گروه نرم افزاری آسمان

صفحه اصلی
کتابخانه
جلد دوم
مقدّمۀ الواجب … ص: 243







اشارة
ص: 245
مقدمات …: ص: 245
اشارة
قبل الخوض فی البحث تذکر أُمور:
الأمر الأول (فی عدم اختصاص البحث بالواجب …) ص: 245
إنه لا اختصاص للبحث بالواجب، بل هو أعمّ من مقدّمۀ الواجب والحرام والمستحب والمکروه.
الأمر الثانی (فی المراد من الوجوب …) ص: 245
المراد من الوجوب هنا هو: الوجوب الشرعی الغیري، فهل یوجد وجوب شرعی متعلّق بالمقدّمۀ بالإضافۀ إلی وجوب ذي المقدّمۀ أو
لا؟ إذن:
لیس المراد: اللّابدیۀ العقلیّۀ للمقدّمۀ، فإنها مسلّمۀ عند الکلّ.
وأَطِیعُواْ » : ولیس المراد: الوجوب الإرشادي، لأنه إرشاد إلی حکم العقل وإخبارٌ عنه، وإن کان فی الصورة بعثاً مولویّاً، کقوله تعالی
«1» « اللّهَ
.ولیس المراد: هو الوجوب الشرعی الطریقی، أي الوجوب الذي یجعله الشارع لتنجیز الواقع، کالإحتیاط، لأنّ وجوب المقدّمۀ لیس من
هذا القبیل.
ولیس وجوب المقدمۀ وجوباً نفسیّاً، لأن الوجوب النفسی ینشأ من الملاك، ووجوب المقدّمۀ لا ینشأ من ملاكٍ وغرض فی نفس
المقدّمۀ، بل من الغرض فی ذي المقدّمۀ.
وتلخّص: إن وجوب المقدّمۀ وجوب غیري تبعی، بمعنی أن هناك
__________________________________________________
. 1) سورة المائدة: 92 )
ص: 246
صفحۀ 141 من 211
إرادةً أصلیّۀ متوجّهۀً إلی ذي المقدّمۀ، وبتبعها توجد إرادة تبعیّۀ بالنّسبۀ إلی المقدّمۀ حین تکون المقدّمۀ مورداً للإلتفات، أي، فلا یلزم
أن یکون وجوبها فعلیّاً، لأنّ الآمر قد یکون غافلًا عن المقدّمۀ، فهی واجبۀ، بمعنی أنه إذا التفت إلیها جعل لها الوجوب.
الأمر الثالث (فی أن بحث المقدّمۀ من المبادئ أو المسائل …) ص: 246
هل البحث عن وجوب المقدّمۀ من المبادئ الأحکامیّۀ کما علیه السیّد البروجردي، أو من المسائل؟ وإذا کان من المسائل، فهل هو
من المسائل الاصولیّۀ أو من المسائل الفقهیّۀ أو المسائل الکلامیّۀ؟ وإذا کان من مسائل علم الاصول، فهل هو من المسائل العقلیّۀ، کما
؟«1» ( علیه صاحب (الکفایۀ)، أو من مباحث الألفاظ کما علیه صاحب (المعالم
أمّا القول بأنه من المبادئ الأحکامیّۀ فوجهه: إن المبادئ الأحکامیّۀ هی عبارة عن العوارض الطارئۀ علی الأحکام الخمسۀ، کقولنا: هل
وجوب الشیء یستلزم النهی عن ضدّه أو لا؟ إذ معنی هذا العنوان: هل یوجد للوجوب هذه الخاصیّۀ أو لا؟ ومعنی قولنا: هل یجتمع
الأمر والنهی فی الشیء الواحد ذي العنوانین أو لا؟ هو أنّه هل للوجوب هکذا خاصیّۀ تمنع من اجتماعه مع النهی أو لا؟ وهنا کذلک،
نقول: هل للوجوب الثابت لذي المقدمۀ هذا الأثر، أي وجوب المقدّمۀ، أو لا؟
وفیه: إنّ کون مورد البحث من عوارض الحکم، لا یوجب أنْ یکون من المبادئ، ولا یخرجه عن المسائل، مادام تعریف المسألۀ
الاصولیّۀ منطبقاً علیه.
__________________________________________________
. 1) معالم الاصول: 84 )
ص: 247
وکذلک کون البحث هنا عقلیّاً لا یوجب اندراجه فی مسائل علم الکلام، لأنّ المسائل الکلامیّۀ مسائل عقلیّۀ بالمعنی الأخص، إذ هی
المسائل الباحثۀ عن أحوال المبدء والمعاد فقط.
فإمّا أن یکون بحثنا من المسائل الفقهیّۀ، وإمّا أن یکون من المسائل الاصولیۀ، فقد حکی عن بعضٍ القول بکون بحث مقدّمۀ الواجب
من المباحث الفقهیّۀ، لأنه یبحث فیه عن الحکم الشرعی للمقدّمۀ، وإمّا أن یکون من المسائل الاصولیّۀ، کما سیأتی.
لکنْ یردّ القول الأوّل: إن البحث هنا إنما هو عن ثبوت الملازمۀ بین المقدّمۀ وذي المقدمۀ من حیث الحکم، والبحث عن هذه الحیثیۀ
لیس بحثاً فقهیّاً.
عن القول المذکور: بأنّ الأحکام الفقهیّۀ مجعولۀ للعناوین الخاصّ ۀ والموضوعات الواحدة بالوحدة النوعیّۀ، «1» وأجاب المیرزا
کال ّ ص لاة، والخمر مثلًا، والمقدّمۀ تصدق فی الخارج علی العناوین المتعددة والحقائق المختلفۀ، ولیست عنواناً لفعل واحدٍ، فلیست من
مسائل الفقه.
وفیه: إن المسألۀ الفقهیّۀ هی الأحکام الکلیّۀ الإلهیّۀ المجعولۀ للموضوعات والعناوین الخاصّۀ، من دون فرقٍ بین کونها منطبقۀً خارجاً
علی حقیقۀ واحدة کالصّلاة والخمر، أو علی حقائق متعدّدة، کعنوان النذر والعهد والیمین ونحو ذلک، فلیس من شرط المسألۀ الفقهیّۀ
عدم انطباقها إلّاعلی الحقیقۀ الواحدة.
__________________________________________________
(1)
.310 / أجود التقریرات 1
ص: 248
عن القول المذکور: من جهۀ أن الملاك فی المسألۀ الفقهیّۀ هو أنْ یکون ملاك الحکم الکلّی متّحداً، «1» وأجاب المحقق العراقی
صفحۀ 142 من 211
سواء کان للموضوع مصادیق مختلفۀ أو لا، نظیر ضمان الید، فإنّه حکم فقهی مع اختلاف موضوعه وتعدّده، لکون الملاك واحداً
فنقول: المأخوذ بالعقد الفاسد فیه ضمان، والعقد الفاسد تارةً هو البیع، وأخري الإجارة، وثالثۀ الصّلح، وهکذا… « الید » وهو
وکلّ موردٍ تعدّد فیه الملاك، فالمسألۀ لیست فقهیّۀ، ومسألۀ المقدّمۀ من هذا القبیل، لأن ملاك وجوب مقدمۀ الحج غیر ملاك
وجوب مقدّمۀ الصّوم … وهکذا … فإنّه وإن کان حکماً کلّیاً إلهیّاً، لکنه لیس بمسألۀٍ فقهیّۀ.
قال الاستاذ: هذا جیّد، لکنْ لا برهان علی خروج ما تعدّد ملاکه من الأحکام الکلّیۀ عن الفقه، لأن ضابط المسألۀ الفقهیۀ لیس إلّاکون
الحکم المستنبط حکماً کلّیاً إلهیّاً سواء تعدّد ملاکه أو اتّحد.
وللسیّد الاستاذ جواب آخر وهو: إنّ وجوب المقدّمۀ بعنوان أنّها مقدّمۀ یکون بملاك واحدٍ وهو ملاك المقدّمیۀ، فإنه هو الذي
.«2» یوجب ترشّح الوجوب علی المقدّمۀ فی کلّ الموارد، ولیس له ملاك آخر غیره
أقول:
لکن الکلام فی ملاك المقدمیّۀ: « الملاك » هی « المقدمیّۀ » ظاهره أنّ
فتأمّل.
وتلخّص: تعیّن کون المسألۀ من مسائل علم الاصول، ویکفی فی ذلک
__________________________________________________
.259 / 1) نهایۀ الأفکار 1 )
.99 / 2) منتقی الاصول 2 )
ص: 249
- بعد ثبوت عدم کونها من مسائل غیره من العلوم- انطباق تعریف العلم علیها، فإنّه یمکن وقوع مسألۀ مقدّمۀ الواجب فی طریق
الإستنباط.
وأمّا إشکال السیّد الاستاذ من أنّ ضابط المسألۀ الاصولیّۀ هو أنْ تکون نتیجتها رافعۀً لتحیّر المکلَّف فی مقام العمل، ولا یخفی أنّ هذه
المسألۀ لا تتکفّل هذه الجهۀ، فمبنیّ علی نظره فی الضّابط، وقد تقدّم الکلام علیه فی محلّه، فراجع.
وبما ذکرنا فی تحریر محلّ النزاع- من أن البحث فی هذه المسألۀ یدور حول الملازمۀ، فإن ثبتت فالمقدّمۀ واجبۀ، وإلّا فوجوبها یحتاج
إلی دلیل آخر- ظهر الفرق بین کون مسألۀ المقدّمۀ من مسائل الفقه وکونها من مسائل الاصول، فإنّه إذا ثبت الملازمۀ ثبت الوجوب
وهو الحکم الشرعی الفرعی، وإلّا فلا…
بعدم الفرق، وأن الکلام فی ذلک تطویل بلا طائل، فی غیر محلّه. «1» فقول المحقق الإیروانی
وإذا کانت المسألۀ مسألۀً أُصولیّۀً، فالمحقق الخراسانی والجماعۀ قائلون بکونها مسألۀ اصولیّۀ عقلیّۀ، فترجع إلی مقام الثبوت، واختاره
الاستاذ، خلافاً لمن قال بأنّها مسألۀ لفظیّۀ، وقد نسب إلی ظاهر (المعالم) فترجع إلی مقام الإثبات.
قال الأستاذ: إن البحث اللّفظی یرجع إلی مقام الإثبات وعالم الدّلالۀ، ودلالۀ اللّفظ لا تخلو: إمّا أنْ تکون مطابقیّۀ، وإمّا أن تکون
تضمنیّۀ، وإمّا أنْ تکون إلتزامیّۀ. أمّا الأولی، فإنّ وجوب ذي المقدّمۀ لا یدلّ علی وجوب
__________________________________________________
.132 / 1) نهایۀ النهایۀ 1 )
ص: 250
المقدّمۀ مطابقۀً، وهذا واضح، وأمّا الثانیۀ، فإن وجوب المقدّمۀ لیس جزءً من وجوب ذي المقدّمۀ لیدلّ علیه بالتضمّن، بقی الثالثۀ،
وهی الدلالۀ الإلتزامیّۀ، وهذه یعتبر فیها کون اللّزوم- بین اللّازم والملزوم- لزوماً بیّناً، بأنْ یکون تصوّرهما کافیاً فی ثبوت الملازمۀ، فلو
صفحۀ 143 من 211
کانت الملازمۀ محتاجۀً إلی برهانٍ لإثباتها، خرجت الدّلالۀ عن کونها دلالۀ اللّفظ، وما نحن فیه من هذا القبیل، فلیست المسألۀ لفظیّۀ،
فهی مسألۀ عقلیّۀ.
ولوجود الحکم الشرعی فی هذه المسألۀ، فهی من المسائل العقلیّۀ غیر المستقلّۀ.
ص: 251
انقسامات المقدمۀ … ص: 251
اشارة
لقد قسّموا المقدّمۀ إلی أقسامٍ عدیدة، وفی کلّ قسمٍ أقسام وأحکام:
التقسیم إلی الداخلیۀ والخارجیّۀ …: ص: 251
اشارة
فمنها: إن المقدّمۀ إمّا داخلیۀ وإمّا خارجیّۀ، أمّا الخارجیّۀ- وهی أجزاء العلّۀ التامّۀ: المقتضی والشرط وعدم المانع- فهی داخلۀ فی
بحث المقدّمۀ، لکون ذي المقدّمۀ- وهو المعلول- موقوفاً علیها ومحتاجاً إلیها.
إنّما الکلام فی المقدّمۀ الداخلیّۀ، والمقصود منها أجزاء المرکّب، فهل هی واجبۀ بالوجوب الغیري أو لا؟
هل المقدّمۀ الداخلیۀ واجبۀ بالوجوب الغیري …؟ ص: 251
اشارة
هنا مطالب مترتّبۀ، فالأول: هل أجزاء المرکّب مقدّمات داخلیّۀ للمرکّب أو لا؟ والثانی: بناءً علی کونها مقدمات، هل یجري فیها
ملاك الوجوب، أي وجوب المقدمۀ؟ والثالث: إنه علی الجریان، هل من مانعٍ یمنع عن الوجوب؟
المطلب الأول …: ص: 251
ما له دخل فی وجود الشیء، وأخري یراد منها: ما یتوقّف علیه الشیء. « المقدّمۀ » تارةً یراد من
أمّا بالإطلاق الأول، فالأجزاء الداخلیّۀ خارجۀ عن البحث، لأنها حینئذٍ لیست بمقدّمات، من جهۀ أنها موجودة بنفس وجود المرکّب،
فتکون
ص: 252
المقدّمۀ بهذا الإطلاق منحصرةً بأجزاء العلّۀ التامّۀ.
لعدم وجود التوقّف ،« الکلّ » و عنوان « الجزء » لکنّ الکلام لیس فی عنوان ،« المقدّمۀ » وأمّا بالإطلاق الثانی، فیصدق علی الأجزاء عنوان
بین العنوانین المذکورین، بل هما فی مرتبۀٍ واحدةٍ، ولا تأخّر وتقدّم بینهما، لکونهما متضایفین، والمتضایفان متکافئان بالقوّة والفعل،
فلو تقدّم أحدهما علی الآخر لزم المحال، وهو تحقق الإضافۀ من طرفٍ واحد. بل المراد هو الإحتیاج والتوقّف فی الذات والوجود،
صفحۀ 144 من 211
وتوضیح ذلک:
إن الوجود لابدَّ وأنْ ینتهی إلی الواجب، وهذا ما لا اختلاف فیه بین العقلاء، حتی المادیّون قائلون به، غیر أنّ الإختلاف فی الصغري،
فهم یقولون بانتهاء الوجود إلی مرکّب من أجزاء مادیّۀ خارجیّۀ، والإلهیّون قائلون بأنه ینتهی إلی ذاتٍ لا ترکیب فیها، لا من الأجزاء
الخارجیّۀ ولا العقلیّۀ ولا الوهمیّۀ ولا الخیالیّۀ، فهو واحد أحدي، وهذا معنی کلام أمیر المؤمنین والأئمّۀ الطاهرین علیهم السّلام فی نفی
الترکیب عن الذات المقدّسۀ کما فی نهج البلاغۀ، وکتاب التوحید للشیخ ال ّ ص دوق رحمه اللَّه والکافی، وهو من جملۀ البراهین
المستخرجۀ من الروایات، وحاصله: إن کلّ ما کان مرکّباً، کان محتاجاً إلی الأجزاء وموقوفاً علیها- حتی لو کان مرکّباً خیالیّاً، وهو
المجرّد عن المادّة دون الصّورة، أو وهمیّاً حیث یتجرّد من کلیهما- لأنّ المرکّب بما هو مرکّب لا یتحقّق ذاتاً إلّابعد وجود الجزء فی
مرحلۀ الذات، فجوهریّۀ المرکّب متوقّفۀ علی جوهریّۀ الجزء، وفی مرحلۀ الوجود، فإنّ المرکّب متوقف وجوده علی وجود الجزء
.« الجزء » متوقّف ذاتاً ووجوداً علی « الکلّ » : بالتوقّف الطبعی، فإذن
ص: 253
وقد استدلّ للقول بعدم المقدّمیۀ، بأن الأجزاء عین الکلّ، فلا احتیاج، فلا مقدّمیۀ..
بأنّ الجزء عبارة عمّا یلحظ لا بشرط من الانضمام إلی سائر الأجزاء، والکلّ یلحظ بشرط :«1» وأجاب عنه المحقق الخراسانی
وعدم العینیّۀ، فیکون الجزء مقدمۀً والکلّ ذو المقدمۀ، « الجزء » و « الکلّ » الانضمام، فبینهما فرق من هذه الجهۀ، وهو یکفی للتغایر بین
واللّا بشرط موقوفاً علیه والبشرط موقوف علیه، فلا عینیّۀ من جمیع الجهات حتی یقال بأن الشیء لا یحتاج إلی نفسه.
وقد أوضح الاستاذ ذلک: بأنّ الجزء إنْ لوحظ بشرط لا عن الإنضمام إلی سائر الأجزاء، أصبح مبایناً للکلّ، کأنْ یلحظ الرکوع
« بشرط » صار جزءً، وإنْ لوحظ « لا بشرط » لا عن بقیۀ أجزاء ال ّ ص لاة، فإنه حینئذٍ مباین لل ّ ص لاة ولیس بجزءٍ لها، وإنْ لوحظ « بشرط »
.« الکلّ » الانضمام فهو
والحاصل: إن الأجزاء مقدّمۀ للکلّ، إذ هو محتاج إلیها فی ذاته وهی مستغنیۀ عنه ذاتاً، سواء فی الإعتباریات کما تقدم أو التکوینیّات،
فی مرحلۀ الذات « الإنسان » مع قطع النظر عن الوجود- مستغنیۀ عن الإنسان، لکن - « الإنسان » وهو جزء « الحیوان » ولذا تري أنّ ذات
فإنّه لو لا الحیوان لا یوجد الإنسان. ،« الحیوان » متقوّم ب
فالحال فی الإعتباریات، کالرّکوع بالنسبۀ إلی ال ّ ص لاة، والتکوینیّات- کالمثال المذکور- واحد، فلا فرق بین المرکّبات التکوینیّۀ
والمرکّبات الإعتباریۀ فی ذلک.
__________________________________________________
(1)
. کفایۀ الاصول: 90
ص: 254
هذا فی مرحلۀ الذات.
متحقّق، فلا یلزم عدم الجزء لو فرض « الجزء » لا یتحقّق إلّاو « الکلّ » یمکن أن یتحقّق ویوجد، ولکن « الجزء » أمّا فی مرحلۀ الوجود، فإنّ
عدم الأجزاء الاخري، لکنّ الکلّ ینعدم بانعدام أحد أجزائه … فالجزء مستغن عن الکلّ بمناط التقدّم والتأخّر الطبعی، إلّاأنه لا ینافی
وحدة المرتبۀ فی مرحلۀ الوجود، ولذا قالوا: التقدّم والتأخّر طبعاً لا ینافی المعیّۀ وجوداً.
هذا تمام الکلام فی المطلب الأوّل.
المطلب الثانی …: ص: 254
صفحۀ 145 من 211
بعد ثبوت المقدمیّۀ للأجزاء الداخلیّۀ، فهل یوجد فیها اقتضاء الحکم بالوجوب الغیري أو لا؟
إن کان الملاك للوجوب الغیري أنْ یکون للشیء الواجب وجود مستقل، فهذا الملاك غیر موجود فیما نحن فیه، لأن الأجزاء لیس
لها وجود مستقلّ عن الکلّ، بل هی موجودة بعین وجوده، وإن کان ملاکه هو التوقّف، فلا ریب فی وجوده فی الأجزاء، لتوقّف الکلّ
علی وجودها.
إذن، لابدّ من التحقیق فی ملاك الوجوب الغیري.
نفی وجود المقتضی والملاك للوجوب، للزوم اللّغویۀ، لأن المفروض وجوب الکلّ، فوجوب الأجزاء مع «1» ( هذا، وفی (المحاضرات
ذلک لغو، إلّا أن یقال بالاندکاك بین الوجوبین لیتحقق وجوب مؤکّد.
وفیه: إنه خلط بین مرحلۀ المطلب الثانی- المقتضی- ومرحلۀ المانع، وهو:
المطلب الثالث …: ص: 254
اشارة
فإنّه إذا کانت الأجزاء واجبۀً بالوجوب الغیري، فإن
__________________________________________________
.299 / 1) محاضرات فی اصول الفقه 2 )
ص: 255
المفروض وجوب الکلّ بالوجوب النفسی، وهو لیس إلّاالأجزاء، فاجتمع فی الأجزاء وجوبان، وهو محال، لأنه إمّا لغوٌ وإمّا اجتماعٌ
للمثلین.
فمع تسلیم وجود المقتضی لاتّصاف الأجزاء بالوجوب الغیري، فإنه ممنوع، والمانع هو الإشکال المذکور.
کلام المحقق الخراسانی … ص: 255
الإشکال بما توضیحه: إنّ المحکوم بحکم الوجوب هو واقع «1» ( وقد وقع النزاع بین الأکابر فی هذا المقام، إذ قرّر صاحب (الکفایۀ
المقدّمۀ لا عنوانها، وعنوان المقدّمۀ حیثیّۀ تعلیلیّۀ للوجوب ولیس بحیثیّۀ تقییدیّۀ، لأنّ متعلَّق الوجوب فی الوضوء- مثلًا- هو واقع
الوضوء لا عنوان المقدّمۀ، وفی أجزاء ال ّ ص لاة یکون واقع الرّکوع والسّجود وغیرهما متعلّق الوجوب لا عنوان مقدمیّتها لل ّ ص لاة، وإذا
کان الواقع، فإنّ الرکوع والسّجود وغیرهما هی ال ّ ص لاة، ولا مغایرة بین واقع ال ّ ص لاة وواقع هذه الأجزاء، بل هی عین الکلّ المسمّی
بال ّ ص لاة، ولا اختلاف بین الصّلاة وأجزائها إلّااعتباراً، فلو کانت الأجزاء متصفۀً بالوجوب الغیري ووجوب الصّلاة نفسی، کانت الأجزاء
محکومۀ بحکمین وجوبیّین، وکانت ذات فردین من الوجوب، وبذلک یلزم اجتماع المثلین فی الشیء الواحد وهو محال.
وبما تقدَّم من کون الحیثیّۀ تعلیلیّۀ لا تقییدیّۀ، یندفع توهّم کون ما نحن فیه نظیر باب اجتماع الأمر والنهی، وکون الشیء الواحد واجباً
من حیث ومحرّماً من حیث آخر، کال ّ ص لاة فی الدار المغصوبۀ، فیقال هنا کذلک، بأن الرکوع- مثلًا- واجب نفسی من حیث کونه
صلاة وغیري من حیث کونه مقدّمۀ.
__________________________________________________
(1)
صفحۀ 146 من 211
. کفایۀ الاصول: 90
ص: 256
وجه الإندفاع هو: إن المقدّمیّۀ فیما نحن فیه علّۀ للوجوب، ولیست بموضوعٍ للوجوب.
وبهذا البیان یتحقق المانع عن وجوب المقدّمۀ الداخلیّۀ.
جواب المحقّق النائینی … ص: 256
أنّ الوجوب النفسی غیر الوجوب الغیري، کما هو واضح، والتغایر بینهما لا ینکر، لکنْ لا نسلّم لزوم اجتماع :«1» وذکر المحقق النائینی
المثلین، وذلک: لتعدّد الملاك، ثم اندکاك أحدهما فی الآخر.
وتوضیحه: إن کلّاً من أجزاء ال ّ ص لاة یتوفَّر فیه ملاکان للوجوب، أحدهما: ملاك الناهویّۀ عن الفحشاء والمنکر، وهذا ملاك وجوب
الصّلاة بالوجوب النفسی، والآخر: ملاك المقدمیّۀ لتحقّق الصّلاة، وهذا ملاك الوجوب الغیري، لأنّ تحقّق الصّلاة موقوف علی تحقّق
الرکوع والسجود وغیرهما، فتکون الأجزاء مطلوبۀً بالطلب النفسی وبالطلب الغیري، ویکون الملاکان منشأً لتحقّق وجوبٍ أکید بعد
اندکاك أحدهما فی الآخر، ولا مانع من اتصاف الوجوب بالشدّة والتأکد.
ونظیره فی الفقه: وجوب صلاة الظهر ومطلوبیّتها بملاکین هما: فریضۀ الظهر ووجوبها نفساً بملاکه، وأنّه لو لم یصلّ الظهر فصلاة
العصر باطلۀ، وهذان الملاکان یندك أحدهما فی الآخر، وتکون النتیجۀ شدّة مطلوبیّۀ صلاة الظهر.
وکذلک الحال فی موارد تعدّد العنوان ووحدة المعنون، کالعلم والهاشمیّۀ فی وجوب الإکرام، عندما یجتمع العنوانان فی الشخص
الواحد، إذ
__________________________________________________
.317 / 1) أجود التقریرات 1 )
ص: 257
یجتمع فیه ملاکان لوجوب الإکرام، لکنّ الطلب واحد مؤکّد یتحقق من اندکاك العنوانین.
فارتفع المانع والمحذور بهذا البیان.
جواب المحقق العراقی عن بیان المیرزا … ص: 257
بعدم امکان تحقّق الإندکاك مع اختلاف المرتبۀ، لأنه فرع الإجتماع، ولا اجتماع مع :«1» وأشکل المحقق العراقی علی البیان المذکور
اختلاف المرتبۀ، وما نحن فیه من هذا القبیل، لأنّ الموضوع هنا واحدٌ لا تعدّد له فی الوجود، ومرتبۀ الحکم بالوجوب النفسی متقدّمۀ
علی مرتبۀ الوجوب الغیري، لأنّ الوجوب الغیري ترشّح من الوجوب النفسی، فهو بمثابۀ المعلول للعلّۀ، وبین العلّۀ والمعلول اختلاف
فی المرتبۀ کما لا یخفی، وإذا کانا فی مرتبتین فلا یجتمعان، ومع عدم الإجتماع فلا اندکاك.
نعم، تارةً یکون الموضوع متعدّداً وتختلف المرتبۀ بینهما، کما هو الحال فی مسألۀ اجتماع الحکم الواقعی والظاهري، فهناك
موضوعان مترتّبان، ولکلٍّ منهما حکم، کأنْ یکون موضوع الحکم الواقعی هو الخمر بما هو خمر، وحکمه الحرمۀ، وموضوع الحکم
الظاهري هو الخمر بما هو مشکوك الخمریّۀ، وحکمه الحلیّۀ، ففی فرض تعدّد الموضوع ووجود الطولیّۀ بینهما، یمکن الجمع بین
الحکمین.
لکنّ ما نحن فیه لیس من هذا القبیل، بل الموضوع وجود واحد.
وقد یشکل علی قوله بوحدة الموضوع هنا، بناءً علی ما أسّسه من أنّ الموضوع المتعلِّق به الحکم لیس الخارج، بل هو الصّورة القائمۀ
صفحۀ 147 من 211
فی ذهن
__________________________________________________
.268 / 1) نهایۀ الأفکار 1 )
ص: 258
الحاکم وبالنظر الذي تُري خارجیّۀً، وعلیه: فإنّ الصور متباینات ویستحیل الوحدة بین صورةٍ وأخري، وإذا تعدّدت الصّورة فیما نحن
فیه، کانت صورة السجود والرکوع وغیرهما من الأجزاء، غیر صورة الکلّ المحقق منها وهو ال ّ ص لاة، ومع التعدّد، فلا اجتماع للمثلین
حتی یبحث عن الإندکاك.
فأجاب: بأنّ هذا التعدّد غیر مؤثّر، لأنه إنما یحصل فی مرحلۀ تعلّق الحکم، لکنّ ذا الصورة- وهو المطابَق الخارجی- واحد لا تعدّد
فیه.
وعلی أيّ حالٍ، فإنّ اجتماع المثلین لازم، والإندکاك محال.
جواب المحقق الإصفهانی عن بیان العراقی … ص: 258
بأنّه صحیحٌ أنهما فی مرتبتین، لکنْ بینهما معیّۀ فی الوجود، وبهذا یتمّ - «2» ( وتبعه فی (المحاضرات - «1» فناقشه المحقق الإصفهانی
الإندکاك، لأنه فی ظرف الوجود لا فی المرتبۀ.
وحاصل کلام المحاضرات: إن الاندکاك بین الحکمین إنّما لا یتصوّر فیما إذا کانا مختلفین زماناً، وأمّا إذا کانا مقارنین، فلا مناص
من الإندکاك ولا مانعیّۀ لاختلاف المرتبۀ، کما لو کان بیاض شیء علۀً لبیاضٍ آخر، فهنا لا یقع علی الجدار بیاضان بل بیاض واحد
شدید. هذا فی التکوینیّات. وفی الشرعیّات کذلک، کما لو نذر ال ّ ص لاة فی المسجد، فإنه لا ریب فی اندکاك الوجوب النذري فی
الوجوب أو الإستحباب النفسی، مع أنّ ملاك النذر- وهو رجحان المتعلّق- متأخّر رتبۀً عن ملاك الحکم النفسی، إلّاأنهما فی عرض
واحدٍ فی الزمان.
__________________________________________________
(1)
.24 / نهایۀ الدرایۀ 2
.300 / 2) محاضرات فی أصول الفقه 2 )
ص: 259
نظر الأستاذ … ص: 259
وتنظّر الاستاذ دام بقاه فیما ذکره المحقق الإصفهانی هنا بالنقض والحلّ: أمّا نقضاً، فبما قاله رحمۀ اللَّه تعالی علیه فی (تعلیقۀ
المکاسب) عند کلام الشیخ الأعظم فی مسألۀ بیع الحق علی من هو علیه، حیث ذهب قدّس سرّه إلی عدم إمکانه، معلّلًا بلزوم الاتّحاد
بأنّ المتقابلین اللّذین لا یقبلان الاتّحاد فی الوجود :«1» بین المسلَّط والمسلَّط علیه، وهو غیر معقول، فأشکل علیه المحقّق الإصفهانی
هما العلّۀ والمعلول، وأمّا المتضایفان، فبعض الموارد منهما یقبل الاتحاد والاجتماع فی وجود واحدٍ کالحبّ، حیث أنّ النفس الإنسانیّۀ
الناس مسلّطون » : تحبّ نفسها، فیجتمع المحبّ والمحبوب … والسّلطنۀ من هذا القبیل، ولا مانع من تسلّط الإنسان علی نفسه، وحدیث
وإنْ لم یکن له أصل عن رسول اللَّه، لکنّ معناه صحیح. « علی أنفسهم
وعلی هذا، فبناءً علی ترشّح الوجوب الغیري من الوجوب النفسی، یکون الوجوب النفسی علّۀً للوجوب الغیري، ولا یعقل الإندکاك
صفحۀ 148 من 211
والتأکّد، لعدم تعقّل الوحدة بینهما … فیتمّ ما ذکره المحقق العراقی بالنظر إلی کلام المحقق الإصفهانی فی حاشیۀ المکاسب، ولا یرد
علیه إشکاله هنا.
وأمّا حلّاً، فلقد اختلط الأمر علی هذا المحقق، بین الوجوبین وبین متعلّقی الوجوبین، فمتعلّق الوجوب الغیري هو الجزء، ومتعلَّق
الوجوب النفسی هو الکلّ، والتقدّم والتأخّر بینهما طبعی ولیس من قبیل العلّۀ والمعلول، وفی التقدّم والتأخّر الطبعی یمکن الوجود
بوجود واحدٍ مثل
__________________________________________________
.55 / 1) الحاشیۀ علی المکاسب 1 )
ص: 260
الواحد والاثنین … أمّا المورد الذي یکون فیه أحد الوجودین ناشئاً من الوجود الآخر، فلا یعقل الاتّحاد فی الوجود، لأنّ أحدهما هو
المؤثّر والآخر هو الأثر، والوحدة بین الأثر والمؤثّر والظل وذي الظل، فی الوجود، محال، ولا یعقل الإندکاك.
وبهذا البیان یتّضح ما فی کلام (المحاضرات) من النظر والإشکال، ففی مثال البیاض الذي ذکره: إن کان بینهما نسبۀ العلیّۀ والمعلولیّۀ
کما هو مفروض بحوثهم فی المقام، فلا یعقل الاتحاد … ولکنَّ الحق عدم وجود هذه النسبۀ بین الوجوب الغیري والوجوب النفسی،
کما سیأتی تحقیق ذلک.
نفی الاندکاك بوجهین آخرین … ص: 260
لکنّ للمحقق الإصفهانی رحمه اللَّه طریقین آخرین لنفی الاندکاك:
أحدهما:
إنّ الأحکام أُمور اعتباریّۀ، والامور الاعتباریّۀ لا تقبل الشدّة وال ّ ض عف، وإنما الامور التکوینیّۀ هی التی تقبل ذلک، لأنّ التأکّد یستلزم
الحرکۀ من المرتبۀ الضعیفۀ إلی المرتبۀ الشدیدة، والحرکۀ إنما تعقل فی التکوینیّات، کالفاکهۀ، تتحرّك فی لونها وطعمها … وإذا
انتفی التأکّ د فی الحکم، فلا یعقل وجود الحکم الواحد الأکید علی أثر الإندکاك بین الحکمین. نعم، یعقل ذلک فی مبدء الحکم
وهو الإرادة، فإنها قابلۀ للصعود من الضعف إلی الشدّة، وحصول التأکّد فیها.
مناقشۀ الأستاذ الوجه الأوّل … ص: 260
وناقشه شیخنا دام بقاه بالنقض والحلّ. أمّا نقضاً: فأورد کلام المحقق
ص: 261
«2» حیث ذکر هناك- فی بحثٍ له مع السیّد قدس سره، القائل بکون الحق هو الملک ،«1» الإصفهانی فی رسالۀ الحق والحکم
إن الامور الواقعیّۀ علی قسمین، فمنها: الامور الواقعیّۀ التی لا مرتبۀ لها فی الخارج، «3» والمیرزا القائل بکونه مرتبۀً ضعیفۀً من الملک
ومنها: الامور الواقعیّۀ ذات المرتبۀ فی الخارج والقابلۀ للشدّة والضعف، (قال) والاعتباریّات هی نفس الواقعیّات، لکنّ المعتبر یعطیها
لیست من هذا القبیل، فلا یعقل « الملکیّۀ » الوجود الاعتباري، فلا مانع من قبولها للشدّة والضعف إن کانت ذات مرتبۀ. (قال) غیر أنّ
غیر صحیح. « الملکیّۀ » مرتبۀ من « الحق » فیها الشدّة والضعف، فجعل
إمّا من مقولۀ الجدة، وإمّا من مقولۀ الإضافۀ، وعلی « الملکیّۀ » فتلخّص: إنه یوافق علی الکبري، غیر أن بحثه مع السیّد صغروي، لکون
کلّ تقدیر، فلا یعقل أن یکون لها المرتبۀ.
وإذا کان یري صحّۀ الکبري، فإنّها منطبقۀ فیما نحن فیه، لأنّ الوجوب علی مسلکه- عبارة عن النسبۀ البعثیّۀ، وإذا کان البعث الإعتباري
صفحۀ 149 من 211
فی الحقیقۀ اعتباراً للبعث والتحریک الخارجی، فمن الواضح أن البعث الخارجی ذو مراتب ویقبل الشدّة والضعف، فیکون ما یأخذه
المعتبر فی عالم الاعتبار کذلک.
__________________________________________________
(1)
.43 -42 / حاشیۀ المکاسب 1
. 2) الحاشیۀ علی المکاسب للسید الیزدي: 57 )
.111 / 3) منیۀ الطالب فی الحاشیۀ علی المکاسب 1 )
ص: 262
إنه لیس معنی الإندکاك أن یوجد وجوب ضعیف ثم یتحرّك نحو الشدّة، بل القائل بالإندکاك یقول بوجود الملاکین، وأن
الملاکین یوجبان علی المعتبر أنْ یعتبر المرتبۀ الشدیدة الأکیدة من البعث.
فما ذکره طریقاً لبطلان الاندکاك مردود.
الوجه الثانی والموافقۀ علیه … ص: 262
إنه لا یعقل الإهمال فی متعلَّق البعث بل لابدَّ من تعیّنه بالضرورة، وحینئذٍ، فلا یخلو أن یتعلَّق البعث الأکید الحاصل من الاندکاك، إمّا
بالأجزاء، یعنی بکلّ واحدٍ لا بشرط عن الإنضمام إلی سائر الأجزاء، وإمّا بکلّها، أي کلّ الأجزاء أو کلّ واحدٍ بشرط الإنضمام. فإنْ
کانَ المتعلَّق هو الجزء، فالمفروض أنّ الجزء لم یجب بالوجوب النفسی، وتعلّق البعث الأکید به یکون من تعلّق الحکم بشیء لا
ملاك له، لأنّ ملاك وجوب الجزء هو الملاك الغیري، وملاك الوجوب الغیري لا یقتضی أزید من الطلب الغیري … فلیس متعلَّق
البعث الأکید هو الجزء، ولا الأجزاء لا بشرط عن الإنضمام.
وإنْ کان المتعلَّق له هو الکلّ، فإنّ الکلّ لیس له إلّاملاك الوجوب النفسی، والبعث الأکید تابع لکلا الملاکین.
وبهذا یظهر: إنه لو اتّصفت الأجزاء بالوجوب النفسی والغیري معاً، وهی موجودة بوجود الکلّ، یلزم اجتماع المثلین، ولو ارید حلّ
مشکلۀ الإجتماع بالإندکاك، فإنّه- وإن کان قابلًا للتصوّر، وهو واقع فی مثل إکرام العالم الهاشمی- غیر منطبق هنا، لأن الحکم تابع
للملاك، وحدّ الملاك معلوم، ولا یمکن زیادة الحکم علی الملاك.
وتلخّص: إنّ هنا وجوباً واحداً فقط، فإمّا النفسی وإمّا الغیري، فقال المحقق الخراسانی: لیس هنا إلّاالوجوب النفسی- وإن کان ملاك
الوجوب الغیري بالنسبۀ إلی الأجزاء موجوداً- لسبق الوجوب النفسی. ثم أمر رحمه اللَّه بالتأمّل.
ص: 263
وأوضح- فی (حاشیۀ الکفایۀ)- وجه التأمّل، بالإشکال فیما ذکره فی المتن من تعدّد الملاك، بأنه لمّا کانت الأجزاء الداخلیّۀ وجودها
بعین وجود الکلّ، فلیس لها وجود منحاز عن الکلّ، حتی یکون لها ملاك یقتضی المطلوبیّۀ الغیریّۀ لها، وإنّما التعدّد بین الأجزاء
والکلّ اعتباري فقط، وإذ لیس فی المقام ملاك للوجوب الغیري، فلا وجه للقول بأنّ الوجوب النفسی هو الواقع، لسبقه، بل هو موجود
لوجود الملاك له، والغیري غیر موجود لعدم وجود الملاك له.
أیضاً إشکال، لأنه علی فرض وجود الملاك للوجوب الغیري، فالتعلیل المذکور غیر صحیح، لعدم تعقّل السبق « لسبقه » هذا، وفی قوله
بلا لحوق، لکونهما متضایفین، فسبق الوجوب النفسی مستلزم للحوق الوجوب الغیري، والحال أنّ الوجوب الغیري محال، للزوم
اجتماع المثلین … وهذا الإشکال وارد علیه ولا جواب عنه.
بل الصحیح أنْ یقال بوجود وجوبٍ واحدٍ وهو النفسی، لوجود المقتضی له وعدم المانع عنه، أمّا المقتضی فالملاك، وأمّا عدم المانع،
صفحۀ 150 من 211
فلأنّه لا یوجد ما یصح لأنْ یکون مانعاً عن تأثیر الملاك النفسی فی الوجوب، وأمّا الوجوب الغیري فإنّ لزوم اجتماع المثلین یمنع عن
تحقّقه.
لا یقال: لا محذور فی اجتماع المثلین فی الامور الإعتباریّۀ.
لأنّا نقول: بأنّ لزوم المحال فی المنتهی واضح جدّاً، لأن البعث یقتضی الإنبعاث، وتحقّق الإنبعاثین نحو الشیء الواحد غیر معقول،
فوجود الوجوبین محال، وحصول الوجوب الواحد المؤکّد محال.
هذا تمام الکلام فی هذا المقام … ویبقی الکلام فی ثمرة هذا البحث:
ص: 264
ثمرة البحث عن اتصاف الأجزاء الداخلیۀ بالوجوب الغیري … ص: 264
قالوا: إن ثمرة البحث عن أنّ الأجزاء الداخلیّۀ تتّصف بالوجوب الغیري أو لا، تظهر فی مسألۀ انحلال العلم الإجمالی وعدمه. ففی
موارد العلم الإجمالی- حیث یکون وجوب الأقل معلوماً ووجوب الأکثر مشکوك فیه- تجري البراءة عن الأکثر، وهنا، إنْ قلنا بوجوب
الأجزاء بالوجوب الغیري، تکون هی الأقل المتیقّن، لأنّها تجب، إمّا بالوجوب النفسی المتعلّق بالکلّ، وإمّا بالوجوب الغیري المتعلّق
بها، وأمّا إن قلنا بعدم وجوبها بالوجوب الغیري، فلا ینعقد العلم الإجمالی بالبیان المذکور.
فهل هذه الثمرة مترتّبۀ أو لا؟
لقد ذکر الشیخ الأعظم قدّس سرّه- لانحلال العلم الإجمالی بین وجوب الأقلّ ووجوب الأکثر الإرتباطیین- تقریبین: أحدهما: هو
التقریب المتقدّم، وحاصله: کون الأقلّ معلوم الوجوب بالعلم التفصیلی الجامع بین الوجوبین، ویکون الشک فی الأکثر- الزائد- بدوّیاً.
والثانی: إن نفس الوجوب النفسی المعلوم بالإجمال یشتمل علی ما هو معلوم بالتفصیل وهو الأقل، لکونه فی ضمن الأکثر، ویکون
الأکثر الزائد علیه مشکوکاً فیه.
فعلی التقریب الأوّل یتصوّر الثمرة فی المقام.
جعل مرکز ترتّب الثمرة علی عکس التقریب الأوّل، فقال بالإشتغال بناءً علی القول بوجوب الأجزاء «1» لکنّ المحقق العراقی
بالوجوب الغیري، لأنّه بناءً علیه لا ینحلّ العلم، مثلًا: إنّا نعلم إجمالًا بوجوب ال ّ ص لاة إمّا مع السّورة وإمّا بدونها، ومن هذا العلم یتولَّد
علم آخر، وهو وجوب الأقل- أي
__________________________________________________
.269 / 1) نهایۀ الافکار 1 )
ص: 265
ال ّ ص لاة بلا سورة- إمّا بالوجوب النفسی وإمّا بالوجوب الغیري، وذلک لأنّ الوجوب الغیري للأقل مترشّح من الوجوب النفسی المتعلّق
بالأکثر، وأن تعلّقه بالأکثر علّۀ لوجوب الأقل وجوباً غیریّاً، فکان هذا العلم الإجمالی معلولًا للعلم الإجمالی الأوّل، وإذا تنجّز التکلیف
بالنسبۀ إلی الأکثر بالعلم السّ ابق، فلا یعقل انحلاله بعد ذلک بالعلم اللّاحق المتولّد منه. وبعبارة أُخري، فإنه لا یعقل زوال العلّۀ
بالمعلول.
والحاصل، إنه بناءً علی القول بوجوب الأجزاء بالوجوب الغیري، لا ینحلّ العلم، وتکون النتیجۀ الإحتیاط لا البراءة.
.«1» ( وهذا الذي ذکرناه هو مقصود المحقّق العراقی، لا ما نسب إلیه فی (المحاضرات
رأي الأستاذ … ص: 265
صفحۀ 151 من 211
وبعد أن ذکر الاستاذ کلام القوم قال: بأنّ الحق عدم ترتّب الثمرة، لأنّ مناط تنجیز العلم الإجمالی للأطراف هو جریان الاصول فیها
وتساقطها بالمعارضۀ، فلو جري الأصل فی طرفٍ بلا معارض له فی غیره، فلا موضوع للعلم الإجمالی، وعلمنا فی دوران الأمر بین
الأقل والأکثر یعود- فی الحقیقۀ- إلی أنّه هل الواجب هو الأجزاء التسعۀ لا بشرط الجزء العاشر وهو السورة حسب الفرض، أو أنها
تجب بشرط السّورة، فیدور أمر الأجزاء التسعۀ بین أنْ تکون مطلقۀً عن السورة أو مقیَّدة بها، لکنّ جریان أصالۀ البراءة عن الإطلاق لا
موضوع له، لأنّ الإطلاق لیس بکلفۀٍ حتی یُرفع بحدیث الرفع امتناناً، بل التقیید فیه الکلفۀ علی المکلَّف وفی رفعها الإمتنان علیه…
إذن،
__________________________________________________
.301 / 1) محاضرات فی أصول الفقه 2 )
ص: 266
فلا مجري للأصل فی أحد الطرفین، ویکون جاریاً فی الطرف الآخر بلا معارض.
(قال) غایۀ ما یمکن أن یقال: إنّ القول بوجوب الأجزاء وجوباً غیریّاً شرعیّاً، یجوّز للفقیه أن یفتی بذلک، ویجوز حینئذٍ قصد وجوبها
علی المبنی، وأمّا علی القول بالعدم، فلا یجوز الفتوي بذلک، ویکون الإتیان بها بقصد الوجوب تشریعاً.
هذا تمام الکلام فی المقدّمات الداخلیّۀ، وقد ظهر أنها غیر داخلۀ فی البحث.
ص: 267
تقسیم آخر … ص: 267
وتنقسم المقدّمۀ إلی: مقدّمۀ الوجوب، ومقدّمۀ الوجود، ومقدّمۀ الصحّۀ، ومقدّمۀ العلم أو: المقدّمۀ العلمیّۀ.
أمّا مقدّمۀ الوجوب، فهی شرط التکلیف، کالإستطاعۀ بالنّسبۀ إلی وجوب الحج، وهذا القسم خارج عن البحث، لأنه ما لم یجب ذو
المقدّمۀ فلا وجوب للمقدّمۀ، فإذا وجب ذو المقدمۀ، کان وجودها حاصلًا من قبل، فلا یعقل تعلّق الوجوب بها.
وأمّا المقدّمۀ العلمیّۀ، فهی المقدّمۀ الموجبۀ لعلم المکلَّف بحصول الإمتثال وفراغ الذمۀ عن التکلیف، کال ّ ص لاة إلی الجهات الأربع،
ووجوبها عقلی من باب قاعدة الفراغ، ولیس شرعیّاً، وبحثنا فی مقدمۀ الواجب إنما هو عن وجوبها شرعاً، وممّا یؤکّ د ذلک: أن
المقدّمۀ العلمیۀ، یدور أمرها بین الواجب النفسی وغیر الواجب، لأن احدي الصّلوات هی الواجب النفسی، والثلاثۀ البقیّۀ لیست بواجبۀ
أصلًا، لا نفساً ولا غیریّاً.
ومقدّمۀ الوجوب داخلۀ فی البحث، کما هو واضح، لأن بحثنا عن الوجوب الغیري المترتب علیه المطلوب النفسی.
ومقدّمۀ الصحّۀ ترجع إلی مقدّمۀ الوجود، لأنّ معنی مقدمۀ الصحّۀ مقدمۀ تحقق المأمور به.. فهی داخلۀ کذلک.
ص: 268
تقسیم آخر … ص: 268
وتنقسم المقدّمۀ إلی: المقدّمۀ العقلیّۀ، والمقدّمۀ الشرعیّۀ، والمقدّمۀ العادیّۀ.
أمّا العقلیّۀ فداخلۀ فی البحث، کطیّ المسافۀ للحج، فإنّه یتوقّف علی طیّ المسافۀ والسفر، وحینئذٍ یبحث عن وجوبها شرعاً وجوباً غیریّاً.
وأمّا الشرعیّۀ، فهی المقدّمۀ لحصول المأمور به وتحقّقه بأخذٍ من الشارع، کالطهارة بالنسبۀ إلی الصّلاة، لکنْ بعد أخذه وحکمه بامتناع
الصّلاة بلا طهارةٍ تصیر هذه المقدّمۀ عقلیّۀً، إذ العقل یحکم بلزوم الإتیان بها، تحصیلًا للإمتثال وخروجاً عن الإشتغال.
وأمّا العادیّۀ، فإنْ کان المراد منها ما جري علیه العرف والعادة فی کونه طریقاً ومقدّمۀً للوصول إلی ذي المقدّمۀ، فهی غیر داخلۀ فی
صفحۀ 152 من 211
البحث، وإنْ کان المراد ما لا یمکن الوصول إلی ذي المقدّمۀ عادة إلّابه، کنصْب السلّم للصعود إلی السطح، حیث أنّ الطیران محالٌ
عادةً- وإنْ لم یکن بمحالٍ عقلًا- فهی راجعۀ إلی المقدّمۀ العقلیّۀ، لأنّ الطیران غیر ممکنٍ من المکلَّف … فتکون حینئذٍ داخلۀً فی
البحث.
ص: 269
تقسیم آخر … ص: 269
وتنقسم إلی: المقدّمۀ السابقۀ، والمقدّمۀ اللّاحقۀ، والمقدّمۀ المقارنۀ.
وکلّ واحد من الأقسام، تارةً مقدّمۀ لمتعلّق الحکم، وأخري مقدّمۀ للحکم.
والحکم، تارةً: تکلیفی، وأخري: وضعی.
أمّا المقدّمۀ السابقۀ، کالإیجاب والقبول بالنسبۀ إلی الملکیّۀ، وکالطّهور بالنسبۀ إلی الصّلاة، بناءً علی أنه نفس الغسَلات والمسحات.
وأمّا المقدّمۀ المقارنۀ، کالطّهور بالنسبۀ إلی الصّلاة، بناءً علی أنه الأثر الحاصل من الغسلات والمسحات.
وأمّا المقدّمۀ السابقۀ، فسیتّضح الکلام حولها من خلال البحث عن المقدّمۀ المتأخّرة.
وأمّا المقدّمۀ المقارنۀ، فلا کلام فی دخولها فی البحث.
وأمّا المقدّمۀ المتأخّرة، کالإجازة فی عقد الفضولی بناءً علی الکشف، وهی المعبَّر عنها بالشرط المتأخر، فقد عقدنا لها فصلًا مستقلّاً،
لأهمیّتها وآثارها علماً وعملًا، وهذا تفصیل الکلام علیها:
ص: 271
الشّرط المتأخّر … ص: 271
اشارة
ص: 273
ولابدَّ من تنقیح مورد النزاع أوّلًا، ثم البحث ثبوتاً وإثباتاً.
إنّ الإشکال فی الشرط المتأخّر جارٍ فی شرط الحکم التکلیفی، وشرط الحکم الوضعی، وشرط المأمور به، فهو إشکال عامٌ، وتقریبه:
إن العلّۀ- سواء کانت بسیطۀ أو مرکّبۀ- فی مرتبۀٍ سابقۀٍ علی المعلول، وهما مقترنان فی الزّمان…
وإن العلّۀ لابدّ وأنْ تکون مؤثّرة فی المعلول، وإلّا یلزم الخلف، وتأثیرها فیه موقوف علی وجودها، وإلّا فالمعدوم غیر مؤثر، فلا یعقل
حصول الأثر وهو المعلول، قبل حصول المؤثر والشرط فی تأثیره.
وبناءً علی ما ذکر، فإنّه فی حال تأخّر الشرط وسبق المعلول علی العلّۀ، لابدّ من الإلتزام بأحد أمرین، إمّا نفی نسبۀ العلیّۀ والمعلولیّۀ
بینهما، وهذا خلف، وإمّا أنْ یکون المعدوم مؤثراً فی الوجود، وهذا محال.
وإذا کان الإشکال بهذه الصّورة، فإنّه یعمّ الشرط المتقدّم أیضاً، لأنّ المفروض تأثیره فی وقتٍ لیس المشروط وذو المقدمۀ متحقّقاً
بعدُ، فإمّا أنْ تنفی العلّیۀ والمقدمیّۀ بینهما، وهذا خلف، وإمّا یقال بالتأثیر فی المعدوم، وهذا محال…
ولذا قال المحقق الخراسانی بعموم الإشکال للمقدّمۀ السابقۀ أیضاً.
ومن هنا أیضاً: أورد السیّد الطباطبائی الیزدي فی بحث الشروط الشرعیّۀ، بتوضیح کلام الجواهر- علی المنکرین للشرط المتأخر، بأنّ
إنکاره
صفحۀ 153 من 211
ص: 274
یستلزم إنکار الشرط المتقدّم أیضاً، لکنّ إنکاره باطل، لوجود الشرط المتقدّم فی التکوینیّات والشرعیّات، فلا مناص من قبول الشرط
المتأخّر، لوحدة المطلب بینهما … وقد سلّم صاحب الکفایۀ بهذا النقض.
هذا هو الإشکال العام.
وهو: ،«1» وأمّا الإشکال الخاص، فقد قرّره المحقق النائینی
إن القضایا الشرعیّۀ کلّها قضایا حقیقیّۀ لا خارجیّۀ، إذ الشارع یفترض الموضوع موجوداً، ویجعل الحکم للموضوع المفروض الوجود،
وإنّ الأساس لهذا الفرض من الشارع هو الواقع وهو تابع للواقع، والنسبۀ بینهما نسبۀ المعلول إلی العلّۀ، وإذا کان کذلک، کان کلّ
شرط موضوعاً، وکان کلّ موضوع شرطاً، وعلی هذا، ترجع الشروط إلی کونها موضوعات للأحکام، سواء التکلیفیّۀ أو الوضعیّۀ.
وعلیه، فالحکم لابدَّ وأن یتوجّه علی الموضوع المفروض الوجود بالفرض المتأثر بالواقع، لا بالفرض اللّا بشرط من الواقع، وعلیه،
فیکون الشرط المتأخّر محالًا، لأنّ المفروض کونه فی رتبۀ الموضوع، یلحظه الحاکم ویوجّه إلیه الحکم، وإذا کان متأخّراً لا یتحقّق
الرؤیۀ له والموضوعیّۀ للحکم.
آراء الأعلام فی الشرط المتأخّر … ص: 274
اشارة
وقد ذکرت وجوه لحلّ هذه المشکلۀ، وتصحیح الشرط المتأخّر:
رأي الشیخ الأعظم … ص: 274
ما حکاه المحقّق الخراسانی عن الشیخ الأعظم قدّس سرّه: من أنّ الشرط المتأخّر غیر معقول، وهنا لیس الشرط متأخّراً، وإنما یکون
الشیء
__________________________________________________
.188 / 1) أجود التقریرات 1 )
ص: 275
بوصف التأخّر شرطاً.
وفیه:
إنّ المستفاد من کلمات الشیخ بل صریحها، هو عدم الموافقۀ علی الشرط المتأخّر بأيّ شکلٍ کان، قال: ولذا قلنا بالإجازة وأنکرنا
الکشف مطلقاً، وأکّد علی أن هذه قاعدة عقلیّۀ، ولا یسعنا أن نؤمن بما لا نتعقّله.
علی أن ما نسبه صاحب الکفایۀ إلیه غیر رافع للإشکال، للزوم تأثیر المعدوم فی الموجود کذلک، فالإشکال یعود.
رأي السید الشیرازي … ص: 275
من أنّ الشرط المتأخّر فی الشرعیّات- کالإجازة «1» ما حکاه المحقق الخراسانی والسیّد فی (حاشیۀ المکاسب) عن المیرزا الشیرازي
فی عقد الفضول، وغسل المستحاضۀ باللّیل لصومها- إن کان بوجوده الزمانی شرطاً للحکم أو متعلّق الحکم، فالإشکال وارد، لکن
الشرط فی هذه الموارد هو الشرط بوجوده الدهري، والوجود الدهري العقلی مقارن للمشروط ولیس بمتأخّر.
صفحۀ 154 من 211
وتوضیحه: إن الموجودات کلّها مجتمعۀ فی عالم التجرّد، وهو عالم ما فوق الزمان، المعبّر عنه أیضاً بعالم العقل وبوعاء الدهریات
ووعاء المجرَّدات، وحینئذٍ، یکون بینها التقارن ولیس التقدّم والتأخّر.
وفیه:
إن الخطابات الشّرعیۀ ملقاة إلی العرف، فعلی فرض التسلیم بما ذکر من حیث أصل المطلب- وکلّه مخدوش- فإنّ العرف لا یفهم
الوجود الدهري
__________________________________________________
1) ونقل المحقق العراقی عمّن سمع السید الشیرازي أنه ذکر ذلک علی وجه الإحتمال. )
ص: 276
أصلًا، بل یري الموجود الزمانی، فالإجازة الموجودة فی الزمان وفی عالم التحقّق، هی المؤثّرة عند العرف العام. هذا أوّلًا.
وثانیاً: إنه یعتبر فی الشرط أن یکون مقدوراً للمکلَّف، فالغسل من المرأة مقدور إن وجب علیها إیجاده فی الزمان وهو اللیل، وأمّا
الموجود فی دعاء الدهر، فأيّ قدرة لها علیه کی تکون مخاطبۀً به؟
رأي المحقق النراقی … ص: 276
من أنّ الشرط لابدّ وأنْ یتحقّق، فلاریب فی لزومه، أما اشتراط کونه مقارناً للمشروط فغیر لازم. ،«1» ما ذکره المحقق النراقی
وفیه:
إن هذا إلتزام بالإشکال، لأن البحث هو فی أن المتأخّر شرط أو لا؟ إن لم یکن جائزاً کونه شرطاً، فلا یعقل أخذه من قبل الحاکم،
لکنّ أخذه له دلیلٌ علی دخله فی حکمه وتأثیره فی اتّصاف الصّوم من المرأة بال ّ ص حۀ، فکیف تحقّق الصحّۀ للصّوم الآن، وشرطه-
وهو الغسل- یأتی فی اللّیل؟ کیف یحصل الأثر قبل مجیء المؤثّر وتحقّقه؟
رأي السید الیزدي … ص: 276
من أنّ الشرط السابق وکذا الشرط المتأخّر، موجود فی التکوینیّات وفی الشرعیّات، مثلًا «2» ( ما ذکره السیّد فی (حاشیۀ المکاسب
نقول: هذا الیوم أوّل الشهر، فیوصف بالأوّلیۀ وتحقق له بالفعل، مع أنّ کلّ أوّلٍ فله آخر، وآخر الشهر لم یوجد بعدُ، ومع کونه معدوماً
فالأوّل موجود. وکذا فی
__________________________________________________
. 1) مناهج الأصول والأحکام: 50 )
173 ، الطبعۀ المحققۀ. / 2) حاشیۀ المکاسب 2 )
ص: 277
المرکّبات الخارجیّۀ، نري أنّ الجزء الأخیر دخیل فی صحۀ الجزء الأوّل وترتّب أثره علیه، مع أنه غیر موجود حین وجود الأوّل … هذا
فی العقلیّات والتکوینیّات، وکذلک الحال فی الشرعیّات، حیث یکون الإیجاب مقدمۀً لترتّب الملکیّۀ علی القبول المتأخّر عن الإیجاب

وحلّ المطلب هو: إن المستحیل کون المعدوم مؤثّراً، وأمّا کونه دخیلًا فی التأثیر، فلا استحالۀ فیه، بأنْ یکون الأثر من المقارن، ویکون
« التاء » وتأثیر ،« التاء » موقوف علی مجیء « الباء » هی المؤثّرة فی الملکیّۀ، لکنَّ تأثیر « بعت » المتأخّر دخیلًا فی تأثیر المقارن، فصیغۀ
علیها، فکان المتقدّم دخیلًا فی تأثیر المتأخر وکذا العکس … فهو دخلٌ فی التأثیر، ولیس هناك علیّۀ « الباء » موقوف علی تقدّم
صفحۀ 155 من 211
ومعلولیّۀ.
وفیه:
کیف یکون المعدوم دخیلًا فی تأثیر الموجود غیر إخراجه الأثر من المؤثّر من القوّة إلی الفعل، ألیس للخروج من القوّة إلی الفعل
منشأ؟ إن قلتم:
لا، لزم صدور المعلول من غیر علّۀ، وهو محال، وإن قلتم: نعم، فکیف یکون الخروج من القوّة إلی الفعلیّۀ فی زمانٍ سابق علی وجود
المخرج من القوّة إلی الفعلیّۀ؟ کیف یکون حصول الموجود من المعدوم؟
رأي صاحب الکفایۀ … ص: 277
ما ذکره المحقق الخراسانی- بعد أنْ عممّ الإشکال للمقدّمۀ السّابقۀ أیضاً، ببیان: أنّ الإشکال فی المتأخّر هو تأخّر جزء العلّۀ عن
المعلول، وتقدّم جزئها کذلک، لأن العلّۀ والمعلول متقارنان.
وقد أشکل علیه الاستاذ- کما جاء فی (المحاضرات) أیضاً: بأنّ
ص: 278
المقدّمۀ السابقۀ مُعدّة ولیست بعلّۀ ولا جزءً للعلّۀ، حتی تکون مؤثّرة، وتقدّم المُعدّ لا محذور فیه، فالإشکال یختصّ بالشرط المتأخّر-
ولرأیه تقریبات:
التقریب الأوّل: إن الحکم أمر نفسانی، ولیس بخارج عن افق النفس،- سواء کان الإرادة المبرزة کما علیه المحقق العراقی، أو الاعتبار
الناشئ من الإرادة کما هو مسلک المحقق الخراسانی- ومقتضی البرهان العقلی القائم علی ضرورة السنخیّۀ بین العلّۀ والمعلول
والمقتضی والمقتضی، هو أن تکون مبادئ الحکم نفسانیّۀ أیضاً، وإذا کانت کذلک، فلیس مقدّماته ومبادؤه إلّا لحاظ الموضوع
والمحمول وقیود الموضوع، والتصدیق بالغایۀ، ولا ریب فی أنّ هذه کلّها مقترنۀ بالحکم ومتحققۀ فی ظرفه، ولیست بمقدّمۀ علیه ولا
متأخرة عنه.
إذن، رجع الشرط المتأخّر إلی المقارن، وارتفع الإشکال فی مثل الإجازة ونحوها.
التقریب الثانی: إنه لاشکّ فی أن الباعث والمحرّك فی الإرادة هو العلم والإدراك، وأمّا الخارج فلیس بمؤثّر یقیناً، ولذا لو کان الماء
موجوداً فی الخارج ولا یعلم به الإنسان- وهو عطشان- لم یتحرّك نحوه ومات عطشاً، فالمؤثّر بالوجدان للتحرّك هو الصّورة العلمیّۀ
والوجود اللّحاظی، وعلیه، فالمؤثّر فی الملکیّۀ هو الوجود العلمی للإجازة ولیس الوجود الخارجی، والمفروض تحقّق الوجود العلمی
فی ظرف المعاملۀ.
التقریب الثالث: إن الحکم لیس له مادّة وصورة، فهو یتحقّق بمجرّد تحقق العلّۀ له، وهو الفاعل والغایۀ- بخلاف الموجودات الخارجیّۀ
المادّیۀ، فإنّ تحقّقها یکون بالمادّة والصّورة والفاعل والغایۀ- وإذا کان المحقّق للحکم
ص: 279
هو العلّۀ الفاعلیّۀ والعلّۀ الغائیّۀ فقط، فمن المعلوم أنّ الغایۀ تتصوّر من الفاعل حین الحکم…
ما ذکره المحقق الخراسانی- بعد أنْ عممّ الإشکال للمقدّمۀ السّابقۀ أیضاً، ببیان: أنّ الإشکال فی المتأخّر هو تأخّر جزء العلّۀ عن المعلول،
وتقدّم جزئها کذلک، لأن العلّۀ والمعلول متقارنان … ص: 279
علی صاحب (الکفایۀ) فیما ذکره فی حلّ مشکل الشرط المتأخّر، ویعتمد إشکاله علی مقدّمتین: «1» وقد أشکل المیرزا
(المقدمۀ الأولی) فی الفرق بین القضیّۀ الحقیقیّۀ والقضیّۀ الخارجیّۀ، وأنّ القیود المأخوذة فی موضوع القضیّۀ الخارجیّۀ ترجع إلی علّۀ
صفحۀ 156 من 211
التشریع والحکم، دون القضیّۀ الحقیقیّۀ.
وتوضیح ذلک: إن العنوان المأخوذ فی القضیّۀ الخارجیّۀ إنما هو عنوان مشیر ولیس هو الموضوع للحکم، بل الموضوع هو الفرد
المشار إلیه بالعنوان، فلمّا یقال: أکرم من فی المدرسۀ، أو یقال: قتل من فی العسکر، فإنّه لا موضوعیّۀ للعنوان المذکور، بل لزید
وعمرو وهکذا غیرهما من الأشخاص، فکان الحکم متوجّهاً إلیهم، وعلّۀ الحکم هو العنوان، مثل الکون فی المدرسۀ والعسکر. أمّا فی
وکان تطبیقه « الصداقۀ » القضیّۀ الحقیقیۀ، فإن موضوع الحکم نفس العنوان، فإذا قال: أکرم من کان صدیقی، ترتّب الحکم علی عنوان
علی المصادیق بید المکلّف … بخلاف القضیّۀ الخارجیّۀ حیث یکون تطبیقه بید الحاکم.
وعلی هذا، فکلّ القیود المأخوذة فی طرف الموضوع فی القضیّۀ الخارجیّۀ ترجع إلی العلّۀ للحکم، وحینئذٍ، یکون ظرف فعلیّۀ الحکم
متّحداً مع ظرف الإنشاء، بخلاف الحال فی القضیّۀ الحقیقیّۀ، إذ یکون ظرف فعلیّۀ
__________________________________________________
.326 -325 / 1) أجود التقریرات 1 )
ص: 280
الحکم متأخّراً عن ظرف الإنشاء، لأن القید- کالإستطاعۀ فی الحج- قد لا یکون عند الإنشاء متحقّقاً.
(المقدمۀ الثانیۀ) فی مراتب الحکم، وهی عند صاحب (الکفایۀ) أربع:
الملاك، والإنشاء، والفعلیّۀ، والتنجیز، وأمّا عند المیرزا فاثنتان فقط، لأنه یري أنّ الملاك علّۀ للحکم، وعلّۀ الشیء خارجۀ عن الشیء،
وأن التنجیز إنما هو حکم العقل باستحقاق العقاب علی المخالفۀ، فلیس من مراتب الحکم…
وَلِلّهِ » : ویبقی الإنشاء والفعلیّۀ، أمّا الإنشاء، فهو مرحلۀ الجعل، وأمّا الفعلیّۀ فهو مرحلۀ فرض وجود الموضوع وقیوده، ففی قوله تعالی
«1 …» « عَلَی النَّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ
یجعل الحکم علی الموضوع المفروض وجوده وهو المستطیع، وإن لم یکن موجوداً عند الإنشاء أصلًا … هذا فی مرحلۀ الإنشاء. وأمّا
مرحلۀ الفعلیّۀ، فلابدّ من وجوده فی وعائه المناسب له من الخارج أو الإعتبار.
(وبعد المقدّمتین) یظهر أنّ الشرط فی القضیّۀ الحقیقیّۀ لیس إلّاشرط الحکم والجعل، لما تقدّم من اتّحاد الظّرف فیها بین الإنشاء
والفعلیّۀ، لکن القضایا الشرعیّۀ کلّها حقیقیّۀ، وفی الحقیقیّۀ شرائط للجعل وشرائط للمجعول، لاختلاف الظرف کما تقدّم، ولذا نري أن
الحکم مجعول قبل البلوغ، لکنّ فعلیّته هی بعد البلوغ، وعلی هذا، فیرد علی المحقق الخراسانی الإشکال بأنه:
قد خلط بین شرائط الجعل وشرائط المجعول، وبین القضیّۀ الخارجیّۀ والقضیّۀ الحقیقیّۀ، فإنّ الذي ذکره إنما یتمّ فی مرحلۀ الجعل
والإنشاء، فهناك یتحقّق لحاظ الموضوع وقیوده ولحاظ الحکم ویتحقق الإنشاء، وذلک شرط
__________________________________________________
. 1) سورة آل عمران: 97 )
ص: 281
حصول الجعل، ولیس فی القضیّۀ الخارجیّۀ شیء سوي ذلک، إلّاأنّ فی القضیّۀ الحقیقیّۀ طائفتین من الشرائط، فشرائط الجعل والإنشاء
غیر شرائط المجعول ومرحلۀ فعلیّۀ الحکم، فإنّ شرط فعلیّۀ الحکم هو الوجود الخارجی للموضوع المتصوّر بقیوده، وإذا کان کذلک،
صار الشرط موضوعاً، وحینئذٍ، فلو تأخّر الشرط لزم تقدّم الحکم علی موضوعه، وهذا محال.
والحاصل: إن کلامنا فی شرائط الحکم، أي فی شرائط فعلیّته، لا فی شرائط الإنشاء والجعل له … والوجود النفسانی علّۀ للجعل، ولیس
بعلّۀٍ للفعلیّۀ، بل العلّۀ للفعلیّۀ هی الوجود الخارجی الواقعی للموضوع فی افق الإعتبار.
إشکال المحاضرات علی المیرزا … ص: 281
صفحۀ 157 من 211
إن الأحکام الشرعیّۀ أمور اعتباریّۀ، ولا تخضع إلّالاعتبار من بیده الإعتبار، فلا تخضع :«1» وقد أورد علیه فی (المحاضرات) بما حاصله
لقوانین الموجودات التکوینیّۀ، وعلی هذا، فما یسمّی بالسبب أو الشرط- کالإستطاعۀ بالنسبۀ إلی الحج، والبلوغ بالنسبۀ إلی التکلیف،
ونحو ذلک- لیس بسببٍ أو شرط للحکم، وإنما هو الاعتبار فقط … وإذا کان کذلک، دار الأمر مدار کیفیّۀ الاعتبار، فکما یمکن
للشارع جعل الحکم علی موضوع مقیَّد بقیدٍ فرض وجوده فی زمان فعلیّۀ الحکم ومقترناً لها، کذلک یمکن له أن یجعل الحکم علی
موضوع مقیّدٍ بقیدٍ فرض وجوده، متقدّماً علی فعلیّۀ الحکم أو متأخراً عنها.
وعلی الجملۀ، فإنّ اللّازم فی القضیّۀ الحقیقیّۀ کون الموضوع مفروض
__________________________________________________
.315 -314 / 1) محاضرات فی اصول الفقه 2 )
ص: 282
الوجود بالفعل خارجاً بجمیع قیوده وشرائطه، أمّا أن یکون الموجود المفروض کذلک مقارناً فی الزمان لفعلیّۀ الحکم، فلا دلیل علیه،
ولیس بلازم، لأن الحکم أمر اعتباري یدور مدار کیفیّۀ الاعتبار، ومثاله فی العرفیّات هو الحال فی الحمّامات العمومیّۀ، فإنّ الحمّامی
یرضی الآن بدخول الشخص إلی الحمّام واستحمامه فیه، بشرط أنْ یدفع الاجرة لدي الخروج، فکان الرّضا منه فعلیّاً والشرط متأخّر…
وتأثیر الإجازة فی بیع الفضول من هذا القبیل، فإنّ الشارع یرضی بترتّب الأثر علی هذه المعاملۀ، لکن بشرط مجیء الإجازة، فتکون
الإجازة اللّاحقۀ محقّقۀ لهذه الحصّۀ من الملکیّۀ، لأن الشرط أثره تحقق طرف الإضافۀ فی الملکیّۀ.
توضیح الأستاذ رأي الکفایۀ … ص: 282
إن الکلام المذکور سابقاً من صاحب (الکفایۀ)، هو فی الأصل لحلّ مشکلۀ الشّرط المتأخر للمأمور به، أي الواجب، فأخذه المحقق
العراقی، وجعله حلّاً للمشکلۀ فی الواجب وفی الوجوب … ثم أصبح هذا الطریق أساس مبنی المتأخرین فی حلّ مشکلۀ الشرط
المتأخّر … ونحن نوضّح کلام المحقق الخراسانی قدّس سرّه فی نقاط:
الأولی: إن العناوین منها ذاتیّۀ ومنها غیر ذاتیّۀ، فالذاتی مالا یقبل التغیر، کإنسانیّۀ الإنسان، فهی لا تتغیّر بتغیّر الاعتبار ولا تختلف، وغیر
الذاتی یقبل ذلک، کالتعظیم، فقد تعتبر الحرکۀ الکذائیّۀ تعظیماً، وقد لا تعتبر بل تعتبر هتکاً.
الثانیۀ: تارةً: یکون للشیء دخل فی التأثیر، واخري: یکون له دخل فی التحدید، فما کان من القسم الثانی یمکن أن یکون حین دخله
فی التحدید
ص: 283
فالکلام ،« السؤال » معدوماً، بخلاف القسم الأوّل … مثلًا: یتکلّم الإنسان بکلامٍ یکون محدّداً لکلامٍ سابقٍ علیه لغیره، ویعطیه عنوان
موجوداً. « الجواب » فی وقت لم یکن ،« سؤالًا » قد أثّر فی الکلام السّابق فکان « الجواب » الذي جاء متأخّراً واتّصف ب
الثالثۀ: إنّ الحسن والقبح یختلفان بالوجوه والاعتبارات، فقد یتّصف الإنحناء من الإنسان بالحسن، إذا کان تواضعاً، وقد یتّصف بالقبح
إذا کان تملّقاً، وقد لا یتّصف بشیء منهما، کما إذا کان لرفع شیء من الأرض مثلًا.
ونتیجۀ هذه النقاط هی: إن المؤثّر فی الملاك لیس هو الشرط أصلًا، وإنما دخله فیه حصول الإضافۀ وتخصیص العنوان المطلق به،
فکما أنّ الإذن السّابق یح ّ صص البیع اللّاحق ویحدّده، وبذلک یکون البیع الصّادر لاحقاً من المأذون حصّۀً من البیع، ویصیر مضافاً إلی
المالک الآذن، مع أنّ الإذن معدوم عند ترتّب الأثر علی البیع، کذلک الإذن اللّاحق، فإنه محدّد وموجد للحصّۀ ومحقّق للإضافۀ، فکما
یضاف البیع إلی الإجازة السّابقۀ وصاحبها، کذلک یضاف إلی الإجازة اللّاحقۀ وصاحبها … وکذلک الحال فی الغسل، فإنّ أثره
صفحۀ 158 من 211
تحدید طبیعۀ الصوم بتلک الحصّۀ التی کانت موضوع الوجوب.
ومثال إفادة الشرط للتحدید والتحصیص فی العرفیّات، هو المثال المذکور فی التکلّم، وأیضاً مثل الإستقبال، فإنّ الخروج إلی خارج
البلد مثلًا یختلف بالوجوه والإعتبارات والأسباب، وأحدها أن یکون تکریماً للقادم، فالخروج بهذا القصد حصّۀ من الخروج- فی مقابل
الخروج بقصد التجارة مثلًا قد تعنون بعنوان الإستقبال، لکونه قد اضیف إلی قدوم الشخص مع أنه غیر قادم بعدُ، فکان الذهاب إلی
خارج البلد- الذي هو عنوان عرضی لا ذاتی
ص: 284
- معنوناً بعنوان الإستقبال بسبب ذاك الأمر المتأخّر، وهو قدوم الشخص…
فأصبح الأمر المتأخّر غیر الحاصل فعلًا، محصّصاً ومحدّداً للعنوان المتقدّم- وهو الذهاب- وموجباً لحسنه، ومحقّقاً للإضافۀ بینهما.
وهذا شرح لقول المحقّق الخراسانی بأن الشروط أطراف الإضافۀ فی الشروط الشرعیّۀ، ولکلام المحقق العراقی من أن المؤثر محدود
والشروط وظیفتها التحدید، ولیست بنفسها مؤثّرةً کی یقال بأن المعدوم لا یؤثّر فی الموجود.
إشکال الاستاذ … ص: 284
ثم أورد علیه الاستاذ: بأنّ الإضافۀ لیست بأمر اعتباري کی یقال بأنه یختلف بالوجوه والإعتبارات، بل هی أمر واقعی، والمتضایفان
متکافئان فی القوّة والفعل، ولا یعقل وجود الإضافۀ والمضاف فی وقتٍ یکون طرف الإضافۀ معدوماً، فالإضافۀ بلا طرفٍ خلف.
والنقض بالزمان، من الأمس والیوم والغد، حیث یضاف الیوم إلی الغد وإلی الأمس مع انعدامهما.
بأنّ تلک الإضافۀ ذهنیّۀ، وفی الذّهن یجتمع السّابق واللّاحق. ،«1» قد أجاب عنه الشیخ الرئیس فی الشفا
لکنّ المشکلۀ هی: أن هذه الإضافۀ خارجیّۀ.
فقیل: بأنّ الزمان وجود واحد متصرّم.
ساکتاً علیه: إن الحرکۀ وجود «2» وفیه: وإنْ ذکره المحقق الاصفهانی
__________________________________________________
150 ، الفصل العاشر، فی الزمان. -148 / 1) الشفا، الطبیعیّات 1 )
.46 / 2) نهایۀ الدرایۀ 2 )
ص: 285
واحد، لکنّ الإنسان عندما یتحرّك من مکانٍ إلی مکان، فهو متوسّط بین موجودٍ ومعدوم، فکیف یتحقق إضافۀ الموجود إلی
المعدوم؟
وعلی الجملۀ، فإن الحلّ الذي ذکره المحقق الخراسانی- وعمّمه المحقق العراقی- لا یجدي نفعاً لمشکلۀ الشرط المتأخّر، لأنّ الإضافۀ
بلا طرفٍ محال.
الإشکال علی کلام الحکیم … ص: 285
فی «2» ( وهو ما ذهب إلیه فی (حاشیۀ المکاسب «1» ( وبما ذکرنا یتضح الإشکال فیما ذکره السیّد الحکیم فی (حاشیۀ الکفایۀ
الکشف، فقال بأن تصویر الإضافۀ والمضاف مع عدم تحقّق المضاف إلیه غیر معقول، لکنّ المهمّ أنّه قد وقع الخلط بین الشرط
المقصود هنا، والشرط الذي هو جزء من أجزاء العلّۀ، فالشرط هناك مؤثر إمّا فی فاعلیّۀ الفاعل وإمّا فی قابلیّۀ القابل، وهکذا شرط
یستحیل تأخّره. لکن المراد من الشرط هنا لیس بهذا المعنی، بل بمعنی القید، والتقیید یمکن بالأمر السّابق واللّاحق والمقارن.
صفحۀ 159 من 211
توضیح النظر: إنّ التقیید یقابل الإطلاق، وهو لا یکون بلا ملاك علی مسلک العدلیّۀ، وإذا کان بملاكٍ فهو ذا دخلٍ وأثرٍ، فإمّا یکون
دخیلًا فی الملاك، وإمّا یکون دخیلًا فی فعلیّۀ الملاك وحصول الغرض.
إذن: إما یکون بلا دخل أصلًا، فهذا خلف، لأنه قید، وإمّا یکون ذا دخلٍ وأثر، فکیف یکون مؤثّراً فی الموجود وهو معدوم؟ فیعود
الإشکال.
مثلًا: الزّوال قید لوجوب صلاة الظهر، فما لم یتحقق لا ملاك للصّلاة
__________________________________________________
.229 / 1) حقائق الأصول 1 )
. 2) نهج الفقاهۀ: 230 )
ص: 286
ولا غرض متعلِّق بها، والطّهارة قید للواجب، وهو ال ّ ص لاة، فما لم تتحقّق الطّهارة لم تتحقّق فعلیّۀ الغرض من ال ّ ص لاة وإنْ کانت ذا
ملاك.
فإن أراد السیّد الحکیم من کون الشرط المتأخر قیداً: إنه قید للحکم، کأنْ یترتب الأثر علی عقد الفضول من حینه بالإجازة اللّاحقۀ من
المالک، فهو دخیل فی الملاك، فکیف یکون الشرط المتأخّر دخیلًا فی الملاك وهو متقدّم؟ وإنْ أراد منه کونه قیداً للواجب، کما
فی الغسل بالنّسبۀ إلی صوم المستحاضۀ- فإنّه قید للصّوم نفسه لا لوجوبه، لأن وجوبه متحقّق بدلیله، غیر أن الصوم لا یؤثر إلّامع
الغسل، ففعلیّۀ الأثر علیه متوقّفۀ علی الغسل- فیکون دخیلًا أیضاً، ودخل المعدوم فی الموجود محال.
الإشکال علی المحاضرات … ص: 286
وأمّا ما فی (المحاضرات) تبعاً للمحقق العراقی، من القول بأنّ أثر الشرط المتأخّر هو بیان الحصّۀ وبیان الحصّۀ کما یکون من المقارن
والمتقدّم، کذلک یمکن من المتأخر أیضاً، کما فی هذین المحقّقین وحاصل الکلام: کون الشرط المتأخر کاشفاً وبیاناً، ولیس دخیلًا
فی تحقق مقتضی العقد، لیرد اشکال تأثیر المعدوم فی الموجود.
علی أنَّ التخ ّ صص أمر واقعی ولیس باعتباري، .«1» ففیه: إن هذا ینافی مختاره فی الفقه، من أن الإجازة اللّاحقۀ دخیلۀ لا کاشفۀ فقط
فالإیمان یحصّص الرقبۀ واقعاً، والغسل المتأخر یحصّص الصّوم المتقدّم واقعاً، والتحصّص أثرٌ، فکیف یؤثّر المعدوم هذا الأثر؟
__________________________________________________
.134 / 1) مصباح الفقاهۀ 4 )
ص: 287
رأي السید البروجردي … ص: 287
اشارة
بأنّ الشرائط علی قسمین، فمن الشرائط: ما له دخل فی المأمور به، بأنْ یکون قیداً له بما هو مأمور به، «1» وقال السیّد البروجردي
کالوضوء بالنسبۀ إلی ال ّ ص لاة، فإنّها لولاه لیست مورداً للأمر، مع أنه غیر دخیل فی ذاتها. وحلّ المشکلۀ فی هذا القسم هو: إنّ اشتراط
ال ّ ص لاة وتقیّدها بالوضوء مقارنٌ لل ّ ص لاة ولیس متأخّراً، ولمّا کان التقیّد والإشتراط من الامور الإنتزاعیۀ، فإن الواجب هو نفس القید،
ولازم ذلک هو القول بالوجوب النفسی للقیود والشروط، سواء تقدّمت أو تأخّرت.
صفحۀ 160 من 211
قال الأستاذ …: ص: 287
إنه فی هذا القسم لم یأتِ بشیء جدید، فالمطلب نفس مطلب المیرزا، وقد تقدّم ما فیه من کون الشروط أجزاءً، وبحثنا فی الشرط
المتأخّر لا الجزء المتأخّر.
(قال البروجردي) القسم الثانی من الشرائط: ما له دخل فی انطباق عنوان المأمور به علی معنونه، حیث یکون المأمور به من العناوین
الإنتزاعیّۀ لا فی تحقق عنوان المأمور به، ولا مانع من أن یکون الشیء المتأخّر دخیلًا فی ذلک.
قال الأستاذ:
وفی هذا القسم أیضاً لم یأتِ بشیء جدید، فالمطلب نفس مطلب المحقق الخراسانی، ومثاله الإستقبال، وقد تقدّم أنه لا یحلّ المشکل
فی اعتبار الغسل بالنسبۀ إلی صوم المستحاضۀ، فإنّ عنوان الصّوم حاصل له ولا
__________________________________________________
.153 - 1) نهایۀ الأصول: 152 )
ص: 288
دخل للغسل، إنما الکلام فی توقف صحّته علی الغسل، فکیف یکون دخیلًا فیها وهو معدوم؟
رأي المحقق الاصفهانی وتبعه المحاضرات … ص: 288
اشارة
وفی (المحاضرات) إضافۀً إلی ما تقدّم: إن الشروط فی الإعتباریّات تختلف عنها فی التکوینیّات، کالإحراق مثلًا، فإنها فی الاعتباریّات
قیودٌ وتقیّدات، والتقیّد کما یکون بالسّابق والمقارن، کذلک یکون باللّاحق، ومثاله رضا الحمامی، کما تقدّم.
قال الأستاذ …: ص: 288
أصل المطلب من المحقق الإصفهانی، فإنّه جعل الامور ثلاثۀ:
العینیّات، والإنتزاعیّات، والجعلیّات، وقال: دخل المتأخّر المعدوم فی الاولی والثانیۀ غیر معقول، أمّا فی الثالثۀ، فمعقول.
لکن فی (المحاضرات) خلط الإعتباریات بمثل رضا الحمّامی، فإنّ رضا الحمّامی لیس من الامور الإعتباریۀ، بل هو صفۀ نفسانیّۀ،
وسیأتی وجه التأثیر فیه.
وأمّا قوله: بأنّه قید وتقیّد.
فنقول: هل یوجد تأثیر ودخلٌ للقید أو لا؟ إن کون الشیء قیداً لا یکون بلا ملاك، فلابدّ وأنْ یکون له خصوصیّۀ حتی یکون قیداً،
کالإیمان بالنسبۀ إلی الرّقبۀ، فإنْ کان بملاك، وقع البحث فی التقیید، هل أنه قید للحکم أو قید للمأمور به؟ وحینئذٍ یعود الإشکال،
لأنه- سواء کان الأول، کالإجازة بالنسبۀ إلی البیع، أو الثانی، کالوضوء بالنسبۀ إلی ال ّ ص لاة، والغسل بالنسبۀ إلی الصّوم من دخل
المعدوم فی الموجود.
ص: 289
وأمّا رضا الحمامی بغسل الشخص فی الحمّام، فلیس مشروطاً بدفع الاجرة فیما بعد، وإنما هو صفۀ نفسانیّۀ تحصل من علم الحمامی
بتحقّق دفع الشخص الاجرة فیما بعد.. فهی منبعثۀ من العلم المقارن لها، ولذا لو لم یکن عنده هذا الرضا لما سمح بالإغتسال إلّامع أخذ
صفحۀ 161 من 211
الاجرة من قبل … فمثال رضا الحمّامی من صغریات ما ذکره المحقّق الخراسانی من أن الشرط فی الامور النفسانیۀ هو العلم المقارن
بها، وإنْ کان المعلوم متأخّراً.
وأمّا معقولیّۀ دخل المعدوم فی الموجود فی الجعلیّات- کما ذکر المحقّق الإصفهانی- بأنْ یکون الأمر المتأخّر دخیلًا فی حصول
التخضّع والتخشّع للمولی … فنعم، فالإحترامات ونحوها من الامور الإعتباریّۀ یعقل دخل الأمر المتأخّر فی الأمر السّابق فیها، وحصول
عنوان الخضوع والخشوع له، بل إنه واقع إثباتاً، وقد سبقه إلی ذلک المحقق الخراسانی، ومثّل له بالإستقبال کما تقدّم.
لکنّ الکلام مع المحقق الإصفهانی فی تطبیق الکبري المذکورة علی مثل الغسل للمستحاضۀ، إذ کیف یکون الصّوم منها- وهی علی
حال القذارة- متعنوناً بعنوان الخضوع والخشوع من جهۀ تعقّبه بالغسل … فإنّ العقلاء لا یرون ذلک، بل الشارع نفسه یأمر بالتطهّر ثمّ
العبادة والخضوع والخشوع للَّه…
وهذا مورد البحث، وأنه کیف یکون الغسل المتأخّر سبباً للطّهارة حین الإتیان بالعمل المتقدّم؟
فما ذکره المحقق الإصفهانی لا یحلّ المشکلۀ.
هذا تمام الکلام فی الطرق المذکورة لحلّ المشکلۀ، وقد عرفت أنّ شیئاً منها لا یحلّ مشکلۀ الشرط المتأخّر، بل جاء عن السیّد الاستاذ
وما » : أنّه قال
ص: 290
.«1» « قیل فی تصحیحه من الوجوه التی عرفتها لا تغنی ولا تسمن من جوع
تحقیق الاستاذ فی الشّرط المتأخّر … ص: 290
ومن هنا، فقد سلک شیخنا الاستاذ مسلکاً آخر فی مسألۀ الشّرط المتأخّر، فقال دام بقاه: أمّا فی غسل المستحاضۀ فلا مشکلۀ … لأنّ
الفتوي باشتراط صومها بالغسل فی اللیلۀ الآتیۀ لا مستند لها أصلًا، لأنّ صحیحۀ ابن مهزیار:
کتبت إلیه: امرأة طهرت من حیضها أو دم نفاسها فی أول یوم من شهر رمضان، ثم استحاضت فصلَّت وصامت شهر رمضان کلّه، من »
غیر أن تعمل ما تعمله المستحاضۀ من الغسل لکلّ صلاتین، هل یجوز صومها وصلاتها أم لا؟ فکتب علیه السلام: تقضی صومها ولا
.«2» « تقضی صلاتها، لأن رسول اللَّه صلّی اللَّه علیه وآله کان یأمر المؤمنات من نسائه بذلک
غیر واضحۀ الدلالۀ علی اعتبار الغسل واشتراط صحّۀ الصوم به، بأن یؤتی به فی اللّیلۀ اللّاحقۀ للصوم.
وأمّا الإشکال فیها بالمنافاة لما دلّ من الأخبار وغیرها علی کون الزهراء الطاهرة علیها السلام بتولًا، وبأنها تدلّ علی التفصیل بین الصّوم
والصّلاة، وهو خلاف الإجماع القطعی، فیمکن دفعه بالتفکیک فی الحجیّۀ.
إنما الکلام فی قضیۀ إجازة المالک فی المعاملۀ الفضولیّۀ، ولابدّ فیها من لحاظ الأدلّۀ.
إنّه لا ریب فی أن مقتضی الظهور الإطلاقی للتقیّید بأيّ قیدٍ، والإشتراط
__________________________________________________
.127 / 1) منتقی الاصول 2 )
. 349 الباب 41 من أبواب الحیض، رقم 7 / 2) وسائل الشیعۀ 2 )
ص: 291
بأيّ شرطٍ من الشروط، هو المقارنۀ بین المقیَّد والقید، والشرط والمشروط … ولذا لابدّ من إقامۀ دلیلٍ خاصٍّ علی تأثیر الإجازة
اللّاحقۀ فی البیع الواقع قبلُ من طرف الفضول.
فإن ارید تصحیح ذلک بالحقیقۀ العقلیّۀ الفلسفیۀ، فهذا غیر ممکن، لکنّ الفرق بین الحقیقۀ العرفیّۀ والحقیقۀ العقلیّۀ واضح، ولذا نري
صفحۀ 162 من 211
أنّ البخار- مثلًا- مباین للماء عرفاً مع أنه ماء بالحقیقۀ العقلیّۀ، هذا من جهۀ، ومن جهۀٍ أخري، فإنّ المدار فی الامور الإعتباریۀ،
کالزوجیّۀ والملکیّۀ وغیرها من سائر أبواب العقود والإیقاعات، علی الحقیقۀ العرفیّۀ العقلائیّۀ، وحینئذٍ، فإنْ أمکن تصویر الإضافۀ بین
الإجازة اللّاحقۀ والبیع السّابق، إضافۀً حقیقیۀً عقلائیۀً، انحلّت المشکلۀ … فنقول:
تارة: یراد من الإجازة اللّاحقۀ أن تکون مؤثّرةً فی الملکیّۀ- التی هی الغرض من المعاملۀ- فهذا غیر معقول، واخري: یراد منها
تحصیص البیع وتحقیق الإضافۀ بینه وبین الإجازة اللّاحقۀ … فهذا من الجهۀ العقلائیّۀ ممکن، والإشکالات إنما نشأت من جعل
الإضافۀ حقیقۀً عقلیّۀ، وکذا جعل المضاف حقیقۀً عقلیّۀ، أمّا لو جعلنا المضاف حقیقۀً عقلائیّۀ، وکذا الإضافۀ فلا مانع…
والمرجع فی مثله هو الإرتکازات العقلائیّۀ.
« الجواب » متّصفاً بهذا العنوان قبل مجیء « السؤال » إنه وإنْ کان المتضائفان متکافئین فی القوة والفعل حقیقۀً عقلیّۀً، لکنّ العقلاء یرون
حقیقیّۀً عرفیّۀ، مع کونهما متضایفین.
وَسَبِّحْ بِحَمْدِ » : إضافۀ حقیقۀً عرفیّۀ، مع أن الغروب مثلًا غیر متحقق، وفی القرآن الکریم « الغروب » إلی « المجیء » وأیضاً، فإنّهم یضیفون
ص: 292
«1» « رَبِّکَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ
.إنه لا مانع عقلًا من أنْ تحقق الإضافۀ والمضاف الآن، ویکون مجیء المضاف إلیه فیما بعد، بأنْ تکون الإجازة اللّاحقۀ طرفاً للمعاملۀ
الواقعۀ الآن، والمؤثر هذه الح ّ ص ۀ من المعاملۀ … وهذا یرجع إلی نظر صاحب (الفصول) من أنّ العقد المؤثّر هو العقد المتعقّب
بالإجازة، أي العقد بوصف تعقّبه بالإجازة منشأ للأثر … ولکنّه مخالفٌ لظواهر الأدلّۀ الشرعیّۀ وللسیرة العقلائیۀ، حیث یري العرف
إِلَّا أَن تَکُونَ تِجَارَةً » والعقلاء کون الأثر للإجازة والرّضا اللّاحق، لا للعقد المتّصف بوصف التعقّب بالرّضا والإجازة … فالشارع یقول
«2» « عَن تَرَاضٍ
«3» « أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ » ووجوب الوفاء إنّما یکون حیث یضاف العقد إلی الشخص، لأن معنی
هو أوفوا بعقودکم.. فمشکلۀ النظر المذکور ترجع إلی مقام الإثبات من هذه الجهۀ.
للعقد قبل حصول الإجازة وتحقّقها؟ لأن التعقب عنوان « التعقب » وفی مقام الثبوت أیضاً إشکال وهو: أنه کیف یمکن تحقق وصف
إضافی، وتحققه موقوف علی تحقق طرفه…
إذن، فطریق صاحب الفصول وإن کان وجهاً من وجوه حلّ المشکلۀ من جهۀ الشرط المتأخر، لکنْ لا یمکن المساعدة علیه، لما یرد
علیه من الإشکال ثبوتاً وإثباتاً، فلا یصلح لتصحیح معاملۀ الفضول بالإجازة اللّاحقۀ، علی أساس أن تکون کاشفۀً وطریقاً إلی تحقّق
الملکیّۀ للمشتري…
والتحقیق أنْ یقال:
__________________________________________________
. 1) سورة طه: 130 )
. 2) سورة النساء: 29 )
. 3) سورة المائدة: 1 )
ص: 293
إن الإجازة اللّاحقۀ لها دخل فی تحقق الملکیّۀ للمشتري، لکنْ لا فی اعتبارها له، لأنّ الإعتبار مقارن للإجازة، بل إنها دخیلۀ فی
المعتبر، بأنْ تتحقّق الملکیۀ للمشتري، فیکون مالکاً من حین العقد، لکنّ الکاشف عن تحقّقها له هو الإجازة الواقعۀ فیما بعد، فیکون
اعتبار الملکیّۀ من حین الإجازة، والمعتبر وهو الملکیّۀ- من حین العقد.
صفحۀ 163 من 211
وتوضیح ذلک: إنه ما لم تأتِ الإجازة، فالعقد غیر منتسب إلی المالک، فإذا أجاز انتسب العقد إلیه، ومعنی إجازته للعقد: قبوله له
علی ما وقع علیه، والمفروض وقوعه علی أن تکون الدار مثلًا ملکاً من حین العقد للمشتري، فالإجازة تتوجّه إلی مقتضی العقد الواقع
من قبل … ثم إنّ الشّ ارع یمضی هذه الإجازة علی نفس الخصوصیّۀ، بأنْ یکون اعتبار الملکیّۀ للمشتري الآن وحین الإجازة،
والملکیّۀ- وهی المتعلَّق للإعتبار- واقعۀً حین العقد … فلم یکن من تأثیر المعدوم فی الموجود، وانحلّت مشکلۀ الشرط المتأخّر.. بناءً
علی الکشف.
وتبقی مشکلۀ اخري: وهی أنّ مقتضی قاعدة السّلطنۀ وغیرها من أدلّۀ الملکیّۀ الإختیاریّۀ والقهریّۀ، کون الدار ملکاً للمالک المجیز إلی
أن تکون الدّار ملکاً للمشتري من حین العقد، بالبیان المذکور، وحینئذٍ، تجتمع ملکیّتان « أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ » حین الإجازة، لکنْ مقتضی
علی المملوك الواحد فی الحدّ الفاصل بین العقد والإجازة، ولمن تکون النّماءات؟
هنا تحیّر مثل المیرزا، وجعل المقام من قبیل مسألۀ الخروج من الدار المغصوبۀ، حیث قال بعدم امکان القول باجتماع الوجوب والحرمۀ
فی الخروج، لأن کلّاً منهما تصرّف، بل یجب الخروج للتخلّص من الغصب…
ص: 294
ونقض بذلک علی مسلک المحقق الخراسانی.
لکنّ التحقیق هو الفرق بین الموردین، للفرق بین الأحکام التکلیفیّۀ والأحکام الوضعیّۀ، إذ الأولی تابعۀ للمصالح والمفاسد فی
المتعلّقات، والثانیۀ تابعۀ للمصالح والمفاسد فی نفس الإعتبار، فللخروج من الدار المغصوبۀ مصلحۀ تستلزم الوجوب ومفسدة تستلزم
الحرمۀ، زمانهما واحد، والمتعلّق واحد، فیلزم اجتماع الضدّین وهو محال … فلا مناص من القول بوجوب الخروج وعدم حرمته، لأنّ
المرکب للحکمین واحد، وهو غیر ممکن.
أمّا فیما نحن فیه، فالمرکب- وهو الإعتبار- متعدّد، فالإعتبار کان لملکیّۀ المشتري من السّابق إلی الآن، وهو اعتبار الفضول، ولکنّ
اعتبار المالک المجیز هو الملکیّۀ للمشتري من الآن، أي حین الإجازة حتی وقت العقد.
هذا … والمهمّ حلّ مشکلۀ الشرط المتأخّر، وقد تحقق ذلک.
أمّا مورد الغسل لصوم المستحاضۀ- ولیس فی الفقه مورد آخر غیره یکون ما هو المتأخر شرطاً للمکلَّف به- فلا یساعده مقام الإثبات،
کما تقدّم.
قال الأستاذ فی الدورة السابقۀ:
وکلّ موردٍ فی الفقه قام الدلیل علیه إثباتاً، فلابدَّ من رفع الإشکال الثبوتی فیه بلحاظ الحقیقۀ العرفیّۀ والبناء علیها، کما لو تزوّج
المریض فی مرضٍ لا یبرء منه، فإنْ دخل صحّ النکاح وإلّا فلا، فالدخول متوقّف علی النکاح، والنکاح علی الدخول، وهذا دور. وحلّ
المشکلۀ هو: أنّ الدخول شرط متأخّر، ومن حین تحقق النکاح مع الدخول المتأخر تعتبر الزوجیّۀ، فکان الدخول دخیلًا فی تح ّ صص
الحصّۀ.
ص: 295
وأیضاً: إذا مات المیّت غیر المسلم، وترك ابناً صغیراً له ووارث مسلم کبیر، وجب علی الکبیر الإنفاق علی الصغیر حتی یسلم عند
البلوغ، فإذا أسلم حینئذاك، کان مالکاً لما ترکه المیّت من حین الموت، وإن لم یکن هذا الولد الوارث مسلماً من ذلک الحین…
وإنْ لم یسلم عند البلوغ، انتقل الإرث إلی الوارث المسلم.
ص: 297
انقسام الواجب