجود الجوهر، ووجود العرض، فإنه وجود محمولی، نقول:
العقل موجود، القیام موجود، أما مفاد کان الناقصۀ: کزید کان قائماً، فإنه وجود غیر قابل للحمل علی موضوع، إنه لیس بکون شیء،
بل هو کون شیء- أي القیام- لشیء وهو زید، فهو کون رابط، ووجود قائم بوجودین.
وعلی الجملۀ، ففی الوجودات الخارجیّۀ وجود شیء، وجود شیء لشیء، والأوّل وجود محمولی دون الثانی.
وکذلک الحال فی المعانی، فإن هناك معنیً قائماً بنفسه، ومعنیً غیر قائم بنفسه بل ذاته التعلّق بالغیر والقیام بالطرفین، وهذا القسم هو
حقیقۀ
__________________________________________________
51 ط مؤسّسۀ آل البیت علیهم السلام. / 1) نهایۀ الدرایۀ 1 )
ص: 122
النسبۀ، إذ النسب فی جمیع القضایا ذاتها التعلّق والقیام بالمنتسبین، إذ بمجرد فرض وجود للنسبۀ فی قبال المنتسبین یلزم احتیاجها إلی
النسبۀ، وهذا الثالث یحتاج إلی نسبۀ، وهکذا.
فوزان حقیقۀ النسبۀ وزان الوجود الرابط، فکما أنّ فی ذات الوجود الرابط التعلُّق وعدم النفسیّۀ، فکذا قد وقع التعلّق وعدم الإستقلال
فی ذات النسبۀ. ومعانی الحروف من هذا القبیل.
إنّ النسبۀ التی تحصل بین زید والقیام فی زید القائم- الذي هو مرکّب ناقص- هی مدلول هیئۀ زید القائم.
والنسبۀ الحاصلۀ فی زید قائم- التی هی جملۀ خبریّۀ- مدلول هیئۀ الجملۀ الاسمیّۀ.
والنسبۀ الحاصلۀ بین السیر وبین المتکلّم هی مدلول هیئۀ سرت.
الموجودة فی الکلام. « من » والنسبۀ الحاصلۀ بین السیر والبصرة- نسبۀً ابتدائیۀً- هی مدلول کلمۀ
.« فی » والنسبۀ الحاصلۀ بین زید والدار- نسبۀ الظرفیۀ- مدلول لفظۀ
إذن، جمیع النسب إما هی مدلولات الحروف أو هی مدالیل الهیئات.
واتّضح أن المعنی الحرفی هو الواقع الذي یتحقّق به الربط بین أجنبیین، فهذا الواقع هو معنی الحرف، وهو غیر مفهوم لفظ النسبۀ، وغیر
مفهوم لفظ الربط، بل بین مفهوم الربط وواقعه ومصداقه تباین، لأن مفهوم الربط مفهوم اسمی، محتاج إلی الربط، مستقل فی التعقّل،
بخلاف واقع الربط ومصداقه، فهو معنی حرفی.
إن هذه النسبۀ موجودة فی جمیع القضایا، کقولنا: زید موجود، وهی
ص: 123
مفاد کان التامّۀ، وکان زید موجوداً، وهی مفاد کان الناقصۀ، فلا یقال لا نسبۀ فی مفاد کان التامّۀ، ففی کلتا القضیّتین المعنی الحرفی-
وهو النسبۀ- موجود، لأن المعنی: زید له القیام، وزید کان له القیام، فهذه اللّام تجعل زیداً منسوباً إلی القیام.
الکلام علی الاشکالات … ص: 123
والإشکالات التی أوردت علی هذا المبنی هی:
أوّلًا: إنّه دائماً توضع الألفاظ علی المعانی، لأن المعانی هی التی تدخل الذهن، وإذا کانت الحروف موضوعۀ للوجودات الرابطۀ، لزم
انتقال الوجود إلی الذهن، وقد تقرّر فی محلّه أنّ الوجود لا یدخل الذهن، فلیس معنی الحروف هو الوجود الرابط. وبعبارة اخري:
الألفاظ موضوعۀ للماهیّات، والوجود الرابط لا ماهیّۀ له، فلا ینتقل إلی الذهن بواسطۀ الإستعمال معنیً، لأن الماهیۀ ما یقال فی جواب
صفحۀ 73 من 205
ماهو؟ وهذا لابدّ وأنْ یکون معنیً مستقلّاً فی المفهومیّۀ متعقَّلًا، ولیس الوجود الرابط مستقلّاً فی التعقل، فهو فاقد للماهیّۀ، فلا یقبل
الإحضار فی الذهن، إذن، لیس هو الموضوع له الحرف.
مثلًا- واقع النسبۀ - « من » وفیه: لیس الموضوع له الحرف وجود الرابط، بل واقع الربط، وواقع الشیء غیر وجود الشیء، فالموضوع له
الإبتدائیۀ لا وجودها.
وثانیاً: إذا کان الموضوع له واقع النسبۀ، فإنه یلزم فی جمیع موارد عدم وجود النسبۀ أن یکون الإستعمال فی غیر الموضوع له، والحال
توجد لفظۀ « وجود الباري فی نفسه واجب » أنّا لا نجد أیّۀ عنایۀ فی تلک الموارد، فینکشف أنه لیس الموضوع له واقع النسبۀ. مثلًا: فی
ولا فرق بینها [فی هذا « فی »
ص: 124
.« زید فی الدار » المورد، الذي لا توجد فیه نسبۀ، إذ لا نسبۀ بین الباري والظرفیۀ] وبین المورد الذي توجد فیه النسبۀ، مثل
لا توجد نسبۀ فی الخارج، لکنْ هی موجودة فی الذهن، وإلّا لم یصح القول بأنّ العلم « وجود الباري فی نفسه واجب » وفیه: إنه فی مثل
حیث أن الذهن یجرّد الإنسان من الإنسانیّۀ ثم یحمل « الإنسان إنسان » ثابت للَّه، فالذهن هو الذي یُوجد النسبۀ، وکذلک الحال فی مثل
الإنسان علیه، وإلّا فلیس یصحّ الحمل، لأنه فی الخارج إلّاالإنسان.
أقول:
هذا الذي ذکرناه هو خلاصۀ ماذکره شیخنا فی الدورة السابقۀ إشکالًا وجواباً.
لکنه فی الدورة اللّاحقۀ، تعرض للإشکالین وأجاب عنهما بتفصیل أکثر وبیانٍ أوسع، ولإشکال ثالث موجود فی (المحاضرات) أیضاً،
وأجاب عنه بالتفصیل کذلک … ونحن نذکر عمدة المطالب بنحو الإیجاز.
* إشکال (المحاضرات …) ص: 124
إنه لا دلیل علی نظریّۀ وجود الرابط سوي البرهان الذي یقولون بأنّ وجود الجوهر معلوم متیقّن، وکذا وجود العرض، ولکن وجود
العرض للجوهر مشکوك فیه، وتعلّق الیقین والشک بشیء واحدٍ فی آنٍ واحدٍ من جهۀٍ واحدة محال، إذن، متعلّق الیقین هو وجود
الوجود لا » وهو الجوهر والعرض، و « الوجود فی نفسه » الطّرفین ومتعلّق الشک وجود العرض للجوهر، فهذا وجود ثالث، إذن، تحقّق
وهو الوجود الرابط، فی قبال وجود الجوهر والعرض. « فی نفسه
ص: 125
فأورد علیه فی (المحاضرات) بأنّ تحقّق الیقین والشک فی الذهن لا یکشف عن تعدّد متعلَّقهما فی الخارج، فإن الطبیعی عین فرده
ومتّحد معه خارجاً، ومع ذلک یمکن أن یکون أحدهما متعلَّقاً لصفۀ الیقین والآخر متعلَّقاً لصفۀ الشک، کما إذا علم إجمالًا بوجود
إنسان فی الدار وشکّ فی أنه زید أو عمرو، فلا یکشف تضادّهما عن تعدّد متعلّقیهما بحسب الوجود الخارجی، فإنهما موجودان
بوجود واحدٍ حقیقۀ، وذلک الوجود الواحد من جهۀ انتسابه إلی الطبیعی متعلَّق للیقین، ومن جهۀ انتسابه إلی الفرد متعلَّق للشک.
وما نحن فیه من هذا القبیل، فإن متعلَّق الیقین هو ثبوت طبیعیّ البیاض للجدار، ومتعلَّق الشک هو ثبوت ح ّ ص ۀٍ خاصّ ۀٍ من البیاض
للجدار، فلیس هنا وجودان تعلَّق الیقین بأحدهما والشک بالآخر، بل وجود واحد حقیقۀ، مشکوك فیه من جهۀٍ ومتیقَّن من جهۀ
اخري.
وتلخّص: إن الممکن فی الخارج إما جوهر أو عرض، وکلّ منهما زوج ترکیبی، أي مرکّب من ماهیّۀ ووجود، ولا ثالث لهما.
والمفروض أن الوجود الرابط سنخ وجود لا ماهیّۀ له، فلا یکون لا من الجوهر ولا من العرض، ولیس فی الخارج إلّاالجوهر والعرض.
صفحۀ 74 من 205
مناقشۀ الاستاذ … ص: 125
قال شیخنا دام بقاه: إن هذا الإشکال ناشیء من عدم ملاحظۀ کلمات أهل الفن.
إن کان المقصود أنهم یقولون بأنّ هناك فی الخارج للعرض وجوداً غیر وجوده للجوهر- کما فی کلمات البعض- فالإشکال وارد،
لکنّ أعیان أهل الفن لا یقولون مثل هذا الکلام، ولا حاجۀ لنقل کلماتهم بالتفصیل، وإنما
ص: 126
فإن الأسود فی قولنا: الجسم أسود، » : نقتصر علی کلمتین من (الأسفار)، ففی مبحث الوجود الرابط، فی الردّ علی المحقق الدوانی یقول
من حیث کونه وقع محمولًا فی الهلیّۀ المرکبۀ، لا وجود له إلّابمعنی کونه ثبوتاً للجسم، وهذا ممّا لا یأبی أن یکون للأسود باعتبار آخر
.«1» « غیر اعتبار کونه محمولًا فی الهلیّۀ المرکبۀ وجود، وإنْ کان وجوده الثابت فی نفسه هو بعینه وجوده للجسم
یعنی: إنه لیس فی الخارج إلّاوجود واحد، ولکنّ هذا الوجود الواحد یتعدّد بالإعتبار، وهذا الإعتبار الذي یسبب التعدّد یکون فی
قضیّتین نحن نشکّلهما.
إحداهما: قضیّۀ هل البسیطۀ التی یُسئل فیها عن وجود البیاض، فهذا اعتبارٌ، ویقال فی الجواب: البیاض موجود.
والثانیۀ: قضیّۀ هل المرکّبۀ، حیث یُسئل فیها عن ثبوت البیاض للجدار ویقال مثلًا: هل الجدار أبیض؟ فهنا قد جعلنا الوجود محمولًا،
فنقول فی الجواب: الجدار موجود له البیاض.
فالتعدّد إنما جاء من ناحیۀ الإعتبار، وإلّا ففی الخارج لیس إلّاوجود واحد، هذا الوجود الواحد الذي کان قابلًا لأن یکون باعتبار منّا
محمولًا علی ماهیّۀ العرض، کما فی قولنا: البیاض موجود، ولأن یکون باعتبارٍ منّا رابطاً فی القضیّۀ التی نشکّلها نحن ونقول: الجدار
موجود له البیاض، ولأن یقع مفاداً لأحد الأفعال الناقصۀ، کأن نقول: الجدار کان له البیاض، أو یکون له البیاض. وهکذا.
__________________________________________________
331 ط مکتبۀ المصطفوي. / 1) الأسفار 1 )
ص: 127
وفی (الأسفار) فی فصلٍ قبل الموادّ الثلاث یقول:
البیاض » : وأمّا الوجود الرابطی الذي هو احدي الرابطتین فی الهلیّۀ المرکّبۀ، فنفس مفهومه یباین وجود الشیء فی نفسه. وفی قولنا »
اعتباران، اعتبار تحقّق البیاض فی نفسه وإنْ کان فی الجسم، وهو بذلک الإعتبار محمول بهل البسیطۀ، والآخر إنه « موجود فی الجسم
هو بعینه فی الجسم، وهذا مفهوم آخر غیر تحقّق البیاض فی نفسه، وإنْ کان هو بعینه تحقّق البیاض فی نفسه ملحوظاً بهذه الحیثیۀ،
.«1» « وإنما یصح أن یکون محمولًا فی هل المرکّبۀ
وفی هذا الکلام أیضاً تصریح بما تقدَّم، فإنه یقول بأن الوجود الرابط یکون فی الهلیّۀ المرکّبۀ. والهلیّۀ المرکّبۀ لیست فی الخارج.
وعلی الجملۀ، فإن المستشکل لو لاحظ هذه الکلمات وتأمّل فیها لما أشکل بما ذکر.
وکذلک کلمات المحقق اللّاهیجی، الصریحۀ فی أن الوجود الرابط إنما هو فی التصدیقات المرکبۀ الإیجابیّۀ، فموطن الوجود الرابط لا
علاقۀ له بالخارج … فإنّه لیس الکلام عن تعدّد الوجود فی الخارج، نعم صرّح بذلک بعضهم، لکن هؤلاء لیسوا ممّن یعتمد علی
کلامهم فی الفلسفۀ.
وتحصل:
إن الوجود الرابط فی القضایا والنسب الموجودة فی القضایا هو مدلول الحرف.
صفحۀ 75 من 205
فالإشکال مندفع.
وبعد:
__________________________________________________
81 ط مکتبۀ المصطفوي. / 1) الأسفار 1 )
ص: 128
فلو فرضنا عدم وجود الوجود الرابط فی عالَمٍ من العوالم أصلًا، فهل ینهدم بذلک أساس هذه النظریّۀ، أعنی نظریّۀ کون الحروف
موضوعۀً للنسب؟
کلّا…
إنما کان ینهدم لو قال المحقق الإصفهانی بأنّ معانی الحروف هی النسب، والنسب لیست إلّاالوجود الرابط. لکن هذا المحقق وغیره
یقولون بأنّ الوجود الرابط أحد أقسام النسبۀ، وإنّه یتحقق فی الهلیّۀ المرکّبۀ فقط، فلو افترضنا أن الوجود الرابط غیر موجود أصلًا، فإن
انتفاء وجوده لا یستلزم انتفاء النسبۀ.
لقد صرّح فی (الأسفار) بأن الوجود الرابط غیر متحقق فی تمام العقود. والحال أنَّ النسبۀ متحققۀ فی تمام العقود. وعلی هذا، فالنسبۀ
هی العموم والخصوص المطلق. « النسبۀ » وبین « الوجود الرابط » بین
وکذا صرّح المحقق السبزواري فی (حاشیۀ الأسفار) حیث قال:
.« الوجود الرابط إنما یکون فی القضایا الموجبۀ المرکبۀ فقط، ولیس متحقّقاً فی کلّ القضایا »
فظهر سقوط الإشکال المتقدّم.
* وأمّا الإشکالان الآخران، فقد تکلَّم علیهما الاستاذ فی الدورة اللّاحقۀ، وأجاب عنهما کذلک، إلّاأنه فصّل الکلام علی الأول منهما،
وهذه خلاصۀ ما أفاده دام بقاه:
مناقشۀ الاستاذ … ص: 128
قال: لقد قسّم المحقق الإصفهانی فی (نهایۀ الدرایۀ) النسبۀ إلی ثلاثۀ
ص: 129
أقسام: الأول: النسبۀ التی تکون فی القضایا التی هی مفاد هل البسیطۀ، والثانی: النسبۀ التی تکون فی القضایا التی هی مفاد هل
المرکّبۀ، قال: وهذا هو الوجود الرابط، ومنه یظهر أن الوجود الرابط لیس عین النسبۀ کما جاء فی کلمات بعضهم. والثالث: النسبۀ التی
تکون من لوازم ومقوّمات الأعراض النسبیّۀ، مثل مقولۀ الأین التی مقوّمها النسبۀ التی بین زید والدار، وهو یري وجود هذه النسبۀ فی
الخارج.
فموطن الوجود الرابط هو القضایا والعقود والموجبات الحملیّۀ المرکّبۀ.
فظهر أن للنسبۀ أنحاء ثلاثۀ، منها: ما یوجد فی الذهن، وهو النسبۀ فی جواب هل البسیطۀ، ومنها: ما یوجد فی الخارج وهو المقوّم
للأعراض النسبیّۀ، ومنها: ما یکون بالإعتبار، وهو الوجود الرابط، وهو ما یقال فی جواب هل المرکّبۀ، فوجود الوجودات الثلاثۀ:
الجوهر والعرض والنسبۀ، إنما هو فی نحوین من الأنحاء الثلاثۀ، مع الفرق فی موطن الوجود فیهما، ففی أحدهما هو الذهن، وهو ما
یقال فی جواب هل البسیطۀ، وفی الآخر هو الخارج، وهو الذي فی الأعراض النسبیۀ.
ثم نقول: هل للوجود الرابط ماهیّۀ أو لا؟
صفحۀ 76 من 205
یقول المستشکل: لا ماهیّۀ له.
وفیه: إن الوجود الرابط وجود إمکانی، والوجود الإمکانی یستحیل أن ینفکَّ عن الحدّ، وإذا استحال انفکاکه عن الحدّ استحال
انفکاکه عن الماهیّۀ.
لکن المهمّ هو: إن الوجود الرابط کما أنّه متقوّم بالغیر وجوداً ولا استقلال له فی الوجود، کذلک هو غیر مستقل فی حدّ ذاته،
فالوجود الرابط ذات غیر مستقلّۀ، ماهیّۀ غیر مستقلّۀ، فله ذات وماهیّۀ، لکنْ بلا استقلال،
ص: 130
وفی کلمات القوم إشارة إلی هذا أیضاً، وکلام المحقق الإصفهانی فی مواضع عدیدة من کتابه یثبت هذا الذي ذکرناه:
المعنی الحرفی- کأنحاء النسب والروابط- لا یوجد فی الخارج إلّاعلی نحو » :( یقول فی (نهایۀ الدرایۀ) رادّاً علی صاحب (الکفایۀ
واحدٍ، وهو الوجود لا فی نفسه، ولا یعقل أنْ یوجد معنی النسبۀ فی الخارج بوجودٍ نفسی، فإن القابل لهذا النحو من الوجود ما کان له
.«1» « ماهیّۀ تامۀ ملحوظۀ فی العقل، کالجواهر والأعراض
فهذا الکلام صریح فی أن النسبۀ موجودة بالوجود الرابط، فلو کانت النسبۀ نفس الوجود الرابط، فنفس الوجود غیر قابل لأنْ یوجد،
فالمعنی الحرفی معنی قابل لأن یوجد لکنْ لا بالوجود النفسی، والوجه فی ذلک: إن ما یقبل الوجود النفسی هو ما یقبل الماهیۀ التامۀ.
فهو رحمه اللَّه ینفی الماهیّۀ التامّۀ ویثبت الماهیّۀ الناقصۀ، والمراد من الماهیّۀ الناقصۀ هو الماهیّۀ المتقوّمۀ بالطرفین.
.« والصحیح تنظیرهما بالوجود المحمولی والوجود الرابط » : ویقول
فهو جعل المعنی الاسمی نظیر الوجود المحمولی، والمعنی الحرفی نظیر الوجود الرابط، فلو کان المعنی الحرفی نفس الوجود الرابط
فما معنی تنظیره به.
مع أن من البدیهی أن حقیقۀ النسبۀ لا توجد فی الخارج إلّا بتبع وجود المنتسبین من دون نفسیّۀ واستقلال أصلًا، فهی متقوّمۀ » : ویقول
.« فی ذاتها بالمنتسبین لا فی وجودها فقط
__________________________________________________
52 ط مؤسّسۀ آل البیت علیهم السلام. -51 / 1) نهایۀ الدرایۀ 1 )
ص: 131
فمن هذا الکلام أیضاً یظهر أن النسبۀ لیست الوجود وإلّا فلا معنی لقوله: فی ذاتها، لا فی وجودها فقط.
.« وأما حقیقۀ المعنی الحرفی والمفهوم الأدوي فهو ما کان فی حدّ ذاته غیر استقلالی بأيّ وجود فرض » : ویقول
أي: الذات- سواء فرضت بالوجود الذهنی أو الخارجی- غیر استقلالیّۀ، وقد تصوّر المستشکل أن معنی الحرف منحصر بالوجود
والوجود غیر مستقل، وبین هذا وکلام المحقّق الإصفهانی فرق کبیر.
وتلخّص: إن معنی الحرف ذات غیر مستقلّۀ فی وجودها، سواء فی وعاء الذهن أو وعاء الخارج، والمستشکل تصوّر أن المعنی هو
الوجود غیر المستقل ذهناً وخارجاً.
ثم إن المحقّق الإصفهانی ملتفت إلی الإشکال بأن الإلتزام بکون وضع الحروف للنسب یتنافی مع المبنی، وهو أن الألفاظ غیر
ولا یخفی علیک: إن ماذکرنا فی حقیقۀ المعنی الحرفی لا » :( موضوعۀ للوجودات، ولذا یقول فی کتاب (الاصول علی النهج الحدیث
ینافی ما قدّمناه فی الوضع، من أن طرفی العلقۀ الوضعیّۀ طبیعیّ اللّفظ وطبیعیّ المعنی، فإن المراد هناك عدم دخل الوجود العینی
.« والوجود الذهنی فی الموضوع وفی الموضوع له، وإنْ کان الموضوع له ماهیّۀ شخصیّۀ کما فی الأعلام
فالنسبۀ الحقیقیّۀ وإنْ کانت » : أي: لا یتوهّم أن ألفاظ الحروف إن کانت موضوعۀ للنسب، فهو ینافی المبنی فی وضع الألفاظ. قال
متقوّمۀ بطرفیها الموجودین عیناً أو ذهناً، إلّاأن الموضوع له ذات تلک النسبۀ المتقوّمۀ بهما، من دون دخلٍ لوجود طرفیها فی کونها
صفحۀ 77 من 205
طرفاً للعلقۀ الوضعیّۀ، وإنْ کان لهما
ص: 132
.«1 …» « دخل فی ثبوتها
وتلخّص:
إن معانی الحروف لیس هو الوجود الرابط، بل الموجود بالوجود الرابط، وقد وقع الخلط بینهما فی کلمات المستشکل، واتّضح بطلان
القول بأن الوجود الرابط لا ماهیّۀ له ولا ذات.
بل للحرف ماهیّۀ، لکنها ناقصۀ، بمعنی أنها متقوّمۀ بالطرفین، فلا تکون قابلۀ للإحضار فی الذهن إلّامع الطرفین.
إن الذي یدخل الذهن هو الماهیّۀ ولیس الوجود، إذ الوجود إما ذهنی أو خارجی، فدخول الوجود الذهنی یستلزم اجتماع المثلین،
ودخول الوجود الخارجی یستلزم اجتماع المتقابلین، فالوجود غیر قابل لدخول الذهن، وهذا ما صار سبباً للإشکال المتقدم، إذ جعل
المعنی الحرفی الوجود الرابط، فوقع الإشکال.
إن الذي یدخل فی الذهن هو الماهیّۀ، والماهیّۀ تارة تکون بحیث تدخل بنفسها، وتارة تدخل مع غیرها، فالنسبۀ بین زید والدار،
هذا المعنی لیس هو الوجود بالوجدان، لکن دخوله فی الذهن لا یکون إلّابوجود زید والدار معه. « فی » وکونه فیها المدلول بلفظ
فهذا هو مطلب القوم، والإشکال المذکور غیر وارد علیه.
تنبیه … ص: 132
« النسبۀ » قد تقدّم أن ظاهر کلماتهم أو صریحها أن النسبۀ بین
__________________________________________________
1) الاصول علی النهج الحدیث (بحوث فی الاصول): 26 ط جامعۀ المدرّسین. )
ص: 133
هو نسبۀ العام والخاص، وأنّ الوجود الرابط مختص بالهلیّات المرکّبۀ. « الوجود الرابط » و
لکن المحقق الإصفهانی یصرّح فی موضع آخر بأنّ النسب والروابط موجودة بوجود رابط، فکیف الجمع بین الإختصاص المذکور
وبین کون النسب موجودة؟
قال الاستاذ: بأنّ هذا الإختلاف موجود فی کلمات صاحب الأسفار والسبزواري أیضاً، وهذا هو الموجب لاختلاف کلمات الاصولیین.
فمثلًا: یقول السبزواري فی حاشیۀ (الأسفار) تعلیقاً علی قول الماتن بأن إطلاق الوجود علی الوجود فی نفسه والوجود الرابط هو بنحو
لو لم یکن للنسبۀ وجود لانعدم التمییز بین القضیّۀ الصّادقۀ والکاذبۀ، حیث یقال فی التمییز بینهما :«1» المشترك اللّفظی، یقول هناك
إن الخبر لو کان له مطابق فهو صادق وإلّا فکاذب، والمطابق وغیر المطابق إنما هو للنسبۀ، فالنسبۀ موجودة لا محالۀ.
ویقول السبزواري فی مبحث الجواهر والأعراض، فی مقولۀ الأین، فی حاشیۀ (شرح المنظومۀ) ردّاً علی اللاهیجی وغیره القائلین بأن
الأین عبارة عن نسبۀ الشیء إلی المکان، یقول: إن هذا باطل، لأن النسبۀ من الإعتباریّات، فلو کان الأین هو نسبۀ الشیء إلی المکان،
.«2» لزم أن تکون مقولۀ الأین اعتباریۀً
فظهر أنّ بین کلماتهم تهافتاً واضحاً.
__________________________________________________
(1)
صفحۀ 78 من 205
80 ط مکتبۀ المصطفوي. / الأسفار 1
2) شرح المنظومۀ: 391 ط دار المرتضی. )
ص: 134
وقد یمکن رفع هذا التناقض والتهافت بأنْ یقال:
إنّ قولهم بعدم وجود الوجود الرابط فی الخارج، ناظرٌ إلی غیر الأعراض النسبیّۀ، کما بین الجدار والبیاض، فإنه لا نسبۀ بین ذاك
الجوهر وهذا العرض، إلّاأنه فی الإعتبار یربط بینهما ویقال: الجدار أبیض، أي:
کائن له البیاض، أمّا فی الخارج فالوجود واحد، إذ الوجود الذي هو وجود البیاض هو وجود للجدار أیضاً.
وقولهم بالوجود الخارجی للنسبۀ بالوجود الرابط، یقصدون منه الأعراض النسبیّۀ، حیث أن النسبۀ مقوّمۀ للعرض، وإذا کان العرض
موجوداً خارجاً استحال أنْ لا تکون النسبۀ موجودةً خارجاً.
ولیرجع إلی کلام صاحب (الأسفار) بضمیمۀ کلام ملّا إسماعیل فی (حاشیۀ الشوارق).
إشکال الاستاذ علی نظریّۀ المحقق الإصفهانی … ص: 134
أفاد شیخنا الاستاذ بعد ردّ ماذکره عن (المحاضرات) بأنّ نظریّۀ المحقق الإصفهانی هی أحسن ما قیل فی المقام.
ثم ذکر تأمّلًا فیه فقال: إذا کان الموضوع له الحرف هو حقیقۀ النسبۀ، فکلّ نسبۀ جزئیۀ هی موضوع له الحرف، وکان هناك معنیً
اسمی تفهم تلک الجزئیّات بواسطته، فکیف یمکن وجود جامعٍ بین حیثیّات متباینۀ؟
مثلًا- حقیقۀ النسبۀ، وأن الذي یدخل الذهن من هذا اللّفظ معنی واحد فی أيّ استعمال، - « فی » وأیضاً: إذا کان الموضوع له
والإختلاف إنما هو من ناحیۀ الطرفین، کما نقول: زید فی الدار، وعمرو فی المدرسۀ، فما معنی قولهم: الموضوع له واقع کلّ نسبۀٍ
نسبۀٍ منفردةً؟
ص: 135
قال: فهذان إشکالان لا ینحلّان.
هذا فی الدورة السّابقۀ.
وأمّا فی الدّورة اللّاحقۀ، فقد تکلّم علی هذه النظریۀ بالتفصیل، وسیتّضح ذلک من خلال بیان مختاره دام ظلّه، وموارد الإفتراق بینه
وبین أنظار الأعلام.
رأي شیخنا الاستاذ فی معانی الحروف … ص: 135
قال دام ظلّه: لیس مختارنا مبنی المحقق الإصفهانی علی إطلاقه، ولا مبنی المیرزا علی إطلاقه، وبیان ذلک:
إن الحروف تنقسم إلی أقسام، (فمنها) الحروف التی تستعمل فی موارد الأعراض النسبیۀ، کقولنا: زید فی الدار وعمرو علی السطح،
وهکذا…
بالفارسیۀ، هو مدلول هیئۀ الجملۀ الاسمیۀ، وعلی معنیً واقعی، وهو ظرفیّۀ الدار لزید مثلًا، « أست » فإن هذه الجمل تشتمل علی مفاد
تدلّ علی « فی » فإن الظرفیۀ، وکذا الفوقیۀ، وهکذا- أمر واقعی موجود، ولیس ممّا یصنعه أو یعتبره الذهن، غیر أنّ « فی » یحکی عنه
وتفید الربط بینهما، ذلک الربط الخاص الذي هو ظرفیّۀ الدار لزید، کما هو الحال « الدار » و « زید » تحقّق هذا الأمر الواقعی فی مورد
صفحۀ 79 من 205
تماماً فی مثل عمرو علی السطح، فی معنی الفوقیّۀ، وغیر ذلک.
فهذا القسم من الحروف موجدة بهذا المعنی، أي: موجدة للربط بین المفاهیم بما لها من الحکایۀ عن الواقع، فالنسبۀ موجودة حقیقۀ،
ولیست بأمرٍ اعتباري، وقد کان هذا منشأ الإشکالات المذکورة فی (المحاضرات) والتی أوضحنا اندفاعها کلّها.
ص: 136
وتلخّص: إن قسماً من النسب فی المعانی الحرفیّۀ متحققۀ، والحروف فی هذا القسم تکون حاکیۀً عن النسب، مثل نسبۀ الظرفیّۀ بین
الدار وزیدٍ، والإستعلائیۀ بین عمرو والسطح، والإبتدائیۀ بین السیر والکوفۀ، وهکذا.
شریک الباري » : وقد تکون هذه الحروف مفیدةً للنسب، ولکن لا تحقّق لتلک النسب فی الخارج، وإنما فی الذهن فقط، کما فی قولنا
هذه مفیدة لمعنی الظرفیّۀ أیضاً، لکنها ظرفیّۀ تعملیّۀ وبتصرف من الذهن، فلها مفاهیم، لکن موطنها الذهن « فی » فإن « فی نفسه ممتنع
فقد توجد هناك وقد لا توجد.
وبما ذکرنا فی معنی هذا القسم ظهر: أنّ مدالیل هذه الحروف- فی مثل زید فی الدار ونحوه- لیست محصورةً بافق الإستعمال- کما
نقله بعض تلامذة المیرزا النائینی عنه- بل هی امور خارجیّۀ، وتلک الحروف حاکیۀ عنها.
بل هی موجدة « یا » (ومنها) الحروف غیر الحاکیۀ عن نسبۀٍ، مثل حرف النداء، فإنه لا نسبۀ بین المنادي والمنادي تحکی عنها کلمۀ
مثلًا- - « یا » للنسبۀ وفاقاً للمحقق النائینی، فما ذکره حق فی هذا القسم من الحروف، ویصح تسمیتها بالإیجادیّۀ بهذا الإعتبار، فلفظۀ
توجد النسبۀ الندائیّۀ بین المنادي والمنادي.
بل هو قائم « أل » التی للعهد الذهنی، فإنه لا استقلال لمعنی « اللّام » (ومنها) الحروف التی لا تدلّ علی النسبۀ، لا حکایۀً ولا إیجاداً، مثل
بالغیر، وذلک المعنی هو التعریف، وهذا ما نصّ علیه الخواجۀ فی (أساس الإقتباس). وعلی الجملۀ، فمدلول هذا الحرف هو
الخصوصیّۀ التی توجد الذهن لمدخوله، وهی کونه معرفۀً فی قبال النکرة.
ص: 137
فظهر أن المختار لدي الاستاذ دام بقاه هو التفصیل بین الحروف، فلا هی إخطاریّۀ مطلقاً، ولا هی إیجادیّۀ مطلقاً.
إلّاأن الذي لابدّ من التنبیه علیه والإلتفات إلیه هو: أنه هل یوجد فی کلّ موردٍ یکون الحرف إخطاریّاً ولمعناه خارجیۀً أمران، أحدهما:
مثلًا ظرفیّۀ قائمۀ بالدار ومظروفیّۀ قائمۀ « زید فی الدار » العرض النسبی، والآخر النسبۀ، وکلّ منهما موجود فی الخارج، بأنْ یکون فی
؟« فی » هی مدلول « زید » و « الدار » بزید، وإلی جنب ذلک توجد نسبۀ بین
قیل: نعم. وهو للمحقق الإصفهانی ونسبه إلی أهل التحقیق.
وقیل: الموجود فی الخارج لیس إلّاالظرفیّۀ والمظروفیّۀ، وأما النسبۀ فهی من صنع الذهن، وهذا هو المستفاد من کلمات صاحب
(الکفایۀ).
وقیل: إن الموجود فی الخارج هو النسبۀ فقط، وهو المستفاد من کلمات الخواجۀ فی تعریف الأین.
وتوضیح کلام المحقق الإصفهانی هو: أنه فی الأعراض النسبیّۀ یوجد سنخان من المعنی، أحدهما: الهیئۀ الحاصلۀ من کون الشیء فی
وهکذا. والآخر: هو معنی الحرف الموجود بوجودٍ لا فی نفسه- وقد « متی » ومن کونه فی الزمان، فی مقولۀ « الأین » المکان، فی مقولۀ
ثم وجود الأعراض « الکیف » ذهب هذا المحقق إلی أن للوجود درجات، أقواها وجود الجوهر، ثم وجود الأعراض غیر النسبیۀ مثل
یوجد: « زید فی الدار » ثم وجود الإضافۀ، وأضعف منها وجود النسبۀ- وبناءً علی ماذکره، ففی مثل « متی » و « الأین » النسبیۀ مثل
الجوهر: زید والدار. وأعراض غیر نسبیّۀ قائمۀ بالدار وبزید، وعرضان
ص: 138
نسبیّان، ونسبۀ.
صفحۀ 80 من 205
وکلّ هذه لها وجود فی الخارج.
لقد حصلت من کون زید فی الدار هیئۀ لزید هی من مقولۀ الأین، وحصلت إضافۀ هی مظروفیّۀ زید بالنسبۀ إلی الدار، وظرفیۀ الدار
هی نسبۀ زید إلی الدار. « نسبۀ » وهناك أیضاً « إضافۀ » و « أین » بالنسبۀ إلی زید. فتحقّق
الموجودین خارجاً- تبایناً، لأن الظرفیّۀ من مقولۀ - « فی » التی هی معنی « النسبۀ » وبین « الظرفیّۀ » ویضیف المحقق المذکور أن بین
الإضافۀ، وهذه المقولۀ فی ذاتها وحدّها وتعریفها مستقلّۀ، وکذا فی وجودها وإن کان قائماً بالغیر، لأنه وجود محمولی ونفسی. أمّا
فهی غیر مستقلّۀ لا فی ذاتها ولا فی وجودها. « فی » التی هی مدلول « النسبۀ »
له « الإضافۀ » نسبۀ الکلّی إلی الفرد، ولا العنوان إلی المعنون، وذلک: لأن فرد « النسبۀ » وبین « الظرفیّۀ » وعلی هذا، فلیست النسبۀ بین
وجود محمولی، ولکن أنحاء النسب فوجودها وجود رابط ووجود لا فی نفسه، ولأنّ العنوان یکون دائماً حاکیاً عن المعنون، والظرفیّۀ
لا حکایۀ لها عن النسبۀ.
فلیست النسبۀ بینهما نسبۀ العنوان إلی المعنون ولا الکلیّ إلی الفرد.
وبما ذکرنا ظهر أیضاً: إن المعانی الحرفیّۀ وجودات هی أضعف جمیع الوجودات، لأنه وجود فی الغیر، ولا یقبل الحمل بالإستقلال
علی معنی، وإنه لا معنی له بدون طرفیه، وما یکون کذلک یکون ناقصاً فی معنویّته؛ بخلاف الإضافۀ، فإنها فی حدّ معنویّتها لیست
ناقصۀً.
ص: 139
هذا تمام کلام هذا المحقق.
النظر فی کلام المحقق الإصفهانی … ص: 139
وأفاد شیخنا الاستاذ- بعد أن ذکر کلام المحقق الإصفهانی- فی بیان مختاره فی المقام: بأنه لا یوجد فی مورد الحروف التی مدالیلها
مثلًا- معنیان متباینان أحدهما الإبتداء - « من » إلّامعنی واحد، فلا یتبادر إلی الذهن من لفظۀ « علی » و « إلی » و « فی » الأعراض النسبیّۀ مثل
وهکذا، بل لیس هناك إلّامعنی واحد، هو « فی » معنیان متباینان أحدهما الظرفیّۀ والآخر مدلول « فی » ولا یتبادر من ،« من » والآخر معنی
واحد، « الإبتداء » و « من » وفی « الإستعلاء » و « علی » فی مورد استعمال الحرف آلی وفی مورد استعمال الاسم استقلالی، والمعنی فی
وکذا فی أمثالهما، ولا تغایر فضلًا عن التباین.
فما ذکره مخدوش بالوجدان.
فی قولنا: زید فی الدار: کون زید فی هذا المکان الخاص، فهو معنی زائد علی الکون العام والمکان « فی » إنه لا ریب فی إفادة
المطلق، فبواسطۀ هذا الحرف تحقّق الظرفیّۀ والمظروفیّۀ بالإعتبار من الذهن، وإلّا فالموجود فی الخارج لیس إلّامعنی واحد وهو مدلول
معنیان متباینان أحدهما التعریف « العالم » : الحرف. ویشهد بذلک کلام الخواجۀ فی مدلول اللّام التی هی للتعریف، فلیس فی قولنا
والآخر مدلول اللّام.
ویدلّ علی ذلک- مضافاً إلی الوجدان- أنا یمکننا إفادة المعنی الواحد بالإتیان بالاسم بدلًا عن الحرف، ولو کان تغایر بین الاسم
والحرف فی المعنی لتفاوت المعنی، والحال أنْ لا تفاوت، فلنا أن نقول: إبتداء سیري من البصرة إلی الکوفۀ، کما نقول: سرت من
البصرة إلی الکوفۀ، ولا یتغیّر المعنی أصلًا،
ص: 140
کما یصحّ أن یقال: الإناء ظرف للماء، بدلًا عن: الماء فی الإناء، بلا فرقٍ فی المعنی أصلًا، وبکلّ منهما یصح الجواب عن السؤال: ماذا
صفحۀ 81 من 205
فی الإناء؟ ولو کان ثمَّ اختلاف فی المعنی لما صحّ الجواب بکلّ منهما علی السّواء.
وعلی الجملۀ، فإنه مضافاً إلی عدم البرهان علی ماذکره المحقق الإصفهانی، فالبرهان قائم بالإضافۀ إلی الوجدان علی خلافه.
وتلخص: إن معانی الحروف فی الحقیقۀ هی النسب فقط [والمعانی الاسمیّۀ المساوقۀ لها- مثل: الظرفیّۀ، الإبتداء، الإستعلاء، الإنتهاء…
- لا وجود لها فی الخارج] وهی معانی متقوّمۀ بالغیر.
وهذا التقوّم دخیل فی المعنی خلافاً لصاحب الکفایۀ إذ قال بعدم دخل التقوّم بالغیر فی المعنی.
ولیس کلّها إیجادیّۀ خلافاً للمیرزا.
ولیس کلّها إخطاریّۀ خلافاً للإصفهانی.
ولیس الأعراض النسبیّۀ خلافاً للعراقی، علی مایستفاد من تقریرات بحثه.
وأیضاً: مدالیل الحروف هی النسب فقط وفاقاً للعراقی، علی ما استفدناه من (المقالات).
خلافاً للإصفهانی، کما تقدّم. ،« فی » إلّامعنی واحد، وهو النسبۀ التی هی مدلول « زید فی الدار » ولا یوجد فی مثل
ونسبۀ الإصفهانی ماذهب إلیه إلی المحققین غیر واضحۀ، فالشیخ فی إلهیّات (الشفاء) یحاول فی بحث المضاف أن یثبت للإضافۀ
وجوداً، ولا یظهر منه أن یرید إثبات وجودٍ للنسبۀ، وبهمنیار فی کتابه (التحصیل)- وهو
ص: 141
وأیضاً، یصرّح بأنّ الإضافۀ ،«1» تقریر درس الشیخ- فی تحلیل الوضع، یصرّح بأن الوضع عبارة عن نسبۀ الأجزاء بعضها إلی بعض
ولا دلالۀ فی کلامه علی تحقّق هیئۀ للمتضایفین من النسبۀ المتکرّرة. .«2» نسبۀ، لکن لیس کلّ نسبۀ إضافۀ، فالإضافۀ نسبۀ متکرّرة
ثم إنه بما ذکرنا- من صحّۀ وضع الحروف للنسب- ینهدم أساس ماذهب إلیه المحقق الخوئی من أن المعنی الموضوع له الحرف هو
التضییق فی المعنی الاسمی، لأنّ النسبۀ وجود رابط، واللّفظ لا یمکن وضعه للوجود.
فقد عرفت أنّ الصحیح هو الوضع للنسب، علی أنّ التضییق فی المعانی الاسمیّۀ بواسطۀ الحروف مسلَّم، لکنّ کون ذلک هو المعنی
الموضوع له الحرف أوّل الکلام، فما ذکره خلط بین اللازم والملزوم.
هذا تمام الکلام فی معانی الحروف (الجهۀ الاولی).
__________________________________________________
(1)
. کتاب التحصیل: 33
. 2) کتاب التحصیل: 409 )
ص: 142
الجهۀ الثّانیۀ: فی کیفیۀ وضع الحروف … 142
اشارة
وذلک یتفرّع علی الأنظار فی الجهۀ الأولی.
فأمّا علی مبنی المحقق الخراسانی فی المعنی الحرفی، من أنه الطبیعی، فلاریب فی کون الوضع عامّاً والموضوع له عامّاً کذلک.
وأمّا علی مبنی المحقّق الإصفهانی، فالموضوع له عبارة عن الخصوصیّات، فالموضوع له خاص والوضع عام.
فلا مغایرة بین « الکتاب فی المدرسۀ » هو نفس المعنی المنسبق منه فی « زید فی الدار » فی « فی » لکنْ یرد علیه: أنّ المنسبق من
صفحۀ 82 من 205
الخصوصیّۀ فی هذه النسبۀ عن تلک، حتی یکون الموضوع له نفس الخصوصیّۀ، وإنما یکون الفرق بین الجملتین باختلاف الطرفین،
وکذلک الحال فی المعنی الاسمی.
فإذن، لیس الموضوع له فی الحروف تلک الخصوصیّۀ، بل إنّ تلک الجهۀ المشترکۀ بین الموارد هی المعنی الموضوع له، ولذا یکون
الموضوع له عامّاً کالوضع.
ومن هنا، فإنّ المیرزا- مع قوله بإیجادیّۀ الحروف، وتقوّمها بالطرفین، المستلزم لأنْ یکون معنی الحرف فی کلّ مرّةٍ من استعماله غیر
معناه فی المرّة الاخري- یذهب إلی أن الموضوع له عام ولیس بخاص، وذلک، لأنه یري بأنّ
ص: 143
المعنی الحرفی وإن کان متقوّماً بالطرفین، إلّاأن هذا التقوّم خارج عن ذات المعنی، وکذا الطرفان، وإذا کان التقوّم والطرفان خارجۀً
عن ذات المعنی لم تبق خصوصیّۀ فی المعنی، بل إن تلک الوحدة السنخیّۀ الموجودة فی جمیع موارد استعمال الحرف هی الموضوع
له ذلک الحرف، فیکون عاماً لا خاصّاً.
والحاکم بما ذکرناه- من خروج التقیّد والطرفین عن ذات المعنی، وإن کان التقوّم بهما ضروریّاً بحسب الوجود، فیکون المعنی هو
وکذا غیره من الحروف، « فی » واحد فی جمیع موارد استعمال « الظرفیّۀ » القدر المشترك والوحدة السنخیّۀ- هو الإرتکاز، إذ مفهوم
وعلیه، فیکون الموضوع له عامّاً.
والمحقق العراقی القائل بأن المعنی الحرفی غیر مستقل وجوداً ومفهوماً، یري أنّ الموضوع له عام.
وکذا المحقق الحائري، فهو یقول بذلک مع قوله بآلیّۀ المعنی الحرفی.
وعلیه یکون ،« الکتاب فی المدرسۀ » یختلف عنه فی « زید فی الدار » ومدلولها فی « فی » وهؤلاء الأعلام لم یمکنهم تصوّر أنّ معنی
الموضوع له تلک الجهۀ المشترکۀ والوحدة السنخیّۀ، وهذا هو الحق، ومن الواضح أن تلک الوحدة لا تحتاج إلی الطرفین، وإنما
المحتاج إلیهما هو الحرف عند تفرّده.
وتلخص:
إن الحروف مدالیلها هی النسب، والواحد بالسنخ والقدر المشترك بینها هو الموضوع له، فالوضع عام، والموضوع له عام، والمستعمل
فیه عام.
ص: 144
ثمرة البَحث … ص: 144
اشارة
وأما ثمرة البحث عن المعنی الحرفی وکیفیّۀ الوضع فی الحروف:
فالثمرة الاولی …: ص: 144
تقوّم مفهوم الشرط بکلیّۀ المعنی فی مفاد الهیئات والحروف.
وتوضیح ذلک: إن مفهوم الشرط أهم المفاهیم المعتمدة فی الفقه، وإنما یتحقق هذا المفهوم- کما سیجیء فی محلّه- بانتفاء سنخ
الحکم عند انتفاء الشرط، لأن الذي یتوقف علی الجعل هو انتفاء سنخ الحکم، وأما شخص الحکم فانتفاؤه بانتفاء موضوعه غیر محتاجٍ
إلی الجعل.
صفحۀ 83 من 205
عقلی. « مجیء زید » شخصیّاً، وانتفاء هذا الشخص بانتفاء « أکرمه » فإن قلنا بکون معانی الحروف جزئیۀً وشخصیّۀ، کان معنی الهیئۀ فی
وإنْ قلنا بأن معانی الحروف- وکذا الهیئات- کلیّۀ، وإنْ کان لها وحدة سنخیّۀ، تحقّق المفهوم للجملۀ الشرطیّۀ.
والثمرة الثانیۀ …: ص: 144
فی رجوع القید إلی المادّة أو الهیئۀ؟
إنه إن کان المعنی الحرفی هو الطبیعی کما قاله صاحب (الکفایۀ)، فالأمر فی باب رجوع القید إلی الهیئۀ سهل، لأنّ المعنی الحرفی
حینئذٍ یقبل الإطلاق والتقیید، فیرجع القید فی الواجب المشروط إلی مفاد الهیئۀ.
وأمّا بناءً علی جزئیۀ المعنی الحرفی وشخصیّته، فیشکل الأمر، لأن الجزئی غیر قابل للتقیید، ومع عدم حلّ هذه المشکلۀ لا مناص من
الالتزام
ص: 145
بل تکون تلک الجمل من مفهوم الوصف والقید. « مفهوم الشرط » برجوع القید فی الواجب المشروط إلی المادة والواجب، فلا یبقی
والثمرة الثالثۀ …: ص: 145
هل معانی الحروف تقبل الإطلاق والتقیید؟
قالوا: إن قلنا بأن معانی الحروف معانی استقلالیۀ، فهی قابلۀ للإطلاق والتقیید، وإنْ قلنا بأنها آلیّۀ، فلا تقبل ذلک، إذ المتکلِّم یجرّد
المعنی عن القید، فإنْ أخذه لابشرط بالنسبۀ إلیه فقد جعله مطلقاً، وإنْ أخذه فیه فقد جعله مقیّداً.
وبعد:
فعلی ما اخترناه فی المعنی الحرفی وکیفیۀ وضع الحروف، فإنّ مفهوم الشرط متحقق، وتوجه التقیید إلی مدلول الهیئۀ فی الجملۀ
الشرطیۀ لا غبار علیه، واللَّه العالم.
ص: 147
الإنشاء والإخبار