گروه نرم افزاری آسمان

صفحه اصلی
کتابخانه
جلد سوم
الواجب النفسی والغیري … ص: 5







اشارة
ص: 7
وینقسم الواجب إلی النفسی والغیري.
وقد اختلف فی تعریفهما وبیان حقیقتهما:
تعریف الواجب النفسی والغیري
.« ما أُمر به لأجل غیره » والغیري ب « ما أُمر به لأجل نفسه » فقد اشتهر تعریف الواجب النفسی ب
فأشکل علیه الشیخ الأعظم: بأنّ هذا التعریف للواجب الغیري ینطبق علی کلّ الواجبات الشرعیۀ، لکونها مأموراً بها لأغراض تترتّب
علیها، لأنْ الأحکام تابعۀ للأغراض المولویّۀ.
تعریف الشیخ الأعظم والکلام حوله …: ص: 7
التعریف فقال: بأنّ الواجب النفسی هو ما وجب لا للتوصّل إلی واجبٍ آخر، والغیري ما وجب للتوصّل إلی «1» ولهذا فقد غیَّر الشیخ
صفحۀ 18 من 205
واجب آخر، أي: إن النفسی ما لم یکن الداعی لإیجابه التوصّ ل إلی واجب آخر، والغیري هو ما کان الداعی لإیجابه التوصّل إلی
واجب آخر.
توضیحه: إنّ الإیجاب عمل کسائر الأعمال الاختیاریّۀ، وکلّ عمل اختیاري فلا یصدر إلّاعن الداعی، فإنْ کان الداعی لإیجاب الشیء
التوصّل به إلی
__________________________________________________
. 1) مطارح الأنظار: 67 )
ص: 8
شیءٍ آخر، فهو الواجب الغیري، وإنْ لم یکن ذلک هو الداعی لإیجابه فهو الواجب النفسی، وهذا الواجب منه ما یکون مطلوباً لذاته،
وهو معرفۀ اللَّه، فإنّها واجبۀ ومطلوبیتها ذاتیّۀ، ومنه ما یکون مطلوباً ولیست مطلوبیّته للوصول إلی واجب آخر، بل من أجل حصول
غرضٍ یترتّب علیه، والعبادات أکثرها من هذا القبیل، وکذا التوصّلیات کلّها … لأنّ الأغراض لیست بواجبات.
وأورد علی الشیخ: بأنّ المفروض کون وجوب الصلاة- مثلًا- ناشئاً من الغرض، فهو الداعی لإیجابها، وحینئذٍ، فلابدّ وأنْ یکون
الغرض الداعی لزومیّاً وإلّا لم یصلح لأنْ یکون علّۀً لجعل الطلب الوجوبی، وإذا کان لزومیّاً کانت الواجبات- غیر معرفۀ اللَّه- واجبۀً
لواجبٍ آخر، فیعود الإشکال.
وقد أُجیب عن الإشکال: بأن الأغراض لیست بواجبۀ، لکونها غیر مقدورة للمکلّف، وکلّ ما لیس بمقدورٍ فلا یتعلّق به الوجوب.
بأنّها وإنْ کانت غیر مقدورة، إلّاأنّها مقدورة بالواسطۀ، وهی الواجبات الناشئۀ :«1» واعترضه صاحب (الکفایۀ) وتبعه السیّد الأُستاذ
عنها، فلمّا کان الأمر الواجب مقدوراً للمکلّف فالغرض الداعی لإیجابه مقدور، ولا یعتبر فی المقدوریّۀ أنْ تکون بلا واسطۀ، فالطهارة
مقدورة علی سببها وهو الوضوء، والمکلیّۀ مقدورة للقدرة علی سببها وهو العقد، وکذلک العتق مثلًا وهو الإیقاع.
فقال شیخنا: لکنّ هذا إنّما یتمُّ فی مورد الأسباب التولیدیّۀ کما مثّل، إذ لا یوجد فیها إلّاواجب واحد، فلا یوجد أمرٌ بالطهارة وأمر آخر
بالوضوء، بل هو أمر بالطهارة، وهو المحرّك للعبد نحو السبب التولیدي لها وهو الوضوء مثلًا، وللمستشکل علی الشیخ بأن الأغراض
غیر مقدورة أن یطرح الاشکال حیث
__________________________________________________
.212 : 1) کفایۀ الأُصول: 108 ، منتقی الأُصول 2 )
ص: 9
یتصوّر وجوبان، إذ الوجوب الغیري عنده ما وجب لواجبٍ آخر.
وأجاب المحقّق الخراسانی عن الإشکال: بأنّ من العناوین ما یکون حسناً فی نفسه، وإنْ أمکن کونه مقدّمۀً لأمر مطلوبٍ واقعاً، ومنها
ما لا یکون حسناً فی نفسه وإنّما یکون وجوبه لکونه مقدمۀً لواجب نفسی وإن اتّصف بعنوانٍ حسن فی نفسه. مثلًا: التأدیب عنوان
متّصف بالحسن، أمّا الضرب فلا یتّصف بنفسه بالحسن وإنّما یکون حسناً فی حال وقوعه مقدمۀً للتأدیب.
فکلّ ما کان من قبیل الأوّل فهو واجب نفسی، إذ قد لوحظ حسنه وقد أُمر به بالنظر إلی ذلک، وما کان من قبیل الثانی، أيلم یکن له
حسن فی نفسه، وإنّما تعلّق به الأمر من أجل التوصّ ل به إلی أمرٍ حسن، أو کان ذا حسن فی نفسه لکنّه لم یکن الأمر به بالنظر إلی
ذلک، فهو واجب غیري. فنصب السلّم لیس له حسن فی نفسه، وإنما یؤمر به من أجل الصعود إلی السطح- المفروض حسنه- فهو
«1» « إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ التَّوَّابینَ وَیُحِبُّ الْمُتَطَهِّرینَ » واجب غیري، بخلاف الوضوء، فله جهۀ حسنٍ، لأنّ اللَّه تعالی یقول
.«2» « الوضوء نور » : والإمام علیه السلام یقول
لا» فإنْ تعلّق به الأمر بالنظر إلی هذه الجهۀ کان مطلوباً نفسیّاً. أمّا إذا کان الأمر به لا بلحاظ ما ذکر بل بالنظر إلی شرطیّته للصّلاة وأنّه
صفحۀ 19 من 205
کان واجباً غیریّاً. «3» « صلاة إلّابطهور
قال: ولعلّه مراد من فسّرهما بما أُمر به لنفسه وما أُمر به لأجل غیره.
تعریف الکفایۀ والکلام حوله …: ص: 9
فکان تعریفه له: إنّ الواجب النفسی: ما وجب لحسنه، والواجب الغیري:
__________________________________________________
. 1) سورة البقرة: 222 )
377 الباب 8 من أبواب الوضوء. / 2) وسائل الشیعۀ 1 )
365 الباب الأول من أبواب الوضوء. / 3) وسائل الشیعۀ 1 )
ص: 10
.«1» ما وجب للتوصّل إلی ما هو حسن بنفسه
وما ذهب إلیه وإنْ سلم من الإشکال الوارد علی تعریف الشیخ، ولکنْ قد أورد علیه بوجوه:
الأول: إنّ أکثر الواجبات الشرعیّۀ غیر متّصفۀ بالحسن العقلی حتّی یقال بأنّها قد وجبت لحسنها، فإن کان حسنها من أجل ترتّب
المصلحۀ علیها، عاد إشکال کونها غیریّۀً لا نفسیّۀ. فما ذکره- من أنّ الواجب النفسی ما وجب لحسنٍ فی نفسه- غیر صادقٍ علی عمدة
الأحکام الشرعیّۀ.
والثانی: کلّ شیء تعنون بعنوان، فإمّا یکون عنواناً ذاتیّاً له، وإمّا یکون عنوان عرضیّاً له، لکنّ کلّ ما بالعرض فلابدّ وأنْ ینتهی إلی ما
بالذات … وحینئذٍ نقول:
إنّ العنوان الحسن بالذات عقلًا لیس إلّاالعدل، کما أنّ العنوان القبیح بالذات عقلًا هو الظلم، ولذا لا یزول الحسن عن العدل أبداً کما لا
ینفصل القبح عن الظلم أبداً، بخلاف مثل حسن ال ّ ص دق وقبح الکذب کما هو معلوم، وعلی هذا، فلابدّ وأن ینتهی حسن الواجبات
فینحصر الواجب الشرعی بهذا العنوان فقط، ولا واجب آخر غیره، وهذا ما لا یلتزم به صاحب الکفایۀ. « العدل » الشرعیّۀ إلی
فی کلّ واجبٍ من « الغیریۀ » وعنوان « النفسیۀ » والثالث: إنّه بناءً علی ما ذکره من مقدوریّۀ الأغراض مع الواسطۀ، یلزم أنْ یجتمع عنوان
الواجبات. أمّا الأوّل، فلفرض وجود الحسن فیه. وأمّا الثانی، فلکونه مقدّمۀ لحصول الغرض منه، فلم یتمحضّ واجب من الواجبات
الشرعیّۀ فی النفسیّۀ.
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الأُصول: 108 )
ص: 11
ولورود هذه الإشکالات علی تعریف المحقّق الخراسانی، سلک المحقّقون المتأخّرون طرقاً أُخري لدفع الإشکال الوارد علی تعریف
الشیخ.
طریق المیرزا … ص: 11
قال: إنّ الأغراض المترتّبۀ علی الواجبات تنقسم إلی ثلاثۀ أصناف:
-1 فمن الأغراض ما یترتّب علی الفعل الخارجی المأمور به من دون توسّط أمر بینهما، سواء کان اختیاریّاً أو غیر اختیاري، کما هو
الحال فی الأفعال التولیدیۀ، کالغسلات والمسحات بالنسبۀ إلی الطهارة، والعقد بالنسبۀ إلی الزوجیّۀ، والإیقاع بالنسبۀ إلی الطلاق مثلًا.
صفحۀ 20 من 205
وفی هذا القسم من الأغراض، لا مانع من تعلّق التکلیف بها، لکونها مقدورةً بالقدرة علی أسبابها.
-2 ومنها ما یترتّب علی الفعل الخارجی المأمور به، لکنْ بواسطۀ أمرٍ اختیاري من المکلّف، کالصعود علی السطح مثلًا، وفی هذا
القسم من الأغراض أیضاً لا مانع من تعلّق التکلیف بها، لکونها مقدورةً کذلک.
-3 ومنها ما یترتّب علی الفعل الخارجی المأمور به، لکن بواسطۀ أمر غیر اختیاري، بل تکون النسبۀ بینهما نسبۀ المعدّ إلی المعدّ له،
کحصول الثمرة من الزرع، المتوقّف علی أُمورٍ خارجۀ عن قدرة الزارع وإرادته.
فیقول المیرزا: والواجبات الشّرعیّۀ بالنسبۀ إلی الأغراض الواقعیّۀ من هذا القبیل، فالغرض من الصّلاة هو الإنتهاء عن الفحشاء والمنکر،
وترتّبه علیها موقوف علی أُمور بعضها خارج عن قدرة المکلّف … فالغرض غیر مقدورٍ للعبد فلا یعقل تعلّق التکلیف به.
فتلخّص: إنّه صحیح أنّ الواجبات الشرعیّۀ تابعۀ لمصالح لزومیّۀ، لکنْ
ص: 12
لیس کلّ غرض لزومی قابلًا لأن یتعلّق الوجوب به، بل القابل لذلک هو الاختیاري. فتعریف الشیخ صحیح لا یرد علیه الإشکال.
إشکال المحاضرات … ص: 12
بأنّ ما أفاده إنّما یتمّ بالإضافۀ إلی الغرض الأقصی من التکلیف، لوضوح أنّ الأفعال الواجبۀ بالنسبۀ :«1» ( وأورد علیه فی (المحاضرات
إلیها من قبیل العلل المعدّة، لفرض کونها خارجۀً عن اختیار المکلّف وقدرته، کما فی النهی عن الفحشاء الذي هو الغایۀ القصوي من
ال ّ ص لاة کما تقدّم. لکنّه لا یتم بالإضافۀ إلی الغرض القریب، وهو حیثیّۀ الإعداد للوصول إلی الغرض الأقصی، حیث أنّه لا یتخلَّف
عنها، فیکون ترتّبه علیها من ترتّب المعلول علی العلّۀ التامّۀ والمسبّب علی السبب. وبما أنّ السبب مقدور للمکلّف فلا مانع من تعلّق
التکلیف بالمسبّب، فیکون نظیر الأمر بزرع الحبّ فی الأرض، فإنّ الغرض الأقصی منه- وهو حصول الثمرة- وإنْ کان خارجاً عن
الاختیار، إلّاأنّ الغرض القریب- وهو إعداد الأرض للثمرة- مقدور بالقدرة علی سببه. هذا من ناحیۀ. ومن ناحیۀ أُخري: بما أنّ هذا
الغرض المترتّب علی تلک الأفعال ترتّب المسبّب علی السبب لزومی علی الفرض، فبطبیعۀ الحال یتعیّن تعلّق التکلیف به، لکونه
مقدوراً من جهۀ القدرة علی سببه. وعلی ذلک یبقی إشکال دخول الواجبات النفسیۀ فی تعریف الواجب الغیري علی حاله.
قال الُأستاذ … ص: 12
ویضاف إلی ما ذکر ناحیۀ أُخري، وهی إنّ المیرزا یري أنّ المسبّب قابل لتعلّق الأمر کالسبب، لأنّ وزان الإرادة التشریعیّۀ عنده وزان
الإرادة التکوینیّۀ،
__________________________________________________
217 الطبعۀ الحدیثۀ. / 1) محاضرات فی أُصول الفقه 2 )
ص: 13
فکما تتعلّق الإرادة فی التکوینیّات بالمسبّب ومنها تتحقّق الإرادة بالنسبۀ إلی السبب، فهما إرادتان، کذلک الحال فی الإرادة التشریعیّۀ،
ویکون فیها إرادتان نفسیّۀ وغیریۀ.
فیتوجّه الإشکال علی المیرزا، لأنّه صحیح أنّ ترتّب النهی عن الفحشاء علی الصّلاة موقوف علی أُمور غیر اختیاریّۀ، لکنّ نفس الصّلاة
توجد فی النفس الإنسانیّۀ استعداداً، ونسبۀ هذا الاستعداد إلی الغرض الأقصی نسبۀ السبب إلی المسبّب، فلا محالۀ تصیر الصّلاة واجباً
غیریّاً، فما انحلّت المشکلۀ بطریق المیرزا.
هذا، لکن الإشکال فیما ذکر هو: إنّ الإهمال فی الغرض غیر معقول، فإمّا یکون الغرض من ال ّ ص لاة هو الاستعداد بشرط لا عن
صفحۀ 21 من 205
الوصول إلی الغرض الأقصی أو یکون لا بشرط عن الوصول إلیه أو یکون بشرط الوصول. أمّا أنْ یکون الغرض هو الاستعداد لا
بشرط، أيسواء وصل إلی الغرض الأقصی أو لا، فهذا باطل، لأنّه خلف لفرض کون غرضاً أقصی، وأمّا أن یکون الغرض هو
الاستعداد بشرط لا، فکذلک، فتعیَّن کون الغرض من ال ّ ص لاة حصول الاستعداد فی النفس بشرط الوصول، وإذا کان کذلک سقط
الإشکال علی المیرزا، لأنّ الاستعداد بشرط الوصول غیر اختیاري.
إلّا أنّه یمکن الجواب: بأنّ الغرض المترتّب علی متعلّق الأمر لا یمکن أن یکون أخصّ من المتعلّق ولا أعمّ منه، سواء فی المراد
التکوینی أو التشریعی، لأنّه إن کان أخصّ لزم أن تکون الح ّ ص ۀ الزائدة بلا غرض، وهو محال، وکذلک إن کان أعم، لأنّ الإرادة
المتعلِّقۀ بالمأمور به هی فرع الغرض ومعلول له، فلا یعقل أن یکون الغرض أعم أو أخص، وعلی هذا، فالإرادة المتعلّقۀ بال ّ ص لاة تنشأ
من
ص: 14
الغرض الاستعدادي فیها وهو حصول الاستعداد فیها، لا الاستعداد الموصل للغرض الأقصی، فإنّه أخصّ من الصّلاة، وقد تبیّن استحالته
بناءً علی ما ذکر.
والحاصل: إنّ متعلّق الأمر هو طبیعی الصّلاة، ولیس الغرض منه بحسب الآیۀ المبارکۀ إلّااستعداد النفس الإنسانیّۀ.
فإشکال المحاضرات علی المیرزا قوي.
طریق المحاضرات
ثمّ قال: فالصحیح فی المقام أن یقال- بناءً علی نظریّۀ المشهور، کما هی الحق، وهی إن حال السبب حال سائر المقدّمات، فلا فرق
بینهما من هذه الناحیۀ أصلًا- إنّ المصالح والغایات المترتّبۀ علی الواجبات لیست بقابلۀٍ لأنْ یتعلّق بها التکلیف، لأنّ تعلّق التکلیف
بشیء یتقوّم بأمرین، أحدهما: أن یکون مقدوراً للمکلّف. والآخر: أنْ یکون أمراً عرفیّاً وقابلًا لأنْ یقع فی حیّز التکلیف بحسب أنظار
أهل العرف، والمصالح والأغراض وإنْ کانت مقدورةً بالقدرة علی أسبابها، إلّا أنّها لیست ممّا یفهمه العرف العام، لأنّها من الأُمور
المجهولۀ عندهم، وخارجۀ عن أذهان عامّۀ الناس، فلا یحسن من المولی توجّه التکلیف إلیها، ضرورة أن العرف لا یري حسناً فی
توجّه التکلیف بالإنتهاء عن الفحشاء والمنکر أو بإعداد النفس للإنتهاء عن الفحشاء والمنکر، فلا مناص من الالتزام بأنّ الغایات
والأغراض غیر متعلّق بها التکلیف، وإنّما هو متعلّق بنفس الأفعال، ویصدق علیها حینئذٍ أنّها واجبۀ لا لأجل واجب آخر، فلا إشکال
علی الشیخ.
وفیه: إنّ فی الأخبار والخطب المرویّۀ عن الشارع إشارات کثیرة إلی الأغراض والغایات المترتّبۀ علی الأحکام الشرعیّۀ، فقد جاء فیها
فمن ترکه رغبۀً عنه ألبسه » : ذکر الغرض من الجهاد بأنّ الجهاد عزّ للإسلام قال علیه السلام
ص: 15
«3» « إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهی عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْکَرِ » وفی القرآن الکریم ،«2» وأنّ الزکاة تطهیر للنفس وتوفیر للمال ،«1 …» « الذلّ
فهل خاطب الشارع الناس بما لا یفهمون؟
إذا قال الشارع للناس: یجب علیکم العمل من أجل عزّ الإسلام والمحافظۀ علی عظمۀ الدین، وذلک یحصل بالجهاد فی سبیل اللَّه، ألا
یفهم العرف هذا المعنی؟ وإذا قال: علیکم بالمحافظۀ علی المصالح العامّۀ للمجتمع الإسلامی، وطریق ذلک هو الأمر بالمعروف
والنهی عن المنکر، ألا یفهمون مراد الشارع؟
نعم، العرف العام بل الخاص یجهلون کیفیّۀ ترتّب الأغراض علی الأفعال، والسرّ فی حصول الانتهاء عن الفحشاء والمنکر بإقامۀ
الصّلاة- مثلًا- لکنّ هذا الجهل لا یضرّ بالمطلب ولا یمنع من توجّه التکلیف بالغرض.
والحاصل: إنّ هذا الطریق غیر دافع للإشکال.
صفحۀ 22 من 205
طریق المحقّق الإصفهانی … ص: 15
ناظر إلی قاعدة إنّ کلّ ما بالعرض لابدّ وأن ینتهی إلی ما بالذات، ومن ذلک مطلوبیّۀ الشیء، فإنّها إن «4» وطریق المحقّق الإصفهانی
کانت بالعرض لابدّ وأن تنتهی إلی مطلوبٍ بالذات، سواء عند الإنسان والحیوان، فإنّ الحیوان لمّا یطلب القوت، فإنّه طلب بالعرض،
والمطلوب الذاتی هو البقاء والحیاة، فانتهی الأمر إلی حبّ الذات … وفی القضایا المعنویۀ نري أنّ جمیع مرادات الإنسان ترجع إلی
مرادٍ بالذات هو معرفۀ اللَّه عزّ وجل. وفی التشریعیّات کذلک، فإنّه عندما یأمر بشراء اللحم، فإن هذا مطلوب بالعرض، والمطلوب
بالذات هو طبخ اللحم
__________________________________________________
18 الباب الأول من أبواب جهاد العدو. / 1) وسائل الشیعۀ 15 )
9 الباب الأول من أبواب الزکاة. / 2) وسائل الشیعۀ 9 )
. 3) سورة العنکبوت: 45 )
.101 / 4) نهایۀ الدرایۀ 2 )
ص: 16
وأکله.
وفی التشریعیّات، تارةً: یتوجّه الخطاب بالمطلوب بالعرض والخطاب بالمطلوب بالذات، یتوجّه کلاهما إلی شخصٍ واحدٍ، وأُخري:
یکون متعلّق الإرادة التشریعیّۀ- أيالمطلوب بالعرض- فعل شخص، ویکون متعلّق الغرض القائم بذلک الفعل- أيالمطلوب بالذات-
فعل شخصٍ آخر، فیأمر زیداً بشراء اللحم، ویأمر عمراً بطبخه.
فالمناط فی النفسی والغیري هو: إنّه إن کان المطلوب الذاتی مطلوباً من نفس الشخص- الذي طلب منه المطلوب بالعرض- جاء
البحث عن أنّ هذا الغرض حینئذٍ مطلوب لزومی أو لا؟ فإن کان لزومیّاً، صار شراء اللحم واجباً غیریّاً. وإن کان المطلوب الذاتی قائماً
بشخصٍ آخر، کان شراء اللحم من الأوّل مطلوباً نفسیّاً لا غیریّاً، إذ لم یطلب منه شیء آخر سواه وإنْ کان شراء اللحم مقدّمۀً لطبخه.
وتلخّص: إنّه إن کان المراد بالذات والمراد بالعرض قائمین بشخصٍ واحد، کان المراد بالعرض واجباً غیریّاً والمراد بالذات واجباً
نفسیّاً، وإن کان المراد بالذات قائماً بشخصٍ غیر من قام به المراد بالعرض، کان المطلوب من الشخص الأوّل واجباً نفسیّاً.
قال الأُستاذ
وهذا الطریق لا یجدي حلّاً للمشکلۀ، إذ لا ریب فی أنّ المبحوث عنه فی علم الأُصول هو الأعمّ من الواجبات الشرعیّۀ والعرفیّۀ، کما
فی مسألۀ حجیّۀ خبر الواحد، وحجیّۀ الظواهر، لکنّ الغرض من هذه المباحث هو التحقیق عن حال الأخبار الواردة عن الشارع وظواهر
ألفاظه فی الکتاب والسنّۀ … وهکذا فی
ص: 17
المسائل الأُخري.
وهنا، لمّا نقسّم الواجبات إلی النفسیّۀ والغیریّۀ، فالبحث أعمّ من الخطابات الشرعیّۀ والعرفیّۀ، وحلّ المشکل فی الخطابات العرفیۀ لا
یجدي نفعاً بالنسبۀ إلی الخطابات الشرعیّۀ … والطریق المذکور قد حلّ المشکل فی العرفیّات، أمّا فی الشرعیّات فلا … لأنّ المولی
یأمر زیداً بشراء اللحم وعمراً بطبخه، وهذا فی الأوامر العرفیّۀ کثیر، أمّا فی الشرعیّات، فإن الغرض مطلوب من نفس المخاطب بالعمل،
کالإنتهاء من الفحشاء والمنکر، فإنّه مطلوب من نفس من أُمر بال ّ ص لاة، ولا معنی لأنْ یؤمر مکلَّف بال ّ ص لاة ویترتّب الأثر علیها عند
مکلّف آخر.
صفحۀ 23 من 205
والحاصل: إن کان الغرض- کالإنتهاء عن الفحشاء والمنکر- لزومیّاً، فالواجب أيال ّ ص لاة غیري، وإنْ لم یکن لزومیّاً فلا وجوب
للصّلاة.
فإن قال: الغرض خارج عن قدرة المکلّف واختیاره.
قلنا: هذا هو طریق المیرزا.
هذا أوّلًا.
وثانیاً: إنّ ما ذکره لا یحلّ المشکلۀ فی العرفیّات أیضاً، ففی المثال الذي ذکره نقول: إن لم یکن للمولی غرض من الأمر بشراء اللّحم
لم یعقل صدور الأمر منه به، فلابدّ من الغرض، وهو هنا تمکّن عمرو من طبخ اللحم، ثمّ تمکّن الآمر من الأکل، فإنْ کان هذا التمکّن
غرضاً لزومیّاً، فالمفروض وجود القدرة علیه، وحینئذٍ، جاز تعلّق الأمر به.
طریق المحقّق العراقی … ص: 17
ما وجب » إنّ الشیخ قد عرّف الواجب الغیري بأنّه «1» وذکر المحقّق العراقی
__________________________________________________
.331 (2 - 1) نهایۀ الأفکار المجلّد الأول ( 1 )
ص: 18
وهناك فی کلّ واجب مقامان، أحدهما: مقام التکلیف، والآخر مقام روح التکلیف وسرّه. أمّا بالنظر إلی سرّ التکلیف، « لواجب آخر
إذ للصلاة أسرار، وللحج أسرار وهکذا … فالواجبات الشرعیّۀ کلّها غیریّۀ، لأنّها إنّما وجبت لترتّب تلک الأسرار والآثار، لکنّ هذه
الغیریّۀ هی بحسب مقام إرادة المولی وبلحاظ أسرار التکلیف، وبحثنا فی الواجبات الغیریّۀ لیس من هذه الجهۀ، بل هو من جهۀ مقام
التکلیف، وفی هذا المقام إنْ کان الشیء الموضوع علی الذمّۀ والمکلّف به طریقاً للوصول إلی شیء آخر کذلک فهذا الواجب
غیري، وإنْ لم یکن فهو واجب نفسی.
والحاصل: إنّ الشیخ قال: الغیري ما وجب لواجب آخر، أي: لتکلیفٍ آخر موضوع علی الذمّۀ، مطلوب من المکلَّف کسائر التکالیف،
کما هو الحال فی الوضوء بالنسبۀ إلی ال ّ ص لاة … ولیس الإنتهاء من الفحشاء والمنکر من هذا القبیل، بل هو سرّ ال ّ ص لاة ولبّ الإرادة
المتعلّقۀ بها…
توجّه إلیه الإشکال. « ما وجب لغیره » : نعم، لو قال الشیخ
هو الواجب الشرعی، کما فی الوضوء، فإنّه واجب شرعی قد وجب لواجب شرعی آخر هو « الواجب الآخر » وبعبارة أُخري: المراد من
هو الواجب العقلی… « الواجب الآخر » الصّلاة، ولیس المراد من
أقول:
وهذا الطریق هو المختار عند الشیخ الأُستاذ.
. لو تردّد واجب بین کونه نفسیّاً أو غیریّا … ص: 18
اشارة
فما هو مقتضی القاعدة؟
إنّه الرجوع إلی الأصل، وهو تارةً: لفظی، وأُخري: عملی، فإنْ وجد الأصل
صفحۀ 24 من 205
ص: 19
اللفظی فهو المرجع، وإلّا فالأصل العملی.
-1 مقتضی الأصل اللفظی … ص: 19 .
اشارة
لو تردّد أمر الوضوء بین أن یکون واجباً نفسیّاً فیجب الإتیان به سواء کانت ال ّ ص لاة واجبۀً وجوباً فعلیّاً أو لا، أو یکون واجباً غیریّاً،
فیکون واجباً فی حال کون ال ّ ص لاة واجبۀً وکون وجوبها فعلیّاً … فهل یمکن التمسّک بالإطلاق لإثبات النفسیّۀ؟ وهل هو من إطلاق
المادّة أو الهیئۀ؟
اتّفق الشیخ وصاحب الکفایۀ علی إمکان الرجوع إلی الإطلاق لإثبات کون الواجب نفسیّاً لا غیریّاً، إلّاأنّ الشیخ یقول بإطلاق المادّة،
وصاحب الکفایۀ بإطلاق الهیئۀ.
ص: 19 «… 1» توضیح رأي الشیخ
بمجرّد « الوضوء » هو الطلب الحقیقی للوضوء- ولیس الطلب المفهومی-. أي: إنّ مادة « توضّأ » إنّ مفاد هیئۀ إفعل الواردة علی الوضوء
اندراجها تحت هذه الهیئۀ تتّصف بالمطلوبیّۀ حقیقۀً، وهذا الاتّصاف إنّما یکون بالطلب الحقیقی، إذ لا یعقل الانفکاك بین المطلوب
الحقیقی والطلب الحقیقی، وقد حصل الطلب الحقیقی من الهیئۀ، فکان مفادها واقع الطّلب ومصداقه، لأنّ الشیء لا یصیر مطلوباً حقیقۀً
بمفهوم الطلب.
إلّا أنّ المشکلۀ هی: إن واقع الطلب ومصداقه هو الفرد، والفرد لا یقبل التقیید والإطلاق، لأنّهما عبارة عن التضییق والتوسعۀ، وهما
یجریان فی المفهوم لا المصداق … فسقط إطلاق الهیئۀ.
لکنّ الإطلاق فی المادّة جارٍ، إذ الوضوء دخل تحت الطلب سواء قبل
__________________________________________________
. 1) مطارح الأنظار: 67 )
ص: 20
الوقت أو بعده، وسواء وجدت الصّلاة أو لا، ومطلوبیّته کذلک یعنی المطلوبیّۀ النفسیّۀ.
- « الواجب » وتلخّص: إنّه مع التردّد بین النفسیّۀ والغیریّۀ، یکون مقتضی تمامیّۀ مقدّمات الحکمۀ وتوفّرها جریان الاطلاق فی طرف
أي: هیئۀ توضّأ. « الوجوب » وهو الوضوء فی المثال- لا فی طرف
توضیح رأي المحقّق الخراسانی … ص: 20
برهان الشیخ علی عدم جریان الإطلاق فی هیئۀ الوضوء، من جهۀ أنّ مدلول الهیئۀ لو کان هو الطلب «1» وقد أنکر المحقّق الخراسانی
إنشاء لا إخبار، والأمر القائم بالنفس لا یقبل الإنشاء، فلیس « إفعل » الحقیقی کما قال الشیخ، فإنّ الطلب الحقیقی قائم بالنفس، وصیغۀ
الطلب الحقیقی هو مدلول الهیئۀ، وعلیه، فلا یکون مدلولها الفرد والمصداق حتّی یرد الإشکال بأن الفرد لا یقبل التقیید فلا یقبل
الإطلاق.
صفحۀ 25 من 205
فإنْ قیل: إذا لم یکن مدلول الهیئۀ هو الطلب الحقیقی، فکیف صار الوضوء مطلوباً حقیقیّاً؟
قلنا: إنّ اتّصاف المادّة- أيالوضوء- بالمطلوبیّۀ الحقیقیّۀ إنّما یأتی من حیث أنّ الداعی للإنشاء هو الطلب النفسانی، لأنّ المفروض أنّ
الداعی له لم یکن الإمتحان أو الإستهزاء أو غیرهما، وإنّما کان الطلب الحقیقی، فالمطلوبیّۀ له إنّما جاءت من ناحیۀ الداعی للإنشاء لا
من ناحیۀ هیئۀ إفعل.
وهذا بیان إشکال المحقّق الخراسانی علی برهان الشیخ لعدم جریان الإطلاق فی الهیئۀ.
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الأُصول: 108 )
ص: 21
فکان المختار عنده جریان الإطلاق فی طرفها، فما معنی هذا الإطلاق؟
وهل هو صحیح؟
ص: 21 :«… 1» قال المحقّق الإصفهانی
إنّ مقتضی مقدّمات الحکمۀ هنا عدم تقیید الوجوب وهو مفاد الهیئۀ لا إطلاقه، أي: إنّها تقتضی حیثیّۀ عدمیّۀ، ولیست مقتضیۀً لإطلاق
الوجوب بمعنی اللّابشرطیّۀ … وتوضیح ذلک:
إنّ الوجوب النفسی والغیري قسمان من الوجوب، وقد تقدّم أنّ النفسی هو الواجب لا لواجبٍ آخر، والغیري هو الواجب لواجبٍ آخر،
فکان أحدهما مقیّداً بأمرِ عدمی والآخر مقیّداً بأمرٍ وجودي، فالواجب النفسی مقیَّد بعدم کونه لواجب آخر، والغیري مقیَّد بکونه
لواجبٍ آخر … فکلاهما مقیَّد، وکلّ قیدٍ- سواء کان وجودیاً أو عدمیّاً- فهو محتاج إلی بیان.
ولابدّ لکلّ قیدٍ من بیانٍ ومؤنۀٍ زائدة … وهذا ،« بشرط لا » قید له، کذلک کونه « بشرط شیء » وعلی الجملۀ، فکما أنّ کون الشیء
مقتضی القاعدة.
لکنّ هناك موارد یري العرف فیها استغناء القید العدمی عن البیان، بمعنی أنّ مجرّد عدم البیان بالنسبۀ إلی القید الوجودي، یکفی لأنْ
یکون بیاناً علی القید العدمی، وما نحن فیه من هذا القبیل، وذلک: لأنّ الواجب النفسی ما کان واجباً لا لواجبٍ آخر، والغیري ما
وجب لواجبٍ، فکان الغیري مقیّداً بکونه للغیر، وحینئذ، فلو تعلّق الطلب بشیءٍ ولم یکن معه بیانٌ لکون هذا الطلب لشیء آخر، کان
نفس عدم البیان لذلک کافیاً عند أهل العرف فی إفادة أنّ هذا المطلوب لیس لواجبٍ آخر…
__________________________________________________
.107 / 1) نهایۀ الدرایۀ 2 )
ص: 22
وعلی هذا، لیس الطریق إلی تعیین حال الفرد المحقّق خارجاً من الوجوب المتعلّق بالوضوء، من حیث النفسیّۀ والغیریّۀ، هو التمسّک
بالأصل اللفظی فی مفهوم الوجوب، کما ذهب إلیه المحقّق الخراسانی، بل ال ّ ص حیح إثبات إطلاق الفرد الواقع عن طریق عدم التقیید
بکونه للغیر، فإنّه یفید کونه لا للغیر، فهذا هو المراد من الاطلاق هنا، وهذا طریق إثباته.
وتلخّص: إنّه لیس الطریق هو التمسّک بإطلاق مفهوم الطّلب، فإنّه لا یحلّ المشکلۀ ولا یخرج الفرد الواقع من التردّد بین النفسیّۀ
والغیریّۀ، لأنّ ذلک لا یحصل عن طریق إطلاق مفهوم الوجوب، إذ الإطلاق المفهومی لا یعیّن حال الفرد الواقع، بل الطریق الذي
سلکناه هو الذي یعیّن حاله ویرفع التردّد والشک، لأنّه أفاد عدم التقیید بالغیریّۀ.
أقول:
صفحۀ 26 من 205
وبهذا التقریب الذي استفدناه من شیخنا الأُستاذ دام بقاه تندفع خدشۀ سیدنا الأُستاذ، حیث أنه أورد کلام المحقّق الإصفهانی وذکر
اشتماله علی ثلاثۀ إیرادات علی الکفایۀ، ثم قال: والإنصاف أنّ هذه الوجوه مخدوشۀ کلّها، ووجه الاندفاع هو أنّ مناقشته للکلام
المذکور إنما جاءت علی مقتضی القاعدة، من جهۀ أنّ النفسیّۀ یحتاج إلی بیان کالعدمیّۀ، لأنّ کلّاً منهما قید زائد علی أصل الوجوب،
.«1» ولا وجه لدعوي أنّه لا یحتاج إلی بیانٍ زائد بعد أن کان قیداً کسائر القیود الوجودیّۀ أو العدمیّۀ
هو « فما یحتاج إلی التنبیه عرفاً کون الوجوب لداعٍ آخر غیر الواجب » : لکنّ الإرتکاز العرفی الذي أشار إلیه المحقق الإصفهانی بقوله
الوجه للدعوي
__________________________________________________
.217 : 1) منتقی الأُصول 2 )
ص: 23
المذکورة، وقد وقع الغفلۀ عنه.
«1» فما أفاده المحقق الإصفهانی لا محذور فیه، لکنه- کما قال شیخنا- متّخذ من کلام صاحب الکفایۀ فی مبحث الإطلاق والتقیید
…وبیان مطلبه هناك هو:
إنّ الإطلاق یفید تارة: الشمول والعموم الاستیعابی، وأخري: العموم البدلی، وثالثۀ: خصوصیّۀ أُخري، غیر الشمولیّۀ والبدلیّۀ.
«2» « أَحَلَّ اللَّهُ الْبَیْعَ » مثال الأوّل: قوله تعالی
، فإنّه یفید حلیّۀ البیع عامّۀ.
ومثال الثانی: قولک: بع دارك، فإنّه أمر ببیع داره ویفید جواز البیع بأيّ نحوٍ من الأنحاء اختار هو، علی البدلیّۀ، ولیس یفید العموم
الاستیعابی، فإنّه غیر ممکن کما لا یخفی.
من غیر أنْ یعلّق الوجوب علی شیء … فهنا لیس الإطلاق من قبیل الأوّلین، وإنّما هو لإفادة « توضّ أ » : ومثال الثالث: قول المولی
خصوصیۀ أنّ وجوبه لیس لغیره، لأن خصوصیّۀ الغیریّۀ هی المحتاجۀ إلی البیان، وأمّا النفسیّۀ فیکفی فیها عدم البیان علی الغیریّۀ، فکان
الإطلاق- بمعنی عدم إقامۀ القرینۀ علی إرادة الغیریۀ- یقتضی النفسیّۀ.
القول بالإطلاق الأحوالی … ص: 23
بالإطلاق الأحوالی فی الفرد المردّد بین النفسیّۀ والغیریّۀ، لأنّ الإطلاق قد یکون أفرادیاً، وقد یکون أحوالیّاً. «3» وقال المحقّق الإیروانی
فالأفرادي موضوعه الطبیعۀ وهی ذات فردین أو أفراد، وحینئذٍ یصلح لأنْ یکون مطلقاً، أيلا بشرط بالنسبۀ إلی خصوصیّۀ هذا الفرد أو
مثلًا، حیث « الرقبۀ » ذاك … کما هو الحال فی
__________________________________________________
1) کفایۀ الأُصول: 252 تحت عنوان: تبصرة لا تخلو من تذکرة. )
. 2) سورة البقرة: الآیۀ 275 )
.156 / 3) نهایۀ النهایۀ 1 )
ص: 24
أنّها طبیعۀ ذات حصّتین، وهی قابلۀ لأنْ تکون هی المراد والمورد للحکم.
وأمّا الإطلاق الأحوالی، فإنّه یجري فی الفرد أیضاً … وکلّما کانت طبیعۀ ذات ح ّ ص ۀ ولکن المورد لا یصلح لأن تکون الطبیعۀ هی
المراد، فإنّه یجري فیه الإطلاق الأحوالی.
صفحۀ 27 من 205
وعلی هذا، فإنّ الشیخ رحمه اللَّه لمّا قال بأنّ مدلول الهیئۀ هو الفرد، والفرد لا یقبل الإطلاق والتقیید، یتوجّه علیه: إنّه لا یقبل الإطلاق
الأفرادي، لکنّه یقبل الإطلاق الأحوالی.
والمحقّق الخراسانی ذهب إلی الإطلاق المفهومی، فیرد علیه الإشکال: بأنّ الإطلاق المفهومی لا مورد له فی المقام، لأن مجراه مثل
حیث أنّ الطبیعۀ تکون مورداً للحکم والإرادة ویتعلّق بها التکلیف، فیعمّ کلتا الحصّتین المؤمنۀ والکافرة، بخلاف المقام، فإنّه لا « الرقبۀ »
یعقل أن یکون المراد هو الأعم من النفسیّۀ والغیریّۀ، بل إن حال الفرد الواقع خارجاً مردّد بین الأمرین، والمقصود بیان حاله وإخراجه
من حالۀ التردّد، ولا یعقل الإطلاق المفهومی فی الفرد … بل یتعیّن الإطلاق الأحوالی، فإذا کان الوجوب المتعلّق بالوضوء فرداً، فإنّه
ذو حالین، حال وجوب الصّلاة وحال عدم وجوبها، ومقتضی الإطلاق هو التوسعۀ بالنسبۀ إلی الحالین لهذا الفرد، فهو توسعۀ فی الحال
لا فی المفهوم.
فظهر جریان الإطلاق الأحوالی بناءً علی مسلک المحقّق الخراسانی من أنّ مدلول الهیئۀ هو مفهوم الطلب، وهو أیضاً جار بناءً علی
کون مدلولها: النسبۀ البعثیّۀ أو البعث النسبی. أمّا الإطلاق الأفرادي فلا یجري، لأن مدلول الهیئۀ معنیً حرفیّ والمعنی الحرفیّ جزئی

هذا کلّه فی التمسّک بإطلاق مفاد الهیئۀ.
ص: 25
بأنّه بناءً علی نظریۀ الشّیخ من لزوم رجوع القید إلی المادّة، یمکن :«1» ( وأمّا التمسّک بإطلاق المادّة، فقد أفاد فی (المحاضرات
تقریب التمسّک بالإطلاق بوجهین:
فإنّه لا مانع من « غسل الجمعۀ فریضۀ من فرائض اللَّه » : الأوّل: فیما إذا کان الوجوب مستفاداً من الجملۀ الاسمیّۀ، کقوله علیه السلام
التمسّک فی مثله بالإطلاق لإثبات النفسیّۀ، إذ لو کان غیریّاً لزم علی المولی إقامۀ القرینۀ.
والثانی: التمسّک بإطلاق دلیل الواجب- کدلیل ال ّ ص لاة مثلًا- لدفع ما یحتمل أن یکون قیداً له کالوضوء مثلًا، ولازم ذلک عدم کون
الوضوء واجباً غیریّاً، وقد تقرّر حجیّۀ مثبتات الأُصول اللفظیّۀ.
قال الأُستاذ: إنّه لا وجه للحصر بوجهین، بل الإطلاق الأحوالی جارٍ أیضاً کما تقدّم … هذا أوّلًا.
وثانیاً: إنّ الوجه الثانی- من الوجهین المذکورین- لا یقول به الشیخ، وإن کان وجهاً صحیحاً فی نفسه.
وتلخّص: تمامیۀ الإطلاق بوجوهٍ ثلاثۀ:
-1 الإطلاق الأحوالی فی مفاد الهیئۀ.
.« توضّأ » -2 إطلاق المادّة، أيمادّة الوضوء فی
-3 إطلاق دلیل الواجب.
-2 مقتضی الأصل العملی … ص: 25 .
اشارة
واختلف الأنظار فی مقتضی الأصل العملی بعد فرض عدم تمامیّۀ الأصل اللفظی:
__________________________________________________
.221 / 1) محاضرات فی أُصول الفقه 2 )
ص: 26
صفحۀ 28 من 205
رأي المحقق الخراسانی …: ص: 26
لمقتضی الأصل العملی- فی دوران أمر الفرد الواقع من الوجوب بین النفسیّۀ والغیریّۀ- صورتین، لأنّ «1» ذکر المحقّق الخراسانی
وجوب ذلک الغیر- الذي شککنا فی کون هذا الشیء مقدّمۀً له، أو أنّه واجب نفسی ولیس بمقدّمۀٍ له- تارةً فعلی وأُخري غیر فعلی.
فإن کان فعلیّاً، کان الشیء المشکوك النفسیّۀ والغیریّۀ مجري قاعدة الإشتغال، لأنّ المفروض هو العلم بوجوبه، إنّما الجهل فی وجه
هذا الوجوب.
مثلًا: الوضوء واجب علی تقدیر النفسیّۀ وعلی تقدیر الشرطیّۀ لل ّ ص لاة الواجبۀ بالوجوب النفسی الفعلی، فلو تُرك الوضوء فقد تُرك
واجب نفسی، وهو الوضوء إن کان واجباً نفسیّاً أو ال ّ ص لاة المشروطۀ به، فکان العلم الإجمالی المتعلّق بالمردّد بین النفسیّۀ والغیریّۀ
موجباً للعلم باستحقاق العقاب فی حال ترك الوضوء، فلا محالۀ یکون هذا العلم الإجمالی منجزاً.
وإنْ لم یکن وجوب الغیر فعلیّاً، کان مشکوكُ النفسیّۀ والغیریّۀ مجري أصالۀ البراءة، لأنّ المناط فی منجزیّۀ العلم الإجمالی هو تعلّق
العلم بالتکلیف الفعلی، والمفروض عدمه، إذ الوضوء علی تقدیر کونه واجباً نفسیّاً فعلی، وعلی تقدیر کونه واجباً غیریّاً، فهو شرط
لواجب غیر فعلی، ومع عدم فعلیّۀ المشروط لا یکون الشرط فعلیّاً، فلا یکون العلم حینئذٍ منجزّاً، فالمرجع البراءة.
هذا کلام المحقّق الخراسانی.
تفصیل الإیروانی … ص: 26
لکن الصّورة الثانیۀ یتصوَّر فیها صورتان، لأنّ ذاك الغیر المفروض عدم
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الأُصول: 110 )
ص: 27
فعلیّته، قد یکون واجباً من قبل ثم ارتفع وجوبه، وقد لا یکون کذلک، فإنْ لم یکن مسبوقاً بالوجوب فالأصل الجاري هو البراءة کما
ذکر. وأمّا إن کان مسبوقاً بوجوب مرتفع عنه فعلًا، حصل لنا العلم بأنّ الواجب المشکوك فی نفسیّته وغیریّته کان من قبل واجباً غیریّاً،
فالحالۀ المتیقّنۀ السابقۀ لهذا المشکوك فیه هو الوجوب الغیري، وبزوال فعلیّۀ وجوب ذلک الغیر یصیر هذا الوجوب الغیري مقطوع
الزوال، لأنّه بزوال وجوب المشروط بقاءً یزول وجوب الشرط کذلک…
فیکون وجوب المشکوك النفسیّۀ والغیریّۀ فرداً مردّداً بین مقطوع الزوال ومقطوع البقاء، لأنّ هذا الوضوء- المشکوك کذلک- فی
کون وجوبه نفسیّاً أو غیریّاً- إنْ کان واجباً غیریّاً فقد زال عنه الوجوب یقیناً وإنْ کان واجباً نفسیّاً فوجوبه باق…
وعلیه، فیکون صغريً للقسم الثانی من أقسام استصحاب الکلّی…
فعلی القول بعدم جریان الإستصحاب فی القسم الثانی من أقسام الکلّی- لا فی الفرد ولا فی الکلّی- فالمرجع أصالۀ البراءة، وأمّا علی
القول بجریانه فیه- کما هو الصحیح- فهو أصل حاکم علی البراءة، فکانت الصورة الثانیۀ من صورتی المحقّق الخراسانی تنقسم إلی
.«1» صورتین، والحکم یختلف … وقد نبّه علی هذا المحقّق الإیروانی
إشکال الُأستاذ … ص: 27
وأشکل علیه الأُستاذ: بأنّ المعتبر فی المستصحب أن یکون حکماً شرعیّاً أو موضوعاً لحکمٍ شرعی مجعول أو موضوعاً للحکم العقلی
بمناط عدم لغویّۀ التعبّد فإنّه- وإن لم یکن المستصحب حکماً أو موضوعاً لحکم- یکفی لأن یکون للإستصحاب أثر فی الإشتغال أو
صفحۀ 29 من 205
الفراغ، فلا یکون التعبّد به لغواً.
__________________________________________________
.158 / 1) نهایۀ النهایۀ 1 )
ص: 28
لکن استصحاب الکلّی هنا لا تتوفّر فیه هذه الضابطۀ، لأنّ هذا الکلّی الذي یراد إجراء الاستصحاب فیه- وهو الجامع الإنتزاعی بین
،«1» الوجوب النفسی والوجوب الغیري- لیس بمجعولٍ شرعی، إذ المجعول من قبل الشارع إمّا الوجوب النفسی أو الوجوب الغیري
ولا هو موضوع لحکم شرعی کما لا یخفی، وهل هو موضوع للحکم العقلی علی ما ذکر؟ کلّا … وذلک: لأنّ الحکم العقلی إنّما
یتحقّق فی الجامع بین الواجبین النفسیّین وإنْ کان جامعاً انتزاعیّاً، لأنّ موضوع حکمه هو استحقاق العقاب علی المخالفۀ، فلو کان
واجبان نفسیّان تردّد أمرهما بین مقطوع الزوال ومقطوع البقاء، جري استصحاب الکلّی الجامع بینهما، وأفاد وجوب الإتیان بالجامع
وترتیب الأثر علیه، لحکم العقل باستحقاق العقاب علی المعصیۀ.
أمّا فی محلّ البحث، فأحد الوجوبین نفسی والآخر غیري، والواجب الغیري لا یحکم العقل باستحقاق العقاب علی ترکه، فإحدي
الحصّتین من الکلّی غیر محکومۀ بحکم العقل باستحقاق العقاب علی ترکها، فکیف یتمّ إجراء الاستصحاب فی الجامع لتحقیق الحکم
العقلی؟
فتلخّص: عدم تمامیّۀ الإستصحاب فی الکلّی الانتزاعی أي: الوجوب الجامع بین النفسی والغیري. نعم، لو صحّ جریانه فی الفرد المردّد
لتمّ ما ذکره المحقّق الإیروانی، لکنّه أجلّ شأناً من أن یقول بذلک.
__________________________________________________
(1)
والفرق بین الأمر الخارجی الواقعی والأمر الإعتباري هو: إنّ الکلّی قابل للجعل بتبع جعل الفردله، فجعل زید هو جعلٌ للإنسان أیضاً،
إذ الکلّی الخارجی موجود بوجود فرده. أمّا الإعتباري فلیس له طبیعی أيالجنس، ولیس له فرد أيالنوع، حتی یجعل له الکلّی، بل
الجامع فی الاعتبارات هو الجامع الإنتزاعی العقلی.
ص: 29
رأي المیرزا … ص: 29
إلی أنّ المردّد واجب بالوجوب النفسی، وأنّ ال ّ ص لاة مجري البراءة. وتوضیح ذلک: إنّه إذا تردّد أمر الوضوء بین «1» وذهب المیرزا
النفسیّۀ والغیریّۀ، وکان علی تقدیر الغیریّۀ شرطاً لواجبٍ غیر فعلی، کما لو تیقّن بالنذر وتردّد بین أن یکون قد نذر ال ّ ص لاة أو نذر
الوضوء، فإنْ کان متعلّق نذره هو الوضوء فهو واجب نفسی، وإن کان ال ّ ص لاة کان الوضوء واجباً غیریّاً. إذن، لا فعلیّۀ لوجوب الصّلاة،
بل إنّه فعلی علی تقدیر کون الوضوء واجباً غیریّاً لا نفسیّاً. فیقول المیرزا: بأنّ الوضوء واجب قطعاً، بالوجوب النفسی أو الغیري، وأمّا
ال ّ ص لاة فهی مجري البراءة، لجریانها فیها بلا معارض، وذلک: لأنّ معنی دوران أمر الوضوء بین النفسیّۀ والغیریّۀ هو تحقّق علم إجمالی
بأنّ الواجب علیه بالوجوب النفسی إمّا هو الصّلاة وإمّا هو الوضوء، وهذا العلم مؤثر فی التنجیز، ولابدّ من الإتیان بالوضوء والصّلاة معاً،
غیر أنّ الوضوء یؤتی به قبل الصّلاة، حاله حال الواجب الغیري…
لکنّ هذا العلم منحل … لأنّ أحد الطرفین- وهو الوضوء- یقطع باستحقاق العقاب علی ترکه، إمّا لکونه واجباً نفسیّاً وإمّا لأن ترکه
یؤدّي إلی ترك الواجب المشروط به، ومع القطع باستحقاق العقاب علی ترکه لا تجري البراءة فیه، ویبقی الطرف الآخر محتمل
الوجوبیّۀ، فالشبهۀ فیه بدویّۀ، وتجري البراءة فیه بقسمیها.
صفحۀ 30 من 205
ثمّ ذکر فی نهایۀ الکلام أنّ المقام من صغریات التفکیک والتوسّط فی التنجیز.
وتوضیح المراد من ذلک هو: إنّ الوقائع منها هو منجّز علی کلّ تقدیر، ومنها ما هو غیر منجّز علی کل تقدیر. والأوّل: هو الحکم
المعلوم بالإجمال،
__________________________________________________
.250 / 1) أجود التقریرات 1 )
ص: 30
والثانی: هو الحکم المشکوك فیه شبهۀً بدویۀ. وهذا القسمان واضحان. والثالث منها هو: ما إذا کان العلم الإجمالی مردّداً بین الأقل
والأکثر، وهذا مورد التوسّط فی التنجیز، کما لو حصل العلم بوجوب مرکب تردّدت أجزاؤه بین کونها عشرة أو أحد عشر مثلًا، فإنّه مع
ترك الجزء الحادي عشر لا یقین باستحقاق العقاب، بخلاف الأجزاء العشرة، فلو ترکها استحق العقاب … إذن، فالواجب الواحد
والوجوب الواحد قابل للتفکیک من حیث استحقاق العقاب وعدمه … وهذا مراده من التوسّط والتفکیک فی التنجیز.
الإشکال علی رأي المیرزا
إنّما الکلام فی اختصاص ذلک بمورد المرکّب ذي الأجزاء الخارجیّۀ- کما ذکر- أو أنّه ینطبق علی المرکّب ذي الأجزاء التحلیلیّۀ
أیضاً؟
إن حال المرکّب من الأجزاء الخارجیّۀ هو أنّ وجوده بتحقّق أجزاءه کلّها، فهو وجود واحد، أمّا عدمه فیتعدّد بعدد الأجزاء، ویتّصف
بالعدم إذا عدم الجزء الأوّل، وبعدمٍ آخر إذا عدم الجزء الثانی، وهکذا … فإذا دار أمره بین الأقل والأکثر، فأيّ مقدارٍ من الأعدام بقی
تحت العلم کان العلم منجزّاً بالنسبۀ إلیه.
وهل هذا الحال موجود فی الأجزاء التحلیلیّۀ کما فی محلّ البحث؟
مقتضی الدقّۀ فی کلام المیرزا: جریان التوسیط فی التنجیز فی الأجزاء التحلیلیّۀ أیضاً، لأنّه کما یحصل للمرکب من الأجزاء أعدام بعدد
أجزائه، کترك ال ّ ص لاة بترك القراءة، وترکها بترك الرکوع … وهکذا … فإنّه یحصل له ذلک بترك کلٍّ من قیوده وشروطه،
فال ّ ص لاة المقیَّدة بالطهارة والإستقبال و … یحصل لها تروك بعدد تلک الأُمور، فکما ینتفی المرکب بانتفاء جزئه، کذلک ینتفی
بانتفاء قیده … ولیس تعدّد الترك منحصراً بالأجزاء الخارجیّۀ المحقّقۀ للمرکّب…
ص: 31
وعلی هذا، فترك ال ّ ص لاة من ناحیۀ ترك الوضوء منجّز، لأنّ المفروض تحقّق العلم بوجوب الوضوء سواء کان نفسیّاً أو غیریّاً، وإذا
تعلّق العلم بالوضوء کان ترك ال ّ ص لاة من جهۀ ترك الوضوء مورداً للمؤاخذة، لقیام الحجۀ من ناحیۀ المولی علیه، بخلاف ما لو
ترکت ال ّ ص لاة من جهۀ غیر الوضوء، لعدم وجود البیان والحجّ ۀ منه، وعلی الجملۀ، فقد تحقّق التنجیز بالنسبۀ إلی ال ّ ص لاة من حیث
الوضوء، أمّا بالنسبۀ إلی الصّلاة فلا، بل الشبهۀ فیها بدویّۀ، فالبراءة جاریۀ فی الصّلاة، لکن وجوب الوضوء نفسی.
وتحصّل: أنّ التفکیک فی التنجّز یجري فی أجزاء المرکب، ویجري فی القیود والشرائط، ولا یختص بالأجزاء.
.«1» فلا یرد علی المیرزا الإشکال بذلک
وأورد علیه: بأن موردنا من قبیل دوران الأمر بین المتباینین، ولیس من الأقلّ والأکثر، لأن طرفی العلم الإجمالی هما الوضوء وال ّ ص لاة،
والنسبۀ بینهما هو التباین.
وفیه: إنّه منقوض بالموارد التی تکون نسبۀ الجزء إلی الکلّ بحیث لا یطلق علی الجزء عنوان الکلّ- کما هو فی الإنسان والرقبۀ مثلًا-
فلو علمنا بمقدارٍ من الأجزاء هی فی العرف فی مقابل المرکب لا بعضه، وتردّد الأمر بینه وبین سائر الأجزاء، کان لازم ما ذکر عدم
جریان البراءة. مثلًا: ال ّ ص لاة مرکّبۀ من أجزاء أوّلها التکبیر وآخرها التسلیم، فلو تعلّق العلم بالتکبیر وحده وشکّ فی الزائد تجري البراءة
صفحۀ 31 من 205
عنه، مع أنّ النسبۀ بین التکبیر والصّلاة هو التغایر والتباین، إذ لا یصدق عنوان الصّلاة علی التکبیر وحده.
__________________________________________________
.231 / 1) منتقی الأُصول 2 )
ص: 32
وأمّا حلّ المطلب فهو: أنّ ملاك انحلال العلم لیس خصوصیّۀ الأقل والأکثر، حتی لا ینحل ولا تجري البراءة إذا کانت النسبۀ التباین،
بل الملاك علی التحقیق- وعلیه المیرزا- هو کون أحد الطرفین مجري الأصل دون الطرف الآخر، فإذا کان أحد الطرفین فقط مجري
الأصل- سواء کانا متباینین أو أقل وأکثر- جرت البراءة. وفیما نحن فیه: الوضوء وإنْ لم یکن جزءً من ال ّ ص لاة بل هو شرط لها، إلّا أنّ
الأصل لا یجري فی الوضوء وهو جارٍ فی الصّلاة، لأنّ الوضوء معلوم الوجوب علی کلّ تقدیر، دون الصّلاة فإنّها مشکوکۀ الوجوب.
وأورد علیه: بأنّه یعتبر فی انحلال العلم الإجمالی وجود السنخیّۀ بین المعلوم بالإجمال والمعلوم بالتفصیل، وذلک کما فی مثال أجزاء
« الوجوب النفسی » ال ّ ص لاة، فلو علم إجمالًا بالوجوب النفسی، وتردّد بین أن یکون عشرة أجزاء من المرکب أو أحد عشر، فإن عنوان
ینطبق علی العشرة، الذي أصبح المعلوم بالتفصیل.
إذ تردّد بین ال ّ ص لاة والوضوء، لکن « الوجوب النفسی » أمّا فیما نحن فیه، فلا توجد هذه المسانخۀ، لأنّ المعلوم بالإجمال أوّلًا هو
المعلوم بالتفصیل فی طرف الوضوء هو الجامع بین النفسیّۀ والغیریّۀ، فهو غیر المعلوم بالإجمال الأوّلی.
وفیه: إنّه لیس الملاك ذلک، بل الملاك ما ذکرناه من کون أحد الطرفین موضوعاً للأصل دون الطرف الآخر.
وأورد علیه: بأنّ المفروض هو العلم الإجمالی بوجوب الوضوء، مردّداً بین کونه نفسیّاً أو غیریّاً، فإن کان فی الواقع نفسیّاً استحقّ
العقاب علی ترکه، وأمّا إن کان وجوبه غیریّاً فلا یستحقّه، لکنّ انحلال العلم الإجمالی إلی علم تفصیلی
ص: 33
فی طرف وشک بدوي فی طرف آخر، إنّما هو حیث یکون العلم التفصیلی متعلّقاً بتکلیفٍ منجّز موجبٍ لاستحقاق العقاب، وقد تقدّم
أنّ الوضوء علی تقدیر کون وجوبه غیریّاً لا یستحق العقاب علی ترکه، فالعلم الإجمالی المردّد بین النفسیّۀ والغیریّۀ باقٍ علی حاله،
لعدم استلزام مخالفته لاستحقاق العقاب علی کلّ تقدیر.
وفیه: إنّه إن کان المقصود إثبات استحقاق العقاب علی ترك الوضوء نفسه فالإشکال وارد، للشک فی کونه واجباً نفسیّاً، والوجوب
الغیري لا تستتبع مخالفته استحقاق العقاب. لکنّ المقصود من إجراء البراءة هو رفع التکلیف والتوسعۀ علی المکلّف، وهذه التوسعۀ لا
تکون فی طرف الوضوء للعلم التفصیلی بوجوبه، فلا یمکن الترخیص فی ترکه، لکون وجوبه إمّا نفسیّاً فلا یجوز ترکه، وإمّا غیریّاً
فکذلک لأنّه یؤدي إلی ترك الصلاة، أمّا فی طرف الصّلاة فهی حاصلۀ بأصالۀ البراءة.
والحاصل: إنّ المهم کون المورد مجري لأصالۀ البراءة وترتّب أثر هذا الأصل، أعنی التوسعۀ والمرخصیّۀ للمکلّف، وهذا حاصل،
لوجود مناط الانحلال الحکمی للعلم الإجمالی، وهو جریان البراءة فی طرف وهو ال ّ ص لاة، لوجود المقتضی لجریانه وعدم المانع عنه،
دون الآخر وهو الوضوء للعلم التفصیلی المتعلّق به.
الإشکال الأخیر:
إنّ هذا العلم الإجمالی لا ینحلّ، لأنّه یلزم من إنحلاله عدم الإنحلال. وهو الإشکال الذي اعتمده الأُستاذ فی الدّورة السابقۀ فی ردّ
رأي المیرزا فی المقام.
وتوضیح ذلک: إنّ الغرض هو حلّ مشکلۀ دوران أمر الوضوء بین النفسیّۀ والغیریّۀ، ونتیجۀ انحلال هذا العلم الإجمالی هو الإشتغال
بالنسبۀ إلی الوضوء
ص: 34
صفحۀ 32 من 205
والبراءة عن ال ّ ص لاة. لکنّ البراءة إنّما تجري حیث یقطع بجریانها- وإلّا فالظن بجریانها لا یفید فضلًا عن الشک فیه- والقطع بجریان
البراءة فی ال ّ ص لاة یستلزم القطع بعدم المؤاخذة علی ترك الوضوء، لکونه مقدّمۀً لها، لأنّ القطع بعدم المؤاخذة علی ترك ذي
المقدّمۀ یستلزم القطع بعدمها علی ترك مقدّمته، وإذا حصل القطع بعدم المؤاخذة علی ترك الوضوء، حصل العلم بتعلّق التکلیف به
علی تقدیر، والعلم بعدم المؤاخذة به علی تقدیر، فلم یحصل العلم التفصیلی بالنسبۀ إلیه، فلا تجري قاعدة الإشتغال، بل یکون الوضوء
مجري أصالۀ البراءة.
وفیه: إن کان المقصود من الإنحلال هو الإنحلال العقلی، فالإشکال وارد، لکن المقصود هو انحلال العلم الإجمالی بحکم الشارع،
والحکم العقلی هنا معلّق علی عدم الانحلال الشرعی، فإنّ العقل حاکمٌ بضرورة ترتیب الأثر علی العلم الإجمالی بین الوضوء والصّلاة
مادام لم یصل مؤمّن من قبل الشارع، ومع وصوله یرتفع موضوع حکم العقل، والمؤمّن هنا حدیث الرفع، إذ المقتضی لجریانه موجود
والمانع عنه مفقود، وهذا المعنی متحقّق فی طرف ال ّ ص لاة إذ شک فی وجوبها النفسی، فتمّ المقتضی لجریان أصل البراءة، ومع وجود
العلم التفصیلی فی طرف الوضوء لا موضوع لجریان الأصل فیه، فلا معارض لأصالۀ البراءة فی الصّلاة.
أقول:
کان هذا ملخّص ما استفدناه من کلامه دام بقاه فی الدّورة اللّاحقۀ. ولکنّ الإستدلال بحدیث الرفع هنا یبتنی علی أن یکون المرفوع
فیه هو المؤاخذة من جهۀ العمل نفسه أو من جهۀ غیره المترتّب علیه، فإنّه علی هذا المبنی یکون الوضوء مشمولًا لحدیث الرفع، إذ
بترکه یترتّب العقابُ علی ترك الصّلاة لکونه
ص: 35
مقدمۀً لها.
.«1» وأمّا علی القول بأنّ المرفوع هو المؤاخذة علی خصوص العمل- کما هو مختار السید الأُستاذ- فلا یتم الاستدلال به، فراجع
رأي السید الخوئی … ص: 35
أربعۀ صور: «2» وذکر السید الخوئی فی مقام الأصل العملی
(الصورة الأُولی) ما إذا علم المکلّف بوجوب شیء إجمالًا فی الشریعۀ وتردّد بین کونه نفسیّاً أو غیریّاً، وهو یعلم بأنّه لو کان غیریّاً لم
یکن وجوب ذلک الغیر بفعلی، کما إذا علمت الحائض بوجوب الوضوء علیها وشکّت فی أنّ وجوبه علیها نفسی أو غیري، وأنّه فی
حال الغیریّۀ للصّلاة فلا فعلیّۀ لوجوبها لکونها حائض.
(الصورة الثانیۀ) ما إذا علم المکلّف بوجوب شیء فعلًا وتردّد بین کون وجوبه نفسیّاً أو غیریّاً، وهو یعلم أنّه لو کان غیریّاً ففعلیّۀ وجوب
الغیر یتوقّف علی تحقق ذلک الشیء خارجاً. کما إذا علم بتحقّق النذر ولکنْ تردّد بین الوضوء والصّلاة … کما تقدّم.
وقد ذهب قدّس سرّه إلی البراءة فی کلتا الصورتین، أمّا فی الأولی، فهی جاریۀ فی الشیء المشکوك فیه، لعدم العلم بوجوبٍ فعلی
علی کلّ تقدیر، إذ علی تقدیر الغیریّۀ لا یکون فعلیّاً لعدم فعلیّۀ وجوب ذي المقدمۀ. وأمّا فی الثانیۀ، فهی جاریۀ فی ال ّ ص لاة علی ما
تقدّم بیانه.

ر
و
ص
ل
ا
ۀ
ث
ل
ا
ث
ل
ا
)
ا
م
ا
ذ
إ
م
ل
ع
فلّ ک
م
ل
ا
ب
و
ج
و
ب
لٍّ ک
ن
م
ن
ی
ل
ع
ف
ل
ا
ی
ف
ج
ر
ا
خ
ل
ا
،
__________________________________________________
.227 -226 / 1) منتقی الأُصول 2 )
.222 / 2) محاضرات فی أُصول الفقه 2 )
ص: 36
صفحۀ 33 من 205
وشک فی أنّ وجود أحدهما مقیّد بوجود الآخر مع علمه بتماثل وجوبیهما من حیث الاطلاق والإشتراط من بقیۀ الجهات، أيإنهما
متساویان إطلاقاً وتقییداً، کوجوب الوضوء والصّلاة مثلًا.
فذکر عن المیرزا القولَ بالبراءة، واختار هو الإحتیاط، (قال): قد أفاد شیخنا قدّس سرّه: أنّ الشک حیث أنّه متمحّض فی تقیید ما علم
کونه واجباً نفسیّاً کالصلاة بواجب آخر وهو الوضوء- مثلًا- فلا مانع من الرجوع إلی البراءة عن ذلک التقیید، لفرض أن وجوب
الصّلاة والوضوء معلوم، ومتعلّق الشک خصوص تقیید الصّلاة به أيخصوصیّۀ الغیریّۀ، فالبراءة تجري عن التقیید.
(فأجاب) بأنّ أصالۀ البراءة عن التقیید المذکور معارضۀ بأصالۀ البراءة عن وجوب الوضوء بوجوب نفسی، وذلک لأنّ المعلوم تفصیلًا
وجوبه الجامع بین النفسی والغیري، وأمّا الخصوصیّۀ فمشکوك فیها، فلا مانع من جریان الأصل فی الخصوصیّۀ فی کلا الطرفین،
ویتعارض الأصلان، ویکون المرجع قاعدة الإحتیاط، فیجب الإتیان بالوضوء أوّلًا، ثمّ بالصّلاة.
أقول:
وقد قرّب الأُستاذ دام بقاه رأي السید الخوئی فی هذه الصّورة وأوضح الفرق بینها وبین الصّورة السابقۀ التی قال فیها بالبراءة عن
ال ّ ص لاة … بأنّ صورة المسألۀ السابقۀ هی: إمّا ال ّ ص لاة واجبۀ بالوجوب النفسی وإمّا الوضوء، ومعنی ذلک أنّه إن کان الواجب النفسی
هو ال ّ ص لاة فالوضوء وجوبه غیري، ولذا تحقّق العلم التفصیلی فی وجوب الوضوء، والشک البدوي فی وجوب ال ّ ص لاة. أمّا الصّورة
الثالثۀ هذه، فلا شکّ فی وجوب ال ّ ص لاة- ووجوبها نفسی- بل الشک فی ناحیۀ الوضوء، وللعلم الإجمالی طرفان، أحدهما: الوجوب
النفسی للوضوء،
ص: 37
والآخر: الوجوب الغیري له … ومقتضی العلم الإجمالی هو الاحتیاط.
فالحقّ مع المحاضرات خلافاً للمیرزا.
(الصّورة الرابعۀ) ما إذا علم المکلّف بوجوب کلٍّ من الفعلین وشکّ فی تقیید أحدهما بالآخر، مع عدم العلم بالتماثل بینهما من حیث
الإطلاق والتقیید، وذلک: کما إذا علم باشتراط ال ّ ص لاة بالوقت وشک فی اشتراط الوضوء به من ناحیۀ الشک فی أنّ وجوبه نفسی أو
غیري، وأنّه علی الأوّل غیر مشروط وعلی الثانی مشروط، لتبعیّۀ الوجوب الغیري للنفسی فی الإطلاق والإشتراط.
(قال): وقد أفاد شیخنا الأُستاذ أن البراءة جاریۀ من جهات (الأُولی):
الشک فی تقیید الصّلاة بالوضوء، وهو مجري البراءة، فتصحّ بلا وضوء.
(الثانیۀ): الشک فی وجوب الوضوء قبل الوقت الذي هو شرط لوجوب ال ّ ص لاة، والمرجع البراءة، ونتیجۀ ذلک نتیجۀ الغیریّۀ من ناحیۀ
عدم ثبوت وجوبه قبل الوقت فی المثال (الثالثۀ): الشک فی وجوب الوضوء بعد الوقت بالإضافۀ إلی من أتی به قبله، ومرجع هذا
الشک إلی أنّ وجوبه قبل الوقت مطلق أو مشروط بما إذا لم یؤت به قبله، وبما أنّ ذلک مشکوك فیه بالإضافۀ إلی من أتی به قبله،
فلا مانع من الرجوع إلی البراءة، والنتیجۀ تخییر المکلّف بین الإتیان بالوضوء قبل الوقت وبعده، قبل الصّلاة وبعدها.
(قال) ولنأخذ بالنظر فی هذه الجهات، بیان ذلک: إن وجوب الوضوء فی مفروض المثال، المردّد بین النفسی والغیري، إن کان نفسیّاً،
فلا یخلو من أنْ یکون مقیّداً بإیقاعه قبل الوقت أو یکون مطلقاً، وإن کان غیریّاً، فهو مقیَّد بما بعد الوقت علی کلّ تقدیر.
وعلی الأوّل، فلا یمکن جریان البراءة عن تقیید الصّلاة بالوضوء،
ص: 38
لمعارضته بجریانها عن وجوبه النفسی قبل الوقت، للعلم الإجمالی بأنّه إمّا واجب نفسی أو واجب غیري، وجریان البراءة عن کلیهما
مستلزم للمخالفۀ القطعیّۀ العملیّۀ؛ فلابدّ من الاحتیاط والوضوء قبل الوقت، فإن بقی إلی ما بعده أجزأ عن الوضوء بعده ولا تجب
الإعادة، وإلّا وجبت لحکم العقل بالإحتیاط.
صفحۀ 34 من 205
وعلی الثانی: فلا معنی لإجراء البراءة عن وجوب الوضوء قبل الوقت، لعدم احتمال تقیّده به، لأنّ مفاد أصالۀ البراءة رفع ال ّ ض یق عن
المکلّف لا رفع السّ عۀ، وأمّا بعد الوقت فیحکم العقل بوجوب الوضوء، للعلم الإجمالی بوجوبه إمّا نفسیّاً وإمّا غیریّاً، ولا یمکن إجراء
البراءة عنهما معاً، ومعه یکون العلم الإجمالی مؤثّراً ویجب الإحتیاط.
نعم، لو شککنا فی وجوب إعادة الوضوء بعد الوقت علی تقدیر کونه غیریّاً، أمکن رفعه بأصالۀ البراءة، لأنّ تقییده بما بعد الوقت علی
تقدیر کون وجوبه غیریّاً مجهول، فلا مانع من الأصل، لأنّ وجوبه إنْ کان نفسیّاً فهو غیر مقیّد بذلک، وإن کان غیریّاً، فالقدر المعلوم
تقیّد الصّلاة به وأمّا تقیّدها بخصوصیّۀ بعد الوقت فشیء زائد مجهول، فیدفع بالأصل.
فالبراءة لا تجري إلّافی الجهۀ الأخیرة.
رأي الشیخ الُأستاذ … ص: 38
وخالف الشیخ الأُستاذ المیرزا القائل بالبراءة فی الصّورة، والسید الخوئی القائل بالتفصیل فیها کما تقدَّم، واختار الاحتیاط فی الجهات
الثلاثۀ، أي: وجوب الإتیان بالوضوء قبل الصّلاة … وخلاصۀ کلامه هو:
إنّ جریان أصالۀ البراءة فی أطراف العلم الإجمالی موقوف علی إخراج مورد الشّبهۀ عن الطرفیّۀ للعلم وکون الشک فیه بدویّاً، وإلّا لم
یجر الأصل. هذا
ص: 39
بناءً علی مسلک العلیّۀ. وأمّا بناءً علی مسلک الإقتضاء، فالإنحلال لا یحصل إلّا بخروج مورد الشّبهۀ عن الطرفیّۀ للمعارضۀ. ومن
الواضح أنّ وقوع المعارضۀ فرع وجود المقتضی للجریان فی کلّ طرفٍ، فیکون الأصل جاریاً فیهما ویسقطان بسبب المعارضۀ.
وعلی هذا، فإنّ معنی الشک بتقیُّد أحدهما بالآخر- فی عنوان الصورة الرابعۀ- بأن تکون ال ّ ص لاة مقیّدةً بالوضوء، هو کون وجوب
ال ّ ص لاة نفسیّاً ووجوب الوضوء غیریّاً، فیحصل لنا علم إجمالی فی الوضوء بین أن یکون وجوبه نفسیّاً أو غیریّاً، لکنّ حصول العلم
الإجمالی بالوجوب النفسی أو الغیري للوضوء مسبوق بعلم إجمالی مردّد بین الوجوب النفسی للوضوء والوجوب النفسی لل ّ ص لاة،-
والعلم الإجمالی المذکور فی الوضوء تابع لهذا العلم الإجمالی السّ ابق- ومن المحال تحقّق العلم الإجمالی بین النفسیّۀ والغیریّۀ
للوضوء بدون العلم الإجمالی بالوجوب النفسی للوضوء أو الوجوب النفسی لل ّ ص لاة … وعلیه، فکما أنّ المقتضی لجریان الأصل
موجود فی طرف الوضوء، کذلک هو موجود فی طرف ال ّ ص لاة، والأصلان یجریان ویتعارضان، ویتنجّز العلم الإجمالی ویجب
الإحتیاط.
والحاصل: إنّ العلم الإجمالی فی الوضوء- وأنّه إن کان نفسیّاً فکذا وإنْ کان غیریّاً فکذا- تابع للعلم الإجمالی بالوجوب النفسی
للصّلاة أو الوضوء- سواء کان فی الطول کما هو الصحیح أو فی العرض- وإذا تساقط الأصلان فی العلم المتبوع وجب الإحتیاط.
ص: 40
تذنیبٌ وفیه أمران الأمر الأول
فی حکم الواجب الغیري من حیث الثواب والعقاب … ص: 40
اشارة
إنّه هل یترتّب الثواب والعقاب علی امتثال ومخالفۀ الواجب الغیري کما یترتّب ذلک علی الواجب النفسی، أو بین الواجبین فرق من
هذه الجهۀ؟
صفحۀ 35 من 205
أمّا الواجب النفسی، فلا إشکال فی ترتّبهما علی امتثاله ومخالفته.
کلام المحقّق الإصفهانی فی الواجب النفسی … ص: 40
وقد ذکر المحقق الإصفهانی لذلک وجوهاً ثلاثۀ:
أحدها: قاعدة اللطف، فإنها تقتضی تکلیف العباد لغرض إیصالهم إلی المصالح المترتّبۀ علی التکالیف وإبعادهم عن المفاسد المترتّبۀ
علی ترکها أو إتیان المحرّمات، وهذا لطف عظیم، إلّاأنّ للوعد والوعید دخلًا فی تحقّق الامتثال وقبول البشارة والنذارة، ولا ریب فی
وجوب الوفاء بالوعد، فیکون ترتّب الثواب علی الأعمال واجباً شرعاً، وکذا استحقاق العقاب علی المخالفۀ والمعصیۀ.
والثانی: تجسّم العمل، فإنّ هناك ملازمۀً بین الأعمال وبین الصّور المناسبۀ لها، فالعمل إن کان حسناً تحقّقت صورة حسنۀ مناسبۀ له،
وإن کان سیّئاً تحقّقت صورة مناسبۀ له … وهذا وجه آخر لترتّب الثواب والعقاب علی الإطاعۀ
ص: 41
والمعصیۀ، وأنّهما من لوازم الأعمال، کالملازمۀ بین النار والحرارة وغیرهما من التکوینیّات.
والثالث: حکم العقل، بیانه: إنّ حفظ النظام غرض من أغراض العقلاء بالضرورة، وهم یرون ضرورة تحقّق کلّ ما یؤدّي إلی حفظ
النظام، ومن ذلک المدح والجزاء علی العمل الحسن والذم والمؤاخذة علی العمل السیّئ، فالأوامر والنواهی المولویّۀ- سواء المولی
الحقیقی أو العرفی- لها مصالح ومفاسد ولها دخل فی حفظ النظام، والعمل الحسن یستتبع استحقاق الجزاء الحسن والعمل السّیئ
یستتبع استحقاق العقوبۀ، فإذا أعطی المولی الجزاء أو عاقب علی المعصیۀ وقع فی محلّه، لا أنّه واجبٌ علی المولی ذلک وأنّ للعبد
.«1» المطالبۀ بالثواب علی عمله، فإنّ هذا لا برهان علیه
أقول:
وقد تکلّم الأُستاذ دام بقاه علی الوجه الثالث من هذه الوجوه ومح ّ ص له: أن الحکم بترتّب الثواب والعقاب عقلائی، وهو حکم عرضی
بلحاظ حفظ النظام، ولیس ذاتیّاً، وأنّ هناك کبري واحدة تجري فی المولی الحقیقی والمولی العرفی…
فناقشه: بأنّ الأحکام العقلائیۀ هی قضایا توافقت علیها آراؤهم حفظاً للنظام، لکنّ الحاکم باستحقاق الثواب والعقاب علی موافقۀ حکم
المولی الحقیقی أو مخالفته هو العقل لا العقلاء، لأنّ الأحکام العقلائیّۀ تدور مدار النظام وحفظه، أمّا حکم العقل بقبح مخالفۀ المولی
الحقیقی فموجود سواء کان هناك عقلاء ونظام أو لم یکن … فإنّ العقل یري قبح معصیۀ المولی الحقیقی علی کلّ حال، ولو کان
هذا الحکم عقلائیّاً لجازت المعصیۀ حیث لا یوجد نظام أو عقلاء، أو حیث لا یلزم
__________________________________________________
.110 / 1) نهایۀ الدرایۀ 2 )
ص: 42
اختلال للنظام، وهذا باطل.
والحاصل: إنّ کلام هذا المحقّق یستلزم جواز مخالفۀ المولی الحقیقی حیث لا یترتّب علی المخالفۀ اختلال للنظام العقلائی، وأنّه فی
حال عدم لزوم الاختلال فلا دلیل علی وجوب إطاعۀ أوامر الباري وحرمۀ معصیته، وهذا اللازم باطل، لأنّ العقل مستقل بلزوم إطاعۀ
المولی الحقیقی فی جمیع الأحوال وعلی کلّ التقادیر.
المختار عند الُأستاذ … ص: 42
والمختار عند الأُستاذ: أمّا استحقاق العقاب، فلا ریب فی ترتّبه علی المخالفۀ والمعصیۀ للمولی الحقیقی. وأمّا استحقاق الثواب علی
صفحۀ 36 من 205
الطاعۀ، بمعنی أن یکون للعبد حق المطالبۀ، فهذا باطل، لأنّ القدرة علی الطاعۀ وتحقّقها من العبد تفضّل منه، وهذه خصوصیّۀ المولی
الحقیقی هذا أولًا. وثانیاً: إنّ أوامر المولی ونواهیه کلّها ألطاف، لأنه بالامتثال لها یحصل له القرب من المولی، وهذا نفع للعبد
المکلّف.
«1» « وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ » (قال): لکنّ المهمّ هو معرفۀ المولی الحقیقی حق معرفته، وما عرفناه! کما قال تعالی
«2» « یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ » ومن عرفه کذلک کان مصداقاً لقوله
إذن، لابدّ أوّلًا من معرفۀ المولی معرفۀً کاملۀً، ومن حصلت له تلک المعرفۀ حصل عنده تقوي اللَّه حقّ تقاته، أيأداء حق العبودیّۀ
والقیام بالوظیفۀ علی نحو الکمال.
ومن معرفته تعالی هو: أنْ نعرف أنّ عدم إعطائه الثواب علی الأعمال
__________________________________________________
. 1) سورة الأنعام: 91 )
. 2) سورة آل عمران: 102 )
ص: 43
الصالحۀ والطاعات لیس بلائق بشأنه … وتوضیح ذلک:
إنّا لا نقول بوجوب الثواب علی الطاعۀ من حیث أنّها طاعۀ ولکون العبد مطیعاً، لأنّ العبد مملوك للمولی وطاعته إنّما کانت بحوله
وقوّته وهی لطف منه ومنّۀ علی العبد، ولا جزاء علیه حینئذٍ، بل نقول بوجوب الثواب من جهۀ المطاع، بمعنی أنّ عدم ترتّب الثواب
علی الطاعۀ غیر لائق بهذا المولی، فالطاعۀ- من حیث أنّها طاعۀ- لا تستتبع وجوب الثواب، لکنّ عدم ترتّب الثواب علیها غیر لائق
بالمولی…
ومعناها: عدم لیاقۀ هذا الشیء لأن « ما کان » والدلیل علی هذا- قبل کلّ شیء- هو کلامه تعالی، ففی الکتاب آیات مبدوّة بکلمۀ
وَما کانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَۀٍ إِذا قَضَی اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا » : یتحقّق ویکون، سواء کان من اللَّه أو الرسول أو سائر الناس … فمثلًا یقول تعالی
«1» « أَنْ یَکُونَ لَهُمُ الْخِیَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ
أي: إن هذا غیر لائق بالمؤمنین ولیس من شأنهم، بل إنّ المؤمنین یتّبعون ما أراده اللَّه تعالی لهم وقضی فی حقّهم، إذ لا یکون قضاؤه
فیهم إلّاحقّاً ومصلحۀً لهم.
«2» « وَما کانَ لِنَبِیٍّ أَنْ یَغُلَّ » : ویقول تعالی
أي: إن هذا لا ینبغی وغیر صالح صدوره منه.
«3 …» « وَما کُنَّا مُهْلِکِی الْقُري بظلم » : ویقول تعالی
«4» « وَما کُنَّا مُعَذِّبینَ حَتَّی نَبْعَثَ رَسُولًا » : فالظلم لا یلیق بذاته المقدّسۀ، وکذا العذاب بلا بیان، إذ قال
ا م وَ نَ ا ک هُ لَّ ل ا عَ ی ض یُ لِ » . د ق و ت د ر و ۀ م ل ک ل ا ی ف ۀٍ ی آ ق لّ ع ت ت ث ح ب ل ا ب ی ه و __________________________________________________
. 1) سورة الأحزاب: 36 )
. 2) سورة آل عمران: 161 )
. 3) سورة القصص: 59 )
. 4) سورة الإسراء: 15 )
ص: 44
صفحۀ 37 من 205
«1» « إیمانَکُمْ
إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ » : فالآیۀ دالّۀ علی أنّ اللَّه تعالی لیس من شأنه أن یضیع أعمال المؤمنین، ولا یلیق به ذلک، ولذا قال بعد هذا
وهو بمثابۀ التعلیل، بمعنی أنّ الرؤف الرحیم علی الإطلاق- ولعموم الناس- لا یلیق به أن یضیع إیمان المؤمنین ویترك « رَحیمٌ
أعمالهم بلا ثوابٍ وأجر.
ما » والحاصل: إنّه لیس للعبد أن یطالب المولی الحقیقی بشیءٍ من عمله، فإنّه إذا صلّی إطاعۀً لأمر اللَّه، فقد أتی بها بحول اللَّه وقوته
«2» « شاءَ اللَّهُ لاقُوَّةَ إِلّا بِاللَّهِ
«3» « إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهی عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْکَرِ » وإذا صلّی حصلت له التزکیۀ
وتلک منّۀ من اللَّه علیه … فلیس للعبد أن یحتج بشیء علی اللَّه، لا من ناحیۀ نفسه ولا من ناحیۀ عمله … لکنّ مقتضی شأن ربوبیّته
«4» « قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ » فی « هو » وأُلوهیّته التی أشار إلیها ب
«5» « شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاإِلهَ إِلّا هُوَ » و
اللَّهمّ إن لم » «6» « أنت کما وصفت نفسک » : فللعبد أن یقول له « وهو الرؤف الرحیم » أن لا یجعل العمل بلا أجر، وکذا مقتضی صفاته
فیطلب منه الأجر والثواب من هذا الباب. «7» « أکن أهلًا لأنْ أُبلغ رحمتک فرحمتک أهل أن تبلغنی وتسعنی
هذا تمام الکلام علی ترتّب الأثر علی الواجبات والمحرّمات النفسیۀ.
وأمّا الواجب الغیري، فقد ذهب المحقّقان الخراسانی والإصفهانی إلی عدم استحقاق الثواب علی موافقۀ الأمر الغیري والعقاب علی
مخالفته.
__________________________________________________
(1)
. سورة البقرة: 143
. 2) سورة الکهف: 39 )
. 3) سورة العنکبوت: 45 )
. 4) سورة التوحید: 2 )
. 5) سورة آل عمران: 18 )
. 6) مصباح المتهجد، دعاء صلاة الحاجۀ: 331 )
7) مفاتیح الجنان: فی التعقیبات العامۀ للصلوات. )
ص: 45
. الدلیل علی عدم ترتّب الثواب والعقاب علی الواجب الغیري … ص 45
علی عدم ترتّب الثواب والعقاب علی الواجب الغیري بوجهین، أحدهما: حکم العقل بعدم الاستحقاق «1» ( واستدلّ فی (الکفایۀ
واستقلاله بذلک.
والآخر: إنّ الثواب والعقاب من آثار القرب والبعد عن المولی، والواجب الغیري لا یؤثّر قرباً أو بُعداً عن اللَّه، بل المؤثّر فی ذلک هو
أفضل الأعمال » الواجب النفسی … نعم لو کان لواجب نفسی مقدّمات کثیرة، فإنّه یثاب علی الإتیان بتلک المقدّمات من باب
«2» « أحمزها
.وقال المحقّق الإصفهانی ما محصّله:
صفحۀ 38 من 205
إنّ هذا الوجوب بما أنه مقدّمۀ للوجوب النفسی ولا غرض منه إلّاالتوصّل إلیه، فهو معلول له، والإنبعاث إنّما یکون من الأمر النفسی
المتعلّق به الغرض الاستقلالی، وأمّا تحرّك الإنسان نحو المقدّمۀ فهو بالإرتکاز، ولذا یکون الواجب المقدّمی مغفولًا عنه، وتحرك
.«3» الإنسان نحوه یکون بالارتکاز، فکلّ الآثار مترتّبۀ علی الواجب النفسی
أقول:
والإنصاف: إن ما ذکر لا یکفی لأن یکون وجهاً لعدم استحقاق الثواب علی امتثال الواجب الغیري، بل قال السید الأُستاذ: بأنه لا یخرج
.«4» عن کونه وجهاً صوریّاً
وأشکل علیه شیخنا دام بقاه: بأن مورد البحث هو حیث یکون المکلّف
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الأُصول: 110 )
.229 / 2) خبر مشهور بین الخاصّۀ والعامۀ کما فی البحار 79 )
.113 / 3) نهایۀ الدرایۀ 2 )
.237 / 4) منتقی الأُصول 2 )
ص: 46
حین العمل ملتفتاً، کما هو الحال فی الوضوء من أجل ال ّ ص لاة مثلًا، فإنّ المتوضّ ئ لیس بغافل عمّا یفعل. فلیس المقدّمۀ مغفولًا عنه.
طوبی لعبدٍ تطهّر فی بیته ثمّ زارنی فی » : والحاصل: إنّ المقدمیّۀ لا تمنع من الالتفات والتوجّه إلی العمل، وهو ظاهر قوله علیه السلام
.«1» « بیتی
وعلی الجملۀ، فإنّ المقدّمۀ قد تعلّق بها الطلب وأصبحت واجبۀً، وقد أتی بها امتثالًا للأمر، وهی ملتفت إلیها، وإنْ کان الغرض الأصلی
مترتّباً علی ذي المقدّمۀ.
وذکر سیّدنا الأُستاذ قدّس سرّه برهاناً آخر قال: ومحصّل ما نرید أن نقوله بیاناً لهذا الوجه هو: إن الثواب إنما ینشأ عن إتیان العمل
مرتبطاً بالمولی بالاتیان به بداعی الأمر- الذي هو معنی الإمتثال-، فترتب الثواب علی موافقۀ الأمر الغیري انما تتصور بالإتیان بالمقدمۀ
بداعی الأمر الغیري، ومن الواضح أن الأمر الغیري لا یصلح للداعویّۀ والتحریک أصلًا، فلا یمکن الاتیان بالعمل بداعی الامتثال الأمر
الغیري. أما أنه لا یصلح للداعویّۀ والتحریک، فلأن المکلف عند الاتیان بالمقدمۀ إمّا ان یکون مصمماً وعازماً علی الاتیان بذي
المقدمۀ أو یکون عازماً علی عدم الإتیان به، فإن کان عازماً علی الإتیان به، فإتیانه المقدمۀ- مع إلتفاته إلی مقدمیتها کما هو
المفروض- قهري لتوقف ذي المقدمۀ علیها، سواء تعلق بها الأمر الغیري کی یدعی دعوته إلیها أو لا فالاتیان بالمقدمۀ فی هذا التقدیر
لا ینشأ عن تحریک الأمر الغیري، بل هو أمر قهري ضروري ومما لا محیص عنه. وان کان عازماً علی عدم الاتیان بذي المقدمۀ، فلا
یمکنه قصد الأمر الغیري بالاتیان بالمقدمۀ، إذ ملاك تعلق الأمر الغیري بالمقدمۀ هو جهۀ مقدمیتها والوصول بها إلی الواجب النفسی،
__________________________________________________
381 الباب 10 من أبواب الوضوء. / 1) وسائل الشیعۀ 1 )
ص: 47
لو لم نقل- إذ وقع الکلام فی أن المقدمیّۀ جهۀ تعلیلیۀ للوجوب الغیري أو جهۀ تقییدیۀ-: بان موضوع الأمر الغیري هو المقدمۀ بما هی
مقدمۀ لا ذات المقدمۀ.
ومن الواضح أنه مع قصد عدم الاتیان بذي المقدمۀ لا تکون جهۀ المقدمیۀ وتوقف الواجب علیها ملحوظۀ عند الاتیان بالمقدمۀ، ومعه
لا معنی لقصد امتثال الأمر الغیري بالعمل، إذ جهۀ تعلق الأمر الغیري غیر ملحوظۀ أصلًا.
صفحۀ 39 من 205
ویتضح هذا الأمر علی القول بکون الأمر الغیري متعلقاً بالمقدمۀ الموصلۀ، فانه مع القصد إلی ترك الواجب النفسی لا یکون المأتی به
.«1» واجباً بالوجوب الغیري، فلا معنی لقصد امتثاله فیه لانه لیس بمتعلق الوجوب
أقول:
إن الکلام- الآن- فی ترتّب الثواب علی إطاعۀ الأمر الغیري، فمع فرض کون المکلّف ملتفتاً إلی مقدّمیۀ الواجب الغیري وکونه عازماً
علی إطاعۀ أمر الواجب النفسی، هل یعتبر فی ترتب الثواب وجود أمرٍ بالمقدّمۀ والإنبعاث منه کی یقال بعدم الترتّب، لعدم داعویۀ
الأمر الغیري، أو یکفی لترتّبه الرجحان الذاتی أو الانقیاد للمولی المتمشّی منه مع الالتفات إلی ما ذکر؟
الظاهر هو الثانی، وهو الذي نصّ علیه السید الأُستاذ نفسه فی مسألۀ الطّهارات الثلاث، فتأمّل.
وأمّا العقاب علی معصیۀ الواجب الغیري، فقد یقال بترتّبه کالثواب، لأنه أمرٌ وقد عصی، قال المحقق الإیروانی: إنّ المفروض وجوب
.«2» المقدّمۀ، وأثر الوجوب هو الثواب علی الإطاعۀ والعقاب علی المعصیۀ
__________________________________________________
.238 / 1) منتقی الأُصول 2 )
.161 / 2) نهایۀ النهایۀ 1 )
ص: 48
لکنّ الحقّ- کما علیه المحققون ومشایخنا- أنّ هذا خلاف الارتکاز العقلائی، فإنّ العقلاء لا یرون استحقاق العقاب إلّاعلی ترك ذي
المقدّمۀ، وهم یرون قبح ترك المقدمۀ لأنه یؤدّي إلی ذلک.
قال شیخنا: أللّهم إلّاإذا خولف الأمر الغیري عصیاناً لنفس الأمر الغیري.
لکنّ مثل هذه الحالۀ قلیل جدّاً، ولذا کان الارتکاز العقلائی- علی وجه العموم وبالنظر إلی عامّۀ الناس- قائماً علی عدم استحقاق
العقاب لمخالفۀ الأمر الغیري.
الأمر الثانی
کیفیّۀ عبادیّۀ الطّهارات الثلاث … ص: 48
اشارة
ثم إنه بناءً علی أن الأمر الغیري لا یستحقُّ علی امتثاله الثواب، فقد وقع الکلام بین الأعلام فی الطهارات الثلاث، لأنّ الأوامر المتعلّقۀ
بها غیریّۀ، مع أنها یترتّب علیه الثواب بلا إشکال؟
وأیضاً: الأوامر المتعلّقۀ بالمقدّمات توصّ لیۀ ولیست بعبادیّۀ، لأنّ الغرض من المقدّمۀ هو التوصّل إلی ذي المقدّمۀ ولیس یترتّب علیها
غرض آخر، وعلیه فهی غیر منوطۀ بقصد القربۀ، لکن الإتیان بالطهارات بلا قصد القربۀ باطلٌ، فکیف الجمع؟
رفع المحقّق الخراسانی الإشکال فیها … ص: 48
عن الإشکال الأوّل: بأنّ ترتّب الثواب علی الطهارات إنّها هو من جهۀ المطلوبیّۀ النفسیّۀ لها کما فی قوله «1» أجاب المحقّق الخراسانی
إِنَّ اللَّهَ یُحِبُ » : تعالی
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الأُصول: 111 )
صفحۀ 40 من 205
ص: 49
«1» « التَّوَّابینَ وَیُحِبُّ الْمُتَطَهِّرینَ
فالطهارة بنفسها محبوبۀ للَّه، والثواب مترتّب علی هذه المحبوبیّۀ والمطلوبیّۀ، لا من جهۀ الأمر الغیري المتعلّق بها کی یرد الإشکال.
وأجاب عن الثانی: بأنّ کلّ أمرٍ إنّما یدعو إلی متعلّقه، والأمر الغیري کذلک، فإنّه یدعو إلی متعلَّقه وهو المقدّمۀ. لکن المقدّمۀ قد لا
تکون عبادیّۀ کنصب السّلم للصعود إلی السطح، فیتحقّق التوصّل إلی ذي المقدّمۀ بمجرّد حصول المقدّمۀ. أمّا فی الطهارات فقد تعلّق
الأمر بها لا بذواتها، بل مقیّدة بقصد القربۀ، فکان الأمر- مع کونه غیریّاً- قد تعلّق بمقدّمۀ عبادیّۀ، وعلی هذا فلا یسقط إلّابالامتثال له
والإتیان به مع هذا القید.
الأصل فیه هو الشیخ الأعظم … ص: 49
وهذا الذي ذکره المحقّق الخراسانی فی دفع الاشکال متّخذ من الشیخ قدّس اللَّه روحه، والأفضل هو الرجوع إلی کلامه والتعرّض لما
قاله الأعلام فی نقضه أو إبرامه.
والثالث فی مبحث نیّۀ الوضوء من (کتاب «2» فلقد طرح الشیخ فی مسألۀ الطهارات ثلاث إشکالات، ذکر اثنین منها فی الأُصول
فیقول الشیخ فی بیان الاشکال الأوّل: «3» ( الطهارة
إنّ مقتضی القاعدة العقلیّۀ هو أنّ الأمر الغیري من شئون الأمر النفسی ولیس فی قباله، وکذلک إطاعۀ الأمر الغیري، فهو من شئون
إطاعۀ الأمر النفسی، فالأمر الغیري تابع للأمر النفسی فی ذاته وفی ترتّب الأثر علیه قرباً وبعداً وفی إطاعته ومعصیته. لکنّ هذا مخالف
للأخبار المستفیضۀ فی الطهارات والإجماع القائم
__________________________________________________
. 1) سورة البقرة: 222 )
. 2) مطارح الانظار: 71 )
54 الطبعۀ المحققۀ، التنبیه الأول من تنبیهات نیّۀ الوضوء. / 3) کتاب الطهارة 2 )
ص: 50
علی ترتّب الثواب علی نفس الطهارة، فإنّ الثواب یترتّب علی الوضوء للصّلاة، لا للصّلاة عن وضوء … فکان الإشکال الأوّل: المخالفۀ
بین القاعدة العقلیّۀ ومقتضی النصوص والإجماعات.
فأجاب الشیخ:
بأنّ الثواب فی الطهارات مترتّب علی ذواتها، لکونها محبوبۀً بالمطلوبیّۀ والمحبوبیّۀ النفسیّۀ، ولیس ترتّب الثواب بمناط الأمر الغیري
لیتوجّه الإشکال، بل إنّها محبوبۀ بأنفسها ولها الاستحباب النفسی.
وهذا ما ذکره صاحب الکفایۀ.
ولکن الشیخ قدّس سره قد نصّ علی أنّه جواب غیر مفید، والوجه فی ذلک هو: أنّ تصویر الاستحباب النفسی للطّهارة لا یجتمع مع
الوجوب الغیري الثابت لها، لأنّ الوجوب والاستحباب لا یجتمعان فی المتعلّق الواحد، وإلّا لزم اجتماع المثلین، ولو قلنا بأنّه مع الوجوب
الغیري لا یبقی الإستحباب النفسی، عاد الإشکال…
إلّا أن یوجّه: بأنّه مع الوجوب الغیري ینعدم الإستحباب النفسی بذاته، بل یزول حدّه ویندك فی الوجوب، کاندکاك المرتبۀ الضعیفۀ
من النور فی المرتبۀ القویّۀ منه، فإنه لا ینعدم بل یندك، وذاته محفوظۀ … فلا مانع من أن یترتّب الأثر علی المطلوبیّۀ النفسیّۀ
الاستحبابیّۀ الموجودة هنا مندکّۀً فی الوجوب الغیري…
صفحۀ 41 من 205
لکنّ هذا التوجیه أیضاً لا یرفع المشکلۀ إلّافی الوضوء والغسل، لقیام الدلیل فیهما علی المطلوبیّۀ النفسیّۀ کذلک، أمّا فی التیمّم فلا
دلیل، وإنْ حاول بعضهم الاستدلال له ببعض الأخبار، لکنّه لا یفید.
علی أنّه یرد علی تصویر الاستحباب النفسی أیضاً: إنّ المستفاد من کلمات
ص: 51
الأصحاب کفایۀ الإتیان بالطهارات بداعی الأمر الغیري حتّی مع الغفلۀ عن المطلوبیّۀ النفسیّۀ المذکورة، وهذا لا یجتمع مع عبادیّتها-
ولو بالاستحباب- لأنّها موقوفۀ علی الالتفات والقصد.
ثم قال الشیخ: بأنّ الأولی هو القول بأنّ الثواب علی الطهارات تفضّل من اللَّه.
ثمّ أمر بالتأمّل.
وهی الطهارات بقصد القربۀ، فیکون الاستحباب « المقدّمۀ » وأخذ صاحب الکفایۀ هذا الجواب إذ قال: بأنّ الأمر یدعو إلی متعلّقه وهو
النفسی مقصوداً بقصد الأمر الغیري. ثمّ أمر بالفهم.
والوجه فی ذلک واضح، لأنّه مع الجهل والغفلۀ یکون القصد محالًا، ومع عدمه لا یمکن تحقّق عنوان العبادیّۀ.
هذا کلّه بالنسبۀ إلی الإشکال الأوّل، وهو کیفیّۀ ترتّب الثواب علی الأمر الغیري.
وأمّا الإشکال الثانی- وهو أنّه إذا کان الوضوء مثلًا للتوصّل إلی الغیر فوجوبه توصّ لی مع أنّه عبادة یعتبر فیه قصد القربۀ- فقد ذکره
الشیخ، وحاصله: إنّ الطهارات الثلاث لا یحصل الغرض منها بأيّ صورةٍ اتّفقت، بل یعتبر فیها قصد القربۀ، فکیف یکون وجوبها غیریّاً
والغرض منها التوصّل إلی الصّلاة مثلًا؟
وأجاب الشیخ- وتبعه فی الکفایۀ- بأنّ الأمر هنا إنّما تعلّق بالحصّۀ العبادیّۀ من المقدّمۀ.
لکنّ هذا یتوقّف علی حلّ المشکلۀ السابقۀ، إذ الإتیان بالمقدّمۀ مع الجهل والغفلۀ عن استحبابها النفسی لا یحصل الغرض منها وهو
التوصّل إلی
ص: 52
ذي المقدّمۀ، فقد اعتبر فیها قصد القربۀ والمفروض انتفاؤه، قاله شیخنا دام بقاه.
وأمّا الإشکال الثالث- الذي تعرّض له فی کتاب الطهارة فی کیفیّۀ نیّۀ الوضوء- فهو: إنّ الأمر الغیري قد تعلّق بالمقدّمۀ المتحقّقۀ
خارجاً، لا بعنوان المقدّمۀ، فالوضوء الواقع مقدّمۀ لل ّ ص لاة- سواء قلنا بأنّ الطهارة رافعۀ للحدث المانع من الدخول فی الصلاة أو قلنا
بأنّها شرط لل ّ ص لاة- فهو رافع أو شرط إن أُتی به وتحقّق مع قصد القربۀ … فالأمر الغیري یتوقّف تحقّقه علی کون متعلّقه مقدّمۀً قبل
أن یتوجّه إلیه الأمر ویتعلّق به، وثبوت مقدّمیۀ المتعلّق موقوفٌ علی کونه مأتیاً به عبادةً، لکنّ عبادیّته إنّما تحصل بتعلّق الأمر الغیري به،
وهذا دور.
بأنّ هذا الدور لا یتوقّف علی تحقّق المتعلّق والإتیان به علی وجه العبادیّۀ، بل هو حاصل فی مرحلۀ جعل :«1» وأورد علیه المیرزا
المتعلّق وتوجّه التکلیف به، ففی تلک المرحلۀ لابدّ لإرادة الشارع جعل الأمر الغیري من متعلّق، ولابدّ من أن یکون عبادةً- وإلّا لا
یکون رافعاً للحدث أو شرطاً للدخول فی ال ّ ص لاة- فجعل الأمر الغیري موقوف علی عبادیّۀ الوضوء مثلًا، وعبادیّته موقوفۀ علی جعل
الأمر الغیري … فالدور حاصل، سواء وصل الأمر إلی مرحلۀ التحقّق خارجاً أو لا.
ثمّ أجاب عن الدور: بأنّ عبادیّۀ الوضوء لیست من ناحیۀ الأمر الغیري، بل من جهۀ استحبابه النفسی الموجود قبل تعلّق الأمر الغیري به.
فقال الأُستاذ: لکنّ الإشکال فی مورد الجاهل والغافل باقٍ علی حال، فإمّا أن ترفع الید عن عبادیّۀ الطهارات فی حقّهما، وإمّا یقال بأنّ
عبادیّتها جاءت من ناحیۀ الأمر الغیري، فیعود محذور الدور.
ولکنْ لا یبعد أن یکون نظر الشیخ فی تقریب الدور إلی لزومه فی مرحلۀ
صفحۀ 42 من 205
__________________________________________________
.257 / 1) أجود التقریرات 1 )
ص: 53
العمل مضافاً إلی مرحلۀ الجعل، فهو یرید إضافۀ إشکال، وأنّ الدور لازم فی المرحلتین، لا أنّه ینفی لزومه فی مرحلۀ الجعل. بل إنّ
مقتضی الدقّۀ هو أنّ إثبات الدور فی مرحلۀ الامتثال وفعلیۀ الأمر یستوجب اثباته فی مرحلۀ الجعل، ولا عکس … وکأنّ المیرزا قد
غفل عن هذه النکتۀ … فبیان الشیخ أمتن من بیان المیرزا، فتدبّر.
وأشکل المیرزا فی الطّهارات الثلاث، بإشکال الدور، وبالنقض بالتیمّم لأنّه لیس بمستحبٍ نفسی … وقد تقدّم ذکرهما عن الشیخ.
ثمّ أجاب المیرزا عن الإشکال- باستحالۀ القصد مع الجهل والغفلۀ، وأنّه إذا استحال القصد استحالت العبادیۀ للطهارات- بأنّه یمکن
تحقّق العبادیّۀ فیها بوجهٍ آخر، وهو أنّ الأمر بالمشروط ینبسط علی الشرط کانبساط الأمر بالمرکّب علی أجزائه، وکما أنّ الإتیان
بالأجزاء بقصد الأمر بالمرکّب یحقّق لها العبادیّۀ، کذلک الأمر المتوجّه إلی المشروط، فإنّه یتحقّق العبادیّۀ للشرط، فالوضوء یؤتی به
بداعویّۀ الأمر المتوجّه إلی الصّلاة، کما أنّ الرکوع- مثلًا- یؤتی به بداعویّۀ الأمر بالصّلاة.
فأورد شیخنا الأُستاذ علیه: بأنّ المبنی المذکور غیر مقبول ولا یحلّ المشکل، فأمّا تعلّق الأمر فی المرکب بالأجزاء فهو أوّل الکلام، ثمّ
إنّ الفرق بین الجزء والشرط واضح تماماً، لأنّ الأجزاء داخلۀ تحت الأمر علی المبنی، لکنّ الشروط خارجۀ عنه، إذ الداخل تحته فیها
هو الاشتراط لا الشّرط، فلیس الوضوء بمطلوب بالأمر بالصّلاة بل المطلوب به تقیّدها واشتراطها به.
وکذا سیّدنا الأُستاذ وأضاف: بأنه لو سلّم ما ذکر، فالشرط فیما نحن فیه هو الطهارة لا نفس الوضوء، وهی مسبّبۀ عن الوضوء،
والاشکال فی تصحیح عبادیّۀ
ص: 54
.«1 …» نفس الأعمال المأتی بها، وهی لا تکون متعلّقۀً للأمر الضمنی لأنها لیست شرطاً
فما ذکره لا یحلّ المشکلۀ.
وأمّا الجواب عن النقض بالتیمّم: بأنّه مستحبٌ بالاستحباب النفسی، بالنّظر إلی طائفتین من النصوص، أفادت الأولی مطلوبیّۀ الطّهور فی
جمیع الأحوال، والثانیۀ کون التیمّم أحد الطهورین، ومح ّ ص لهما کون التیمّم مطلوباً للمولی. فقد ذکره الشیخ قدّس سرّه، إلّاأنّه قال بعد
ذلک ما حاصله: أن أحداً من الفقهاء لم یذهب إلی الإستحباب النفسی للتیمّم.
هو المطلوبیّۀ النفسیّۀ «2» « الوضوء بعد الطهور عشر حسنات فتطهّروا » : لکنّ الحق تمامیّۀ الجواب المذکور، إذ المستفاد من الصحیحۀ
إنّ التیمّم أحد » : وفی الخبر أیضاً «3 …» « من تطهّر ثمّ آوي إلی فراشه بات وفراشه کمسجده » : للطهارة، وروي الصدوق مرسلًا
ومن جمیع هذه الأخبار یستفاد المطلوبیّۀ النفسیۀ للتیمّم، ومقتضی القاعدة هو الأخذ بظواهر هذه النصوص إلّاأن یثبت «4» « الطهورین
إعراض الأصحاب عنها، لکنّها دعوي ممنوعۀ، بل إنّ ظواهر کلمات بعضهم فی بدلیّۀ التیمّم عن الوضوء ترتّب جمیع آثار الوضوء
علی التیمّم.
هذا، وقد یقال: باستحباب التیمّم نفساً عن طریق الإجماع القائم علی أن رافعیّۀ الطهارات الثلاث للحدث أو مبیحیّتها للدخول فی
الصّلاة متوقفۀ علی کونها- أيالطهارات- عبادةً، وذلک: لأنّه إذا لم یکن الأمر الغیري موجباً لعبادیّتها
__________________________________________________
.260 / 1) منتقی الأُصول 2 )
378 الباب 8 من أبواب الوضوء. / 2) وسائل الشیعۀ 1 )
378 الباب 9 من أبواب الوضوء. / 3) وسائل الشیعۀ 1 )
صفحۀ 43 من 205
386 الباب 23 من أبواب التیمّم. / 4) وسائل الشیعۀ 3 )
ص: 55
کان الإجماع المذکور دلیلًا علی الإستحباب النفسی لها، وإلّا لم یتحقّق العبادیّۀ للتیمّم.
وأشکل علیه الأُستاذ: بأنّ الإجماع علی مقدمیّۀ الطهارات لل ّ ص لاة وکونها عبادةً لا یثبت الإستحباب النفسی للتیمّم، لاحتمال استناد
المجمعین إلی الروایات التی أشرنا إلیها، أو لقولهم بأنّ الإتیان بالمقدّمۀ بداعویّۀ الأمر الغیري أو التوصّل إلی ال ّ ص لاة مقرّب. ومع
وجود هذه الاحتمالات لا یکون هذا الإجماع کاشفاً عن رأي المعصوم أو عن دلیل معتبر…
وتحصّل اندفاع الاشکال بالنظر إلی الروایات واستظهار الاستحباب النفسی منها.
وأشکل المیرزا أیضاً: بأنّ الطّهارات الثلاث- لکونها مقدّمۀً للصّلاة- متّصفۀ بالوجوب الغیري، ومعه لا یمکن بقاء الأمر النفسی المتعلّق
بها بحاله، للتضادّ بین الأحکام، وعلیه، فلابدّ من الالتزام باندکاك الأمر النفسی الاستحبابی فی الوجوب، وحینئذ، کیف یمکن أن
یکون منشأً للعبادیّۀ؟
قال الأُستاذ: وهذا الإشکال أیضاً قد تعرّض له الشیخ وأجاب عنه: بأن زوال الطلب قد یکون بطروّ مفسدة، وقد یکون بطروّ مصلحۀٍ
أُخري للطلب، فإنْ کان الطارئ هو المفسدة فلا مطلوبیۀ نفسیۀ، وإنْ کان هو المصلحۀ، فإنّ حدّ المطلوبیّۀ یزول بعروضها وأمّا أصل
المطلوبیۀ فباق، وحینئذٍ، یمکن الإتیان بالطهارة بداعی أصل المطلوبیّۀ النفسیّۀ.
بأنّ الوجوب الغیري إن کان الإرادة الشدیدة فلا کلام، کأن یکون الوضوء- مثلًا- :«1» وقد أوضح المحقّق الإصفهانی هذا الجواب
مطلوباً نفسیّاً قبل الوقت
__________________________________________________
.119 / 1) نهایۀ الدرایۀ 2 )
ص: 56
ومتعلّقاً للإرادة، ثمّ بعد الوقت تشتدّ الإرادة نفسها فیکون واجباً … لأنّ الإرادة قابلۀ للشدّة کما هو معلوم، نظیر النور، فإنّه مع مجیء
النور الشدید لا ینعدم النور الضعیف السابق علیه. وإن کان الأمر، بمعنی أنّ الوجوب الغیري أمر آخر غیر الأمر الاستحبابی النفسی، فلا
ریب فی زوال الأمر النفسی بمجیئه، لاستحالۀ اجتماع المثلین، لکنّ ملاکه باق ولا مانع من التقرّب بملاك الأمر النفسی.
وقد تنظرّ فیه الاستاذ بما حاصله: أنّه ینافی مسلکه فی الإرادة الغیریّۀ والأمر الغیري، وذلک لأنّه قد ذهب فیما سبق إلی أنّ الإرادة
الغیریّۀ والأمر الغیري لا یقبل اللّحاظ الاستقلالی، لکونه کالمعنی الحرفی، فلا یصلح للباعثیۀ، لأنّه غیر قابل للالتفات النفسی، نعم، یتم
هذا الجواب علی مسلکنا من أنّ هذه الإرادة وهذا الأمر ملحوظ بالاستقلال، ویمکن تعلّق القصد به وإنْ کان فی ضمن الإرادة
الشدیدة.
هذا تمام الکلام علی إشکال التیمّم، ومشکلۀ انقلاب الإستحباب النفسی إلی الطلب الغیري.
أمّا الأول، فقد اندفع بإثبات استحبابه استحباباً نفسیّاً من الروایات، وأمّا الثانی، فقد اندفع بناءً علی أنّ المطلوب بالطلب الغیري ملحوظ
باللحاظ الاستقلالی کما اخترناه.
بقی الکلام فی الإشکال: بأن الجاهل أو الغافل غیر الملتفت إلی الإستحباب النفسی، إنّما یأتی بالطهارات بقصد الأمر الغیري،
والمفروض أنّ الأمر الغیري توصّ لی ولیس بعبادي … فإنّ هذا الإشکال باقٍ بعد ما تقدّم من سقوط جواب المیرزا بدعوي عبادیّتها
وقد تفصّی عن » بنفس الطلب المتعلّق بالصّلاة، فلنرجع إلی الوجوه الأُخري المطروحۀ فی حلّ هذا الإشکال، فقد قال فی الکفایۀ
ص: 57
ولکنّ الأولی هو التعرّض لکلام الشیخ نقلًا عن التقریرات مباشرةً، فإلیک محصّل کلامه أعلی اللَّه «1 …» « الاشکال بوجهین آخرین
صفحۀ 44 من 205
:«2» فی علوّ مقامه
إنّ من المقدّمات ما ندرك توقّف ذي المقدّمۀ علیه، ومنها ما لا ندرکه، فالأوّل کتوقف الصعود علی السطح علی نصب السلّم، فإنّ
هذا واضح عند کلّ عاقل سواء جاء بیان فیه من الشارع أو لا، لکنّ توقّف ال ّ ص لاة علی الطهارة من القسم الثانی، فإنّا لا ندرك کیفیّۀ
توقف أفعال ال ّ ص لاة من الحرکات والسکنات علی الوضوء مثلًا، فلابدّ من الرجوع إلی الشارع، ومن أمره بالوضوء عند القیام إلی
الصّلاة نستکشف توقّفها علیه.
ثمّ إنّ الأفعال أیضاً مختلفۀ، فمنها: ما یکون حسنه معلوماً، ومنها: ما لا نعلم جهۀ الحسن فیه، ومنها: ما یختلف بالوجوه فهو من وجهٍ
حسن ومن وجهٍ قبیح، کالقیام مثلًا عند دخول الشخص، فقد یکون تعظیماً وإکراماً له وقد یکون إهانۀً…
وأمر الوضوء من هذا الحیث أیضاً مجهول، فإنّا لا ندرك أنّ الوضوء فی أیّۀ حالۀٍ یتّصف بالحسن حتی یکون مقدّمۀً للصّلاة.
وعلی الجملۀ، فإنّا جاهلون بالعنوان الذي به یتّصف الوضوء بالحسن والمقدمیّۀ للصّلاة، ولکنّ الشارع لمّا أمر بالوضوء أمراً غیریّاً، کان
أمره بذلک طریقاً لأنْ نأتی بالوضوء بعنوانه، وإنْ کان العنوان علی حقیقته مجهولًا عندنا.
وحاصل هذا الوجه:
أوّلًا: لیس الحسن والمقدمیّۀ للوضوء بالنسبۀ إلی ال ّ ص لاة حاصلًا من جهۀ نفس الأمر الغیري حتی یلزم الدور، بل ذلک یحصل من
عنوانٍ یکون الأمر
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الأُصول: 111 )
. 2) مطارح الانظار: 71 )
ص: 58
الغیري طریقاً إلیه.
وثانیاً: إنّ الأمر الغیري لا یوجب القرب والثواب کما تقدّم، لکنّ العمل قد تعنون بعنوانٍ، فکان الإتیان به مقرّباً لذلک العنوان، غایۀ
الأمر هو مجهول، ولا ضیر فی ذلک.
وثالثاً: صحیح أنّ الأمر الغیري المتعلّق بالوضوء توصّ لی، ولا یمکن أن یکون تعبّدیاً- والحال أنّ الوضوء عبادة- لکنّ عبادیّۀ الوضوء
لم تنشأ من ناحیۀ هذا الأمر حتی یرد الإشکال، وإنّما هی من ناحیۀ ذلک العنوان المجهول الذي کان الأمر الغیري طریقاً إلیه، فإندفع
الإشکال. لکنّ عبادیّۀ العمل منوطۀ بالقصد، ومع الجهل بالعنوان الموجب للعبادیّۀ کیف یقصد؟ فأجاب الشیخ: بکفایۀ قصد الأمر
الغیري، لأنّه یدعو إلی الإتیان بالوضوء بذلک العنوان، فصار العنوان مقصوداً عن طریق الأمر الغیري.
هذا، ولا یخفی أنّ بهذا الوجه تنحلّ مشکلۀ التیمّم أیضاً- لأنّ الشیخ قد أشکل علی استحبابه النفسی لظاهر الأخبار، بعدم ذهاب
الأصحاب إلی ذلک- فإنّه یتم استحبابه ویکون مقدّمۀً للصلاة بعنوانٍ یکون الأمر الغیري طریقاً إلیه وکاشفاً عنه.
لکن یرد علی هذا الوجه:
أوّلًا: ما ذکره الشیخ نفسه من أنّ عدم درکنا لکیفیّۀ توقف ذي المقدّمۀ علی المقدّمۀ وترتّبه علیها، غیر منحصر بالطهارات الثلاث، فإنّ
لل ّ ص لاة مقدّمات أُخري أیضاً قد اعتبرها الشارع مقدّمۀً لها ونحن نجهل کیفیۀ توقّفها علیها، فلو کانت المقدمیّۀ المأخوذة شرعاً توجب
عبادیّۀ المقدّمۀ ولزوم الإتیان بها بعنوان العبادة، فلابدّ من القول بذلک فی تلک المقدّمات أیضاً، مع أنّ وجوب
ص: 59
الإتیان بقصد القربۀ وبالوجه الحسن یختصُّ بالطهارات الثلاث فقط.
وثانیاً: ما ذکره المحقّق الخراسانی من أنّه کما یمکن قصد ذلک العنوان- الموجب لحسن العمل والمجهول عندنا- بطریقیّۀ الأمر
صفحۀ 45 من 205
الغیري، کذلک یمکن قصده بنحو التوصیف، کأن یقصد الوضوء بوصف کونه مأموراً به، فلا یکون إتیانه بالوضوء بداعویّۀ الأمر
وطریقیّته، وإذا أمکن قصد تلک الخصوصیّۀ المجهولۀ بالتوصیف- لا بمحرکیّۀ الأمر الغیري- أمکن أنْ یکون الداعی شیئاً آخر غیر
أخذ الشارع، فمن أین تحصل العبادیّۀ؟
هذا، وذکر المحقّق الخراسانی وجهاً آخر وهو: إنّه لا ریب فی عبادیّۀ نفس ال ّ ص لاة، وأنّها یؤتی بها بالوجه القربی- سواء بالأمر الأوّل
أو بالأمر الثانی- وکما أنّ الأمر قد اقتضی الإتیان بذي المقدّمۀ- أيال ّ ص لاة- بوجهٍ قربی، کذلک یقتضی أن یؤتی بمقدّماته علی
الوجه المزبور. إذن، لم یکن الإتیان بالطّهارات بالأمر الغیري، لیرد الإشکال بأنّه لا یوجب العبادیّۀ، بل إنّه باقتضاء الأمر بالصّلاة نفسه.
قال الأُستاذ: حاصله: لزوم الاتیان بالطهارات بقصد القربۀ باقتضاء نفس الأمر المتوجّه إلی ال ّ ص لاة، لکنّ هذا الوجه لم یوضّح کیفیّۀ
تأثیر الأمر المتعلّق بالصّلاة فی مقدّمات الصّلاة وهی الطهارات الثلاث.
وذکر المحقّق الخراسانی وجهاً آخر وحاصله: أنّه کما تمّت العبادیّۀ لل ّ ص لاة بمجموع أمرین، تعلّق الأوّل بالأقوال والأفعال والثانی
بوجوب الإتیان بها بقصد القربۀ، کذلک تتمّ العبادیۀ للطّهارات بأمرین، أفاد أحدهما وجوب الإتیان بالغسلات والمسحات- فی
الوضوء مثلًا- والثانی وجوب الإتیان بها بقصد القربۀ وداعی الأمر الشرعی … فلا تکون عبادیّتها بالأمر الغیري.
ص: 60
قال الأُستاذ:
وفیه: الفرق الواضح بین ال ّ ص لاة والطهارات، لأنّ الأمر الأوّل المتعلّق بأجزاء ال ّ ص لاة کان أمراً نفسیّاً، وهو مقرّب، والامتثال له موجب
للثواب، بخلاف الأمر فی الطهارات، فإنّ الأمر الأوّل فیها غیري، فلو جاء أمر آخر یقول بلزوم الإتیان بها بداعی الأمر، فأيّ أمر هو
المقصود؟ إن کان الأمر الأوّل فهو غیري، والأمر الغیري لا یستتبع ثواباً وعقاباً، وإنْ کان غیره فما هو؟
وتلخص:
إن مشکلۀ عدم استتباع الأمر الغیري للثواب والعقاب باقیۀ علی المبنی، وأنّه کیف یکون ممتثلًا من أتی بالطهارة مع الغفلۀ عن
الاستحباب النفسی لها؟
وذکر المحقّق الایروانی: أنّ الاشکال المهم فی المقام هو: عدم إمکان عبادیّۀ المقدّمۀ التی تعلّق بها الأمر الغیري، لأنّها إنّما جعلت
مقدّمۀ من أجل التوصّل بها إلی ذیها، فبنفس الغسلات والمسحات یتحقّق المقدّمۀ ولا یعتبر فیه قصد القربۀ.
فأجاب: بأنّ توقّف ال ّ ص لاة علی الطهارة لیس من قبیل توقّف الکون علی السطح علی نصب السلّم، إذ الأمر بذلک غیر مقیّد بنصبه،
بخلاف بنصبه، لکنّ الأمر بالصّلاة فإنه مقیَّد بالطهارة، فیکون تقیّدها بها داخلًا فی المأمور به، فکانت الصّلاة مرکّبۀً من الأجزاء الواقعیّۀ
کالتکبیر والرکوع والسجود … ومن جزءٍ عقلی هو تقیّدها بالطّهارة … ولمّا کانت ال ّ ص لاة عبادة مقیّدةً بهذه القیود، فإنّ مقتضی
علی الوجه المذکور لا یتحقّق « التقیّد » عبادیّتها أن یؤتی بجمیع القیود علی الوجه القربی ومنها التقید المذکور، لکن الإتیان ب
مثلًا علی ذلک الوجه … فتحقّق العبادیّۀ للطهارات الثلاث ولزوم « الوضوء » وهو « القید » إلّابالإتیان ب
ص: 61
الإتیان بها علی الوجه القربی.
إشکال الأُستاذ
وأورد علیه الأُستاذ بوجهین: أحدهما فی قوله فی طرح الاشکال بعدم امکان کون الأمر الغیري عبادیّاً، وأنّه غیر معقول. فإنّ فیه: أنّ
المقدّمۀ هی ما یتوقّف علیه الشیء، وهو قد یکون عبادةً تتقوّم بالقصد، وقد لا یکون کذلک.
والثانی فی قوله فی تقیّد ال ّ ص لاة بالطهارة بأنّه عبادي. ففیه: أن کونه عبادة یحتاج إلی دلیلٍ، فإنْ کان الدلیل علیه هو نفس الدلیل علی
وجوب الإتیان بال ّ ص لاة بقصد القربۀ، بتقریب أنّ ال ّ ص لاة فی هذه الحال مرکّبۀ من التقیّد ومن الأجزاء، فإن هذا یتوقّف علی دخول
صفحۀ 46 من 205
التقیّد المذکور فی ماهیّۀ ال ّ ص لاة بحیث لا یصدق عنوان ال ّ ص لاة إنْ جرّدت عنه، والحال أنه لیس کذلک، بل یصدق عنوان ال ّ ص لاة
علی الفاقدة للتقیّد.
وعلی فرض دخول التقیّد فی ال ّ ص لاة کذلک، فما الدلیل علی ضرورة کون القید- کالوضوء مثلًا- عملًا عبادیّاً حتی یتحقّق التقیّد؟ بل
إنّ الصّلاة مقیّدة بعدم الخبث فی لباس المصلّی، فکان التقیّد داخلًا، مع أنّ غسل الثوب المحصّل له لیس بعملٍ عبادي.
وذکر بعضهم: إنّ منشأ العبادیّۀ للطهارات هو قابلیّتها للتقرّب إلی المولی، وهذا کاف لترتّب الآثار کالثواب … ویشهد بکفایۀ القابلیّۀ
ارتکاز المتشرعۀ، فإنّهم لا یأتون بالوضوء- مثلًا- بداعی استحبابه النفسی، بل یأتون به بعنوان أنه بنفسه قابل للتقرّب به إلی المولی.
اشکال الأُستاذ
فأورد علیه الأُستاذ: بأنْ الأُمور ثلاثۀ، فمنها: ما لا یصلح للمقربیّۀ لأنّه
ص: 62
لا یقبل الإضافۀ إلی المولی أصلًا کالظلم، لقبحه الذاتی. ومنها: ما یصلح لذلک لأنّه یقبل الإضافۀ إلیه کالعدل، لحسنه الذاتی، ومنها:
ما لا یصلح لذلک إلّابعد الإضافۀ وأمّا قبلها فلا، والحاکم فی صلوحه لذلک هو العقل، والعقل یري المقربیّۀ فی أحد أمرین إمّا أن
یکون مقرّباً بالذات کالتعظیم، وإمّا أن یکون مقرّباً بالعرض … والطهارات الثلاث لیست عبادةً بالذات، وعبادیتها بالعرض موقوف
علی إضافتها إلی المولی، بأنْ یؤتی بها بداعی الأمر أو المحبوبیّۀ، فلا یکفی مجرّد القابلیّۀ فیها للعبادیّۀ.
والصحیح فی المقام أن یقال: إنّ منشأ عبادیّۀ الطّهارات الثلاث أحد أمرین علی سبیل منع الخلو أحدهما: قصد » : وقال السید الخوئی
إمتثال الأمر النفسی المتعلّق بها مع غفلۀ المکلّف عن کونها مقدمۀ لواجب أو مع بنائه علی عدم الإتیان به، کاغتسال الجنب- مثلًا- مع
غفلته عن إتیان الصلاة بعده أو قاصد بعدم الإتیان بها، وهذا یتوقّف علی وجود الأمر النفسی، وقد عرفت أنّه موجود.
وثانیهما: قصد التوصّ ل بها إلی الواجب، فإنّه أیضاً موجب لوقوع المقدّمۀ عبادة ولو لم نقل بوجوبها شرعاً، لما عرفت فی بحث
.«1» « التعبّدي والتوصّلی من أنّه یکفی فی تحقّق قصد القربۀ إتیان الفعل. مضافاً به إلی المولی وإن لم یکن أمر فی البین
إذن، ارتفع الإشکال، لأنّ عبادیّۀ العمل أصبحت منوطۀً بإضافته إلی المولی وهی متحقّقۀ، کما یرتفع اشکال ترتّب الثواب، لأنّه قد
أتی بالعمل بقصد التوصّل إلی الواجب النفسی لا بداعی الأمر الغیري.
__________________________________________________
.229 / 1) محاضرات فی أُصول الفقه 2 )
ص: 63
قال الأُستاذ
إنّ هذه النظریّۀ متّخذة من کلام الشیخ الأعظم رحمه اللَّه فی باب التعبّدي والتوصّلی، ومن کلام له فی باب المقدّمۀ.
بأنّ الفرق بینهما لیس من ناحیۀ الأمر، بل من ناحیۀ الغرض :«1» ( قال الشیخ فی الفرق بین التعبّدي والتوصّ لی کما فی (التقریرات
والمصلحۀ القائمۀ بمتعلّق الأمر، ففی التوصّ لی تتحقّق المصلحۀ بالإتیان بالمتعلّق، أمّا فی التعبّدي فلا، بل لابدّ من الإتیان بقصد
الامتثال، فیکون فی التوصّ لی أمر واحد، وفی التعبدي أمران، یتعلّق الأول منهما بالعمل کقوله صلّ، والثانی یقول: أقم الصلاة بقصد
.« متمم الجعل » الامتثال وداعی الإطاعۀ، وهذا ما أخذه المیرزا واصطلح علیه ب
بأنّ التوصّل إلی ذي المقدمۀ تارةً: یکون بصرف وجود الأمر الغیري بلا دخلٍ لأمرٍ آخر، وأُخري: لا :«2» وقال الشیخ فی باب المقدّمۀ
یتحقّق التوصّ ل إلی ذي المقدّمۀ إلّابالإتیان بالمقدّمۀ بداعی التوصّ ل إلی ذیها، إذن، لابدّ من أمرٍ آخر لإفادة هذا المعنی وتحقیق
الغرض من الأمر، کما هو الحال فی التعبّدي والتوصّ لی، مع فرق بینهما هو أنّ الأمرین هناك کلاهما نفسی، بخلاف المقام فإنّ
الأمرین کلیهما غیریّان، لتعلّق الأول بالوضوء وهو مقدمۀ لل ّ ص لاة فهو غیري، وکذلک الثانی الذي أفاد الإتیان بالوضوء بداعی التوصّل
صفحۀ 47 من 205
إلی الصّلاة کما لا یخفی.
طریقۀ الُأستاذ لحلّ الاشکال … ص: 63
وقال الأُستاذ دام بقاه: بأنّ الإتیان بالعمل بداعی الأمر الغیري یرفع جمیع المشاکل، فإنّه یرفع مشکلۀ ترتّب الثواب ویرفع مشکلۀ عبادیۀ
الطهارات
__________________________________________________
. 1) مطارح الانظار: 58 )
. 2) المصدر: 78 )
ص: 64
الثلاث، وعلی الجملۀ، فإنّ العبادیّۀ تتحقّق بالأمر الغیري وتترتّب علیه جمیع الآثار.
أمّا ترتّب الثواب، فیکفی فیه الإتیان بالعمل مضافاً إلی المولی، فإذا أُضیف إلیه صلح لأنْ یکون مقرّباً إلیه ولأن یترتّب علیه الأجر
والثواب، بل العقل حاکم بکفایۀ الإتیان به بمجرّد کون المحرّك نحوه مطلوبیّته للمولی، فلا خصوصیّۀ لإضافته إلیه، بل إنّ حصوله
بداعٍ إلهی یجعله مورداً للثواب، والإتیان بالطهارات کذلک، وإنْ کان الطلب الدّاعی له غیریّاً لا نفسیّاً.
وکذلک عبادیّۀ العمل، فإنّها تتحقّق بإضافته إلی المولی وإنْ کان الطلب المتوجّه إلیه غیریّاً، لعدم الفرق فی تحقّق الإضافۀ بین الطلب
النفسی والغیري، والأمر فی الطهارات الثلاث من هذا القبیل، فالعبادیّۀ متحقّقۀ فیها بالأمر الغیري ولا إشکال فی ذلک، إلّامشکلۀ الدور
التی ذکرها الشیخ، لأن متعلّق الأمر فیها لیس هو الأفعال من الغسل والمسح، بل الأفعال بوصف العبادیّۀ، فلو تحقّقت العبادیّۀ لها من
ناحیۀ الأمر الغیري لزم الدور.
وقد تقدّم منّا حلّ هذه المشکلۀ: بأنها تبتنی علی أنْ تؤخذ فی متعلّق الأمر الغیري خصوصیّۀ الإتیان به بقصده، إذْ یلزم تقدم المتأخّر
وتأخّر المتقدّم، أو لا تؤخذ ولکنّ الإطلاق یکون بنحو جمع الخصوصیّات، فتکون الخصوصیّۀ المذکورة مأخوذةً فی ضمنها، وأمّا إذا
کان المتعلّق وهو الغسل والمسح فی الوضوء مطلقاً بنحو رفض القیود، کان المأخوذ فیه طبیعۀ العبادیّۀ، ویکون الإتیان به بقصد الأمر
الغیري من مصادیق الطبیعۀ، فالأمران مختلفان والدور غیر لازم.
وتلخّص: إنّ منشأ عبادیّۀ الطهارات الثلاث أحد أُمور ثلاثۀ:
-1 قصد امتثال الأمر الاستحبابی النفسی، فالعمل مضاف إلی المولی. ذکره
ص: 65
المحقّق الخراسانی.
-2 قصد التوصّل بها إلی الواجب النفسی، لأنّه یتحقّق لها بذلک إضافۀ إلی المولی. ذکره الشیخ.
-3 قصد الأمر الغیري، لأنّه یضاف العمل للمولی، وإشکال الدور مرتفع بما ذکرناه، وإن کان من الشیخ وارتضاه الآخرون، وقال فی
فقد ظهر أنّه معقول، لأنّ الدور إنّما یلزم لو أُخذ خصوص الأمر .«1» (المحاضرات): بأنّ الأمر الغیري لا یعقل أن یکون منشأً لعبادیّتها
الغیري فیها، أمّا مع أخذ العبادیّۀ مطلقاً أيبنحو رفض القیود فلا یلزم.
وهذا تمام الکلام فی الطهارات الثلاث.
__________________________________________________
(1)
.232 / محاضرات فی أُصول الفقه 2
صفحۀ 48 من 205
ص: 67
هل الوجوب