گروه نرم افزاری آسمان

صفحه اصلی
کتابخانه
جلد دوم
الأوامر … ص: 6






اشارة
البحوث السابقۀ کانت مقدمات. والمهم هو المقاصد والخاتمۀ.
والمقصدُ الأول فی الأوامر، وهی مورد الإبتلاء فی الفقه من أوّله إلی آخره، وهی کثیرة جدّاً، إمّا تعییناً وإمّا تخییراً، معلَّقاً أو منجّزاً،
عینیّاً أو کفائیّاً، توصّلیاً أو تعبّدیاً…
فی هذا المقصد بحوث مهمّۀ، کمباحث الإجزاء واقتضاء الأمر للنهی عن الضدّ وأمثال ذلک ممّا له الأثر العلمی والعملی.
وهذا المقصد موضوعه الأمر مادّةً وصیغۀً.
والبحث أوّلًا عن مادّة الأمر.
ثم عن الصّیغۀ.
ص: 7
مادّة الأمر … ص: 7
صفحۀ 24 من 211
اشارة
وفیه بحوث:
-1 ما معنی مادّة الأمر؟
-2 هل المادّة تدلّ علی الوجوب؟
-3 هل یعتبر فی مفهوم الأمر: العلوّ، أو الإستعلاء، أو لا هذا ولا ذاك؟
ما معنی مادّة الأمر …؟ ص: 7
«1 …» « إِنَّ اللّهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ » : قال تعالی
ونحو ذلک- کتاباً وسنّۀً- کثیر، فما هو مدلول هذه المادّة؟ وهل المعنی «2» « إذا أمرتکم بشیء فأْتوا منه ما استطعتم » : وفی الحدیث
واحد أو متعدّد؟
قیل: المعنی الموضوع له مادّة الأمر واحد ولیس بمتعدّد، وعلیه المحقّقان المیرزا والإصفهانی.
وقیل: لمادّة الأمر معانٍ متعدّدة، فعدّ فی (الکفایۀ) سبعۀ، وذکر بعض أکثر من عشرین معنی.
ثم أرجعوا تلک المعانی الکثیرة إلی معنیین، لکنّهم اختلفوا فی
__________________________________________________
. 1) سورة النحل: 92 )
. 58 برقم 206 / 2) غوالی اللآلی 4 )
ص: 8
تعیینهما:
قال صاحب (الفصول) هما: الطلب والشأن، وقوّي فی (الکفایۀ) القول بأنّهما: الطلب والشیء، وقال السید البروجردي: الطلب والفعل،
وقیل:
الطلب ومعنی أخص من الشیء وأعمّ من الفعل، وقیل بدل الطلب: إبراز الإعتبار النفسانی.
هذه أهمّ الآراء فی هذا المقام.
التحقیق فی الآراء بناءً علی تعدّد المعنی … ص: 8
فأقوي الأقوال المذکورة هو القول الرابع، ویظهر ذلک من النظر فیها: ،« الأمر » فأمّا بناءً علی تعدّد المعنی للفظ
ولا ینسبق منه إلی الذهن. « الشأن » عن « الأمر » فواضح الضّعف، إذ لا حکایۀ للفظ «1» ( أمّا رأي صاحب (الفصول
و « الغرض » وأنّ استعماله فی مثل « الشیء » و « الطلب » هو « الأمر » من أن المعنی الحقیقی للفظ «2» ( وأمّا رأي صاحب (الکفایۀ
مثلًا، ولکونه مصداقاً له تخیّل أن « الغرض » مصداق « الشیء » ونحوها هو من باب اشتباه المصداق بالمفهوم، لأنّ ،« الفعل » و « الحادثۀ »
لیس معناه: جئتک للغرض الفلانی، بل المعنی جئتک للشیء الفلانی، « جئتک للأمر الفلانی » : فقولک ،« الغرض » هو « الأمر » مفهوم
إلّاأنه مصداقٌ للغرض، کما یکون مصداقاً للحادثۀ وللفعل … وهکذا…
فهذا رأي المحقق الخراسانی، لکنْ فیه:
__________________________________________________
صفحۀ 25 من 211
1) الفصول الغرویۀ: 62 ، حجري. )
2) کفایۀ الأصول: 62 ط مؤسسۀ آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث. )
ص: 9
لا یصحّ إطلاقه علی هذه الموارد، « الأمر » یطلق علی: الجوهر، والعرض، من الفعل وغیره، وعلی ذات الباري عزّوجلّ، لکنّ « الشیء » إنّ
.« الأمر » ولکنْ لا یطلق « الشیء » فیطلق علیه «1» « شیء بخلاف الأشیاء » لکنّه « شیء » فلا یقال فی زید: إنه أمرٌ، وفی الأخبار إنه یقال للَّه
وقد استشکل المحقق الإصفهانی تعبیر صاحب (الکفایۀ) عن الإشتباه المزبور بأنه من اشتباه المفهوم بالمصداق، ببیان: إن اشتباه
المفهوم بالمصداق إنما یکون فی موردٍ یوضع اللفظ للمصداق بما أنه مصداق وبما هو کذلک ویستعمل فیه مع هذا اللّحاظ، فیدّعی
وضعه للمفهوم، کما لو وضع اللفظ للغرض بالحمل الشائع، فیدّعی وضعه للغرض بالحمل الأوّلی. أما مع عدم الوضع للمصداق فلا
یکون ادّعاء وضعه للمفهوم من باب الخلط بین المفهوم والمصداق، والحال فی المعانی المذکورة کذلک، إذ لم یوضع اللّفظ
.«2» لمصادیقها جزماً، فالمتّجه علی هذا التعبیر بالاشتباه، لا غیر
قال السید الاستاذ بعد إیراده: وأنت خبیر بأنَّ هذا التعبیر کما یمکن أن یراد به ما ذکره المحقق الإصفهانی، یمکن أنْ یراد به ما قصده
المحقق الخراسانی، إذ یصحّ التعبیر به عن دعوي الوضع للمفهوم مع استعماله فی المصداق لتخیّل استعماله فی المفهوم، ویکون من
.«3» باب اشتباه المفهوم بالمصداق فی مقام الإستعمال الذي لوحظ طریقاً لمعرفۀ الوضع
فقد ظهر ما فیه ممّا تقدّم، لأنه قد ،«4» وأمّا رأي السید البروجردي
__________________________________________________
82 باب إطلاق القول بأنه شیء. / 1) الکافی 1 )
.249 / 2) نهایۀ الدرایۀ 1 )
.370 / 3) منتقی الاصول 1 )
. 4) الحجۀ فی الفقه: 97 )
ص: 10
مع کونه یطلق علی غیر الفعل أیضاً. هذا أوّلًا. « الفعل » ب « الأمر » خصّ
.« الأمر » لا ینسبق إلی الذهن من لفظ « الفعل » وثانیاً: فإنّ
.« الشیء » وأضیق من « الفعل » أوسع دائرة من « الأمر » فظهر أن الحق کون مفهوم
فإنّ المولی یجعل- فی عالم الإعتبار- علی ذمّۀ المکلَّف الحکم ،«1» هو الإعتبار النفسانی وإبرازه « الأمر » وأمّا رأي القائل بأن مدلول
ففیه: ،« الأمر » ویبرز اعتباره ب
صحیح أن هناك ألفاظاً وصیغاً موضوعۀ لإبراز الإعتبار النفسانی، مثل صیغ العقود، حیث تعتبر الملکیّۀ- مثلًا- ویبرز هذا الإعتبار بلفظ
لکنَّ هذا مطلبٌ وکون مدلول هذه الصیغۀ هو ذاك الإعتبار وإبرازه مطلبٌ آخر. ،« بعتُ »
فالحقّ هو القول الرابع من الأقوال المذکورة.
النظر فی القول بوحدة المعنی … ص: 10
هو المعنی الواحد الجامع بین المعانی بنحو الإشتراك المعنوي. « الأمر » هذا، وذهب المحقّقان المیرزا والإصفهانی إلی أن مفهوم لفظ
وفیه: «2» « واقعۀ لها أهمیّۀ » أمّا المیرزا فقال: بأنه موضوع لِما هو عبارة عن
إلی الذهن. « الأمر » أوّلًا: إن هذا لا ینسبق من لفظ
صفحۀ 26 من 211
__________________________________________________
(1)
.9 / محاضرات فی اصول الفقه 2
131 ط مؤسّسۀ صاحب الأمر علیه السلام. / 2) أجود التقریرات 1 )
ص: 11
المهم، فیکون الکلام: الواقعۀ ذات الأهمیۀ مهمّۀ، وهو کما تري. کما « الأمر » إلی الذهن من قولنا « الأهمیّۀ » وثانیاً: إنه یستلزم مجیء
فی قولنا: أمر غیر مهم. « الأهمیّۀ » من « الأمر » یستلزم تجرید لفظ
فی « الأمر » عبارة عن الإرادة البالغۀ حدّ الفعلیّۀ، سواء کانت تشریعیّۀ أو تکوینیّۀ، فیطلق « الأمر » إن مفهوم :«1» وأمّا الإصفهانی فقال
،«2» جمیع الموارد بلحاظ کونها قابلۀً لتعلّق الطلب والإرادة … قال السید الاستاذ: وما ذکره لا أري فیه خدشاً فلا ضیر فی الالتزام به
لکن شیخنا الاستاذ أورد علیه:
؟«3» « ألا إِلَی اللَّهِ تَصِیرُ الأمُورُ » : أوّلًا: أین انسباق الإرادة والطلب من مثل
وثانیاً: إنه فی مورد التشریع یصدق الأمر، ولکنه أعم من الحقیقۀ، وأمّا فی مورد التکوین فلا صدق أصلًا، فإن اللَّه تعالی یرید مثلًا خلق
فلانٍ، لا أنه یأمر بخلقه، فلا یصدق الأمر علی الإرادة لا لغۀً ولا عرفاً.
یطلق علی الفعل بلحاظ قابلیّته لتعلّق الإرادة تکویناً وتشریعاً، نظیر « الأمر » بأن - « المطلب » و « المقصد » وثالثاً: قیاس ما نحن فیه علی
علی فعلٍ فإنه یتبادر إلی « المطلب » علی بلحاظ تلک القابلیّۀ- فیه: إنه قیاس مع الفارق، لأنه متی اطلق « المطلب » و « المقصد » إطلاق
.« الطّلب » مفهوم « الأمر » الذهن معنی الطلب من نفس الإطلاق، أمّا إذا قیل: هل فَعَل فلانٌ الأمر الکذائی؟ فلا ینسبق من لفظ
المختار عند الشیخ الاستاذ … ص: 11
وبعد التحقیق فی الأقوال والنظر فی أدلّتها، فقد اختار شیخنا دام بقاه،
__________________________________________________
.250 / 1) نهایۀ الدرایۀ 1 )
.373 / 2) منتقی الاصول 1 )
. 3) سورة الشوري: 53 )
ص: 12
معنیین مختلفین، لوجوه: « الأمر » أن الإشتراك لفظی، ولیس بمعنوي، وأن للفظ
؟« هل زید فعل الأمر الکذائی » غیر ما یتبادر من مثل ؟« هل تعلّق أمر زید بکذا » الأوّل: التبادر، فإن المتبادر فی مثل
واختلاف صیغۀ الجمع دلیل اختلاف المعنی فی .« الامور » وبالمعنی الآخر هو « الأوامر » هو « الطلب » بمعنی « الأمر » والثانی: إن جمع
المفرد.
بالمعنی الأول یقبل الإشتقاق، وبالمعنی الثانی جامد. « الأمر » والثالث: إن
وتلخّص:
إن المعنی مختلف، ولا یتم إرجاعهما إلی معنیً واحد، والاشتراك بینهما لفظی.
«1» وهذا القول للمحقّق العراقی « الشیء » والمعنی الثانی هو معنیً أعم من الفعل وأخص من « الطلب » وقد تقدَّم إن المعنی الأول هو
.«2» وقد ذکر السید الاستاذ أنّه لا یرد علیه ما ورد علی صاحب (الکفایۀ) کما لا یرد علیه ما ورد علی المحقق النائینی
صفحۀ 27 من 211
هذا تمام الکلام فی البحث الأول.
ولا یخفی، أنْ لا ثمرة لهذا النزاع، لأن مقتضی الأصل فی حال تردّد المفهوم هو- علی کلّ تقدیرٍ- أصالۀ البراءة.
__________________________________________________
(1)
.156 / نهایۀ الأفکار 1
.372 / 2) منتقی الاصول 1 )
ص: 13
هل یعتبر العلوّ أو الإستعلاء فی مفهوم مادّة الأمر …؟ ص: 13
العلوّ، وأنه لا أثر لأمر المستعلی، لأن الأمر مفهوماً وعقلاءً من شئون العالی، ولا أمر للدانی المستعلی… « الأمر » والحق: إنه یعتبر فی
ولا فرق فی العالی بین أنْ یکون علوّه بحقٍّ أو یکون بغیر حق.
ومن الواضح أن جمیع الأوامر الشرعیّۀ صادرة عن العالی، وعلوّه تعالی بالحق، بل کلّ علوٍّ بالحق فإنّه من علوّه.
هل تدل مادّة الأمر علی الوجوب …؟ ص: 13
قبل الورود فی البحث نقول: هل مفهوم الأمر عبارة عن الطلب، أو الطلب الخاص المبرز، أو المجموع المرکب هو الأمر، أو أنه ینتزع
الأمر من الطلب المبرز للطلب النفسانی؟
المقترن بالطلب النفسانی واقعاً. « آمرك » الظاهر هو الأخیر، والشاهد علیه انتزاع الأمر من قولک
الذي هو عبارة عما ذکر یدل علی الوجوب؟ « الأمر » فهل
فیه خلاف.
فقیل: إن مادّة الأمر حقیقۀ فی الندب.
وقیل: إنها مشترکۀ بین الوجوب والندب، والإشتراك معنوي.
وقیل: لمادّة الأمر ظهور وضعی فی الوجوب.
وقیل: بل ظهور إطلاقی.
وقیل: دلالتها علی الوجوب إنما هی بحکم العقل.
وقیل: بل بالسّیرة العقلائیّۀ.
ص: 14
دلیل القول بالدلالۀ علی الجامع المشترك … ص: 14
واستدلّ للقول بدلالۀ مادّة الأمر علی الجامع المشترك بین الوجوب والندب:
أوّلًا: بصحّۀ التقسیم، لأن الأمر ینقسم إلی الأمر الوجوبی والأمر الندبی، وصحّۀ التقسیم لا یکون إلّااذا کان القسمان داخلین فی
المقسم، فمعنی الأمر هو المقسم.
وفیه: إن هذا التقسیم صحیح، لکنّه لیس بما للمادّة من المعنی الحقیقی، بل هو بالمعنی المستعمل فیه، وهذا لا یثبت المعنی الحقیقی
الموضوع له.
صفحۀ 28 من 211
وثانیاً: باستعمال المادّة فی موارد الندب.
وفیه: إن الإستعمال أعمّ من المعنی الحقیقی والمعنی المجازي.
دلیل القول بالدلالۀ علی الندب … ص: 14
ومستند القول بوضع مادّة الأمر للندب هو قولهم: فعل المندوب طاعۀ، وکلّ طاعۀ مأمور بها، فالمندوب مأمور به.
وفیه: أوّلًا: هذا القیاس إنْ تم فیدلّ علی استعمال المادّة فی الندب، أما کون الندب هو الموضوع له فلا یثبته، لأن الأعمّ لا یدلّ علی
الأخص، لاحتمال الوضع للمشترك المعنوي بین الوجوب والندب.
أوّل الکلام. « کلّ طاعۀ مأمور بها » ، وثانیاً: القیاس المذکور یشتمل علی مصادرة، فقولهم
دلیل القول بالوضع للوجوب … ص: 14
واستدلّ للقول بوضع مادّة الأمر للوجوب بوجوه:
فَلْیَحْذَرِ الَّذِینَ یُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِیبَهُمْ فِتْنَۀٌ أَوْ » : الأوّل: قوله تعالی
ص: 15
«1» « یُصِیبَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ
. فاللَّه سبحانه قد رتّب ما یلزمه الطلب الوجوبی وهو:
-1 الحذر عن المخالفۀ، فإنّ مخالفۀ الأمر الندبی لا حذر فیها
-2 الفتنۀ والعذاب الألیم، فإنّه لا یترتب علی مخالفۀ الأمر الندبی العذاب الألیم.
ومن الواضح: أنّ الأثرین المذکورین یترتّبان علی مخالفۀ أمر الإمام علیه السلام أیضاً، فالأوامر الواردة فی الکتاب والمرویّۀ عن النبی
والأئمۀ ظاهرة فی الوجوب.
.«2» « لولا أنْ أشقّ علی امّتی لأمرتهم بالسواك » : والثانی: قوله صلّی اللَّه علیه وآله وسلّم
وتقریب الإستدلال:
مشقۀ، وهذا دلیل علی أنّه للوجوب، إذ لیس فی الندب مشقۀ. « الأمر » -1 إن فی
-2 إن من المسلَّم به کون السواك مندوباً، ومفاد الحدیث عدم کون المندوب مأموراً به، ومعنی ذلک أنه فی مورد الندب لا یأتی
الوجوب.
الأجوبۀ عن الاستدلال بالآیۀ والحدیث … ص: 15
* أجاب المحقّق الخراسانی عن الإستدلال بالآیۀ ونظائرها وبالحدیث المزبور:
بأنّ غایۀ ما یستفاد منها استعمال مادّة الأمر فی الوجوب، والاستعمال أعم من الحقیقۀ.
__________________________________________________
. 1) سورة النور: 63 )
.12 / 2) غوالی اللآلی 2 )
ص: 16
وأورد الاستاذ دام بقاه: بأن دلالۀ الآیۀ علی ترتب العذاب علی مخالفۀ الأمر- بما هو أمر- ظاهرة من دون أیّۀ قرینۀٍ أو عنایۀ، ولذا
صفحۀ 29 من 211
فی تفسیریهما، وکذا کبار الاصولیین، دلالۀ الآیۀ علی الوجوب… «1» استفاد الشیخ والطبرسی
وهکذا الکلام فی الحدیث، وکلامنا فی دلالۀ أوامر الکتاب والسنّۀ.
فإن قلت: فقد ورد أن الأمر منه ما هو فرض ومنه ما هو نفل.
قلت: لکنّ الکلام فی ثبوته.
والحاصل: عدم تمامیۀ جواب صاحب (الکفایۀ).
بأنّ الإستدلال بالآیۀ والروایۀ موقوف علی القول بتقدّم التخصّص فی مورد دوران الأمر بین :«2» * وأجاب المحقّق العراقی رحمه اللَّه
التخصیص والتخصّص، وهو باطلٌ، لعدم وجود أصل فی المقام المزبور یقتضی ذلک.
وما قیل من أنّه مقتضی أصالۀ العموم، ففیه: إن مدرك جریان الأصل المذکور هو السیرة العقلائیّۀ، وهی هنا منتفیۀ ومفقودة.
وأمّا انطباق تلک الکبري علی ما نحن فیه، فهو من جهۀ أنّ عدم ترتّب العذاب والفتنۀ علی مخالفۀ الأمر الندبی، لا یُعلم هل هو من
جهۀ عدم وجود الأمر فی مورد الإستحباب فالخروج موضوعی، أو أنه یوجد الأمر لکنّه مخصّص.
قال شیخنا دام بقاه: إنّ هذا الجواب وإنْ کان دقیقاً وقد ارتضاه بعضهم، لکن لا یمکن المساعدة علیه.
فأجاب فی الدورة السّابقۀ بعدم ابتناء الإستدلال بالآیۀ والروایۀ علی
__________________________________________________
208 الأعلمی. / 466 . مجمع البیان فی تفسیر القرآن 7 / 1) التبیان فی تفسیر القرآن 7 )
.162 -161 / 2) نهایۀ الأفکار 1 )
ص: 17
القاعدة المذکورة حتی یجاب عنه بما قال، لأنّ وجه الإستدلال هو إن حدود مفاهیم الألفاظ یرجع فیها إلی أهل اللّسان، سواء کانت
تلک القاعدة موجودةً أو لا، وقد رأینا أن النبیّ صلّی اللَّه علیه وآله وسلّم- وهو أفصح الناس- یفید کلامه أنّ الطلب الندبی غیر داخلٍ
فی مفهوم الأمر. هذا بالنسبۀ إلی الحدیث.
وکذا بالنسبۀ إلی الآیۀ، فإنّ اللَّه سبحانه قد رتّب علی الأمر- بما هو أمر شیئاً لا یترتَّب علی الطلب الندبی، وهو الفتنۀ والعذاب الألیم،
وبذلک یظهر حدّ المعنی ومفهوم اللّفظ، بغضّ النظر عن القاعدة، ولذا نري أنّ من الاصولیین من لا یلتفت إلی القاعدة أو یلتفت إلیها
ولکنّ مبناه أن مقتضی الأصل لیس هو تقدّم التخصّص، ومع ذلک یستدل بالآیۀ والروایۀ، وهذا من شواهد ما ذکرناه.
وأجاب دام بقاه فی الدورة اللّاحقۀ بما هو أدق فقال:
أمّا المورد الذي لا ،« أکرم العلماء » إنه یعتبر فی مورد دوران الأمر بین التخصیص والتخ ّ صص أنْ یکون قابلًا لهما، کخروج زید عن
یکون الحکم فیه قابلًا للتخصیص، فلیس بموضوع لکبري تلک القاعدة، والآیۀ الکریمۀ من هذا القبیل، لأنّ ترتّب العذاب بلا استحقاقٍ
له محال، کما فی قوله تعالی:
«1» « وَمَا کُنَّا مُعَذِّبِینَ حَتَّی نَبْعَثَ رَسُولًا »
، واستحقاق العذاب من الأحکام العقلیّۀ، والأحکام العقلیّۀ لا یدور أمرها بین التخصیص والتخ ّ صص، فمورد عدم استحقاق العقاب-
وهو الأمر الندبیّ- خارج خروجاً تخصّصیاً، فالکبري غیر منطبقۀ علی الآیۀ المبارکۀ.
أي الزجر، وکما أنّ الزجر « النهی » یقابل « الأمر » * وقد یجاب: بأنّ
__________________________________________________
. 1) سورة الإسراء: 16 )
ص: 18
صفحۀ 30 من 211
ینقسم إلی الزجر التنزیهی والزجر التحریمی، فکذلک الأمر- بقرینۀ التقابل- ینقسم إلی الوجوبی والندبی.
وفیه: إن انقسام النهی إلی القسمین أوّل الکلام، وعلی فرض التسلیم فهل هو تقسیم علی الحقیقۀ أو الأعمّ من الحقیقۀ والمجاز؟
الحقُّ فی الجواب … ص: 18
ثم قال شیخنا دام ظلّه: بأن الحق فی الجواب عن الإستدلال بالآیۀ والروایۀ وأمثالهما هو:
إن الأمر کما اطلق فی الکتاب والسنّۀ ودلّ علی الوجوب، کذلک قد اطلق فی موارد لا یمکن حمل الأمر فیها علی الوجوب، کما فی
قوله تعالی:
«1» « إِنَّ اللّهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ »
لوضوح أنّ مطلق العدل ومطلق الإحسان لیسا بواجبین، مع تعلّق الأمر بهما، ویؤیّد ذلک: الروایات الواردة فی أنّ الأوامر الواردة عن
الشارع منها: ما قام الدلیل علی الرخصۀ فیها، ومنها: ما ورد فی النفل، ومنها: ما کان عزیمۀ.
وأضاف فی الدورة اللّاحقۀ: أنّ الآیۀ الکریمۀ- بالخصوص- قد طبّقها الإمام علیه السلام فی غیر مورد الوجوب، وذلک فی روایۀٍ
صحیحۀ:
قال الکلینی رحمه اللَّه: محمد بن یحیی، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن الحسین بن عمر بن یزید، عن أبیه قال:
إشتریت إبلًا وأنا بالمدینۀ مقیم، فأعجبتنی إعجاباً شدیداً، فدخلت علی أبی الحسن الأوّل، فذکرتها له، فقال: ما لک وللإبل؟ أما
علمت أنها کثیرة المصائب؟ قال: فمن إعجابی بها أکریتها، وبعثت بها مع غلمانٍ لی إلی
__________________________________________________
. 1) سورة النحل: 92 )
ص: 19
« فَلْیَحْذَرِ الَّذِینَ یُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِیبَهُمْ فِتْنَۀٌ أَوْ یُصِیبَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ » : الکوفۀ، فسقطت کلّها، ثم دخلت علیه فأخبرته بذلک، فقال
.«1»
فمن الواضح: أن شراء الإبل لم یکن بحرامٍ، ولکنّ الإمام نهاه، فخالف الرجل النهی، ثم ابتلی بذهاب ماله، وهنا قرأ الإمام الآیۀ
المبارکۀ مستشهداً بها، لیدلُّ علی ترتّب الفتنۀ- أي البلیّۀ الدنیویۀ- علی المخالفۀ مع الإمام المعصوم فی مورد غیر الوجوب والحرمۀ،
کما أنّ العذاب الألیم الأُخروي یترتب علی مخالفۀ الوجوب والحرمۀ.
وبذلک یظهر سقوط الإستدلال بالآیۀ للقول بدلالۀ الأمر علی الوجوب.
دلیل القول بالدلالۀ علی الوجوب بالظهور الإطلاقی … ص: 19
وبعد وضوح عدم تمامیّۀ القول بالدلالۀ اللّفظیّۀ علی الوجوب، فهل تدلّ المادّة- وکذا الصیغۀ- علی الوجوب بالدلالۀ الإطلاقیّۀ؟
إنّ أحسن ما استدلّ به لهذا القول تقریبان:
إنّ الأمر موضوع للطلب، والطلب حقیقۀ تشکیکیّۀ، ذات شدّةٍ وضعف، :«2» أحدهما: للمحقّق العراقی قدّس سرّه، فقال ما حاصله
والأمر التشکیکی مرتبته الشدیدة الکاملۀ لیس إلّاالحقیقۀ، فهی بسیطۀ لا مرکّبۀ، أمّا مرتبته الضعیفۀ الناقصۀ فمرکّبۀ من الحقیقۀ ومن
عدم المرتبۀ التامّۀ الکاملۀ.
هذا فی مقام الثبوت، وبناءً علیه، فإنّه فی مقام الإثبات، إذا أراد المرتبۀ الناقصۀ وهو الندب- لزم بیان زائدٌ یدلّ علی ذلک- بخلاف
المرتبۀ التامّۀ الکاملۀ وهو الوجوب، فلکونها نفس الحقیقۀ فقط فلا یحتاج إرادتها إلی مؤنۀٍ
صفحۀ 31 من 211
__________________________________________________
. 209 والآیۀ فی سورة النور: 63 -207 / 543 ، کتاب الدواجن باب اتخاذ الابل. وانظر: کنز الدقائق 8 / 1) الکافی 6 )
.163 -162 / 2) نهایۀ الأفکار 1 )
ص: 20
زائدة-. وحینئذٍ، ففی کلّ موردٍ لا یوجد فیه البیان الزائد لإفادة المرتبۀ الناقصۀ، کان مقتضی أصالۀ الإطلاق إرادة الحقیقۀ التامّۀ
للطلب، وهو المرتبۀ الشدیدة، أي الوجوب.
هذا، وقد قرَّب الإطلاق بوجهٍ آخر أیضاً لکنّه یرجع إلی الوجه المذکور.
الجواب عمّا ذکره المحقق العراقی …: ص: 20
قال شیخنا دام بقاه فی الدورتین جواباً عن هذا الوجه: بأنّ الحقیقۀ التشکیکیۀ کالحقیقۀ المتواطیۀ فی عدم کفایتها لإفادة الحقیقۀ، فکما
مثلًا- الموضوع للحیوان المفترس، لا یمکن أنْ یدل علی إرادة فردٍ بخصوصه، بل یحتاج إلی بیانٍ زائد، کذلک - « الأسد » أنَّ لفظ
مثلًا- بالنسبۀ إلی مرتبۀٍ من المراتب، سواء کانت الشدیدة أو الضعیفۀ، لأن اللّفظ الموضوع لمرتبتین من الحقیقۀ، لا - « النور » لفظ
یکفی مجرّد استعماله للدلالۀ علی إحداهما وإنْ کانت القویّۀ والشدیدة، وما ذکره من أنّ المرتبۀ التامّۀ غیر محتاجۀ إلی مؤنۀٍ زائدة،
ممنوع.
موضوع للطلب الذي هو حقیقۀ تشکیکیّۀ مثل النور، وهو موجود فی الطلب الشدید والطلب الضعیف « الأمر » وعلی الجملۀ، فإنّ لفظ
علی السواء، وکما لا یمکنه إفادة الشدید بلا مؤنۀ بیانٍ، کذلک إفادة الضّعیف، وإنما یفید أصل الطلب فقط … هذا کلّه أوّلًا.
وثانیاً: - وقد أفاده فی الدورة اللّاحقۀ- إنّ الخطابات الشرعیّۀ کلّها ملقاة إلی العرف العام، ومنها ما یشتمل علی الأمر- مادةً أو صیغۀً-
فلابدّ وأنْ یکون الإطلاق والتقیید فیه بضابطۀٍ یدرکها العرف العام، لیتمکّنوا من التفهیم والتفهّم
ص: 21
علی أساسها، وما ذکره المحقق العراقی قدّس سرّه من الضابط- وهو کون المرتبۀ العلیا الشدیدة غیر محتاجۀ إلی البیان الزائد، وأنّ
المرتبۀ الدانیۀ والضعیفۀ هی المحتاجۀ إلیه، فمتی لم یکن بیانٌ حمل علی العلیا- أمر لا یدرکه العرف العام ولا یفهمه، ولذا لا یمکن
للشارع أنْ یحتجّ علی المکلَّفین علی أساسها فی أوامره فی الکتاب والسنّۀ…
إن مدلول مادّة الأمر- وکذا صیغته- والمعنی المستعمل فیه، إنشائی ولیس بإخباري، :«1» وثانیهما: للسید البروجردي قدّس سرّه فقال
فلمّا یقول:
أمرتک بکذا، أو یقول: صلّ، فهو ینشئ ویُوجد الطلب بذلک فی عالم الإعتبار.
وهذا الطلب الإنشائی غیر قابلٍ للتشکیک، لکونه اعتباریّاً، والامور الإعتباریۀ بسیطۀ لا حرکۀ فیها، إذ التشکیک إنما یکون فی الامور
التی فیها الشدّة والضعف وتجري فیها الحرکۀ، إلّاأن الطلب الإنشائی یقع فیه التشکیک بالعرض- أي من خارج ذاته-، لأن الطلب
کذلک ینقسم إلی ثلاثۀ أقسام، فهو طلب إنشائی مع مقارنات شدیدة، وطلب إنشائی مع مقارنات ضعیفۀ، وطلب إنشائی بلا مقارنات
مطلقاً، فالأول: کأنْ یطلب منه المشی ویدفعه بیده، أو یطلب منه الضرب ویصیح علیه، والثانی: کأنْ یطلب منه الکتابۀ ویومی إلیه بیده،
والثالث: أن یطلب منه أحد الأفعال مجرَّد طلب … فیکون الأول کاشفاً عن شدّة الطلب وقوة الإرادة النفسانیۀ، والثانی: کاشفاً عن
الطلب النفسانی الضعیف، والثالث بلا شدّةٍ ولا ضعف … إذنْ، قد یتّصف الطلب الإنشائی بالشدّة والضعف لکن من خارج ذاته.
__________________________________________________
(1)
صفحۀ 32 من 211
. نهایۀ الأصول: 86
ص: 22
ومن الطلب الإنشائی غیر المقارَن بشیء ینتزع الوجوب … والدلیل علیه هو السیرة العقلائیۀ، وعلی أساسه یترتّب استحقاق العقاب بین
الموالی والعبید.
هذا، ولا یخفی اختلاف کلامه رحمه اللَّه، ففی أوّله قال بأنّ الوجوب ینتزع من الطلب الإنشائی المقترن بالمقارنات الشدیدة، والندب
ینتزع من المقترن بالمقارنات الضعیفۀ، أمّا فی آخره فیذکر أن نفس الطلب منشأ لانتزاع الوجوب. بل یذهب إلی جواز أن یقال بعدم
وجود انشاء طلب فی موارد الندب، وأن المندوبات لیست إلّاإرشاداً إلی الملاکات والمناطات، فینحصر الطلب بموارد الواجبات فقط.
هذا حاصل کلامه مع التوضیح.
والفرق بینه وبین تقریب المحقّق العراقی: أن العراقی یري أن مادّة الأمر وکذا الصیغۀ- مبرزة لل ّ ص فۀ النفسانیۀ، والبروجردي یري أن
الطلب الإنشائی إیجاد ولیس بإبراز.
مناقشات الاستاذ مع السیّد البروجردي … ص: 22
وقد تکلّم شیخنا دام بقاه علی هذا التقریب بعد توضیحه بوجوه:
أحدها: إن السید البروجردي ذکر أنّ الطلب المقترن بالمقارنات الشدیدة هو الوجوب، وهو کاشف عن الإرادة الشدیدة، والمقترن
بالمقارنات کاشف عن الإرادة الضعیفۀ، وغیر المقترن بأحدهما طلب متوسّط.
وفیه: إن الطلب إمّا وجوبی وإمّا ندبی، وأمّا المتوسط بینهما- غیر المتّصف بالوجوب أو الندب- فغیر قابل للتصوّر، نعم، نفس الإرادة
تقبل المراتب کما هو الحال فی کلّ أمرٍ تشکیکی، لکن المفروض کون الطلب أمراً
ص: 23
إنشائیاً، والأمر الإنشائی متّصف بأحد الأمرین ولا یتصوّر برزخ بینهما.
وثانیها: قوله بالتشکیک العرضی فی الطلب بعد نفی التشکیک الذاتی عنه.
نقول: ما المراد من التشکیک العرضی والذاتی هنا؟ تارةً یقال:
الخصوصیّۀ الکذائیۀ موجودة فی الشیء الفلانی بالذات، أو إنها موجودة فیه لا بالذات بل بسبب أمر خارج. واخري: یکون المراد من
العرضی فی مقابل الذاتی هو المجاز فی مقابل الحقیقۀ.
إنْ کان مراده: أن الشدّة والضعف وصفان للمقارن للطلب، أما الطلب فیتّصف بهما بالعرض کاتّصاف الجالس فی السفینۀ بالحرکۀ.
فهذا کلام متین، لکن البحث لیس فی المجاز، والمقصود إسناد الشدّة والضعف إلی الطلب علی نحو الحقیقۀ.
وإنْ کان مراده: أن الطلب الإنشائی یتّصف حقیقۀً بالشدّة والضعف، لکنَّ المقارنات کانت السبب فی هذا الإتّصاف، کاتّصاف
البیاض بالضعف بسبب اختلاطه بالسواد.
فهذا غیر صحیح، إذ لا یکون اقتران الطلب بالصّیاح مثلًا- فی مثال الشدید- سبباً لأنْ یوصف الطلب حقیقۀً بالوجوب، ولا یکون اقترانه
بالترخیص فی الترك مثلًا- فی مثال الضعیف- سبباً لأن یتصف الطلب حقیقۀً بالضعف والندب … وقیاس ذلک باختلاط البیاض
بالسواد فی غیر محلّه…
لوضوح الفرق بین الإختلاط وفی الموجودات الخارجیۀ، وبین الإقتران وفی الامور الإعتباریۀ.
وثالثها: قوله فی آخر التقریب: بأنّ من عدم الإقتران بالمقارنات
ص: 24
صفحۀ 33 من 211
الضعیفۀ ینتزع الوجوب، والعقلاء یرون استحقاق العقاب علی المخالفۀ فی ما یکون من هذا القبیل.
وهذا کلامٌ متین قوي، وسنؤکّد علیه.
یقوم « صلّ » ورابعها: إنه یقول فی نهایۀ المطلب: إنّ البعث لا یتحقّق بدون الوجوب، وهو فی المندوبات إرشاد إلی المصالح، فقوله
مقام التحریک الخارجی والبعث التکوینی، وهو ینافی الترخیص فی الترك.
وهذا معناه أن الأحکام الشرعیّۀ منحصرة بالوجوب والحرمۀ فقط- وأن الزجر التنزیهی إرشاد إلی المفاسد، کالأوامر الندبیّۀ التی هی
إرشاد إلی المصالح- ولا یُظنّ الإلتزام به من أحدٍ من الفقهاء، وحتی السیّد البروجردي نفسه لا یلتزم به، وإلّا فکیف یفتی بالإستحباب
الشرعی فی المستحبات، وبالکراهۀ الشرعیّۀ فی المکروهات؟
وأیضاً، فهو کلام مخالف لصریح النُصوص فی تقسیم الأمر إلی الواجب والمندوب.
والحقیقۀ هی: دعوي إن التنافی بین البعث والتحریک وبین الترخیص فی الترك، صحیحۀ فی التکوینیات، وکلامنا فی البعث والطلب
الإعتباري، وقیاسه علی التکوینی غیر صحیح.
وتلخّص: عدم تمامیّۀ هذا التقریب أیضاً.
دلالۀ الأمر علی الوجوب بالعقل والسّیرة … ص: 24
وبعد أنْ ظهر ضعف الأقوال المتقدّمۀ فی دلالۀ الأمر علی الوجوب، وأنّه لا یدل- لا مادّةً ولا صیغۀً- علی الوجوب، لا بالوضع ولا
بالإطلاق، فالمبنی الباقی هو الدلالۀ علی الوجوب بحکم العقل، وهو مسلک المحقق
ص: 25
وحاصله: ،«1» النائینی، وتبعه المحققون من تلامذته
إن الحاکم فی باب وظیفۀ العبد تجاه المولی وأوامره ونواهیه إنما هو العقل، فإنّه یحکم بأنّ المولی إذا أمر عبده بشیء فمقتضی وظیفۀ
العبودیّۀ هو أنْ یمتثل الأمر ویلبّی الطلب، إلّاإذا جاء من المولی الترخیص والإذن فی الترك، ولذا لو لم یمتثل ثم اعتذر بعدم نصب
المولی القرینۀ علی الإلزام، فلا یقبل عذره ولم یقبح عقابه.
وعلی الجملۀ، فلما لم تکن الدلالۀ علی الوجوب لا بالوضع ولا بالإطلاق، فهی بحکم العقل من باب حقّ الطاعۀ.
لا بأس » وفیه إشکال: وهو أنه إذا کانت الدلالۀ عقلیّۀ، ولا دور للّفظ فیها، فما معنی جمع المیرزا نفسه وسائر الفقهاء بین الأمر، وبین
نصٌّ فی جواز الترك، « لا بأس » بالجمع الدلالی؟ إنهم فی مثل هذین الدلیلین یقولون بأنّ الأمر ظاهر فی الوجوب، وقوله « بالترك
فترفع الید عن ظهور الأمر بالنصّ علی جواز الترك، مع أنّ المفروض أنّ الدلالۀ علی الوجوب لیست من ناحیۀ اللّفظ أصلًا، بل هی من
العقل، فلا معنی لظهور الأمر فی الوجوب، ولتقدیم النصّ علیه.
وکذلک الکلام فی باب الإطلاق والتقیید، والعام والخاص، فإنّ المیرزا وأتباعه یقولون بأنَّ المقیّد والمخصِّص قرینۀ للمطلق وللعام،
قد تعلَّق بصرف الوجود بنحو الإطلاق، ثم فی قوله - « أعتق رقبۀً » وبها ترفع الید عن ظهورهما فی العموم والإطلاق، لأنّ الأمر- فی مثل
یتعلَّق الأمر بالرقبۀ بنحو التقیید، فإمّا ترفع الید عن ظهور القید فی القیدیّۀ، فلا « أعتق رقبۀً مؤمنۀ »
__________________________________________________
.131 / 144 ، محاضرات فی أصول الفقه 2 / 1) أجود التقریرات 1 )
ص: 26
فلا یکفی عتق الکافرة، فبین الخطابین منافاة، وعند دوران الأمر یقولون « أعتق رقبۀً » یجب عتق الرقبۀ المؤمنۀ، وإمّا ترفع الید عن إطلاق
بلزوم الأخذ بالدلیل المقیِّد، لکون الأمر بعتق المؤمنۀ ظاهراً فی عتق خصوص هذا الفرد من الرقبۀ، ونسبته إلی الأمر المطلق نسبۀ
صفحۀ 34 من 211
القرینۀ إلی ذي القرینۀ، والقرینۀ ظهورها مقدَّم علی ظهور ذي القرینۀ.
فیرد علیهم: إنَّ القرینۀ وذا القرینۀ وغیر ذلک من شئون اللَّفظ، فما ذکروه إنّما یتمُّ علی مبنی قرینیّۀ المقیَّد والمخصِّص.
و « الأسد » وکذا یتمُّ تقدیم المقیِّد والمخصِّص بمناط أظهریّتهما من المطلق والعام، وهو مسلک الشیخ الأعظم، کالجمع بین لفظی
مع - « یرمی » حیث أن ظهور الأسد فی الحیوان المفترس لفظی، وظهور یرمی فی رمی السهم إطلاقی، ویتقدَّم الظهور للفظ « یرمی »
مع کونه وضعیّاً. « الأسد » کونه اطلاقیاً- علی ظهور
أمّا بناءً علی ما ذهبوا إلیه من أنّ دلالۀ الأمر علی الوجوب بحکم العقل، فإنَّ مقتضی القاعدة هو الورود لا التقیید، لأنّ حکم العقل
بالوجوب تعلیقی لا تنجیزي، من جهۀ کونه معلَّقاً علی عدم الرخصۀ فی الترك، فهو یقول: کلّما جاء الأمر ولا دلیل علی الرخصۀ فهو
للوجوب، فإنْ قام الدلیل علی الرخصۀ تقدَّم من باب الورود، لأنه یرفع موضوع حکم العقل.
فظهر وجود التنافی بین کلماتهم فی المقام، وکلماتهم فی باب الإطلاق والتقیید وباب العام والخاص.
وتلخَّص: أن دلالۀ الأمر علی الوجوب لا تتم بحکم العقل، ما لم یرجع الوجوب إلی اللّفظ، وذلک بأحد امور ثلاثۀ:
ص: 27
إمّا دعوي التبادر. وهی مردودة، لأنّ المفروض عدم انسباق الوجوب من حاق لفظ مادّة الأمر أو صیغته.
وإمّا دعوي الظهور الإطلاقی. أي إنصراف المادّة أو الصیغۀ إلی الوجوب، وقد ظهر عدم تمامیّۀ هذه الدعوي عند الکلام علی تقریب
المحقق العراقی.
أقول: وبذلک یظهر التأمّل فی کلام السیّد الاستاذ، فإنّه- بعد أنْ ذکر أن صحّۀ تقسیم الأمر إلی الإیجاب والندب دلیل علی کون
اللفظ موضوعاً للأعم من الطلب الوجوبی والندبی، وأنّ صحۀ مؤاخذة العبد بمجرَّد مخالفۀ الأمر ظاهرة فی ظهور الأمر فی الوجوب-
ویمکن الجمع بالإلتزام بوضع لفظ الأمر للأعمّ مع الإلتزام بأنه ینصرف مع عدم القرینۀ إلی الطلب الوجوبی والإلزامی وینسبق » : قال
إلیه، فیتحفَّظ علی ظهور کلا الأمرین المزبورین- أعنی التقسیم والمؤاخذة- وتکون النتیجۀ موافقۀ لمدّعی صاحب (الکفایۀ) وإنْ
.«1» « خالفناه فی المدّعی والموضوع له
وإمّا دعوي السیرة العقلائیّۀ، بأنها قائمۀ علی استفادة الوجوب عند عدم القرینۀ علی الرخصۀ … ولا ریب فی وجود هذه السیرة، فإنّهم
یحملون أوامر المولی- مع عدم القرینۀ علی الرخصۀ- علی الوجوب، ویرون استحقاق العقاب علی المخالفۀ … وقد ذکر المحقق
الإصفهانی فی المعاملات أن منشأ هذه السیرة هو حفظ الامور المعاشیّۀ، ویبقی إمضاء الشارع المقدس لهذه السیرة، وذلک ثابت
بوضوح من الروایۀ التالیۀ:
قلنا » : الصدوق قدّس سرّه بإسناده عن زرارة ومحمّد بن مسلم قالا
__________________________________________________
.376 / 1) منتقی الاصول 1 )
ص: 28
وَإِذَا ضَ رَبْتُمْ فِی الَأرْضِ » : لأبی جعفر علیه السلام: ما تقول فی الصلاة فی السّ فر؟ کیف هی؟ وکم هی؟ فقال: إن اللَّه عزّوجلّ یقول
فصار التقصیر فی السفر واجباً کوجوب التمام فی الحضر. قالا: قلنا: إنما قال اللَّه عزّوجل « فَلَیْسَ عَلَیْکُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُ رُواْ مِنَ الصَّلَاةِ
ولم یقل: « فَلَیْسَ عَلَیْکُمْ جُنَاحٌ »
إفعلوا، فکیف أوجب ذلک کما أوجب التمام فی الحضر؟ فقال علیه السلام:
.«1 «…» « فَمَنْ حَجَّ الْبَیْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَیْهِ أَن یَطَّوَّفَ بِهِمَا » : أولیس قد قال اللَّه عزّوجلّ فی الصفا والمروة
لدلّ علی الوجوب، ولم یقل؟ فدلالۀ ال ّ ص یغۀ علی الوجوب من المرتکزات فی « إفعلوا » : فهما یسألان الإمام علیه السلام أنه لو قال
صفحۀ 35 من 211
الأذهان، والإمام علیه السلام لم ینف هذا الإرتکاز العقلائی، بل أمضاه بسکوته.
فالروایۀ تدل علی المدّعی بوضوح، وطریق الشیخ الصّدوق إلی زرارة صحیح.
فالمختار … ص: 28
رجوع القضیّۀ إلی السیرة العقلائیّۀ.
أمّا الوجوه السابقۀ، فقد عرفت ما فیها.
وأمّا حکم العقل، فقد عرفت أن هذا المسلک منهم لا یلائم الجمع الدلالی، علی أنه أخص من المدّعی، لاختصاصه بأحکام المولی
الحقیقی، فهناك یحکم العقل بحق الطاعۀ، ولکنّ المدّعی هو دلالۀ المادّة والصیغۀ علی الوجوب فی مطلق الصادر من العالی إلی
الدانی.
__________________________________________________
434 باب الصلاة فی السفر. / 1) من لا یحضره الفقیه 1 )
ص: 29
وعلی الجملۀ، فالدلیل الصحیح- فی صیغۀ الأمر- هو السیرة، وعلی المختار، فلا إشکال فی الجمع الدلالی، وهذه السیرة ممضاة، وقد
ذکرنا النص الدالّ علی الإمضاء، ویوجد فی الأخبار ما یدل علی ذلک أیضاً غیره کالروایۀ التالیۀ:
.« العمرة واجبۀ علی الخلق بمنزلۀ الحج علی من استطاع » : عن معاویۀ بن عمّار عن أبی عبداللَّه علیه السلام قال
ولسانه لسان الإیجاب، فتکون العمرة « وَلِلّهِ عَلَی النَّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَیْهِ سَبِیلًا » فقد نزّل العمرة بمنزلۀ الحج الذي قال اللَّه فیه
.« أتمّوا » فکان الإستدلال بصیغۀ الأمر وهو «1» «« وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ » : لأن اللَّه یقول » : واجبۀ کذلک، وعلّل الوجوب بقوله
وسند الروایۀ معتبر بلا إشکال.
وإذا کانت السّیرة علی دلالۀ الصیغۀ علی الوجوب ممضاة، فهی فی دلالۀ المادّة علیه ممضاة بالأولویّۀ القطعیّۀ، وإنْ کانت النصوص
مختلفۀ:
سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول: إن الناس أکلوا لحوم دوابّهم یوم خیبر، فأمر رسول اللَّه صلّی اللَّه علیه وآله » : فعن أبی بصیر قال
.«2» « وسلّم بإکفاء قدورهم ونهاهم عنها ولم یحرّمها
فقد یستظهر من هذه الروایۀ عدم دلالۀ مادّة الأمر علی الوجوب فتأمّل، والسند صحیح.
__________________________________________________
. 234 الباب 1 من أبواب العمرة رقم 8 / 1) وسائل الشیعۀ 10 )
.41 / 2) التهذیب 9 )
ص: 30
وفی المقابل ما یدلّ علی کونها للوجوب:
رکعتان بالسّواك أفضل من سبعین رکعۀ بغیر سواك، قال رسول اللَّه صلّی اللَّه علیه وآله وسلّم: » : فعن أبی عبداللَّه علیه السلام قال
.«1» « لولا أنْ أشقّ علی امّتی لأمرتهم بالسّواك
فهی تفید أن الأمر للوجوب بلا شک، لأنّ السّواك مستحب، ولو أمر لزمت المشقّۀ علی الامّۀ، ومن الواضح أن المشقۀ فی الإیجاب
إلّا بناء علی اعتبار رجال کتاب کامل الزیارات، « جعفر بن محمد الأشعري » …وفی سند هذا الخبر إشکال من جهۀ اشتماله علی
وعدم الإستثناء من رجال نوادر الحکمۀ، مضافاً إلی اعتماد الأصحاب علیه.
صفحۀ 36 من 211
وهذا تمام الکلام فی دلالۀ مادّة الأمر وصیغته علی الوجوب.
__________________________________________________
. 22 باب السواك رقم 1 / 1) الکافی 3 )
ص: 31
صیغۀ الأمر … ص: 30
اشارة
إنه وإنْ تعرضنا لصیغۀ الأمر بتبع البحث عن المادّة، لکن ینبغی تفصیل الکلام فی جهتین:
الجهۀ الاولی: فی معنی صیغۀ الأمر.
فقد وقع الخلاف بین الأعلام فی معنی صیغۀ الأمر.
فقیل: إن للصیغۀ معانٍ عدیدة، أحدها هو الطلب، والمعانی الاخري هی: التهدید، والتعجیز، والإهانۀ، والإختبار … وهکذا، فقولک:
«1» « کُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِینَ » معناه الطلب الإنشائی، وفی قوله تعالی « صلّ »
«2» « تَمَتَّعُواْ فِی دَارِکُمْ ثَلَاثَۀَ أَیَّامٍ » تدلّ الصیغۀ علی التعجیز، ومعناها فی
هو التهدید، وهکذا…
والقول الآخر: هو وحدة معنی الصیغۀ فی جمیع الإستعمالات، وهو الطلب الإنشائی، غایۀ الأمر أنه تارةً: یکون الداعی لاستعمال الصیغۀ
فی الطلب الإنشائی هو الطلب الجدّي، واخري: یکون الداعی لاستعمالها فیه هو التهدید أو غیره مما ذکر.
فهو یري وقوع الإشتباه «… 3» ( والقول الثانی هو مختار صاحب (الکفایۀ
__________________________________________________
. 1) سورة البقرة: 61 )
. 2) سورة هود: 68 )
ربمایذکر للصیغۀ معانٍ قد استعملت » : 3) قال (فی الفصل الثانی فیما یتعلَّق بصیغۀ الأمر وفیه مباحث) ص 69 ط مؤسسۀ آل البیت )
فیها، وقد عُد منها: الترجی والتمنی والتهدید والانذار والاهانۀ والاحتقار والتعجزي والتخیر، إلی غیر ذلک. وهذا کماتري، ضرورة أن
الصیغۀ ما استعملت فی واحدٍ منها بل لم تستعمل الا فی انشاء الطلب إلا أن الداعی الی ذلک … یکون أحد هذه الامور.
ص: 32
هنا بین المفهوم والداعی، کما قال بوقوع الإشتباه بین المفهوم والمصداق فی مدلول مادّة الأمر، کما تقدّم.
مختار الاستاذ … ص: 32
وقد اختار الاستاذ- فی هذه الجهۀ- قول المحقق الخراسانی، قال:
والإرتکاز، والوجدان، والاستعمالات، کلّها تثبت هذا القول، وقصاري ما یمکن أن یقال هو: إن الصیغۀ فی الطلب الإنشائی حقیقۀ،
وفی غیره مجاز.
إشکال السیّد الاستاذ … ص: 32
صفحۀ 37 من 211
أقول: وکما وقع الإشکال فیما ذکره من الاشتباه بین المصداق والمفهوم کما تقدّم، کذلک فیما ذکره من الاشتباه بین المفهوم
والداعی، فقد أفاد السید الاستاذ بأنّ ما ذهب إلیه من کون الصیغۀ مستعملۀ لإیجاد الطلب إنشاءً وإنما یختلف الداعی إلیه، غیر معقول
فإنّ الداعی- بحسب ما یصطلح علیه- هو العلّۀ الغائیّۀ، بمعنی ما یکون فی تصوّره سابقاً علی الشیء وفی وجوده الخارجی مترتّباً » ثبوتاً
بداعی تحصیل الشبع، فإن الشبع تصوّراً سابق علی الأکل وبلحاظ ترتّبه علی الأکل ینبعث الشخص إلی الأکل، « أکل » : عنه، فیقال
ولکنه وجوداً یترتب علی الأکل ویتأخّر عنه، وعلیه: فصلاحیّۀ الأمور المذکورة- من تمّنٍ وترجٍّ وتعجیز وتهدید وامتحان وسخریۀ-
لأنْ تکون داعیاً للإنشاء فی الموارد المختلفۀ، یصحّ فی فرض ترتّب هذه الأمور علی الإنشاء وجوداً وأسبقیّتها علیه تصوّراً، ولیس الأمر
….« فیها کذلک
فالأولی: أن » - ثم قال- بعد أن أوضح وجه عدم کون الأمر فیها کذلک
ص: 33
یقال فی هذه الموارد: إنّ الصیغۀ مستعملۀ فیها فی معناها الحقیقی وبداعی البعث والتحریک، إلّاأنّ موضوع التکلیف مقیَّد، فالتکلیف
وارد علی الموضوع الخاص لا مطلق المکلَّف، ففی مورد التعجیز یکون التکلیف الحقیقی معلَّقاً علی قدرة المکلَّف بناءً علی ادّعائه،
فیقال له فی الحقیقۀ: إنْ کنت قادراً علی ذلک فأت به، فحیث أنه لا یستطیع ذلک ولا یقدر علیه لا یکون مکلَّفاً، لا بلحاظ عدم کون
التکلیف حقیقیّاً بل بلحاظ انکشاف عدم توفّر شرط التکلیف فیه وعدم کونه مصداقاً لموضوع الحکم، فموضوع الحکم ههنا هو
انتهی. «1 …» « القادر لا مطلق المکلَّف، وهکذا یقال فی التهدید
وأخذه بالمعنی الفلسفی، وهو یندفع بإمکان أن یکون المراد من الداعی معنیً « الداعی » لکنّ منشأ هذا الإیراد هو الجمود علی لفظ
من أن الشرط قد یطلق ویراد به معناه الفلسفی وهو العلۀ «2» آخر غیره، کما ذکر هو- دام ظله- فی بحث شرطیّۀ القدرة للتّکلیف
الغائیۀ، وقد یطلق ویراد به معنی غیر ذلک، وإنّ شرطیۀ القدرة للتکلیف لیس المقصود بها المعنی الفلسفی للشرطیّۀ، بل المقصود بها
أنه قد یطلق ویراد منه ما یساوق العلّۀ الغائیّۀ، وهو المعنی الإصطلاحی للغرض « الغرض » المعنی الآخر … بل لقد ذکر فی معنی
والداعی، وقد یطلق ولا یراد منه هذا المعنی، بل یراد منه معنیً عرفی یساوق المقصود.
ومن العجیب ذکره مثال الأکل من أجل الشبع هنا للدلالۀ علی جواز
__________________________________________________
.398 -397 / 1) منتقی الأصول 1 )
.417 -416 / 2) منتقی الاصول 1 )
ص: 34
قال: وهو بهذا المعنی قابل للإنفکاك عن العمل وإنْ عبّر عنه بالغرض فیقال: غرضی من هذا « الغرض » إرادة غیر المعنی الفلسفی من
.«1 …» « العمل ومقصودي کذا مع عدم ترتّبه علیه، بل یمکن أن یترتب ویمکن أن لا یترتب، کأکل الخبز بغرض الشبع
فی کلام الکفایۀ. « نفس الأمر » الجهۀ الثانیۀ: فی معنی
الإنشاء قول یقصد به ثبوت المعنی فی نفس الأمر، وقد سبقه فی هذا القول :- «2» قال صاحب (الکفایۀ)- فی بحث الطلب والإرادة
الشهید الأول قدّس سرّه، وإنْ اختلف مرادهما:
فالمحقّق الخراسانی یري أن الإنشاء قول یتحقّق به مفاد کان التامّۀ، فی قبال الإخبار فإنه قول یحکی عن مفاد کان الناقصۀ، فالإنشاء
هو أن ذلک المعنی یخرج بواسطۀ الإنشاء عن حدّ « نفس الأمر » عنده موجد للمعنی، غیر أنه یوجد بوجود منشأ انتزاعه، ومراده من
فرض الفارض، أما قبله فهو علی حدّ فرض الفارض، فلمّا یقال: ملّکتک الدار مثلًا، تکون ملکیّۀ الدار للطرف الآخر قبل الإنشاء من
قبیل افتراض کون الإنسان حجراً، أمّا بعده، فالملکیّۀ تخرج عن هذا الحدّ، ویصبح الطرف مالکاً للدار، لکنْ لیس فی الخارج بأزاء
صفحۀ 38 من 211
الدار وصاحبها شیء، وإنما یتحقّق الوجود للملکیّۀ بوجود منشأ انتزاعها وهو الإنشاء.
فهذا معنی: إن الإنشاء قول یقصد به ثبوت المعنی فی نفس الأمر…
__________________________________________________
.462 / 1) منتقی الأصول 1 )
2) قال فی ص 66 : وأما الصیغ الانشائیۀ فهی موجدة لمعانیها فی نفس الأمر، أي قصد ثبوتمعانیها وتحققها بها وهذا نحو من )
الوجود، وربما یکون هذا منشأ لانتزاع اعتبارٍ مترتب علیه شرعاً وعرفاً آثار، کما هو الحال فی صیغ العقود والایقاعات.
ص: 35
هو ما یقابل فرض الفارض. « نفس الأمر » وقد ظهر أیضاً الفرق عنده قدّس سرّه بین الإنشاء والإخبار. وظهر أن مراده من
وعاءً فی قبال وعاء الذهن، ووعاء الخارج، فوعاء الخارج « نفس الأمر » وهذا غیر ما هو المصطلح عند الفلاسفۀ، حیث یجعلون وعاء
ووعاء الذهن ظرفان لوجود الماهیّۀ، وللماهیۀ ظرف فی عالم التصوّر هو نفس الأمر.
وبین « تعدّد الآلهۀ » ثبوت الشیء ثبوتاً غیر قائم بالإعتبار، کالملازمۀ بین « وعاء الأمر » کما أنّه غیر مصطلح الاصولیین، فهم یریدون من
المستفادة من الآیۀ المبارکۀ، فإنها موجودة فی وعاء نفس الأمر، ولا تدور مدار الإعتبار، بخلاف ملکیّۀ زید للدار، فإنَّ قوامها « الفساد »
الاعتبار، ولیس لها واقعیّۀ کواقعیۀ الملازمۀ المذکورة.
فی العبارة المذکورة- الإحتراز عن - « نفس الأمر » وأما الشهید الأوّل، فقد ذکرنا أنه قد استعمل هذا المصطلح، ولکنّه أراد من قوله
الإنشاء المکرَّر، فقول المنشئ: ملّکتک الدار قول قصد به ثبوت الملکیّۀ للمشتري، فإذا قاله ثبت ذلک، فلو قاله مرةً اخري فلا یحصل
به المعنی، لأنه لو حصل لکان من تحصیل الحاصل.
ویقول المحقق الخراسانی: کلّما تکرّر القول حصل فرد من ذلک المعنی الإنشائی، إلّا أنه یکون تأکیداً، لا أنّ الصیغۀ- فی المرّة
الثانیۀ- خارجۀ عن الإنشائیّۀ.
والحاصل:
إنه فی الصیغۀ الإنشائیّۀ یُقصد ثبوت ووجود المعنی بنفس الصّیغۀ،
ص: 36
بدون أیّۀ حکایۀٍ، والثبوت هو بنحو مفاد کان التامّۀ، بخلاف الإخبار، فإنه بنحو مفاد کان الناقصۀ وهو حکایۀ عن الثبوت.
هذا فی الصیغۀ، أي صیغۀ إفعل، الدالّۀ علی الطلب.
وکذلک الحال فی بقیّۀ المعانی الإنشائیّۀ، فالمعنی فی جمیعها هو إیجاد الطلب، غیر أن الدواعی تختلف.
وکذلک الحال فی الإستفهام والترجّی والتمنّی، فهو إیجاد الإستفهام بالوجود الإنشائی بداعی الإستفهام الحقیقی، أو بداعی الإنکار،
«1» « لَّعَلَّهُ یَتَذَکَّرُ أَوْ یَخْشَی » : وإیجاد للترجّی إنشاءً- وهو فی حق الباري تعالی جائز کما فی قوله
ولیس حقیقۀً، لامتناعه فی حقّه لإستلزامه الجهل والعجز- وهکذا إیجاد للتمنّی إنشاءً…
وهذا توضیح مبنی صاحب (الکفایۀ) فی الصیغۀ الإنشائیّۀ.
رأي الإصفهانی فی الصیغ الإنشائیۀ وحمله کلام الکفایۀ علیه … ص: 36
وذکر أنّ ما ذهب إلیه المحقق الخراسانی من کون اللّفظ فی ال ّ ص یغ الإنشائیّۀ موجداً ،«2» وخالف المحقّق الإصفهانی قدّس سرّه
للمعنی، غیر معقول، فقال فی مقام الإشکال علیه ما توضیحه:
إنّه لا یتصوّر لأيّ معنیً من المعانی إلّا نحوان من الوجود، فهو إمّا وجود بالذات، وإمّا وجود بالجعل والإعتبار.
صفحۀ 39 من 211
والأوّل: إمّا الوجود الذهنی، وإمّا الوجود الخارجی الواقعی، لکنّ إیجاد المعنی فی عالم الذهن لا یمکن بسبب اللّفظ، بل العلّۀ للوجود
الذهنی هو
__________________________________________________
. 1) سورة طه: 46 )
.275 -274 / 2) نهایۀ الدرایۀ 1 )
ص: 37
التصوّر فقط، وکذلک إیجاده فی الخارج، لأنّ الوجود الخارجی معلولٌ لعلّته، فإنْ وجدت وجد وإلّا فلا.
والثانی: فإنَّ الوجود الجعلی عبارة عن وجود المعنی بوجود اللّفظ، فاللّفظ یکون وجوداً للمعنی فی عالم الإعتبار، وهو کما یکون
باللّفظ یکون بالکتابۀ أیضاً.
فما ذهب إلیه المحقق الخراسانی غیر صحیح، إذ لا یعقل إیجاد المعنی باللّفظ لا ذهناً ولا خارجاً.
بل المعقول والمتصوَّر هو أنّا نوجد المعنی وجوداً جعلیّاً، أيْ نعتبر وجود اللّفظ وجوداً له، لا أنّ اللّفظ یکون واسطۀً وسبباً لوجود
فهو من مقولۀ الکیف المسموع، فإذا تلفّظنا به وجد فی الخارج « إفعل » : المعنی کما قال المحقّق الخراسانی، ففی الحقیقۀ لمّا نقول
بوجودٍ بالذات، وتکون هذه الصیغۀ وجوداً جعلیّاً اعتباریّاً للبعث والطلب، لا أن الطلب والبعث یوجد بتوسّط هذا اللّفظ وهذه الصیغۀ.
قال: فهذه حقیقۀ الإنشاء، ولابدّ أنْ یحمل علیه کلام المحقّق الخراسانی.
إشکال الاستاذ … ص: 37
قال شیخنا دام بقاه:
أمّا حمله کلام المحقّق الخراسانی علی مسلکه ففیه: إن فی عبارة (الکفایۀ) ما یمنع عن الحمل المذکور، وذلک أنه مثَّل- لکون
الإنشاء موجداً للملکیّۀ ومخرجاً لها عن فرض الفارض- بإیجاد الملکیّۀ فی مورد الحیازة، فإنّه قد ورد فی مباحث کتاب إحیاء الموات
وهو ظاهر ،« من حاز ملک » أنَّ
ص: 38
ما ترك المیّت » فی کون الحیازة سبباً لوجود الملکیّۀ، ولیس وجودها بالوجود اللّفظی والجعلی. وأیضاً: فقد تقرّر فی کتاب الإرث أنّ
فالملکیّۀ الحاصلۀ قهراً للوارث بموت مورّثه لیست بالوجود الجعلی والإعتباري… « من مالٍ أو حقٍّ فلوارثه
ومع وجود هذه الجملۀ فی کلام المحقّق الخراسانی کیف یحمل کلامه علی ما ذهب إلیه؟
وأیضاً، فقد صرَّح المحقّق الخراسانی، فی مقام بیان حقیقۀ الإنشاء فی الترجّی والتمنّی … بأنّ المعنی المنشأ بالصیغۀ فی ظرف الإنشاء
وجود جزئی، لأنّ الشیء ما لم یجب لم یوجد، والوجود مساوق للتشخّص، إلّا أنه- أي المعنی- فی نفس الوقت کلّی.
ولا ریب أنّ هذا مطلب معقول، کما لو تصوّرنا الإنسان النوعی، والحیوان الجنسی، فإنه من حیث وجوده شخصی، للقاعدة المذکورة،
أو قولک: « ملّکتک » : مع أنّ النوع والجنس کلیّان، وصیغۀ الإنشاء کذلک، فقولک
یدلّ علی معنی جزئی هو المنشأ لک بهذا اللّفظ، لکنّه کلّی أیضاً، لأن القضایا الحقیقیّۀ تنحلّ وتتعدّد بعدد الموضوعات … مع « صلّ »
کون الإنشاء واحداً.
وهکذا، فمن الممکن إیجاد الملکیّۀ الکلیّۀ بإنشاء واحدٍ، فإنّه معنی کلّی، مع أنه من حیث وجود الإنشاء جزئی، کما فی قوله تعالی:
«1» « وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَیْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ »
حیث أن ملکیّۀ الخمس من جهۀ هذا الإنشاء جزئیّۀ، لکن الملکیّۀ معنیً کلّی، والمالک هو طبیعی المسکین من بنی هاشم.
صفحۀ 40 من 211
__________________________________________________
. 1) سورة الأنفال: 42 )
ص: 39
وإذا کان المحقق الخراسانی یصرِّح بما ذکرناه، فکیف یحمل کلامه علی مبنی المحقق الإصفهانی من أن الإنشاء إیجاد المعنی بعین
وجود اللّفظ، إذ یستحیل تصوّر کلیّۀ المنشأ حینئذٍ، لأن وجود اللّفظ حقیقی شخصی، فهو جزئی.
وتلخّص: إن کلامه غیر قابلٍ للتنزیل علی مسلک المحقّق الإصفهانی.
وأمّا إشکاله علیه: بأن إیجاد المعنی بالوجود الخارجی أو الذهنی غیر مسببٍ عن وجود اللّفظ، لعدم کون اللّفظ فی سلسلۀ علل الوجود
الذهنی ولا فی سلسلۀ علل الوجود الخارجی، فالتحقیق عدم وروده علیه، لأنّه یقول بوجود المعانی الإنشائیۀ وجوداً اعتباریّاً، ومن
المعقول ثبوتاً أنْ یعتبر العقلاء سببیّۀ اللّفظ للوجود الإعتباري، فیمکن أن یقع فی سلسلۀ علل وجوده، فصحیح أنّ وجود الطلب فی
عالم الذهن یرجع إلی التصوّر، ووجوده خارجاً یرجع إلی المصلحۀ والغرض، ویکون العلم بالغرض علۀً للوجود الخارجی التکوینی
للطلب فی النفس، لکنّ الکلام فی الوجود الإعتباري، ولا مانع من أن یعتبر العقلاء اللّفظ- مثل بعت- سبباً للمعنی وهو الملکیّۀ
الإعتباریۀ، بحیث تدور الملکیّۀ فی عالم الإعتبار وجوداً وعدماً مدار وجود الصیغۀ وعدمها.
فما ذکره المحقق الخراسانی أمر معقول، ولا یرد علیه ما ذکر.
نعم، إنّ هذا الإعتبار بحاجۀٍ إلی دلیلٍ فی مقام الإثبات.
وتلخّص: إن البحث مع صاحب (الکفایۀ) یرجع إلی مقام الإثبات، فالقول بأنّ ما ذهب إلیه غیر معقول، غیر صحیح، فلا یمکن
المساعدة علی
ص: 40
.«1» ( ما جاء فی (نهایۀ الدرایۀ) وفی (المحاضرات
وأمّا مختار المحقق الإصفهانی من أنّ حقیقۀ الإنشاء إیجاد المعنی بعین وجود اللّفظ، فسیأتی الکلام علیه.
هذا تمام الکلام علی مبنی المحقّق الخراسانی.
رأي المحاضرات فی الصّیغ الانشائیّۀ … ص: 40
مبرزة للإعتبار النفسانی، لا أنها موجدة له فی وعاء الإعتبار- وهذا « إفعل » إلی أنّ صیغۀ «2» ( وذهب السیّد الخوئی فی (المحاضرات
متّخذ من برهان المحقق الإصفهانی من أنّ الصیغۀ لا یمکن أن تکون سبباً للوجود مطلقاً- وأیضاً: فإن معانی ال ّ ص یغۀ مختلفۀ، لا أنها
موضوعۀ لمعنی واحدٍ والدواعی مختلفۀ … فالمعنی هو الإمتحان، والتهدید، والطّلب … فهو مخالف (للکفایۀ) فی کلتا الجهتین…
وحاصل کلامه: إن صیغۀ إفعل حقیقۀٌ فی إبراز اعتبار الشیء فی الذمّۀ، واستعمالها فی موارد التعجّب والتهدید وغیر ذلک، مجازي،
ومعناها مختلفٌ ولیس بواحدٍ.
وخلاصۀ وجه هذا الرأي:
أوّلًا: إنّ الامور الإعتباریۀ تحصل بمجرّد الإعتبار ومن دون حاجۀٍ إلی سبب، مع أنّ الألفاظ لا یمکن أن تکون أسباباً لمثل هذه الامور.
کما تقدَّم فی محلّه، فکأنّ « التعهّد » وثانیاً: إنّ حقیقۀ الوضع هی
__________________________________________________
.125 / 275 ، محاضرات فی أصول الفقه 2 -274 / 1) نهایۀ الدرایۀ 1 )
.131 -130 / 2) محاضرات فی أصول الفقه 2 )
صفحۀ 41 من 211
ص: 41
وکذلک کلّ أمر بشیءٍ، فإنّه متعهّد باستعمال صیغۀ ،« صلّ » الشارع قد تعهّد- مثلًا- أن یبرز اعتباره لل ّ ص لاة فی ذمّۀ المکلّف بلفظ
لإبراز أمره وطلبه … وهذا هو المرتکز فی الأذهان. « إفعل »
مناقشۀ الاستاذ … ص: 41
فقال الاستاذ دام بقاه بعد تقریر هذه النظریّۀ ما حاصله:
أمّا أن حقیقۀ الوضع هو التعهّد، فقد تقدّم فی محلّه ما فیه.
وأمّا أنّ المعنی الحقیقی لصیغۀ الإنشاء هو إبراز اعتبار ثبوت الشیء، فغایۀ ما استدلّ لهذه الدعوي هو وجود هذا المعنی- أي إبراز
ونحوه … وفیه: إن هذا لا یکفی لأنْ یکون دلیلًا للمدّعی، ففی موارد « صلّ » : اعتبار ثبوت الشیء فی الذمّۀ- فی مثل قول المولی
استعمال صیغۀ الأمر، حیث یکون الداعی بعث العبد نحو الفعل، توجد الإرادة لتحقّق الفعل، والعقلاء یرون فی تلک الموارد أن
المولی قد وضع الفعل علی ذمّۀ المکلّف، وأنها مشغولۀ یقیناً به، فلماذا لا تکون الإرادة هی المعنی لل ّ ص یغۀ؟ ولماذا لا یکون المعنی:
اعتبار ثبوت المادّة فی ذمّۀ الطرف المقابل؟
والحاصل: إنه فی مورد استعمال صیغۀ الأمر، یوجد اعتبار ثبوت الفعل فی الذمّۀ بلا ریب، لکن کون هذا المعنی هو الموضوع له
الصیغۀ من أین؟
فالدلیل أعمّ من المدّعی.
هذا أوّلًا.
بین « اعملوا » وثانیاً: قوله بتعدّد المعنی فی ال ّ ص یغ الإنشائیّۀ، غیر موافقٍ للإرتکاز العرفی، وذلک لأنّ أهل اللّسان لا یفرّقون فی معنی
مورد استعماله فی التهدید ومورد غیر التهدید مثلًا.
وثالثاً: إن المصداقیّۀ من شئون الحمل الشائع، والمناط فیه هو الإتحاد
ص: 42
الوجودي، وحینئذٍ، کیف یتّحد التعجّب- الذي هو صفۀ نفسانیّۀ- مع صیغۀ إفعل، لتکون الصیغۀ مصداقاً لمفهوم التعجّب؟ فقوله بأن
الصیغۀ تارةً یکون المبرَز بها التعجّب إذا استعمل فیه، لا یمکن تعقّله.
ورابعاً: إن اعتبار ثبوت الشیء فی الذمّۀ، معنی اسمی، وهذا ینافی مسلک (المحاضرات) فی المعنی الحرفی والهیئۀ من أنه عبارة عن
التضییق فی المعانی الاسمیۀ … فإذا کان هذا معنی هیئۀ إفعل، فکیف یکون موضوعاً لإبراز الإعتبار، ووجوب الشیء؟
مناقشۀ رأي المحقق الخراسانی … ص: 42
هذا، وقد وافق الاستاذ المحقق الخراسانی فی وحدة المعنی فی الصیغ الإنشائیّۀ.
وأمّا قوله بأنها موجدة، فقد أشکل علیه:
من صیغۀ إفعل، « الإرادة » أوّلًا: بأن الإرادة فی نظر هذا المحقق نفس الطلب، ومفهومهما واحد، والاختلاف فی المصداق، لکنْ لا یُفهم
ومقتضی الإتّحاد بین الإرادة والطلب أنْ لا تکون موضوعۀ للطلب.
وثانیاً: إنّ الإرادة لیست من الامور القابلۀ للإنشاء، أي لا تقبل أنْ توجد باللّفظ، کما هو الحال فی الجواهر مثلًا.
وثالثاً: إن الإرادة مفهوم اسمی، ولم نجد فی الهیئات هیئۀ مدلولها معنیً اسمی.
صفحۀ 42 من 211
مناقشۀ رأي المحقق الاصفهانی … ص: 42
وأمّا مبنی المحقق الإصفهانی من أنّ مدلول الصیغۀ وجود المعنی بالوجود اللّفظی، فالألفاظ عین وجود المعانی لکن بالوجود
الإعتباري
ص: 43
للمعنی، وهذا معناه أنْ لا یکون فی مورد الصّیغۀ وضع وموضوع وموضوع علیه…
ففیه: إنّ مبناه فی حقیقۀ الوضع هو أنّ اللّفظ یوضع علی المعنی کوضع العلم علی رأس الفرسخ مثلًا، فما ذهب إلیه فی وضع الصیغۀ
ینافی مختاره فی حقیقۀ الوضع بصورةٍ عامّۀ؛ لأنه یقتضی المغایرة والتعدّد بین الموضوع والموضوع علیه … ولولا هذا التنافی فإنّ
مسلکه قریب من الواقع.
رأي الشیخ الاستاذ … ص: 43
وبعد ذکر المبانی المطروحۀ فی معنی الصیغۀ والنظر والمناقشۀ فیها، قال شیخنا دام بقاه، وبالنظر إلی مختاره فی حقیقۀ الوضع من أنها
:« العلامتیّۀ »
إن الألفاظ إنما هی للوصول إلی المعانی وإبراز الأغراض والمقاصد، فالصبیّ الذي لا یمکنه التلفّظ إذا أراد شیئاً من الأشیاء تحرّك
نحوه- إن أمکنه التحرّك- وأخذه، وإلّا فیلجأ إلی غیره، کأنْ یأخذ بید أبیه ویمدّها نحو الشیء أو یضعها علیه، وهذا هو المقصود من
فی کلام المحقق العراقی، لکنّ هذا الطفل عندما یمکنه الإشارة نحو « النسبۀ الإرسالیّۀ » فی کلام المحقق الإصفهانی، و « البعث النسبی »
الشیء الذي یریده، فإنّه یستخدمها بدل الأخذ بید أبیه مثلًا، فإنْ یتمکن من التلفّظ فلا شک أنه یستخدم اللّفظ للدلالۀ علی أنّه یرید
الشیء الفلانی، فیقول لأبیه مثلًا: أعطنی کذا…
فالألفاظ دوالّ وکواشف وعلائم … وهذا هو الأصل فیها.
وعلیه، فإنه مع التمکّن من التلفّظ، یتحقّق بیان المراد وإبرازه بواسطۀ اللّفظ، وتکون الألفاظ مبیّنات ومبرزات للمرادات، وهذا معنی
عَلَّمَهُ »
ص: 44
«1» « الْبَیَانَ
، فمن تمکّن من اللّفظ وأمکنه إفهام مقصوده به، لا یحتاج إلی الإشارة، ولا إلی البعث والتحریک التکوینی الخارجی، ولذا تکون
الإشارة أو التحریک الخارجی هی الدالّۀ علی المقصود حیث لا یمکن اللّفظ.
وسواء کان الدالّ علی المقصود هو اللّفظ أو التحریک الخارجی، فإنّه لا ینظر إلیه إلّابالنظر غیر الإستقلالی، بل إنّه- فی هذه الحالۀ-
یکون النظر الإستقلالی نحو المبعوث والمبعوث إلیه، أمّا اللّفظ أو التحریک الخارجی الذي تحقق به البعث، فإنّه مغفول عنه، ووجوده
وجود حرفی لا استقلالی…
فی اصطلاح المحقّق الإصفهانی، إنه یقول بأنّ نفس هذا البعث الخارجی التکوینی یوجد ویتحقّق « البعث النسبی » وهذا البعث هو
.« إفعل » بکلمۀ
نحو تحصیل الشیء « إفعل » والمحقق العراقی یشبّه الطلب بالصیغۀ بإرسال الطیور الجارحۀ نحو الصید، فکأنّ الآمر یرسل المأمور بأمره
الذي یریده منه، فالمدلول عنده رحمه اللَّه- هو الإرسال ولازم ذلک هو الطلب.
والحاصل: إن هذا أمر ارتکازي لا یمکن إنکاره، وعباراتهم- وإنْ اختلفت فی بیانه- مشیرة إلی هذا الأمر.
لکنّ التحقیق: أن هذه النسبۀ البعثیّۀ التکوینیّۀ التی تقوم الصیغۀ مقامها لا توجد بالصیغۀ، بل إنها تکون مبرزة لها، فالباعث یظهر ویبرز
صفحۀ 43 من 211
لکنّ التحقیق: أن هذه النسبۀ البعثیّۀ التکوینیّۀ التی تقوم الصیغۀ مقامها لا توجد بالصیغۀ، بل إنها تکون مبرزة لها، فالباعث یظهر ویبرز
کما قال المحقق الإصفهانی، بل إنه دالٌّ علی البعث « البعث » هو « إفعل » مقصوده باللّفظ بدلًا عن التحریک الفعلی نحوه … فلیس
ومبرز له، لکنّه مبرز للبعث- کما قلنا- لا لثبوت الشیء فی ذمّۀ الطرف المقابل کما قال المحقق الخوئی … فإنْ لوحظ هذا البعث
،« أبعثک » النسبی باللّحاظ الاستقلالی أصبح مدلول لفظ
__________________________________________________
. 1) سورة الرحمن: 3 )
ص: 45
ولذا قال السید البروجردي: إن الطلب إن لوحظ باللّحاظ الاسمی الإستقلالی استعمل لفظ البعث والأمر فیقول: آمرك، وإن لوحظ
.« الطلب » ولیس « البعث » لکنّ التحقیق أنه «… إفعل » باللّحاظ الآلی استعملت صیغۀ
وبما ذکرنا ظهر التحقیق فی المقام، واختلافات الأنظار فیه.
دلالۀُ الصّیغۀ علی الوجوب … ص: 45
لقد تقدّم طرف من هذا البحث فی مبحث دلالۀ مادّة الأمر علی الوجوب، وهنا نقول:
کلام الکفایۀ … ص: 45
البُعد عن أن تکون صیغۀ الأمر دالّۀ علی الوجوب بالدلالۀ الوضعیّۀ، واستدلّ علی ذلک بالتبادر، «1» إنه قد نفی المحقق الخراسانی
وأیّده بسیرة العقلاء، وأنهم لا یقبلون اعتذار العبد إذا خالف الأمر عندما لا توجد قرینۀ.
بأنّ الصّیغۀ مستعملۀ فی أخبارنا فی الندب بکثرة، وذلک یمنع من التمسّک بأصالۀ «2» ثم ناقش صاحب (المعالم) قدّس سرّه فی قوله
الحقیقۀ للحمل علی الوجوب، بل یکون من المجاز المشهور، ومقتضی القاعدة فی مثله هو التوقّف … فأجاب المحقق الخراسانی:
أوّلًا: إن استعمال الصّیغۀ فی الوجوب أیضاً کثیر، فکثرة استعمالها فی الندب لا توجب نقلها عن الوجوب أو حملها علی الندب.
وثانیاً: إنّ کثرة الإستعمال إنما توجب الحمل أو تستلزم التوقّف فیما إذا کانت بدون قرینۀ، وأمّا إذا کانت موارد استعمالها مصحوبۀ
بالقرینۀ، فمثل هذا
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الأصول: 70 )
. 2) معالم الدین: 48 )
ص: 46
الإستعمال وإنْ کثر فلا یثبت المجاز المشهور، لیلزم التوقّف عن حمل الصیغۀ المجرّدة عن القرینۀ علی الوجوب … ومن المعلوم أنّ
الصیغۀ فی الأدلّۀ الشرعیّۀ متی دلّت علی الإستحباب فهی مقرونۀ بالقرینۀ اللّفظیّۀ أو الحالیّۀ علی الندب.
وثالثاً: إنّ ما ذکره صاحب (المعالم) قدّس سرّه منقوضٌ بکثرة تخصیص العمومات حتی قیل: ما من عامٍ إلّا وقد خُص، فلو کانت کثرة
الإستعمال فی غیر المعنی الموضوع له اللّفظ موجبۀً لنقل اللّفظ عن معناه الحقیقی، أو حمله علی غیر معناه، أو التوقّف، لزم سقوط
أصالۀ العموم، وهو کما تري … فما نحن فیه کذلک.
الإیرادات علی الکفایۀ ومناقشتها … ص: 46
:«1» هذا، وقد أورد علیه السیّد البروجردي
صفحۀ 44 من 211
بالفرق بین کلامه وکلام (المعالم)، فذاك یقول: أخبار الأئمۀ، وهو یقول السنّۀ، والمراد منها فی الاصطلاح الحدیث النبوي.
وفیه: المراد من السنّۀ فی لسان الفقهاء والاصولیین: قول المعصوم أو فعله أو تقریره.
وبأنّ کثرة استعمال اللّفظ فی غیر الموضوع له- ولو مع القرینۀ- یوجب انس الذهن بالمعنی، وینتهی إلی المجاز المشهور.
یستعمل فی استعمالات الناس فی غیر الموضوع له بکثرةٍ مع القرینۀ، ولکنْ لا یصل إلی حدّ « القمر » وفیه: إنه لیس کذلک، فلفظ
الإستغناء عن القرینۀ فیکون مجازاً مشهوراً یوجب التوقّف.
__________________________________________________
. 1) نهایۀ الاصول: 93 ، الحجّۀ فی الفقه: 114 )
ص: 47
:«1» ( وأورد علیه فی (المحاضرات
بالفرق بین المقام وباب الخاص والعام، فهناك ألفاظ موضوعۀ للدلالۀ علی العموم، ولا یکون استعمالها فی غیره موجباً للمجاز، وأمّا
فیما نحن فیه فیوجد معنیان: الوجوب والندب، وقد استعمل اللّفظ- أي الصیغۀ- فی غیر الموضوع له إلی حدٍّ کثیر یوجب التوقف.
وفیه: إن صاحب (الکفایۀ) لا یقول بأن کثرة استعمال العام فی الخاص یوجب أن یکون مجازاً مشهوراً، بل یقول: تخصیص العام
بکثرةٍ لا یوجب خروجه عن الدلالۀ علی العموم بحیث یسقط أصالۀ العموم، فکذلک ما نحن فیه، فلا یوجب کثرة استعمال الصیغۀ فی
الندب خروجها عن کونها موضوعۀً للوجوب بحیث یسقط أصالۀ الحقیقۀ.
مناقشۀ الاستاذ … ص: 47
قال الاستاذ: بل الحقّ- فی الإشکال علی المحقق الخراسانی فی هذا المقام- أن یقال:
أمّا دعوي التبادر، فإنه یعتبر أن یکون التبادر من حاقّ اللّفظ لا من خارجه من إطلاقٍ أو سیرة، وتحقّقه هنا أوّل الکلام، لأن تبادر
الوجوب:
إمّا هو من المادّة، فهی لیست إلّا المعنی الحدثی.
وإمّا من الهیئۀ، ومدلول الهیئۀ عنده عبارة عن الطلب، وهو غیر الوجوب، أو عن البعث النسبی کما قال المحقق الإصفهانی، وهو غیر
الوجوب.
وإمّا عن المرکَّب من المادّة والهیئۀ، وهو لیس له وضع علی حدة.
__________________________________________________
.125 / 1) محاضرات فی أصول الفقه 2 )
ص: 48
علی أنّ الصیغۀ تستعمل فی الندب- وبدون أيّ عنایۀٍ- کاستعمالها فی الوجوب، کأن نقول: اغتسل للجنابۀ، ونقول: اغتسل للجمعۀ.
هذا بالنسبۀ إلی استدلاله بالتبادر.
وأمّا مناقشته لصاحب (المعالم) فالإنصاف: أنّ استعمال الصیغۀ فی غیر الوجوب کثیر جدّاً، ولعلّه الغالب علی استعمالها فی الوجوب،
ودعوي اقتران تلک الإستعمالات بالقرینۀ مقبولۀ، لکن إنکار وصولها إلی حدّ المجاز المشهور مشکل.
وتنظیره ما نحن فیه بقضیّۀ ما من عامٍّ إلّاوقد خص. فیه: إنه خلاف مبناه فی باب العامّ والخاص، فإنّه یري أن العام مستعمل فی معناه
وهو العموم، إلّا أن الخصوص یستفاد من دالٍّ آخر، فتعدّد الدالّ هو الدلیل علی التخصیص، لا أن العام قد استعمل فی غیر ما وضع له
…وحینئذٍ، فلصاحب (المعالم) أنْ یقول بالفرق بین المقامین، وأن استعمال الصّیغۀ فی الندب مجاز.
صفحۀ 45 من 211
أدلّۀ القول بالدّلالۀ علی الوجوب ونقدها … ص: 48
وعلی الجملۀ، فقد ظهر سقوط الإستدلال بالتبادر للقول بدلالۀ الصیغۀ علی الوجوب، وکان هذا هو الوجه الأوّل.
آیاتٍ وروایات من الکتاب والسنّۀ دالّۀً علی «1» ( الثانی: الکتاب والسنّۀ. فقد ذکر أصحاب (المعالم) و (البدائع) و (هدایۀ المسترشدین
«2» « مَا مَنَعَکَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُکَ » : الوجوب، کقوله تعالی
فإنّه یدلُّ علی کون الصیغۀ دالّۀ علی
__________________________________________________
1) معالم الاصول: 66 ، بدائع الاصول: 251 ط حجري، هدایۀ المسترشدین: 144 حجري. )
. 2) سورة الأعراف: 12 )
ص: 49
.«2» « فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِینَ » … و «1» « وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِکَۀِ اسْجُدُواْ لآدَمَ » الوجوب، لکونه ذمّاً وتوبیخاً علی المخالفۀ لقوله عزّوجلّ
وفیه:
أوّلًا: هل کانت هذه الإستعمالات عاریۀً عن القرینۀ؟
وثانیاً: سلّمنا، لکنّه استعمالٌ، وهو أعمّ من الحقیقۀ.
بضمیمۀ کلام الإمام علیه السلام- یدلُّ علی الوجوب، ولکنْ هل هذه الدلالۀ وضعیّۀ أو - «3 …» « وَأَتِمُّوا » نعم، مثل قوله تعالی
إطلاقیّۀ؟
الذي سلکه المتأخرون أیضاً، وحاصله: إنّه إذا صدر أمر من المولی الحقیقی، فإنّ العقل «4» الثالث: العقل. وهذا طریق المحقق النائینی
یحکم علی العبد بمقتضی قانون حکم الطّاعۀ- بلزوم الإطاعۀ وباستحقاقه العقاب إذا خالف.
وقد تکلّمنا علی هذا الوجه سابقاً. وحاصل الکلام هنا:
إن هذا الوجه أخصّ من المدّعی، لأن المدّعی هو أعمّ من أن یکون الأمر صادراً عن المولی الحقیقی، ولا یختص بمورد استدلاله…
فالأمر یدلّ علی الوجوب فی أوامر الناس بعضهم بعضاً، مع عدم وجود حکم عقلی مستند إلی حق الطاعۀ، إلّامع القرینۀ علی الرخصۀ،
هذا أولًا.
وثانیاً: إنّ الأحکام العقلیّۀ- سواء فی موارد المولی الحقیقی أو العرفی- تنتهی إلی حسن العدل وقبح الظلم، وهما حکمان کلّیان،
فالعقل یري
__________________________________________________
. 1) سورة البقرة: 34 )
. 2) سورة ص: 72 )
. 3) سورة البقرة: 196 )
.144 / 4) أجود التقریرات 1 )
ص: 50
ضرورة إطاعۀ العبد لمولاه لأنها عدل، وعدم عصیانه لأنه ظلم، والظلم إنما یتحقق حیث یصدق العصیان، وإذ لا عصیان- کما لو لم
یکن أمر المولی إلزامیّاً- فلا ظلم … وهذه هی کبري حکم العقل.
والحاصل: إنه لا حکم للعقل إلّابقبح الظلم بمعصیۀ أوامر المولی، أمّا مع الشک فی دلالۀ أمره علی الوجوب والإلزام، فلا یحکم العقل
صفحۀ 46 من 211
بقبح مخالفته، إلّاأن یقال بأنّ للعقل حکماً ظاهریّاً مفاده: کلّما شککت فی أمر أنه إلزامی أو لا، لزم علیک امتثاله وإلّا فأنت ظالم…،
ومن الواضح عدم وجود هکذا حکم ظاهري احتیاطی من العقل.
إنه بعد إدراك العقل أن إنشاء الطلب یمکن أن یکون عن إرادة حتمیّۀ کما یمکن أن یکون - «1» ( وبعبارة أخري- کما فی (المنتقی
عن إرادة غیر حتمیّۀ، وأن المنشأ عن إرادة غیر حتمیۀ لا یلزم امتثاله، کیف یحکم بلزوم الامتثال بمجرّد الإنشاء ما لم یدّع ظهور
الصیغۀ فی کون الإنشاء عن إرادة حتمیۀ، وهو خلاف المفروض؟ وهل یجد الإنسان فی نفسه ذلک؟ ذلک ما لا نستطیع الجزم به بل
یمکن الجزم بخلافه.
وعلی الجملۀ، فإنّ مطلب المیرزا إنما یتمُّ لو ثبت أنّ للعقل هکذا حکم کما توجد فی الشریعۀ أحکام ظاهریّۀ إلی جنب الأحکام
الواقعیّۀ، أو تقوم سیرة عقلائیّۀ علی أنّه متی وردت الصیغۀ المجرّدة عن المرخّص فی الترك فالطلب إلزامی، وإلّا، فإنّ المرجع هو
البراءة عقلًا وشرعاً، وعدم کفایۀ قانون حقّ الطاعۀ علی التحقیق.
الرابع: الظهور الإطلاقی فی الوجوب.
__________________________________________________
(1)
.403 / منتقی الأصول 1
ص: 51
إلی أن الوجوب عبارة عن الطلب بلا تقیید، وأن الإستحباب عبارة عن الطلب المقیَّد بالترخیص فی «1» ( ذهب صاحب (الکفایۀ
الترك، فهو المحتاج إلی البیان، والوجوب غیر محتاج إلیه.
إن الوجوب عبارة عن البعث الأکید، والإستحباب عبارة عن البعث غیر الأکید، ولازم الأوّل عدم :«2» وقال المحقق الإصفهانی
الترخیص فی الترك، والثانی لازمه الترخیص فیه، وحینئذٍ یحتاج إلی البیان، بخلاف الوجوب، فإن نفس ال ّ ص یغۀ کافیۀ فی إفادته، لأن
الأمر العدمی- وهو هنا عدم الترخیص- لا یحتاج إلی بیان.
وعلیه، فکلّما جاءت الصیغۀ مجرّدة عن البیان فی الترخیص، کان مقتضی إطلاقها هو الوجوب.
قال الاستاذ فی الدورة السابقۀ:
وهذا ثبوتاً صحیح، إلّاأن الکلام فی مقام الإثبات، إذ العقلاء لا یرون وجود مرتبتین للبعث، إحداهما أکیدة، والاخري غیر أکیدة،
سواء فی غسل الجنابۀ والجمعۀ، ولا فرق عندهم فیها … هذا أوّلًا. « اغتسل » فصیغۀ
وثانیاً: إنه لیس لهیئۀ إفعل وضعان، بل الوضع الواحد، وهی موضوعۀ للنسبۀ البعثیّۀ، والتأکّد وعدمه أمران زائدان علی حقیقۀ البعث،
وخارجان عن مدلول الهیئۀ، فلو کان التأکّد مدلول الهیئۀ- وضعاً أو ظهوراً- لزم أن یکون استعمالها فی غیر الأکید مجازاً.
قال: .«3» وللمحقّق العراقی تقریب آخر
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الأصول: 70 )
.315 / 2) نهایۀ الدرایۀ: 1 )
.163 -162 / 3) نهایۀ الأفکار 1 )
ص: 52
إن الوجوب عبارة عن نفس الطلب المعبَّر عنه بالطّلب التام، وهو غیر محدودٍ بحدّ، بخلاف الندب، فإنه محدود بحدّ النقص، فالندب
محتاج إلی بیانٍ زائد، وحیث لا بیان، فمقتضی الإطلاق هو الوجوب.
صفحۀ 47 من 211
قال الاستاذ: وفیه:
أوّلًا: إنّه سواء کان الإرادة، أو الفعل النفسانی، أو الطلب الإنشائی، أو الطلب الإعتباري، فهو- بأيّ معنیً أخذ- محدود.
وثانیاً: إن المفروض وضع الهیئۀ لنفس الطلب، لا الطلب غیر المحدود- بأن یکون عدم المحدودیّۀ داخلًا فی المفهوم- فلا مرتبۀ فی
مفهومه، وعلیه، فکما أن المرتبۀ النازلۀ من الطلب محتاجۀ إلی البیان، کذلک المرتبۀ العالیۀ.
القائل بأنّ الندب عبارة عن الإرادة مع الإذن فی الترك، «1» هذا، وإلی ما ذکر من الکلمات یرجع کلام مثل الشیخ الیزدي الحائري
والوجوب هو الإرادة بلا إذنٍ فی الترك … فإنّه بعد إرجاعه إلی ما تقدّم یرد علیه ما ورد علیه، وإلّا فظاهر کلامه غیر صحیح، لأن
الإرادة من الامور التکوینیۀ، والوجوب والندب من الأمور الإعتباریّۀ التشریعیّۀ.
وأیضاً، فالإرادة من مقدّمات الطلب ولیست نفس الطلب.
وتلخّص: عدم تمامیۀ الاستدلال- لدلالۀ الصیغۀ علی الوجوب- بالآیۀ والروایۀ وبالعقل وبالتبادر وبالظهور الإطلاقی.
مختار الاستاذ ودلیله … ص: 52
الخامس: السیرة العقلائیۀ.
__________________________________________________
(1)
.74 / درر الأصول 1
ص: 53
فإنّ السیرة العقلائیّۀ قائمۀ علی ترتیب الأثر إلزاماً علی صیغۀ إفعل، وهی سیرة عامّۀ، غیر مختصّۀ بالموالی والعبید … کما تقدّم فی مادّة
الأمر.
وقد کان هذا هو المرتکز بین أصحاب الأئمۀ علیهم السلام، وتشهد به ضروراتٌ من الفقه.
فالوجوب لیس لفظیّاً ولا عقلیّاً، بل هو عقلائی.
وممّا یشهد به فی الفقه مسألۀ خیار الغبن، فإن المستند العمدة علی ثبوت هذا الخیار هو تخلّف الشّرط، إذ الشرط الإرتکازي بین
العقلاء فی المعاملۀ هو المساواة بین الثمن والمثمن، فبناء العقلاء فی سائر معاملاتهم علی المساواة بینهما کاشف عن وجود هذا
الشرط فی کلّ معاملۀ، ولو مع عدم التلفّظ به فی متن العقد.
فکما یکون البناء العقلائی هناك ذا أثر من هذا القبیل، ولدي التخلّف یستند إلی ذلک، کذلک البناء العقلائی فیما نحن فیه، علی
ترتیب أثر الوجوب والإلزام علی صیغۀ إفعل، کاشف عن دلالتها علی الوجوب.
وهذا هو التحقیق عند الاستاذ فی الدورة اللّاحقۀ.
أقول:
ولکن، هل لهذه السیرة ملاك أو لا؟ وکیف تحقق مع العلم باستعمال الصیغۀ فی الندب بقدر استعمالها فی الوجوب إن لم یکن
أکثر؟
ومن هنا یرجع المطلب إلی الإطلاق، بالبیان الذي ذکره فی الدّورة السابقۀ. من أن الوجوب- فی الحقیقۀ- أمر اعتباري منتزع من
البعث وعدم الترخیص فی الترك، وأنّ الندب أمر اعتباري منتزع من البعث والترخیص فی الترك، فلیس الوجوب والندب إلّاأمرین
منتزعین، هذا فی الواقع، وکذلک
ص: 54
صفحۀ 48 من 211
الحال فی مقام الإثبات عند العقلاء، فإنّهم یرون البعث من المولی وعدم ترخیصه فی الترك منشأً لانتزاع الوجوب بلا حالۀٍ منتظرة،
وعلیه، فإن الندب هو المحتاج إلی البیان الزائد، أمّا الوجوب فلا، ومع الشک، یکون مقتضی الاطلاق هو الوجوب، فکان هذا الإطلاق
هو الملاك لبناء العقلاء فی حمل الکلام علی الوجوب.
ص: 55
الجملۀ الخبریّۀ … ص: 54
اشارة