گروه نرم افزاری آسمان

صفحه اصلی
کتابخانه
جلد اول
الإنشاء والإخبار … ص: 149
اشارة







ص: 149
هل یوجد فرق جوهري بین الجملۀ الإنشائیّۀ والجملۀ الإخباریّۀ، أو لا؟
فیه قولان، قال صاحب (الکفایۀ) بالثانی.
رأي المحقق الخراسانی … ص: 149
قال: لا یبعد أن یکون الإختلاف بین الخبر والإنشاء من قبیل الإختلاف بین الاسم والحرف، فکما أن الموضوع له والمستعمل فیه فی
الاسم والحرف واحد، والتفاوت هو بکیفیۀ الإستعمال من جهۀ اللحاظ الآلی والاستقلالی، کذلک الإنشاء والإخبار، وقد قیّد الواضع
واشترط علی المستعمل أنه متی کان الداعی للإستعمال هو الحکایۀ، فیأتی بالجملۀ الخبریۀ، ومتی کان الداعی للإستعمال هو الإنشاء،
فإنه یستعمل الجملۀ الإنشائیۀ، فلا اختلاف جوهري، بل الإختلاف هو باختلاف دواعی الإستعمال.
صفحۀ 84 من 205
توضیحه:
إنه لا یخفی أنّ الجملۀ علی ثلاث أقسام، فمنها: الجملۀ المتمحّضۀ فی الخبریۀ، کقولک: قمتُ. ومنها: الجملۀ المتمحّضۀ بالإنشائیۀ،
کقولک: قم، لا تقم، ومنها: الجملۀ المشترکۀ بینهما، کصیغ العقود والإیقاعات، مثل: أنت حر، وبعت، وکذا مثل: أطلب منک القیام،
فإنّ هذه الجملۀ تصلح لأن تکون إخباراً، ولأنْ تکون إنشاءً.
ص: 150
والمفاهیم تنقسم إلی قسمین، فمنها: مفاهیم توجد بأسبابها ولا دخل للجعل والإعتبار فیها، لا فی وجودها ولا فی عدمها، وهی الجواهر
والأعراض، ومنها: المفاهیم التی یتوقف وجودها علی الجعل والإعتبار، کالملکیۀ والزوجیّۀ وأمثالهما. فهذا تقسیم.
وتقسیم آخر للمفاهیم هو: إن من المفاهیم مالیس له إلّاسنخ واحد من المصادیق، کالکتابۀ مثلًا، ومنها ماله سنخان من المصادیق،
مصداق من سنخ التکوین، ومصداق من سنخ الإعتبار، کالبعث، فله فرد خارجی وفرد اعتباري یتحقق بهیئۀ صلّ مثلًا.
ولا یخفی أیضاً: أن النسب علی أقسام: النسبۀ التحقّقیۀ مثل ضَ رَبَ، والتلبسیّۀ مثل ضارب، والإیجادیۀ مثل: ضربتُ، والتوقّعیۀ مثل:
یضربُ، والبعثیۀ مثل: إضرب.
یقول المحقق الخراسانی: إنّ الإخباریۀ والإنشائیۀ من دواعی الإستعمال لا من أجزاء وقیود المعنی المستعمل فیه، فالموضوع له
شیء واحد، ففی هذه الصیغۀ توجد مادّة هی البیع، وضمیر المتکلّم: التاء، وهیئۀ وردت علی المادة « بعت » والمستعمل فیه فی مثل
تربطها بالمتکلّم وتفید نسبۀ المادة- أي البیع- إلی المتکلّم نسبۀً إیجادیۀ، فإن أراد تفهیم وقوع البیع منه ووجوده منه من قبل، کان
خبراً، وإنْ أراد تفهیم وقوع البیع منه وإیجاده بنفس هذا الإستعمال، فی وعاء الإعتبار، کان إنشاءً.
إذن، حصل الاختلاف من ناحیۀ القصد والداعی لاستعمال الجملۀ، وإلّا فمدلول الجملۀ والمعنی المستعملۀ فیه لهما واحد، إذ
المستعمل فیه نفس النسبۀ فقط، لکن تارةً بهذا القصد واخري بذاك القصد، من غیر دخلٍ للقصد
ص: 151
والداعی علی الإستعمال فی المعنی الموضوع له والمستعمل فیه.
هذا تمام الکلام فی توضیح مبنی صاحب (الکفایۀ).
رأي المشهور … ص: 151
وقال جمهور الاصولیین بتعدّد مدلول الجملتین، فمدلول هیئۀ الجملۀ الخبریّۀ ثبوت النسبۀ خارجاً، مثل ضربتُ، حیث یحکی عن تحقّق
النسبۀ فی الخارج، أو ذهناً حیث یحکی عن ثبوتها فی عالم الذهن، أو عن ثبوتها فی وعاء الإعتبار عندما یقال بعتُ. ومدلول الجملۀ
الإنشائیۀ هو عبارة عن الإیجاد بواسطۀ الهیئۀ، وهو علی نحوین، فتارةً: توجد المادّة بواسطۀ الهیئۀ کما فی ألفاظ العقود والإیقاعات،
فلمّا تقول: بعت، فإنک توجد مادّة البیع بهذه الهیئۀ، وتتحقق المبادلۀ بین المالین. واخري: توجد النسبۀ البعثیّۀ، کما فی قم واضرب…
فلیس مدلول الهیئۀ فی الإنشاء ثبوت النسبۀ بل إیجادها، وهو إمّا إیجاد النسبۀ کهیئۀ قم، وإما إیجاد المادّة کهیئۀ بعت.
فالتقابل بین مدلولی الجملتین تقابل الثبوت والإثبات، والإیجاد داخل فی ضمن المعنی وجزء له فی الإنشاء، کما أن ثبوت النسبۀ
کذلک فی الخبر.
وهنا مرکز الإختلاف بین قول الکفایۀ وقول المشهور، فالمدلول علی الأول هو النسبۀ وحدها، والثبوت والإثبات خارجان عن المعنی
الموضوع له، أما علی الثانی فهما داخلان فی ذات المعنی والمدلول، فثبوت النسبۀ مدلول الخبر، والإنشاء هو إثبات النسبۀ وإیجادها،
مثلًا، واخري بإیجاد النسبۀ کما فی إضرب مثلًا، إذْ توجد النسبۀ بین الضرب والمخاطَب. « هی طالق » تارةً بإیجاد المادّة کما فی
ص: 152
صفحۀ 85 من 205
رأي بعض المحققین علی ضوء قول المشهور … ص: 152
وللمحقّقین الإصفهانی والخوئی أنظار فی قول المشهور فی حقیقۀ معنی الجملۀ الخبریّۀ ومعنی الجملۀ الإنشائیۀ، ومن خلالها یظهر
مختارهما فی معنی الجملتین.
رأي المحقق الإصفهانی … ص: 152
وذهب المحقق الإصفهانی إلی أن حقیقۀ الإنشاء والإخبار هو إیجاد الأمر النسبی بالوجود اللّفظی، فإن کان له ما وراء وقصد الحکایۀ
عنه باللّفظ فهو خبر، وإنْ لم یکن له ما وراء حتی یکون اللّفظ حاکیاً عنه فهو إنشاء.
موجدة للبیع « بعت » فالفرق بین قوله وقول المشهور هو: إنهم یقولون: فی الإنشاء نوجد المعنی باللّفظ، فاللّفظ علّۀ لوجوده، فهیئۀ
والملکیۀ فی عالم الإعتبار، وهو یقول: إنه یکون للمعنی وجود مجازي باللّفظ، لا أن المعنی یوجد بسبب اللّفظ، فإن کان هذا
إنشاءً وإخباراً، وأن « بعت » الموجود المجازي الجعلی له ما وراء قصد الحکایۀ عنه فهو خبر، وإلّا فهو إنشاء. وبهذا یظهر الفرق بین
التقابل بین الإنشاء والإیجاد تقابل العدم والملکۀ أو السلب والإیجاب.
.«2» ( وفی (تعلیقۀ المکاسب ،«1» وهذا رأیه الذي اختاره فقهاً واصولًا، تعرّض له فی باب الطلب والإرادة
وعمدة الکلام هو فی حقیقۀ الإنشاء، وإلیک توضیح مذهبه فیه:
إن ما ذهب إلیه المشهور فی حقیقۀ الإنشاء مردود بأنّ الوجود إمّا
__________________________________________________
1) رسالۀ الطب والارادة (بحوث فی الاصول): 14 . ط جامعۀ المدرّسین. )
77 الطبعۀ الحدیثۀ المحقّقۀ. -76 / 2) حاشیۀ المکاسب 1 )
ص: 153
تکوینی وإمّا إعتباري، والتکوینی إما خارجی وإما ذهنی، فالإعتباري الجعلی یتبع الجعل والإعتبار کما هو واضح، والتکوینی یتحقق
علی أثر علله الواقعیّۀ، والإعتباري علی قسمین: الوجود الکتبی والوجود اللّفظی.
یشتمل علی نسبۀٍ، توجد هذه النسبۀ تارةً فی الخارج بتحریک العبد نحو الکتابۀ، فتکون النسبۀ خارجیۀً بین الکاتب « اکتب » : مثلًا: قولنا
والکتابۀ، وقد توجد هذه النسبۀ فی الذهن فتکون وجوداً ذهنیّاً، وقد تلفظ الجملۀ فتأخذ النسبۀ وجوداً لفظیّاً، فإن کتبت کان وجودها
وجوداً کتبیّاً.
إذا عرفت هذا، فمن الواضح أن الألفاظ لیست من مقدّمات الوجود التکوینی لشیء من الأشیاء، بل الوجودات التکوینیّۀ تابعۀ لعللها
کما ذکرنا، فإنْ ارید من إیجاد اللّفظ للمعنی الوجود والإیجاد تکویناً، فهذا باطل، وإنْ کان المراد منه هو الإیجاد الإعتباري، أي إیجاد
المعنی فی عالم الإعتبار، فإنّ الإعتبار نفسه کاف لتحقق الوجود الإعتباري للشیء، ولا حاجۀ إلی توسیط اللّفظ والهیئۀ، فالزوجیۀ
والملکیۀ ونحوهما امور اعتباریۀ موجودة بالإعتبار، ولا علیّۀ لقولنا: أنکحت، وزوّجت، وملّکت، لوجود الزوجیّۀ والملکیّۀ وغیرها فی
عالم الإعتبار.
فظهر أنْ لا سببیّۀ للّفظ فی تحقّق المعنی ووجوده، لا إیجاداً تکوینیاً ولا إیجاداً اعتباریاً مطلقاً، فما ذکره المشهور باطل.
نعم، الذي یمکن تعقّله هو أنّ المعنی یوجد بواسطۀ اللّفظ بوجودٍ جعلی عرضی، والجملتان الإخباریۀ والإنشائیۀ مشترکتان فی هذه
الجهۀ، أي إیجاد المعنی بالوجود العرضی الجعلی، فإذا قلنا: زید قائم، أوجدنا النسبۀ بین القیام وزید، لکن بالوجود العرضی لا
بالوجود الخارجی الحقیقی، فإنّه
صفحۀ 86 من 205
ص: 154
یتبع علله التکوینیّۀ المعیّنۀ، ففی کلتا الجملتین یتحقق إیجادٌ للمعنی بوجود اللّفظ لا بسببیّۀ اللّفظ، فوجود اللّفظ وجود جعلی عرضی
للمعنی.
وتختلف الإخباریۀ عن الإنشائیۀ فی إضافۀ جهۀ الحکایۀ فی الاولی دون الثانیۀ، فإذا وجد المعنی بالوجود اللّفظی- من غیر تسبّب
للّفظ- ولم یکن فی البین حکایۀ فهو إنشاء، وإنْ کان هناك حکایۀ فهو إخبار، ویکون التقابل بینهما تارةً: تقابل العدم والملکۀ، کما
أطلب منک » و « إضرب » فإنّها قابلۀ لأن تکون إخباراً فإنْ لم تکن فهی إنشاء. واخري: تقابل السلب والإیجاب مثل « بعت » فی هیئۀ
إن قصد « إضرب » إخباراً، لکنّ هذه الجملۀ تفید مفاد « أطلب منک الضرب » غیر قابلۀ لإفادة معنی « إضرب » خبراً، حیث أنّ « الضرب
بها الإنشاء.
فبطل قول المشهور فی حقیقۀ الإنشاء من أنه إیجاد للمعنی بسبب اللّفظ، وأنه لابدّ عند إجراء صیغۀ النکاح مثلًا من قصد إیجاد علقۀ
الزوجیّۀ، وذلک: لأن هذه العلقۀ لیست معلولۀ للّفظ، بل تتحقّق بالإعتبار فقط.
وبطل قول المحقق الخراسانی من أن للطلب وجوداً إنشائیاً یتحقق بصیغۀ إفعل مثلًا. وذلک: لأن اللّفظ لا علیّۀ له لوجود المعنی، فی أيّ
وعاءٍ وعالم من العوالم.
مناقشۀ الاستاذ … ص: 154
وأورد علیه شیخنا الاستاذ دام بقاه فی کلتا الدورتین:
أولًا: إن هذا الذي ذکره یتناسب مع مبنی أهل المعقول فی حقیقۀ الوضع، وهو: کون الألفاظ وجودات للمعانی، ولا یناسب مبنی
المحقق الإصفهانی من أن حقیقۀ الوضع هو جعل اللّفظ علی المعنی ووضعه علیه فی
ص: 155
عالم الإعتبار.
وثانیاً: إنا لو سلّمنا أن الوضع کون اللّفظ وجوداً جعلیّاً للمعنی، فإن إیجاد المعنی بالوجود الجعلی لیس إلّاالإستعمال، فلا محالۀ یکون
الإنشاء نفس الإستعمال، وإذا کان کذلک، فإن الإستعمال إنما هو بداعی تفهیم المعنی للمخاطب، وهذا هو حکمۀ الوضع، فالوضع
یکون مقدّمۀ للإستعمال، والإستعمال مقدّمۀ لإحضار المعنی فی ذهن المخاطب، وإذا لم یکن وراء الإیجاد الجعلی- الذي هو عین
الإستعمال- معنیً للّفظ، فأيّ فائدة لهذا الإستعمال الذي لا یفید المخاطب شیئاً؟
وبعبارة اخري ملخّصۀ: إنا فی مقام الإستعمال نستخدم اللّفظ لإفهام المعنی، ولیس اللّفظ موجداً للمعنی، وإذا لم یکن هناك
إلّاالإستعمال، فأین المعنی المقصود إفهامه؟
وبعبارة ثالثۀ: إذا کان الفرق بین الجملتین مجرّد الحکایۀ وعدمها، لزم کون الإنشاء مجرّد التلفّظ، وهذا ما لا یلتزم به أحد!
رأي السید الخوئی … ص: 155
وذهب المحقق الخوئی إلی أن الجملۀ الخبریۀ مبرزة، والجملۀ الإنشائیۀ مبرزة کذلک، وکلّ واحدة تبرز أمراً نفسانیّاً، فالجملۀ الخبریۀ
مبرزة لقصد الحکایۀ، وهو أمر نفسانی، والجملۀ الإنشائیۀ مبرزة للإعتبار- أي إعتبار لابدیّۀ الفعل فی ذمّۀ المکلّف- وهو أمر نفسانی
کذلک، ولمّا کان مدلول الجملۀ الخبریّۀ هو الحکایۀ، وهی أمر یقبل الصّدق والکذب، کانت الجملۀ الخبریّۀ متّصفۀ بأحد الوصفین،
وأمّا الدالّ وهو الخبر فلا یقبل الصّدق والکذب، وکذا الإعتبار فإنه لا یقبل شیئاً من ذلک، فلذا لا یحتمل الصّدق
ص: 156
صفحۀ 87 من 205
والکذب فی الجملۀ الإنشائیۀ.
وتفصیل الکلام هنا:
أمّا فی الجملۀ الإخباریۀ، فإن قول المشهور بأن الجملۀ الخبریّۀ موضوعۀ لثبوت النسبۀ أو لنفیها، باطل، لأنه لو کان الموضوع له فی
« بعت داري » هذه الجملۀ هو ثبوت النسبۀ أو نفیها، فلا ریب فی أن مدلول الجملۀ الخبریّۀ تصدیقی ولیس بتصوّري، فالثبوت فی مثل
مثلًا لیس تصوّریاً، بل المدلول هو المعنی التصدیقی، إذن، لابدّ أن یحصل للمخاطب بمجرَّد إخباره بذلک تصدیق بثبوته ولو ظنّاً،
والحال أنه لا یحصل له ذلک، فلیست الجملۀ الخبریّۀ بکاشفۀ عن التصدیق، فهی غیر موضوعۀ لذلک.
وأیضاً، فقد تقدَّم أن حقیقۀ الوضع هو التعهّد والإلتزام، وثبوت النسبۀ أو نفیها لیس بأمرٍ اختیاري کی یلتزم به المتکلّم.
فلهذا وذاك، فإنّ الجملۀ الخبریۀ قد وضعت للدلالۀ علی قصد الحکایۀ، فکلّما قصد المتکلّم الحکایۀ عن معنیً مّا فإنّه متعهّد بأنْ یأتی
بجملۀ خبریۀ، ولم توضع هذه الجملۀ لثبوت النسبۀ أو عدمه کما عن المشهور.
والإستعمال فی « شریک الباري ممتنع » : مضافاً إلی أنه یرد علی المشهور: إن هناك موارد یوجد فیها إخبار ولا توجد نسبۀ، کقولنا
هذه الموارد یکشف عن عدم کون ثبوت النسبۀ هو الموضوع له الجملۀ الخبریّۀ.
هذا تمام کلامه فی الجملۀ الخبریۀ، نفیاً لمذهب المشهور وإثباتاً لمختاره.
مناقشۀ الاستاذ … ص: 157
وقد تکلّم شیخنا الاستاذ علی ما أفاده السیّد الخوئی فی (تعلیقۀ أجود
ص: 157
التقریرات) وفی (المحاضرات)، فی هذه المسألۀ، بالتفصیل، وکان العمدة فی إفاداته دام ظلّه هو النظر فی رأیه، والتحقیق فی رأي
المشهور.
أمّا رأي المشهور، فالمنسوب إلیهم هو أنّ الجملۀ الخبریّۀ موضوعۀ لثبوت النسبۀ أو نفیها، وهذا موجود فی کلمات بعضهم، لکنّ الذي
نسبه إلیهم المحقق الإصفهانی فی کتاب (الاصول علی النهج الحدیث) هو أنّ مدلول الجملۀ هو الحکایۀ، ولم ینسب إلیهم کونه
فی باب النسبۀ الإنشائیۀ والإخباریۀ: إن النسب الکلامیّۀ حاکیۀ عن النسب «1» ( النسبۀ، وقال الشریف الجرجانی فی بعض (حواشیه
الذهنیّۀ، فیظهر من کلامه إن هناك نسبۀ ذهنیّۀ ونسبۀ خارجیّۀ، وهو لا یقول بأن الجملۀ موضوعۀ لثبوت النسبۀ خارجاً.
علی أن المحققین یصرّحون بأنّ الوضع هو للإنتقال، أي: الألفاظ موضوعۀ لانتقال المعانی بها إلی الذهن، والثبوت لا یقبل الدخول
فی الذهن.
فما نسب إلی المشهور فی المقام مسامحۀ، بل الألفاظ موضوعه للصّور الذهنیّۀ، سواء الجمل أو المفردات، وأما متن الخارج الذي هو
ظرف الثبوت والوجود فلم یوضع له اللّفظ، ولا قائل بذلک.
إنّ الألفاظ موضوعۀ- بتعبیر المحقق العراقی- للصور التی یراها الإنسان خارجاً، أو بتعبیر بعضهم: للصّورة الفانیۀ فی الخارج، وبتعبیر
ثالث: للصور الموجودة بالوجود التقدیري.
وتلخّص: إن الموضوع له الجملۀ لیس هو ثبوت النسبۀ، بل النسبۀ المتّصفۀ بالثبوت والعدم، فإن ثبوت النسبۀ ونفیها أمر، والنسبۀ التی
تتّصف
__________________________________________________
1) الحاشیۀ علی شرح المطول: 43 ط ترکیا. )
ص: 158
صفحۀ 88 من 205
بالثبوت فی الجملۀ الموجبۀ وبالنفی فی السّالبۀ أمر آخر، وقد وقع الخلط بینهما وهو منشأ الإشکال.
وتحقیق رأي المشهور هنا هو: إنه عندنا حکایتان، إحداهما: الحکایۀ الذاتیّۀ، والاخري هی الحکایۀ الجعلیّۀ، فالحکایۀ الذاتیّۀ تکون
فی حکایۀ ال ّ ص ور الذهنیّۀ عمّا هو فی الخارج، فالحاکی عن الوجود هو مفهوم الوجود، والحاکی عن الماهیّات هو نفس الماهیّۀ
الموجودة بالوجود الذهنی، فحکایۀ مفهوم الوجود عن واقع الوجود حکایۀ العنوان عن المعنون، وهی حکایۀ ذاتیّۀ، وحکایۀ مفهوم
الإنسان عن ماهیّۀ الإنسان الموجود بالوجود الخارجی حکایۀ ذاتیّۀ، سواء قلنا إن نسبۀ الصّور الذهنیّۀ إلی الخارج نسبۀ التمثال والصورة
عن ذي الصورة، أو قلنا بأن الأشیاء بذواتها تدخل إلی الذهن لا بصورها وأشباحها، کما هو مسلک المتأخرین القائلین بأن للأشیاء
کونین:
کون عند الأذهان وکون فی الأعیان.
وبالجملۀ، فحکایۀ الصّور الذهنیّۀ عمّا فی الخارج حکایۀ ذاتیّۀ، ثم لمّا نقول: زید فی الدار، یکون فی الذهن نفس ما فی الخارج، أو
صورة مطابقۀٌ لما فی الخارج، وما فی الذهن انعکاس لما فی الخارج، وألفاظ هذه الجملۀ موضوعۀ لنقل هذا الذي فی ذهن المتکلّم
إلی ذهن المخاطب، وهذا هو التفهیم والتفاهم بواسطۀ الألفاظ، الذي هو الحکمۀ من الوضع.
هو النسبۀ بینهما، فإن مدلول الجملۀ « فی » هو ذاتها، ومدلول « الدار » هو ذات الشخص، ومدلول لفظ « زید » وعلیه، فکما أنّ مدلول لفظ
عبارة عن الوجود المفهومی المتحقق فی مورد هذه القضیۀ، ولیس المدلول هو الوجود الخارجی، لما تقدّم من أنه لا یقبل الدخول
إلی الذهن.
ص: 159
دفع الإشکال عن رأي المشهور … ص: 159
هذا، وإذا کان المدلول فی الهیئۀ عبارة عن ثبوت النسبۀ، فإنّه یتوجّه الإشکال الأول، وهو: إنه لابدّ حینئذٍ من حصول التصدیق بتلک
النسبۀ ولو ظنّاً، والحال أنه لیس کذلک.
فأجاب شیخنا عن ذلک: بأنّ النسبۀ الذهنیّۀ التی ینقلها المتکلّم إلی ذهن السامع بواسطۀ الهیئۀ، هی نسبۀ تصدیقیّۀ، ولکن بمعنی
القابلیّۀ للتّصدیق لا فعلیّۀ التصدیق- فی مقابل ما لا دلالۀ له إلّاالدلالۀ التصوریّۀ، وهو مدالیل المفردات اللفظیّۀ، أو هیئات النسب
الناقصۀ- فإن الألفاظ ذوات النسب التامّۀ دوالّ جعلیّۀ، ووظیفتها نقل المعانی إلی الأذهان، فقد یصدَّق بها وقد لا یصدَّق، وأما فعلیّۀ
التصدیق، فلیس من وظیفۀ اللّفظ، بل ذلک یتبع تحقّق الواسطۀ فی الإثبات وعدم تحقّقه.
فمنشأ الإشکال هو: الخلط بین الحکایۀ الذاتیّۀ، وهی حکایۀ الصّورة عن ذي الصّورة، وبین الحکایۀ الجعلیۀ للألفاظ عن المعانی،
والخلط بین التصدیق وبین القابلیّۀ للتصدیق، فإن الإنسان لمّا یري شیئاً بعینه، ینطبع صورة من ذلک الشیء فی ذهنه، فیکون ما فی
ذهنه حاکیاً عن الشیء الخارجی الذي رآه، وهذه هی الحکایۀ الذاتیّۀ، التی لا دور للّفظ فیها، ثم إذا أراد نقل هذه الصورة التی فی
ذهنه إلی ذهن شخصٍ آخر، إحتاج إلی اللّفظ، فیستعمِله لنقله، وهذه هی الحکایۀ الجعلیّۀ، والمخاطب لمّا یسمع الخبر فقد یصدّق به
وقد لا یصدّق، غیر أنّ اللّفظ له القابلیّۀ لأنْ یصدَّق به، وهذا هو مذهب المشهور علی التحقیق.
وحاصل مذهبهم: إن الجملۀ الخبریّۀ موضوعۀ للنسب الذهنیّۀ الفانیۀ فی
ص: 160
الخارج، لا النسب الخارجیۀ، وهی موضوعۀ لما یکون قابلًا للتصدیق، لا لما یوجب التصدیق.
فالإشکال الأول مندفع.
وأمّا الإشکال الثانی، وهو النقض بموارد وجود الإخبار مع عدم وجود النسبۀ، کما فی قولنا: شریک الباري ممتنع، فقد أجاب عنه
صفحۀ 89 من 205
شیخنا:
أوّلًا: إنه إن کان المراد عدم وجود النسبۀ مطلقاً، فهو یرد علی مبناه أیضاً من أن حقیقۀ الجملۀ الخبریۀ هو قصد الحکایۀ، لأن متعلق
الحکایۀ هو النسبۀ، وإذا لم تکن نسبۀ فلا حکایۀ.
وثانیاً: إنه لیس مراد القائلین بأن مدلول الجملۀ الخبریۀ وجود النسبۀ بین الموضوع والمحمول فی الخارج، بل المراد هو النسبۀ فی ما
وراء الکلام، سواء فی الخارج أو الذهن. فالإشکال مندفع.
ولعلّه قد التفت أخیراً إلی اندفاعه، فلم یتعرّض له فی (المحاضرات)، وإنما هو مذکور فی (تعلیقۀ أجود التقریرات).
وأمّا ماذکره ثالثاً: من أن ثبوت النسبۀ ونفیها خارج عن الإختیار، والحال أن حقیقۀ الوضع هو التعهّد والإلتزام، ولا یعقل التعهّد بما هو
خارج عن الإختیار.
ففیه: إن مبنی التعهّد فی حقیقۀ الوضع قد ظهر بطلانه فی محلّه.
وتلخّص: تمامیّۀ رأي المشهور علی التحقیق المزبور، وعدم ورود شیء من الإیرادات المذکورة علیه.
فما ذهبوا إلیه هو الحق المختار فی مدلول الجملۀ الخبریۀ، وهو الموافق للإرتکاز.
ص: 161
نقد مختار المحقق الخوئی فی الجملۀ الخبریۀ … ص: 161
ثم إن شیخنا الاستاذ تنظر فی مبنی السید الخوئی فی حقیقۀ الجملۀ الخبریۀ فقال: بأنْ المذکور مکرّراً فی تقریر بحثه وفی تعلیقته هو
فالمدلول ،« الحکایۀ » غیر « قصد الحکایۀ » ومن الواضح أن « الحکایۀ » ولایقول بأن مدلولها هو « إن مدلول الجملۀ الخبریّۀ قصد الحکایۀ »
هو قصد الحکایۀ بالدّلالۀ الوضعیّۀ- إلّاإذا أقام قرینۀ علی الخلاف، کأنْ یکون فی مقام المزاح مثلًا- وقصد الحکایۀ لا تعلّق له
بالخارج، وما لا تعلّق له بالخارج لا یوصف بالصّدق والکذب، فکیف تتّصف الجملۀ الخبریّۀ بالصّدق والکذب؟.
هذا أوّلًا.
هو نسبۀ القیام إلی زید، لا قصد حکایۀ « زید قائم » وثانیاً: إن المناط فی باب الدّلالات اللّفظیۀ هو التبادر، والحق أن المتبادر من قولنا
المتکلّم عن تلک النسبۀ. نعم، المتکلّم الملتفت له قصد، لکنّ هذا غیر کون مدلول اللّفظ هو القصد.
وثالثاً: إن قصد الحکایۀ بدون الحکایۀ محال، والحکایۀ بدون الحاکی محال أیضاً، فلو کانت الهیئۀ دالّۀً علی قصد حکایۀ النسبۀ، فأین
الدالّ والحاکی عن ثبوت النسبۀ؟
هذا إن کان المدلول قصد الحکایۀ.
نفسها لا قصدها، فقد تقدَّم أن الحکایۀ بدون الحاکی محال، فإن کان الحاکی عن ثبوت النسبۀ هو الصّورة « الحکایۀ » وأمّا لو أراد أنه
الذهنیّۀ، فهذا هو قول المشهور، وإلّا فلا حاکی، لأن مدلول اللّفظ هو نفس النسبۀ، فیلزم الحکایۀ بلا حاکی.
ص: 162
فظهر بطلان مبناه حتّی لو کانت اشکالاته علی مبنی المشهور واردةً، ولکنّک قد عرفت اندفاعها.
هذا تمام الکلام فی الجملۀ الخبریۀ.
رأي السیّد الخوئی فی الجملۀ الانشائیۀ وموافقۀ الاستاذ … ص: 162
وأمّا فی الجملۀ الإنشائیۀ فالآراء المهمّۀ هی:
رأي المحقق الإصفهانی
صفحۀ 90 من 205
وقد تقدم أنّه لا یمکن المساعدة علیه.
رأي المشهور
والصلح فی « بعت » وهذا الرأي وجیه ثبوتاً، فمن الممکن أنْ یجعل ویعتبر الواضع الجملۀ الإنشائیۀ وسیلۀً وسبباً لتحقق المادّة، کالبیع فی
وهکذا … فی عالم الإعتبار. « زوّجت » والزوجیّۀ فی « صالحت »
إنّ کون الصیغۀ سبباً اعتباریاً لتحقّق الأمر الاعتباري فی النکاح والبیع…
أمرٌ معقول، ولکن لا دلیل إثباتی علیه، لا من الواضع ولا من العقلاء.
رأي المحقق الخوئی
وهذا هو المختار، ففی کلّ هذه الموارد اعتبار وإبراز للإعتبار النفسانی.
والمحقّق الإصفهانی- وإنْ اختار الإیجاد کما تقدّم- قد صرّح بذلک فی مبحث الإستصحاب فی الأحکام الوضعیّۀ، فی معنی الملکیّۀ.
ولکنّ التحقیق جریانه فی جمیع الموارد وعدم اختصاصه بالملکیّۀ.
والدلیل علیه هو الإرتکاز العقلائی من المعتبر، ثم إمضاء العقلاء، والشارع قد أمضی ذلک ورضی به، فللشارع أیضاً اعتبار مماثل.
هذا تمام الکلام فی الإخبار والإنشاء.
ص: 163
أسماء الإشارة والضمائر والموصولات … ص: 163
اشارة
ص: 165
هنا ثلاثۀ آراء أساسیّۀ:
الأوّل: رأي المحقق الخراسانی … ص: 165
اشارة
المشار إلیه، فالمفهوم الموضوع له فیها واحد، وکذا « المفرد المذکّر » و « هذا » قال: إنه لا اختلاف فی المفهوم والمدلول بین لفظ
لکنّ الإشارة فی الأوّل وخصوصیّۀ « المفرد المذکّر المخاطب » فهو نفس المفهوم والمعنی فی « أنت » المفهوم الموضوع له لفظ
« أنت » مع الإشارة، ولفظ « هذا » الخطاب فی الثانی خارجان عن حدّ ذات المعنی الموضوع له، غیر أنّ الواضع اشترط أن یستعمل لفظ
مع الخطاب، فالخطاب والإشارة قیدان من الواضع فی ظرف الإستعمال، ومن الواضح أنّ ما یکون قیداً فی ظرف الإستعمال لیس له
دخل فی المعنی الموضوع له.
ولفظۀ « هو » هو إمکان کون المخاطبیّۀ والمشاریۀ جزءً من المعنی الموضوع له لفظۀ - « یمکن » إلّاأن ظاهر کلامه- حیث بدأ به بکلمۀ
إلّا أنه لا دلیل علیه فی مقام الإثبات عنده. ،« أنت »
غیر أنه متی ما أراد هذا المعنی لا مع الإشارة، ،« أنت » وکذا فی « المفرد المذکر » و « هذا » وعلی الجملۀ، فإنّه لا فرق فی المعنی بین
وتحقّق مفهومه، ومتی ما أراده مع الإشارة إلیه استعمل « المفرد المذکّر » استعمل
ص: 166
تماماً کما فی المعنی الحرفی، مع فرق أنه لا إمکان هناك لأن یوضع للمعنی الملحوظ باللّحاظ الآلی، ولذا افتتح کلامه هناك .« هذا »
صفحۀ 91 من 205
.« یمکن » وهنا الإمکان موجود، فعبّر ب « التحقیق » بکلمۀ
وعلی هذا، یکون الموضوع له فی هذه الموارد عاماً کالوضع.
مناقشۀ الاستاذ … ص: 166
وفیه:
أوّلًا: إن ماذهب إلیه دعوي بلا دلیل.
واحداً، والخصوصیّۀ بالإشارة تحصل فی مقام الإستعمال، کان اللّازم إمکان « المفرد المذکر » و « هذا » وثانیاً: لو کان المعنی فی
استعمال کلّ من اللّفظین فی مکان الآخر، وهذا غیر صحیح کما هو واضح.
الثانی: رأي المحقّق الإصفهانی … ص: 166
اشارة
مثلًا- موضوع للمعنی مع الإشارة، فکون الشیء مشاراً إلیه داخل فی المعنی الموضوع له، ولذا لا تستعمل هذه اللّفظۀ - « هذا » إنّ لفظ
إلّاتوأماً مع الإشارة بالید أو العین أو الرأس أو غیرها. إذن، فالموضوع له هو ح ّ ص ۀ من المعنی، وهی المشار إلیه، فالموضوع له خاص
لدخل الخصوصیّۀ.
مناقشۀ الاستاذ … ص: 166
وفیه: إنه دعوي بلا دلیل، کسابقه.
الثالث: رأي المحقق البروجردي … ص: 167
اشارة
إشارة « هذا » نشیر، لا أنه موضوع للمفرد المذکر المشار إلیه الخارجی، فلفظ « هذا » إنّ هذه الأسماء موضوعۀ لنفس الإشارة، فبلفظ
لفظیّۀ، کما أنّ تحریک الید مثلًا إشارة فعلیّۀ. نظیر إنشاء المعاملۀ الذي هو تارة باللّفظ
ص: 167
.« المعاطاة » واخري بالفعل وهو « بعت »
المختار عند الاستاذ … ص: 167
فقد ظهر أنّ الأقوال المهمۀ فی المقام ثلاثۀ:
-1 إن الموضوع له هو المفهوم.
-2 إن الموضوع له هو المفهوم المشار إلیه.
-3 إن الموضوع له هو الإشارة.
والمختار هو الثالث، وعلیه الإرتکاز، وهو الذي نصّ علیه علماء الأدب والعربیۀ، کقول ابن مالک:
بذا لمفردٍ مذکّرٍ أشر
صفحۀ 92 من 205
أشر، فإنه یقوم مقام الإشارة الفعلیّۀ، لا سیّما إشارة الأخرس غیر المتمکّن من التلفّظ. « ذا » فإنه یقول ب
وقد استدلّ السید البروجردي بروایتین.
إنما هو للتأکید ودفع الإلتباس عن المشار إلیه، فلا یکون قرینۀً علی أنْ لا یکون « هذا » ثم إن انضمام الإشارة بالید إلی التلفّظ ب
هو نفس الإشارة. « هذا » الموضوع له
وأما الموصولات فموضوعۀ للإشارة کذلک، غیر أنها للإشارة إلی المبهم.
ص: 169
الحقیقۀ والمجاز … ص: 171
اشارة
ص: 171
مقدّمات …: ص: 171
اشارة
لا فرق بین استعماله فی « الأسد » * ذکر السکاکی فی مبحث الإستعارة من کتابه: إن اللّفظ یستعمل فی المعنی الحقیقی لا غیر، فلفظ
الحیوان المفترس أو فی الرجل الشجاع، غیر أنه فی الأول حقیقۀ واقعاً وفی الثانی حقیقۀ ادّعاءً، فکأنّ دائرة المعنی الحقیقی تتوسّع
لتشمل الرجل الشجاع کذلک.
وقد وافقه بعض الأعلام کالسید البروجردي. وهو مطلب متین.
وعلی هذا، فإن عملنا فی المجاز هو تعمیم دائرة الموضوع له اللّفظ بالنّسبۀ إلی فردٍ آخر، لمناسبۀٍ بینه وبین الموضوع له، کما بین
لکنْ مع إقامۀ القرینۀ علی هذا الإدّعاء علی مذهب السکاکی، أو علی ،« الأسد » فی مفهوم لفظ « الحیوان المفترس » و « الرجل الشجاع »
الإستعمال فی غیر ما وضع له اللّفظ من قبل الواضع، علی مذهب المشهور.
* إن مورد الکلام فی مبحث الحقیقۀ والمجاز هو:
-1 ما إذا کان أصل معنی اللّفظ غیر معلوم.
-2 ما إذا کان المعنی معلوماً، لکن المراد منه غیر معلوم.
ص: 172
* والحقیقۀ فی مقابل المجاز هی:
تارة: الحقیقۀ اللّغویۀ.
واخري: الحقیقۀ الشرعیّۀ.
وثالثۀ: الحقیقۀ العرفیّۀ.
والحقیقۀ العرفیّۀ تارة: هی الحقیقۀ العرفیّۀ العامّۀ. وأخري: الحقیقۀ العرفیّۀ الخاصۀ.
وکلّ هذه الأقسام مورد حاجۀٍ وابتلاء للفقیه.
وهناك حقیقۀ متشرعیّۀ، یبحث عنها فی مبحث الحقیقۀ الشرعیّۀ.
فعلی الفقیه أوّلًا أنْ ینظر فی کلّ موردٍ، فقد یکون للّفظ حقیقۀ شرعیّۀ، وقد یکون اللّفظ قد استعمل علی أساس حقیقۀ عرفیّۀ خاصّۀ،
صفحۀ 93 من 205
فإنه فی هذه الحالۀ لا یرجع إلی اللّغۀ والعرف العام، لأنّ العرف الخاص یتقدّم علی العرف العام فی تشخیص مراد المتکلّم، فإن لم
یوجد العرف الخاص أو لم یقصد، یرجع إلی الحقیقۀ العرفیّۀ العامّۀ.
* والمهم للفقیه هو تشخیص الحقائق العرفیّۀ، ورجوعه إلی اللّغۀ إنما هو مقدّمۀ لذلک، وهو یحتاج إلی ذلک لاستنباط الأحکام
الشرعیّۀ من الأدلّۀ اللّفظیّۀ من الکتاب والسنّۀ، ومن الأدلّۀ غیر اللّفظیۀ کالإجماع إنْ کان معقده لفظاً من الألفاظ، فلابدّ للفقیه من
استکشاف معنی تلک اللّفظۀ الواردة فی الکتاب والسنّۀ والإجماع- علی ماذکر- لیرتّب الأثر الشرعی علیها، مثلًا: علیه أن یحقّق عن
هل هو مطلق الإلتزام، أو خصوص الإلتزام فی « الشرط » هل هو مطلق وجه الأرض أو خصوص التراب؟ ولفظۀ « الصعید » معنی لفظۀ
هل هو مطلق العقد الأعم من الجائز واللّازم أو « العقد » ضمن الإلتزام؟ ولفظۀ
ص: 173
ومئات الألفاظ من هذا « المعدن » و « الکنز » و « الوطن » یختصُّ بوطی القبل أو یعمّ الدبر؟ وکذلک الکلام فی « الزنا » خصوص اللّازم؟ و
القبیل الواردة فی الأدلّۀ الشرعیّۀ.
الذي هو أحد العقود العرفیّۀ الممضاة شرعاً، ما معناه؟ ومن هو المدّعی؟ « المضاربۀ » ویحتاج إلی ذلک أیضاً فی الموضوعات، فعنوان
ومن المنکر؟ ولهذا بحثوا عن أن العقود تنعقد بالمجازات أو لا؟ فقال المحقق الثانی فی ذیل قول العلّامۀ فی (القواعد) فی العقد وأنّه
وقد یظهر من کلمات بعضهم دعوي الإجماع علی أن العقود «1» « أي: المفیدة لذلک بمقتضی الوضع » : لابدّ وأن یکون بالصیغۀ، قال
اللّازمۀ لا تنعقد بالمجازات.
* وقد ذکر لتشخیص المعانی الحقیقیّۀ عن المعانی المجازیّۀ طرق کثیرة، منها قطعیّۀ ومنها ظنیّۀ، اقتصر صاحب (الکفایۀ) من القطعیّۀ
منها علی أربعۀ هی: التبادر وصحۀ الحمل وعدم صحۀ السلب والإطراد، ولم یتعرّض للظنیّه التی منها: تنصیص أهل اللّغۀ، ذکره
المحقق العراقی، غیر أنه أجاب بأن اللّغوي یذکر موارد الإستعمال لا الحقیقۀ عن المجاز، لکنّ مثل المحقق الکاظمی فی کتاب
(المحصول) یدّعی الإجماع علی ثبوت الحقیقۀ بتنصیص أهل اللّغۀ، ویقول العلّامۀ فی (النهایۀ): المعنی الحقیقی یثبت بأخبار الآحاد.
والحق: إن تجاوز تنصیص أئمۀ اللّغۀ علی أنّ اللّفظ الفلانی موضوع لکذا، مشکل.
ثم إنّ التنصیص علی المعنی الحقیقی قد یکون مبنیّاً علی مسلک
__________________________________________________
57 ط مؤسّسۀ آل البیت علیهم السلام. / 1) جامع المقاصد 1 )
ص: 174
خاص، کالقول بعدم وجود المجاز فی لغۀ العرب، کما علیه أبو إسحاق الإسفرائنی، أو القول بأن الأصل هو الحقیقۀ وأن المجاز
خلاف الأصل، فیکون مقتضی الأصل هو الحکم بکون المعنی حقیقیّاً، کما علیه التّاج السّبکی، أو کان التنصیص مستنداً إلی أمارات
غیر معتبرة، کأن یکون مستنداً إلی التبادر مثلًا وهو غیر معتبر عندنا بالفرض، ففی مثل هذه الموارد لا یکون التنصیص حجۀً.
أمّا إنْ کان النصّ من أهل الخبرة، فاعتباره مبنی علی الشروط المقرّرة فی مسألۀ حجیۀ خبر الثقۀ فی الأحکام، لأنّ المراد لیس
ونحوهما، والموضوعات من « الشرط » و « العقد » خصوص الأحکام، بل الأعم، لیشمل کلّ لفظٍ وقع موضوعاً للأحکام الشرعیّۀ، کلفظ
العدالۀ والتعدّد والوثاقۀ.
والمختار: أنه إنْ کان ثقۀً کان خبره حجۀً، ولا یعتبر التعدّد والعدالۀ فضلًا عن الإیمان.
نعم، دعوي حجیّۀ قول اللغوي مطلقاً ممنوعۀ.
وبعد:
فإنّ هناك مراحل، فالاولی مرحلۀ أصل المعنی الموضوع له اللّفظ، ثم مرحلۀ الإرادة الإستعمالیۀ من اللّفظ، ثم مرحلۀ الإرادة الجدیّۀ،
صفحۀ 94 من 205
فإنْ اجتمعت هذه المراحل فلا إشکال، وأمّا إن تخلّف بعضها، کأنْ جهل أصل المعنی، أو وقع الشک فی أصل الإرادة أو الإرادة
الجدیّۀ، فلابدّ من قواعد وطرق یرجع إلیها.
والطرق المطروحۀ فی (الکفایۀ) وغیرها من کتب الاصول لکشف المعنی الحقیقی فی المرحلۀ الاولی هی:
ص: 175
-1 التبادر … ص: 175
اشارة
وقد ذکروا نحوین من التبادر لمعرفۀ المعنی الحقیقی:
أ- التبادر عند أهل اللسان.
ب- التبادر عند المستعلم نفسه.
ثم إن المعنی الذي ینسبق إلی الذهن ویتبادر، لابدَّ وأنْ یکون تبادره من نفس اللّفظ، بأنْ نقطع بکون الإنسباق منه لا من غیره، لأنّه قد
فی: رأیت أسداً یرمی، وإما عامّۀ « یرمی » ینسبق المعنی من اللّفظ بقرینۀٍ، والقرینۀ إمّا حالیّۀ وإمّا مقالیّۀ، وکلّ منهما: إمّا خاصّ ۀ مثل
کمقدمات الحکمۀ.
فالتبادر الکاشف عن المعنی الحقیقی الموضوع له اللّفظ هو ما إذا علمنا بعدم کونه لأجل قرینۀٍ من القرائن، ومجرّد احتمال دخل قرینۀٍ
فی حصول الإنسباق یسقطه عن الدلیلیّۀ علی الحقیقۀ.
الدلیل علی دلیلیّۀ التبادر
وبما ذکرنا ظهر أنّ دلیلیّۀ التبادر علی المعنی الحقیقی وکاشفیّته عنه هی من قبیل کشف العلّۀ عن المعلول، فهی دلالۀ إنّیۀ، فی مقابل
الدلالۀ اللمیّۀ، التی هی کشف المعلول عن العلۀ، وتسمّی بالبرهان.
فیقال فی وجه دلالۀ التبادر علی المعنی الحقیقی:
إن انسباق المعنی إلی الذهن هو أحد المعالیل والحوادث، فلابدّ له من
ص: 176
علّۀٍ، فی أصل وجوده، وفی خصوص تبادر هذا المعنی المعیَّن من هذا اللّفظ المعیَّن، فما هی تلک العلّۀ؟
إن العلّۀ لا تخلو عن الرابطۀ الذاتیّۀ بین اللّفظ والمعنی، أو القرینۀ، أو الرابطۀ الوضعیّۀ. أمّا الاولی فغیر معقولۀ، لأن دلالۀ الألفاظ علی
معانیها جعلیّۀ ولیست بعقلیۀ ولا طبعیّۀ، وأمّا الثانیۀ فمنتفیۀ، لأن المفروض عدم دخل القرینۀ فی الإنسباق، فتبقی الثالثۀ، وتکون النتیجۀ
کشف التبادر عن الوضع، فهو علامۀ للمعنی الحقیقی للمستعلم.
المناقشۀ … ص: 176
لقد کان مبنی هذا الوجه هو الکشف الإنّی، لکنّ التبادر أمر نفسانی، والعلقۀ الوضعیّۀ بین اللّفظ والمعنی أمر اعتباري، وقد سبق أن
حقیقۀ الوضع هو التعهّد، أو جعل اللّفظ وجوداً للمعنی، أو تخصیص اللّفظ بالمعنی، أو اعتبار الملازمۀ بین اللّفظ والمعنی، أو جعل
اللّفظ علامۀ للمعنی.
فالوضع- علی کلّ تقدیر- أمر حاصل فی الخارج، وهو معلوم تارةً ومجهول اخري، وإذا کان الوضع علّۀً للتبادر لزم أن یکون الأمر
الخارجی علّۀً للأمر الذهنی، وقد تقرّر فی محلّه أن الموجود الخارجی لا یمکن أن یکون مؤثّراً فی الوجود الإدراکی.
صفحۀ 95 من 205
علی أنه لو کان التبادر معلولًا للوضع، فإنه لابدّ من وجوده، سواء علم بالوضع أو لا، لأنه أثر الوضع.
فثبت أن التبادر لیس معلولًا للوضع وکاشفاً عنه، بل هو معلول للعلم بالوضع.
فالذي أفاده التبادر هو العلم بالوضع لا الوضع، نعم یکون للوضع أثر
ص: 177
الإعداد لحصول العلم به.
هذا، مضافاً إلی أنهم قد ذکروا: إن هذا التبادر المدّعی ینشأ من العلم الإرتکازي بالمعنی عند المستعلم، وعلیه نقول: إذا کان منشأ
التبادر هو العلم الإرتکازي، فإن من الممکن حصول هذا العلم من سببٍ فاسدٍ- کالإطراد الذي سیأتی أنه لیس علامۀً للحقیقۀ- کما
یمکن حصوله من سببٍ صحیح، وإذا جاء احتمال استناد التبادر إلی العلم الإرتکازي الحاصل من سببٍ فاسد، سقط التبادر عن کونه
علامۀً للمعنی الحقیقی.
ثم إنّه قد أشکل علی هذه العلامۀ باستلزامها للدور، وذلک: لأن التبادر لا یتحقق بدون العلم بالوضع، فمن کان جاهلًا لا یمکن تبادر
المعنی إلی ذهنه، فالتبادر موقوف علی العلم بالوضع، ولکنّ العلم بالوضع متوقّف علی التبادر، من باب توقّف ذي العلامۀ علی
العلامۀ، وهذا دور.
وقد أجیب: بأن الموقوف علیه فی التبادر عند المستعلم هو علمه الإرتکازي الإجمالی، والموقوف هو علمه التفصیلی، فالعلم الذي
.«1» یتوقّف علیه التبادر غیر العلم الناشئ من التبادر والمعلول له، والغیریّۀ والتفاوت بالإجمال والتفصیل رافع للإشکال
والحاصل: أن العلم الذي هو علّۀ للتبادر هو العلم البسیط الموجود فی خزانۀ النفس، والعلم الحاصل من التبادر هو العلم المرکّب
التفصیلی، بأنْ نعلم بأنا عالمون بالمعنی.
__________________________________________________
ویراد به العلم الموجود فی الإرتکاز « العلم الإجمالی » 1) مصطلح العلم الإجمالی والعلم التفصیلی فی علم الاصول معروف، وقد یطلق )
بنحو الإجمال، ویقابله العلم التفصیلی، کما ذکر فی المتن، وقد یطلق علی أساس تعقّل الوحدة فی الکثرة والکثرة فی الوحدة، وقد
یطلق ویراد به العلم بالوجه فی قبال العلم بالکنه.
ص: 178
فالمتعلّم عالم لکنه جاهل بعلمه، ثم یعلم بکونه عالماً، ولا مانع من أن یکون الإنسان عالماً بشیء مع الجهل بوجود هذا العلم عنده، إذ
العلم فی ذاته طریق إلی الواقع، فإذا رأي الإنسان الواقع بسبب العلم لا یلتفت إلی علمه ولا ینظر إلیه بالنظر الموضوعی. وعن بعض
الأکابر: إن العلم کالنور ینظر به ولا ینظر إلیه، لکن فیه: عدم إمکان النظر إلی الأشیاء به مع عدم النظر إلیه.
والتحقیق: إن ماذکر لا یدفع إشکال الدّور عند المستعلم، فإنه لا معنی للجهل فی العلوم الإرتکازیۀ ولو بالنسبۀ إلی العلم نفسه، لکون
العلم الإرتکازي علماً إلّاأنه مغفول عنه وغیر ملتفت إلیه، ومن الواضح أن هذا غیر الجهل، فالمحتاج إلیه فی العلم الإرتکازي هو
الإلتفات إلیه لا تحصیله والوصول إلیه. وهذا نظیر ماذهب إلیه المتأخّرون من الفقهاء فی مسألۀ النیّۀ- خلافاً للمحقق قدّس سرّه- من
عدم وجوب الإرادة التفصیلیۀ وأنّ الواجب هو الداعی، ویکفی فی وجوده أنه إنْ سئل عمّا یفعل أجاب بأنّی اغتسل مثلًا، وهذا الداعی
هو الإرادة الإرتکازیۀ التی یلتفت إلیها بأقل مناسبۀ، وما نحن فیه کذلک، فإن العلم الإرتکازي بالوضع موجود، وهو یکون المنشأ
للإلتفات وارتفاع الغفلۀ عن المعنی الموضوع له.
فالحق: أنه إنْ کان عالماً بالوضع فلا معنی لتحصیله بالتبادر، بل اللّازم هو الإلتفات إلی علمه، کما أن السائر علی الطریق یعلم ارتکازاً
بمقصده، فلو غفل عن المقصد لا یسأل عنه لیعلم به، بل لأنْ ترتفع عنه الغفلۀ.
فالإشکال عند المستعلم لم یندفع.
صفحۀ 96 من 205
وهذا الإشکال غیر وارد علی التبادر عند أهل المحاورة العالمین بالوضع، لوضوح التغایر بین الموقوف والموقوف علیه، إذ التبادر عند
أهل
ص: 179
اللّسان علّۀ لعلم الفرد الجاهل بالوضع، فعلمه معلول للتبادر عندهم، ولیس التبادر عندهم معلولًا لعلم الفرد.
فالحق: إن التبادر حجّ ۀ عند أهل المحاورة فقط، وعلی الجاهل بالمعنی أنْ یرجع إلی أهل اللّسان، ومن انسباق المعنی إلی أذهانهم
بدون الاستناد إلی قرینۀٍ، یستکشف المعنی الحقیقی للّفظ، ودلیل اعتباره هو السیرة العقلائیۀ.
دلیلًا آخر علی أن التبادر علامۀ الحقیقۀ، وذکر أنّه عن طریق الاستدلال الأول- وهو کون « السیرة العقلائیۀ » هذا، وقد ذکر دام ظلّه
التبادر أحد المعالیل- یستکشف نفس المعنی الحقیقی، أما الاستدلال بالسیرة فیفید قیام الحجّۀ العقلائیۀ علی المعنی الحقیقی.
وکیف کان، فلابدّ من إثبات هذه السیرة وبیان اعتبارها وحدّ دلالتها.
ذکر بعضهم کالمحقّق الإصفهانی: أن التبادر عند أهل اللّسان علامۀ للجاهل بالمعنی، وهو یفید العلم بالمعنی الموضوع له، لأن
المفروض عدم وجود قرینۀٍ فی البین، فلا محالۀ یکون من الحیثیّۀ المکتسبۀ من العلقۀ الوضعیّۀ، فهو- إذن- علامۀ تفید القطع بالمعنی.
وقد أورد علیه شیخنا بوجهین:
أوّلًا: إنه لا ریب فی أن التبادر لدي العارف باللّسان العالم بالوضع، لیس بحاكٍ عن الوضع التعیینی للّفظ، فالذي یمکن تصوّره هو أن
یکون عالماً بالوضع التعیّنی الناشئ من کثرة الإستعمال، فیستعمل اللّفظ فی معناه بکثرةٍ حتی یصل إلی حدّ صیرورة اللّفظ قالباً للمعنی.
وعلی هذا، فکیف یمکننا إحراز أنّ هذا العارف باللّسان کان انسباق المعنی إلی ذهنه غیر ناشئ عن کثرة الإستعمال؟ إن هذا الإحتمال
لا طریق إلی نفیه.
ص: 180
وبعبارةٍ اخري: لقد اشترطنا فی التبادر أن لا یکون مستنداً إلی قرینۀٍ، والقرینۀ إمّا خاصّۀ وإمّا عامّۀ، والقدر الممکن نفیه من القرائن هو
القرائن الخاصّۀ، لأنّا نعلم بعدم وجود کلیّۀٍ وجزئیّۀ، وسببیّۀ ومسبّبیۀ، وکذا غیر ذلک من القرائن الخاصۀ، وأمّا القرائن العامّۀ- کالشهرة
فی المجاز المشهور- فلا سبیل لنفیها.
وقول المحقق العراقی بأن الملاك فی مثلها هو الأطراد وعدمه، بمعنی أنه إنْ کان المعنی ینسبق من اللّفظ فی جمیع موارد استعماله
علی حدّ سواء، فهو المعنی الحقیقی. ففیه: إنه لا یتصوّر الاطّراد وعدمه فی القرائن العامۀ، لأنها دائماً موجودة مع اللّفظ، ولا یمکن
تجریده عنها، فمن الصعب تحقّق صغري التبادر فی موارد احتمال وجود القرینۀ العامّۀ، فیکون الکلام مجملًا، وأمّا احتمال انسباق
المعنی إلی ذهن العارف باللّسان علی أثر کثرة استعمال اللّفظ فیه، التی هی مقدّمۀ للوضع التعیّنی، فلا دافع له.
وثانیاً: إنه لو تنزّلنا عمّا ذکر، وسلّمنا انسباق المعنی من حاقّ اللّفظ بلا دخل لکثرة الإستعمال، لکن السؤال هو: إن انسباقه من حاقّ
اللّفظ أمر حادث لابدّ له من علّۀ، ولا علّۀ لهذا الإنسباق إلّاالعلم بالوضع، فالجاهل بالوضع لا یحصل له انسباق، لکنّ العلم بالوضع
یحتمل أن یکون ناشئاً من التبادر الذي قد عرفت الکلام فیه، فکیف یحصل القطع بالوضع والمعنی الحقیقی؟
فالبرهان المذکور علی قطعیّۀ هذه العلامۀ کما ذکره المحقّق الّاصفهانی مردود بهذین الوجهین.
والذي یمکن الموافقۀ علیه وإقامۀ البرهان له هو: إن التبادر عند أهل اللّسان حجّ ۀ للجاهل وحجّ ۀ علیه، لأنه مورد السیرة العقلائیۀ
القطعیّۀ مع عدم
ص: 181
ردع الشارع عنها.
فظهر أن التبادر عند أهل اللّسان حجّۀ علی الوضع، لا أنه یفید العلم بالوضع.
صفحۀ 97 من 205
ثم إن المتبادر هو المعنی الحقیقی حقیقۀً عرفیّۀ، إذ المفروض تبادره عند أهل اللّسان، وأمّا الحقیقۀ اللغویۀ بأنْ تکون هی الموضوع
له، فلا یثبت، لإمکان کونه منقولًا لغۀً.
وإذا کانت ألفاظ الکتاب والسنّۀ ملقاة إلی العرف وأهل اللّسان، والمعانی المنسبقۀ منها محمولۀ علی الحقائق العرفیّۀ، فکیف یثبت أن
هذه المعانی المنسبقۀ هی نفس ما کان ینسبق من الألفاظ فی زمن الصّدور؟
قد یتمسّک لإثبات إتّصال الظهور الفعلی بزمن المعصوم، بالاستصحاب القهقرائی وأصالۀ عدم النقل.
لکن فیه: إن الإستصحاب الذي هو أصل عملی، له رکنان، أحدهما الیقین السابق والآخر الشک اللّاحق، وهذا المورد بالعکس، فلا
تشمله أدلّۀ الإستصحاب.
فقیل: نستصحب الظهور- لا عدم النقل- ونقول: هذا اللّفظ ظاهر الآن فی المعنی الکذائی بحکم التبادر، فنستصحبه قهقرائیاً حتی زمن
الإمام علیه السلام، فیکون ظاهراً فی معناه تارةً بالوجدان واخري بالتعبّد.
وفیه: إنّه لا ریب فی أنّ الظهور هو موضوع ترتیب الأثر عند العقلاء، وأنّ الشارع قد أمضی هذه السیرة العقلائیّۀ، إلّاأن المهم هو
تشخیص هذا الظهور، وأنّه الظهور الأعم من الوجدانی والتعبّدي أو الظهور الوجدانی فقط؟
إنه لا شک فی أن الظهور الذي هو الموضوع فی السیرة العقلائیۀ لترتیب
ص: 182
الآثار هو الظهور الوجدانی، وهذا هو الذي أمضاه الشارع، لکن الإستصحاب لا یفید إلّاالظهور التعبّدي، فلا مجال لجریانه فی المقام.
إذن، سقط التمسّک بالإستصحاب مطلقاً.
لکنّ الأصل العقلائی فی أصالۀ عدم النقل، لا یمکن إنکاره، أي: أن دیدن العقلاء هو أنهم متی رأوا کلمۀً ظاهرةً فی معنی، حملوها
علی هذا المعنی فی سائر الأزمنۀ، ولا یحتملون تبدّل المعنی فیه، والشارع المقدَّس قد أمضی هذه السّیرة، وبذلک أمکن دعوي ظهور
الکلمۀ فی ذلک المعنی فی زمان الأئمۀ علیهم السلام.
إلّاأن المشکلۀ هی: أنّ هذا الوجه- المعبَّر عنه بأصل تشابه الأزمنۀ- لإثبات عدم النقل، أخصّ من المدّعی، وذلک لأنه وإن کان
مقتضی الأصل عندهم تقدیم الظهور العرفی علی الظهور اللّغوي، وکذا تقدیم العرف الخاص- کالحقیقۀ الشرعیّۀ- علی العرف العام،
ولکن قد یقع التعارض بین المعنی العرفی الثابت عن الطریق المذکور وبین المعنی اللّغوي الثابت عن طریق تنصیص أئمۀ اللّغۀ أو عن
طریق التتبّع لموارد استعمال الکلمۀ، ففی هذه الصورة لا یوجد سیرة علی تقدیم المعنی الحقیقی العرفی استناداً إلی تشابه الأزمنۀ.
فتنحصر فائدة الأصل العقلائی المذکور بموارد عدم المخالفۀ بین الظهور العرفی والظهور اللّغوي.
هذا أوّلًا.
وأمّا ثانیاً: فإن الظاهر أنّ هذه السیرة العقلائیۀ لیست تعبّدیۀ، وإنما قامت السیرة علی حمل الألفاظ علی معانیها الظاهرة فیها- استناداً
إلی الأصل
ص: 183
المذکور- عند اطمئنانهم بعدم النقل، ولذا فإنهم یتوقّفون بمجرّد احتمال کون معنی اللّفظ فی بعض الأزمنۀ السابقۀ مخالفاً لما هو الآن
ظاهر فیه.
هذا، والتحقیق فی خصوص الروایات الواردة عن الأئمۀ الطاهرین علیهم السلام جریان أصالۀ عدم النقل فیها، لخصوصیۀٍ فیها، وهی إن
علماء الامۀ قد نقلوا هذه الروایات فی مختلف الطبقات، ولم یختلفوا فی المعانی الظاهرة فیها، ونحن یمکننا التمسّک بأصالۀ عدم
النقل إلی زمن الشیخ الأنصاري مثلًا، وقد رأینا أنّه یحمل ألفاظ الروایات علی ماهی ظاهرة فیه الآن، ومن زمنه إلی زمن الشیخ
المجلسی، ثم من هذا الزمان إلی زمان العلّامۀ مثلًا، وهکذا إلی زمن الشیخ، والکلینی، وحتی زمن الأئمۀ، وفی کلّ طبقۀ نراهم
صفحۀ 98 من 205
یستظهرون من ألفاظ الأخبار نفس مانستظهره نحن الآن.
فالمتبادر من هذه الألفاظ فی جمیع القرون والطبقات واحد.
إذن، لا توجد عندنا مشکلۀ فی خصوص الروایات المشتهرة والمنقولۀ فی الکتب، عن أئمۀ العترة الطاهرة.
هذا تمام الکلام علی التبادر.
وهل عدم التبادر علامۀ للمجاز؟
قیل: نعم.
وقیل: تبادر الغیر علامۀ المجاز.
قال شیخنا دام ظلّه: أما عدم التبادر فالصحیح أنه لیس علامۀ للمجاز، لعدم تبادر أحد معانی اللّفظ المشترك مع أنه حقیقۀ فی کلّها.
وأما تبادر الغیر فکذلک، إذ من الممکن أنْ یغلب استعمال اللّفظ المشترك فی أحد المعنیین أو المعانی، فیتبادر ذلک المعنی منه،
والمفروض کونه مشترکاً قد وضع له
ص: 184
ولغیره معاً.
وخلاصۀ البحث فی التبادر فی خطوط:
-1 إن التبادر عند أهل اللّسان هو العلّۀ، لأنه معلول للعلم بالوضع، وهم عالمون بالوضع.
أما التبادر عند المستعلم فهو مبتلی بإشکال الدور وغیره.
-2 والمتبادر هو المعنی الحقیقی عند العرف العام.
-3 والدلیل الصحیح علی ذلک هو السیرة العقلائیّۀ.
-4 فلا کشف إنّی، بل إن السیرة تکون حجّۀً عقلائیّۀ علی المعنی الحقیقی.
-5 لکنْ المعنی الحقیقی الموضوع له اللّفظ بالوضع التعیّنی لا التعیینی.
-6 وبشرط أنْ لا یحتمل الإستناد إلی القرینۀ العامّۀ التی یصعب نفیها، بخلاف القرینۀ الخاصۀ، فإن نفیها سهل.
-7 إنما الکلام فی اتّصال هذه السیرة إلی زمن المعصوم وعدم ردعه عنها، فالإستصحاب لا یجري أو لا یفید.
-8 بل الصحیح إنّه أصل عقلائی، لکنه مشروط بشرطین، أحدهما:
حصول الإطمینان بعدم النقل، والآخر: عدم المعارضۀ من ناحیۀ اللّغۀ.
-9 وعدم التبادر لیس علامۀً للمجاز، وکذا تبادر الغیر.
-10 وإنّه لا مشکلۀ عندنا فی خصوص الروایات عن المعصومین علیهم السلام، من جهۀ أصالۀ عدم النقل بالتقریب الذي قدّمناه، لکن
تبقی مشکلۀ احتمال وجود القرینۀ، لسببین:
أحدهما: التقطیع الواقع فی الروایات، فإنه ربما یورث الشک فی
ص: 185
جریان الأصل المذکور، لأنه قد یؤدّي إلی وقوع الفصل بین القرینۀ وذي القرینۀ أو ضیاعها، ومع وجود هذا الإحتمال فی الروایات
کیف یتمّ الظهور فیها واستنباط الحکم الشرعی منها؟
والثانی: ضیاع کثیرٍ من روایات أصحابنا عن الأئمۀ الأطهار، ککتب ابن أبی عمیر، فإذا احتملنا اشتمالها علی قرائن لهذه الروایات
الموجودة بین أیدینا، کیف یتمّ ظهور هذه فی معانیها لتکون مستنداً للأحکام الشرعیۀ؟
أمّا الأمر الأوّل، فیمکن حلّ المشکل من جهته، بأن العلماء قد جمعوا الروایات، وأرجعوها إلی أحوالها السابقۀ بضمّ بعضها إلی البعض
صفحۀ 99 من 205
الآخر.
ویبقی الأمر الثانی، ولابدّ من التأمّل فیه!
ص: 186
3 صحّۀ الحمل وعدم صحّۀ السّلب … ص: 186 -2
قالوا: إن صحۀ الحمل وعدم صحۀ السلب علامتان للحقیقۀ، وعدم صحۀ الحمل وصحۀ السلب علامتان للمجاز.
وتوضیح ذلک:
إن الحمل علی ثلاثۀ أقسام: حمل هو هو، حمل ذو هو، الحمل الاشتقاقی، مثال الأول: زید إنسان، والثانی: الجدار ذو بیاض، والثالث:
الجدار أبیض.
وفی تقسیم آخر- وهو المقصود هنا-: ینقسم الحمل إلی قسمین:
-1 الحمل الأوّلی.
-2 الحمل الشائع الصناعی.
ولابدَّ فی کلّ حملٍ من وحدة بین الموضوع والمحمول من جهۀٍ، ومن تغایرٍ بینهما من جهۀٍ اخري، ففی الحمل الأوّلی الذاتی یکون
وباللّحاظ التفصیلی هو « الإنسان » الإتحاد بینهما فی المفهوم والتغایر بالإعتبار، مثل قولنا: الإنسان حیوان ناطق، فباللّحاظ الإجمالی هو
أما فی الحمل الشائع، فالإتحاد بینهما یکون فی المصداق، والتغایر فی المفهوم، کقولنا: زید إنسان. .« الحیوان الناطق »
والحمل بکلا قسمیه علامۀ للحقیقۀ، أمّا فی الحمل الأوّلی: فإنا إذا جهلنا معنی اللّفظ، نجعله محمولًا للّفظ الذي نعلم بمعناه، فإن صحّ
الحمل
ص: 187
من دون قرینۀ فی البین، ظهر کون الموضوع والمحمول فی تلک القضیّۀ بمعنی واحد، وتبیّن المعنی الموضوع له المحمول.
فرد لطبیعۀٍ من الطبائع، وکان جهلنا فی أن تلک الطبیعۀ هی طبیعۀ « زید » وأمّا فی الحمل الشائع فتقریب الإستدلال هو: أنا لمّا علمنا بأنّ
فرد من هذه الطبیعۀ. « زید » فإنْ صحّ الحمل ظهر أن ،« زید » علی « الإنسان » الإنسان أو طبیعۀ اخري، فحینئذٍ نحمل
* وقد أورد فی (المحاضرات) أمّا علی الحمل الأوّلی فبما ملخّصه:
إن المستعمل یري قبل الحمل الإتحاد بین الموضوع والمحمول، لأنه یتصوّرهما بالتفصیل، فالمعنی الحقیقی منکشف عنده ولا جهل
له به لیرتفع بالحمل، فصحّۀ الحمل لا تکون من أمارات کشف المعنی الحقیقی.
هو الإخبار وإفهام الغیر، فالإشکال « الإنسان حیوان ناطق » وأجاب عنه شیخنا فی الدورة السابقۀ: بأنه إن کان الغرض من الحمل فی
وارد، لأن المخبر لابدّ وأن یکون عالماً بمعنی کلامه، ولکنْ قد یکون الغرض من الحمل استکشاف الاتّحاد بین الموضوع والمحمول،
بأنْ تکون فائدة الحمل تبدّل العلم الإرتکازي بالوضع الموجود عند المستعلم إلی العلم التفصیلی، کما کان الحال فی التبادر، حیث
رأي أن المعنی ینسبق إلی ذهنه من حاقّ اللّفظ من غیر استنادٍ إلی قرینۀٍ، فأصبح علمه الإرتکازي بالمعنی علماً تفصیلیّاً، کما ذکر
المستشکل نفسه فی مبحث التبادر، وعلی هذا، فالإشکال غیر وارد.
* وأورد علیه فی (المحاضرات) أیضاً: بأن مقام الحمل یکشف عن المفاهیم بما هی مفاهیم، وعن المصادیق بما هی مصادیق، ولا
ربط له بالمستعمل فیه حتی یکون علامۀً علی المعنی الحقیقی، فالحمل الأوّلی
ص: 188
یحمل فیه المفهوم علی المفهوم بما هما مفهومان، ویشهد بذلک وجود الحمل عند غیر المتمکّن من التلفّظ، فإن الأخرس یري مفهوم
صفحۀ 100 من 205
وهو مفهوم إجمالی، ثم یحمل هذا علی ذاك ویحکم بالإتحاد. فالحمل « الإنسان » وهو مفهوم تفصیلی، ویري مفهوم « الحیوان الناطق »
الأوّلی یکشف عن الإتحاد بین المفهومین، وبحث الحقیقۀ والمجاز إنما یکون فی عالم الإستعمال بالنظر إلی المستعمل فیه بما هو
مستعمل فیه.
زید » : وقولنا « زید إنسان » : وأما فی الحمل الشائع، فإن هذا القسم من الحمل ینتج کون هذا مصداقاً لذاك أو لیس بمصداقٍ له، کقولنا
وهذا لا علاقۀ له بالمستعمل فیه اللّفظ، سواء کان حقیقۀً أو مجازاً. ،« لیس بجماد
وهذا الإشکال قد ذکره الاستاذ فی الدورة السابقۀ، وأجاب عنه بما ذکره المحقّق الإصفهانی فی کتاب (الاصول علی النهج الحدیث)
من أن الحمل یکشف عن الإتحاد المفهومی- کما فی الأوّلی- أو الوجودي- کما فی الشائع ولکنْ ربما یحصل منه المعنی الحقیقی
فی حال کون المحمول مجرّداً عن القرینۀ. وأوضحه شیخنا بأنّا لا ندّعی أن مطلق الحمل یکشف عن المعنی الحقیقی، بل هو فیما إذا
کان اللّفظ فانیاً فی المعنی ومحمولًا علی الموضوع بلا قرینۀٍ، فإنّه حینئذٍ یکشف عن المعنی الحقیقی.
أمّا فی الدورة اللّاحقۀ، فقد أورده، وبه أسقط صحّۀ الحمل عن کونه علامۀً، والظاهر أنّ هذا هو الصحیح، فإنی لا أري کلامه المزبور
وافیاً بالجواب.
وأسقط شیخنا هذه العلامۀ فی الدورة السابقۀ- بعد الجواب عمّا أورد علیها- بأن القابل للإستدلال هو الحمل الشائع، لکنه- کما قال
المحقق الإصفهانی- یرجع إلی التبادر، ولیس علامۀً غیره.
ص: 189
-4 الإطّراد … ص: 189
ولیس المراد منه کثرة الإستعمال وشیوعه، فإن ذلک موجود فی المجاز المشهور أیضاً، بل المراد- کما ذکر المحقق الإصفهانی،
ولعلّه خیر ما قیل فی المقام- هو: إطلاق اللّفظ بلحاظ معنیً کلّی علی مصادیق وإطّراده- أي الإطلاق علیها مع اختلاف أحوالها وتغیّر
بلحاظ « زید » یصح اطلاقه علی « العالم » الخصوصیّات فیها، فإنه یکشف عن کون المعنی هو الموضوع له اللّفظ حقیقۀً، فمثلًا: لفظ
وغیرهما، مع ما هناك من الإختلاف بین هؤلاء فی الخصوصیّات والأحوال، فلما رأینا « بکر » و « عمرو » کونه متّصفاً بالعلم، وکذا علی
فکان الإطراد علامۀً للحقیقۀ، ،« من قام به العلم » هو « العالم » صحّ ۀ هذا الإطلاق واطّراده فیهم، علمنا أنّ المعنی الموضوع له لفظ
بلحاظ وجود الأمر الکلّی فیهم وهو « بکر » و « عمرو » و « زید » وبین « الحیوان المفترس » فإنّه یتفاوت اطلاقه بین « الأسد » بخلاف لفظ
فهو فی الرجل الشجاع مجاز لعلاقۀ المشابهۀ. ،« الشجاعۀ »
وعلی الجملۀ، فإنّ إنطباق اللّفظ علی المصادیق علی حدّ سواء- المعبَّر عنه بالإطّراد- لا یکون إلّالعلقۀٍ بین اللّفظ والمعنی، وبما أنه لا
توجد علقۀ مجازیّۀ مطّردة، فالصّدق علی الأفراد باطّراد هو من جهۀ العلقۀ الوضعیّۀ، فهو کاشف عن المعنی الحقیقی.
ص: 190
وقد وقع هذا التفسیر للإطّراد وعدمه موقع الإشکال، من جهۀ أنّ عدم الإطّراد فی طرف المجاز إنّما هو لقصور المقتضی، فمثلًا: فی
لیصح الإعتماد علیها فی کلّ استعمال، وفی علاقۀ السببیّۀ- « جزءٍ » فی کلّ « کلّ » علاقۀ الکلیّۀ والجزئیّۀ، لم یرخّص فی استعمال کلّ
مثلًا- لیس کلّ سببیّۀ ومسبّبیۀ بمصحّحۀ للإستعمال، فالأب سبب لوجود الابن، إلّاأن إطلاق الأب علی الابن أو بالعکس- اعتماداً علی
تلک العلقۀ الموجودة بینهما- غیر صحیح…
وهکذا سائر العلائق … فالعلقۀ المصحّحۀ للاستعمال محدودة، وهذا هو السبب لعدم الإطّراد، فلیس عدم الإطّراد علامۀً للمجاز.
فقالوا: بأنَّ شیوع الإستعمال علی وجه الحقیقۀ وبلا تأویلٍ علامۀ « علی وجه الحقیقۀ » أو « بلا تأویل » ولرفع هذا الإشکال أضافوا قید
الحقیقۀ.
صفحۀ 101 من 205
إلّاأنّه مستلزم للدور، لأنّ الإطّراد علی وجه الحقیقۀ موقوف علی العلم بالوضع، والمفروض أنّ العلم بالوضع متوقف علی الإطراد علی
وجه الحقیقۀ.
ولا یندفع ذلک بما تقدّم فی التبادر فی دفع الدور بالاختلاف بالإجمال والتفصیل، لأنّ العلم الإجمالی بوجود العلامۀ للحقیقۀ لا فائدة
له للکاشفیّۀ عن المعنی الحقیقی.
وکیف کان، فإنه یرد علی تقریب الإطّراد بما ذکر:
أوّلًا: بالنقض بالمجاز المشهور، فإنه عبارة عن شیوع استعمال اللّفظ واطّراده فی المعنی المجازي، بحیث یکون مانعاً عن تبادر المعنی
مثلًا فی لسان الشارع. فما ذکر إنما یتم فی سائر المجازات دون المجاز « الطهارة » الحقیقی مجرّداً عن القرینۀ إلی الذهن، کلفظ
المشهور.
ص: 191
وثانیاً: إن ماذکر إنما یتمّ فیما لو کان مصحّح الإستعمال عبارة عن العلائق المقرّرة فی فنّ البلاغۀ، لکن مسلک المتأخّرین أن صحۀ
الإطلاق المجازي یدور مدار الإستحسان الذّوقی، ولذا، فقد لا تطرّد العلاقۀ ویکون الإستعمال المجازي مطّرداً بحسب الذوق السلیم.
وقال السید البروجردي فی تقریر الإطراد- بناءً علی مسلک السکّاکی-، بأنّه دلالۀ اللّفظ علی المعنی وعدم تخلّفه عنها فی أيّ ترکیبٍ
فإنّا نري صحّۀ ،« الرجل الشجاع » بخلافه فی « الحیوان المفترس » بالنسبۀ إلی « الأسد » وقع وبانضمام أيّ لفظٍ کان، کما هو حال لفظ
وندّعی کونه حقیقۀً فیه، لکن لا یصحّ ذلک فی کلّ مورد، فلا یقال مثلًا: کُل هذا الطّعام یا أسد. « زید أسد » قولنا
فملاك الحقیقۀ فی الإطراد: صحّۀ استعمال اللّفظ فی کلّ ترکیب وهیئۀ، بخلاف المجاز، فإنّه وإنْ اطّرد استعمال اللّفظ فیه، لکن لا
یصح فی کلّ موردٍ، کما فی المثال المذکور.
وأورد علیه شیخنا:
أوّلًا: بأنّ مآله إلی کلام المحقّق الإصفهانی، وماذکره المحقق القمی، من أن علاقۀ السببیّۀ مثلًا قد تکون موجودة ولا یصح الإستعمال
استناداً إلیها، کما بین الأب والابن.
موضوع للرجل الشجاع، لا فی کلّ ترکیبٍ وسیاق، بل مقیّداً « الأسد » وثانیاً: بأنّ من الممکن أنْ یقال- بناءً علی ماذکره-: لفظ
بخصوصیّات، وعلیه، فیکون عدم الإطراد ناشئاً من هذا التقیید فی الوضع، فلا یکون علامۀً.
ص: 192
خلاصۀ البحث فی العلائم … ص: 192
اشارة
وتلخّص: إنّ ما یمکن أن یکون علامۀً هو التبادر عند أهل اللّسان فقط، علامۀ عقلائیۀ، وبالسیرة غیر المردوعۀ شرعیّۀ، مع لحاظ
النقاط المذکورة فیه.
هذا، وإنّ الأخذ بعلائم الحقیقۀ والمجاز والاستفادة منها عمل اجتهادي للوصول إلی المعنی الحقیقی الموضوع له اللّفظ متی وقع
مثلًا، فإنه لیس قالباً للرجل الشجاع بل « الأسد » الجهل به، إلّاأن المطلوب فی هذا البحث هو قالبیّۀ اللّفظ للمعنی وعدمها، کما فی لفظ
للحیوان المفترس، فإذا قصد المتکلّم منه الرجل الشجاع احتاج إلی إقامۀ القرینۀ، وعلیه:
فإن کان اللّفظ قالباً للمعنی دالّاً علیه منسبَقاً منه بلا قرینۀ، فذاك المعنی هو المعنی الحقیقی عند أهل اللّسان، فلو تکلّم المتکلّم
وتردّدنا فی أنه هو المقصود أو غیره، فلا ریب فی وجوب حمل کلامه علیه، إذ المفروض کونه المعنی المنسبق منه إلی الذهن بلا
صفحۀ 102 من 205
قرینۀ.
وأمّا مع احتمال وجود القرینۀ، أو وجود شیء یحتمل القرینیّۀ، فهنا مسلکان:
أحدهما: إنّ أصالۀ الحقیقۀ حجّ ۀ تعبّدیّۀ، وعلیه، فلا یضرّ احتمال وجود القرینۀ، بل اللّفظ یحمل علی معناه الحقیقی المنکشف
بالتبادر.
والآخر: إن أصالۀ الحقیقۀ حجّۀ من باب إفادة الظهور العرفی، وهذا هو
ص: 193
المختار، وعلیه، فلا مناص من نفی احتمال وجود القرینۀ أو قرینیّۀ الموجود، حتی ینعقد الظهور، ولا مجال لنفی الإحتمال
بالإستصحاب، بأنْ نتمسّک باستصحاب عدم وجود القرینۀ أو باستصحاب العدم الأزلی لنفی قرینیّۀ الموجود، لأنّ المطلوب هو الظهور
العرفی، وهو موضوع الأثر فی بناء العقلاء غیر المردوع عنه شرعاً، وهو لازم عقلی لکلا الإستصحابین، فالأصل مثبت.
وحینئذٍ، ینحصر الأمر بالرجوع إلی بناء العقلاء، وهو علی التوقّف فی حال وجود ما یتحمل کونه قرینۀً تحفُّ بالکلام، وعلی عدم
الإعتناء باحتمال وجود القرینۀ.
هذا، ولا یخفی أنّ هذا البحث کلّی. أمّا فی خصوص ألفاظ الروایات فالأمر مشکل جدّاً علی کلا المسلکین، لعلمنا بضیاع کثیر من
الکتب ووقوع التقطیع فی نصوص الأخبار وغیر ذلک من العوارض، وکذا الکلام فی الأحادیث النبویّۀ، إذ لاریب فی تحریف الیهود
وغیرهم لکثیر من الأحادیث ودسّهم فیها ما لیس منها، ومع هذه الأحوال کیف یستند إلی الأصل المذکور فی فهم معانی الألفاظ
الواردة فی تلک النصوص؟
هذا تمام الکلام فیما یتعلّق بعلائم الحقیقۀ والمجاز، وطرق کشف المعنی الحقیقی وتمییزه عن المعنی المجازي.
تتمیم … ص: 193
فإنْ تمیّز المعنی الحقیقی عن المجازي وشک فی الإرادة الإستعمالیۀ، بأنْ دار الأمر فی الکلام بین حمله علی هذا أو ذاك، فهل من
أصلٍ یرجع إلیه؟ قیل: إن مقتضی الأصل أن یکون الإستعمال علی الحقیقۀ، وقیل:
ص: 194
الإستعمال أعمّ من الحقیقۀ، وهذا هو الصحیح، فلا یجوز حمل الکلام علی المعنی الحقیقی لمجرّد کونه مستعملًا، سواء فی ألفاظ
الکتاب أو السنّۀ أو غیرهما.
وإنْ تمیّز أحدهما عن الآخر وشک فی الإرادة الجدیّۀ، تمسّ کوا بأصالۀ الجدّ، وبه نفوا احتمال کونه هازلًا أو کونه فی مقام الإمتحان
وغیر ذلک.
إلّاأنه یتوقف علی نفی احتمال وجود قرینۀٍ منفصلۀٍ مانعۀ عن الحمل علی الإرادة الجدیّۀ، ونفیه بالإستصحاب لا یجدي، فالمرجع بناء
العقلاء.
والتحقیق: إن بناء العقلاء فی کلام کلّ متکلّمٍ کان من دأبه بیان مقاصده بالتدریج، هو الفحص عن القرینۀ المانعۀ عن الظهور، فإن لم
یعثروا علیها بنوا علی أصالۀ الجدّ، ومن کان دأبه بیانها دفعۀً تمسّکوا فی کلامه بالأصل المذکور بلا فحص عن القرینۀ.
ص: 195
تعارض الأحوال … ص: 195
اشارة
صفحۀ 103 من 205
ص: 197
ذکروا للّفظ أحوالًا: کالإشتراك، والتجوّز، والنقل، والتخصیص، والإضمار، والنسخ، والإستخدام…
وذلک، لأن اللّفظ ینقسم إلی أقسامٍ عدیدةٍ، فمن حیث کون المعنی الموضوع له واحداً أو أکثر، ینقسم إلی المشترك وغیر
المشترك، ومن حیث الإستعمال فی معناه وغیر معناه، ینقسم إلی الحقیقۀ والمجاز، ومن حیث الإضمار فی الإسناد وعدم الإضمار،
ینقسم إلی المضمر وغیر المضمر، ومن حیث طروّ النقل علی المعنی، ینقسم إلی المنقول وغیر المنقول، ومن حیث کون المعنی مقیّداً
أو غیر مقیَّد، ینقسم إلی المطلق والمقیَّد، وهکذا.
ولدوران الأمر صورتان:
الصورة الاولی …: ص: 197
أنْ یدور أمر اللّفظ بین کلّ من المتقابلین، کأن یدور بین الإطلاق والتقیید، أو بین الحقیقۀ والمجاز، ونحو ذلک، ففی هذه الصورة
لابدّ من أصلٍ أو قاعدةٍ یرجع إلیها:
فإن دار الأمر بین الإشتراك وعدمه، بأنْ یکون اللّفظ موضوعاً لمعنیً خاصّ ۀً أو له ولغیره معاً بنحو الإشتراك لیکون حقیقۀً فیهما، فلا
مجال لأصالۀ الحقیقۀ، لأنها المرجع لتمییز الحقیقۀ عن المجاز، والمفروض أنْ لا مجاز فی البین، کما لامجال للأصل العملی
کالإستصحاب، لکونه أصلًا مثبتاً، بل
ص: 198
المرجع هو بناء العقلاء، فإن قام علی حمل الکلام علی الإختصاص دون الإشتراك فهو، وإلّا فلا أصل یرجع إلیه. قال المحقق العراقی
بوجود هذا البناء عندهم، والتحقیق خلافه، بل نجدهم فی مثل ذلک یتوقّفون.
ولو دار الأمر بین الحقیقۀ والمجاز، فلا شبهۀ فی تحکیم أصالۀ الحقیقۀ.
ولو دار الأمر بین الإضمار وعدمه، فلا ریب فی البناء علی عدم الإضمار.
ولو دار الأمر بین الإطلاق والتقیید، فبناء العقلاء علی الإطلاق بلا کلام، فإن فرض وجود محتمل القرینیّۀ لم یضرّ بالتمسّک بالإطلاق
بناءً علی حجیّۀ أصالۀ الإطلاق من باب التعبّد، أمّا بناءً علی حجیّۀ أصالۀ الإطلاق من باب إفادة الظهور، فلا یندفع الإحتمال بالتمسّک
به لینعقد الظهور، وحیث أن الحق هو هذا المبنی، فمع وجود محتمل القرینیّۀ لابدّ من التوقّف.
ولو دار الأمر بین النقل وعدمه، بأنْ یکون اللّفظ ظاهراً فی المعنی الآن ویشک فی ظهوره فیه فی الزمان السابق، أو یکون بالعکس،
فبناء العقلاء علی عدم النقل، إمّا علی الإطلاق کما علیه سائر العلماء، وإمّا مقیّداً بحصول الإطمینان کما هو المختار عند الاستاذ.
فإنّ علم بوقوع النقل، فتارةً یجهل بتاریخ الإستعمال وتاریخ النقل معاً، بأن استعمل اللّفظ فی معنیً وعلم بنقله عنه، ثم لم یعلم أیّهما
المقدّم، واخري یکون تاریخ الإستعمال معلوماً وتاریخ النقل مجهولًا، وثالثۀ عکس الثانیۀ.
قال المحقق العراقی فی الصورة الاولی بوجود البناء العقلائی علی عدم
ص: 199
النقل، وفی الثانیۀ والثالثۀ بالتوقّف.
فقال شیخنا بأنّهم یتوقّفون فی جمیع الصور الثلاثۀ.
الصورة الثانیۀ …: ص: 199
صفحۀ 104 من 205
فی دوران الأمر بین الأحوال.
وقد ذکر العلماء وجوهاً لتقدیم البعض علی الآخر، لکن الحق- کما ذکر المحقق الخراسانی- أن تلک الوجوه کلّها خطابیّۀ
استحسانیۀ.
فالتحقیق: متابعۀ الظهور أینما حصل، وإلّا فالکلام مجمل.
بین الإشتراك، فیکون حقیقۀً فی المعنی اللّغوي والمرکّب الشرعی- « الصلاة » مثلًا: لو دار الأمر بین الإشتراك والنقل، کأن یتردّد لفظ
الطواف بالبیت » : بناءً علی الحقیقۀ الشرعیّۀ- وبین النقل عن معناه اللّغوي إلی المرکّب الشرعی، فإنْ کان مشترکاً بین المعنیین کان
ونحوه مجملًا، وإنْ کان منقولًا، حکم بلزوم الطهارة للطواف. « صلاة
«1» « وَلَا تَنکِحُواْ مَا نَکَحَ آبَاؤُکُم » : أو دار الأمر بین الإشتراك والتخصیص، کما فی قوله تعالی
فعلی الإختصاص تکون معقودة الأب- ولو بدون الدخول ،« العقد » أو مختصّاً ب « العقد » و « الوطء » مشترکاً بین « النکاح » لو کان لفظ
موضوعاً للحرمۀ، أما علی الإشتراك فیشکّ فی تحقّق موضوع الحرمۀ.
مشترکۀ بین الظرفیّۀ والسببیّۀ، فإنّه یتردّد « فی » فإن کانت « فی خمسٍ من الإبل شاة » : أو دار الأمر بین الإشتراك والإضمار فی مثل
أمّا علی السببیّۀ فلا یلزم، بل الواجب إعطاء نفس الشّاة. ،« مقدار » أو مقدار الشاة، لأنه علی الظرفیّۀ یلزم إضمار کلمۀ « الشاة » الحکم بین
__________________________________________________
(1)
. سورة النساء: 22
ص: 200
.«1» « وَالْمُطَلَّقَاتُ یَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَۀَ قُرُوَءٍ … وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ » : أو دار الأمر بین العموم والإستخدام کما فی قوله تعالی
وعلی الجملۀ، فما ذکروه من الوجوه للترجیح کلّه ظنّی، والظنّ لا یغنی من الحقّ شیئاً، ما لم یصل اللّفظ إلی حدّ القالبیّۀ للمعنی.
__________________________________________________
. 1) سورة البقرة: 228 )
ص: 201
الحقیقۀُ الشرعیّۀ … ص: 201
اشارة
ص: 203
مقدّمات … ص: 203
قبل الورود فی البحث:
هل هذا البحث من المسائل الاصولیّۀ أو من المبادئ التصدیقیّۀ لعلم الاصول؟
قال المحقق الإصفهانی بالثانی.
والتحقیق هو الأوّل، وذلک لأن المسألۀ الاصولیّۀ عبارة عن المسألۀ التی تقع نتیجتها فی طریق استنباط الحکم الشرعی، فإذا ثبتت
الحقیقۀ الشرعیّۀ فإن الألفاظ تحمل علی المعانی الشرعیّۀ المستحدثۀ من قبله لا محالۀ، وإلّا فإنّها تحمل علی المعانی اللّغویۀ کما تقرر
صفحۀ 105 من 205
عندهم، فالبحث عن الحقیقۀ الشرعیّۀ هو فی الحقیقۀ بحث عن الظهور، کما أن البحث عن دلالۀ الأمر علی الوجوب یرجع إلی البحث
عن الظهور، فیکون من المسائل الاصولیّۀ.
نعم، لو کان البحث عن حجیّۀ الظواهر، کان البحث عن الحقیقۀ الشرعیّۀ من المبادي، لکن المفروض وقوع البحث عن الحقیقۀ
الشرعیّۀ بعد الفراغ عن کبري حجیّۀ الظواهر؛ فإذا ثبتت الحقیقۀ الشرعیّۀ وجب حمل ألفاظ الشارع علی معانیها الشرعیّۀ- دون اللّغویۀ-
واستنبط الحکم الشرعی منها، فهی مسألۀ تقع نتیجتها فی طریق الإستنباط.
ص: 204
ویتمّ البحث عن الحقیقۀ الشرعیّۀ بالکلام فی جهات، وقبل الدخول فیه نقول:
ونحو ذلک. ومنها: ،« الخمر حرام » و ،« الماء طاهر » أوّلًا: إن موضوعات الأحکام الشرعیۀ منها: موضوعات خارجیّۀ، کالماء والخمر، فی
وهکذا. ومنها: ما عبَّر عنه الشهید الأوّل- رضوان ،«1» « أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ » : والبیع فی ،« الصلح جایز » : موضوعات اعتباریّۀ، مثل ال ّ ص لح فی
اللَّه علیه- بالماهیّات المخترعۀ، کالصّلاة والحج والصّوم والإعتکاف، وأمثال ذلک.
ثانیاً: المقصود فی البحث هو التحقیق عن أنّه هل للشارع وضعٌ واختراع فی التّسمیۀ أو لا، سواء کانت المعانی مخترعۀ منه أو غیر
مخترعۀ، فلا یختصّ البحث بالماهیّات المخترعۀ، وإن کانت هی مورد البحث وعنوانه عندهم.
وثالثاً: لا إشکال فی جریان البحث فی ألفاظ العبادات، إنما الکلام فی جریانه فی ألفاظ المعاملات مع کون الأدلّۀ الشرعیۀ فیها إمضاءً
لما هو فی بناء العقلاء، وأنها لیست تأسیسیّۀً، إلّاأنه لمّا کان الشارع قد اعتبر فی المعاملات خصوصیّاتٍ زائدةً علی ماهو المعتبر عند
العقلاء، وأنّ هذه المعانی مع تلک الخصوصیّات قد انسبقت إلی الأذهان فی بعض الأزمنۀ، فلا مانع من وقوع البحث حولها من حیث
أنّ ألفاظ المعاملات موضوعۀ لمعانیها بدون الخصوصیّات أو معها.
فالتحقیق جریان البحث فی ألفاظ المعاملات أیضاً.
__________________________________________________
(1)
. سورة البقرة: 275
ص: 205
وبعد:
فإنه وإنْ وقع البحث من عدّةٍ من الأعیان حول القسم الثانی من الموضوعات، کالبیع والصلح ونحوهما فی أنه هل للشارع فیها وضع أو
لا، لکن القسم الثالث- وهو الموضوعات المخترعۀ- هو مطرح البحث عند الکلّ، فهل له فیها وضع أو لا؟
والوضع- کما هو معلوم- إمّا تعیینی وإمّا تعیّنی، والتعیینی ینقسم إلی القولی والفعلی.
أمّا أنْ یکون للشارع وضع تعیینی قولی بالنسبۀ إلی موضوعات الأحکام، فهذا ممّا نقطع بعدمه، لأنه لو کان لنقل إلینا متواتراً.
اسماً لهذا الولد « الحسن » وأمّا أن یکون له وضع تعیینی بالفعل، کأنْ یولد له ولد فیقول: إیتونی بولدي حسن، بأنْ یتحقق وضع لفظ
علی هذه العبادة بنفس هذا « الصلاة » بأنْ یقال بأنه قد وضع اسم « صلّوا کما رأیتمونی أصلّی » : بنفس هذاالکلام، وکما فی الحدیث
الإستعمال … فهل هو ممکن أو لا؟ وهل هو واقع؟ فالکلام فی مقامین:
ص: 206
-1 الکلام فی تحقّق الوضع بالاستعمال … ص: 206
اشارة
صفحۀ 106 من 205
أمّا فی المقام الأوّل، فقد ذهب المحقق الخراسانی إلی إمکان تحقّق الوضع بالإستعمال، إلّاأنه یحتاج إلی قرینۀٍ تفید کونه فی مقام
الوضع بواسطۀ الإستعمال، قال: وهذا الإستعمال لیس بحقیقۀٍ ولا مجاز، أمّا أنه لیس بمجازٍ، فلأنّ الإستعمال المجازي مسبوقٌ بالوضع
للمعنی الحقیقی، فتقام القرینۀ لإفادة المعنی المجازي، والمفروض هنا صیرورة اللّفظ حقیقۀً بنفس الإستعمال، وأمّا أنه لیس بحقیقۀٍ،
فکذلک، لأنّ الإستعمال الحقیقی فرع للوضع، والمفروض تحقّق الوضع بهذا الإستعمال. هذا، ولا مانع من أنْ یکون اللّفظ غیر متّصف
بالحقیقۀ ولا بالمجاز، لوجود نظائر له، کما فی استعمال اللَّفظ وإرادة شخص اللّفظ.
اشکال المیرزا علی المحقق الخراسانی … ص: 206
فأورد علیه المحقق النائینی بأنّ تحقّق الوضع بالإستعمال غیر ممکن، لأنّ مقام الوضع یستدعی لحاظ کلّ من اللّفظ والمعنی باللّحاظ
الإستقلالی حتی توجد العلقۀ الوضعیّۀ بینهما، أمّا مقام الإستعمال فمتقوّم بلحاظ اللّفظ باللّحاظ الآلی، لکونه فی هذا المقام طریقاً
ومرآةً للمعنی، فالمعنی هو ما ینظر، واللّفظ هو ما به ینظر المعنی، فلو ارید الوضع بالإستعمال لزم اجتماع اللّحاظ الآلی واللّحاظ
الإستقلالی فی اللّفظ، واجتماع هذین اللّحاظین فی
ص: 207
الشیء الواحد غیر معقول
رأيُ الاستاذ فی الإشکال … ص: 207
قال الاستاذ دام ظله: إنّ هذا الإشکال یبتنی علی الإلتزام بأمرین:
أحدهما: توقّف تحقّق الوضع علی الإبراز، والأمر الآخر: کون لحاظ اللَّفظ فی ظرف الإستعمال آلیّاً وأنه لا یمکن کونه استقلالیّاً.
وحیث أنّ المحقق الخراسانی ملتزم بکلا الأمرین، لأنه یري بأنّ الوضع لا یکون إلّابالقول أو الفعل، وأنّ الإستعمال إفناء اللّفظ فی
المعنی، فالإشکال وارد علیه لا محالۀ.
جواب المحقق الإصفهانی … ص: 207
وأمّا جواب المحقق الإصفهانی من أنّ اللحاظین غیر مجتمعین فی مرتبۀٍ واحدة حتی یلزم المحذور، وذلک لأنّ الوضع بالإستعمال
یکون من قبیل جعل الملزوم بجعل اللّازم، ففی مرحلۀ الوضع یلحظ اللّفظ بالإستقلال، وفی مرحلۀ الإستعمال یلحظه آلۀً، نظیر جعل
فقد جعلنا الملکیّۀ له علیه، فالإستعمال من لوازم « سلّطتک علی هذا » فإنّ السلطنۀ من لوازم الملکیّۀ، فإذا قلنا « السلطنۀ » بجعل « الملکیۀ »
الوضع، وبتحقّق الإستعمال- وهو اللّازم- یمکن جعل الوضع وهو الملزوم، فکان اللحاظ الآلی فی مرحلۀ جعل اللّازم، واللّحاظ
الإستقلالی فی مرحلۀ جعل الملزوم.
مناقشۀ الاستاذ … ص: 207
فقد أورد علیه شیخنا: بأنه إنْ ارید من کون الوضع بالإستعمال من قبیل جعل اللّازم والملزوم: کون الجعل واحداً والمجعول اثنین.
ففیه: أن الجعل والمجعول واحد حقیقۀً واثنان اعتباراً.
ص: 208
صفحۀ 107 من 205
وإنْ ارید من ذلک أن هنا جعلین ومجعولین، أحدهما جعل اللّازم والآخر جعل الملزوم، وهو الذي صرّح به فی (الاصول علی النهج
بأنْ یکون لازم الوضع، هو استعمال اللّفظ فی المعنی بنحوٍ یکون اللّفظ حاکیاً عن المعنی بنفسه- لا بالقرینۀ- وبجعل «1» ( الحدیث
هذا اللّازم یتم جعل الملزوم وهو الوضع، فکان اللّحاظ الآلی فی مرحلۀ جعل اللّازم، واللّحاظ الإستقلالی فی مرحلۀ جعل الملزوم، فلم
یجتمع اللّحاظان.
ففیه: إن هذا خروج عن البحث، لأن المفروض فیه اتحاد الوضع والإستعمال، وهذا غیر متحققٍ فیما ذکر. هذا أوّلًا. وثانیاً: إن نسبۀ
الملزوم إلی اللازم نسبۀ العلّۀ إلی المعلول، فکیف یتصوّر استتباع جعل اللّازم- مع الإحتفاظ علی کونه لازماً- جعل الملزوم؟ إنّ فرض
کونه لازماً هو فرض التأخّر له، وفرض استتباعه جعل الملزوم هو فرض التقدّم له، فیلزم اجتماع التقدّم والتأخّر فی الشیء الواحد.
جواب المحقق العراقی … ص: 208
«2» « تتمیم » وأجاب المحقق العراقی باختلاف متعلَّق اللّحاظین، فقال ما حاصله- کما فی آخر بحث الوضع من (المقالات) تحت عنوان
- بأنّه فی مرحلۀ الإستعمال یکون الفانی فی المعنی هو شخص اللّفظ، فالملحوظ باللّحاظ الآلی هو شخص اللّفظ، لکن الملحوظ فی
مرتبۀ الوضع هو طبیعۀ اللّفظ، لأن الواضع یضع طبیعیّ اللّفظ لطبیعیّ المعنی لا لشخصه، فما أشکل به المحقق النائینی خلط بین
المرتبتین.
__________________________________________________
(1)
. الاصول علی النهج الحدیث: 32
.67 / 2) مقالات الاصول 1 )
ص: 209
مناقشۀ الاستاذ … ص: 209
فردّ علیه الاستاذ بکونه خروجاً عن البحث کذلک، فمورد البحث هو تحقّق الوضع بالإستعمال، وهو لیس من قبیل استعمال الشخص
.« صلّوا کما رأیتمونی اصلّی » علی العمل المعیّن الشرعی بنفس « الصّلاة » فی النوع، بل المدّعی وضع لفظ
التّحقیق فی الجواب … ص: 209
قال شیخنا دام ظله: والحقُّ فی الجواب هو إنکار الأمر الثانی من الأمرین المذکورین فی أساس الإشکال، إذ الإستعمال غیر متقوّم فی
کلّ کلامٍ بکون اللّفظ آلۀً وفانیاً فی المعنی، فقد یمکن لحاظه بالاستقلال فی هذه المرتبۀ أیضاً، ولذا نري أن کثیراً من الناس عندما
یتکلَّمون یتأمّلون فی الألفاظ التی یستعملونها فی أثناء التکلّم، ویلتفتون إلی الجهات المحسّنۀ للألفاظ ویتقیّدون بها.
فالإشکال مندفع.
والوضع بالإستعمال ممکن.
بقی جواب المحقّق الخوئی … ص: 209
بأنّ الوضع أمر نفسانی، والإستعمال عمل جوارحی، والوضع یکون دائماً قبل الإستعمال، «1» ( وأجاب السید الخوئی فی (المحاضرات
صفحۀ 108 من 205
فاللّحاظ الإستقلالی یکون فی مرحلۀ الوضع، واللّحاظ الآلی فی مرحلۀ الإستعمال، فاختلفت المرتبۀ، ولم یجتمع اللّحاظان فی مرتبۀ
واحدةٍ.
__________________________________________________
(1)
.135 / محاضرات فی اصول الفقه: 1
ص: 210
رأي الاستاذ فی هذا الجواب … ص: 210
وهذا الجواب إنکار للأمر الأوّل من الأمرین، وقد قرّبه الشیخ الاستاذ فی الدّورة اللّاحقۀ بأنّه إذا کان الوضع أمراً غیر إنشائی، بل
قاصداً تسمیته بهذا الاسم، فقد حصل الوضع ووقع « جئنی بولدي محمد » یحصل بمجرّد الإلتزام النفسی والبناء من المعتبر، فلو قال
الإستعمال من بعده، فلا یبقی مجال للإشکال، فهذا الجواب یتُم علی مبنی التعهّد، وکذا علی مبنی المحقق الإصفهانی، وهو
التخصیص النفسانی للّفظ بالمعنی.
هذاالمورد علی مسألۀ حصول الفسخ للمعاملۀ بالفعل، کبیع الشیء المبیع أو وطء الأمۀ ونحو ذلک، ففی «1» وأمّا قیاس السید الحکیم
غیر محلّه، لأن الفسخ من الإیقاعات، والإیقاع متوقّف علی الإنشاء.
لکنّه فی الدورة السابقۀ أورد علی هذا الجواب بأنّ العلقۀ الوضعیّۀ هی قالبیّۀ اللّفظ للمعنی، وهل تتحقّق القالبیّۀ بمجرَّد الإعتبار
النفسانی وقبل الإبراز؟ فهل تتحقّق الزوجیّۀ بین هند وزید قبل إبرازها بصیغۀ زوّجت مثلًا؟
کلّا، إنّه لا برهان علی هذه الدعوي بل الوجدان وبناء العقلاء علی خلافها، فإنّ الوضع عندهم کسائر الامور الإعتباریّۀ المحتاجۀ إلی
الإبراز، فهم لا یرون تحقّق الوضع بنفس الإعتبار ومجرد البناء.
وإذا احتاج الوضع وتحقّق العلقۀ الوضعیّۀ إلی مبرز عاد الإشکال.
أقول:
وعندي أن الحق ماذهب إلیه فی الدورة السابقۀ، ویکون حلّ المشکل منحصراً بإنکار الأمر الثانی من الأمرین.
__________________________________________________
(1)
48 ط مکتبۀ البصیرتی. / حقائق الاصول 1
ص: 211
وتلخّص: إمکان الوضع بالإستعمال، خلافاً للمحقق النائینی ومن تبعه.
وعلی الإمکان فهل هو حقیقۀ أو مجاز …؟ ص: 211
واختلفوا فی هذا الإستعمال المحقق للوضع، هل هو استعمال حقیقی أو مجازي، أو لا حقیقی ولا مجازي؟ علی أقوال.
قیل: إنه حقیقۀ، لأن کون الإستعمال حقیقیاً لا یشترط فیه تحقّق الوضع قبل الإستعمال، فلو تحقّقا معاً کان الإستعمال حقیقیّاً، إذ
الملاك هو الإستعمال فی المعنی الموضوع له، وهذا مع مجرد وجود الموضوع له فی ظرف الإستعمال متحقق، إذ العلۀ والمعلول
یکونان فی ظرفٍ واحدٍ زماناً وإن اختلفا رتبۀً، والمفروض کون الإستعمال علّۀ للوضع فزمانهما واحد، وباستعمال اللّفظ فی المعنی
صفحۀ 109 من 205
الموضوع له تتحقّق الحقیقۀ، ولیس الاتحاد فی المرتبۀ مقوّماً للوضع حتی یکون اختلافهما مضرّاً، هذا ما جاء فی (المحاضرات).
وفیه: إن الإستعمال متأخّر عن المعنی المستعمل فیه بالتأخّر الطبعی، إذ لا یتحقق الإستعمال إلّامع وجود ذلک المعنی المستعمل فیه،
بخلاف المعنی، فقد یوجد من غیر استعمالٍ له، فإن کان المعنی السابق فی المرتبۀ علی الإستعمال قد وضع له لفظ فی تلک المرتبۀ،
کان استعمال ذاك اللّفظ فیه حقیقیاً، وإن لم یکن له وضع کان استعمالًا فی المعنی المجازي.
لکن المفروض فی بحثنا تحقّق الوضع بنفس الإستعمال، فالإستعمال أصبح علّۀً للوضع والوضع معلول له، فکون المعنی موضوعاً له
اللّفظ إنما هو فی رتبۀٍ متأخرة عن الإستعمال، والإستعمال متقدّم علی کون المعنی موضوعاً له، والمستعمل فیه مقدَّم علی نفس
الإستعمال، فلا محالۀ یستحیل کون
ص: 212
المعنی موضوعاً له، لأن کونه کذلک فی رتبۀ متأخرة عن الإستعمال لأنه معلول للإستعمال، لکن کون المعنی مستعملًا فیه فی رتبۀ
قبل الإستعمال، فالمستعمل فیه لیس موضوعاً له، وحینئذٍ کیف یتّصف الإستعمال بکونه إستعمالًا فی المعنی الحقیقی؟
والعجب، أن القائل بهذه المقالۀ یلتزم بکون الوضع معلولًا للإستعمال، وأن کون المعنی موضوعاً له یتحقق بتحقّق الّاستعمال.
فسقط القول بکونه حقیقۀً، وثبت کونه لا حقیقۀ ولا مجاز، کما علیه المحقق الخراسانی.
والحاصل ممّا تقدّم هو: أنّ الإستعمال الحقیقی هو استعمال اللّفظ فی ما وضع له، والمفروض هنا تحقّق الوضع بنفس الإستعمال، فلا
معنی حقیقی له فلیس باستعمالٍ حقیقی، ولیس بمجازي أیضاً، لأن الإستعمال المجازي هو استعمال اللّفظ فی المعنی المناسب لما
وضع له، والمفروض عدم وجود ما وضع له قبل هذا الإستعمال، فلیس بمجاز.
وقد اختار شیخنا هذا القول فی الدّورة اللّاحقۀ.
مثلًا- قد استعمل فی لسان الشارع فی المعنی الشرعی الجدید، وهذا - « الصلاة » أمّا فی الدّورة السابقۀ، فقد أشکل علیه بأن لفظ
الإستعمال مجاز، لأنّ لهذه اللّفظۀ معنیً حقیقیّاً فی اللّغۀ قبل المعنی الحادث، ومن المعلوم وجود التناسب بین المعنی الحقیقی اللغوي
لهذه اللّفظۀ وبین المعنی الحادث المستعمل فیه، فیکون مجازاً.
أقول:
لکن الصحیح ما اختاره فی الدورة المتأخرة، فإنه لیس مطلق التناسب
ص: 213
بالمعنی الشرعی « الصلاة » بین المعنیین بمصحّحٍ للاستعمال المجازي، إذ المقصود من هذا التناسب هو علاقۀ الکلّ والجزء، لکون
وهو معنی الکلمۀ لغۀً، لکن لیس کلّ علاقۀ الکلّ والجزء بمصحّح للاستعمال المجازي، فالرقبۀ جزء الإنسان « الدعاء » مشتملۀً علی
وتستعمل هذه الکلمۀ فی الإنسان بالعلقۀ المذکورة، ولیس سائر أجزاء الإنسان کذلک.
ص: 214
-2 الکلام فی وقوع الوضع بالاستعمال … ص: 214
وبعد الفراغ من مقام الثبوت وبیان الإمکان، فهل هو واقع أو لا؟
قد تقدم سابقاً أن البحث یدور حول وضع اللّفظ علی المعانی الشرعیّۀ من قبل الشارع، سواء کانت معانی الألفاظ موجودةً من قبل أو
لا، وعلیه، فوجودها قبل شرعنا لا ینفی الحقیقۀ الشرعیّۀ، وفی القرآن الکریم آیات تدلّ علی وجودها کذلک، وأنها کانت بنفس هذه
أَوْصَانِی بِالصَّلَاةِ » و «2» « کُتِبَ عَلَیْکُمُ الصِّیَامُ کَمَا کُتِبَ عَلَی الَّذِینَ مِن قَبْلِکُمْ » و «1» « وَأَذِّن فِی النَّاسِ بِالْحَ جِّ » الألفاظ، کقوله عزّ وجلّ
فهذه الآیات تدل علی وجود هذه المعانی من قبل، وبنفس هذه الألفاظ، ویشهد بذلک أنهم لم یسألوا النبی ،«3» « وَالزَّکَاةِ مَا دُمْتُ حَیّاً
صفحۀ 110 من 205
صلّی اللَّه علیه وآله وسلّم أنه ماذا کان الصّیام؟ وماذا کان الصّلاة ؟…
وعلیه، فلا معنی للوضع، إلّاإذا کان المعنی حادثاً، کالأشیاء المخترعۀ الآن، أو کانت المعانی لا بهذه الألفاظ … ونتیجۀ ذلک أن لا
وضع من الشارع فی مقام الإثبات، بل إنه قد استعمل الألفاظ فی نفس تلک المعانی، غایۀ الأمر أنه اعتبر فیها بعض الخصوصیّات…
وَمَا کَانَ » : نعم، مقتضی قوله تعالی
__________________________________________________
. 1) سورة الحج: 27 )
. 2) سورة البقرة: 183 )
. 3) سورة مریم: 31 )
ص: 215
«1» « صَلَاتُهُمْ عِندَ الْبَیْتِ إِلَّا مُکَاء وَتَصْدِیَۀً
هو التغایر بین صلاتهم وصلاتنا تغایراً جوهریّاً، فللبحث فی مثل هذا مجال، أمّا أن یدّعی أن المعانی کلّها مستحدثۀ- کما عن المحقق
الخراسانی- فدون إثباتها خرط القتاد.
وذهب المحقق العراقی- وتبعه السید الخوئی- إلی وقوع الوضع بالإستعمال، فقال المحقق المذکور: بأن الطریقۀ العقلائیۀ قائمۀ علی
أنه لو اخترع أحد شیئاً فإنه یضع علیه اسماً، ولو أنّ الشارع قد تخلَّف عن هذه الطریق لنبّه وبیّن، وحیث أنه قد تحقّق منه الوضع
التعیینی ولم یکن بالقول، فهو لا محالۀ بالإستعمال.
هذا حدّ دلیله، ولا یخفی مافیه، فإن الطریقۀ العقلائیّۀ هذه لیست بحیث لو تخلَّف عنها أحد وقع من العقلاء موقع الإستنکار، بل قد
یخترع أحد شیئاً ویستعمل فیه لفظاً مجازیّاً، ثم یشتهر المجاز فیصیر حقیقۀ.
والألفاظ فی شرعنا لمّا استعملت فی معانیها الشرعیّۀ بکثرةٍ، أصبحت حقیقۀً فیها، ودلّت علیها بلا قرینۀ.
فتحصّل: أن وقوع الوضع بالإستعمال فی الشرعیّات لا دلیل علیه، بل إن الشارع فی بدء أمره استعمل تلک الألفاظ فی معانیها اللغویّۀ،
مثلًا فی اللّغۀ عبارة عن « الصلاة » ثم إنها علی أثر کثرة الإستعمال فی المعانی الشرعیّۀ أصبحت حقائق فیها، حتی فی زمن الشارع، فلفظ
صلّوا کما » العطف والتوجّه، وفی هذا المعنی استعمله الشارع، ثم بیّن الخصوصیّات المعتبرة فی هذا المعنی بدوالٍ اخر، فقوله
معناه: ادعوا وتوجّهوا إلی اللَّه، لکنْ « رأیتمونی اصلّی
__________________________________________________
. 1) سورة الأنفال: 35 )
ص: 216
بالکیفیّۀ التی رأیتمونی أدعو وأتوجّه إلیه، ثم بعد فترةٍ غیر طویلۀ ومع تکرار اللّفظ مراراً فی هذا المعنی، أصبح المعنی الجدید الخاص
هو المتبادر منه…
هذه حقیقۀ الأمر، ولا ملزم للإلتزام بالإستعمال المجازي، کما لا دلیل علی الوضع الحقیقی منه له بالنسبۀ إلی المعنی الشرعی، والشاهد
فی « الورود » علی ذلک ما نراه من عمل الرؤساء وکبار الشخصیّات المتنفّذین وأعلام العلماء، فمثلًا: قد استعمل الشیخ الأنصاري کلمۀ
معناه الخاص المصطلح فی علم الاصول، ثم بعد یومین أو ثلاثۀ- مثلًا- أصبحت هذه الکلمۀ محمولۀ علی هذا المعنی الجدید
الإصطلاحی کلّما سمعت فی الأوساط العلمیّۀ.
ص: 217
ثمرة البحث … ص: 217
صفحۀ 111 من 205
اشارة
واختلفوا هل لهذا البحث ثمرة أو لا؟
ذهب المحقق الخراسانی- وتبعه المحقق العراقی- إلی الأوّل، وحاصل کلام المحقق الخراسانی هو:
إنه إنْ قلنا بثبوت الحقیقۀ الشرعیّۀ تظهر ثمرة البحث إذا علمنا بتاریخ وضع اللّفظۀ واستعمالها، فنحمل اللّفظۀ الصادرة عن لسان الشارع
قبله علی المعنی اللغوي والصادرة بعده علی المعنی الشرعی. وإن قلنا بعدم ثبوتها تحمل الألفاظ الصادرة علی المعنی اللغوي. أمّا لو
جهلنا تاریخ الإستعمال فمقتضی القاعدة هو التوقّف، إذ لا طریق لدعوي کون الإستعمال متأخّراً عن زمان الوضع الشرعی إلّاأصالۀ
تأخر الإستعمال، بتقریب أنه قد صدر الوضع والإستعمال من الشارع یقیناً، والإستعمال أمر حادث، فنستصحب عدم تحقّق الإستعمال
إلی زمان الوضع. ولکن هذا الإستصحاب فیه:
أوّلًا: إنه أصل مثبت، إذ لیس الإستعمال حکماً شرعیّاً ولا موضوعاً لحکم شرعی، ولازم عدم الإستعمال إلی زمان تحقّق الوضع هو
کون اللّفظ مستعملًا فی المعنی الشرعی، وهذا لازم عقلی.
وثانیاً: إنه معارض باستصحاب عدم الوضع إلی زمان الإستعمال، لأن الوضع أیضاً أمر حادث.
ص: 218
وإنْ ارید التمسّک ببناء العقلاء لحمل الإستعمال علی الحقیقۀ، بدعوي أنهم مع الشک فی کونه حقیقۀ أو مجازاً یحملونه علی الأوّل،
ففیه: إن هذا البناء موجود عندهم، بالإضافۀ إلی أصل النقل عن المعنی اللّغوي إلی المعنی الشرعی، أما مع العلم بتحقق النقل والشک
فی تاریخه فلا یوجد هکذا بناء.
ثم إنه أمر بالتأمّل.
فی وجه التأمّل: لعلّه وجود البناء منهم فی مورد العلم بالنقل والشک فی تاریخه کما نحن فیه، فتکون النتیجۀ «1» وقال السید الحکیم
الحمل علی المعنی اللّغوي.
قال شیخنا: لا ریب فی توقّف العقلاء فی مثله، فلیس هذا وجه التأمّل، بل الأولی أن یقال: لعلّه یتأمّل فی أصل المطلب، وهو ترتّب
الثمرة فی صورة العلم بالتاریخ، وأنه یحمل علی المعنی الشرعی إذا علم تاریخ الإستعمال، لإمکان الحمل فی ما صدر قبل الوضع
الشرعی علی المجاز المشهور بسبب کثرة الإستعمال لا الحمل علی المعنی الحقیقی اللّغوي.
أو لعلّه أراد التنبیه علی الخلاف بینه وبین الشیخ فی مثل المورد، حیث أن الشیخ یري تعارض الأصلین فیه، وهو یقول فی مثله بعدم
المقتضی للجریان، فلا تصل النوبۀ إلی المعارضۀ، إذ مع الجهل بتاریخهما لا یحرز اتّصال المشکوك بالمتیقَّن.
هذا تمام الکلام علی وجه ترتّب الثمرة.
وذهب المحقّق النائینی ومن تبعه إلی نفی الثمرة من أصلها، وقال بعدم ترتّبها حتّی مع ثبوت الحقیقۀ الشرعیّۀ، وذلک لعدم الشک
عندنا فی کون
__________________________________________________
52 ط مکتبۀ البصیرتی. / 1) حقائق الاصول 1 )
ص: 219
« الزکاة » و « الصلاة » المراد بهذه الألفاظ الواردة فی الکتاب والسنّۀ هو المعانی الشرعیّۀ، أمّا الآیات فلا ریب فی کون المراد من
وغیرهما هو المعانی الشرعیّۀ لا اللغویّۀ ولا المعانی التی اریدت منها فی الشرائع السابقۀ. وأما الروایات، فالوارد منها من طرق
المخالفین لیس بحجّۀ عندنا، والوارد من طریق الأئمّۀ فإنّهم قد بیّنوا معانیها، وقد ثبت لزوم حملها علی المعانی الشرعیّۀ.
صفحۀ 112 من 205
«1» « قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَکَّی* وَذَکَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّی » فی قوله تعالی « الصلاة » وقد أشکل علی المیرزا: بأنّ
مرددة بین المعنی اللّغوي والشرعی، فالبحث عن الحقیقۀ الشرعیّۀ یثمر فیها.
فلا شبهۀ فی ،«2» وفیه: إنه قد جاءت روایات عدیدة فی أن المراد منها هی الزکاة بعد صلاة الفطر، منها صحیحتا زرارة وأبی بصیر
المراد منها، ولیس هناك غیرها مورد للشبهۀ، فالإشکال یندفع.
وأشکل الاستاذ فی الدورة السابقۀ: بأنّه لیس کلّ ماورد عن طریق المخالفین فلیس بحجّۀ، إذ الملاك للحجیّۀ هو الوثوق بالصدور،
فتظهر ثمرة البحث عن الحقیقۀ الشرعیّۀ فیها.
وهذا الإشکال لم یذکره فی الدورة اللّاحقۀ، ولعلّه لعدم حصول الوثوق بالصّدور من طرقهم، أو لعلّه لعدم کفایۀ الوثوق بالصدور، أو
لعلّه لوجود ما ورد عن طرقهم مورداً للوثوق بالصدور فی طرقنا مع تبیین الأئمۀ له.
هذا، وقد اختار شیخنا عدم ترتّب الثمرة، من جهۀ أن ترتّبها یتوقّف
__________________________________________________
. 1) سورة الأعلی: 14 )
. 318 الباب 1 من أبواب زکاة الفطرة، رقم: 5 / 2) وسائل الشیعۀ 9 )
ص: 220
علی العلم بالتاریخ کما تقدَّم، ولا طریق لنا إلی ذلک، وعلیه، فمن المحتمل صدورها قبل صیرورتها حقیقۀً فی المعنی الشرعی، ومع
وجود هذا الإحتمال- حتی مع القول بثبوت الحقیقۀ الشرعیّۀ- لا یمکن حمل الألفاظ علی المعانی الشرعیّۀ.
نعم، الألفاظ الصادرة فی أواخر عهد الرسالۀ کلّها محمولۀ علی المعانی الشرعیّۀ قطعاً، سواء قلنا بثبوت الحقیقۀ أو لا، کذلک.
فالحقّ أنه لا ثمرة للبحث.
تتمّۀ … ص: 220
و « الکثیر » هناك فی الأبواب الفقهیّۀ المختلفۀ روایات أجاب فیها الأئمۀ علیهم السلام عن السؤال عن معانی ألفاظٍ معیّنۀ، کلفظ
.« القدیم » و « الشیء » و « السهم » و « الجزء »
«1» « لَقَدْ نَصَرَکُمُ اللّهُ فِی مَوَاطِنَ کَثِیرَةٍ » : استناداً إلی قوله تعالی « ثمانون » فی الخبر أنه ؟« الکثیر » فلو أوصی بمالٍ کثیرٍ لشخص فما معنی
هو غزوات رسول اللَّه صلّی اللَّه علیه وآله وسلّم، وقد کانت 80 غزوة. « المواطن » بلحاظ أن المراد من
«2» « إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاکِینِ » : لقوله تعالی « الثُمن » ولو أوصی بسهمٍ من ماله لفلان، ففی الخبر أنه یعطی
فالسّهام فی الآیۀ ثمانیۀ.
.« السُّبع » وفی آخر « العُشر » ولو أوصی بجزءٍ من ماله، ففی خبر إنه
.« السُّدس » ولو أوصی بشیء، حکم ب
__________________________________________________
(1)
. سورة التوبۀ: 25
. 2) سورة التوبۀ: 60 )
ص: 221
أو أکثر. « ستۀ أشهر » ولو أوصی بعتق کلّ عبد قدیمٍ من عبیده، اعتق من کان عنده منذ
صفحۀ 113 من 205
واختلفت کلمات العلماء فی هذه الموارد، فالسید عبد اللَّه شبّر حملها علی الحقیقۀ الشرعیّۀ، وبناءً علی ذلک، فإن هذه الألفاظ تحمل
علی المعانی المذکورة أینما جاءت فی لسان الأدلّۀ. أمّا بناءً علی إنکار الحقیقۀ الشرعیّۀ فإنها تکون خاصّۀ بمواردها ویؤخذ بها من
باب التعبّد.
بأنّ هذه النصوص محمولۀ « القدیم » فی المسألۀ الخامسۀ من کتاب العتق- بعد کلام المحقق فی معنی «1» ( وقال صاحب (الجواهر
علی المعانی العرفیّۀ، فکأن الإمام عیَّن للّفظ المصداق العرفی، (قال): وکل لفظٍ شک فی معناه العرفی أوکل الأمر فی معناه إلی اللَّه
.« الرکوع » و « المسافۀ » و « الوجه » والراسخین فی العلم، ثم جعل هذه الألفاظ نظیر
وعلی الجملۀ، فهو ینفی الحقیقۀ الشرعیّۀ فیها، ویري أن هذه الألفاظ تحمل علی تلک المعانی فی سائر الموارد لأنها المعانی العرفیّۀ
لها.
قال شیخنا: والحق هو القول بلزوم الأخذ بالخبر إذا صحّ سنده فی خصوص مورده تعبّداً، فلا یصح التعدّي عنه إلی سائر الموارد، لعدم
الحقیقۀ الشرعیّۀ، وعدم تمامیّۀ کلام صاحب (الجواهر)، المبنی علی کون الواضع للألفاظ هو اللَّه تعالی، وقد تقرّر بطلان هذا المبنی.
__________________________________________________
(1)
.133 / جواهر الکلام 34
ص: 223
الصَّحیح والأعم … ص: 223
اشارة
ص: 225
ویقع البحث فی الصحیح والأعم فی المقدمات، والأدلّۀ، والثمرة.
مقدّمات البحث … ص: 225
اشارة
أما المقدّمات فهی کما یلی:
المقدمۀ الاولی … ص: 225
(فی جریان البحث بناءً علی عدم الحقیقۀ الشرعیّۀ أیضاً).
الحقّ: جریان هذا البحث علی جمیع الأقوال فی مسألۀ الحقیقۀ الشرعیّۀ، لإمکان تصویر الثمرة علی کلّ واحدٍ منها.
أمّا بناءً علی القول بأنّ الألفاظ مستعملۀ فی معانیها الشرعیّۀ استعمالًا حقیقیّاً، وهو القول بثبوت الحقیقۀ الشرعیّۀ، فجریان البحث واضح،
فإنه یقال: هل الشارع قد وضع الألفاظ لخصوص المصادیق الصحیحۀ من المعانی أو للأعم منها ومن الفاسدة، فإن کان الموضوع له
خصوص الصحیح فلا یتمسّک بالإطلاق لدي الشک، وإنْ کان للأعم تم التمسّک.
وأمّا بناءً علی القول بعدم الحقیقۀ الشرعیّۀ، وأن الألفاظ استعملت فی هذه المعانی استعمالًا مجازیّاً، فإنّه یقال: أن الشارع الذي استعمل
صفحۀ 114 من 205
مثلًا فی هذا المعنی الجدید مجازاً، هل استعمله أولًا فی خصوص « الصلاة » لفظ
ص: 226
الح ّ ص ۀ الصحیحۀ بمعونۀ القرینۀ، والقرینۀ التی أقامها علی المجاز هی قرینۀ عامّۀ بالنسبۀ إلی الصحیح فقط، أو أنه استعمله فی الأعم
وکانت القرینۀ عامّۀ بالنسبۀ إلی الأعم.
فإن کانت القرینۀ المصحّحۀ للاستعمال المجازي فی المعنی الشرعی،- مع کون اللّفظ موضوعاً للمعنی اللّغوي- قد لوحظت أوّلًا بین
المعنی الحقیقی وخصوص الفرد الصحیح، احتاج استعماله فی الأعم إلی قرینۀٍ اخري، وکذا بالعکس.
فعلی الأوّل- وهو الإستعمال المجازي فی خصوص الصحیح- لا یجوز التمسک بالإطلاق عند الشک، وعلی الثانی یجوز.
وأمّا بناءً علی القول الثالث- وهو قول الباقلّانی- من أنّ الألفاظ مستعملۀ فی لسان الشارع فی معانیها اللّغویّۀ، لا الشرعیّۀ، لا حقیقۀ ولا
مجازاً، إلّاأنه قد أفاد الخصوصیّات الجدیدة المعتبرة من قبله بألفاظٍ أخري، کما فی أعتق رقبۀً مؤمنۀً، حیث استعمل لفظ الرقبۀ فی
کذلک، فإنه أراد المعنی اللّغوي « الصلاة » معناه، ولمّا أراد خصوص المؤمنۀ دلّ علیه بلفظ آخر، فکان دالّان ومدلولان، وفی لفظ
فقط، وهو الدعاء، أما بقیۀ الأجزاء والشرائط المعتبرة فقد دلّ علی إرادتها بدوالّ اخر، فیقال: هل الدوالّ الاخر ارید منها خصوص
الأجزاء الصحیحۀ أو الأعم منها ومن الفاسدة؟ فإن ارید الصحیح لزم الإتیان بدوالٍّ أُخر عند إرادة الأعم، وهکذا العکس.
إذن، یجري هذا البحث علی جمیع المبانی فی مسألۀ الحقیقۀ الشرعیّۀ، ویمکن تصویر الثمرة علی کلّ واحدٍ منها، وإنْ قیل بانتفائها بناءً
علی القول الأخیر، من جهۀ أنه إن کانت الدوالّ الاخر مفیدةً لإرادة الأجزاء والشرائط
ص: 227
کلّها، فلا شک حینئذٍ حتی یتمسّک بالإطلاق، وإن کانت مجعولۀ منه بنحو الإهمال فکذلک، فلا ثمرة للبحث. لأنّا نقول بناءً علی هذا
القول: هل الدوالّ التی استخدمها الشارع لإفادة الخصوصیّات الزائدة علی المعنی اللّغوي، جاءت لتفید تلک الخصوصیّات الملازمۀ
لتمامیّۀ الأجزاء والشرائط أو للأعم من الأجزاء والشرائط التامّۀ وغیر التامّۀ؟ إن کان الأول فلا یتمسک بالإطلاق، وإن کان الثانی تمّ
التمسّک به.
المقدّمۀ الثّانیۀ … ص: 227
(فی معنی الصحیح والفاسد)
.« الفاسد » و « الصحیح » اختلفت کلمات العلماء فی معنی
هو المحصّل للغرض، وما لیس بمحصّلٍ له ففاسد. « الصحیح » فعن أهل الحکمۀ: أن
هو الموافق للأمر أو الشریعۀ، والفاسد غیره. « الصحیح » وعن المتکلّمین: إن
هو المسقط للإعادة والقضاء، والفاسد غیره. « الصحیح » وعن الفقهاء: إن
هی: التمامیّۀ من حیث الأجزاء والشرائط، ومن حیث إسقاط الإعادة والقضاء، ومن حیث موافقۀ « الصحّۀ » وقال المحقق الإصفهانی: إن
المأتی به للمأمور به.
تمامیّۀ الأجزاء والشرائط، فالبحث فی الحقیقۀ هو: هل الألفاظ موضوعۀ لتامّ الأجزاء والشرائط أو « الصحّۀ » قال شیخنا: بل الحقّ هو أنّ
أمرین « الفساد » و « الصحۀ » للأعم منه ومن الفاقد لبعضها، فالصحیح عندنا هو الواجد لها، والفاسد ما فقد جزءاً أو قیداً، فیکون
إضافیّین، فالصلاة قصراً
ص: 228
بالإضافۀ إلی المسافر صحیحۀ وإلی الحاضر فاسدة.
صفحۀ 115 من 205
فالصحّۀ عبارة عن التمامیّۀ والفساد عدم التمامیّۀ، ومن الواضح أن من آثار التمامیّۀ ولوازمها: سقوط الإعادة والقضاء، وموافقۀ المأتی
به للمأمور به، ومح ّ ص لیّۀ الغرض، فهذه الامور لوازم ولیست بمقوّمات، ویشهد بذلک تخلّل الفاء التفریعیّۀ حیث نقول: کانت هذه
العبادة تامّۀ الأجزاء والشرائط فهی مح ّ ص لۀ للغرض، فهی موافقۀ للمأمور به، فهی مسقطۀ للإعادة والقضاء، ولا یصح أن یقال مثلًا: قد
سقط الأمر فالعبادة کانت تامّۀ الأجزاء والشرائط…
ص: 228 «… 1» المقدمۀ الثالثۀ
(فی عدم دخول ما یتفرّع علی الأمر فی البحث)
لا ریب فی دخول الأجزاء فی محلّ النزاع، بأن یقال: هل اللّفظ موضوع لواجد جمیع الأجزاء- الذي هو المراد من الصحیح- أو الأعمّ
منه ومن فاقد بعضها؟
وکذلک الشرائط، سواء قلنا بأن التقیّد داخل والقیود خارجۀ أو قلنا بأن القیود أیضاً داخلۀ، إذْ لا فرق بین الأجزاء والشرائط من هذه
الناحیۀ، لکون الأجزاء والشرائط فی مرتبۀٍ واحدة وإن اختلفا فی کیفیّۀ التأثیر، حیث بالجزء یتمّ المقتضی وبالشرط یتمُّ فاعلیّۀ المقتضی
موضوع للمرکّب الجامع للأجزاء فقط أو لها بضمیمۀ الطهور مثلًا، أو « الصلاة » فی المقتضی، وعلیه، فإنه یمکن تصویر النزاع بأن لفظ
بضمیمۀ عدم الإستدبار، مثلًا؟
إنّما الکلام فی مثل قصد القربۀ وقصد الوجه- علی مسلک صاحب الجواهر وغیرهما من الامور المتفرّعۀ علی الأمر، فهل هذه أیضاً
موضوع للحصّۀ الصحیحۀ، أي « الصلاة » داخلۀ فی محلّ النزاع، بأنْ یقال: هل لفظ
__________________________________________________
1) هذه المقدمۀ لم تذکر فی الدورة السابقۀ. )
ص: 229
الواجدة لقصد القربۀ أو للأعم منها والفاقدة؟
وکذا بالنسبۀ إلی عدم المزاحم، فإنه یعتبر فی صحّۀ الصلاة أن لا تکون مزاحمۀ بالأمر بإزالۀ النجاسۀ عن المسجد- إلّاأنْ تصحّح عن
طریق الترتّب- فهل عدم المزاحم یدخل فی محل النزاع بأن یقال: هل لفظ الصلاة موضوع للحصّۀ الصحیحۀ أي غیر المزاحمۀ بالأمر
بالإزالۀ أو للأعم منها ومن المزاحمۀ؟
الحق- وفاقاً للمحقق النائینی- هو عدم الإمکان، بتقریب: إن الإبتلاء بالمزاحم وعدم الإبتلاء به متوقّف علی الإمتثال، فهو من انقسامات
مقام الإمتثال، ومقام الإمتثال فرع وجود ال ّ ص لاة وتعلّق الأمر بها، فإذا کان هناك أمر وتعلّق بال ّ ص لاة واتّفق وجود مزاحم لها فی مقام
الإمتثال، فإنّ رتبۀ المزاحمۀ متأخّرة عن الأمر بال ّ ص لاة، والأمر بها متأخّر عنها، فلا یعقل أن یکون عدم الصحّۀ- الناشئ من وجود
المزاحم- مأخوذاً فی معنی الصّلاة.
فظهر أنّه بناءً علی إنکار الترتّب، وأنّ الأمر بالإزالۀ یوجب عدم الأمر بالصّلاة أو النّهی عنها، فالصّلاة فاسدة.
نعم، یمکن تصویر النزاع فی عدم المزاحم بأن یقال: قد تعلّق بکلّ من الرکوع والسجود والقراءة وسائر الأجزاء إلی التسلیم أمرٌ
علی هذه المجموعۀ. « الصلاة » بضمیمۀ عدم المزاحم، ثم جعل لفظ
إلّاأن هذا لا واقعیّۀ له فی الشّریعۀ، وبحثنا إنما هو فی دائرة ماهو الواقع فیها.
وتلخّص:
عدم إمکان أخذ الصحّۀ من ناحیۀ عدم المزاحم، کما علیه المیرزا، ولا
ص: 230
صفحۀ 116 من 205
یرد علیه شیء.
المقدمۀ الرابعۀ … ص: 230
(فی تصویر الجامع)
إنّه- سواء قلنا بالوضع لخصوص الصحیح أو الأعم- لابدّ من تصویر جامع بین الأفراد، وذلک، لأن الوضع الخاص والموضوع له العام
لکلّ ح ّ ص ۀٍ ح ّ ص ۀٍ من الصلاة، یستلزم « ال ّ ص لاة » غیر معقول، وکذلک الوضع الخاص والموضوع له الخاص، لأنّ الإلتزام بوضع لفظ
أوضاعاً کثیرة ویلزم الإشتراك اللّفظی، وهذا لا یلتزم به أحد؛ بقی الوضع العام والموضوع له العام، والوضع العام والموضوع له
.« الصلاة » الخاص، وإذا کان الوضع عامّاً لزم تصویر الجامع بین الأفراد لیکون هو الموضوع له لفظ
یجمع بین مصادیق ال ّ ص لاة، « الناهی عن الفحشاء والمنکر » فإن قیل- کما ذکر شیخنا فی الدورة السّابقۀ-: إن الجامع العنوانی کعنوان
.« الصلاة » وهی المعنون له، ولا حاجۀ إلی تصویر جامع بین الأفراد لیکون هو الموضوع له لفظ
ویمکن تصویر الثمرة معه، وأمّا الجامع العنوانی کما ذکر فلا ثمرة للبحث « الصلاة » قلنا: المقصود تصویر جامع یکون الموضوع له لفظ
معه، لأنّ اللّفظ إن کان موضوعاً للعنوان لزم القول بعدم الوضع للمعنون، وإن کان موضوعاً للمعنون بواسطۀ العنوان أصبح الموضوع
له خاصّاً، فیکون اللّفظ مستعملًا فی الخاص، والخاصّ لا إطلاق فیه ولا إجمال، فلا ثمرة للبحث.
إنّ المهمّ تصویر جامع بحیث یتمکن من التمسّک بالإطلاق معه، لأنه- علی القول بالصحیح- یکون الخطاب مجملًا، بخلاف ما إذا
قلنا بالوضع للأعم، فإنه یتمکن من التمسک بالإطلاق، لکون الموضوع له معلوماً وکذا
ص: 231
المستعمل فیه، فلو شک فی اعتبار جزءٍ أو شرطٍ فی الصلاة فلا ریب فی صدق الطبیعۀ علی ما عدا المشکوك فیه، وحینئذٍ أمکن
التمسّک بالإطلاق لرفع الشک، بخلاف ما إذا قلنا بالوضع لخصوص الصحیح، فإنه یحتمل دخل الجزء أو الشرط المشکوك فیه فی
ذات الموضوع له وصحۀ العمل، فیکون المعنی مجملًا، فلا مجال حینئذٍ للتمسک بالإطلاق، لدفع جزئیّۀ المشکوك فیه أو شرطیته، لأنَّ
شرط التمسّک به إحراز صدق المعنی.
إذن، لابدَّ من تصویر جامع ذاتی لیکون محور البحث فی الصّدق وعدم الصّدق علی کلا القولین، والجامع العنوانی لا یصلح لذلک،
لکون الوضع فیه إمّا للعنوان فالمعنون لا اسم له، وإمّا للمعنون فیکون فرداً فلا جامع له.
وکیف کان … فلابدَّ من تصویر الجامع علی کلا المسلکین.
ص: 232
تصویر الجامع علی الصّحیح … ص: 232
-1 تصویر المحقق الخراسانی … ص: 232
اشارة
إنا نري أنه یترتّب علی الصلاة- بعنوان أنها صلاة- أثر واحد، من غیر فرقٍ بین الحالات والکیفیّات، مع عرضها العریض، من الصلاة
التی تقع بتکبیرة واحدةٍ فقط، حتی الصلاة التامّۀ الأجزاء والشرائط، وذاك الأثر هو کونها عمود الدین- مثلًا.
فهذه مقدّمۀ.
صفحۀ 117 من 205
والمقدّمۀ الاخري هی: إنه لابدّ من السنخیّۀ بین المقتضی والمقتضی، والأثر والمؤثر.
والمقدمۀ الثالثۀ هی: أن بین الواحد بما هو واحد، والکثیر بما هو کثیر تعاند وتقابل، للتقابل بین الوحدة والکثرة، ومعه یستحیل صدور
الواحد بالوحدة النوعیّۀ عن المتکثّرات، إذن، لابدّ وأنْ تنتهی الکثرة إلی وحدة، کی « عمود الدین » الواحد عن الکثیر، فیستحیل صدور
تتم السنخیّۀ بین الأثر والمؤثّر.
إذن، یوجد بین جمیع أشخاص وأصناف ال ّ ص لاة الصحیحۀ جامع یکون هو المنشأ لهذا الواحد النوعی من حیث الأثر، وهو الموضوع
.« الصلاة » له لفظ
ص: 233
واورد علیه:
إنّ القاعدة المقرّرة عند أهل الفن من أن الأثر الواحد لابدّ وأن ینتهی إلی مؤثّر واحدٍ- ببرهان امتناع صدور الواحد عن الکثیر- إنّما
تتعلَّق بالواحد من جمیع الجهات والحیثیّات، أي البسیط الحقیقی، فموردها الواحد الشخصی البسیط، وأمّا فرض المحقق الخراسانی
ونحو ذلک لیس واحداً شخصیّاً. « الناهی عن الفحشاء » و « معراج المؤمن » فهو الواحد النّوعی، فإن
وفیه:
إن المذکور عند أهل الفن قاعدتان، إحداهما: القاعدة المذکورة، وموردها الواحد الشخصی والبسیط من جمیع الجهات والحیثیات
کما ذکر، والاخري: قاعدة لزوم السنخیّۀ بین المعلول والعلّۀ، الأثر والمؤثر، وموردها مطلق الواحد لا خصوص الواحد الشخصی،
إذا کان أثراً یلزم أن یکون بینه وبین المؤثّر له سنخیّۀ، فلابدّ من وجود وحدة نوعیّۀ بین أفراد « معراج المؤمن » فالواحد النوعی مثل
ال ّ ص لاة المختلفۀ،- من صلاة الحاضر الجامعۀ بین الأجزاء والشرائط، والمسافر التی هی قصر، والمریض الذي یصلّی من جلوس،
والمؤثر لهذا الأثر. « معراج المؤمن » والمحتضر، والغریق- تکون تلک الوحدة هی العلّۀ لهذا المعلول
فهذا مقصود المحقق الخراسانی، ولا یرد علیه الإشکال.
وأورد علیه:
بأن الواحد المذکور لیس بواحدٍ نوعی، بل هو واحد عنوانی، والبرهان المذکور لا یجري فی الواحد العنوانی، إذ إن الواحد العنوانی
مثلًا لا یقبل الإتحاد « الربط » لا یتّحد مع أفراده، لا فی الوجود ولا فی المفهوم، فعنوان
ص: 234
مع مصادیق الرّبط وأفراده، لکونه معنًی اسمیّاً والمصادیق معانٍ حرفیّۀ، ومصادیق الواحد النوعی متّحدة حقیقۀً، أما مصادیق الواحد
مختلفۀ بالحقیقۀ، ومنها: الزنا والکذب وشرب الخمر والغیبۀ « الصلاة » الذي هو من عناوین « الناهی عن الفحشاء » العنوانی کعنوان
والسرقۀ…
وفیه:
فقط، وهو الزجر، وهذا أثر نوعی، إلّاأنّ متعلَّقات النهی مختلفات، لکنّ الأثر شیء ومتعلَّقه شیء آخر، وما « النهی » إن الأثر للجامع هو
فإنّه حقیقۀ واحدة، لکنّ متعلّقه یختلف فیکون جوهراً تارةً وعرضاً اخري… ،« العلم » نحن فیه من قبیل
فالإشکال غیر وارد.
وأورد علیه:
بأنّ تأثیر المتکثّرات فی الأثر الواحد الفعلی محال، أمّا تأثیرها فی القابلیّۀ فلا مانع منه، فالنهی عن الفحشاء بالفعل لا یمکن صدوره من
متعدّد، أمّا القابلیۀ للنهی فیمکن، بدلیل أن عدم المانع ووجود الشرط أمران متغایران، إلّا أنهما یؤثّران فی القابلیّۀ، بأن یکون المحلّ
قابلًا لأنْ یتحقق فیه أثر المقتضی وهو المقتضی. إذن، یمکن تصویر قابلیّۀ النهی عن الفحشاء المترتبۀ علی الصّلاة، فترتّب الأثر الواحد
صفحۀ 118 من 205
من المتعدّد.
وفیه:
إن القابلیّۀ من الامور الإضافیّۀ، فهناك قابل ومقبول وقابلیّۀ، ومقولۀ الإضافۀ من الأعراض الموجودة بعین وجود الموضوع کالفوقیّۀ
والتحتیّۀ- ومن الأعراض ما یوجد بغیر وجود الموضوع لکنه قائم بالموضوع کالبیاض
ص: 235
والسواد- وإذا کانت من الأعراض الوجودیۀ، فکیف یکون الأمر العدمی، أعنی عدم المانع، مولّداً للأثر؟
هذا أوّلًا.
وثانیاً: إن القابلیّۀ الحاصلۀ من الشرط غیر القابلیّۀ الحاصلۀ من عدم المانع، فمن کلٍّ منهما تحصل درجۀ من الأثر، فلم یتحقق الواحد
من المتعدّد.
الإشکال العمدة … ص: 235
الشیخ الأعظم قدّس سرّه: «1» ( هو ما تعرّض له المحقق الخراسانی وحاول ذبَّه، وهو فی (تقریرات
فهو غیر خارج عن .« المطلوب » أو عنوان ملزوم لعنوان « المطلوب » إن هذا الجامع إما مرکّب وإما بسیط، وعلی الثانی فإمّا هو عنوان
هذه الشقوق، وکلّها باطلۀ، فالتصویر باطل.. وذلک لأنه:
إن کان مرکّباً، فإن کلّ مرکّب فرض فهو مردّد بین الصحیح والفاسد، لأنه بالإضافۀ إلی حالٍ أو مکلَّف صحیح وبالإضافۀ إلی آخر
فاسد، فکان جامعاً بین الصحیح والفاسد لا الصحیح فقط.
فیرد علیه: « المطلوب » وإن کان بسیطاً، وکان عنوان
أوّلًا: إن هذا العنوان إنما یحصل فی رتبۀ الطلب، فلولاه لم تکن مطلوبیّۀ، والمعنی والمسمّی دائماً مقدَّم رتبۀً علی الطلب والمطلوبیّۀ،
یلزم تقوّم ذات المعنی بعنوانٍ متأخّر بالذات « مطلوب » فکلّما وجدت المطلوبیّۀ وجد المعنی بتلک المرتبۀ، فلو کان الجامع هو عنوان
عن المعنی.
__________________________________________________
(1)
. مطارح الأنظار: 6
ص: 236
وهو باطل کما لا یخفی. « مطلوب » ولفظ « الصلاة » وثانیاً: إنه یلزم الترادف بین لفظ
وثالثاً: إنه یرد علیه ما یرد علی الشق الأخیر الآتی.
فإنّه حینئذٍ یصیر معلوماً، ولا یقع فیه الشک کی یتمسّک بالبراءة عن ،« المطلوب » وإن کان بسیطاً، وکان عنواناً ملزوماً مساویاً لعنوان
وجوب ما شک فی جزئیته أو شرطیّته، لأن البسیط لیس فیه أقل وأکثر حتی یدور الأمر بینهما فیتمسّک بالبراءة، والحال أن القائل
بالصحیح یتمسّک بها.
وأیضاً: فإن مجري البراءة هو صورة عدم معلومیّۀ التکلیف بنحوٍ من الأنحاء، ومع العلم به بعنوانٍ من العناوین یتنجّز، فلا موضوع
للبراءة.
لأنّ العنوان المذکور لیس فیه أقل وأکثر. - « المطلوب » وهذا ما یرد علی الشق السابق- وهو کون العنوان هو
صفحۀ 119 من 205
وکیف کان، فإنه مع العلم بالعنوان الذي تعلَّق به الأمر، وجب علی المکلَّف الإحتیاط، کی یحرز تحقّق ذلک العنوان.
هذا هو الإشکال.
جواب المحقق الخراسانی … ص: 236
فأجاب باختیار الشقّ الأخیر، لسلامته عن اشکال تقدّم ماهو المتأخّر، وعن إشکال الترادف، ویبقی إشکال سقوط البراءة، فأجاب
بجریانها، لأن العنوان وإن کان فی نفسه بسیطاً لا أقلّ وأکثر له، إلّاأنه متّحد مع الأجزاء والشرائط بنحوٍ من الإتحاد، ولما کانت مردّدة
بین الأقل والأکثر کانت البراءة جاریۀً بلا إشکال.
ص: 237
قال شیخنا:
إذن، فمختار المحقق الخراسانی کون الجامع بسیطاً لا مرکّباً، ویکون المحذور منحصراً بعدم جریان البراءة، وقد أجاب عنه بما تقدّم.
وتوضیحه:
إنه إن کانت النسبۀ بین العنوان البسیط ومتعلّق التکلیف نسبۀ السبب والمسبب، کالنسبۀ بین الغسلات والمسحات وبین الطّهارة- بناءً
علی أنّ الطهارة وهی عنوان بسیط هی المأمور به- فهنا یرجع الشک إلی المح ّ ص ل، وهو مجري قاعدة الإشتغال. وأمّا إنْ لم یکن
العنوان البسیط المأمور به مسبّباً عن أجزاء المرکّب، بل کان متّحداً معها فلا مناط للإشتغال، بل مع الشک فی الأکثر تجري البراءة.
الغسلات » إلی « الطهارة » وهذا العنوان لیس نسبته إلی الأجزاء نسبۀ « المطلوبیّۀ » هو ملزوم « الصحیح » وفیما نحن فیه، یکون عنوان
بل هو خارجاً متّحد مع أجزاء المرکّب ووجوده عین وجودها، فمتعلّق الأمر حینئذٍ هو المعنون بعنوان الصحیح، وهو « والمسحات
الموجود فی الخارج، ویتردّد أمره بین الأقل والأکثر، وتجري البراءة بلا إشکال.
فالجامع هو الصحیح، وهو البسیط الماهوي، والبراءة أیضاً جاریۀ.
فهذا حاصل ماذکره الشیخ والمحقق الخراسانی.
لکنْ یرد علیه:
أوّلًا:
إنه کیف یکون اتّحاد الواحد البسیط مع المرکّبات المختلفۀ؟
لقد ذکر أنهما یتّحدان نحو اتّحاد، لکنّ الإتّحاد لا یخلو إمّا هو اتّحاد الماهیّۀ مع الوجود، وهذا لا مورد له هنا، وإمّا الإتحاد بین الأمر
الإنتزاعی مع
ص: 238
منشأ انتزاعه فی الوجود، وإمّا الإتّحاد بین الکلّی والأفراد، وهذان منتفیان أیضاً هنا، فلقد صوّر صاحب (الکفایۀ) الإتحاد بین الجامع
مشتملۀ علی مقولاتٍ مختلفۀ کالوضع والکیف والأین- بناءً علی دخولها فی « الصلاة » الواحد البسیط، وبین المرکّبات المختلفات، إذْ
الصلاة- وهی مرکّبۀ من أجزاء، فمقولۀ الکیف مثلًا فیها هی القراءة وهی مرکّبۀ من أجزاء.
فمع وجود هذا الإختلاف المقولی، ومع وجود الترکیب، فإنّه یلزم إمّا ترکّب البسیط- وهو الجامع المفروض- وإمّا بساطۀ المرکّب،
إمّا وحدة الکثیر وإمّا کثرة الواحد، وکلاهما محال، لأن النسبۀ بین البساطۀ والترکّب وبین الوحدة والتعدّد والإختلاف، هی نسبۀ
التقابل، واتّحاد المتقابلین محال.
وعلی الجملۀ، فإن کلامه فی المقام- حیث صوّر الجامع الواحد البسیط بین أفراد الصلاة، والإتحاد بینه وبینها بنحوِ اتّحادٍ- یستلزم
صفحۀ 120 من 205
محالین: إتّحاد البسیط مع المرکّب، وإتّحاد البسیط الواحد مع المقولات المختلفۀ.
وثانیاً:
إن الجامع المحتمل هنا لا یخلو عن أحد أقسامٍ ثلاثۀ: فإمّا هو الجامع العنوانی، وإمّا الجامع النوعی، وإمّا الجامع الجنسی. أمّا الأوّل فغیر
.« لواقع النسبۀ » ل « مفهوم النسبۀ » مقصود منه، لأن الجامع العنوانی غیر قابل للاتّحاد مع المعنون، لأن موطنه هو الذهن فقط، مثل عنوان
وأمّا الثانی والثالث فکذلک، لأن أجزاء ال ّ ص لاة أنواع من أجناس مختلفۀ، فالرّکوع من مقولۀ الوضع والقراءة من مقولۀ الکیف،
والمقولات أجناس عالیۀ، وإذا کانت أجناساً عالیۀ فالجامع الجنسی غیر ممکن، ومع عدم إمکانه لا مورد لاحتمال الجامع النوعی. فما
هو الجامع الذي تصوّره جامعاً بسیطاً متّحداً مع المرکّبات
ص: 239
نحو اتّحاد؟
وثالثاً:
إن المقصود تصویر الجامع بناءً علی الصحیح، وهذا مستحیل، لأنّ کونه علی الصحیح یعنی أخذ جمیع الخصوصیّات، وکونه جامعاً
بالنسبۀ إلی الرکعتین، وصلاة الحاضر متقوّمۀ بخصوصیّۀ « بشرط لا » یعنی إلغاء الخصوصیّات، مثلًا: صلاة المسافر متقوّمۀ بخصوصیّۀ
بالنسبۀ إلیهما، فکیف یصوَّر الجامع بینهما مع حفظ الصحّۀ؟ کیف یجمع بین رفض الخصوصیّات وأخذها؟ « بشرط شیء »
ولا یخفی ورود هذا الإشکال، سواء کان الجامع ذاتیّاً کما علیه المحقق الخراسانی، أو عرضیّاً کما علیه الشیخ الحائري وتبعه السید
البروجردي.
وسیأتی ذکره.
ورابعاً:
إن الغرض من الوضع هو التفهیم، فباستعمال اللّفظ یتمّ إحضار المعنی إلی الذهن ویتحقّق التفهیم، والوضع لمعنیً مستخرجٍ ببرهانٍ
« معراج المؤمن » فلسفی لا یصلح لأنْ یکون سبباً لإحضار المعنی فی الذهن وحصول التفهیم، وکیف یأتی إلی أذهان المتشرّعۀ معنی
؟« الصّلاة » من لفظ « عمود الدین » و « الناهی عن الفحشاء » و
إن هذا التصویر لا یناسب عرف المتشرّعۀ.
وهذا الإشکال یرد علی التصویرات الآتیۀ أیضاً.
-2 تصویر المحقّق العراقی … ص: 239
وذهب المحقق العراقی إلی الجامع الوجودي، فراراً مما ورد علی
ص: 240
التّصویر السابق، فأثبت وجود الجامع بین الأفراد الصحیحۀ عن طریق الأثر کما ذکر صاحب (الکفایۀ)، لکن مع إصلاحٍ له، بإرجاع
إلی أمرٍ واحدٍ بسیط، وهو بلوغ العبد فی الصلاة إلی « الناهی عن الفحشاء » و « قربان کلّ تقی » و « معراج المؤمن » الآثار المتعددة من
مرتبۀٍ یحصل له فیها جمیع هذه الخصوصیّات، من القربانیّۀ والمعراجیّۀ وغیر ذلک، فکان الأثر واحداً کالمؤثر.
وأثبت الجامع بین الأفراد الصحیحۀ بأنه مرتبۀ من الوجود تجمع بین المقولات المختلفۀ والکیفیّات المتشتّتۀ، حیث أنّ لکلّ صلاةٍ
أفراداً عرضیّۀ وأفراداً طولیّۀ، وکلّ صلاة تشتمل علی مقولات، لکنّ تلک المرتبۀ من الوجود یکون صدقها علی الأفراد العرضیۀ بنحو
التواطی، وعلی الأفراد الطولیّۀ بنحو تشکیکی.
فالجامع بین الأفراد هو مرتبۀ من الوجود، بنحو الوجود الساري، مع إلغاء الخصوصیّات، فإن لکلّ ماهیّۀ من الماهیّات الموجودة وجوداً
صفحۀ 121 من 205
خاصّاً، فإذا الغیت خصوصیّۀ موجودٍ وخصوصیّۀ موجود آخر، تحقّق وجودٌ جامعٌ بینهما سارٍ فیهما، فی قبال الموجودات الاخري.
إن الوجود الخاص فی الحین الذي مع السجود قد تضیَّق بالسجود، وکذا الذي مع الرکوع، والقراءة، وغیرهما، فإذا الغیت هذه
هو « ال ّ ص لاة » الخصوصیّات، ولم یکن الرکوع والسجود والقراءة وغیرها قیوداً، لم تکن داخلۀً فی المسمّی، بل یکون المسمّی بلفظ
ذلک الوجود الواحد المجتمع مع هذه الامور بنحو القضیۀ الحینیّۀ، وهذا صادق علی جمیع الأفراد، العرضیّۀ والطولیّۀ، إلّاأن الصّدق
علی العرضیّۀ بنحو التواطی وعلی الطولیّۀ بنحو
ص: 241
التشکیک، وهو- أي الوجود- لا ربط له بالوجود الذي فی العبادات الأخري، فإنّ المسمّی للفظ الحج مثلًا وإنْ کان هو الوجود
کذلک، إلّاأنه وجود یتخصّص بالطواف والسّعی وغیرهما من أعمال الحج.
وتلخّص: إن الجامع بین الأفراد الصحیحۀ من الصلاة مثلًا هو الوجود الساري الموجود فیها، فإنّه یجمع بینها بعد إلغاء الخصوصیّات،
وهذا الوجود هو مسمّی لفظ الصلاة، وهذا اللّفظ یصدق علی جمیع الأفراد العرضیّۀ والطولیّۀ، من صلاة الغریق إلی الصلاة الجامعۀ
« الکلمۀ » لجمیع الأجزاء والشرائط، فیکون الوجود مأخوذاً بالنسبۀ إلی الأقل من الأجزاء بشرط شیء وبالنسبۀ إلی الأکثر لا بشرط، نظیر
فإنّ أقلّه « الجمع » فی علم النحو، فإنّ المسمّی لهذه اللفظۀ یتحقق بالحرف الواحد، ولکنّه بالنسبۀ إلی الأکثر لا بشرط. وکذا لفظ
الثلاثۀ، فهو مشروط بذلک، إلّاأنه بالنسبۀ إلی الأکثر لا بشرط.
هو الوجود المنطبق علی جمیع الأفراد، والأفراد محقّقۀ للمأمور به، بحسب اختلاف حالات « الصلاة » فالمسمّی الموضوع له لفظ
المکلّفین.
فالجامع بسیط ولیس بمرکّب، ولا مشکلۀ من ناحیۀ الاتّحاد مع الأفراد، فإنّه یتّحد مع مختلف الأفراد والحالات…
هذا تقریب تصویر المحقّق العراقی وإنْ استدعی بعض التکرار لمزید التوضیح.
اورد علیه:
أوّلًا: بعدم عرفیّۀ هذا الجامع.
وفیه:
إن الموضوع له اللّفظ هو الوجود الجامع بنحو الوجود الساري،
ص: 242
والوجود أمر یعرفه أهل العرف ویفهمه، فهم کما یعرفون الرکوع والسجود و … ویفهمونها، کذلک وجود هذه الأشیاء واضح عندهم
بل أوضح وأبین.
وثانیاً: بأن الألفاظ إنما توضع علی ماهو قابلٌ للوجود، وحقیقۀ الوجود لیست من الامور القابلۀ للوجود.
توضیحه: إنّ الحکمۀ من الوضع هو الإنتقال، والإنتقال هو وجود الشیء فی الادراك، ولیس للموجود وجود فی الإدراك- لأن
الوجود إما ذهنی وإمّا خارجی، فالخارجی لا یأتی إلی الذهن، لأن المقابل لا یقبل المقابل، والذهنی لا یأتی کذلک، لأن المماثل لا
یقبل المماثل- وعلیه، فلیس لحقیقۀ الوجود لفظ موضوع له.
إذن.. لا یمکن أنْ یکون اللّفظ موضوعاً لواقع الوجود.
وفیه:
إنّ الموضوع له اللّفظ هو واقع الوجود وحقیقته، ولیس الماهیّۀ، وإلّا لزم أن لا یکون لفظ یعبّر عن الباري تعالی، لأنّه لا ماهیۀ له. هذا
أولًا.
وثانیاً: إنه لو کان حکمۀ الوضع هو القابلیّۀ للإنتقال بالکنه، فللإشکال وجه، لکنّ المراد هو القابلیّۀ بالوجه، وهذا بالوجود حاصل، ففی
صفحۀ 122 من 205
الوجود یمکن الإنتقال بالوجه، ولذا کان معرفۀ الشیء بوجهه معرفۀ بوجهٍ.
فما أورده المحقق الإصفهانی وتبعه فی (المحاضرات) غیر وارد.
وأورد شیخنا بما یلی:
أولًا:
إن هذا ینافی مختار المحقق العراقی فی حقیقۀ الوضع، فقد قال هناك بأن الوضع عبارة عن ملازمۀٍ بین طبیعی اللّفظ والمعنی، أو
اختصاصٍ بین
ص: 243
الطبیعتین، فلیس اختصاصاً وملازمۀً بین الوجودین.
وثانیاً:
إن الذي یلغی الخصوصیّات هو الذهن، فهو موطن إلغائها ولیس الخارج، فالوجود الساري إنما یکون فی الذهن، فهو وجود عنوانی لا
خارجی، فهو رحمه اللَّه قد فرّ من الوجود العنوانی وکرّ علیه.
وثالثاً:
إن امتیاز صلاة الصبح عن صلاة المغرب- مثلًا- هو بکون الاولی مقیَّدةً بعدم الثالثۀ، فهی بالنسبۀ إلیها بشرط لا، والثانیۀ- أي المغرب-
مقیَّدة بوجود الثالثۀ، فهی بالنسبۀ إلیها بشرط شیء، فهنا وجود وهناك عدم، والجامع بین الوجود والعدم غیر معقول.
فإنْ أراد من الجامع: الجامع اللّابشرط المقسمی، فهذا جامع ماهوي ولیس بوجودي.
ورابعاً:
إن الصحّۀ متقوّمۀ بأخذ الخصوصیّۀ، فکیف یکون الجامع- المفروض کونه الموضوع له الصحیح- لا بشرط بالنسبۀ إلی الزیادة
المحتمل دخلها فی الصحۀ؟
هذا کلّه فی مرحلۀ الثبوت.
وأورد علیه شیخنا: بأن هذا التصویر لا یتناسب ومرحلۀ الإثبات، فإن ماذهب إلیه من القول بأنّ الخصوصیّات من الرکوع والسجود
وغیرها لا دخل لها فی المسمّی، وإنما هی مشخّصات فردیّۀ، تخالفه النصوص الکثیرة الصریحۀ فی: أن الصلاة افتتاحها- أو تحریمها-
التکبیر وتحلیلها التسلیم،
ص: 244
لأنّ لسانها کون هذه الأمور مقوّمۀ لحقیقۀ الصّلاة.
-3 تصویر المحقق الإصفهانی … ص: 244
اشارة
وذهب المحقق الإصفهانی إلی أنّ الموضوع له لفظ الصّلاة- بناءً علی الصحیح- هو الجامع الترکیبی الذاتی المبهم.
والترکیبی ماله جزء، ویقابله البسیط، وهو تارةً: یکون جزآه موجودین بوجود واحدٍ، کالإنسان المرکّب من الحیوان والناطق، وهما
موجودان بوجودٍ واحد، واخري: یکونان موجودین بوجودین، أو تکون أجزاء موجودة بوجودات وبینها وحدة اعتباریۀ، ومانحن فیه
من هذا القسم.
صفحۀ 123 من 205
مرکّب من الأجزاء، وهی عبارة عن التکبیرة والرکوع والسجود … فهو جامع ترکیبی وهو ذاتی، ولیس بعرضی، « الصلاة » فالموضوع له
کما علیه صاحب (الدرر) وغیره، وهو أیضاً مبهم، بمعنی أنّ لکلّ جزءٍ من أجزائه عرضاً عریضاً، فالرکوع مثلًا یعمّ رکوع المختار إلی
إیماء المحتضر، والقراءة تشمل القراءة التامّۀ الکاملۀ … وما یقوم مقامها، حتی الإخطار الحاصل فی القلب بدلًا عنها … وهکذا.
وذکر لمزیدٍ من التوضیح لمعنی الإبهام: أن الإبهام فی الوجود یختلف عن الإبهام فی الماهیّۀ، فهما فیه متعاکسان، ففی الوجود کلّما
ازدادت الشدّة نقصت السّ عۀ والشمول والإطلاق، فکلّما قوي الوجود کان الشمول أقل، فالإنسان مثلًا وجوده أشدّ من وجود الحیوان،
لکنه لا یصدق علی الحیوان والنبات والجماد، بخلاف الماهیّۀ فإنها بالعکس، فکلّما ضعفت زادت سعتها، فالجنس- کالحیوان أضعف
من النوع- کالإنسان-، لوجود التعقّل فی الإنسان دونه، إلّاأنّ سعۀ الحیوان أکثر.
ص: 245
وعلی هذا، فإن الماهیّۀ تصلح لشمول جمیع الأفراد علی الرغم من الاختلاف الکثیر فیها کمّاً وکیفاً.
قالوا: والإبهام فی الماهیّۀ یکون بالخصوصیّات الخارجۀ عنها، فحقیقۀ الحیوان- مثلًا- معلومۀ، لکن الإبهام یقع من جهۀ العوارض،
وکذا الإنسان فإنه الحیوان الناطق، إلّاأن الإبهام یکون من حیث الکمّ والکیف والعوارض، وکلّما کان الإبهام فی الماهیّۀ أکثر کان
الصدق أوسع.
إلّاأن المحقق الإصفهانی ذکر عن بعض الأکابر- صدر المتألّهین- الإبهام والتشکیک فی نفس الذات، کأن تکون الشدة والضعف
داخلۀً فی ذات ماهیّۀ البیاض، لا أن تکون من عوارضها.
لتلک الذات المبهمۀ من « الخمر » قال: فهذا هو الجامع الموضوع له اللّفظ، وإنْ لم یمکن لنا التعبیر عنه إلّا بخواصّه، کما لو جعل لفظ
حیث الإسکار واللون ومنشأ الاتخاذ، إلّاأن تلک الذات مسمّاة بهذا الاسم.
فهو جامع مرکّب لا بسیط، خلافاً لصاحب (الکفایۀ) والمحقّق العراقی.
وهو جامع ذاتی وفاقاً لصاحب (الکفایۀ) وخلافاً لغیره.
قال شیخنا:
نفس هذا المعنی الذي یفهمه العرف، غیر أنه مبهمٌ « الرکوع » فما أورد علیه من أنه غیر عرفی، فی غیر محلّه، فإنّ الموضوع له لفظ
بالمعنی المذکور لیشمل جمیع الأفراد.
وکذا الإیراد بأنه لیس بجامعٍ علی الصحیح، لأن الصّحیح ماهو الجامع لجمیع الأجزاء والشرائط المعتبرة، وماذکره غیر منطبق علیه، نعم،
هذه
ص: 246
الصّلاة علی اختلاف مراتبها صالحۀ للنهی عن الفحشاء، فالجامع لم یکن علی الصحیح.
وفیه: إن المحقق الإصفهانی یقول بأن مفاد الأدلّۀ کون الصلاة مقتضیۀً للنهی عن الفحشاء لا أنها تنهی عنه بالفعل، فیکون الموضوع له
هو الناهی عن الفحشاء الإقتضائی لا الفعلی، وهذا ینطبق علی کلا القولین، الصحیحی والأعمّی.
وکذا الإیراد باستلزام ماذکره للفرد المردّد، وهو باطل.
ففیه: إنه یقول بأن المردّد لا ماهیّۀ له ولا هویّۀ، لکنّ الإبهام فی الماهیّۀ غیر الإبهام فی الفرد، نعم لو کان الإبهام فی الماهیّۀ ملازماً
للإبهام فی الوجود فالإشکال وارد، لکن لا ملازمۀ، فالرکوع عبارة عن ذاتٍ لها مراتب، فإذا وجدت تعیّنت بمرتبۀٍ منها، فتوجد برکوع
المختار أو برکوع المضطر، وهکذا … ومثله النور واللّون…
الحق فی الإشکال … ص: 246
صفحۀ 124 من 205
بل الإشکال الوارد هو: إن التشکیک فی الماهیّۀ عبارة عن الإختلاف فی المرتبۀ، کالشدّة والضّعف، وخصوصیّۀ الشدّة- مثلًا- لا تخلو
إما أن تکون داخلۀً فی الماهیّۀ أو خارجۀ عنها.
فعلی الأوّل: یکون البیاض هو الشدید منه فقط، ولا یصدق هذا الاسم علی البیاض الضعیف، ویکون رکوع المختار هو الرکوع، وذات
هذه الرکوع غیر ذات الرکوع من المضطر، لعدم وجود ذاتٍ واحدةٍ تنطبق علی درجتین.
وعلی الثانی: تکون الخصوصیّۀ خارجۀً عن الذّات، فالماهیّۀ متعیّنۀ ولا إبهام فیها.
ص: 247
فما ذکره من أنّ الماهیّۀ کلّما ضعفت کانت أشمل وأعم [وإنْ کان صحیحاً، لکون الجنس لا متحصّل، والنوع متحصّل، کالإنسان
لا إبهام فیه، فهو الحیوان « الإنسان » المتحصّل بالناطقیّۀ فلا یتحصّل بشیء آخر] إلّاأنها فی أيّ مرتبۀٍ کانت غیر مبهمۀ فی الذات، فنفس
الناطق، والحیوان وإن کان مبهماً من حیث البقریۀ والإنسانیۀ، إلّاأنه فی حدّ نفسه غیر مبهم.
إن لم یکن له ذات فلا کلام، وإن کان للصلاة ذات وهی مرکّبۀ کما قال، فلکلّ جزء منه ذات، ولا إبهام « الصلاة » والموضوع له لفظ
فی حدّ الذات، فانهدم أساس التصویر.
بقی الکلام فی رأي الشیخ والمیرزا … ص: 247
قد فرغنا من ذکر تصویرات المحققین الخراسانی والعراقی والإصفهانی بناءً علی الوضع للصحیح.
أمّا المحقق النائینی فلم یتصوَّر الجامع، لا بناءً علی الصحیح ولا بناءً علی الأعم.
أما علی الصحیح، فلأن مراتب الصحّۀ متعدّدة، فأقلّ مراتب ال ّ ص لاة ال ّ ص حیحۀ صلاة الغریق، وأعلی مراتبها صلاة الحاضر القادر
المختار، وبینهما وسائط کثیرة، وتصویر الجامع الحقیقی الذي یتعلَّق به الأمر ویجمع تمام المراتب صعب. وأمّا علی الأعم فأصعب، فإنّ
کلّ صلاة فرضت إذا بدّل بعض أجزائها إلی غیرها بقی الصّدق علی حاله.
قال: ویمکن دفع الإشکال عن کلا القولین بالإلتزام بأن الموضوع له لفظ ال ّ ص لاة هو عبارة عن صلاة العالم العامد القادر، وأمّا باقی
الصلوات فهی أبدالٌ للموضوع له، وإنّما تسمی بالصلاة ادّعاء أو مسامحۀ، نعم، یمکن
ص: 248
تصویر جامعٍ بین القصر والإتمام فقط.
:«1» ولمّا کان الأصل فی کلامه هو ما جاء فی (تقریرات) الشیخ الأعظم قدّس سرّه فلابدّ من التعرّض لذلک، وهذا حاصله
معناها عبارة عن الصلاة ذات الأجزاء والشرائط، فهل المراد منها خصوص ما یأتی به المکلّف العالم العامد القادر المختار، « الصلاة » إنّ
أو الأعم منه ومن الجاهل والناسی والعاجز وغیر المختار؟ فهل الموضوع له هو الأجزاء والشرائط بالمعنی الأخص، وقد عبّر عنه
بالأجزاء والشرائط الشخصیّۀ، أو بالمعنی الأعم الذي عبّر عنه بالأجزاء والشرائط النوعیّۀ؟
قال الشیخ: فیه وجهان، أحدهما: القول بأنّ الصلاة هی الواجدة للأجزاء والشرائط لمن هو عالم قادر مختار، وعلیه، فصلاة غیره من
المکلَّفین لیست بصلاةٍ بل هی بدل عن الصلاة.
والوجه الثانی: القول بأن الصّلاة هی الواجدة للأجزاء والشرائط من سائر المکلَّفین، وعلیه، فلابدّ إمّا من القول بالإشتراك اللفظی، وإمّا
من القول بالإشتراك المعنوي. أمّا الأوّل فباطل، وأمّا الثانی فالجامع إن کان مرکّباً لزم تداخل الصحیح والفاسد، وإن کان بسیطاً فهو
أو الملزوم المساوي له، أمّا الأوّل فمحال، للزوم أخذ ما هو المتأخّر عن المسمّی فی المسمّی، وأمّا الثانی فهو خلاف « المطلوب » إمّا
صفحۀ 125 من 205
الإجماع القائم علی جریان البراءة فی دوران الأمر بین الأقل والأکثر فی الأجزاء والشرائط، وهذا المعنی البسیط لا یتصوَّر فیه ذلک.
موضوع لصلاة القادر المتمکن من « الصلاة » وعلی الجملۀ، فإن لفظ
__________________________________________________
. 1) مطارح الأنظار: 9 )
ص: 249
جمیع الأجزاء والشرائط، وهی المرتبۀ العلیا من مراتب الصلاة، وتصویر الجامع لجمیع المراتب غیر ممکن، غیر أنّ المتشرعۀ لمّا رأوا
أن صلاة العاجز مثلًا وافیۀ أیضاً بالغرض من الصلاة- وهو النهی عن الفحشاء مثلًا- استعملوا هذا اللّفظ فیه، تنزیلًا لفاقد الجزء مثلًا
فی الاصول، فقد ارید منه أوّلًا اتّفاق الکلّ، ثم « الإجماع » بمنزلۀ الواجد له؛ بلحاظ الإشتراك فی الأثر، وکان حقیقۀً عرفیّۀ، ونظیره لفظ
لمّا وجدوا اتّفاق البعض الکاشف عن رأي المعصوم أو الدلیل المعتبر یشارك المعنی الأصلی فی حصول الغرض منه، فأطلقوا علیه
فی العرف، فإنه قد وضع أوّلًا للمتّخذ من العنب، ثم إنه لأجل حصول الأثر من « الخمر » لفظ الإجماع وکان صادقاً علیه؛ وکذلک لفظ
المتّخذ من التمر مثلًا سمّوا هذا أیضاً خمراً، فکان المعنی الأعم، للحاظ الأثر وهو الإسکار.
قال شیخنا:
فی کلامه قدّس سرّه نظر من جهتین:
الاولی: إنه جعل الإطلاق الأوّلی للفظ الصلاة، للصلاة الواجدة للأجزاء والشرائط من العالم العامد المختار القادر، فکان الموضوع له
هو الأجزاء والشرائط الشخصیّۀ حسب تعبیره، وأمّا غیر هذا الفرد فقد أطلق علیه اللّفظ بسبب حصول الغرض منه- کما فی لفظ
الإجماع- وحینئذٍ، فقد واجه الشیخ إشکالًا فی تعمیم الشرائط، فدلیل اعتبار الطهارة یتعذر التمسک به لاشتراطها فی صلاة الناسی
والعاجز، وکذا أدلّۀ الموانع والقواطع، فالتزم هناك بالتمسّک بالإجماع علی الإشتراط.
لکنْ یرد علیه: إن نفس صلاة العالم القادر المختار لها أفراد، کصلاة الجمعۀ المشتملۀ علی الأجزاء من الخطبتین وغیرهما، وعلی
الشرائط کالعدد
ص: 250
والسلطان العادل، وکصلاة الظهر الفاقدة لجمیع هذه الأجزاء والشرائط، وکصلاة العیدین المعتبر فیها أجزاء اخري، وکصلاة الآیات،
وکصلاة المسافر التی هی بشرط لا عن الرکعتین فی مقابل صلاة الحاضر التی هی بشرط شیء، فکیف یمکن فرض الأجزاء
الشخصیّۀ؟ فإن قال الشیخ بذلک فی مرتبۀ العالم القادر المختار فقط، لزم القول فی غیر هذه المرتبۀ إمّا بالإشتراك اللّفظی وإمّا
بالإشتراك المعنوي، والثانی إما بسیط وإما مرکّب. فیعود الإشکال ویرجع ماذکره علی نفسه.
والثانیۀ: إن ماذکره لا یتناسب مع مقام الإثبات، فجمیع النصوص تسمّی صلاة العاجز بالصّلاة، وکذا صلاة الناسی، تماماً کما فی صلاة
العالم القادر المختار، ولا وجه لتخصیصها بصلاة القادر العالم المختار، فإن اعتبار الطهارة فی صلاة العاجز مثلًا إنما هو لإطلاق دلیل
ولیس بالإجماع. « لا صلاة إلّابطهور »
وتلخص: أن کلام الشیخ غیر مقبول، وکلام المیرزا المبتنی علیه أیضاً غیر مقبول.
ثم إنّ المحقق النائینی- بعد أنْ قال بصعوبۀ تصویر الجامع کما فی (أجود التقریرات) وأن لفظ الصلاة موضوع للمرتبۀ العالیۀ، وأنه
یستعمل فی غیره ادّعاءً أو مسامحۀً- قال: بأن وضع الأسماء للمرکّبات کأسماء المعاجین هو من هذا القبیل، فإن اللّفظ قد وضع للمرتبۀ
العالیۀ الکاملۀ، ومع ذلک یستعمل فی الفاقد لبعض الأجزاء، من جهۀ الإشتراك فی الأثر، وأما الفاقد للتأثیر فإنّه یستعمل فیه من باب
تنزیل الفاقد بمنزلۀ الواجد، أو من جهۀ المشابهۀ فی الصورة.
ص: 251
صفحۀ 126 من 205
وفیه:
أوّلًا: إنّ التنظیر المذکور فی غیر محلّه، فصانع المعجون لا إحاطۀ له بما یطرء علی صنعه، بخلاف الشارع.
وثانیاً: إنّ تشخیص المرتبۀ العالیۀ فی مثل الصلاة غیر ممکن، لعین ما تقدّم من الإختلاف بین أفراد ال ّ ص لاة، فإنه مع ذلک لا یمکن
تصویر مرتبۀ واحدة من المراتب العالیۀ لتکون الموضوع له.
-4 تصویر الشیخ الحائري والسید البروجردي … ص: 251
اشارة
وبعد الفراغ عن صور الجامع البسیط الماهوي، والجامع البسیط الوجودي، والجامع الذاتی الترکیبی، تصل النوبۀ إلی الجامع العَرَضی،
.« التخشّع » : والثانی « التعظیم » وهو تصویر جماعۀ منهم: الشیخ الحائري والسید البروجردي، غیر أنّ الأول جعله
بعد ما نصَّ علی أن لا سبیل لتصویر الجامع الذاتی أصلًا-: «1» قال السید البروجردي
وأمّا الجامع العرضی … الذي یخطر ببالنا: إنّ حال المرکّبات العبادیّۀ کالصلاة والصوم والزکاة وأمثال ذلک، حال المرکّبات
التّحلیلیۀ، کالإنسان ونظائره، فکما أنّ الإنسان محفوظ فی جمیع أطوار أفراده، زادت خصوصیّۀ من الخصوصیّات أو نقصت، کان فی
أقصی مراتب الکمال أو حضیض النقص، وذلک لأن شیئیّۀ الشیء بصورته لا بنقصانه ولا بکماله، کذلک حال المرکّبات الإعتباریۀ
العبادیّۀ، بمعنی أنه یمکن اعتبار صورة واحدة یمتاز بها کلّ واحدٍ من هذه المرکّبات عن غیرها، وتکون تلک الصّورة ما به الإجتماع
__________________________________________________
. 1) الحجۀ فی الفقه: 57 )
ص: 252
لتمام الأفراد وجمیع المراتب، وما به الإمتیاز عن غیرها، وتکون محفوظۀً فی جمیع المراحل والمراتب، وإنْ کان فی غایۀ الضعف، مثل
صلاة الغریق والعاجز، أو فی منتهی الکمال مثل صلاة الکامل المختار الواجدة لجمیع الأجزاء والشرائط، إذ بعد فرض ما به شیئیۀ هذه
المرکبات الإعتباریّۀ، فکلّما کان هذا موجوداً فأصل الشیء کان موجوداً لا محالۀ.
وهذا الشیء- علی ما یؤدّي إلیه النظر- هو التخشّع الخاص فی الصلاة، فإنّ التخشّع الخاص هو الذي یکون محصّل شیئیۀ الصّلاة، وبه
تصیر الصلاة صلاةً، وهو محفوظ فی جمیع أفراد الصلاة ومراتبها المختلفۀ، وهذا هو المناسب لمقام عبودیّۀ العبد بالنسبۀ إلی مولاه.
وأمّا فی سائر المرکّبات، فیمکن أیضاً افتراض جامعٍ من قبیل ما فرضناه فی الصلاة، علی حسب الخصوصیّات والمقامات. ولعلّ هذا
هو المراد من الوجه الثالث الذي استدلّ به القائلون بالأعم، إلّاأن تمثیلهم بالأعلام الشخصیّۀ مما لا یناسب هذا الکلام.
وحاصل هذا الوجه:
وهو یتّحد مع جمیع المراتب والحالات، ونسبته إلی الأجزاء نسبۀ الصّورة إلی المادّة، نظیر ،« التخشّع » إن الجامع عرضی لا ذاتی، وهو
إنسانیّۀ الإنسان الموجودة معه فی جمیع الأحوال والأطوار.
الإشکال علی هذا التصویر … ص: 252
وأورد علیه شیخنا بوجوه:
صفحۀ 127 من 205
أحدها: إن المفروض کون الخصوصیّات مقوّمۀ للصحّۀ، فصلاة الصّبح متقوّمۀ بعدم الرکعۀ الثالثۀ، وصلاة المغرب متقوّمۀ بوجودها،
فواقع الصحّۀ
ص: 253
متقوّم بالخصوصیّۀ، وعلیه، فالتخشّع والتوجّه فی صلاة الصبح متقوّم بعدم الثالثۀ، وهو فی صلاة المغرب متقوّم بوجودها، فکیف یمکن
أن یکون جامعاً بینهما؟
والثانی: إن هذا التصویر لو کان للأعم أو کان مشترکاً بینه وبین الصحیح کان له وجه، لکن المفروض کونه علی الوضع للصحیح
فقط، وحینئذٍ یرد علیه بأنه جامع متداخل بین الصحیح والفاسد، إذ الصلاة ذات الأربع من المسافر فاسدة وهی من الحاضر صحیحۀ،
والتخشّع موجود فی کلیهما.
والثالث: إنّ ماذکره من کون نسبۀ التخشع إلی الأجزاء نسبۀ الصّورة إلی المادّة، فیه: إن الصورة إمّا هی الصورة الجوهریّۀ، وهی عبارة
فإنّه غیر متّحد مع المتشکّل، لأنه عرض وهو یقوم « الشکل » عن الفصل، وإمّا الصورة العرضیّۀ، وهی عبارة عن الشکل، فإنْ أراد
بالأجزاء ولا یتّحد معها، وإنْ أراد الصورة الجوهریّۀ، فإنّها تکون جامعاً ذاتیّاً لا عرضیّاً، والجامع الذاتی لا یجتمع مع المتقابلات، فتعود
الإشکالات کلّها.
ص: 254
تصویر الجامع بناءً علی الأعم … ص: 254
اشارة
وتلخّص عدم معقولیّۀ الجامع بناءً علی الوضع للصحیح مطلقاً.
وقد ذکرت وجوه لتصویر الجامع بناءً علی الوضع للأعم من الصحیح والفاسد:
الوجه الأول … ص: 254
اشارة
فإنه قال: بأن الموضوع له لفظ الصلاة هو عبارة عن أرکان الصلاة فقط، وأمّا ما ،«1» وأوّلها وأهمّها تصویر المیرزا القمّی رحمه اللَّه
زاد عنها فلیس بداخل فی المسمی الموضوع له، بل هو من متعلَّق الأمر والطلب، وإذا کان الموضوع له هو الأرکان فهی موجودة فی
الصلاة الصحیحۀ والفاسدة معاً.
الإشکالات
وقد أورد علیه المحقّق الخراسانی بوجهٍ، والمحقق النائینی بوجهین:
علی الأرکان بوحدها، والحال أن الأمر لیس کذلک، لصحّۀ سلب « الصلاة » قال المحقق الخراسانی: بأنّ لازم هذا القول أن یصدق
صادقۀ علی ذات الأجزاء والشرائط عدا الرکوع « الصّلاة » عمّا لا یشتمل إلّاعلی الأرکان، هذا من جهۀٍ، ومن جهۀٍ اخري، فإن « الصلاة »
مثلًا.
لیس الأرکان وحدها. « الصلاة » فظهر أنّ الموضوع له لفظ
__________________________________________________
صفحۀ 128 من 205
(1)
.44 / قوانین الاصول 1
ص: 255
وقال المحقق النائینی:
أوّلًا: إن الأرکان لها مراتب متعدّدة، فیلزم تصویر جامع ذاتی أو عرضی بین جمیعها، وحینئذٍ تعود الإشکالات.
وثانیاً: إنّ خروج ما عدا الأرکان لا یخلو من أحد حالین:
علی تام الأجزاء والشرائط مجازیّاً، بعلاقۀ الکلیّۀ والجزئیۀ، « ال ّ ص لاة » إمّا أن تکون خارجۀ عن حقیقۀ ال ّ ص لاة، ولازمه أن یکون صدق
وهذا خلف، لأن المفروض تصویر جامع یکون صادقاً علی الصحیح وغیره علی وجه الحقیقۀ.
وإمّا أن تکون إذا وجدت داخلۀً فی حقیقۀ الصلاة وإذا عدمت خارجۀ عنها، ولازمه أن تکون الذات مردّدةً، وأن یکون شیء عند
وجوده مؤثّراً وعند عدمه غیر مؤثّر، وهذا غیر معقول.
دفاع السیّد الخوئی … ص: 255
:«1» وقد تبع السید الخوئی المحقّق القمی فی هذا التصویر واختار هذا الوجه، وأجاب عن الإشکالات المذکورة
الجواب عن إشکال المحقق النائینی … ص: 255
فأجاب عمّا أورده المحقق النائینی: بأنّ ال ّ ص لاة مرکّب اعتباري، والموضوع له هذا اللّفظ هو الأرکان لا بشرط عن الزیادة، والإشکال
مندفع، وذلک، لأنّ المرکّب الذي لا تقبل أجزاؤه التغیّر والتبدّل والزیادة والنقیصۀ هو المرکّب الحقیقی، لأنّ جزئیّۀ کلّ جزءٍ فیه
حقیقیّۀ وغیر مرتبطۀ باعتبار معتبر.
أمّا المرکّب الإعتباري، فمنه ما یکون محدوداً بحدٍّ من ناحیۀ القلّۀ
__________________________________________________
.168 / 1) محاضرات فی اصول الفقه 1 )
ص: 256
والکثرة معاً کالعدد، فإن الترکیب فیه اعتباري، وأن عنوان الأربعۀ- مثلًا- قد وضع لهذه المرتبۀ المعیّنۀ من العدد، فلو زاد أو نقص
انتفی. ومنه ما یکون محدوداً بحدٍّ من ناحیۀ القلّۀ فقط، أما من ناحیۀ الکثرة فلیس بمحدودٍ، کالکلمۀ والکلام، فحدّ الکلام من ناحیۀ
فإنّه مرکّب اعتباري یتقوّم « الدار » القلّۀ أنْ یکون مفیداً، وهو یحصل بالفعل والفاعل، لکنه من ناحیۀ الکثرة فهو لا بشرط، وکمفهوم
بقطعۀٍ من الأرض ومن السقف والغرفۀ مثلًا، لکنّه لا بشرط بالنسبۀ إلی الزائد، من الغرف والمرافق وغیر ذلک، وأیضاً: هو لا بشرط من
حیث المواد المصنوع منها الجدار والسّقف…
من هذا القسم، فهی مرکّب اعتباري، والأمر فیها بید المعتبر، وقد جعل قوامها الأرکان، لا بشرط بالنسبۀ إلی الزائد علیها، « ال ّ ص لاة » و
وکلّ ما فیها معها کان جزءً وإلّا فلیس بجزءٍ، وهذا مقصود الأعلام- مثل المحقق الإصفهانی، والسید البروجردي- من فرض التشکیک
فی المرکّبات من الصّلاة والحج، ومن الدار، والجَمع … وأنه لا مانع من الإبهام فی ناحیۀ الکثرة مع وجود الحدّ فی ناحیۀ القلّۀ.
علی أجزاءٍ « الصلاة » وعلی الجملۀ، فإنه تسمیۀ ووضع، وللواضع أن یضع اللّفظ علی الشیء الذي اعتبره کیفما اعتبره، فله أنْ یضع اسم
صفحۀ 129 من 205
معیّنۀٍ مخصوصۀٍ هی الأرکان، بحیث لو انتفی واحد منها انتفی الموضوع له، لکنْ لا یحدّد المعنی والموضوع له من ناحیۀ الکثرة بحدٍّ،
علی کذا، علی ما عرفت. « الجمع » علی کذا، وکلمۀ « الدار » فإن جاء شیء زائداً علی الأرکان کان جزءً وإلّا فلا، وله أن یضع اسم
فاندفع الإشکال الثانی بکلا شقّیه، فإن الإستعمال فی المشتمل علی
ص: 257
الأکثر حقیقی ولیس بمجاز، وأنّ المحذور المذکور- وهو کون شیء عند وجوده داخلًا فی حقیقۀ الموضوع له وخارجاً عنها عند
عدمه- غیر لازم، بناءً علی کون الحقیقۀ بشرط بالنسبۀ إلی الزائد.
وأمّا إشکاله الأوّل- وهو کون الأرکان کلّ واحدٍ منها ذا مراتب- فیندفع علی ماذکر، بأنّ المقوّم للحقیقۀ هو أحد المراتب علی البدل،
فإمّا الرکوع الحاصل من القادر، وإمّا الإیماء الحاصل من العاجز، وکذا القیام والقراءة … إذْ التردید فی القضایا الإعتباریۀ ممکن.
هذا تمام الکلام علی ماذکره المحقق النائینی، وقد کان یتعلَّق بمقام الثبوت.
الجواب عن إشکال المحقق الخراسانی … ص: 257
وأما إشکال المحقق الخراسانی فیرجع إلی مقام الإثبات، ویظهر الجواب عنه بالنظر إلی النصوص الواردة فی الصلاة والتأمّل فیها.
صدق «1» « لا تعاد ال ّ ص لاة إلّامن خمسۀ » عمّا لایشتمل إلّاعلی الأرکان، ففیه: إن مقتضی خبر « الصلاة » فأمّا ماذکره من صحّۀ سلب
الاسم علی ما اشتمل علی الأرکان، وعدم صحّۀ سلبه عنه.
وأمّا ماذکره من لزوم عدم الصدق علی الفاقد لواحدة من الأرکان فقط، ففیه: أنه لمّا کانت الصلاة أمراً اعتباریّاً، فإن الصّدق وعدمه
الصلاة ثلاثۀ أثلاث: ثلث طهور وثلث رکوع وثلث » یدور مدار الإعتبار من المعتبر، فلابدّ من لحاظ النصوص، فصحیحۀ الحلبی
تدلّ علی دخول الثلاثۀ «2» « سجود
__________________________________________________
. 371 ط مؤسّسۀ آل البیت علیهم السلام باب 3 من أبواب الوضوء رقم: 8 / 1) وسائل الشیعۀ 1 )
. 366 . باب 1 من أبواب الوضوء رقم: 8 / 2) وسائل الشیعۀ 1 )
ص: 258
عن الرجل ینسی تکبیرة الإحرام؟ » : واعتبارها فی الصّلاة، وصحیحۀ زرارة
تدلّ علی رکنیّۀ التکبیرة. «1» « قال: یعید
فحقیقۀ الصّلاة متقوّمۀ بهذه الامور.
والموالاة لابدّ منها، ولولاها فالصّلاة منتفیۀ.
لکن الأظهر عدم اعتباره فی الحقیقۀ، ولذا لو وقعت إلی غیر القبلۀ نسیاناً أو جهلًا فهی «2» « لا صلاة إلّاإلی القبلۀ » والإستقبال، وإنْ ورد
صحیحۀ.
ولا ینتقض بعدم ذکر التکبیرة، لأن .« لا تعاد » وأمّا التسلیمۀ، فالحق عدم دخولها، فإنّه بالتسلیم یخرج من الصّلاة، ولعدم ذکرها فی خبر
یؤکّد « لا تعاد » مع عدمها فلا صلاة حتی تصدق الإعادة، لأن الإعادة هی الوجود الثانی بعد الوجود الأوّل، فعدم ذکر التکبیرة فی خبر
رکنیّۀ التکبیرة.
هذا، وغیر هذه الامور واجب فی الصلاة ولیس برکن.
صفحۀ 130 من 205
إشکالات شیخنا الاستاذ … ص: 258
اشارة
وقد بحث شیخنا الاستاذ دام ظلّه عن تصویر المحقق القمی ودفاع السید الخوئی عنه، فی مقامین:
-1 مقام الثبوت … ص: 258
والإیراد علیه فی مقام الثبوت من وجوه:
(الوجه الأول) إنه لا ریب فی أنّ أمر الأجزاء واختیارها فی المرکّب الإعتباري هو بید المعتبر، فهو الذي یجعل الامور المعیّنۀ أجزاءً
للمرکّب ومنها
__________________________________________________
. 13 . باب 2 من أبواب تکبیرة الاحرام رقم: 1 / 1) وسائل الشیعۀ 6 )
. 217 ط الاسلامیۀ، الباب 2 من أبواب القبلۀ رقم: 9 / 2) وسائل الشیعۀ 3 )
ص: 259
یتحقق ما اعتبره، لکنّ النقطۀ المهمّۀ هی أنه بعد ما جعل الشیء جزءً لمرکّبه انطبق علیه قانون الکلیّۀ والجزئیّۀ، وهو انعدام الکلّ
بانعدام الجزء، ولیس هذا القانون بید المعتبر ولا یمکنه التصرف فیه، بأنْ یجعله جزءً لکنْ لا ینعدم الکلّ بانعدامه، وعلیه، فإذا کانت
القراءة فی ظرف وجودها جزءً مقوّماً لحقیقۀ الصّلاة، فکیف تبقی حقیقۀ الصّلاة محفوظۀ فی ظرف انعدام القراءة؟
(الوجه الثانی) إن المراد من کون الأرکان لا بشرط بالنسبۀ إلی الزائد هو اللّابشرط القسمی- لا المقسمی- بأنْ یلحظ وجود القراءة
وعدمها ولا یؤخذ شیء منهما فی حقیقۀ ال ّ ص لاة، فنقول: إن قانون اللّابشرط هو اجتماعه مع الشرط، لکنْ یستحیل دخول الشرط فی
اللّابشرط، فالرّقبۀ إن کانت لا بشرط بالنسبۀ إلی الإیمان والکفر، فهی تجتمع مع الإیمان لکن یستحیل تقوّمها بالإیمان، وعلیه: فإذا
کانت الأرکان لا بشرط بالنسبۀ إلی ما زاد علیها من جهۀ حقیقۀ ال ّ ص لاة، استحال دخول الزائد فی حقیقتها فی ظرف وجوده، وکان
لازمه أن یصدق الصّلاة علی مجموع الأرکان والزائد علیها صِدقاً مجازیّاً، مع أنّ المدّعی کونه حقیقیّاً، کصدقه علی الأرکان فقط.
(الوجه الثالث) لا ریب فی أنّ کون الشیء جزءً للمعنی بشرط عدم الشیء، غیر معقول، وکونه جزءً له لا بشرط من الوجود والعدم
خلف الفرض،- لأنه افترض کونه جزءً عند الوجود وخارجاً عند العدم- إذنْ، کون القراءة جزءً لل ّ ص لاة ومقوّماً لحقیقتها ینحصر بحال
وجودها، فوجودها قد اخذ فی معنی الصلاة الموضوع له هذا اللّفظ، وهذا یخالف ما تقرّر من أن الألفاظ موضوعۀ للمعانی الواقعیّۀ
وذوات الأشیاء، من غیر دخلٍ للوجود والعدم. فما ذکر من کون القراءة جزءً للصلاة إذا وجدت وغیر جزءٍ إذا
ص: 260
انعدمت، یخالف القانون المذکور، مضافاً إلی استحالته من جهۀ أنّ الموجود لا یقبل الوجود الإدراکی.
(الوجه الرابع) قد وقع البحث بین الأعلام فی أن التخییر بین الأقل والأکثر معقول أو لا؟ ووجه القول الثانی هو: أنّ الأقل إن کان مبایناً
لبّاً للأکثر فهو معقول، کالتخییر بین الرکعتین والأربع، فإنه وإنْ کان بین الأقل والأکثر لکنّ القصر والإتمام متباینان فی الواقع، أمّا فی
غیر هذه الصورة، مثل التخییر فی التسبیحات بین المرّة والثلاثۀ فغیر معقول، لأنه بمجرّد الإتیان بالمرّة تحقّق الإمتثال وحصل المأمور به
الواجب، لأن الإنطباق قهري، ومعه یستحیل أن یکون الزائد علی المرّة جزءً للمأمور به.
وعلی هذا المبنی یبطل کون الزائد عن الأرکان جزءً.
وأیضاً: فإنّ حقیقۀ الصلاة لا یتحقّق دفعۀً، بل تدریجاً، فإذا کبّر ورکع وسجد، فقد تحققت الأرکان، وبهذه الرکعۀ تحقّقت الصلاة،
صفحۀ 131 من 205
والمفروض کونها لا بشرط عن الزائد، فیستحیل أن یکون الزائد جزءً … فالبرهان المذکور یجري فی الواجب، وفی المسمّی
الموضوع له اللّفظ، علی حدٍّ سواء.
(الوجه الخامس) إن الوجود- سواء الذهنی أو الخارجی أو الإعتباري- یساوق التّعیین، ولا یجتمع مع التردّد، إن ذات الرکوع غیر
أحد » اعتباري فهو متعیّن فی ذاته- وإن کانت جزئیّته للصلاة اعتباریّۀ- فما معنی أنّ الجزء هو أحد مراتب الرکوع علی البدل؟ إنّ
إن کان المفهومی، فهو معقول، لکنه حینئذٍ جامع مفهومی من صناعۀ الذهن ولیس بواقعی، وإن کان المصداقی، فهو غیر « الأمرین
قابل للوجود، ولا ثالث فی البین. فما ذکر- من أن الجامع بین المراتب هو الأحد علی البدل- باطل.
ص: 261
-2 مقام الإثبات … ص: 261
لکونها صریحۀ فی «1» « إذا دخل الوقت وجب الطّهور وال ّ ص لاة » : وأمّا فی مقام الإثبات، فصحیحۀ الحلبی معارضۀ بصحیحۀ زرارة
التکبیرة الواحدة فی افتتاح الصلاة تجزي والثلاث أفضل والسبع أفضل » : خروج الطهارة، وأخبار التکبیرة فیها صحیحۀ محمد بن مسلم
وکذا « لا تعاد » والإجزاء یکون فی مقام الإمتثال ولا علاقۀ له بمرحلۀ المسمّی والموضوع له اللّفظ. وأمّا الإستدلال بحدیث «2» « کلّه
ونحوه، ففیه: أنّها دلیل علی خلاف المطلوب، لأن الإعادة وجود ثانٍ بعد الوجود الأوّل. « یعید » کلّ ما اشتمل علی
أقول:
قد یناقش فی کلام الاستاذ فی روایۀ التکبیرة، بأنّها لا تنافی دخول التکبیرة فی المسمّی، لظهورها- وبقرینۀ ذیلها- فی کفایۀ المرّة
الواحدة، فالرّوایۀ دالّۀ علی الأمرین: دخولها فی حقیقۀ الصّلاة، وکفایۀ المرّة، لکنّ الثلاث والسبع أفضل.
وقد ذکر فی الدورة السابقۀ أنّ فی بعض الأخبار: إن التکبیرة مفتاح ال ّ ص لاة، فقال: بأنّ ظاهر ذلک خروجها عن حقیقۀ الصلاة، لأنّ
مفتاح الشیء خارج عنه. لکنْ قد یقال: بأن المراد من المفتاح: مابه یفتح أو یفتتح الشیء، وهذا قد یکون خارجاً کمفتاح الدار، وقد
یکن داخلًا ومنه التکبیرة، ولذا جاء فی بعض الأخبار: إفتتاح الصّلاة…
وأفاد فی الدورة السابقۀ أیضاً ما جاء فی الأخبار من أن فرائض الصلاة:
__________________________________________________
. 372 الباب 4 من أبواب الوضوء، رقم: 1 / 1) وسائل الشیعۀ 1 )
. 10 الباب 1 من أبواب تکبیرة الإحرام، رقم: 4 / 2) وسائل الشیعۀ 6 )
ص: 262
الطهور والقبلۀ والتوجّه والدعاء، قال: فهی فرائض ال ّ ص لاة، ولیست داخلۀ فی الموضوع له اللَّفظ. لکنْ قد یقال بعدم المنافاة، لأنّ الإمام
علیه السلام لم یکن فی مقام التفصیل بین ما هو داخل فی الحقیقۀ وما هو خارج عنها بل هو فرض فیها.
ولعلّه لِما ذکرنا لم یتعرَّض لهذه الأخبار فی الدورة اللّاحقۀ.
الوجه الثانی … ص: 262
اشارة
مثلًا هو: « الصلاة » ما نسب إلی المشهور من أنّ الموضوع له لفظ
صفحۀ 132 من 205
معظم الأجزاء، ومتی لم یصدق فالمسمّی غیر متحقّق.
وقد ذکر الشیخ الأعظم والمحقق الخراسانی هذا الوجه.
إشکال الشیخ … ص: 262
.« معظم الأجزاء » و « ال ّ ص لاة » فأورد علیه الشیخ بأنّه: إن کان الموضوع له هو معظم الأجزاء المفهومی ففیه، أوّلًا: إن لازمه الترادف بین
وثانیاً: إن الأثر- وهو القابلیّۀ للمعراجیّۀ وغیر ذلک- مترتّب علی الموجود الخارجی لا المفهوم الذهنی. وإن کان الموضوع له هو
معظم الأجزاء المصداقی، فإن مصداق معظم الأجزاء متبدّل، إذ یکون الجزء الواحد داخلًا فی المعنی تارةً وخارجاً عنه اخري، ففی
الفرد ذي العشرة أجزاء مثلًا یکون مصداق المعظم هو سبعۀ أجزاء، وفی ذي السبعۀ یکون خمسۀ أجزاء، فکان الجزآن داخلین فی
المسمّی عندما کان مشتملًا علی عشرة أجزاء، وهما خارجان عنه عندما یکون ذي سبعۀ، فیلزم أن یکون الشیء داخلًا فی المعنی
والکلّ فی صورة، وغیر داخلٍ فی صورةٍ اخري.
ص: 263
إشکال المحقق الخراسانی … ص: 263
وأورد علیه المحقق الخراسانی بوجهین:
أحدهما: أنه إذا کان الموضوع له هو معظم الأجزاء، فاللّازم أنْ یکون صدق الاسم علی المشتمل علی کلّ الأجزاء مجازیاً، بعلاقۀ
الکلّ والجزء.
فی الأفراد المختلفۀ من الصلاة، « معظم الأجزاء » لا تعیّن له، فنحن بحاجۀٍ إلی تصویر الجامع بین « معظم الأجزاء » والثانی: إن نفس
فیعود الإشکال.
جواب المحقّق الخوئی … ص: 263
وأجاب المحقق الخوئی کما فی (المحاضرات):
أمّا عن الأوّل، فبأنّ معظم الأجزاء هو بالنسبۀ إلی الزائد لا بشرط، فإن وجد دخل فی المسمّی.
وأمّا عن الثانی، فبأنّ الجامع المقوّم للمعنی هو المعظم علی البدل.
قال شیخنا:
فی الأوّل: بأنّ المجازیّۀ لازمۀ، کما تقدّم فی التصویر السابق.
وفی الثانی: بأن مراد صاحب (الکفایۀ) هو أن الصلاة التامّۀ الأجزاء والشرائط لو فرضت عشرة أجزاء، فإن المعظم هو سبعۀ، لکنّ هذه
السبعۀ غیر متعیّنۀ، فهل المراد السبعۀ من الأوّل، أو السبعۀ من الوسط، أو السبعۀ من الأخیر؟ ثم إنّ الأفراد مختلفۀ کیفیۀً أیضاً ومتبدّلۀ،
إذ الرکوع تارةً یکون رکوع القادر المختار، واخري یکون بالإیماء، وبینهما أفراد، فکیف یتعقّل المعظم مع الإختلاف الکمّی
والکیفی؟
هذا مراد المحقق الخراسانی، والجواب المذکور غیر دافع له.
صفحۀ 133 من 205
ص: 264
دفاع المحقق النائینی … ص: 264
وقد حاول المحقق النائینی الدفاع عن هذا التصویر بتنظیره ببیع الکلّی فی المعیّن، کصاعٍ من الصبرة، فکما أن المبیع إذا کان صاعاً من
الصّبرة المعیّنۀ ینطبق علی کلّ صاعٍ صاعٍ منها ویکون البیع صحیحاً، کذلک الموضوع له لفظ ال ّ ص لاة، فإنه معظم الأجزاء، وهو قابل
للتطبیق علی أيّ طائفۀٍ من الأجزاء یصدق علیها أنها معظمها.
لکن شیخنا لم یرتض هذا الدفاع.
والجواب
وأجاب: بأنّ حلّ المشکل فی مسألۀ الکلّی فی المعیّن صعب جدّاً، وقد أشکل علیه منذ القدیم بأنّه کیف یمکن الجمع بین السلب
الکلّی والإیجاب الجزئی، حیث أن المشتري لیس بمالکٍ لشیء من أجزاء الصّبرة، وهو فی نفس الوقت مالک لصاعٍ منها؟
ثم إنه بغض النظر عن ذلک، فقیاس ما نحن فیه بتلک المسألۀ مع الفارق:
أمّا أوّلًا: فلإنّه یحصل التعیین هناك بواسطۀ البائع، ولذا لو تصرّف فی الصّبرة ببیعٍ وغیره ولم یبق إلّاصاع واحد، لم یکن له التصرف
فیه لئلّا یفوت حق المشتري، وعلی کلّ تقدیرٍ، فالتّعیین یحصل هناك، بخلاف المقام، إذ لا طریق إلی تعیین المعظم.
وأمّا ثانیاً: إن المبیع هناك کلّیٌّ، غیر أنه مضاف إلی هذه الصّبرة، بخلاف ما نحن فیه، حیث أنّ الموضوع له هو المصداق- لما تقدّم
من أنه لیس المفهوم وقد تردّد ولا طریق إلی تعیینه، والمردّد لا ذات له ولا وجود.
ص: 265
الوجه الثالث … ص: 265
موضوع لهذه الذات، وهو اسم « زید » إنّ الموضوع له لفظ الصلاة- مثلًا- وزانه وزان الموضوع له فی الأعلام الشخصیّۀ، فکما أنّ لفظ
یصدق مع کلّ التبدّلات « الصلاة » له فی جمیع حالاته من حین ولادته، ویصدق علیه بالرغم من تغیّراته کمّاً وکیفاً، کذلک لفظ
الحاصلۀ فی الأجزاء کمّاً وکیفاً.
والجواب
إنّ المسمّی الموضوع له فی الأعلام الشخصیّۀ هو ماهیّۀ شخصیّۀ، وشخصیّتها بالصورة لا بالمادّة، لقولهم: شیئیۀ الشیء بصورته لا
بمادّته، وصورة زید فی جمیع حالاته وأدوار حیاته محفوظۀ لا تتغیّر، والمتغیّر هی المادّة، فقیاس وضع الأعلام الشخصیّۀ بما نحن فیه
مع الفارق.
وجاء فی جواب صاحب (الکفایۀ): إن الموضوع له عبارة عن الشخص، وشخصیّۀ الشیء بوجوده الخاص.
فهو رحمه اللَّه یري الصّورة وجوداً، فیرد علیه: أنّه إذا کان الموضوع له هو الشخص، والشخصیّۀ بالوجود، فکیف ینتقل الموضوع له
إلی الذهن بالإستعمال، لأنّ الوجود لا یقبل الوجود الذّهنی ولا غیره من الوجودات؟
وکیف کان، فالتصویر المذکور مردود.
الوجه الرّابع … ص: 265
صفحۀ 134 من 205
قد وضع أوّلًا لل ّ ص لاة الجامعۀ لجمیع الأجزاء والشرائط، ثم إنه یطلق علی مراتبها الاخري من باب المشاکلۀ فی « ال ّ ص لاة » إن لفظ
الصّورة والمشارکۀ فی التأثیر وترتب الأثر المطلوب، فالإطلاق الأوّل علی المراتب مجازي، لکنّه بالإستعمال المتکرّر یصیر اللّفظ
حال الاسم الذي یوضع علی المعجون المرکّب « الصلاة » حقیقۀً فیها، فیکون حال الموضوع له لفظ
ص: 266
من أجزاءٍ معیّنۀٍ، والمصنوع لفائدةٍ معیّنۀ، فإنّه الموضوع له أوّلًا، لکنّ هذا الاسم یطلق مجازاً فیما بعد علی هذا المرکب فی حال تبدّل
جزء من أجزائه مثلًا، فإذا تکرّر إطلاقه علیه مراراً صار حقیقۀً فیه.
وضع للجامع بین الأجزاء، وللصلاة الصحیحۀ الفاقدة لبعضها کصلاة العاجز، ثم یستعمل فی الصلاة « ال ّ ص لاة » وعلی الجملۀ، فلفظ
الفاسدة أیضاً للمشابهۀ والمشاکلۀ فی الصورة، کما لو صلّاها جامعۀً لجمیع الأجزاء لکن ریاءً.
والجواب
وأجاب المحقق الخراسانی بالفرق بین الصلاة والمعجون، فالمعجون المصنوع لغرضٍ خاصٍ لا اختلاف فی کیفیّته، بخلاف الصلاة،
فإنها حتی الصحیح منها تختلف باختلاف الحالات والمراتب والأشخاص.
الوجه الخامس … ص: 266
إن الوضع فیما نحن فیه نظیر الوضع فی الأوزان والمقادیر، فإن المثقال والکرّ مثلًا موضوعان لمقدار خاصٍ معیّن، لکنهما یطلقان
کذلک متی نقص شیء عن المقدار المحدود أو زاد، فکذا لفظ الصّلاة، فإنه یصدق مع زیادة جزءٍ أو نقصانه.
والجواب
حبّۀ مثلًا، فلو نقص حبۀً واحدة صحّ سلب الاسم عنه، فما ذکر غیر صحیحٍ فی المقیس علیه. «24» موضوع ل « المثقال » أوّلًا: إنّ
وثانیاً: إنه لو سلّم ما ذکر فی المقیس علیه، ففی المقیس غیر صحیح، والقیاس مع الفارق، لأنه مع نقص ثلاث حبّات مثلًا من المثقال
ینتفی الموضوع له، لکنْ فی صلاة العاجز حیث تفقد أکثر الأجزاء یصدق الاسم، لکونها صلاةً حقیقۀً.
ص: 267
المختار … ص: 267
اشارة
واستوجه شیخنا الاستاذ دام بقاه فی الدورة السّابقۀ تصویر السید البروجردي، لکنْ بجعله جامعاً بناءً علی الأعم، وهو ظاهر بحثه فی
الدورة اللّاحقۀ، حیث تعرَّض لهذا الرأي فی نهایۀ البحث.
بناءً علی الأعم، لا یرد شیء ممّا تقدّم من الإشکالات، « الهیئۀ الخضوعیّۀ » أو « التوجّه » وقد قرّبه فی الدورتین، بأنّه مع کون الجامع هو
لأنها کانت تتوجّه بناءً علی الوضع للصحیح، والتوجّه أمر واحدٌ موجودٌ مع جمیع الأفراد، وسائر الخصوصیّات تکون دخیلۀ فی متعلَّق
الطّلب، وهو- أي التوجّه- أمر خارجی انتزاعی، قابل للإنطباق علی المتباینات، فیقوم تارةً بالکیف المسموع واخري بالوضع، فالتوجّه
« الغصب » والخضوع یحصل بالتکلّم وبالقیام وبالإنحناء، وهکذا، وینتزع من کلّ واحدٍ من هذه الامور، ویتحقق مع کلّ واحدٍ منها، نظیر
فإنه یتحقّق بالتصرف فی مال الغیر من دون إذنه، بأي شکلٍ من أشکال التصرف الحاصل من المقولات المتباینۀ.
هذا بالنسبۀ إلی مقام الثبوت.
فی اللّغۀ إما الدّعاء وإمّا العطف والتوجّه، وعلی کلا التفسیرین یتم الجامع المذکور، لأنّ الدعاء یکون بغیر « ال ّ ص لاة » وأمّا إثباتاً، فإن
صفحۀ 135 من 205
اللّفظ أیضاً، ویشهد للمعنی الثانی مافی بعض الأخبار من أنّ اللَّه تعالی لمّا علم باندراس
ص: 268
الدین شرّع الصلاة حفظاً لها من الإندراس و لیتوجّه الناس إلیه بها.
ثم إن النسبۀ بین الأذکار الموجودة فی الصّلاة وبین التوجّه لیس النسبۀ بین المسبب والسبب، لأن السبب والمسبب موجودان بوجودین
لا بوجودٍ واحدٍ، والحال أن الموجود خارجاً هو الذکر ولا وجود هناك للتوجّه، فنسبۀ التوجّه إلی الذکر نسبۀ الأمر الإنتزاعی إلی منشأ
الإنتزاع، لا نسبۀ السبب إلی المسبب.
وتلخّص: إنه یمکن تصویر الجامع علی الوضع للأعم، بأنه هو التوجّه والتخشّع والخضوع، بالتقریب المذکور.
الإشکال علیه
ثم أورد علیه شیخنا ثبوتاً وإثباتاً:
أمّا ثبوتاً، فلأن التوجّه إذا کان منتزعاً من هذه الأقوال والأفعال المتباینۀ ومتّحداً معها وجوداً، استحال أنْ یکون واحداً. هذا أوّلًا.
یصدق مع الأجزاء القلیلۀ، وهو مع الرکوع غیره مع السجود والقیام والقراءة وهکذا … وبمجرّد تحقّق الأقل یصدق « التوجّه » وثانیاً: إنّ
الصّلاة، فیکون الزائد علیه خارجاً عن حقیقۀ الموضوع له المسمی.
وقد کان هذا الإشکال وارداً علی جمیع التصویرات التی اعتبرت الوجود التشکیکی للجامع، کما تقدّم.
وأمّا إثباتاً: فلأن ال ّ ص لاة- بحسب النصوص وارتکاز المتشرعۀ- هی نفس الأقوال والأفعال لا العنوان المنتزع منها کالتوجّه. بل فی خبرٍ
الوقت والطهور والقبلۀ » : صحیحٍ سئل الإمام علیه السلام عن الفرض فی الصّلاة فقال
ص: 269
فکان التوجّه من فرائض الصّلاة ولیس الصّلاة. «1» « والتوجّه والرکوع والسجود والدعاء
خاتمۀ المقدّمۀ الرّابعۀ … ص: 269
والتحقیق: أنه لا أثر لتصویر الجامع فی ترتّب الثمرة وعدم ترتّبها، وذلک، لأن الثمرة إمّا جواز أو عدم جواز التمسک بالأصل اللفظی
وهو الإطلاق، وإمّا جواز أو عدم جواز التمسّک بالأصل العملی وهو البراءة، لرفع ما شک فی جزئیّته أو شرطیّته فی الصّلاة. أمّا الأصل
فإنْ « ثلاثۀ أثلاث » العملی، فإنّ وجود القدر المتیقّن یکفینا لإجراء الأصل، وأما الأصل اللّفظی، فإنّ من النصوص ما یعیِّن ال ّ ص لاة بأنّه
اعتبر قید آخر بدلیلٍ معتبر أضفناه وإلّا أخذنا بإطلاق النص.
وعلی هذا، فلا حاجۀ لتصویر الجامع مطلقاً، لعدم توقف ترتّب الثمرة علی وجوده.
المقدّمۀ الخامسۀ (ثمرة البحث …) ص: 269
اشارة
إنّ أهمّ ماذکروا فی هذا المقام هو:
-1 جریان البراءة علی الأعم، والإشتغال بناءً علی الصحیح.
2 -
ز
ا
و
ج
ک
س
م
ت
ل
ا
ق
لا ط
لإ ا
ب
ءً ا
ن
ب
ی
ل
ع
م
ع
لأ ا
،
م
و
ز
ل
و
ل
ا
م
ج
لإ ا
ءً ا
ن
ب
ی
ل
ع
ح
ی
ح
ص
ل
ا
.
__________________________________________________
صفحۀ 136 من 205
(1)
. 365 ط مؤسّسۀ آل البیت علیهم السلام الباب 1 من أبواب الوضوء، رقم: 3 / وسائل الشیعۀ 1
ص: 270
-1 البراءة والإشتغال … ص: 270
اشارة
لو شک فی جزئیّۀ شیء أو شرطیّته فی الصلاة- مثلًا- فهل تجري البراءة عنه أو یحکم العقل بالإشتغال فیجب إتیانه؟ أو یختلف الأمر
حسب المبنی فی وضع لفظ الصّلاة؟
هنا أقوال:
أحدها: جریان الإشتغال، سواء قیل بالوضع للصحیح أو قیل بالوضع للأعم.
والثانی: جریان البراءة، سواء قیل بالوضع للصحیح أو قیل بالوضع للأعم.
وهذا هو المستفاد من (التقریرات) و (الکفایۀ).
والثالث: جریان البراءة علی الأعم، والإشتغال علی الصحیح.
وهذا هو المستفاد من (القوانین) و (الریاض) واختاره المحقق النائینی.
والرابع: التفصیل بین ما إذا کان البیان لفظیّاً فالإشتغال، أو حالیّاً أو مقامیّاً فالبراءة.
والخامس: التفصیل بین الصحیح النوعی فالبراءة، والصحیح الشخصی- وهو کون الموضوع له صلاة العالم المختار، والبواقی أبدال-
فالإشتغال.
ص: 271
هذه هی الأقوال فی هذا المقام.
والمهمّ أنّ جماعۀ یرون ترتّب الثمرة علی هذا البحث، وهم المیرزا القمی والمیرزا النائینی وآخرون، وجماعۀ یرون أنْ لا ثمرة للبحث،
وهم الشیخ والمحقق الخراسانی وآخرون.
تقریب الثمرة … ص: 271
هو خصوص الصحیح، کان التکلیف- أي الوجوب- معلوماً، وکذلک المکلَّف به وهو « الصلاة » إنه إنْ کان الموضوع له لفظ
الصحیح، ومع الشک فی جزئیّۀ شیء أو شرطیّته، یرجع الشک إلی تحقّق الإمتثال بدون الشیء المشکوك فیه، ومعه یحکم العقل
بالإشتغال. وأمّا بناءً علی الوضع للأعم، فهو صادق علی فاقد الجزء أو الشرط المشکوك فیه، ومع الشک یدور أمر المکلَّف به بین
الأقل والأکثر، وقد تقرّر فی محلّه أن الأقل والأکثر الإرتباطیین مجري البراءة، لکون الأقل متیقّناً والشک یرجع إلی أصل التکلیف
بالنسبۀ إلی الأکثر.
إشکال الشیخ والکفایۀ … ص: 271
إنه لا أثر للوضع للصحیح أو الأعم فی جریان البراءة أو الإشتغال، بل الملاك هو انحلال العلم الإجمالی فی الأقل والأکثر الإرتباطیین
وعدم الإنحلال.
صفحۀ 137 من 205
فإن کانت النسبۀ بین المأمور به وبین الأجزاء والشرائط نسبۀ السببیّۀ، کان الأصل الجاري فی المورد هو الإشتغال، لأنه یصیر من قبیل
سببیّۀ الغسل والمسح فی الوضوء للطهارة، حیث أن التکلیف بالمسبَّب معلوم، لکنْ لا ندري هل یتحقّق بدون الخصوصیّۀ المشکوك
فیها أو لا؟ فیرجع الشک إلی
ص: 272
المحصّل، والمرجع فیه هو قاعدة الإشتغال.
وأمّا إن کانت النسبۀ اتحادیۀ، أي: لیس المأمور به إلّانفس الأجزاء والشرائط- فنسبۀ المأمور به إلی الأجزاء والشرائط نسبۀ الطبیعۀ إلی
الفرد، ولا توجد فی البین سببیّۀ ومسبّبیۀ- فیقع الشک فی الجامع الذي تعلَّق التکلیف به، المتّحد مع الأجزاء، من جهۀ أنه هل الأجزاء
عشرة مثلًا أو أقل، وإذا دار الأمر بین الأقل والأکثر، فالأصل هو البراءة عن الأکثر.
فظهر جریان البراءة علی کلا القولین، فلا ثمرة للبحث.
جواب المحقق النائینی … ص: 272
وأجاب المحقق النائینی بأنّ الأجزاء لا تتّصف بالصحّۀ إلّاإذا تعنونت بعنوانٍ من ناحیۀ العلّۀ أو من ناحیۀ المعلول، فالصحیح من الصّلاة
ما تکون ناهیۀ عن الفحشاء والمنکر، أو ما یکون مسقطاً للإعادة والقضاء، أو مسقطاً للأمر، فمسقطیّۀ الإعادة والقضاء عنوان ولونٌ من
ناحیۀ معلول الحکم، لکون ذلک فرعاً للإمتثال، والنهی عن الفحشاء والمنکر لون وعنوان من ناحیۀ علّۀ الحکم، لأنه الغرض من
ومع الشک فی تحقّق العنوان بدون « ماهو المسقط للأمر » و « ماهو الناهی عن الفحشاء » التکلیف، وعلیه، فعندنا علم بتعلّق التکلیف ب
ما شک فی جزئیّته یکون الشک فی المحصّل، وهو مجري قاعدة الإشتغال.
هذا بناءً علی الوضع لخصوص الصحیح.
وأما بناءً علی الوضع للأعم، فلیس لمتعلَّق التکلیف عنوان ولونٌ من ناحیۀ العلّۀ ولا المعلول، فعلی القول بالإنحلال فی دوران الأمر بین
الأقل والأکثر الإرتباطیین یکون الأصل الجاري هو البراءة.
ص: 273
فالثمرة بین القولین محقّقۀ، ولا یجتمع القول بالوضع للصحیح مع القول بالبراءة.
مناقشۀ المحقق الإصفهانی … ص: 273
وناقشه المحقق الإصفهانی بأنّ العنوان المذکور لیس قیداً لمتعلَّق التکلیف، بل هو کاشف عنه ومشیر إلیه، ولمّا کان المکلَّف به متّحداً
« الناهی عن الفحشاء » مع الأجزاء، وهی مرددة بین الأقل والأکثر الإرتباطیین، فالأصل هو البراءة، فلا ثمرة، والوجه فی عدم کون عنوان
قیداً للمعنی المتعلَّق به التکلیف هو: إن النهی عن الفحشاء الحاصل من قصد الأمر فرعٌ للأمر، والأمر فرع للمعنی، فکون النهی عن
الفحشاء قیداً للمعنی والموضوع له اللّفظ مستحیل.
جواب الاستاذ عن هذه المناقشۀ … ص: 273
وأورد علیه شیخنا الاستاذ دام ظلّه بأنه لا ریب فی أنّ الناهی عن الفحشاء لیس هو المأمور به کما قال المحقق الإصفهانی، ولکنه
عنوانٌ مبیّن للمأمور به، ومع تبیّنه وزوال الشک عنه ینتفی مناط جریان البراءة، بل یکون المورد مجري قاعدة الإشتغال، إذ مع کون
المأمور به مبیَّناً لو شُک فی تحقّق الإمتثال بإتیان ال ّ ص لاة بدون الخصوصیّۀ المشکوك فیها، یحکم العقل بلزوم إتیان الخصوصیّۀ
تحصیلًا للیقین بالفراغ بعد الیقین بالإشتغال.
صفحۀ 138 من 205
وهو الجواب عن مناقشۀٍ اخري … ص: 273
وماذکره هو الجواب عن مناقشۀٍ اخري وحاصلها: أنه لو کان الصحیحی یرید الصحیح الفعلی فکلام المیرزا تام، لکنّ الموضوع له
لیس الصحیح الفعلی، وإلّا لکان قصد القربۀ دخیلًا فی الصلاة، وکذا عدم المزاحم- بناءً
ص: 274
علی بطلان الترتّب، لعدم تحقّق الصحیح الفعلی بدون قصد القربۀ ومع وجود المزاحم- بل القائلون بالوضع للصحیح یریدون التام
الأجزاء والشرائط التی فی مرتبۀ قبل الأمر، وهذه الحقیقۀ یکون فیها الأقل والأکثر، وتقبل تعلّق الیقین والشک الذي هو موضوع أصالۀ
البراءة.
أقول:
لقد وافق دام ظلّه علی هذه المناقشۀ، فی الدورة اللّاحقۀ، ولأجلها ذهب إلی انتفاء الثمرة، وإجراء البراءة علی القولین، أمّا فی الدورة
و « المسقط للأمر » و « الناهی عن الفحشاء » السّابقۀ فقد أجاب عنها بما ذکر، وحاصله: إنّا قد عرفنا المأمور به نحو معرفۀٍ من ناحیۀ عنوان
فکان علینا تحصیل المعنون بهذا العنوان، فهل یحصَّل بإتیان الفاقد للشیء المشکوك جزئیّته أو لا؟ فمقتضی « للإعادة والقضاء »
القاعدة هو الإشتغال علی القول بالصحیح.
ولعلّ هذا هو الأظهر، واللَّه العالم.
مناقشۀ الشیخ الحائري مع المحقق الخراسانی … ص: 274
وتعرّض شیخنا لإشکال الشیخ الحائري علی صاحب (الکفایۀ)، وهو: إنّ الذي تعلَّق به التکلیف ودخل تحت الأمر لیس ال ّ ص لاة
المرکَّب من التکبیرة والرکوع والسجود وغیرها، لأن المرکب ینقسم إلی الصحیح والفاسد، فلا یستقیم قول الصحیحی کالمحقق
الخراسانی، بل إن الصلاة معنی بسیط، وهو غیر التکبیر والرکوع والسجود، إلّاأنه متّحد معها وجوداً، وهذا المعنی البسیط هو الداخل
تحت الأمر، وإذا کان بسیطاً کما تقدَّم فلا یعقل فیه الأقل والأکثر، فلا مناص علی القول بالوضع للصحیح من الإلتزام بالإشتغال.
ص: 275
وجوابها
وأجاب دام ظلّه عن ذلک: بأن من البسیط ما هو آنی الوجود، وهذا لا یعقل فیه الأقل والأکثر، والمتیقَّن والمشکوك، کما ذکر. ومن
البسیط ما هو تدریجی الوجود، وهذا هو مراد صاحب (الکفایۀ)، وهو متّحد مع الأجزاء من التکبیر وغیره، یتحقق بالتدریج مع کلّ
واحدٍ من الأجزاء، نظیر الخط، فإنّه وإنْ کان خطّاً واحداً لکنه ممتد بسبب الوجود، وعلیه یمکن تصویر الأقل والأکثر، بأنْ یقال مثلًا:
قد علم بتعلّق التکلیف من التکبیرة إلی السجود، وما زاد عن ذلک فمشکوك فیه.
ملخّص المختار …: ص: 275
اشارة
وتلخص: اختلاف نظر الاستاذ فی الدورتین، والأوفق بالنظر هو ماذهب إلیه فی الدورة السابقۀ من وجود الثمرة.
تتمّۀ … ص: 275
هو صلاة العامد العالم المختار، وأنّ « الصّلاة » إنه قد وقع الکلام فی خصوص مسلک الشیخ والمحقق النائینی من أن الموضوع له اسم
صفحۀ 139 من 205
الأفراد الاخري من الصلاة إنّما هی أبدالٌ عن المسمّی الموضوع له، فربما یقال: بأنّ مقتضی القاعدة هو الإشتغال، لأنّا نشک فی بدلیّۀ
المرتبۀ الناقصۀ عن تلک المرتبۀ التی هی الموضوع له، والأصل عدم البدلیّۀ، فلابدّ من الإتیان بالجزء المشکوك فیه.
وأجاب المحقق العراقی: بأن الأصل هو البراءة عن اعتبار الجزء المشکوك فی جزئیّته، فالعمل الفاقد له یکون بدلًا عن المرتبۀ الکاملۀ،
لأنّ الشک فی البدلیّۀ کان مسبّباً عن الشک فی الاعتبار، فإذا جري الأصل فی
ص: 276
السّبب ارتفع الشک فی المسبّب.
فقال شیخنا دام ظلّه: بأنّ لقاعدة تقدیم الشک السببی علی المسببی رکنین، أحدهما: وجود السببیۀ والمسببیّۀ بینهما، والآخر، أن یکون
مجري الأصل من الآثار الشرعیّۀ للسبب.
إنه لا إشکال فی المقام من جهۀ الرکن الأوّل، إذ مع الشک فی وجوب الجزء المشکوك الجزئیۀ یتمسّک بالبراءة، ویتقدم هذا الأصل
علی أصالۀ عدم البدلیّۀ فی طرف المسبَّب، إلّاأن الإشکال فی الرکن الثانی، من جهۀ أن صیرورة هذا العمل المأتی به بدلًا عن العمل
الکامل هو من اللوازم العقلیّۀ لهذا المشکوك ولیس من آثاره الشرعیّۀ، لأنه لمّا کان المشکوك فیه غیر واجب، کان لازم عدم وجوبه
صیرورة العمل الفاقد له بدلًا عن المرتبۀ الکاملۀ، وهذا لازم عقلی لمجري الأصل، لأن مجري الأصل کما تقدم عدم الوجوب، وبدلیّۀ
حتی یکون من الآثار الشرعیّۀ … وإذا « البدل » العمل الفاقد عن التام لازم عدم الوجوب، إذ لیس فی شیء من الأدلّۀ الشرعیّۀ عنوان
کان من الآثار العقلیّۀ لا الشرعیّۀ فإن إثبات هذا العنوان بالبراءة من وجوب الجزء المشکوك فیه أصل مثبت.
فهذا هو الإشکال علی المحقق العراقی.
والإشتغال هو المحکّم علی مسلک الشیخ والمحقق النائینی.
ص: 277
-2 الإطلاق والإجمال … ص: 277
اشارة
تارةً مقامی حالی واخري لفظی. « الإطلاق » و
مناط الإطلاق المقامی هو السکوت والسکون، لأنّ المقام إذا اقتضی بیان المولی جمیع المطلوب من العبد، فسکوته عن غیر ما بیَّن
کاشف عن عدم مطلوبیّۀ ذلک الغیر، وکذا إذا کان فی مقام التعلیم عملًا- کأخبار الوضوءات البیانیّۀ- فإنّه عندما انتهی من العمل
انکشف عدم جزئیّۀ ما لم یأت به فیه.
وکثیراً ما یتمسّک بالإطلاق المقامی، کما فی موارد القیود المأخوذة بعد تعلّق الأمر، مثل اعتبار قصد القربۀ فی العمل.
ومناط الإطلاق اللفظی توفّر ثلاثۀ امور- علی المشهور-:
-1 کون الحکم وارداً علی المقسم، وکون المفهوم صادقاً فی المورد مع إحراز الصّدق.
-2 کون المتکلّم فی مقام البیان لا التشریع أو الإجمال والإهمال.
-3 عدم نصب القرینۀ علی التقیید، وکذا عدم وجود ما یصلح للصارفیّۀ.
واعتبر المحقق الخراسانی مقدّمۀً رابعۀ هی عدم وجود القدر المتیقّن فی مقام التخاطب.
ص: 278
صفحۀ 140 من 205
الکلام حول الثمرة … ص: 278
قالوا: إنه بناءً علی القول بالصحیح لا یمکن التمسّک بالإطلاق، لأنه فی جمیع موارد الشک فی اعتبار شیء ودخله فی المسمّی
الموضوع له اللَّفظ، لا یمکن إحراز صدق المفهوم علی الفرد الفاقد لِما شکّ فی اعتباره، فلا یجوز التمسّک بالإطلاق، بل یلزم
الإجمال. وأمّا بناءً علی الأعم، فالمفروض صدق عنوان ال ّ ص لاة علی فاقد السّورة مثلًا، فالصدق محرز، فلو شکّ فی اعتبار شیء زائداً
علی ما علم باعتباره تمسّک بالإطلاق لنفی دخل الخصوصیّۀ المشکوك فیها.
الاشکالات … ص: 278
اشارة
وقد اشکل علی هذه الثمرة بوجوه:
الوجه الأول … ص: 278
اشارة
قال الشیخ ما ملخّصه: إنّه لا یمکن التمسّک بإطلاقات الکتاب والسنّۀ، لأنّها بصورةٍ عامّۀ فی مقام التشریع لا البیان، فالمقدمۀ الثانیۀ
«1» « وَلِلّهِ عَلَی النَّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَیْهِ سَبِیلًا » : منتفیۀ، فلا ثمرة للبحث فی مسائل العبادات، کقوله تعالی
«2» « إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَی عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنکَرِ » : إذ الآیۀ فی مقام أصل التشریع، وکذا ما اشتمل علی بعض الآثار کقوله تعالی
إذ لا بیان فی الآیۀ الکریمۀ لحقیقۀ الصلاة.
الجواب الأول عن الإشکال … ص: 278
واجیب عن هذا الإشکال أوّلًا: بتمامیۀ الإطلاق فی قوله تعالی:
__________________________________________________
. 1) سورة آل عمران: 97 )
. 2) سورة العنکبوت: 45 )
ص: 279
«1» « یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ کُتِبَ عَلَیْکُمُ الصِّیَامُ کَمَا کُتِبَ عَلَی الَّذِینَ مِن قَبْلِکُمْ »
لأن الصیّام عبارة عن الإمساك عن الأکل والشرب، وقد وقع فی الآیۀ موضوعاً للحکم بالوجوب، فکلّ ما شککنا فی دخله فی
الموضوع زائداً علی طبیعۀ ال ّ ص یام ندفعه بإطلاق الآیۀ بناءً علی القول بالأعم، أمّا علی القول بالصحیح فلا إطلاق، لرجوع الشک إلی
أصل تحقّق الصیام بدون الشیء المشکوك فیه.
مناقشۀ الاستاذ … ص: 279
وأجاب شیخنا عن ذلک بوجوه:
إِنِّی نَذَرْتُ » أوّلًا: إن الصیام فی اللّغۀ کما عن بعضهم هو مطلق الإمساك، فعن أبی عبیدة أنّ الإمساك عن السیر صیام، وفی الکتاب
«2» « لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُکَلِّمَ الْیَوْمَ إِنسِیّاً
صفحۀ 141 من 205
فلا اختصاص له بالأکل والشرب.
وثانیاً: إن الآیۀ فی مقام بیان أن وجوب الصیام لیس مختصّاً بهذه الامۀ، وأنّه کان فی الشرائع السابقۀ، فلیس فی مقام بیان حکم الصیام
فی هذه الشریعۀ کی یتمسّک بإطلاقها متی شک فی دخل شیء.
وثالثاً: إن التمسّک بالإطلاق موقوف علی إحراز کون المتکلّم فی مقام بیان جمیع المراد، وإلّا فلا یجوز، وفی الصیام نري ورود قیود
کثیرةٍ، لأنه إمساك عن تسعۀ امور لا عن الأکل والشرب فقط، وإذا کان للموضوع هذه الکثرة من التقییدات المبیّنۀ فی مجالس لاحقۀ
؟«3» « کُتِبَ عَلَیْکُمُ الصِّیَامُ » : وبأدلّۀ اخري، کیف یصح القول بکونه فی مقام البیان فی قوله
__________________________________________________
. 1) سورة البقرة: 183 )
. 2) سورة مریم: 26 )
. 3) سورة البقرة: 183 )
ص: 280
الجواب الثانی عن الإشکال … ص: 280
واجیب عن اشکال الشیخ ثانیاً: بأنا فی ترتّب الثمرة لا نرید فعلیّتها، بل یکفی إمکان ترتّبها، وهذا حاصل فی المقام.
وفیه: کیف یکفی وجود المقتضی لترتّبها والحال أنه دائماً مبتلی بالمانع؟ هذا علی فرض تمامیۀ المقتضی … إنه لابدّ من تحقّق الثمرة
فی الفقه ولو فی موردٍ واحد.
التحقیق فی المقام … ص: 280
والتحقیق أن یقال: إنه وإنْ کان قسم من الآیات والروایات فی مقام التشریع وبصدد التقنین، لکنّ فی الکتاب ماهو فی مقام البیان، ولذا
«1» « یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَکُمْ وَأَیْدِیَکُمْ » : یمکن التمسّک بإطلاقه، کآیۀ الوضوء
.«2» « الرؤوس » فی « الباء » …مضافاً إلی تمسّک الإمام علیه السلام بها للتفصیل بین المسح والغسل بمجیء
.«3» وکآیۀ نفی الحرج والعسر، حیث تمسّک بها الإمام علیه السلام فی روایۀ عبد الأعلی مولی آل سام فی حکم الجبیرة
لصحّۀ بیع المضطرّ، کما فی « أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ » : وکذلک الحال فی بعض آیات المعاملات، فقد استدل الإمام علیه السلام بقوله تعالی
ولولا ذلک لقلنا بأن الآیۀ فی مقام المقابلۀ بین البیع والربا، وأنه حلال والربا حرام فلا إطلاق لها، کما نبّه .«4» صحیحۀ عمر بن یزید
علیه المحقق الإصفهانی.
__________________________________________________
(1)
. سورة المائدة: 6
. 413 ط مؤسّسۀ آل البیت علیهم السلام، الباب 23 من أبواب الوضوء، رقم: 1 / 2) وسائل الشیعۀ 1 )
. 464 ط مؤسّسۀ آل البیت علیهم السلام، الباب 39 من أبواب الوضوء، رقم: 5 / 3) وسائل الشیعۀ 1 )
. 446 ، الباب 40 من أبواب آداب التجارة، رقم: 1 / 4) وسائل الشیعۀ 17 )
ص: 281
.«1» « ضَرَبَ اللّهُ مَثَلًا عَبْداً مَّمْلُوکاً لَّا یَقْدِرُ عَلَی شَیْءٍ » : واستدل الإمام علیه السلام لعدم صحّۀ طلاق العبد بقوله تعالی
صفحۀ 142 من 205
فظهر أنّ إشکال الشیخ غیر وارد علی إطلاقه، ففی الکتاب آیات یمکن التمسّک بإطلاقها، سواء فی العبادات أو المعاملات، وأنه لا
وجه لتخصیص الإشکال بالعبادات.
فی مسألۀ الوضوء «2» ( علی أنه ینقض علیه بکثرة تمسّ که بإطلاقات الکتاب فی کتبه الفقهیّۀ، فقد تمسّک فی (کتاب الطهارة
لإعادة الوضوء بعد رفع الإضطرار. « إِذَا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَکُمْ » الإضطراري بقوله تعالی
فی مسألۀ تعذّر الإضطجاع علی الطرف الأیمن وأنّه فی هذه الحالۀ یضطجع علی الطرف الأیسر أو «3» ( وتمسّک فی (کتاب الصلاة
.«4» « الَّذِینَ یَذْکُرُونَ اللّهَ قِیَاماً وَقُعُوداً وَعَلَیَ جُنُوبِهِمْ » : یستلقی؟ تمسّک بقوله تعالی
وهکذا فی غیر هذه الموارد.
وتلخّص: إن فی آیات الکتاب ماهو فی مقام البیان.
وفی السنّۀ أیضاً کذلک، فمن السنّۀ ما جاء فی بدء البعثۀ، فهذا القسم من التشریع، أمّا ما صدر فی أواخره ففی مقام البیان.
ومِمّا ذکرنا یظهر أنْ لا حاجۀ إلی ماذکره المحقق الإصفهانی من کفایۀ ثبوت کون آیۀٍ واحدةٍ فی مقام البیان عند مجتهدٍ واحدٍ، فإنّ
هذا الکلام وإنْ کان صحیحاً، لکن لا تصل النوبۀ إلیه، بعد وضوح کون آیاتٍ فی مقام البیان،
__________________________________________________
. 99 الباب 43 من أبواب مقدمات الطلاق رقم 2 والآیۀ فی سورة النحل: 75 / 1) وسائل الشیعۀ 22 )
293 ط مجمع الفکر الإسلامی. / 2) کتاب الطهارة للشیخ الأعظم 2 )
508 ط مجمع الفکر الإسلامی. / 3) کتاب الصلاة للشیخ الأعظم 1 )
. 4) سورة آل عمران: 191 )
ص: 282
وأن الأئمۀ تمسّکوا بها، وکذا الفقهاء من الشیخ الطوسی إلی الشیخ الأنصاري.
الوجه الثانی … ص: 282
إن الإطلاق والتقیید فی العبادات إنما یلحظان بالنسبۀ إلی المأمور به ومتعلّق الأمر، لا بالقیاس إلی المسمّی، ضرورة أن الإطلاق أو
التقیید فی کلام الشارع أو غیره إنّما یکون بالقیاس إلی مراده وأنه مطلق أو مقیّد، لا إلی ماهو أجنبی عنه، وعلی هذا، فلا فرق بین
القولین، فکما أن الصحیحی لا یمکنه التمسّک بالإطلاق فکذلک الأعمّی، أمّا الصحیحی فلعدم إحرازه الصّدق علی الفاقد لِما شُک
فی اعتباره جزءً أو شرطاً، لاحتمال دخله فی المسمّی، وأمّا الأعمّی فلأجل أنه یعلم بثبوت تقیید المسمّی بالصحۀ وأنها مأخوذة فی
متعلَّق الأمر، فإن المأمور به ح ّ ص ۀ خاصّۀ من المسمی، وهی الحصّۀ الصحیحۀ، ضرورة أن الشارع لا یأمر بالحصّۀ الفاسدة ولا بما هو
الجامع بین الصحیح والفاسد، وعلیه، فلا یمکن التمسّک بالإطلاق عند الشکّ فی جزئیّۀ شیء أو شرطیّته، للشک حینئذٍ فی صدق
المأمور به علی الفاقد للشیء المشکوك فیه کما هو واضح، فلا فرق بین أنْ تکون الصحّۀ مأخوذةً فیالمسمّی وأن تکون مأخوذةً فی
المأمور به، فعلی کلا التقدیرین لا یمکن التمسّک بالإطلاق، غایۀ الأمر، إن الشک فی الصدق علی الصحیح هو من جهۀ أخذ الصحّۀ
فی المسمّی، وعلی الأعمّ هو من جهۀ العلم بتقیید المأمور به بالصحّۀ لا محالۀ.
وبعبارة موجزة: إنه بناءً علی الأعم یمکن التمسّک بالإطلاق من حیث الوضع، وأمّا من حیث الأمر فلا یمکن، ویکون الکلام مجملًا.
الجواب
وفیه: إنه بناءً علی الأعم، یکون الموضوع له والمسمّی هو الجامع بین
ص: 283
صفحۀ 143 من 205
الصحیح والفاسد، ومن الإطلاق وعدم التقیید لمتعلَّق الأمر بخصوص المشکوك فیه نستکشف أنّ ما تعلَّق به الطلب هو تمام المأمور
به، فنفس الإطلاق رافع للشک فی دخل المشکوك فیه فی متعلَّق الأمر، ولو لم یرفع الإطلاق هذا الشک لکان الإشکال وارداً،
فالمسمّی والموضوع له- بناءً علی الأعم- معلوم والمأمور به مجهول، ومتی شکّ فی اعتبار أمرٍ یتمسّک بإطلاق متعلَّق الطلب لإثبات
عدم دخل المشکوك فیه فی المأمور به، ولازم هذا هو أنّ ما تعلَّق به الطلب تمام المأمور به، ومن المعلوم حجیّۀ مثبتات الاصول
اللفظیّۀ … وإذا ثبت هذا کلّه بأصالۀ الإطلاق، فإنه لا یعامل معاملۀ المجمل، بخلاف القول بالصحیح، فإنه بناءً علیه یکون الشک فی
ذلک موجباً للشک فی تحقّق المسمّی، ولا یوجد عندنا دلیل یحدّد ماهو المسمّی، ومع الشک فی تحقّقه لا یمکن التمسّک
بالإطلاق، بخلاف القول بالأعم فإنه ممکن، وبین الأمرین بون بعید.
الوجه الثالث … ص: 283
اشارة
إنه لا حاجۀ إلی التمسّک بالإطلاق علی کلا القولین، بعد أنْ کانت صحیحۀ حمّاد مبیّنۀً لجمیع ما یعتبر فی الصلاة، فکلّما شک فی
اعتبار شیء زائد تمسّکنا بها وزال الشک، فلا ثمرة للبحث.
الجواب
واجیب: بأن الإطلاق فی صحیحۀ حماد مقامی، والبحث فی الإطلاق اللّفظی.
وفیه: إنه مع فرض وجود الإطلاق المقامی، لا حاجۀ إلی تحصیل الإطلاق اللفظی بهذا البحث، إلّالأجل ضمّ دلیلٍ إلی دلیل.
ص: 284
والحق فی الجواب:
أوّلًا: إن الصحیحۀ مختصۀ بالصلاة، وبحثنا عام.
وثانیاً: لا ریب فی اشتمال الصحیحۀ علی مندوبات إلی جنب واجبات الصلاة، فلو وقع الشک فی وجوب شیء ممّا اشتملت علیه أو
استحبابه، لم یجز التمسّک بإطلاق الصحیحۀ لدفع وجوبه، أمّا إذا تمّ بحث الصحیح والأعم تمسّ کنا بالإطلاق اللّفظی وأسقطنا قسطاً
ممّا اشتملت علیه عن الوجوب، ومن هنا أمکن لنا رفع الید عن وجوب الأذکار والأدعیۀ التی أتی بها الإمام فی الصحیحۀ، وإلّا فلو کنا
نحن والصحیحۀ لقلنا بوجوبها کذلک.
وعلی الجملۀ، إنه لو کنّا نحن والصحیحۀ لوجب القول بوجوب جمیع ما جاء فیها، لکنّ التمسّک بالإطلاق بناءً علی الأعم هو طریق
القول باستحباب الأدعیۀ والأذکار وغیرها من المستحبات المشتمل علیها الصحیحۀ.
هل بحث الثمرة مسألۀ اصولیۀ …؟ ص: 284
لا یخفی أن الملاك فی کون مسالۀٍ اصولیّۀ أمران:
-1 وقوع نتیجتها فی طریق الإستنباط، بأنْ یکون الحکم الفقهی الکلّی نسبته إلیها نسبۀ المستنبَط إلی المستنبط منه.
-2 إستنباط الحکم الشرعی من نتیجتها، من دون حاجۀٍ إلی مقدمۀ اخري اصولیّۀ أو غیر اصولیّۀ.
ومن هنا کان المشهور المعروف کون هذا البحث من مبادئ علم الاصول لا من مسائله، لأنّ نتیجۀ البحث فی الثمرة الاولی أنه علی
الصحیح تتحقّق صغري قاعدة الإشتغال، وعلی الأعم تتحقّق صغري البراءة.
لکن هذه النتیجۀ لا تحصل إلّابعد تمامیّۀ بحث الإنحلال وعدمه، فی
ص: 285
صفحۀ 144 من 205
دوران الأمر بین الأقل والأکثر فی متعلَّق التکلیف.
وکذا الکلام فی الثمرة الثانیۀ، فإنّها لا تترتّب إلّابعد ضمّ مقدّمۀ حجیّۀ أصالۀ الإطلاق التی هی مسألۀ اصولیّۀ.
فإنّه لا ثمرة له إلّابعد « فلان ثقۀ » إذن، لیس البحث عن الثمرة بحثاً عن مسألۀ اصولیّۀ، للإحتیاج إلی ضمّ مقدمۀ اخري … نظیر قولنا
إثبات حجیّۀ خبر الثقۀ.
هذا وجه القول المشهور.
ولکنّ التحقیق: أنه إنْ کانت المقدمۀ الاخري مسلَّمۀً لا حاجۀ فی إثباتها إلی تجشّم مؤنۀ البحث والإثبات، فتوقّفها علیها لا یخرجها
عن کونها اصولیۀً، والثمرة الثانیۀ من هذا القبیل بلا إشکال، لأنه بحث عن احدي صغریات الظهور، وحجیّۀ أصالۀ الظهور مسلَّمۀ عند
جمیع العقلاء من دون حاجۀٍ إلی الإثبات، فالمقام نظیر البحث عن ظهور صیغۀ الأمر فی الوجوب، فإنها مسألۀ اصولیّۀ مع أن الحکم
إلیها، فکما أن هذه المسألۀ اصولیّۀ، کذلک بحثنا عن الثمرة. « الظاهر حجّۀ » الشرعی لا یستفاد منها إلّابعد انضمام أن
علی أن غرض الاصولی هو الإقتدار علی الإستنباط، وکلّ مسألۀٍ لم یبحث عنها فی غیر علم الاصول، وتوقّف علیها الإستنباط، فهی
مسألۀ اصولیّۀ، وما نحن فیه من هذا القبیل.
الموضوع له لفظ الصلاة … ص: 285
،«1» « الصوم جُنّۀ من النار » قد ذکر المحقق الخراسانی أربعۀ أدلّۀ للوضع للصحیح هی: التبادر، عدم صحّۀ السّلب، والروایات مثل
وطریقۀ العقلاء
__________________________________________________
. 395 ، الباب 1 من أبواب الصوم المندوب، رقم: 1 / 1) وسائل الشیعۀ 10 )
ص: 286
فی التسمیۀ.
والتحقیق أن لا شیء منها بصحیح.
وعلی الجملۀ، فإنّه لم یتم تصویر الجامع علی القول بالصحیح.
فقول الشیخ ،« الصلاة » والممکن ثبوتاً هو الوضع للأعم، والدلیل علیه فی مقام الإثبات هو تبادر الجامع بین الصحیح والفاسد من لفظ
والمیرزا لا یمکن المساعدة علیه، وإلّا لزم حمل جمیع إطلاقات الکتاب والسنّۀ علی المجاز.
نفی «1» « لا صلاة إلّابفاتحۀ الکتاب » : فالتبادر دلیل علی الوضع للأعم عند المتشرّعۀ، وعند الشارع، فإنْ قوله علیه ال ّ ص لاة والسلام
للمعنی ادّعاءً عند العلماء ولیس حقیقۀً، وهذا معناه کون لفظ ال ّ ص لاة صادقاً علی الح ّ ص ۀ الفاسدة حقیقۀً، وإلّا لما أمکن نفی کونها
صلاةً ادّعاء.
أعم من الصحیح والفاسد. « الصّلاة » فالموضوع له لفظ
وکما لم یتم مختار الشیخ والمیرزا، کذلک لم یتم مختار المحقق القمی ومن تبعه من أنّ الموضوع له هو الأرکان لا بشرط…
وقد کان أسلم المبانی مختار السید البروجردي…
لکن المهمّ هو الرجوع إلی اللّغۀ وإطلاقات الکتاب والسنّۀ کما أشرنا.
قد اطلقت بمعنیین، أحدهما: الدعاء والآخر: التعظیم، حتی قیل فی: صلیت الحدید بالنار، « الصلاة » والمستفاد من کلمات اللّغویین أن
انّ المعنی تلیینه، أي حصول اللینۀ والخشوع فی الحدید.
« ص، ل، ي » لا مادّة « ص، ل، و » لکن محلّ الکلام هو مادّة
صفحۀ 145 من 205
__________________________________________________
. 196 ، رقم: 2 / 1) غوالی اللآلی 1 )
ص: 287
فالصّلاة تارة بمعنی الدعاء، واخري بمعنی التعظیم. هذا لغۀً.
وغیرهما، لکنّ « الحج » و « ال ّ ص یام » وفی الشّرع یمکن أن یکون هو المعنی، وأمّا الأجزاء، فإنّما اعتبرها فی متعلَّق الأمر، وکذلک لفظ
جزءً من أجزائها، فهذا یمنعنا من القول بأنّ الموضوع له شرعاً « الدعاء » ما جاء فی بعض الروایات من جعل « ال ّ ص لاة » المشکلۀ فی لفظ
هو الدعاء أیضاً، ولولا ذلک، فإن إطلاقات الکتاب أیضاً تناسب أن یکون المعنی هو التخشّع والدعاء کما فی اللّغۀ، وأنّ هذا اللّفظ
فی الأدیان السابقۀ أیضاً کان بهذا المعنی.
وقد وقع البحث بین الفقهاء فی حقیقۀ صلاة المیّت، والذي یفیده النظر الدقیق فی الأخبار أنها صلاة حقیقۀً، ومن المعلوم اشتمالها علی
فهی صلاةٌ لکن لا صلاة «1» « إنها لیست بصلاةِ رکوعٍ وسجود » : الدعاء والتخشّع، وعدم وجود الرکوع والسجود فیها، ففی الصحیحۀ
رکوع وسجود.
ومن هذه الأخبار أیضاً یظهر أن ذات الأرکان قسمٌ من الصّلاة، لا أن لفظ الصّلاة موضوع لها فقط … نعم، هی معتبرةٌ فی متعلَّق الأمر.
ظاهرة فی دخل الرکوع والسجود فی «2» « الصلاة ثلاث أثلاث: ثلث طهور، وثلث رکوع، وثلث سجود » : ولو قیل: إنَّ صحیحۀ الحلبی
المسمّی الموضوع له لفظ الصّلاة.
مانعٌ من هذا الإستظهار، للقطع بعدم کون الطّهور من أجزاء الصّلاة. « ثلث طهور » قلنا: فقوله علیه السلام
فحقیقۀ الصلاة- بالنظر إلی إطلاقات الکتاب والسنّۀ- هو التعظیم
__________________________________________________
. 90 ط مؤسّسۀ آل البیت علیهم السلام، الباب 8 من أبواب صلاة الجنازة، رقم: 1 / 1) وسائل الشیعۀ 3 )
. 310 ، الباب 9 من أبواب الرکوع والسجود، رقم: 1 / 2) وسائل الشیعۀ 6 )
ص: 288
الجوارحی قولًا وفعلًا، وحدّها صلاة الخوف.
ولا ینافی ذلک صدق عنوان الصلاة مع وجود ما یزید علی التعظیم والتخشّع، فإنّ من الماهیّات ما هذا حاله، کالعدد، فإنّه یصدق علی
فإنه مفهوم یصدق علی المراتب المختلفۀ … ولا یلزم المجاز. ،« الجمع » الواحد، فإنْ زاد وصار اثنین صدق أیضاً بلا فرق، وکذا
عنها، ممّا یدل علی کونه حقیقۀً « الصلاة » فی جمیع الکتب الفقهیّۀ، ولا یصح سلب عنوان « الصلاة » وقد سمّیت صلاة الخوف باسم
فیها.
ص: 289
الکلام فی ألفاظ المعاملات والتمسّک بالإطلاق فیها … ص: 289
اشارة
وهو فی مقامین
المقام الأول … ص: 289
صفحۀ 146 من 205
اشارة
هل یجري البحث المذکور فی ألفاظ المعاملات کذلک؟
هل إن ألفاظ المعاملات موضوعۀ للأسباب أو للمسبّبات؟
فی هذا المقام أقوال:
إنشاءً إلی المنشأ، هی نسبۀ السبب إلی المسبّب، یعنی: إن صاحب الإنشاء یرید السبب، ثم « بعت » -1 قال المشهور: بأنّ نسبۀ لفظ
یترتب المسبّب علی السبب، فالإرادة غیر متعلّقۀ إلّابالسبب، وترتب المسبّب علیه ضروري کترتّب المسبّبات علی الأسباب التکوینیّۀ.
ولا فرق فی السببیّۀ بین قول بعت، وبین المعاطاة.
-2 وقال المیرزا النائینی: بأنّ النسبۀ هی نسبۀ الآلۀ إلی ذي الآلۀ، لا السبب إلی المسبب، لأن ما یتعلَّق به القصد أوّلًا وبالذات هو معنی
التملیک والتملّک، ویکون اللّفظ أو الفعل آلۀً لتحقّقه وحصوله.
-3 وقال السید الخوئی: بأن النسبۀ هی نسبۀ المبرِز إلی المبرَز، فالمعانی المقصودة فی المعاملات اعتبارات مبرَزة، ومن الإعتبار وإبرازه
ینتزع عنوان المعاملۀ، ففی البیع مثلًا یعتبر البائع ملکیّۀ المثمن للمشتري بأزاء الثمن
ص: 290
وهکذا. « بعت » المعیَّن، ثم یبرز الإعتبار بلفظ
هذا، ولا یخفی أنّ صیغۀ البیع- مثلًا- لیست البیع، وهی مرکبۀٌ من الإیجاب والقبول، فالسبب أو الآلۀ أو المبرِز- علی جمیع المبانی-
مرکّب، لکنّ ما یحصل بال ّ ص یغۀ- وهو المسبب، أو ذو الآلۀ، أو الإعتبار المبرز- أمر بسیط، وهو البیع، وکذا الطلاق، والنکاح وغیرهما
من عناوین المعاملات، فإنها بسائط، وأمر البسیط یدور بین الوجود والعدم.
ولا یخفی أیضاً: أن المراد من الصحیح هنا هو الأعم من التامّ الأجزاء والشرائط وممّا یترتّب علیه الأثر شرعاً، فلیس المراد منه خصوص
التامّ الأجزاء والشرائط، کما أنّ المراد من الفاسد هو الأعم ممّا لیس تامّاً من حیث الأجزاء والشرائط.
جریان البحث علی جمیع الأقوال … ص: 290
فنقول فی القول الأوّل، بأن المسبَّبات فی العقود والإیقاعات من صیغها الخاصّ ۀ کالبیع والطلاق امور اعتباریّۀ، وهذا الاعتبار لا یخلو،
إمّا أن یکون اعتبار نفس المنشیء للصّیغۀ، أو یکون اعتبار العقلاء، أو یکون اعتبار الشارع، وهذه الإعتبارات قد تجتمع وقد لا تجتمع،
فلو باع ما لا مالیّۀ له عند العقلاء، فقد تحقّق البیع فی اعتباره، دون اعتبار العقلاء والشارع، ولو باع بیعاً ربویّاً تحقّق البیع فی اعتباره
واعتبار العقلاء دون الشارع، وقد تجتمع الإعتبارات الثلاثۀ، کما فی المعاملۀ الجامعۀ للشرائط المؤثرة شرعاً.
فإن قلنا: بأن البیع اسم للمسبّب فی اعتبار المنشئ فقط، جري فیه بحث الصحیح والأعم، لما ذکرنا فی معنی الصحّۀ والفساد، إذ بناءً
علیه یکون صحیحاً فیما لو رتّب العقلاء والشارع الأثر علی اعتبار المنشئ، ویکون فاسداً
ص: 291
فیما إذا لم یرتّبوا الأثر.
وکذا إن قلنا: بأنه اسم للمسبّب فی اعتبار العقلاء، فإن ترتّب الأثر موقوف علی اعتبار الشارع، فیکون صحیحاً، وإلّا فهو فاسد.
فیکون المسبب- وهو البیع- إمّا باعتبار المنشئ وإمّا باعتبار العقلاء، وأمّا باعتبار الشارع فباطلٌ، لأن الشارع شأنه شأن الإمضاء، ولا
تأسیس له فی المعاملات.
صفحۀ 147 من 205
لکنّ التحقیق أنه باعتبار المنشئ فقط، لأنه فعله، وهو البائع، أو الموجر، أو المطلِّق … وهکذا.
وتلخّص: إن البحث علی مبنی المشهور جارٍ فی ألفاظ المعاملات.
نسبۀ الآلۀ إلی ذي الآلۀ، وعلیه، - « البیع » إلی ما یتحقق به- وهو « بعت » وهو أیضاً جارٍ علی القول الثانی، وهو مبنی المیرزا، لأن نسبۀ
فالمتحقّق بتلک النسبۀ إمّا یکون فی اعتبار المنشئ لل ّ ص یغۀ وإمّا یکون فی اعتبار العقلاء، أمّا اعتبار الشارع فلا یوجد، وکلّ منهما
یتّصف بالصحّۀ والفساد.
وکذلک الحال علی القول الثالث، وهو مبنی السید الخوئی، فإنّه یتّصف بالصحّۀ والفساد أیضاً، لأن ذلک الأمر یکون قائماً باعتبار
یصیر بناءً علی ذلک مبرزاً لعمله النفسانی، وهو الذي یعتبر الزوجیّۀ بین هند وزید، ثم یبرز اعتباره بقوله: « بعت » المنشئ قطعاً، لأن لفظ
وهکذا، ثم هذا الإعتبار یکون نافذاً عند العقلاء تارةً واخري غیر نافذ، فإن کان نافذاً عدّ صحیحاً عقلائیّاً، ثم الشارع تارةً «… زوّجت »
ینفّذه فیکون صحیحاً شرعیّاً، وإلّا ففاسداً.
فظهر: أنّ البحث یجري فی ألفاظ المعاملات علی جمیع المبانی.
ص: 292
المقام الثانی … ص: 292
اشارة
فی عدم جواز التمسّک بالإطلاق فی ألفاظ المعاملات حتی علی القول بالوضع للأعم.
وذلک، لأن الإطلاقات لو کانت إمضاءً للأسباب، أمکن التمسّک بها، لأنّ الشارع لمّا أمضی سبب حصول الملکیّۀ أو الزوجیّۀ مثلًا،
ولم یقیّده بقیدٍ، فمقتضی الإطلاق نفی القید لو شکّ فی اعتباره، لکنّ الأدلّۀ ناظرة إلی إمضاء المسببّات دون الأسباب.
إذن، لا مجال للتمسّک بالإطلاق فی ألفاظ المعاملات، لکون الأدلّۀ ناظرة إلی إمضاء المسبّبات لا الأسباب. وتوضیح ذلک: إن الأدلّۀ
«1» « أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ » لسانها لا یوافق إمضاء الأسباب، فلا معنی لأن یقال فی قوله تعالی
« النکاح سنّتی » مثلًا، بل الوفاء یناسب ما تحقّق بالصیغۀ وهو المسبب، وقوله صلّی اللَّه علیه وآله وسلّم « بعت » بأنه أمر بالوفاء بصیغۀ
.« أنکحت » : لیس معناه إلّاتلک العلقۀ الحاصلۀ بقوله
وإذا کانت الأدلّۀ ناظرة إلی المسبّبات، فللمسبّبات وجودات مستقلّۀ عن الأسباب، وأن إمضاء أحدهما لا یلازم إمضاء الآخر، لجواز
إنفاذ الشارع المسبّب دون السبب، کأنْ یأمر بالقتل لکنْ لا بسبب المثلۀ مثلًا، فالمسبب مطلوب لکنه لا یلازم مطلوبیّۀ کلّ سبب، وإذ لا
ملازمۀ، فاللّازم هو الأخذ بالقدر المتیقّن.
وتلخّص: عدم ترتّب الثمرة علی البحث.
وقد ذکر المیرزا: بأنّ الثمرة تترتب بإمکان التمسّک بالإطلاق، بناءً علی
__________________________________________________
. 1) سورة المائدة: 1 )
ص: 293
مسلکه من کون النسبۀ نسبۀ الآلۀ إلی ذي الآلۀ، بدعوي أن الآلۀ وذا الآلۀ موجودان بوجودٍ واحد، فیکون الإمضاء لذي الآلۀ إمضاءً
للآلۀ.
صفحۀ 148 من 205
وفیه: إن الاتّحاد إمّا تکوینی وإمّا اعتباري، أمّا الأول فمحال هنا، لأن الآلۀ فی البیع هی الصیغۀ، وهی أمر تکوینی، لکونها من مقولۀ
الکیف، وإنْ کان بالمعاطاة ففعل تکوینی، أمّا البیع فأمر إعتباري، والإتحاد بین الأمر التکوینی والأمر الإعتباري محال. وأما الثّانی فأمر
ممکن، کاتّحاد التعظیم مع الإنحناء أو القیام، إذ یتحققان بوجودٍ واحد، فالإتّحاد الإعتباري بین الآلۀ وذي الآلۀ ثبوتاً لا إشکال فیه،
زوجیّۀً… « أنکحت » ولا یعتبرون « البیع » و « بعت » إلّاأن مقام الإثبات لا یساعده، إذ لا یري أحدٌ الإتحاد بین
وأین الإتحاد بین الفتح ،« الفتح » وذو الآلۀ « المفتاح » بل إن الإتّحاد بین الآلۀ وذي الآلۀ فی التکوینیات أیضاً غیر ممکن، فالآلۀ هی
والمفتاح؟
وکذا الحال بین المنشار والنشر … وهکذا.
وتلخّص: إن مشکلۀ التمسّک بالإطلاق لم تنحل بمبنی المیرزا.
فلنرجع إلی أصل البحث علی جمیع المبانی، فنقول:
لقد ذهب صاحب (الکفایۀ) إلی أنّ ألفاظ المعاملات إن کانت موضوعۀ للمسبّبات، فلا مجال لبحث الصحیح والأعم فیها، وإن کانت
موضوعۀ للأسباب فله مجال، وقد تبع المحقق صاحب (الحاشیۀ) فی أن ألفاظ المعاملات موضوعۀ للأسباب المؤثرة واقعاً، فههنا
بحثان.
البحث الأوّل … ص: 294
هل یوجد فی المعاملات سبب واقعی مؤثّر فی الملکیّۀ؟
إنه إن کان یوجد، فإنّ الإختلاف بین العقلاء والشارع یکون فی التطبیق
ص: 294
علی المصادیق فقط، فهل یوجد، أو أنه لیس إلّاالإعتبار العرفی؟
قال صاحب (الحاشیۀ) بالأوّل وتبعه صاحب (الکفایۀ).
وعلی هذا المبنی لا یمکن التمسّک بالإطلاق اللّفظی، لأنه فی کلّ موردٍ یشکّ فی دخل شیء فی التأثیر فلابدَّ من الإحتیاط … إلّاأن
«1» « وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ » المحقق المذکور یري جواز التمسّک بالإطلاق المقامی، من جهۀ أن الشارع لمّا قال
فهو فی مقام البیان للسبب المؤثّر، فلو أنه لا یمضی ما هو المؤثر عند العرف لزم علیه بیان تخطئته للعرف والتصریح بذلک، وإذ لا
بیان، فهو موافق لهم فی التطبیق.
قال شیخنا الاستاذ:
وفیه: إن أصل المبنی غیر صحیح، لأن سببیّۀ إنشاء البیع لیست من الامور الواقعیّۀ التکوینیّۀ، بل هی اعتباریّۀ، ولا معنی للتخطئۀ
والتصویب فی الامور الإعتباریّۀ.
البحث الثانی … ص: 294
إنه بعد التنزّل عن الإشکال فی المبنی، فهل یمکن التمسّک بالإطلاق أو لا؟
والحق: تمامیّۀ التمسّک بالإطلاق بالبیان المتقدّم، فإن برهان حفظ الغرض یثبت أن الشارع أمضی طریقۀ أهل العرف فی التطبیق.
هذا علی مبنی صاحب (الکفایۀ).
صفحۀ 149 من 205
وأمّا علی مبنی المشهور، فنقول بعد الفراغ عن کون المولی فی مقام البیان:
__________________________________________________
. 1) سورة البقرة: 275 )
ص: 295
موضوعاً للمسبب، أي للحاصل من الصیغۀ، لکنّ کلّ مسبّب قابل للانقسام من ناحیۀ السبب، فمع الشک فی « البیع » إنه وإنْ کان لفظ
اعتبار العربیّۀ- مثلًا فی السبب، یکون للمسبب فردان، واللّفظ موضوع للجامع بینهما، فالبیع الحاصل من اللّفظ الفارسی قسم من البیع،
وإذا احرز صدق لفظ البیع علیه وکان سائر مقدمات الحکمۀ محرزاً متوفّراً، فلا محالۀ یتمّ الإطلاق، ویندفع الشک فی اعتبار العربیّۀ.
وعلی الجملۀ، فإن الإمضاء وإن کان متوجّهاً إلی المسبّب، لکن المسبّب أصبح ذا حصص بتبع الأسباب، ومع توفّر المقدّمات یتم
الإطلاق.
وأما علی مبنی المیرزا، بعد الفراغ عن التغایر وجوداً بین الآلۀ وذي الآلۀ، فإن نفس الکلام المتقدّم فی المسبب آتٍ، فقد یشک فی أن
المقصود هو الفتح بهذا المفتاح الخاص أو لا؟ فذو الآلۀ ینقسم ویتعدّد بتعدّد الآلۀ، نعم، الفرق بین المسلکین هنا هو: إنه لو کان
المسمّی هو السبب، فإن الإطلاق یرفع الشک بالمطابقۀ فیه رأساً، أمّا لو کان هو المسبب أو ذو الآلۀ، فإنّ الإطلاق یزیل الشک- من
حیث اعتبار العربیّۀ مثلًا- بالإلتزام.
وأما علی مبنی الإعتبار والإبراز، فقد ذُکر أنّ البیع مرکَّب من الإعتبار والإبراز، والشارع قد أمضی ذلک ولم یقیّده بقیدٍ، والمفروض
صدقه علی الفارسی کالعربی، والمفروض أیضاً کون الشارع فی مقام البیان، فلا إشکال فی الإطلاق.
قال شیخنا:
لا إشکال فی الإطلاق کما ذکر.
إلّاأن الإشکال فی أصل المبنی، إذ المعاملات کلّها إنشائیّات، فالبیع
ص: 296
أمر یتحقق بالإنشاء، فلو کان الإنشاء- أي الصیغۀ- جزء للبیع، کیف یعقل إنشاء البیع- المرکّب من الإعتبار والصیغۀ- بالصیغۀ؟
وقد کان هذا إشکال الشیخ علی المحقق الکرکی فی تعریف البیع.
وعلی الجملۀ، فإنه مع غض النظر عمّا فی المبنی، فالإطلاق تام.
وتلخّص: تمامیّۀ الإطلاق علی جمیع المبانی، وهذا ما استقر علیه رأي الاستاذ فی الدورة اللّاحقۀ.
بقی الکلام فی تفصیل المحقق الإصفهانی.
ما ،«1» قال رحمه اللَّه فی (حاشیۀ المکاسب)، فی التمسّک بالإطلاق اللفظی فی أسماء المعاملات، بناءً علی کونها أسماء للمسبّبات
حاصله:
إن الأدلّۀ الشرعیّۀ فی أبواب المعاملات علی قسمین، قسمٌ منها: ما جاء بلسان الإمضاء، وقسم منها: ما جاء بلسان ترتّب الأثر وضعاً أو
تکلیفاً، فیدلّ علی الإمضاء بالدلالۀ الإلتزامیۀ.
فما کان من القسم الأول فالتمسّک بإطلاقه ممکن، وما کان من القسم الثانی فلا، بل یتمسّک فیه بالإطلاق المقامی، ومقتضاه نفوذ
جمیع الأسباب وتأثیرها.
فیه هو البیع العرفی، إذ « البیع » وذلک، لأن المراد من « أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ » توضیح ذلک: إن من الأدلّۀ ما لسانه لسان الإمضاء، کقوله تعالی
لا معنی لأن یقال أحلّ اللَّه البیع الشرعی، لأنّ ما کان حلالًا فلا یقبل الحلیّۀ، فالآیۀ إنما جاءت إمضاءً لِما هو عند العرف.
لکنّ نفس هذا العنوان، وإنْ کان مسبّباً، إلّاأنّه بإضافته إلی الأسباب
صفحۀ 150 من 205
__________________________________________________
182 الطبعۀ المحقّقۀ الحدیثۀ. / 1) حاشیۀ المکاسب 1 )
ص: 297
یتحصّص، فالبیع الحاصل بسبب المعاطاة حصّۀ من البیع، والحاصل من الصّیغۀ حصّۀ اخري، فهو عنوان جامع.
فلمّا جاء دلیل الإمضاء علی المسبّب، کان مقتضی الإطلاق فیه إمضاء المسبب بجمیع حصصه، وإلّا لقیَّد الدلیل بکونه عن الصیغۀ مثلًا،

فالتمسّک فی هذا القسم بلا إشکال.
وهذا الذي ذکره فی هذا القسم موجود عند المحقق العراقی وغیره.
وأمّا ماذکره فی القسم الثانی فلم یقله غیره، وهو ما إذا کان الدلیل لسانه لسان ترتیب الأثر تکلیفاً أو وضعاً، کما لو قال: إذا بعت
وجب علیک الوفاء بالعقد وتسلیم المبیع- ولا یخفی أن مقتضی مناسبۀ الحکم والموضوع أن یکون موضوع الأثر هو البیع الشرعی،
لأن الشارع لا یرتّبه علی البیع أو النکاح أو … غیر الشرعی- فإنه مع الشک فی دخل شیء فی ترتّب الأثر لا مجال للتمسّک بالإطلاق
اللّفظی، بل تصل النوبۀ إلی الإطلاق المقامی، بتقریب: أن الشارع حکم بترتیب الأثر علی البیع، وقد علم أنه البیع الشرعی، لکنّه لم
یبیّن البیع الشرعی ولم یعرّفه مع کونه فی مقام البیان وتعریف الموضوع المترتب علیه الحکم، فیظهر أنّ جمیع حصص البیع عنده
موضوع لترتّب الأثر الشرعی، وکلّها ممضاة عنده.
هذا کلامه قدّس سرّه.
وقد تنظّر فیه شیخنا الاستاذ فقال: بأنّ دلیله علی سقوط الإطلاق اللّفظی فی القسم الثانی لیس إلّاقوله: إن اللّسان إذا کان لسان ترتیب
الأثر فما یترتّب علیه الأثر هو البیع الشرعی، وهو دلیل صحیح بحسب لبّ الواقع، لأنّ ما لم یکن مورداً للإمضاء الشرعی فلا یترتب
علیه الأثر، لکنّ البحث إنما هو
ص: 298
بحسب ظاهر لسان الدلیل، فهل یوجد تقیید بالشرعیّۀ فیه؟
راجعاً إلی: « إذا بعت متاعک وجب علیک تسلیمه » : إنه لو کان التّضییق الواقعی موجباً لتضییق موضوع القضیّۀ الشرعیّۀ، بأنْ یکون قوله
أَحَلَّ اللّهُ » إذا بعت متاعک بیعاً شرعیّاً وجب علیک تسلیمه، کان لما ذکره مجال، وإلّا کان الموضوع فی هذه القضیۀ کما هو فی
.« الْبَیْعَ
بالدلالۀ المطابقیّۀ علی ترتیب « یجب التسلیم » : فی هذه القضیّۀ هو البیع عند العرف، وقد دلّ قوله « البیع » والتحقیق هو عدم التضیّق، لأن
الأثر علیه، وبالإلتزامیّۀ علی الإمضاء، فالإمضاء لیس فی مرتبۀ الموضوع بل هو لازم المحمول، وحینئذٍ یکون هذا اللّازم مقیّداً
للموضوع بحسب الواقع، أمّا بحسب الدلیل فلا.
الصحیح منه والفاسد بحسب الواقع، بل یرید « البیع » لم یرد مطلق « أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ » ولمزید التوضیح قال دام بقاه: إن الشارع لمّا قال
وکذلک الحال فی « أحلَّ » الصحیح فقط، لکن التقیّد الواقعی غیر مقیّد للموضوع فی ظاهر کلامه، لأن هذا التقیّد إنما جاء من جهۀ
قوله: إذا بعتَ وجب علیک التسلیم، حیث اللّسان لسان ترتیب الأثر، فإن المراد هو البیع الصحیح الشرعی دون غیره، لکن هذا التقیّد
وهذا التقیّد الآتی من ناحیۀ المحمول لا یقیّد الموضوع، سواء فی هذه القضیّۀ أو تلک، لأن مدلول « یجب » إنما جاء من ناحیۀ
الموضوع بما هو موضوع مقدَّم رتبۀً، ومدلول المحمول بما هو محمول فی رتبۀٍ متأخّرة، بلا فرقٍ بین القسمین. فالتفصیل غیر صحیح.
فی القسمین هو البیع العرفی. « البیع » بل المراد من
هذا کلّه حلّاً.
صفحۀ 151 من 205
ص: 299
هو الصلاة، لکن وجوبها یقیّدها بالصلاة الصحیحۀ، لعدم توجّه الوجوب « صلّ » ویرد علیه النقض بألفاظ العبادات، فإن الموضوع فی
إلی الحصّۀ الفاسدة أو الجامع بین الفاسدة والصحیحۀ، فمع الشک یلزم سقوط الإطلاق اللّفظی.
ثم علی فرض التنزّل عن الإشکال المذکور، نقول: هل یمکن التمسّک بالإطلاق المقامی فی القسم الثانی بعد سقوط الإطلاق اللّفظی.
إن مناط الإطلاق المقامی- کما سبق کون المولی فی مقام البیان وعدم نصبه القرینۀ علی إرادة ح ّ ص ۀٍ معیّنۀ، فلو لم یؤخذ بإطلاق
کلامه لزمت اللّغویۀ.
لکنّ هذا موقوف علی عدم وجود القدر المتیقّن، وفی المعاملات یوجد القدر المتیقَّن، وهو کون البیع بالعربیّۀ، وعلیه یحمل إطلاق:
وعلی الجملۀ: فإن مناط الإطلاق المقامی لزوم اللّغویّۀ، لکنّها غیر لازمۀ مع وجود القدر المتیقن ،« إذا بعت وجب علیک التسلیم »
والأخذ به.
وقوله رحمه اللَّه بأنّ الإمضاء لازم ترتیب الأثر.
فیه: إن اللّازم متأخّر عن الملزوم، وترتیب الحکم متأخّر عن الموضوع ومتعلَّق الحکم، وما کان متأخراً عن الشیء بمرتبتین یستحیل
أخذه فی المقدَّم علیه بمرتبتین.
فی لسان الأدلّۀ هو البیع العرفی، والموضوع له هذا العنوان هو الجامع بین الصحیح والفاسد، بمناط « البیع » هذا، والتحقیق: أن المراد من
صحّۀ تقسیمه إلیهما، وعلیه، فالتمسّک بالإطلاق اللّفظی- فی موارد الشک فی دخل شیء فی صحّۀ البیع شرعاً- صحیح، بالنظر إلی ما
أوردناه علی کلام هذا المحقّق.
ص: 301
الإشتراك … ص: 301
اشارة
ص: 303
هل الإشتراك ممکن أو لا؟ أقوال:
قولٌ باستحالۀ الإشتراك.
وقولٌ بوجوبه.
وقولٌ بإمکانه.
دلیل القول الأوّل … ص: 303
لا شبهۀ فی الإمکان الذاتی للإشتراك، فهو لیس کشریک الباري واجتماع النقیضین مما هو ممتنع بالذات، بل الکلام فی الإستحالۀ
الوقوعیّۀ أو الإستحالۀ من الحکیم.
هو: إن الوضع جعل الملازمۀ بین اللّفظ والمعنی، فیلزم جعل «1» ( فالمستفاد من کلام المحقق النهاوندي فی (تشریح الاصول
ملازمتین مستقلّتین عرضیّتین، أحداهما: بین لفظ القرء والطهر، والاخري: بین لفظ القرء والحیض، فیلزم من إطلاق لفظ القرء حضور
المعنیین إلی الذهن.
وفیه:
صفحۀ 152 من 205
أوّلًا: إنه مبنیّ علی کون حقیقۀ الوضع جعل الملازمۀ بین اللّفظ والمعنی، وأمّا علی سائر المبانی فلا محذور.
__________________________________________________
(1)
. تشریح الاصول: 47
ص: 304
وثانیاً: أيّ محذور یترتّب حتی علی المبنی المذکور؟ إنّ الملازمۀ بین اللّفظ والمعنی لیست فعلیّۀ، بل هی اقتضائیۀ، کما نبّه علیه
المحقق الإصفهانی، بمعنی أنه لو حصل العلم بالملازمۀ، فإن التلازم بین اللّفظ والمعنی یوجب حضور المعنی عند الذهن عند التلفّظ
بالکلمۀ، وجعل اقتضائین فی لفظٍ واحدٍ لا یترتب علیه أيّ محال، لأن معنی الإمتناع الوقوعی هو لزوم أمر ممتنع من وقوعه، بل إن
حضور المعنیین ممکن بل واقع، لأن کلّ تصدیقٍ یتوقّف علی حضور الموضوع والمحمول والنسبۀ والحکم، وکلّ هذه الامور تحصل
عند النفس فی آن واحد، إذْ النفس الإنسانیۀ لیس کالموجودات المادیّۀ التی لا تقبل صورتین فی آن واحد.
واستدلّ للإستحالۀ أیضاً: بأنّ الواضع حکیم، والغرض من الوضع هو التفهیم، والإشتراك ملازم للإجمال، وهو ینافی التفهیم، فوقوع
المشترك- لکونه نقضاً للغرض- محال من الحکیم.
وقد اجیب عنه بوجهین فی (الکفایۀ) وغیرها:
الأول: إنه لا یلزم نقض الغرض، لإمکان حصول التفهیم بالقرینۀ کما فی المجاز.
وأشکل علیه شیخنا: بأنّ الإشتراك بنفسه موجب للإجمال، والقرینۀ کما ذکر رافعۀ له، إلّاأن الکلام فی حکمۀ ذلک، وأنه ما الغرض
من إیجاد المنافی للغرض ثم رفع المنافی بإقامۀ القرینۀ … لقد کان لهذا حسنٌ فی باب المجاز، فما الدلیل علی حسنه فی باب
المشترك؟
والثانی: إنه قد یتعلَّق الغرض بالإجمال.
وأشکل علیه الاستاذ: بإمکان الإجمال لا بوضع المشترك، فکما یقول:
ص: 305
.« رأیت شیئاً » له أنْ یقول « رأیت عیناً »
وتلخّص: إن القول بالإستحالۀ العقلائیّۀ- لا العقلیّۀ- له وجه وجیه.
دلیل القول الثانی … ص: 305
إن المعانی غیر متناهیۀ، بخلاف الألفاظ، والمتناهی لا یفی باللّامتناهی، فلابدَّ من الإشتراك.
أجاب المحقق الخراسانی:
أولًا: إن کلیّات المعانی متناهیۀ، ومن الممکن وضع الألفاظ بأزاء الکلیّات، وإفادة الجزئیّات بواسطۀ الکلیّات، کما هو الحال فی أسماء
الموضوع لجنس هذا الحیوان، مع إمکان إفادة نوعه وفرده بنفس هذا الاسم، مع کون أفراده غیر متناهیۀ. « الأسد » الأجناس، کلفظ
وأشکل علیه فی (المحاضرات) بما حاصله: إن الکلیّات أیضاً غیر متناهیۀ، إذا ضمّت إلیها القیود المختلفۀ، نظیر الأعداد، فإن کلّاً من
العشرة والأحد عشر والثانی عشر … کلّی ذو أفراد، وهذه العشرة المضافۀ إلی شیء غیر تلک العشرة المضافۀ إلی شیء آخر.
وأورد علیه الاستاذ: بأنّ الکلّیات العددیّۀ اعتباریّۀ ولیست بواقعیّۀ، فإنّا نعتبر العشرة مثلًا شیئاً واحداً ونطبّقها علی الأشیاء المختلفۀ،
والبحث إنما هو فی الکلمات الواقعیّۀ، کالإنسان والأسد والفرس وهکذا.
وأیضاً، فإنّ ضمّ القید إلی الکلّی لا یجعله غیر متناه، لأنّ القید کیفما کان متناه، فما یضاف القید إلیه متناه أیضاً، وکیف یحصل
صفحۀ 153 من 205
اللّامتناهی من ضمّ المتناهی إلی المتناهی؟
ثانیاً: بأنّه فی وضع اللّفظ المشترك نحتاج إلی أوضاع متعدّدة، بأنْ
ص: 306
یجعل اللّفظ مرّة لهذا المعنی، ومرّة لذاك، واخري للثالث … فلو کانت المعانی غیر متناهیۀ فالأوضاع کذلک، لکنّ صدور الوضع
غیر المتناهی عن المتناهی محال.
قال فی (المحاضرات) عن هذا الجواب بأنه متین جدّاً.
فأشکل شیخنا:
أوّلًا: إن باب الوضع هو باب الجعل، وإنه لا ریب فی أنّ المجعول فی القضایا الحقیقیّۀ أحکام غیر متناهیۀ کما فرضوا، إذ الجعل
والمجعول فی القضایا الحقیقیّۀ یتعدّدان بعدد الأفراد بإنشاءٍ واحد، فأيّ محذورٍ لأنْ یوضع اللّفظ بجعلٍ واحدٍ للمعانی المتعدّدة؟
فهذا إشکال نقضی.
وأیضاً: لازم ماذکر هو إتحاد العصیان فی موارده، والحال أنّ شرب هذا الخمر معصیۀ، وشرب ذاك معصیۀ اخري، وهکذا الثالث…
وکذلک الإطاعۀ.
وتلخّص: إن الأحکام متعدّدة بالبرهان، وباختلاف الإطاعۀ والعصیان، وإذا تعدَّد المجعول تعدّد الجعل، لأن الجعل والمجعول فی
الحقیقۀ واحد.
وثانیاً: إن صدور الأفعال غیر المتناهیۀ من النفس الإنسانیّۀ لا إشکال فیه، والدلیل علیه نفس الدلیل علی المجعولات غیر المتناهیۀ فی
القضیّۀ الحقیقیّۀ.
وهذا هو الحلّ.
وأجاب المحقق الخراسانی ثالثاً: بأنّ الوضع مقدمۀ للإستعمال، والإستعمال متناه، لکونه فعلًا خارجیّاً ولیس کالأفعال النفسانیۀ، فجعل
الألفاظ غیر المتناهیۀ للاستعمالات المتناهیۀ باطل.
ص: 307
وأجاب رابعاً: بأن المجاز باب واسع، ومعه فلا حاجۀ إلی الإشتراك.
وقال شیخنا
فی الجواب عن استدلال القائلین بوجوب وضع المشترك: بأنّ أساس الإستدلال هو عدم تناهی المعانی، وهذه الدعوي أوّل الکلام،
لا ینافی التناهی، «2» « وَمَا یَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّکَ إِلَّا هُوَ » و «1» « مَّا نَفِدَتْ کَلِمَاتُ اللَّهِ » : وما أقاموا علیها من الدلیل لا یفی بها، فقوله تعالی
فعدم تناهی المعانی غیر مسلَّم، نعم، هی کثیرة إلی ما شاء اللَّه.
علی أنّ البحث یدور حول الألفاظ الموجودة، والألفاظ المشترکۀ الموجودة محدودة، کلفظ العین والقرء، وهی لا تفی بالغرض- وهو
التفهیم- بالنسبۀ إلی المعانی غیر المتناهیۀ کما قیل.
فالقول بوجوب الإشتراك باطل قطعاً.
فالحق: إمکان الإشتراك.
تفصیلُ المحقق الخوئی … ص: 307
وأفاد السید الخوئی تفصیلًا فی المقام وهو: استحالۀ الإشتراك علی مبنی التعهّد فی حقیقۀ الوضع وإمکانه علی سائر المبانی، أمّا
الإمکان، فلأن الوضع أمر اعتباري، والإعتبار خفیف المؤنۀ، فلا مانع من أن یعتبر المعتبر أن یکون اللّفظ الواحد علامۀً لمعنیین، أو
صفحۀ 154 من 205
یکون موضوعاً لهما، أو تکون ملازمۀ بینه وبینهما…
وأمّا الإستحالۀ علی مبنی التعهّد، فلأن التعهّد أمر نفسانی واقعی غیر
__________________________________________________
. 1) سورة لقمان: 27 )
. 2) سورة المدثر: 31 )
ص: 308
اعتباري، إنه یتعهّد متی تلفّظ باللفظ الکذائی أراد تفهیم المعنی الکذائی، فلو أراد معنیً آخر لزم العدول عن تعهّده بالنسبۀ إلی
المعنی الأوّل.
وأورد علیه الاستاذ دام بقاه: بأنّ البرهان الذي اقیم فی مبحث الوضع علی هذا المبنی کانت نتیجته التعهّد باستعمال اللّفظ الکذائی عند
إرادة المعنی الکذائی، لا أنّه کلّما تلفّظت باللّفظ الکذائی فإنی أقصد المعنی الکذائی، وکم فرق بین الأمرین، فإن الثانی ینافی
عند إرادة الجاریۀ وعند إرادة الباصرة وهکذا… « العین » الإشتراك دون الأوّل، لأنه لا مانع من استخدام اللّفظ کلفظ
لعدم المحذور من انضمام تعهّدٍ إلی تعهّد…
خلاصۀ البحث … ص: 308
وتلخّص: أنّ الإشتراك ممکن، لا محال ولا واجب.
إنما الکلام فی وقوعه ومنشأ وقوعه، فأيّ غرض للواضع أنْ یضع اللّفظ الواحد لمعانی عدیدة؟ وما الدّلیل علی ذلک؟
ذکر المحقق الخراسانی وجوهاً، أحدها: نقل أئمۀ اللّغۀ.
وفیه: أنّا نرید الوضع التعیینی للّفظ الواحد لأکثر من معنی، ونقلهم لا یثبت هذا.
والثانی والثالث: التبادر وعدم صحۀ السّلب.
وفیهما ما تقدَّم، فإنّهما لا یثبتان الوضع التعیینی، فلعلّه تعیّنی.
ومن جهۀ اخري، فقد حکی المیرزا النائینی عن جورجی زیدان- وارتضاه أنّ منشأ الإشتراك هو اختلاط اللّغات بین القبائل العربیّۀ،
فلا یرجع الأمر إلی الواضع.
وهذا القول- وإنّ کان عقلائیّاً- إلّاأنه لا دلیل علیه، نعم، إذا جاء هذا
ص: 309
الإحتمال کفی فی سقوط کلّ الإستدلالات علی القول بالإشتراك فی اللّغۀ العربیّۀ.
الإشتراك فی ألفاظ القرآن … ص: 309
بعد أنْ ثبت أن فی اللّغۀ ألفاظاً مشترکۀ، وفی الشعر الفارسی:
آن یکی شیر است اندر بادیه و ان یکی شیر است اندر بادیه
فهل یوجد فی ألفاظ القرآن؟
قیل: لا، لعدم جوازه، من جهۀ أنه إنْ نصبت قرینۀ علی المعنی لزم التطویل بلا طائل، وهو مناف لشأن کلام اللَّه الموجز والمعجز، وإنْ
لم تنصب لزم الإجمال، وکلام الباري منزّه عنه.
واجیب: بوجود المجمل فی القرآن وهو المتشابه.
صفحۀ 155 من 205
قال الاستاذ …: ص: 309
لا یوجد فی القرآن الکریم لفظ مجملٌ، والمتشابهات مبیّناتٌ عند الراسخین فی العلم، فلا مجمل فیه علی الإطلاق، حتی فواتح السّور.
ووجود اللّفظ المجمل فی القرآن سواء لأجل الإشتراك أو غیره، بالنسبۀ إلی کلّ البشر هو المحذور، وهذا غیر متحقق.
ص: 311
إستعمال اللّفظ فی أکثر من معنی … ص: 311
اشارة
ص: 313
مقدّمۀ …: ص: 311
إنه لا اختصاص لهذا البحث بالألفاظ المشترکۀ…
ولیس موضوع البحث ومحلّ الخلاف هو المتعدّد الذي اعتبر واحداً واستعمل اللّفظ فیه، فإن هذا جائز بلا خلاف، کما لو اعتبر الاثنان
.« رهط » و « قوم » أو الجماعۀ واحداً، واستعمل اللَّفظ فی ذلک الواحد الإعتباري، کما هو الحال فی الألفاظ الموضوعۀ للجماعۀ مثل
ولیس موضوع البحث أن یکون کلّ واحدٍ من المعانی موضوعاً مستقلًاّ للحکم علیه بالنفی أو الإثبات کما ذکر المحقق الرشتی، لأن
الموضوع لمعنیً واحد، والمستعمل فی معنیً واحد، تارةً: یقع موضوعاً لحکم واحد، کقولنا: هؤلاء العشرة فعلوا « العشرة » مثل لفظ
کذا، أي: کلّهم مجتمعین، واخري: یقع موضوعاً لأحکامٍ متعدّدة، کقولنا: هؤلاء العشرة علماء … فلیس المراد من استعمال اللّفظ فی
أکثر من معنی هو وجود أحکام متعدّدة.
بل المراد- کما ذکر المحقق الخراسانی- أن یستعمل اللّفظ فی کلٍّ من المعانی، کما لو کان- أي کلّ واحدٍ منها- هو وحده
المستعمل فیه فقط…
فهل هذا الإستعمال- أي: إعمال جمیع مقوّمات الإستعمال حالکون المعنی واحداً فی مورد تعدّد المعنی- ممکن أو غیر ممکن؟
ص: 314
والکلام فی جهتین:
الاولی: هل یمکن عقلًا أو لا؟
والثانیۀ: هل یمکن عقلاءً أو لا؟
الجهۀ الاولی … ص: 314
اشارة
فیها ثلاثۀ أقوال:
الأوّل: الإستحالۀ، وإلیه ذهب المحققون: الخراسانی والمیرزا والإصفهانی والعراقی.
والثانی: الجواز، وهو مختار شیخنا الاستاذ دام بقاه.
والثالث: التفصیل بین المفرد فلا یمکن، وبین التثنیۀ والجمع فممکن.
صفحۀ 156 من 205
ولعلّ هذا القول یرجع إلی الجهۀ الثانیۀ.
فالمهمّ القولان:
دلیل القول بالاستحالۀ … ص: 314
اشارة
واختلفت کلماتهم فی بیان الاستحالۀ العقلیۀ لاستعمال اللّفظ فی أکثر من معنی:
-1 المحقّق الخراسانی …: ص: 314
اشارة
یستفاد من کلام المحقق الخراسانی ثلاثۀ وجوهٍ للاستحالۀ:
أحدها: إن الإستعمال إفناء اللّفظ فی المعنی، وذلک لأن اللّفظ غیر ملحوظ فی ظرف الإستعمال، بل اللّفظ فانٍ فی المعنی فناء المرآة
فی المرئی، ولذلک یسري حسن المعنی وقبحه إلی اللّفظ، وإذا کان هذا حقیقۀ الإستعمال، فلا یمکن استعمال اللّفظ الواحد فی أکثر
من معنی، لأن إفناء الواحد فی الاثنین محال، لأنه یستلزم إمّا وحدة الاثنین وإمّا تعدّد الواحد،
ص: 315
وکلاهما خلف.
والثانی: إن اللّفظ یکون فی مقام استعماله فی المعنی ملحوظاً باللّحاظ الآلی، فإن لوحظ کذلک بالنسبۀ إلی أحد المعانی احتاج
استعماله فی المعنی الآخر إلی لحاظه بلحاظٍ آلی آخر، إذ المفروض إفادته لکلٍّ من المعنیین علی سبیل الإنفراد والإستقلال، فیلزم
اجتماع لحاظین آلیّین علی ملحوظ واحدٍ، وهو من اجتماع المثلین، وهو محال.
والثالث: إنه فی کلّ استعمالٍ یلحظ اللَّفظ، ولحاظه عین وجوده فی الذهن، وإذا کان المعنی المستعمل فیه اللّفظ متعدّداً، لزم وجود
الماهیّۀ الواحدة بوجوداتٍ متعددة، وهذا محال.
عدم ورود اشکال الدرر … ص: 315
علی صاحب (الکفایۀ)، فإنه قد نقض بوجهین: «1» ( قال شیخنا الاستاذ: وبما ذکرنا یتّضح عدم ورود نقض صاحب (الدرر
أحدهما: بالعام الإستغراقی، فإنّه لفظ واحد، ولکنّه یحتوي علی أحکامٍ کثیرة متوجّهۀ إلی موضوعات کثیرة.
وثانیهما: بالوضع العام والموضوع له الخاص، فکما صحّ أنْ یکون اللّفظ الموضوع لمعنیً واحد وجهاً لمعانی کثیرة فی عالم الوضع،
فلیکنْ اللّفظ الواحد وجهاً لمعانی کثیرة فی عالم الإستعمال.
وجه عدم الورود: هو الغفلۀ عن حقیقۀ الإستعمال، فإنه إفناء اللّفظ فی المعنی، کما ذکر المحقق الخراسانی، وإفناء اللّفظ فی آنٍ واحدٍ
فی معنیین مستقلّین محال، وهذا غیر ماذکر فی العام الإستغراقی من وجود موضوعات
__________________________________________________
57 ط جامعۀ المدرّسین. / 1) درر الاصول 1 )
صفحۀ 157 من 205
ص: 316
وأحکام متعدّدة، أو فی الوضع العام والموضوع له الخاص، حیث یکون الشیء الواحد وجهاً للمتکثّرات … فما ذکره صاحب (الدرر)
أجنبی عمّا فی (الکفایۀ).
-2 المحقق النائینی … ص: 316
اشارة
والطریق الذي سلکه المحقق النائینی یتلخّص فی: أنّ حقیقۀ الإستعمال عبارة عن إلقاء المعنی وإیجاده فی الخارج بوجود اللَّفظ، فلا
نظر إلی اللّفظ، بل ینظر إلیه بالنظر التبعی، کما عبّر مرةً، أو أنّ النظر إلی اللّفظ هو کنظر القاطع إلی القطع الطریقی، حیث لا یري
إلّاالمعنی، کما عبّر مرةً اخري، فلو استعمل اللّفظ فی أکثر من معنی لزم أن یکون للوجود الواحد وجودات کثیرة.
وعلی کلّ حالٍ، فإنّ اللّفظ غیر ملحوظ لدي استعماله فی معناه، وقد عبَّر تارةً عن الإستعمال بإفناء اللّفظ فی المعنی، کما ذکر فی
(الکفایۀ)، وإفناء الواحد الواحد فی الکثیر محال.
وعلی الجملۀ، فإن تحقّق الأکثر من اللّحاظ الإستعمالی الواحد- مع وحدة الإستعمال والمستعمل فیه- محال.
اشتباه من المحاضرات … ص: 316
فأشکل علی المیرزا بإمکان اللّحاظین الإستقلالیین، « اللّحاظ الإستقلالی » إلی « اللّحاظ الإستعمالی » وقد بدّل فی (المحاضرات) کلمۀ
کما فی مقام التصدیق بقضیّۀٍ، فإنه یکون بلحاظ الموضوع والمحمول فی آنٍ واحد لحاظاً استقلالیّاً، وهذا شیء ممکن وواقع من
.«1» النفس الإنسانیۀ بسبب بساطتها
__________________________________________________
1) هذا الجواب عن کلام المیرزا، هو الجواب الذي ذکره الاستاذ فی الدورة السّابقۀ، إلّاأنه فی الدورة اللاحقۀ دقق النظر فی کلام )
المیرزا، فرأي أن الجواب اشتباه.
ص: 317
حیث قرّر مبنی المیرزا کما ذکرناه، فقد أشکل فی التعلیقۀ علی أساس مختاره فی حقیقۀ الوضع، وهو «1» ( أمّا فی (أجود التقریرات
مسلک التعهّد.
لکنّه إشکال مبنائی.
التحقیق فی الجواب عن کلام الآخوند والمیرزا … ص: 317
فقال الشیخ الاستاذ: بأنّ الحق فی الجواب هو عدم التسلیم بأنّ حقیقۀ الإستعمال إفناء اللّفظ فی المعنی، ونحن- بالوجدان- عندما
نستعمل الألفاظ لإفادة معانیها لسنا بغافلین عن الألفاظ، ولا یکون حالها حال القطع الطریقی، بل نلحظ اللّفظ ونحاول أن نراعی فیه
جهات الفصاحۀ والبلاغۀ فی نفس ظرف استعماله فی معناه.
إیراد المحقق الإصفهانی ومافیه … ص: 317
وقد أورد المحقق الإصفهانی علی صاحب (الکفایۀ) بعد التسلیم بما ذکره من حقیقۀ الإستعمال: بأنّ اللّفظ الصادر من المتکلّم
صفحۀ 158 من 205
وقد أورد المحقق الإصفهانی علی صاحب (الکفایۀ) بعد التسلیم بما ذکره من حقیقۀ الإستعمال: بأنّ اللّفظ الصادر من المتکلّم
الموجود خارجاً لا یمکن أن یکون مقوّماً للّحاظ، حتی یلزم إفناء الواحد فی الکثیر أو اجتماع المثلین، بل المقوّم للحاظ اللّفظ هو
الصورة النفسانیۀ لشخص اللّفظ الموجود خارجاً، ولا مانع من تحقّق صورتین له فی النفس، فلم یلزم إفناء شیء واحدٍ فی شیئین.
وقد أجاب عنه شیخنا: بأنّ هذا الذي ذکره المحقق الإصفهانی وإنْ کان معقولًا إلّاأنه خلاف الواقع، لأن الصورة النفسانیۀ تابعۀ للوجود
الخارجی وهی ظلٌّ له، ولمّا کان الموجود خارجاً لفظاً واحداً، فالمتحقّق فی الذهن صورة واحدة، فیعود الإشکال.
__________________________________________________
(1)
.76 / اجود التقریرات 1
ص: 318
-3 المحقّق العراقی … ص: 318
اشارة
إنّ حقیقۀ الوضع جعل اللَّفظ مرآة للمعنی، ثم الإستعمال لیس إلّاإعمال الوضع. وبعبارة اخري: إن الوضع یعطی اللَّفظ المرآتیَّۀ للمعنی
بالقوّة، والإستعمال یعطیه المرآتیۀ له بالفعل … هذا، والبرهان علی المرآتیۀ سرایۀ الحسن والقبح من المعنی إلی اللّفظ.
وإذا کان مرآة، فإنه لا یمکن أن یکون الشیء الواحد مرآةً لشیئین.
المناقشۀ … ص: 318
فقال شیخنا دام بقاه: بأن کلمات هذا المحقق فی حقیقۀ الوضع مشوّشۀ، فتارةً یقول بأنه جعل الملازمۀ بین اللّفظ والمعنی، واخري
یقول:
جعل اللّفظ مرآةً للمعنی، وهل یمکن الجمع بینهما؟ اللهم إلّاأن یقال بأنه یرید جعل الملازمۀ مطابقۀً وجعل المرآتیۀ التزاماً.
لکنْ لیس حقیقۀ الوضع جعله مرآةً للمعنی، لأن الوضع من فعل الواضع، ومن یضع الاسم علی ولده لا یجعل المرآتیّۀ، وجعل
الملازمۀ بین اللّفظ والمعنی لا یلازم المرآتیّۀ أبداً، لوجود الملازمۀ بین النار والحرارة، مع عدم وجود المرآتیّۀ.
وسرایۀ الحسن والقبح من المعنی إلی اللّفظ لا یختص بالقول بالمرآتیّۀ، فعلی القول بالعلامتیّۀ- الذي اخترناه- توجد هذه السّرایۀ
أیضاً، واستعمال اللّفظ فی أکثر من معنی بناءً علیه ممکن، لعدم المانع من أن یکون الشیء الواحد علامۀً لشیئین.
-4 المحقق الإصفهانی … ص: 319
اشارة
وسلک المحقق الإصفهانی مسلکاً آخر لبیان استحالۀ استعمال اللّفظ
ص: 319
الواحد فی أکثر من معنی، وهو مرکّب من أُمور:
الأول: إن للشیء وجودین، وجود حقیقی ووجود جعلی تنزیلی، فللمعنی وجود حقیقی فی الخارج، ووجود جعلی یتحقق باللّفظ
صفحۀ 159 من 205
فإن هذا اللّفظ وجود طبیعۀ کیف مسموع بالذات، ووجود جعلی « زید » الموضوع له، مع کون اللّفظ من الکیف المسموع، فعندما نقول
للمسمّی بهذا الاسم.
والثانی: إن حقیقۀ الإستعمال إیجاد المعنی باللّفظ، لکنْ بالوجود الجعلی التنزیلی المذکور.
والثالث: إنّ الإیجاد والوجود واحد حقیقۀً متعدد اعتباراً، إذ الحقیقۀ إنْ اضیفت إلی القابل فهو الوجود، وإنْ أضیفت إلی الفاعل فهو
الإیجاد.
وعلی هذه الأسس، فإنه یستحیل استعمال اللّفظ فی أکثر من معنی، حتی مع عدم لحاظ اللّفظ أصلًا، ووجه الإستحالۀ: إنه لا یوجد
عندنا إلّالفظ واحد، وله وجود واحد، فلما استعمل فی المعنی الأوّل حصل له الوجود بالوجود التنزیلی، فلو ارید استعماله فی الثانی
أیضاً کان إیجاداً آخر کذلک، فیکون استعماله فی المعنیین محصّلًا للإیجادین، لکنّ الموجود عندنا واحد لا غیر، فیلزم وحدة الوجود
وتعدّد الإیجاد، وهذا محال، لکون الوجود عین الإیجاد کما تقدَّم فی المقدّمۀ الثالثۀ.
مناقشۀ الاستاذ … ص: 319
وأورد علیه شیخنا دام بقاه بوجوه:
فی قِبال الوضع التکوینی، کوضع العَلَم علی « الوضع فی عالم الإعتبار » أمّا أوّلًا: فإنّ مختار المحقق الإصفهانی فی حقیقۀ الوضع هو
المسافۀ المعیّنۀ، وإذا کان کذلک، فلا یکون اللّفظ وجوداً تنزیلیّاً للمعنی. نعم، هذا
ص: 320
یتمّ علی مبنی الفلاسفۀ فی حقیقۀ الوضع.
وأمّا ثانیاً: فإنّ الوضع هو من فعلنا، ونحن فی أوضاعنا- کوضع الأسماء علی المسمّیات- لا نجعل اللَّفظ وجوداً تنزیلیّاً للمعنی، بل إنّ
الاسم یوضع علی المسمّی لأنْ یکون علامۀً له، ینتقل الذهن بسببه إلیه.
وأمّا ثالثاً: فإن قاعدة الوحدة الحقیقیّۀ بین الإیجاد والوجود من أحکام الموجودات الحقیقیّۀ، وعلیه، یستحیل إیجاد الشیئین الحقیقیّین
بوجود واحد، أمّا إیجاد الشیئین فی عالم الإعتبار بوجود واحدٍ، فلا مانع عقلی عنه.
المتحصّل من البحث … ص: 320
فتحصّل من جمیع ما تقدَّم: عدم قیام برهان صحیح علی استحالۀ استعمال اللّفظ فی أکثر من معنی عقلًا.
بل إنّ المختار فی حقیقۀ الوضع هو جعل اللّفظ علامۀ للمعنی، وعلی هذا المبنی لا مانع أصلًا من أن یکون الشیء الواحد علامۀ
لشیئین.
فالحق هو الجواز علی المختار.
وأمّا علی مبنی التعهّد، فکذلک، لعدم المانع من أن یتعهّد باستعمال اللّفظ إذا أراد الشیئین، وما فی (المحاضرات) فی مبحث
الإشتراك من عدم إمکان الإشتراك علی هذا المبنی، تقدَّم مافیه، من أنّ نتیجۀ هذا المبنی هو التعهّد باستعمال اللّفظ الکذائی متی
أراد المعنی الکذائی، وهذا لا ینافی أن یکون المعنی الکذائی المراد متعدّداً.
فالحق
جواز استعمال اللّفظ فی أکثر من معنی عقلًا.
هذا تمام الکلام فی الجهۀ الاولی.
ص: 321
صفحۀ 160 من 205
الجهۀ الثانیۀ … ص: 321
اشارة
وبعد الفراغ عن جهۀ الثبوت، تصل النوبۀ إلی جهۀ الإثبات والظهور العرفی.
والحق: إن استعمال اللّفظ الواحد فی أکثر من معنی خلاف الأصل العقلائی، وإطلاق اللّفظ الواحد وإرادة المعانی المتعددة منه بدون
نصب قرینۀٍ، شیء غیر متعارف عند أهل المحاورة، فإنهم لا یقصدون ذلک حتی فی الألفاظ المشترکۀ، بل لابدّ من نصب قرینۀٍ،
یقول الشاعر:
بُز وشمشیر هر دو در کمرند
و « سفح الجبل » وهو المعز یکون علی « بز » لکنّ المعنی ظاهر، لأن « ظهر الإنسان » و « سفح الجبل » وإنْ کانت مشترکۀ بین « کمر » فکلمۀ
.« ظهر الإنسان » وهو السیف یکون علی « شمشیر »
فلو لم یکن المعنی ظاهراً مفهوماً لم یجز الإستعمال عقلاءً، بل یکون مقتضی القاعدة عند عدم القرینۀ علی التفصیل الآتی:
إن لم یکن اللّفظ مشترکاً بین معانٍ متعددة بالوضع، فلا شبهۀ فی حمله علی المعنی الحقیقی الواحد، بمقتضی أصالۀ الحقیقۀ، فإنْ
کان له معنی مجازیّاً مشهوراً، والمفروض عدم القرینۀ، فلا یحمل، لا علی المعنی الحقیقی ولا علی المجاز المشهور، بل یکون مجملًا.
وإن کان مشترکاً بین معانٍ عدیدة، کان محکوماً بالإجمال.
وقال: بعت « غانم » فإن علم بتعدّد المعنی المراد، لکنْ تردّد الأمر بین إرادة المجموع وإرادة الجمیع، کما لو کان للمولی عبدان باسم
غانماً بدرهمین،
ص: 322
:«1» ( فعلمنا إجمالًا ببیعه کلّ واحدٍ أو بیعه کلیهما معاً، قال فی (المحاضرات
لا أصل لفظی یرجع إلیه، بل المرجع هو الأصل العملی.
فقال الاستاذ: إنه بناءً علی کون حجیّۀ أصالۀ الحقیقۀ من باب التعبّد فالمرجع هو أصالۀ الحقیقۀ، وعلیه، یحمل الکلام علی العام
المجموعی، لأن المفروض إمکان استعمال اللّفظ فی أکثر من معنی، والمفروض کونه حقیقۀ فی کلا الفردین، وعلیه یحکم باشتغال
ذمّۀ المشتري بأربعۀ دراهم.
وأمّا بناءً علی القول بحجیّۀ أصالۀ الحقیقۀ من باب الظهور، فالمفروض عدم الظّهور، لکون مثل هذا الإستعمال علی خلاف الأصل
العقلائی فی مقام المحاورة.
وإنْ کان اللّفظ حقیقۀً فی کلٍّ من الفردین ومجازاً فی المجموع، فالکلام حینئذٍ مجمل.
إلّاأن هذا التفصیل غیر وارد فی (المحاضرات)، لأنه ذهب إلی استحالۀ الإشتراك، علی مسلکه فی الوضع وهو التعهّد، فلا مورد
لأصالۀ الحقیقۀ بناءً علیه.
تفصیل صاحب المعالم … ص: 322
بین اللّفظ المفرد والتثنیۀ والجمع، فقال بأنّ استعمال اللّفظ فی أکثر من معنی إن کان مفرداً فمجاز، وإن «2» ( وفصّل صاحب (المعالم
کان مثنّیً أو
__________________________________________________
صفحۀ 161 من 205
.221 / 1) محاضرات فی اصول الفقه 1 )
2) معالم الاصول: 52 ط دار الفکر. )
ص: 323
جمعاً فحقیقۀ.
والحق: عدم الفرق، لأن هیئۀ التثنیۀ تدلّ علی تعدّد مدلول المفرد، فإن جاز استعمال اللّفظ فی أکثر من معنی حقیقۀً فلا فرق، وإنْ لم
المفروض کونه موضوعاً بأصل اللّغۀ لأکثر من معنی، لا أنه یدل علی « العَین » یدل علی تعدّد « العیون » یجز فلا فرق کذلک، فلفظ
«… عین » و « عین » و « عَینٍ »
بأن یراد من اللّفظ الأوّل الباصرة، ومن الثانی: الجاریۀ، ومن الثالث: عین الشمس … وهکذا…
ثمرة البحث فی استعمال اللّفظ فی أکثر من معنی … ص: 323
هذا، وللبحث عن استعمال اللّفظ فی أکثر من معنی ثمرات:
منها: ما تقدَّم فی مثال بیع غانم، وکذا عتقه، وکذا لو کان له زوجتان باسم هند، فطلَّق هنداً، وهکذا فی جمیع الألفاظ المشترکۀ،
الواقعۀ فی إنشاءٍ، من البیع والوصیّۀ والصّلح والهبۀ والطلاق.
هل یفید جعل الحلیّۀ فقط، أو یفید جعلها «1» « کلّ شیء هو لک حلال حتی تعلم أنه حرام » : ومنها: البحث فی مدلول قوله علیه السلام
وجعل استمرارها متی شک فیه؟
فالبحث المشار إلیه جارٍ فیه کذلک. «2» « کلّ شیء طاهر حتی تعلم أنه قذر » : ومنها: البحث فی مدلول قوله علیه السلام
وعلی الجملۀ، هل الخبران یجعلان الحلّ والطّهارة فقط، أو یصلحان لجعلهما وجعل استصحابهما لدي الشک فی بقائهما؟
هل یمکن «3» « لا ینقض الیقین بالشک » : ومنها: فی قوله علیه السلام
__________________________________________________
. 89 ، الباب 4 من أبواب ما یکتسب به، رقم: 4 / 1) انظر: وسائل الشیعۀ 17 )
583 ، الباب 30 من أبواب کتابۀ الطهارة عن المقنع، وفی وسائل الشیعۀ، باب 37 من أبواب النجاسات عن / 2) المستدرك 2 )
.« طاهر » بدل « نظیف » التهذیب، وفیه
.352 / 3) الکافی 3 )
ص: 324
مستعملًا فی معناه الحقیقی الکائن فی قاعدة الیقین، والمسامحی « الیقین » معاً منه، بأنْ یکون لفظ « الإستصحاب » و « قاعدة الیقین » إرادة
الکائن فی
الإستصحاب، أو لا یمکن ذلک؟
«1» « اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِیمَ » قالوا: ومن الثمرات: جواز قصد إنشاء الدعاء والقراءة معاً فی
مثلًا، بناءً علی جواز استعمال اللّفظ فی أکثر من معنی عقلًا.
لکنّ الاستاذ ناقش بأنّ: القراءة فی الصّلاة هی حکایۀ ما نزل علی النبی صلّی اللَّه علیه وآله وسلّم بعنوان القرآن واستعمال ذاك اللّفظ،
ولیست استعمال لفظٍ فی لفظ القرآن الکریم، فهذا خارج عن البحث، ولا یعدّ من ثمراته.
نعم یصح طرح البحث بأنّه هل یمکن التلفّظ بکلام الغیر وإبراز القصد به أیضاً أو لا؟
الحق: إنه ممکن، وفاقاً للمحقق الإصفهانی، فیجوز اجتماع قصد القراءة مع قصد الإنشاء.
صفحۀ 162 من 205
الکلام فی بطون القرآن … ص: 324
وتعرّض صاحب (الکفایۀ) إلی ماورد فی أن لألفاظ القرآن الکریم بطوناً، وذلک بمناسبۀ أنّها تدلُّ علی وقوع استعمال اللّفظ فی أکثر
من معنی فی القرآن الکریم، وأدلّ دلیلٍ علی إمکان الشیء وقوعه، وقد ذهب هو إلی الإمتناع.
رأي المحقّق الخراسانی … ص: 324
__________________________________________________
. 1) سورة الفاتحۀ: 6 )
ص: 325
وأجاب عن ذلک بوجهین:
الأول: إن مدلول هذه الأخبار، أنّ اللَّه تعالی قد أراد- فی ظرف إرادة المعنی الواحد من اللّفظ- معانی اخري غیره، فلیس اللّفظ
مستعملًا فی سبعۀ معانٍ، بل استعمل فی معنی واحدٍ واریدت الستۀ الاخري مقارنۀً لهذا المعنی.
قال شیخنا دام بقاه: وهذا أمر ممکن، لکنّه لا یتناسب مع مدلول تلک الأخبار، وهو کون بعض المعانی ظاهر اللّفظ وبعضها باطنه،
وأین هذا ممّا ذکره؟
والثانی: إن المعنی المطابقی للّفظ هو معنی واحد، وسائر المعانی التی اشیر إلیها فی الأخبار إمّا لوازم له وإمّا هی ملزومات له، فلیس
الدّلالۀ من باب الإستعمال، بل من باب الدّلالۀ الإلتزامیۀ، ولا مانع من أن یکون للّفظ الدالّ علی معناه مطابقۀً معان عدیدة یَدل علیها
إلتزاماً.
وقد استحسن جماعۀ من الأعلام هذا الوجه.
وخالف شیخنا فقال: بأنّه جیّد موجبۀً جزئیّۀ، وإلّا ففی المعانی التی هی من بطون القرآن- بحسب الروایات- موارد کثرة لیست دلالۀ
اللّفظ علیها من باب الدلالۀ الإلتزامیۀ.
إن اللوازم علی قسمین، فمنها: لازم جلیّ، کالحرارة بالنسبۀ إلی النار، فمع استعمال لفظ النار فی معناه ودلالته علیه وهی الذات
لأنّ الملازمۀ جلیّۀ لکلّ أحدٍ. « باطناً » بالمطابقۀ، توجد له دلالۀ علی الحرارة أیضاً، ولکنَّ هذه الدلالۀ لا تسمّی
ومنها: لازم خفی، وفی هذا القسم یمکن قبول کلام صاحب (الکفایۀ)، إلّا أن أخبار بطون القرآن لا ظهور فیها لکون الدلالۀ بالإلتزام،
ففی قوله تعالی
ص: 326
«1» « مَرَجَ الْبَحْرَیْنِ یَلْتَقِیَانِ »
لیدل اللَّفظ علیهما بالدلالۀ ،« الحسن والحسین » و « البحرین » وأین الملازمۀ بین ،«2» قد ورد أنهما الحسن والحسین علیهما السلام
«3» « ثُمَّ لْیَقْضُوا تَفَثَهُمْ » الإلتزامیۀ؟ وفی قوله تعالی
أي: « التفث » وأین الملازمۀ بین ذلک وماهو المدلول المطابقی للفظ «… 4» ورد أن المراد هو زیارة الإمام ولقاؤه بعد أعمال الحج
أخذ الشارب وقصّ الظفر؟.
وتلخّص: إن ماذکره صاحب (الکفایۀ) لا یحلّ المشکل.
رأي جماعۀٍ من المحقّقین … ص: 326
صفحۀ 163 من 205
وأجاب المحقق النائینی والمحقق العراقی- وذکره الفیض الکاشانی فی أوّل (تفسیره)- بأنّ المراد من هذه الأخبار هو: أن المعنی
المستعمل فیه اللّفظ هو معنیً کلّی، وأن مصادیقه متعددة، لکنّها مخفیّۀ علی غیر أهل الذکر الذین هم الراسخون فی العلم، العالمون
بتأویل القرآن، فإنّهم یعلمون بتطبیقات تلک الکلیّات.
فإنه لم یوضع هذا اللّفظ لهذه الآلۀ « المیزان » وعلی الجملۀ، فإن بطون القرآن من قبیل استعمال اللّفظ الکلّی وإرادة المصادیق، کلفظ
وحینئذٍ یصدق علی الإمام المعصوم علیه السلام، لوصفه « ما یوزن به » التی توزن بها الأشیاء فی السّوق، بل الموضوع له هذا اللّفظ هو
بالمیزان فی الأخبار، وعلی
__________________________________________________
. 1) سورة الرحمن: 19 )
109 ط الأعلمی. / 2) تفسیر الصافی 5 )
. 3) سورة الحج: 29 )
376 ط الأعلمی. / 4) تفسیر الصافی 3 )
ص: 327
القرآن، وعلی علم المنطق، وعلی العقل، وعلی المیزان المعروف … ومیزان کلّ شیء بحسبه.
وأورد شیخنا: بأنه أیضاً لا ینطبق علی جمیع الموارد، مثلًا قوله تعالی:
ذات الأقوال والأفعال، وعلی « الصلاة » معنیً کلّی، لینطبق علی هذه « الصلاة » لا یوجد للفظ «1» « إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَی عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنکَرِ »
لکنّه غیر موضوع له لفظ « ما یتوجَّه به إلی اللَّه » أمیر المؤمنین علیه السلام، ولا یوجد جامع بین الأمرین، اللّهم إلّاالجامع الانتزاعی مثل
بالوضع الحقیقی، وإنْ قلنا بجواز استعماله فیه مجازاً، لزم القول بکونه فی جمیع موارد استعماله فی القرآن مجازاً، وهذا لا « الصَّلاة »
یلتزم به.
رأي السید البروجردي … ص: 327
وذکر السید البروجردي معنیً آخر، وهو: إنّ للقرآن مراتب بحسب مراتب النفوس الإنسانیۀ، فهی معانٍ طولیّۀ یدرکها الأشخاص
مثلًا، حیث « التقوي » بحسب مراتبهم النفسیّۀ، فکلّما تقدّمت النفس فی الکمال تمکّنت من درك وفهم المعنی الأرقی والأدق، کلفظ
یفهم الصدّیقون منه ما لا یفهمه غیرهم.
فقال الاستاذ دام ظلّه: هذا الوجه متین، والنفس کلّما تقدّمت فی الکمال أدرکت المعانی والحقائق الأدق والأعمق والأجل، لکنّ
المشکل هو أنه لابدَّ من تصحیح وتوجیه استعمال الألفاظ القرآنیۀ فی تلک المعانی المختلفۀ المتعدّدة، وتصحیح الإستعمال فیها
لایکون إلّاعن طریق دعوي کون الألفاظ موضوعۀً للمعانی الکلیّۀ، ویکون کلّ واحد من المعانی مصداقاً له، أو دعوي کونها موضوعۀ
لمعانیها الحقیقیۀ المنفردة الواحدة، وتلک المعانی لوازم، وصاحب هذا الوجه قد أبطل کلتا الدعویین، ولم یوافق علی
__________________________________________________
. 1) سورة العنکبوت: 45 )
ص: 328
ذینک الوجهین.
رأي السید الحکیم … ص: 328
صفحۀ 164 من 205
رأي السید الحکیم … ص: 328
وعلی الجملۀ، فإن هذا الوجه لا یحلّ المشکلۀ من جهۀ تصحیح الإستعمال، فإن اللّفظ الدالّ علی تلک المراتب بأيّ وجهۀ یدل؟ إن
کانت دلالته حقیقیۀً، کان موضوعاً للکلّی والمراتب مصادیق، وإنْ کانت دلالته مجازیّۀً، فلازمه أنْ تکون ألفاظ القرآن هذه کلّها
بأن بطون القرآن من قبیل استعمال اللّفظ فی مجموع المعانی، «1» مجازاً، ولا یجوز الإلتزام به وإنْ التزم به السید الحکیم، حیث قال
فکلّ واحدٍ منها لیس الموضوع له بل استعماله فیه مجازي.
وهذا الوجه ممنوع جدّاً.
هذه عمدة الوجوه المذکورة فی حلّ المطلب، ولم یرتض شیخنا شیئاً منها.
فقال شیخنا:
إن لسان الروایات فی بطون القرآن مختلف، فمنها: ما یفید أنّ الظاهر عبارة عمّن نزل فیه القرآن، والباطن عبارة عن الذین یعملون
أعمال من نزل فیه، ومنها: ما یفید أن ظاهر بعض الآیات هو الق ّ ص ۀ والباطن هو الموعظۀ، ومنها: ما یفید أن الظاهر هو التنزیل والباطن
هو التأویل، ومنها: ما یفید أن الباطن عبارة عن التطبیقات العددیۀ، ومنها: ما یفید أن المراد من البطون هو الوجوه السبعۀ، ومنها: ما جاء
فیه: إن بطون القرآن عجائبه وغرائبه، ومنها:
ما جاء فیه من أنها التخوم … ومنها: ما یستفاد منه غیر ذلک.
__________________________________________________
(1)
95 ط البصیرتی. / حقائق الاصول 1
ص: 329
وعلی کلّ حالٍ، فما ذکره الاصولیون فی معنی هذه الروایات الکثیرة الثابتۀ لا ینطبق إلّاعلی بعضها بنحو الموجبۀ الجزئیّۀ.
والحق- بناءً علی المختار فی حقیقۀ الوضع من أنه العلامتیّۀ- هو جواز استعمال اللّفظ فی أکثر من معنی، إذ لا مانع من أن یکون
اللّفظ الواحد علامۀً لمعانی عدیدة، و اسماً لعدّة امور.
أقول: لکن المشکلۀ هی أنه إذا کان اللّفظ علامۀً لعدّةٍ من المعانی فی عرضٍ واحدٍ، فکیف لم یعلم أهل اللسان إلّابواحدٍ منها وهو
المعنی الظاهر فیه اللَّفظ، والمعانی الاخري التی هی البواطن لا یعلم بها إلّاالراسخون فی العلم وهو معدودون؟ ومَن الواضع للّفظ علی
تلک المعانی الباطنۀ التی استعمل فیها؟
وهذا تمام الکلام فی استعمال اللّفظ فی أکثر من معنی.
ص: 331
المشتق …