گروه نرم افزاری آسمان

صفحه اصلی
کتابخانه
جلد سوم
هل الوجوب الغیري یتعلّق بمطلق المقدّمۀ أو حصّۀٍ معیّنۀٍ منها …؟ ص: 67
اشارة







ص: 69
ثم إنّه قد وقع الخلاف بین الأعلام فی متعلّق الوجوب الغیري، فهل هو مطلق المقدمۀ أو خصوص حصّۀ معیّنۀ منها؟ أقوال:
أحدها: ما نسب إلی صاحب المعالم: من اشتراط وجوب المقدمۀ بالعزم والإرادة علی الإتیان بذیها … فیکون قیداً للوجوب.
والثانی: ما نسب إلی الشیخ من أنّ متعلّق الوجوب: المقدّمۀ التی قصد بها التوصّل إلی الواجب … فیکون قیداً للواجب.
والثالث: ما اختاره صاحب الفصول: من أنّ متعلّق الوجوب هو المقدّمۀ الموصلۀ إلی ذي المقدّمۀ.
والرابع: ما نسب إلی المشهور: من أنّ متعلّق الوجوب هو المقدّمۀ.
. النظر فی القول الأوّل … ص: 69
إنّ کلمات صاحب (المعالم) مضطربۀ مختلفۀ، فله کلام یحتمل أنّه یرید کون الوجوب مشروطاً بإرادة ذي المقدّمۀ بنحو القضیّۀ
الشرطیۀ، وأن یرید أنّها واجبۀ حین إرادة ذي المقدّمۀ بنحو القضیّۀ الحینیّۀ.
وکلامه علی کلّ تقدیر غیر مقبول، لأنّه بناءً علی وجوب المقدّمۀ، فإنّ المبنی فیه هو الملازمۀ بین مطلوبیّۀ ذي المقدمۀ بالطلب النفسی
ومطلوبیّۀ المقدمۀ بالطلب الغیري، وعلیه یکون وجوبها تابعاً لوجوبه ولا تفکیک بینهما،
ص: 70
وحینئذٍ، یستحیل تقیّد وجوب المقدمۀ بإرادة ذیها، لأنّ الوجوب إنما هو من أجل أن یؤثّر فی الإرادة، فاشتراطه بها تحصیل للحاصل
…ووجوب شیء فی حال أو حین إرادة ذلک الشیء، فإنّه تحصیل للحاصل کذلک.
إذن، لیس وجوب المقدّمۀ مشروطاً بإرادة ذي المقدّمۀ، ولا هو فی حال إرادته.
والحاصل، إنّه بعد ثبوت التبعیۀ، یستحیل الاشتراط بالإرادة أو التقیید بحالها، وإلّا یلزم التفکیک بین الوجوبین الغیري والنفسی.
. النظر فی القول الثانی … ص: 70
اشارة
بأنّ المقدّمۀ مقیّدة بداعی التوصّل، وهو قید اختیاري، بخلافه فی القول الثالث، فإنّه ،«1» ( وهو القول المنسوب إلی الشیخ (التقریرات
قید قهري کما سیأتی …، وأیضاً، هو قیدٌ للواجب لا للوجوب.
وقد استدلّ لهذا القول:
بأنّ ما یتوقّف علیه الشیء معنون بعناوین، لکنّ العنوان الذي یدخل تحت الأمر الغیري بحکم العقل هو عنوان المقدمیّۀ لذي المقدّمۀ،
فنصب السلّم مثلًا یتصوّر له أکثر من عنوان، إلّاأنّ متعلّق الأمر الغیري فیه عنوان المقدمیّۀ للصعود إلی السطح، إذ الأمر لم یتعلّق به
بعنوان نصب السلّم بما أنّه کذلک بل بما أنّه مقدّمۀ … وإذا کان هذا هو المتعلّق للأمر، فلا ریب أنّ الأمر لا یدعو إلّاإلی متعلّقه،
وداعویّته لغیر المتعلّق مستحیلۀ، فإذا لم یؤت به بهذه الخصوصیّۀ لم یتحقّق الامتثال.
وعلی هذا، فإن مصداق الواجب- سواء فی المقدّمات العبادیّۀ أو غیرها-
صفحۀ 49 من 205
__________________________________________________
.73 - 1) مطارح الأنظار: 72 )
ص: 71
هو ما أُتی به بقصد المقدّمۀ لذیها، وإنّ ما یُحقّق عنوان المقدمیّۀ هو الإتیان بداعی التوصّل، غیر أنّه فی العبادیّات یعتبر قصد القربۀ
أیضاً.
وقد أیّد الشیخ مطلبه بما فی الأوامر العرفیّۀ، فلو أمر المولی عبده بتحصیل الثمن وشراء اللّحم به، ثم حصل الثمن لا بقصد شراء اللّحم،
لم یکن تحصیله عند العرف امتثالًا للأمر، لأنّه قد أمر بتحصیل الثمن لاشتراء اللّحم.
وفرّع الشیخ علی مسلکه مسألتین:
أحدهما: إنّه لو کان علی المکلّف صلاة قضاءٍ، فتوضّأ قبل الوقت لا بداعی ال ّ ص لاة الفائتۀ ولا بقصد غایۀٍ من الغایات للوضوء، فلا
یجوز له الصّلاة به، لأنّ المتعلّق للوجوب هو المقدّمۀ المأتی بها بداعی التوصّل لذي المقدّمۀ.
وثانیهما: إنّه لو اشتبهت القبلۀ فصلّی المکلّف إلی جهۀٍ من الجهات من غیر أن یقصد بها التوصّل إلی الإحتیاط الواجب،- کأن لم یُرد
الصلاة إلی الجهات الأُخري- بطلت صلاته. ولذا لو عزم علی الإحتیاط بالصّلاة إلی الجهات وجب علیه إعادة تلک الصّلاة، أمّا لو قلنا
بعدم اعتبار قصد التوصّل، فإنّه لو قصد ال ّ ص لاة إلی جهۀٍ واحدةٍ فقط، ثمّ بدا له وأراد ال ّ ص لاة إلی جمیعها عملًا بالاحتیاط، لم تجب
علیه إعادة الصّلاة الأولی.
بخروج هذه الثمرة عن البحث، لأنّ البحث فی المقدّمۀ الوجودیۀ لا العلمیّۀ. - «1» وأورد علیه المیرزا- وتبعه الأُستاذان
هذا فی العبادات.
وأمّا فی غیرها، فمن المقدّمات ما لا یعتبر فیه قصد التوصّل، فلا فرق بین رأي الشیخ ورأي المشهور، مثل غسل الثیاب لا بداعی
التوصّل إلی الصّلاة. ومنها
__________________________________________________
.283 / 261 ، منتقی الأُصول 2 / 1) أجود التقریرات 1 )
ص: 72
ما یعتبر فیه ذلک، وتتحقّق الثمرة بین القولین فیما لو أمر بإنقاذ الغریق وتوقف ذلک علی التصرّف فی ملک الغیر، فیقول الشیخ: بأنّه
لو تصرّف بداعی إنقاذ الغریق فلا حرمۀ، لأنّ متعلّق الوجوب هو التصرّف بداعی التوصّل به إلی الإنقاذ، ولمّا کان الإنقاذ أهمّ فلا تبقی
الحرمۀ، أمّا لو تصرّف لا بداعی التوصّل به للإنقاذ فالحرمۀ باقیۀ وإن حصل الإنقاذ.
کلام المحقّق الاصفهانی فی توجیه مراد الشیخ … ص: 72
اشارة
لتوجیه کلام الشیخ بما تقریبه: «1» وقد تصدّي المحقّق الاصفهانی
-1 إنّ الأحکام العقلیّۀ منها نظریّۀ ومنها عملیّۀ، فمن أحکام العقل النظري:
استحالۀ اجتماع النقیضین وارتفاعهما، بل هذا هو أُمّ القضایا فیها. ومن أحکام العقل العملی: حسن العدل وقبح الظلم، بل هذا هو أُمّ
القضایا فیها.
أمّا الأحکام الشرعیّۀ، فإنّ الغایات منها- وهی متأخّرة وجوداً ومتقدّمۀ فی اللّحاظ- هی العلل لجعل تلک الأحکام، فالحکم یتوجّه إلی
صفحۀ 50 من 205
بل إنّ کونه کذلک علّۀ للحکم، فالمصلحۀ المترتّبۀ علی العمل خارجاً متأخّرة عن « کونه ذا مصلحۀ » ذات العمل ولیس فی متعلّقه قید
العمل، لکنّها فی الحقیقۀ هی العلّۀ للحکم، بخلاف الأحکام العقلیّۀ- مطلقاً- فإنّ متعلّق الحکم فیها هو المصلحۀ وهی الموضوع،
فنقول فی الأحکام الشرعیّۀ: هذا واجب لأنّه ذو مصلحۀ. وفی الأحکام العقلیّۀ نقول: ذو المصلحۀ واجب، فیکون اللزوم والوجوب
وهو الموضوع للحکم … فالعقل یدرك استحالۀ الدور- فی الأحکام الشرعیّۀ- وهذه الکبري تطبّق علی « ذو المصلحۀ » متعلّقاً ب
مواردها، مثل ما تقدّم فی محلّه: من أنّ أخذ قصد الأمر فی المتعلّق محال … فهو لا یدرك استحالۀ أخذه کذلک، بل
__________________________________________________
.134 -113 / 1) نهایۀ الدرایۀ 2 )
ص: 73
یدرك الکبري التی هذا المورد من صغریاتها.
وفی الأحکام العملیّۀ کذلک، فهو لا یدرك أنّ ضرب الیتیم تأدیباً حسن بل یدرك: التأدیب حسن، ثم الکبري تطبّق علی هذه
الصغري، فهو یحکم بحسن ضرب الیتیم لکونه مصداقاً لکبري حسن العدل.
فعلی هذا، فإن القیود فی الأحکام العقلیۀ تدخل تحت الطلب، أيکون العمل ذا مصلحۀٍ، أو کونه عدلًا، بخلاف الأحکام الشرعیّۀ، فإن
کون صلاة الظهر ذات مصلحۀٍ ثابت، لکنّ هذا القید غیر داخلٍ تحت الأمر بل هو العلّۀ له.
هذا، والبرهان علی رجوع أحکام العقل النظري کلّها إلی اجتماع النقیضین وارتفاعهما هو: أنّ کلّ ما بالعرض ینتهی إلی ما بالذات.
وعلی هذا الأساس أیضاً ترجع أحکام العقل العملی إلی حسن العدل وقبح الظلم.
هذا … فیقول الإصفهانی: إنّ ما ذکره الشیخ صحیح علی القاعدة، لأنّ المفروض کون وجوب المقدمۀ من باب الملازمۀ بینها وبین
ذیها، والملازمۀ حکم عقلی، وإذا کان کذلک، فلیس نصب السلّم بموضوعٍ للوجوب، بل موضوعه هو الصعود علی السطح، فنصب
السلّم المقصود بالعرض، المنتهی إلی ما بالذات هو المقدّمۀ … وهذا العنوان لا یتحقّق بدون الداعی للتوصّل إلی ذي المقدّمۀ.
إشکال الُأستاذ … ص: 73
إنّ هذا الذي ذکره المحقّق الاصفهانی إنّما یتمّ فی الأحکام العقلیّۀ، فالتأدیب مثلًا هو موضوع الحکم لا خصوص ضرب الیتیم … أمّا
فی الأحکام الشرعیّۀ فلا، ومقامنا من الأحکام الشرعیّۀ وإن کان الکاشف عنه هو العقل … لأنّ وجوب المقدّمۀ شرعاً- علی القول به-
حکم غیري، من جهۀ أنّ من یطلب شیئاً
ص: 74
فهو طالب لمقدّمته أیضاً، للتلازم بین إرادته وإرادتها، فهذا ثابت فی عالم الثبوت، غیر أنّ الکاشف عنه فی عالم الإثبات هو حکم
العقل. فکون الحیثیات التعلیلیّۀ- مثل کون العمل ذا مصلحۀٍ کما تقدّم- حیثیّات تقییدیّۀ وموضوعات للأحکام العقلیّۀ، صحیح فی
الأحکام العقلیّۀ، لکنّ وجوب المقدّمۀ حکم شرعی کما هو المفروض، فلا تنطبق علیه القاعدة المذکورة … بل إنّ موضوع الحکم
الشرعی فی المقام هو ذات المقدّمۀ فقط … وفاقاً للمحقّق الخراسانی.
-2 إنّه دائماً یتعلّق الأمر بالح ّ ص ۀ المقدورة، وما کان خارجاً عن الاختیار فلا یتعلّق الأمر به، وعلیه، فالمتعلّق للأمر الغیري هو الح ّ ص ۀ
المقدورة، الاختیاریۀ، وهی ما قصد به المقدمیّۀ والتوصّل به إلی الغیر.
اشکال المحاضرات … ص: 74
صفحۀ 51 من 205
بأنّ هذا إنّما یتمّ فیما إذا کانت القدرة علی المتعلّق مأخوذةً فیه شرعاً وواردة فی لسان الدلیل، کما :«1» ( وأورد علیه فی (المحاضرات
علی « القدرة » هو « الوجدان » وکذا فی آیۀ التیمّم، بناءً علی أنّ المراد من ،« القدرة » ب « الإستطاعۀ » فی آیۀ الحج، بناءً علی تفسیر
الإستعمال شرعاً … لأنّه لا یمکن کشف الملاك فی أمثال هذه الموارد إلّافی خصوص الح ّ ص ۀ المقدورة. وأمّا الحصّۀ الخارجۀ عن
القدرة، فلا طریق للکشف عنه فیها.
وأمّا إذا کانت القدرة معتبرة فی المتعلّق بحکم العقل، فلا یتم ما ذکر، لأنّ القدرة علی بعض أفراد الطبیعۀ یکفی لتحقّقها علی الطبیعۀ.
ولمّا کان اعتبار القدرة علی المقدّمۀ حکماً عقلیّاً، لأنه الحاکم بأنّه لولا القدرة علیها فلا وجوب، فلا محالۀ لا یکون وجوبها مختصّاً بما
یصدر من
__________________________________________________
.245 / 1) محاضرات فی أُصول الفقه 2 )
ص: 75
المکلّف عن اختیار، بل یعمّه وغیره، وإذا کان الواجب هو الطبیعی الجامع بین المقدور وغیره، کان الإتیان به لا بقصد التوصّل مصداقاً
للطبیعی، فلا موجب لتخصیصه بالحصّۀ المقدورة.
نقد الُأستاذ … ص: 75
قال الأُستاذ: قد تقدّم أنّ مراد الشیخ هو أنّ متعلّق الوجوب لیس هو ذات المقدّمۀ بما هی ذات، ولا بما هی معنونۀ بعنوانٍ من العناوین،
بل المتعلّق هو الذات المعنونۀ بعنوان المقدمیّۀ، فلو أتی بها بدون قصد المقدمیّۀ کأن یصلّی صلاة الظهر لا بقصد عنوان الظهر، فلا
یتحقق الامتثال ولا یسقط الأمر.
وإذا کان هذا مراده، فلا ربط لکلام المحقّق الإصفهانی به، ولا لجواب المحاضرات وإن کان صحیحاً فی حدّ ذاته.
وتلخّص: إنّ الاشکال الوارد علی الشیخ هو: أنّ ما ذکره إنّما یتم فی الأحکام العقلیّۀ، ففیها یدخل العنوان تحت الطلب، أمّا فی
الأحکام الشرعیّۀ المستکشفۀ بالعقل فلا…
مختار الکفایۀ وردّه علی الشیخ … ص: 75
لمسلک الشیخ بالنقض والحلّ … فذکر أُموراً: «1» وتعرّض المحقّق الخراسانی
-1 إنّ الأمر معلول للغرض، ولا یعقل أن یکون أخصّ من الغرض. وهذا مراده من أنّ کلام الشیخ یستلزم التخصیص بلا مخصّص…
وتوضیحه:
إنّ الغرض من الأمر بالمقدّمۀ هو تحقّق ذیها، لأنّه یتوقّف علیها، وهذا الغرض یتحقّق سواء أُتی بالمقدّمۀ بداعی التوصّل إلی ذي
المقدّمۀ أو لا بهذا
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الأُصول: 114 )
ص: 76
الداعی، فتخصیص متعلّق الأمر الغیري بالحصّۀ التی یؤتی بها بهذا الداعی بلا مخصّص.
-2 إنّه لو أتی بالمقدّمۀ لا بداعی التوصّل، ثمّ بدا له أن یأتی بذي المقدّمۀ، لم یجب إعادة المقدّمۀ، وهذا دلیلٌ علی عدم تقیّد متعلّق
صفحۀ 52 من 205
الأمر الغیري بالإتیان به بداعی التوصّل، وعدم دخول عنوان المقدمیّۀ تحت الطلب، بل الأمر یسقط ویتحقّق الامتثال بلا قصدٍ للتوصّل.
فکلّ « بأنّ مناط المقدمیّۀ هو ما یلزم من عدمها عدم ذي المقدّمۀ » : -3 إنّ الشیخ أشکل علی صاحب الفصول القائل بالمقدّمۀ الموصلۀ
لا یلزم من عدمه عدم ذي المقدمۀ. « الموصلیّۀ » ما کان کذلک فیدخل تحت الطلب دون غیره، وقید
فقال المحقّق الخراسانی: بأنّ هذا الاشکال یرد علی الشیخ نفسه القائل بتقیّد المقدّمۀ: بالمأتی بها بداعی التوصّل إلی ذیها.
فهل یعتبر فی وقوعها علی صفۀ » : هذا، وقد ذهب المحقّق الخراسانی إلی عدم اعتبار قصد التوصّ ل، وعدم اعتبار الموصلیّۀ، قال
الوجوب أن یکون الإتیان بها بداعی التوصّل … أو ترتّب ذي المقدّمۀ علیها … أو لا یعتبر فی وقوعها کذلک شیء منهما؟ الظاهر
.« عدم الاعتبار
نعم، إنّما اعتبر ذلک فی الامتثال، لما عرفت من أنّه لما یکاد یکون الآتی بها بدونه ممتثلًا لأمرها » : ثمّ قال بعد المناقشۀ مع الشیخ
.« وآخذاً فی امتثال الأمر بذیها فیثاب بثواب أشق الأعمال
وحاصل کلامه: عدم دخل قصد التوصّل فی متعلّق الأمر الغیري، نعم له دخل فی عبادیّۀ المقدّمۀ.
وقد فرّع علی ذلک فی مسألۀ الدخول فی ملک الغیر لإنقاذ الغریق، بناءً
ص: 77
علی مختاره من أنّ الغرض هو تحقّق ذي المقدّمۀ فیؤتی بالمقدّمۀ لتوقّفه علیها:
بأنّ التوقف موجود سواء دخل لقصد التوصّل أو لا، فترتفع الحرمۀ حیث یکون الإنقاذ موقوفاً علی الدخول، غیر أنّه یختلف باختلاف
حال المکلّف من حیث الالتفات إلی التوقّف وعدمه، فتارةً: لا یکون ملتفتاً إلی توقف ذي المقدّمۀ- وهو الإنقاذ- علی الدخول، ففی
هذه الحالۀ یکون دخوله فی تلک الأرض مع اعتقاد الحرمۀ تجرّیاً، لأنّه قد أتی بما هو واجب علیه واقعاً مع اعتقاد حرمته. وأُخري:
یکون ملتفتاً إلی المقدمیّۀ والتوقف، فیکون دخوله حینئذٍ تجرّیاً بالنسبۀ إلی ذي المقدّمۀ، لأنّ المفروض عدم قصده التوصّل إلیه مع
وجوبه علیه. وثالثۀ:
یکون ملتفتاً ویقصد التوصّل، لکن هذا القصد ناشئ من داعٍ آخر، فیکون دخوله واجباً، فلا معصیۀ ولا تجرّي أصلًا.
موافقۀ الُأستاذ مع صاحب الکفایۀ فی الاشکال علی الشیخ … ص: 77
ثمّ إنّ الأُستاذ وافق علی الإیراد علی الشیخ بذلک- وإن کان له نظر فی کلام الکفایۀ- وسیأتی فیما بعد.
وحاصل الاشکال علی الشیخ: إنّه لا مانع ثبوتاً من أخذ قصد التوصّل فی امتثال الأمر الغیري المتعلّق بالمقدّمۀ، ولکنّ الاشکال فی مقام
الإثبات، لأنّ الدلیل الإثباتی إن کان عن طریق الملاك، فلا وجه لحصر الملاك فی هذه الح ّ ص ۀ بل هو أعمّ. وإن کان أخذ الشارع
فی لسان الدلیل، فهو غیر موجود. وإن کان الارتکاز العرفی، فالحقّ عدم وجود هکذا ارتکاز عند العرف والعقلاء.
کلام المیرزا … ص: 77
اشارة
احتمل فی رأي الشیخ أوّلًا: أن یکون مراده أنّ القصد «1» ثمّ إنّ المیرزا
__________________________________________________
.342 -341 / 1) أجود التقریرات 1 )
ص: 78
صفحۀ 53 من 205
المذکور محقّق لعبادیّۀ المقدّمۀ، لا أنّه مأخوذ قیداً لمتعلّق الأمر الغیري. واحتمل ثانیاً: أن یکون مراده اعتبار القید المذکور فی مقام
التزاحم بین حکم المقدّمۀ وحکم ذیها، کما إذا کانت المقدّمۀ محرّمۀ، کالدخول فی ملک الغیر وذو المقدّمۀ واجب کإنقاذ الغریق،
ففی هذه الصورة ترتفع الحرمۀ عن المقدّمۀ لأهمیّۀ ذیها منها … ثمّ ذکر أنّه لو عصی ولم ینقذ الغریق ثبتت حرمۀ التصرّف فی ملک
الغیر، من باب الترتّب.
تعلیق الُأستاذ … ص: 78
وعقب الأُستاذ علی کلام المیرزا: بأن لا اضطراب فی کلام التقریرات، فإنّه صریح فی نسبۀ القول بأخذ القید المذکور فی المتعلّق.
وأمّا ما ذکره المیرزا من صورة المزاحمۀ، فإنّها بین الحرمۀ النفسیّۀ للمقدّمۀ وبین الوجوب النفسی لذیها، سواء قیل بوجوبها أو لا.
والحاصل: إنّه لا یتوقّف التزاحم فی المثال المذکور علی القول بوجوب المقدّمۀ مطلقاً، أو بقید التوصّ ل کما عن الشیخ، أو بقید
الموصلیّۀ کما عن صاحب الفصول.
وأمّا بقاء الحرمۀ للدخول فی صورة معصیۀ ذي المقدّمۀ، بناءً علی الترتّب، فسیأتی ما فیه فی مبحث الضد.
هذا تمام الکلام علی مسلک الشیخ فی المقام.
مسلک صاحب الفصول … ص: 78
اشارة
فجعل متعلّق الوجوب الغیري هو الحصّۀ الموصلۀ من المقدّمۀ، أيإنّه جعل ترتّب ذي ،«1» وقال صاحب (الفصول) بالمقدّمۀ الموصلۀ
المقدّمۀ علیها شرطاً لاتّصافها بالوجوب.
__________________________________________________
(1)
. الفصول الغرویّۀ: 86
ص: 79
وقد استدلّ لما ذهب إلیه بوجوه:
الأوّل: إنّ وجوب المقدّمۀ لمّا کان من باب الملازمۀ العقلیّۀ، فالعقل لا یدلّ علیه زائداً علی القدر المذکور.
والثانی: إنّه لا یأبی العقل أنْ یقول الآمر الحکیم: أرید الحج وأرید المسیر الذي یتوصّل به إلی فعل الواجب دون ما لم یتوصّل إلیه،
بل الضرورة قاضیۀ بجواز تصریح الآمر بمثل ذلک، کما أنّها قاضیۀ بقبح التصریح بعدم مطلوبیّتها له مطلقاً أو علی تقدیر التوصّل بها
إلیه، وذلک آیۀ عدم الملازمۀ بین وجوبه ووجوب مقدّماته علی تقدیر عدم التوصّل بها إلیه.
والثالث: إنّ الأمر تابع للغرض الداعی إلیه، ولا یمکن أن یکون الأمر أضیق أو أوسع من الغرض، والذي یدرکه العقل هو أنّ الغرض
من إیجاب المقدّمۀ لیس إلّا التوصّل بها إلی الواجب، فالأمر لیس إلّافی خصوص المقدّمۀ الموصلۀ.
اشکالات الکفایۀ … ص: 79
:«1» وقد أورد المحقّق الخراسانی علی نظریّۀ الفصول وجوهاً من الإشکال
-1 إنّه تارةً: یکون بین المقدّمۀ وذیها واسطۀ اختیاریّۀ. وأُخري: تکون النسبۀ بینهما نسبۀ الفعل التولیدي إلی السبب التولیدي کالإلقاء
صفحۀ 54 من 205
فی النار وحصول الاحتراق … ولازم مبنی الفصول خروج القسم الأوّل من المقدّمات من تحت قاعدة الملازمۀ بین وجوب المقدّمۀ
ووجوب ذیها، والتالی باطل، فالمقدّم مثله.
بیان الملازمۀ:
إنّ ترتّب ذي المقدّمۀ علی المقدّمۀ فی التولیدیّات واضح، لأنّه بمجرّد الإلقاء فی النار یحصل الاحتراق. أمّا فی مثل الحج وغیره من
الواجبات الشرعیّۀ،
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الأُصول: 115 )
ص: 80
فلا یترتّب ذو المقدّمۀ حتّی بعد توفّر جمیع المقدّمات، فقد یعصی المکلّف ولا یأتی بالواجب، فکیف یترتّب علی تحقّق کلّ فردٍ من
أفراد المقدّمات؟
فقول صاحب الفصول بأنّه: لمّا کان الغرض هو ترتّب ذي المقدّمۀ، فالواجب من المقدّمۀ ما یترتّب علیه ذو المقدّمۀ، یستلزم خروج
جمیع الأفعال الاختیاریۀ، وهذا باطل قطعاً.
ثمّ ذکر اعتراضاً علی هذا الاشکال وأجاب عنه.
-2 إنّه لو کان ترتّب ذي المقدّمۀ علی المقدّمۀ شرطاً فی وجوبها، لما کان الأمر الغیري المتعلّق بالمقدّمۀ ساقطاً بمجرّد الإتیان بها،
والحال أنّه یسقط ویکشف ذلک عن تحقّق الغرض منه، وذلک یکشف عن أنّه لیس وجوب المقدّمۀ مشروطاً بترتّب ذي المقدّمۀ
علیها، بل الغرض هو التمکّن من ذي المقدّمۀ، إذ لو کان الترتّب فالمفروض عدم حصوله فکیف سقط الأمر؟
وتعرّض المحقّق الخراسانی لاعتراضٍ علی هذا الإشکال وأجاب عنه، وحاصل الإعتراض هو: أنّ سقوط الأمر لا یکشف دائماً عن
تحقّق الامتثال وحصول الغرض منه، فقد یسقط الأمر بانتفاء الموضوع، کما لو قال أکرم العالم فمات العالم، وقد یسقط بالعصیان، وقد
یسقط بقیام الغیر بالعمل، کما لو أُمر بدفن میّت، فقام غیره بذلک.
فأجاب: بعدم تحقّق شیء من المسقطات فی المقام إلّاالامتثال، أمّا الموضوع، فالمفروض تحقّقه من قبل المکلّف لا تفویته، وکذا
المعصیۀ، فإنّها غیر حاصلۀ، وکذا قیام الغیر بالفعل.
-3 إنّ مراده من المقدّمۀ الموصلۀ هو الذات التی یترتّب علیها وجود ذي المقدّمۀ، فیکون وجوبها مقیّداً ومشروطاً بالموصلیّۀ، لکنّ
المقیّد هو
ص: 81
ذو المقدّمۀ، فیکون مقدّمۀ، فاجتمع فی ذي المقدّمۀ وجوبان: الوجوب النفسی لکونه ذا المقدّمۀ، والوجوب الغیري لکونه مقدمۀً
لحصول المقدّمۀ الموصلۀ، وهذا محال.
اشکال المحاضرات علی الکفایۀ … ص: 81
علی المحقّق الخراسانی- فی قوله: بأنّ الغرض من المقدّمۀ هو التمکّن من ذي المقدّمۀ-: بأنّ التمکّن منه «1» ( وأورد فی (المحاضرات
لیس من آثار وجود المقدّمۀ، بل هو من آثار التمکّن منها، فلا یکون الأثر مترتّباً علی مطلق المقدّمۀ کی یکون وجوبها تابعاً لهذا
الأمر. هذا أوّلًا.
وثانیاً: إنّه لو کان وجوب المقدّمۀ من أجل التمکّن من ذیها، فإنّه تنتفی القدرة علی ذي المقدّمۀ بانتفائها علی المقدّمۀ، ومع انتفاء
القدرة علیه فلا وجوب له، فلو کان وجوب ذي المقدّمۀ منوطاً بالتمکّن المترتّب من وجود المقدّمۀ، کانت القدرة شرطاً للوجوب، مع
صفحۀ 55 من 205
أنّ تحصیل القدرة غیر لازم، فیجوز حینئذٍ تفویت ذي المقدّمۀ، وهذا باطل. فالقول بأنّ الغرض من المقدّمۀ هو التمکّن من ذیها باطل.
قال الأُستاذ
ما حاصله: إنّ «2» ( إنّه لمّا کان الأصل فی هذا التحقیق هو المحقّق الاصفهانی، فالأولی التعرّض لکلامه، فإنّه قال فی (نهایۀ الدرایۀ
فی کلمات القوم لا یخلو عن أحد وجوه ثلاثۀ: « المقدّمۀ » المقصود من
أحدها: أن یکون المراد ما کان عدمه مستلزماً لعدم ذي المقدّمۀ، فیکون
__________________________________________________
.255 / 1) محاضرات فی أُصول الفقه 2 )
.137 / 2) نهایۀ الدرایۀ 2 )
ص: 82
وجودها متعلّقاً للغرض.
والثانی: أن یکون الغرض منها ترتّب إمکان ذي المقدّمۀ علی وجودها.
والثالث: إنّ الغرض هو التمکّن من ذي المقدّمۀ.
(قال): والإحتمالات کلّها مردودة:
أمّا استلزام عدم المقدّمۀ لعدم ذیها، ففیه: إنّ الأمر العدمی لا یمکن أن یکون غرضاً للوجود، بل الأمر العدمی من لوازم الغرض، ولازم
الغرض غیر الغرض، فلا یصحّ القول بأنّ الغرض من المقدّمۀ أن لا یلزم من عدمها عدم ذي المقدّمۀ.
وأمّا أنّ الغرض من المقدّمۀ إمکان ذي المقدّمۀ، ففیه: إنّ الإمکان إمّا ذاتی وإمّا وقوعی وإمّا استعدادي. أمّا الإمکان الذاتی الثابت
لذي المقدّمۀ، فإنّه لا یتوقّف علی وجود المقدّمۀ، لأنّه استواء نسبۀ الماهیّۀ إلی الوجود والعدم، وهذا المعنی حاصل لذي المقدّمۀ بلا
توقّف علی المقدّمۀ.
وأمّا الإمکان الوقوعی، أيما لا یلزم من وجوده محال، فهذا أیضاً حاصل لذي المقدّمۀ بلا توقّف علی وجودها.
وأمّا الإمکان الإستعدادي لذي المقدّمۀ، فهو منوط بالقدرة، فإنْ وجدت عند الإنسان تمکّن وإلّا فلا … علی أنّ القدرة والقوّة علی
الفعل مقدّمۀ لوجوبه لا لوجوده، وکلامنا فی المقدّمۀ الوجودیّۀ.
وأمّا أنّ الغرض هو التمکّن من ذي المقدّمۀ، بأن یکون التمکّن منه موقوفاً علی وجودها، فهذا أیضاً مردود، لأن المراد من التمکّن-
سواء کان العقلی أو العرفی- هو القدرة علی ذي المقدّمۀ، لکنّ القدرة علیه موقوفۀ علی التمکّن من المقدّمۀ لا علی وجودها.
ص: 83
وإذا بطلت الإحتمالات، بطل القول بأنّ الغرض من المقدّمۀ هو التمکّن من ذي المقدّمۀ.
تحقیق الُأستاذ … ص: 83
قال الأُستاذ: إنّ المهمّ فی کلمات الکفایۀ قوله بأنّ الغرض من المقدّمۀ هو التوقّف والمقدمیّۀ، ومن الواضح أنّ هذا غیر التمکّن من
ذي المقدّمۀ، کی یرد علیه اشکال المحاضرات من أنّ التمکّن منه أثر التمکّن من المقدّمۀ ولیس بأثرٍ لوجودها … کما أنّ التوقّف
هو أنّ المقدّمۀ لها « المقدمیّۀ » لیس بأمرٍ عدمی، کی یرد علیه إشکال المحقّق الإصفهانی … وتوضیح مراد المحقّق الخراسانی من
دخل فی وجود ذي المقدّمۀ دخل المقتضی فی المقتضی أو دخل الشرط بالنسبۀ إلی المشروط. فالمقدّمۀ إمّا مقتضٍ أو شرط، ومن
الواضح: إنّ الإقتضاء والشرطیّۀ من خواصّ وجود المقتضی ووجود الشرط، فإذا فقد فلا اقتضاء. ثمّ إنّ الاقتضاء أثر لمطلق وجود
المقتضی والشرط، لا خصوص الشرط أو المقتضی الفعلیین.
صفحۀ 56 من 205
فظهر عدم ورود شیء ممّا ذکر علی المحقّق الخراسانی، فهو یري أنّ المراد من المقدّمۀ هو الإقتضاء، وهو یتحقّق بنفس وجودها- لا
أنّه الإقتضاء الفعلی المنتهی إلی حصول ذي المقدّمۀ کما یقول صاحب الفصول- غیر أنّ حصول کلّ واحدة من المقدمات تغلق أحد
أبواب عدم ذي المقدّمۀ، وإذا حصلت المقدّمات کلّها أوصلت إلی ذي المقدّمۀ.
وتلخّص: تمامیّۀ مبنی الکفایۀ ثبوتاً.
الکلام علی اشکالات الکفایۀ علی الفصول … ص: 83
ثمّ إنّ الأُستاذ تکلّم علی إشکالات الکفایۀ علی الفصول، (فأمّا الأوّل) وهو انحصار الواجب من المقدّمات بما یکون من قبیل الأسباب
التولیدیّۀ، وأمّا ما
ص: 84
یکون الاختیار واسطۀ بینها وبین ذي المقدّمۀ فلیس بواجب، لأنّ الإرادة من أجزاء السّبب، وهی غیر قابلۀ لتعلّق الوجوب (ففیه):
إنّه إن کانت اختیاریّۀ الشیء بکونه مسبوقاً بالإرادة، فالإشکال وارد، لأنّ الإرادة قد لا تتعلّق بها الإرادة فلا تکون اختیاریّۀ، واستلزام
کلّ إرادة لإرادة أُخري مستلزم للتسلسل کما قال المحقّق الخراسانی. ولکنّ المناط فی تعلّق التکلیف هو اختیاریّۀ المکلّف به، سواء
کانت بالذات أو بالعرض، والاختیار فی الارادة هو بالذات، واختیاریّۀ الأفعال بالعرض، أيإنّها اختیاریّۀ بسبب تعلّق الاختیار بها، وإذا
کانت الاختیاریّۀ بالعرض مصحّحۀ للتکلیف، فالاختیاریّۀ بالذات کذلک بطریقٍ أولی، فکما یصحّ أن یقال: صلّ، یصح أن یقال: إختر
الصّلاة، لأنّ الاختیار مقدور بالذات وبه یصحّ تعلّق التکلیف.
وعلی الجملۀ، فإنّ الاختیار أمر اختیاري بالذات، فیصحُّ تعلّق التکلیف به، کسائر الأجزاء إن کان المکلّف به ذا أجزاء.
(وأمّا الثانی) وهو سقوط الأمر الغیري بالإتیان بالمقدّمۀ، ومنشأ السقوط هو الإطاعۀ فقط، فدلّ ذلک علی أنّ متعلّق الأمر مطلق المقدّمۀ
(ففیه):
إنّ هذا أشبه بالمصادرة، لأنّ الواجب إن کان طبیعی المقدّمۀ فلا محالۀ یکون وجه سقوط الأمر حصول الإطاعۀ والامتثال، لکنّ للقائل
بخصوص المقدّمۀ الموصلۀ أن یقول: إنّه بعد أن جاء بالمقدّمۀ إمّا یأتی بذي المقدّمۀ أو لا یأتی، فإنْ جاء به، فقد سقط الأمر بذي
المقدّمۀ بالإتیان به وسقط الأمر بالمقدّمۀ لکونها أوصلت إلیه، وإنْ لم یأت بذي المقدّمۀ، فقد عصی الأمر النفسی المتعلّق به وکان
سقوطه بالعصیان، وکذا الأمر الغیري المتعلّق بالمقدّمۀ، فقد عصی، لأنّ المفروض تعلّقه بالح ّ ص ۀ الموصلۀ إلی ذي المقدّمۀ،
والمفروض عدم تحقّق
ص: 85
الإیصال إلیه.
والحاصل: إنّ سقوط الأمر الغیري لا یکون إلّاإذا کان المتعلّق مطلق المقدّمۀ، وهذا أوّل الکلام.
(وأمّا الثالث) وهو لزوم اجتماع النفسیّۀ والغیریّۀ فی ذي المقدّمۀ (ففیه):
إنّه مردود بما یجاب به عن دلیل المیرزا علی بطلان المقدّمۀ الموصلۀ، ولنتعرّض لذلک ثمّ نذکر الجواب:
اشکالات المیرزا علی الفصول … ص: 85
إنّ تخصیص وجوب المقدّمۀ بخصوص الحصّۀ الموصلۀ یستلزم إمّا الدور فی الوجود أو الوجوب، وإمّا الخلف أو التسلسل.
وتوضیح ذلک: إنّ المقسّم للشیء تارةً: یکون فی رتبۀ وجود الشیء وأُخري: فی رتبۀٍ متأخرة عن وجوده، فالأوّل مثل تقسیم الأجناس
إلی الأنواع، حیث أنّ الجنس یقسّم إلیها بواسطۀ الفصل وهو فی مرتبۀ الجنس، وکتقسیم النوع إلی الأصناف کالانسان إلی الزنجی
صفحۀ 57 من 205
منتزع من شیء « الموصلۀ » والرومی … وما نحن فیه من القسم الثانی، حیث أنّ المقدّمۀ تنقسم إلی الموصلۀ وغیر الموصلۀ، لکنّ عنوان
ذي المقدّمۀ، إذ المقدّمۀ بذاتها لا تنقسم إلی ذلک، وإنّما تنقسم إلی القسمین المذکورین إذا وُجد ذو المقدّمۀ « وجود » متقدّم وهو
بعد وجودها، فوصف المقدّمۀ بالموصلیّۀ یکون بعد وجودها ووجود ذي المقدّمۀ بعدها، وأمّا قبل وجود ذي المقدّمۀ فلا یوجد
إلّاذات المقدّمۀ.
وعلی هذا، فلو کان متعلّق الأمر الغیري هو المقدّمۀ الموصوفۀ بالموصلیّۀ لزم الدور، لأنّ وصفها بالموصلیّۀ موقوف علی وجود ذي
المقدّمۀ، ووجوده موقوف علی وجود المقدّمۀ.
ص: 86
.«1» وهذا هو الدّور فی الوجود، وهو بیانه فی الدّورة الأُولی
فهو: إنّه قد تقدّم کون عنوان الموصلیّۀ منتزعاً من - «2» وأمّا بیان الدور فی الوجوب- وهو ما یستفاد من کلامه فی الدورة الثانیۀ
وجود ذي المقدّمۀ، وعلیه، فذو المقدّمۀ من قیود المقدّمۀ الموصلۀ ومن مقوّماتها، فیقع الدور فی الوجوب، من جهۀ أنّ وجوب ذي
المقدّمۀ علۀُ لوجوب المقدّمۀ، إلّاأنّه لولا وجوب المقدّمۀ لما وجب ذو المقدّمۀ، لکونه من قیودها کما تقدّم.
وأمّا الخلف أو التسلسل، فلأنّ الواجب لو کان خصوص المقدّمۀ الموصلۀ کانت ذات المقدّمۀ من مقدّمات تحقّق المقدّمۀ خارجاً،
إلی « الذات » فإنْ کان الواجب هو الذات فقط بلا تقیّد بالایصال، لزم الخلف، وإن کان الذات المقیَّدة بالإیصال هو الواجب، کان نسبۀ
وحینئذٍ، ینتقل إلی الذات وأنّها واجبۀ مطلقاً أو مقیَّدة بالإیصال. والأوّل خلف والثانی ،« ذي المقدّمۀ » إلی « المقدّمۀ » نسبۀ « الإیصال »
مستلزم للتسلسل.
والجواب:
وکذا شیخنا دام بقاه، فأفاد ما ملخّصه: «3» وقد أجاب السید الأُستاذ عن هذه المحاذیر
أمّا عن لزوم الدور فی الوجود، فلأنّ وجود ذي المقدّمۀ غیر متوقّف علی المقدّمۀ بوصف الوجود، إذ لا دخل لوصفها بالوجود فی
تحقّق ذیها، بل إنّه موقوف علی ذاتها.
وأمّا عن لزوم الدور فی الوجوب، فلأن الوجوب النفسی لذي المقدّمۀ
__________________________________________________
290 ط جماعۀ المدرّسین. (2 - 1) فوائد الأُصول ( 1 )
.346 -345 / 2) أجود التقریرات 1 )
.296 / 3) منتقی الأُصول 2 )
ص: 87
یکون منشأً للوجوب الغیري للمقدّمۀ، لکن ذا المقدّمۀ یتّصف بالوجوب الغیري أیضاً من حیث أنّه لولاه لما اتّصفت المقدمۀ به، فلا
یلزم الدور فی الوجوب، وإنّما اللازم هو اجتماع الوجوب النفسی والغیري فی شیء واحد وهو ذو المقدّمۀ، وهذا لا مانع منه، لأنّه
یؤول إلی الاندکاك وتحقّق وجوب واحدٍ مؤکّد علی مبنی المیرزا، فلا دور.
وأمّا عن لزوم الخلف أو التسلسل، فلأنّ هذا المحذور إنّما یترتّب بناءً علی وجوب أجزاء المرکّب بالوجوب الغیري … لأنّ المقدّمۀ
الموصلۀ مرکّبۀ من جزئین هما ذات المقدّمۀ وتقیّدها بالإیصال، وحینئذٍ، فلو قلنا بأنّ الأجزاء متّصفۀ بالوجوب الغیري لزم المحذور،
لأنّ الذات مقدّمۀ لهذا المرکب، فتکون واجبۀً بالوجوب الغیري أیضاً، لکن الأجزاء غیر واجبۀ بالوجوب الغیري لذي المقدّمۀ، بل
المقدّمۀ هو المرکّب، فأصل الاستدلال باطل.
قال الأُستاذ
صفحۀ 58 من 205
لکن یمکن تقریب الاشکال بوجهٍ آخر بأن یقال: إنّ المفروض علی مبنی الفصول کون الإیصال منتزعاً من وجود ذي المقدّمۀ، فلو
کان متعلّق الوجوب الغیري هو المقدّمۀ الموصلۀ، لزم وجود الوجوب الغیري بعد وجود الوجوب النفسی، لتقدّم منشأ الانتزاع فی
الوجود علی الأمر الانتزاعی، فیلزم اجتماع التقدّم والتأخّر فی الشیء الواحد.
وهنا لابدّ من التعرّض لکلام المحقّق الاصفهانی فی تقریب مبنی الفصول، وبه تنحلّ المشکلات.
تحقیق المحقّق الاصفهانی … ص: 87
فی المقدّمۀ، إذ لا ریب فی أن متعلّق « الإیصال » والعمدة هو فهم کیفیۀ أخذ
ص: 88
الوجوب هو ما دخل تحت الطلب من طرف المولی، فهل هو عبارة عن المقدّمۀ بوصف الموصلیّۀ إلی ذي المقدّمۀ المنتزع من ذي
المقدّمۀ، أيالمقدّمۀ المقیّدة بوجود ذیها، أو أنّ المراد منها عبارة عن الحصّۀ التوأمۀ مع وجود ذي المقدّمۀ کما هو المستفاد من کلام
المحقّق العراقی، أو المراد منها العلّۀ التامّۀ، أو الح ّ ص ۀ- من المقدّمۀ- الملازمۀ لوجود ذي المقدّمۀ- لا المقیَّدة بوجوده- کما هو
المستفاد من کلام المحقّق الإصفهانی؟
والحاصل: إنّ المحقّق الاصفهانی یري أنّ المراد من المقدّمۀ هی الحصّۀ منها الملازمۀ لوجود ذیها، هذا فی تقریب. وفی تقریب آخر:
أنّ المراد هو العلّۀ التامّۀ. وعلی کلّ منهما فإشکال الکفایۀ من اجتماع المثلین، وکذا ما طرحناه أخیراً من اجتماع المتأخّر والمتقدّم فی
الشیء الواحد … یرتفع…
:«1» قال قدّس اللَّه روحه
إنّ المراد من المقدّمۀ ما یکون مقدّمۀً لذیها بالفعل لا بالقوّة، فالحطب مقدّمۀ للطبخ، لکنه تارةً: مقدّمۀ بالقوّة وهو ما کان قبل
الاشتعال، وأُخري: بالفعل وهو ما کان مشتعلًا، وهاتان ح ّ ص تان من وجود الحطب، وکذا الکلام فی اشتراط الشیء بشرطٍ، فإنّه تارة
یکون شرطاً بالقوّة وأُخري بالفعل، فإنْ کان المقتضی بالفعل فسیکون الشرط أیضاً فعلیّاً، کما فی یبوسۀ الحطب ومماسّته للنار من
أجل الاحتراق، فلا یمکن تمامیّۀ الاقتضاء إلّامع فعلیّۀ الشرط، وإذا تمّ الأمران، أصبح المشروط والمقتضی فعلیّاً…
وعلی الجملۀ، فإنّه یوجد تلازم بین أجزاء العلّۀ، ویوجد تلازم بین أجزاء العلّۀ- المقدّمۀ- مع المعلول، وهو ذوها.
__________________________________________________
.139 -138 / 1) نهایۀ الدرایۀ 2 )
ص: 89
تلازم، لکنْ لا توقف لأحدهما علی الآخر. « البنوّة » و « الابوّة » ومن الواضح: إنّ التلازم غیر التوقّف … ولذا یکون بین
وعلی هذا، فإنّ المراد من المقدّمۀ الموصلۀ هو المقدّمۀ الملازمۀ- أو التوأمۀ- مع وجود ذیها، لا أنّ وجوده موقوف علی وجودها، بل
إنّ فعلیّتهما تکون فی عرضٍ واحد ولیستا فی الطول لیرد علیه الإشکال.
وملخّص هذا البیان:
أوّلًا: إنّ المطلوب من المقدّمۀ هو الحصّۀ الموجودة بالفعل منها لا بالقوّة.
وثانیاً: إنّ بین المقدّمۀ وذیها تلازماً من قبیل التلازم بین أجزاء المقدّمۀ والعلّۀ التامّۀ، ولیس بینهما توقّف.
وثالثاً: إنّه لمّا کان الغرض قائماً بوجود ذي المقدّمۀ، وهو لا یتحقّق إلّا بالمقدّمۀ، فالإرادة تتعلّق بنفس ذي المقدّمۀ، ویحصل منها
إرادة تبعیّۀ غیریّۀ متعلّقۀ بالمقدّمۀ، ولا یمکن أن یکون متعلّقاً بالقوّة کما تقدّم.
فظهر بذلک أنّ المراد من الموصلیّۀ لیس الإناطۀ والتقیید، فکلّ الإشکالات المتقدّمۀ من المیرزا والکفایۀ وغیرهما مندفعۀ.
صفحۀ 59 من 205
أقول:
هذا البیان فی المحقّق الإصفهانی هو أحد التقریبین منه لمبنی صاحب الفصول.
وأمّا التقریب الآخر له، فهو علی أساس کون المراد من المقدّمۀ هو العلّۀ التامّۀ، وقد تعرّض له شیخنا کذلک، ثمّ أورد علیه اشکالات،
کلّها ترجع إلی خصوصیّاتٍ وجزئیّات فی کلام المحقّق الاصفهانی. أمّا بالنسبۀ إلی ما یتعلّق بدفع الإشکالات المزبورة، فقد وافق
الأُستاذ علی ما ذکره من أنّ: متعلّق الإرادة الغیریّۀ
ص: 90
هو الحصّۀ الملازمۀ مع وجود ذي المقدّمۀ لا الحصّۀ المقیّدة بالإیصال إلیه…
والفرق بین المسلکین واضح، فإنّه علی مسلک المحقّق الإصفهانی تکون المقدّمۀ هو ما ینتهی إلی وجود ذیها، وعلی مسلک صاحب
الفصول قد یقع التخلّف بینهما، لأنّه قید ومقیّد. والصحیح هو الأوّل، لأن ما ینتهی إلی ذي المقدّمۀ یکون دائماً متعلّقاً للإرادة الغیریّۀ
والشوق الغیري، وأمّا علی الثانی فالإشکالات ترد، لأنّ التقیّد بوجوده لا یکون إلّابنحو الاشتراط به بنحو الشرط المتأخّر، فیقع البحث
عن کیفیّۀ هذا الاشتراط، وأنّه فی الواجب أو الوجوب، بخلاف المسلک الأوّل، فإنّه لا اشتراط- بناءً علیه- لا فی الواجب ولا فی
الوجوب، بل الواجب من المقدّمۀ عبارة عن الح ّ ص ۀ منها الملازمۀ مع وجود ذیها، ووجود أحد المتلازمین لیس مشروطاً بوجوب
الملازم الآخر حتّی یبحث فیه عن أنّه شرط للوجوب أو الواجب.
وهذا هو الحق، وهو تامّ ثبوتاً، وکذا إثباتاً، والوجدان قائم علی أنّه إذا تعلّق الشوق بشیء، فکلّ ما یکون فی طریقه فهو مشتاق إلیه
دون ما لیس کذلک.
هذا تمام الکلام فی المقام، ویبقی التحقیق عن ثمرة البحث.
. ثمرة النّزاع بین المشهور والفصول … ص: 90
اشارة
إنّ الأمر بالشیء یقتضی إیجابه لنفسه وإیجاب ما یتوقّف علیه :«1» ذکر صاحب الفصول فی بیان ترتّب الثمرة علی مختاره ما ملخّصه
من المقدّمات للتوصّل إلیه، ومن جملۀ المقدّمات ترك الأضداد المنافیۀ للفعل، لأنّ مقدّمۀ المقدّمۀ مقدّمۀ.
وتوضیحه: إنّ هذه الثمرة تترتّب علی النزاع فیما لو أُمر- مثلًا- بإنقاذ
__________________________________________________
. 1) الفصول الغرویّۀ: 86 )
ص: 91
الغریق وتوقّف ذلک علی ترك الصّلاة، بناءً علی المقدّمات التالیۀ:
-1 أن یکون ترك أحد الضدّین مقدّمۀ لفعل الضدّ الآخر، کأن یکون ترك الصّلاة مقدّمۀ لفعل الإنقاذ.
-2 أن یکون الأمر بالشیء مقتضیاً للنهی عن ضدّه، فإذا وجب الإنقاذ کان الصّلاة مورداً للنهی.
-3 أن یکون النهی عن العبادة مقتضیاً للفساد، فتکون الصّلاة باطلۀ فی المثال.
فبناءً علی أنّ الواجب مطلق المقدّمۀ- کما علیه المشهور- فال ّ ص لاة باطلۀ، للمقدّمات المذکورة، وأما بناءً علی أنّه خصوص المقدّمۀ
الموصلۀ- کما علیه صاحب الفصول- فصحیحۀ، لأنّ الإتیان بالصّلاة لیس نقیضاً لترکها الموصل إلی الإنقاذ حتی تکون مورداً للنهی
فتبطل، بل نقیض ترك ال ّ ص لاة الموصل إلی الإنقاذ هو عدم هذا الترك الموصل، وهو- أيترك ال ّ ص لاة کذلک- لیس عین ال ّ ص لاة
صفحۀ 60 من 205
لیتوجّه النهی إلیها فتبطل، بل إن عدم ترکها یمکن أن یتحقّق بفعلها وأن یتحقّق بفعلٍ آخر کالنوم مثلًا. فهذه هی الثمرة، ذکرها فی
الفصول وقرّرها المحقّق الخراسانی فی الکفایۀ.
إشکال الشیخ … ص: 91
إشکال الشیخ الأعظم علی الثمرة، وأنّ مقتضی القاعدة هو البطلان علی کلا القولین، بتقریب: إن نقیض «1» ( ثمّ ذکر فی (الکفایۀ
ترك ال ّ ص لاة الموصل إلی الإنقاذ له فردان: فعل ال ّ ص لاة أو ترکها المجرّد عن الإیصال إلی الإنقاذ، وبناءً علی اقتضاء الأمر بالشیء
لحرمۀ نقیضه، فإنّه تسري الحرمۀ إلی کلٍّ من الفردین،
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الأُصول: 121 )
ص: 92
فتبطل الصّلاة علی القولین.
جواب الکفایۀ … ص: 92
وأجاب عنه صاحب الکفایۀ: بالفرق بین نقیض الترك الموصل والترك المطلق، وحاصله: إنّ نقیض ترك الصّلاة المطلق هو الصّلاة،
فترك الترك هو فعلها، وإذا کان الانقاذ واجباً والصّلاة نقیضه، فإنّ الإتیان بها منهیٌّ عنه، فتبطل…
أمّا بناءً علی مسلک الفصول وأنّ المقدّمۀ لتحقّق الإنقاذ هو ترك ال ّ ص لاة الموصل، فإنّ النقیض عدم هذا الترك، وعلیه، فیکون فعل
ال ّ ص لاة مقارناً لهذا الترك- إذ أنّه یتحقّق بفعلٍ آخر کالنوم مثلًا- وإذا کان مقارناً، فإنّ حرمۀ الشیء لا تسري إلی مقارنه، فلا تکون
الصّلاة باطلۀ.
أقول:
ملخّص إشکال الشیخ: أمّا علی المشهور، فإنّ فعل ال ّ ص لاة وإنْ لم یکن نقیض المقدّمۀ فهو مصداق لنقیضها أو لازمٌ له، فالنقیض
لترك الإنقاذ هو ترك ترك الإنقاذ، وهذا منطبق علی نفس فعل ال ّ ص لاة، فتکون فاسدة. أمّا علی مبنی الفصول، فإنّ هذا العنوان
منطبقٌ، لکن مورد الانطباق أمران أحدهما فعل ال ّ ص لاة والآخر مجرّد الترك، فکلاهما مورد انطباق النقیض … فال ّ ص لاة فاسدة
کذلک.
وملخّص جواب الکفایۀ: عدم انطباق النقیض علی فعل ال ّ ص لاة، بل هو ملازم للنقیض، وحرمۀ الملازم لا یوجب حرمۀ الملازم الآخر،
فالثمرة مترتّبۀ.
بیان المحقّق الاصفهانی لانتفاء الثمرة ردّاً علی الکفایۀ … ص: 92
إلی عدم الفرق بین القولین فی النتیجۀ، وهی بطلان ال ّ ص لاة. أمّا علی قول الفصول: فإنّ المقدّمۀ «1» وذهب المحقّق الاصفهانی
الموصلۀ- بناءً علی کون ترك
__________________________________________________
.150 / 1) نهایۀ الدرایۀ 2 )
ص: 93
الضدّ مقدّمۀً للضدّ الآخر- إمّا هی العلّۀ التامّۀ وإمّا هی المقدّمۀ التی لا تنفک عن ذیها.
صفحۀ 61 من 205
أمّا بناءً علی کونها العلّۀ تامّۀً، فإنّ المقدّمۀ هی ترك ال ّ ص لاة وإرادة الإنقاذ، فالعلّۀ مرکّبۀ من هذین الجزئین، ونقیض ترك ال ّ ص لاة هو
فعلها، کما أنّ نقیض إرادة الإنقاذ هو عدم إرادته، فالعلّۀ التامّۀ مجموع الجزئین- ترك ال ّ ص لاة وإرادة الإنقاذ- وهذا المجموع واحد
اعتباري والنقیض هو: وجود ال ّ ص لاة وعدم إرادة الإنقاذ، وهذا المجموع أیضاً واحد اعتباري، لکنّ الذي هو مقدّمۀ حقیقۀً هو ترك
ال ّ ص لاة خارجاً ووجود الإرادة خارجاً، أمّا مجموعهما فلیس بموجودٍ فی الخارج بل هو أمر اعتباري کما تقدّم، وإذا کان متعلّق الأمر
الوجوبی الغیري ترك الصّلاة ووجود الإرادة، فإنّه یستلزم النهی عن نقیضهما وهما فعل الصلاة وعدم إرادة الإنقاذ، فیحرم هذان حرمۀً
واحدة، کما وجب ترك الصّلاة ووجود الإرادة بوجوبٍ واحد … وإذا تعلّقت الحرمۀ بالصّلاة بطلت.
وحاصل هذا هو أنّ الصّلاة بنفسها تکون نقیضاً للمقدّمۀ.
وأمّا بناءً علی أن المقدّمۀ هی المقدّمۀ التی لا تنفک عن ذیها ویترتّب علیها ذو المقدّمۀ، فإنّها مرکّب من الشیء- وهو الترك-.
وتقییده بقیدٍ وهو الموصلیّۀ، والترك أمر عدمی والموصلیّۀ أمر وجودي، ونقیض ذلک العدمی هو فعل ال ّ ص لاة، ونقیض ذلک
الوجودي هو عدم الموصلیّۀ، وکما کانت المقدّمۀ کذلک متعلّق الوجوب، فنقیضها أیضاً یکون متعلّق النهی، فتکون ال ّ ص لاة محرمۀ،
فهی باطلۀ.
إشکال الُأستاذ … ص: 93
وأورد علیه الأُستاذ:
أوّلًا: إنّ تعدّد النقیض ظرفه هو الخارج، ولکن الوجود الخارجی لفعل ال ّ ص لاة وعدم إرادة الإنقاذ مسقط للتکلیف، ولیس وجود
التکلیف حتّی یکون
ص: 94
محکوماً بالحرمۀ فالفساد.
وثانیاً: هذا الجواب بظاهره غیر کاف، لأنّه یتکفّل الجواب عن الشق الأوّل وهو کون المقدّمۀ الموصلۀ هی العلّۀ التامّۀ. وأمّا الشق الثانی
وهو کونها المقدّمۀ التی لا تنفک عن ذیها، فلم یذکر جوابه، ولعلّ الجواب هو: أنّکم قد اعترفتم أن لا نقیض للترك الخاص بما هو،
لأنّه لیس رفعاً لشیء ولا هو مرفوع بشیء، ثمّ قلتم: بل نقیض الترك المرفوع به الفعل ونقیض خصوصیّته عدمها الرافع لها.
فیکون الفعل محرّماً لوجوب نقیضه.
فأقول: إذا لم یکن نقیضاً فهو ملازم أو مقارن کما قال صاحب الکفایۀ. هذا أوّلًا.
وثانیاً: إنّ متعلّق الوجوب هو الترك الخاص کما ذکرتم، والفعل لیس نقیضاً للترك الخاص لوجود فرد آخر وهو النوم أو أيّ فعل
وجودي آخر…
وعلی الجملۀ، فإنّ النقیض- کما ذکر هذا المحقّق- إمّا الرفع للشیء وإمّا المرفوع بالشیء، والمقصود من رفع الشیء عدمه، ومن
المرفوع به الوجود الذي به یرتفع العدم، وعلی هذا، فإنّه لما کان العلّۀ التامّۀ هنا هی ترك ال ّ ص لاة الموصل وإرادة الإنقاذ، کان نقیض
الترك المذکور هو فعل ال ّ ص لاة لأنّه المرفوع بترکها، لکنّ کون فعل الصّلاة نقیضاً للعلّۀ التامّۀ محال، لأنّها لیست برفعٍ للعلّۀ التامّۀ لأنّها
وجودیّۀ والرفع عدم، ولا هی مرفوع بالعلّۀ التامّۀ، لأنّ المفروض کون العلّۀ التامّۀ مرکّبۀ من وجود إرادة الإنقاذ ومن عدم ال ّ ص لاة، وإذا
لم تکن رفعاً للعلّۀ ولا مرفوعاً بها، استحال أن تکون نقیضاً، فلا یتعلّق بها النهی فلا فساد. فالحقّ مع الکفایۀ.
وتلخّص: إنّه بناءً علی تمامیّۀ المقدّمات الثلاث فالثمرة مترتّبۀ، ولکنّ الکلام فی تمامیّتها لا سیّما الأُولی منها.
وهذا تمام الکلام فی النفسی والغیري، والحمد للَّه.
ص: 95
صفحۀ 62 من 205
هل المقدّمۀ واجبۀٌ شرعاً …؟ ص: 95
اشارة
ص: 97
وقد وقع الکلام بین الأعلام فی المقدّمۀ، هل هی واجبۀ بالوجوب الشرعی أو إنها لابدیّۀ عقلیۀ؟
والأقوال المهمّۀ فی المسألۀ أربعۀ، قد ذکرها صاحب الکفایۀ أیضاً.
-1 الوجوب مطلقاً.
-2 عدم الوجوب مطلقاً.
-3 التفصیل بین السبب وغیره.
-4 التفصیل بین المقدّمۀ الشرعیّۀ وغیرها.
. مقتضی الأصل العملی … ص: 97
اشارة
:«1» إلّا أنّ المحقّق الخراسانی قدّم البحث عن مقتضی الأصل فی المقام علی ذکر الأدلّۀ، وتبعه علی ذلک غیره، قال
إعلم أنّه لا أصل فی محلّ البحث فی المسألۀ، فإن الملازمۀ بین وجوب المقدمۀ ووجوب ذي المقدّمۀ وعدمها، لیست لها حالۀ سابقۀ،
بل تکون الملازمۀ أو عدمها أزلیّۀً، نعم، نفس وجوب المقدّمۀ یکون مسبوقاً بالعدم، حیث یکون حادثاً بحدوث وجوب ذي المقدّمۀ،
فالأصل عدم وجوبها.
والحاصل: إن هنا مسألتین، مسألۀ أُصولیّۀ، وهی هل وجوب ذي المقدّمۀ
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الأُصول: 125 )
ص: 98
یلازم وجوب المقدّمۀ أو لا؟ فهذه مسألۀ کبرویۀ أُصولیۀ تقع فی طریق استنباط الحکم الشرعی، فإذا ثبتت الملازمۀ أفتی الفقیه
بوجوب المقدّمۀ وجوباً شرعیّاً، وإلّا فلا.
ومسألۀ فقهیّۀ فرعیّۀ، هل المقدّمۀ واجبۀ أو لا؟
إذا علم هذا، فإنّ الأصل المطروح فی المقام هو الاستصحاب، وصاحب الکفایۀ یري جریانه فی المسألۀ الفقهیّۀ دون المسألۀ الأُصولیّۀ،
یرید الفقهیّۀ، فالکلام فی مقامین: … « نعم » : یرید الأُصولیّۀ، ومن قوله … « إعلم » فمن قوله
المقام الأوّل (مقتضی الأصل فی المسألۀ الُأصولیۀ …) ص: 98
إنّه یمکن طرح الاستصحاب فی الأُصولیّۀ فی الجعل، بأن یکون الأصل عدم جعل الملازمۀ، ویمکن طرحه فی المجعول، بأن یکون
الأصل عدم الملازمۀ نفسها…
یقول المحقّق الخراسانی بعدم جریان الاستصحاب فی المسألۀ الأُصولیّۀ لعدم تمامیّۀ أرکانه فیها، لعدم الحالۀ السابقۀ، بل تکون
الملازمۀ أو عدمها أزلیۀً.
صفحۀ 63 من 205
وتوضیح ذلک: قالوا إنّ هناك أُموراً تلازم الماهیّۀ ولا تنفکُّ عنها، سواء کانت الماهیّۀ موجودةً أو لا، کالزوجیّۀ بالنسبۀ إلی الأربعۀ
کما یقولون. وإنّ هناك أُموراً تلازم وجود الماهیّۀ کالحرارة الملازمۀ لماهیّۀ النار الموجودة خارجاً…
وعلی هذا، فإنّ لوازم الماهیّۀ لا تکون مسبوقۀ بالعدم، بخلاف لوازم الوجود فلها حالۀ سابقۀ، لأنّها قبل أن تکون الماهیّۀ کانت
معدومۀ وبوجودها وجدت.
ثمّ إنه یقول بأنّ الملازمۀ بین وجوب المقدّمۀ ووجوب ذیها هی من قبیل لوازم الماهیّۀ لا من قبیل لوازم وجودها، فإنّ وجوب المقدّمۀ
لا ینفک عن وجود
ص: 99
ذیها کما لا تنفکّ الزوجیّۀ عن الأربعۀ، إنّها ملازمۀ موجودة عند العقل … فلیس لها حالۀ سابقۀ حتی تکون مجري الإستصحاب.
قال الأُستاذ:
أوّلًا: إنّ کلام المحقّق الخراسانی مبنی علی أن تکون الملازمۀ من لوازم الماهیّۀ، وأمّا بناءً علی أنّها من لوازم الوجود، فإنّه کلّما وجد
وجوب ذي المقدّمۀ استلزم وجود وجوب المقدّمۀ، فالملازمۀ بین الوجودین، وقد تقرّر أن الوجودین مسبوقان بالعدم فکذا لازمهما،
فالملازمۀ لها حالۀ سابقۀ.
وثانیاً: إنّه یعتبر فی المستصحب أن یکون إمّا حکماً شرعیّاً وإمّا موضوعاً لحکم شرعی، لکنّ الملازمۀ بین الوجوبین لیست بحکم
شرعی بل هی من الموضوعات التکوینیّۀ، ولا هی موضوع لحکم شرعی لعدم ترتّب شیء من الأحکام الشرعیّۀ علیها، وعلیه، فإنّه لو
أجري الاستصحاب فی الملازمۀ، کان لازم هذا الاستصحاب هو وجوب المقدّمۀ شرعاً وجوباً غیریّاً، فکان وجوبها أثراً عقلیّاً
للاستصحاب، وهو أصل مثبت.
وتلخّص: إنّ الملازمۀ إن کانت من لوازم الوجود لا الماهیّۀ، فلها حالۀ سابقۀ خلافاً لصاحب الکفایۀ، لکنّ الإستصحاب لا یجري
إلّابناءً علی القول بالأصل المثبت، فظهر الفرق علماً وعملًا. أمّا علماً، فالملازمۀ هی بین وجودي الماهیّتین لا نفس الماهیّتین. وأمّا
عملًا، فإنّ الإستصحاب یکون جاریاً عند من یقول بحجیّۀ الأصل المثبت.
قال الأُستاذ:
لکنّ التحقیق عدم معقولیّۀ أنْ یکون للماهیّۀ لوازم، وعدّهم الزوجیّۀ من لوازم الأربعۀ غیر صحیح، لأنّ الزوجیّۀ ماهیّۀ والأربعۀ ماهیّۀ،
ولا یعقل استلزام
ص: 100
ماهیّۀٍ لماهیّۀٍ أُخري، لکون الماهیّات متباینات بالذات. هذا أوّلًا.
وثانیاً: إنّه لا یتصوّر أنْ یکون للماهیّۀ- بقطع النظر عن الوجود- استلزام، لأن کون الشیء ذا لزوم أمر وجودي، والملازمۀ من الأُمور
الوجودیّۀ، فکیف تستلزم الماهیّۀ من حیث هی هی أمراً وجودیّاً؟
نعم، الزوجیّۀ تلازم الأربعۀ، لکنْ بوجودها الذهنی أو الخارجی.
المقام الثانی (مقتضی الأصل فی المسألۀ الفقهیّۀ …) ص: 100
وأمّا فی المسألۀ الفقهیّۀ، فالأصل المطروح هو الإستصحاب والبراءة بقسمیها، کما أنّ الإستصحاب یطرح فی عدمالجعل وهو الوجوب،
وعدم المجعول، أيعدم الوجوب، فهی أربعۀ أُصول فی هذا المقام.
قال صاحب الکفایۀ: بجریان الإستصحاب فی الوجوب، وقال جماعۀ:
بعدم جریانه، وعلیه فی المحاضرات … وتحقیق ذلک فی جهتین:
صفحۀ 64 من 205
الجهۀ الأُولی: هل للإستصحاب مقتضٍ فی هذا المقام؟
قال جماعۀ: بعدم وجود المقتضی للإستصحاب بالنسبۀ إلی عدم الوجوب خلافاً للخراسانی صاحب الکفایۀ، لأنّ الوجوب حادث،
فأرکان الاستصحاب فیه تامّۀ. أمّا وجه عدم الجریان فهو: أنّ وجوب المقدّمۀ لا یقبل الجعل، فلا معنی لاستصحاب العدم فیه، والدلیل
علی عدم قبول وجوب المقدّمۀ للجعل هو: أنّ وجوبها من لوازم وجوب ذیها کما تقدّم، واللّوازم غیر قابلۀ للجعل، لا الجعل البسیط-
وهو مفاد کان التامّۀ- ولا الجعل التألیفی الذي هو مفاد کان الناقصۀ.
وقد أجاب المحقّق الخراسانی: بأنّ وجوب المقدّمۀ من لوازم وجوب ذیها، وهو آبٍ عن الجعل البسیط والتألیفی کما ذکر، لکنّه لا
یأبی عن الجعل التبعی، إذ اللزوم فی لوازم الماهیّۀ هو بمعنی التبعیّۀ، لأنّ جعل الماهیّۀ یکفی
ص: 101
.«1» لانتزاع لوازمها منها، فیکون اللّازم مجعولًا بتبع جعل الماهیّۀ … وإذا کان قابلًا للجعل کان مجريً للإستصحاب
قال الأُستاذ
إن أراد من الجعل التبعی أنّ وجوب المقدّمۀ مجعول بجعل مستقل غیر أنّه لا ینفک عن وجوب ذیها، فهو مجعولٌ بالجعل البسیط،
فهذا ینافی نفیه للجعل البسیط.
وإن أراد أنّ الجعل یتعلّق بوجوب المقدّمۀ بالعرض، کما أنّ الزوجیّۀ مجعولۀ بجعل الأربعۀ، والفوقیّۀ مجعولۀ بجعل الفوق، ففیه: إنّه
لیس کذلک، لأنّ هناك إرادة متعلّقۀ بالمقدّمۀ وإرادة أُخري متعلّقۀ بذي المقدّمۀ، فتلک غیریّۀ وهذه نفسیّۀ، ولکلٍّ جعل علی حده،
ولیس المقدّمۀ مجعولۀً بجعل عرضی.
فالحق: إنّ المقدّمۀ قابلۀ لتعلّق الجعل بالجعل البسیط، فلجریان الأصل فیها مجال، بالبیان الذي ذکرناه.
بعدم جریان الأصل، من جهۀ أنّ وجوب المقدّمۀ فی حال وجوب ذیها قهري ذاتی، وما - «2» وقال آخرون- منهم السیّد البروجردي
کان کذلک فلا یقبل الجعل، وما لا یقبله فلا یجري فیه الأصل.
قال الأُستاذ
؟« وجوب المقدّمۀ ذاتی وقهري بالنسبۀ إلی ذي المقدّمۀ » ما المراد من أنّ
إن کان المراد أنّه إذا تحقّق الوجوب لذي المقدّمۀ، ثبت للمقدّمۀ بصورةٍ قهریّۀ، فإنّ هذا یتم فی الإرادة دون الوجوب، إذ الإرادة إذا
تحقّقت بالنسبۀ إلی
__________________________________________________
.125 - 1) کفایۀ الأُصول: 124 )
. 2) نهایۀ الأُصول: 181 )
ص: 102
ذي المقدّمۀ تتحقّق قهراً بالنسبۀ إلی مقدّمته، لکنّ الإرادة من الصفات، والوجوب من الأفعال، فتلک الحالۀ بالنسبۀ إلی الإرادة متصوّرة
وواقعۀ، أمّا الوجوب فیحتاج إلی موجب، وهو فعل اختیاري للمولی، یمکن أن یجعله وأن لا یجعله، بخلاف الإرادة.
بأنّه لا أثر له، بعد استقلال العقل بلزوم الإتیان بالمقدّمۀ، فلا معنی - «1» وأشکل علی الاستصحاب هنا- واعتمده فی المحاضرات
لجریانه.
وأجاب المحقّق الإصفهانی: بأنّ اعتبار الأثر للإستصحاب إنّما هو حیث لا یکون المستصحب نفسه حکماً مجعولًا شرعیّاً، وإلّا فلا
حاجۀ إلی اشتراط الأثر.
قال الأُستاذ: لکنّ أثر جعل الحکم هو تحریک العبد، فیجعل الوجوب مثلًا لأن یکون داعیاً له للفعل، ومع وجود الداعی- وهو اللّابدیۀ
صفحۀ 65 من 205
العقلیّۀ- لا یبقی للوجوب داعویّۀ للعبد من أجل التعبّد، فإنْ کان للوجوب أثر آخر فهو وإلّا فلا حاجۀ إلیه.
هذا تمام الکلام فی الإستصحاب.
وأمّا البراءة:
فإنّ العقلیّۀ غیر جاریۀ، لأنّ مجراها هی الشبهات الحکمیّۀ للتکالیف الإلزامیّۀ، وعلی القول بوجوب المقدّمۀ، فإنّ ترکها لا یستتبع
استحقاق العقاب، فلا موضوع لقاعدة قبح العقاب بلا بیان.
وأمّا الشرعیّۀ، فإن قلنا: بأنّ وجوب المقدّمۀ من لوازم الماهیّۀ، وهی غیر قابلۀ للجعل، فلا یجري حدیث الرفع فی المقدّمۀ، إذ ما لا یقبل
الجعل لا یقبل
__________________________________________________
.278 / 1) محاضراتٌ فی أُصول الفقه: 2 )
ص: 103
الرفع.
وإن قلنا: بقابلیّته للجعل تبعاً- کما علیه المحقّق الخراسانی- فیقبل الرفع، إذ لا فرق بین الاستقلالیۀ والتبعیۀ هنا.
وعلی المختار من کون وجوب المقدّمۀ قابلًا للجعل البسیط الاستقلالی، فالبراءة جاریۀ.
هذا، ولا تجري البراءة الشرعیۀ- علی القول بکون وجوب المقدّمۀ من لوازم وجوب ذیها- من جهۀٍ أُخري أیضاً، وهی: أنّ لازم هذا
القول أن یکون وضع وجوب المقدّمۀ بوضع وجوب ذي المقدّمۀ، وما کان وضعه بوضع غیره فلا یقبل الرفع إلّابرفع ذلک الغیر، ولذا
قالوا بأن حدیث الرفع لا یرفع الجزئیّۀ- مثلًا- لکونها مجعولۀً بجعل الأمر المتعلّق بالمرکّب الذي هو منشأ انتزاعها، إذ لیس لها وضع
استقلالی، فلا رفع کذلک.
لکنّ التحقیق أنّه لیس وجوب المقدّمۀ من لوازم ماهیّۀ وجوب ذیها، بل له وجود مستقل.
وأورد فی المحاضرات: بأنّه لا أثر لأصالۀ البراءة الشرعیّۀ بعد حکم العقل بلابدّیۀ الإتیان بالمقدّمۀ، لتوقف الواجب النفسی علیها.
فأفاد الأُستاذ: بأنّ هذا الإشکال یبتنی علی عدم ترتّب ثمرةٍ من الثمرات المذکورة سابقاً علی الإتیان بالمقدّمۀ، لکنّ تصویر الثمرة
ممکن، فمثلًا: بناءً علی عدم جواز أخذ الأُجرة علی الواجب الشرعی، فإنّه إنْ جرت البراءة الشرعیّۀ عن وجوب المقدّمۀ سقطت عن
الوجوب، ولا یبقی إشکال فی جواز أخذ الأُجرة علیها…
هذا تمام الکلام فی مرحلۀ المقتضی لجریان الأصل فی المقام.
ص: 104
وأمّا المانع، فقد ذکر فی الکفایۀ: إنّ استصحاب عدم الوجوب الشرعی للمقدّمۀ یستلزم التفکیک بین المتلازمین فی صورة الشک،
هکذا فی نسخۀٍ. «1» « نعم لو کانت الدعوي هی الملازمۀ المطلقۀ حتی فی مرتبۀ الفعلیۀ لما صح التمسّک بالأصل » : قال رحمه اللَّه
فی الدورة اللّاحقۀ. « صحّ » کانت فی الدّورة السابقۀ، و « لما صحّ » وعن بعض تلامذته أنّ « صحّ التمسّک » وفی أُخري
وحاصل الکلام: وجود المانع عن جریان الأصل- بعد تمامیّۀ المقتضی له- وهو لزوم التفکیک بین الوجوبین.
بأنّ الإشکال إنّما یرد لو کانت الملازمۀ بین الوجوبین ظاهراً وواقعاً، أمّا « لما صح » فأجاب رحمه اللَّه عن الإشکال: أمّا بناءً علی کلمۀ
لو قلنا بأنّها فی الواقع فقط، دون مقام جریان الأصل، فلا ملازمۀ بین الوجوبین، إذ للشارع أن یتصرّف فی مرتبۀ الظاهر ویرخّص
بالنسبۀ إلی المقدّمۀ بجریان أصالۀ عدم وجوبها فیها.
فتقریب الإشکال هو: إنّ إجراء البراءة عن وجوب المقدّمۀ یعنی الشک فی الملازمۀ ووقوع التفکیک بین « صحّ » وأمّا بناءً علی کلمۀ
المتلازمین احتمالًا، وهذا محال کالتفکیک بینهما قطعاً.
صفحۀ 66 من 205
فأجاب رحمه اللَّه- فیما حکاه المحقّق القوچانی- بأنّه فی کلّ موردٍ یوجد دلیلٌ یستلزم الأخذ به محالًا من المحالات، فإنّ ظهور ذلک
الدلیل یکون حجۀً علی أنْ لا موضوع لذلک اللازم المحال … ویؤخذ بالدلیل … وهذا هو البیان الذي مشوا علیه فی جواب شبهۀ
ابن قبۀ فی حجیّۀ خبر الواحد باحتمال لزوم تحلیل الحرام وتحریم الحلال من العمل بخبر الواحد، واحتمال لزوم اجتماع الضدّین أو
النقیضین من جهۀ تعذّر الجمع بین الحکمین الظاهري والواقعی.
__________________________________________________
(1)
. کفایۀ الأُصول: 126
ص: 105
وقد استفاد المحقّق الخراسانی من هذا المطلب لیعطی الجواب عن إشکال لزوم التفکیک فی المقام، فهو یقول بأنّ عمومات أدلّۀ
الإستصحاب وأدلّۀ البراءة الشرعیّۀ حجّۀ علی عدم الملازمۀ، فلا موضوع للّازم المحال وهو التفکیک بین المتلازمین…
والحاصل: إنّ التعبّد بالأدلّۀ یثبت عدم وجود الملازمۀ، فصحّ جریان الأصل وتمّ عدم وجوب المقدّمۀ.
هذا تمام الکلام فی مقتضی الأصل فی وجوب المقدّمۀ.
. أدلّۀ الأقوال فی مقدّمۀ الواجب … ص: 105
اشارة
قد ذکرنا الأقوال، ونتعرّض هنا لأدلّتها:
. دلیل القول بالوجوب مطلقاً …: ص: 105
اشارة
وقد استدل للقول بالوجوب مطلقاً بوجوه:
الأوّل … ص: 105
إنّ الإرادة التشریعیّۀ علی وزان الإرادة التکوینیّۀ، فکما أنّ التکوینیّۀ إذا تعلّقت بشیء تعلّقت بمقدّمته المتوقّف علیها، غیر أنّ تلک
إرادة نفسیّۀ وهذه غیریّۀ، کذلک التشریعیّۀ … وإن کان فرق بین الإرادتین من حیث أنّ التکوینیّۀ متعلّقها فعل النفس، والتشریعیّۀ
.«1» ( متعلّقها فعل الغیر عن اختیار. وهذا ما اعتمده فی (الکفایۀ
وهو أقوي الوجوه، إذ لا ریب فی شیء من مقدّماته. إلّاأنّ تمامیّۀ هذا الوجه متوقّفۀ علی معرفۀ حقیقۀ الحکم، لأنّ الدلیل أفاد أنّه إن
حصل الشوق الواصل إلی حدّ النصاب بالنسبۀ إلی المقدّمۀ تحقّق الوجوب الغیري لها، فهل هذا
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الأُصول: 126 )
ص: 106
صحیح؟
صفحۀ 67 من 205
قیل: إنّ الحکم فعل اختیاري.
وقیل: إنّه الإنشاء بداعی جعل الداعی.
وقیل: إنّه اعتبار لابدّیۀ شیء أو حرمان المکلّف من شیء.
والقدر المشترك بین هذه الأقوال هو إنّ الحکم فعل اختیاري.
وفی المقابل قول المحقّق العراقی من أنّ الحکم هو الإرادة المبرزة والکراهۀ المبرزة.
فعلی القول بأنّه فعل اختیاري، فلا محالۀ تکون الإرادة التشریعیّۀ- وهی الشوق البالغ حدّ النصاب- أجنبیّۀ عن الفعل. أمّا علی القول بأنّه
الإرادة المبرزة، فلا تکون الإرادة التشریعیّۀ بلا إبراز حکماً، أللّهم إلّاأن یبرز الإرادة بالنسبۀ إلی المقدّمۀ، کأن یقول: ادخل السوق
واشتر اللّحم.
نعم، یتم الاستدلال لو قیل بأن حقیقۀ الحکم نفس الإرادة والکراهۀ.
الثانی
اغسل ثوبک من » : وقوع الأمر بالمقدّمۀ فی القضایا التکوینیّۀ کقوله: ادخل السوق واشتر اللحم، وفی القضایا الشرعیّۀ کما فی الخبر
والأصل فی الاستعمال هو الحقیقۀ، والأمر ظاهر فی الوجوب. وهذا الوجوب الثابت للمقدّمۀ غیري «1 …» « أبوال ما لا یؤکل لحمه
بالإستقراء، لأنّ الوجوب إمّا إرشادي وإمّا مولوي طریقی وإمّا مولوي نفسی وإمّا غیري. أمّا الإرشادي، فهو إرشاد إلی حکم العقل فی
«2 …» « أَطیعُوا اللَّهَ وَأَطیعُوا الرَّسُولَ » المورد کما فی
فهنا یوجد الحکم العقلی
__________________________________________________
405 الباب 8 من أبواب النجاسات. / 1) وسائل الشیعۀ 3 )
. 2) سورة النساء: 59 )
ص: 107
ولا یمکن أن یکون الأمر بالإطاعۀ حکماً شرعیّاً مولویاً، فیحمل علی الإرشادیۀ، لکنْ لیس فی مقامنا حکم من العقل، فهو لا یقول
بلزوم الإتیان بالمقدّمۀ، بل یقول بلابدّیته وهو غیر اللزوم والوجوب، وأیضاً، ففیما نحن فیه یمکن الحکم المولوي.
وأمّا المولوي الطریقی، فلا معنی له هنا، إذ الحکم المولوي الطریقی ما یجعل للتحفّظ علی الواقع، وفیما نحن فیه لا جهل بالواقع حتّی
یجعل حکم الوجوب للاحتفاظ علیه.
وأمّا المولوي النفسی، فالمفروض أنّ بحثنا فی المقدّمۀ.
فانحصر کون الوجوب هنا غیریّاً … فیکون الأمر بغسل الثوب واجباً غیریّاً.
والجواب:
وقد أجاب الأکابر عن هذا الاستدلال: بأنّ هناك شقّاً آخر وهو: الإرشادیّۀ إلی الشرطیّۀ، بأن یکون الأمر بغسل الثوب إرشاداً إلی
شرطیّۀ الطهارة من الخبث فی صحّۀ الصّلاة.
قال الأُستاذ
إنّما یتمّ فیما إذا کان الشیء شرطاً، کاشتراط الصّلاة بطهارة اللباس، وبالطهارة ،«1» وهذا الجواب الذي ارتضاه فی المحاضرات أیضاً
«2 …» « یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا » من الحدث کما فی
، أمّا فی مثل: إذهب إلی السوق واشتر اللحم، فلیس دخول السّوق شرطاً ولا مقدّمۀً لشراء اللحم، وإنّما هو مقدّمۀ وجودیّۀ.
__________________________________________________
صفحۀ 68 من 205
(1)
.280 / محاضرات فی أُصول الفقه 2
. 2) سورة المائدة: 6 )
ص: 108
وکذا الحمل علی الارشاد إلی المقدمیّۀ، ففیه: إنّه من الواضح فی مثل:
ادخل السّوق واشتر اللحم، کون الدخول مقدمۀً للشراء، ولا حاجۀ إلی التنبیه والإرشاد إلیه.
(قال) والذي یمکن أن یقال فی الجواب: إنّ لابدّیۀ الإتیان بمتعلّق الأمر هی لترتّب ذي المقدّمۀ علیه، وهذه الخصوصیّۀ تمنع من انعقاد
الظهور العرفی للأوامر الشرعیّۀ المتعلّقۀ بالمقدّمات فی الطلب المولوي.
لا یقال: إنّه بعد ثبوت حکم العقل بلابدیّۀ المقدّمۀ، من باب الملازمۀ العقلیۀ بین المقدمۀ وذیها، یکون المقام من صغریات قاعدة
الملازمۀ بین حکم العقل وحکم الشرع، فیتم الحکم الشرعی، أعنی وجوب المقدّمۀ شرعاً.
لأنّ الأصحاب قد نفوا الوجوب الشرعی هنا مع قولهم بقانون الملازمۀ.
وبیان ذلک بحیث یکون نافعاً فی سائر الموارد هو:
إن العقل، سواء قلنا بأنه حاکم أو مدرك فقط، إنما یحرّك المکلّف ویحمله علی امتثال حکم المولی حتی یخرج عن عهدة
التکلیف، فیما إذا لم یکن قبله حکم من الشرع، لأنّ حکم الشرع السابق علی حکم العقل یکون کافیاً لداعویّۀ العبد، وفی مثل هذه
الحالۀ لا أثر للحکم العقلی لیکون مورداً لقاعدة الملازمۀ، علی أنّه یستلزم التسلسل، لأنّ الحکم العقلی لو استتبع حکماً شرعیّاً، کان
الحکم الشرعی موضوعاً لوجوب الإطاعۀ عقلًا، ووجوب الإطاعۀ لو استتبع حکماً شرعیّاً، کان موضوعاً لوجوب الإطاعۀ کذلک،
وهکذا فیتسلسل. ومن هنا قالوا:
الأحکام العقلیّۀ التی هی فی طول الأحکام الشرعیّۀ لیست مورداً لقاعدة کلّ ما حکم به العقل حکم به الشرع.
بل الأحکام العقلیّۀ التی هی مورد القاعدة هی الأحکام العقلیّۀ الواقعۀ فی
ص: 109
سلسلۀ علل الأحکام الشرعیّۀ، بمعنی أنّ العقل إذا أدرك المصلحۀ الملزمۀ غیر المزاحمۀ بالمفسدة، أو المفسدة الملزمۀ غیر المزاحمۀ
بالمصلحۀ، فإنّ تلک المصلحۀ أو المفسدة تکون علّۀً للوجوب أو الحرمۀ، لکون الأحکام الشرعیّۀ تابعۀ للمصالح والمفاسد، فمثل هذه
الأحکام تکون مورداً للقاعدة.
والحاصل: إنّ الأحکام العقلیّۀ علی قسمین، فما کان منها فی طول الأحکام الشرعیّۀ فلا یکون مورداً للقاعدة، وما کان منها فی سلسلۀ
العلل لها فهی مورد للقاعدة.
إذا عرفت هذا، فاعلم أنّ مورد بحثنا خارج خروجاً موضوعیّاً عن مورد القاعدة، لأنّه لیس فی مقامنا إلّادرك العقل التلازم فی الإرادة
والاشتیاق بین المقدّمۀ وذي المقدّمۀ، وهذا التلازم أمر تکوینی ولیس وظیفۀً للعبد، فالعقل یري هذه اللّابدّیۀ لکن لا بعنوان کونها
وظیفۀً من وظائف العبودیّۀ…
وتلخّص: عدم تمامیّۀ القول بالوجوب الشرعی للمقدّمۀ عن طریق قانون الملازمۀ بین حکم العقل وحکم الشرع.
الثالث … ص: 109
وهو أنّه: لو لم تجب المقدّمۀ لجاز ترکها، وإذا تحقّق الترك، فلا یخلو حال ذي «1» ما نقله فی الکفایۀ عن أبی الحسین البصري
المقدّمۀ من أنْ یبقی علی وجوبه فیلزم التکلیف بما لا یطاق، أو یخرج عن الوجوب المطلق ویکون مشروطاً بوجود المقدّمۀ، وهذا
صفحۀ 69 من 205
خلف.
أجاب فی الکفایۀ: بعدم لزوم شیء من المحذورین، بعد حکم العقل
__________________________________________________
عدم المنع لا الاباحۀ، وانّ الموجبللتکلیف بما لا یطاق هو الترك لا :« جواز الترك » 1) مع اصلاح الاستدلال بأن یکون المراد من )
جواز الترك.
ص: 110
بلابدّیۀ الإتیان بالمقدّمۀ، فلو ترك المقدّمۀ- مع ذلک- لزم سقوط الأمر بذي المقدّمۀ بالعصیان، فالأمر غیر باقٍ حتی یلزم التکلیف
بما لا یطاق.
«1» وأشکل المحقّق الإیروانی
علی الکفایۀ: بأنّ هذا الجواب یتم علی القول بجواز خلوّ الواقعۀ عن الحکم الشرعی. وأمّا بناءً علی أنّ لکل واقعۀ حکماً شرعیاً، فإنّه
إن لم تجب المقدّمۀ فهی مباحۀ شرعاً، ومع الإباحۀ تکون موضوعاً لحکم العقل بالرخصۀ، وإذا جاء الترخیص بالنسبۀ إلی المقدّمۀ
أمکن ترك ذي المقدّمۀ أیضاً، فینقلب وجوبه عن الإطلاق إلی الإشتراط بالإتیان بالمقدّمۀ.
وهذا هو الخلف.
والحاصل: إنّ جواب الکفایۀ عن الاستدلال مبنائی.
والأُستاذ وافق علی إشکال المحقّق الإیروانی، لکنّه ذکر أنّ المبنی الصحیح ما ذهب إلیه فی الکفایۀ، إذ لا دلیل علی ضرورة وجود
حکم شرعی فی کلّ واقعۀ، بل الحکم العقلی أیضاً وظیفۀ مخرجۀ للعبد من الحیرة. وبعبارة أُخري: لابدّ من تعیین الوظیفۀ فی کلّ
واقعۀٍ سواء کانت من ناحیۀ العقل أو الشرع.
. دلیل القول بعدم وجوب المقدّمۀ … ص: 110
واستدلّ للقول بعدم وجوب المقدّمۀ شرعاً، باستحالۀ الوجوب بلا ملاك، وملاك جعل الوجوب فی المقدّمۀ إمّا تحریک العبد نحو
ولیس فی وجوب المقدّمۀ شیء من الملاکین. .«2» العمل، وإمّا إسناد العمل إلی أمر المولی إن کان العبد متحرّکاً ومنبعثاً
أمّا أن یکون لأجل تحریکه، فقد تقدّم کفایۀ اللابدّیۀ العقلیۀ.
__________________________________________________
(1)
.183 / نهایۀ النهایۀ 1
2) إن کان العبد منبعثاً ومتحرّکاً نحو العمل، فجعل الوجوب من أجل تحریکه تحصیل للحاصلوهو محال، بل جعله لأجل إسناد )
العمل واضافته إلی المولی لیکون مقرّباً إلیه.
ص: 111
وأمّا أن یکون لأجل الإضافۀ إلی المولی فیکون مقرّباً، فإنْ قلنا: بأن المقدّمۀ معنی حرفی ولیس لها وجود مستقل، فلا موضوع
للوجوب، وإن قلنا- کما هو الصحیح- بأنّها قابلۀ للنظر الاستقلالی وتوجّه الأمر إلیها، فإنّ مقربیّۀ الإتیان بالمقدّمۀ حاصلۀ بالإتیان بذي
المقدّمۀ، لأنّه إنّما یأتی بالمقدّمۀ بداعی التوصّل إلی ذیها، فالمقربیّۀ حاصلۀ ولا أثر لجعل الوجوب للمقدّمۀ من هذه الجهۀ.
ومع انتفاء کلّ من الملاکین، یکون جعل الوجوب للمقدّمۀ لغواً اللّهمّ إلّاأن یقال: بأنّ جعله لها یؤثّر أثر التأکید، بأن یأتی بها بداعیین،
أحدهما الوجوب الغیري والآخر التوصّل إلی ذي المقدّمۀ. فلا لغویّۀ. فیکون وجه عدم الوجوب للمقدّمۀ حینئذ عدم الدلیل علی
صفحۀ 70 من 205
وجوبها لا عدم الملاك ولزوم اللغویّۀ، إذ لا دلیل شرعی علی وجوب المقدّمۀ، وقد عرفت أنّ العقل غیر کاشف هنا إلّاعن التلازم بین
المقدّمۀ وذیها فی الشوق والإرادة، أمّا أن یکشف عن حکم شرعی فلا…
وقانون الملازمۀ أیضاً لم یثبت حکماً شرعیّاً للمقدّمۀ.
فالحقّ: عدم وجوب مقدّمۀ الواجب شرعاً.
. دلیل التفصیل بین المقدّمات السببیّۀ وغیرها … ص: 111
فإن کانت سبباً فهی واجبۀ، وإنْ کانت شرطاً فلا، وذلک: لأنّ القدرة علی المتعلّق شرط، والمسبّب خارج عن القدرة، فلا یتعلّق
التکلیف به، لکنّ السبب المتوقّف علیه مقدور، فلابدّ من صرف الأمر المتعلّق بالمسبّب إلی السبب، وعلیه، فلو أمر بالطّهارة من
الحدث، فإنّه یتوجّه إلی السبب المحصّل لها، لأنّه المقدور دون نفس الطّهارة.
ص: 112
«1» أجاب فی الکفایۀ
أوّلًا: إن هذا الذي ذکر لیس بدلیلٍ علی التفصیل، بل إنّه دلیل علی أنّ الأمر النفسی إنّما یکون متعلّقاً بالسبب دون المسبّب، فیکون
السبب واجباً نفسیّاً. وهذا شیء خارج عن محلّ البحث، وهو وجوب المقدّمۀ بالوجوب الغیري وعدمه.
وثانیاً: إنّ ما ذکر من أنّ المسبّب غیر مقدور غیر صحیح، لأنّ الشیء یکون مقدوراً بالقدرة علی سببه، والقدرة المعتبرة فی التکالیف
أعم من القدرة بالمباشرة أو بالتسبیب، فلو أمر بالإحراق- وهو المسبّب- مع القدرة علی الإلقاء فی النار کان صحیحاً، ولا وجه لصرفه
إلی الإلقاء، أيالسبب.
:«2» وقال المیرزا
إن کان وجود العلّۀ غیر وجود المعلول صحّ وجوب العلّۀ بالوجوب الغیري، وإن کانا موجودین بوجودٍ واحدٍ- کالإلقاء والإحراق،
والغسل والطهارة من الخبث ونحوهما- فلا معنی لأنْ یکون وجوب العلّۀ غیریّاً والمعلول نفسیّاً.
أشکل الأُستاذ
أوّلًا: بأنّه لا یعقل وجود العلّۀ والمعلول بوجودٍ واحدٍ، إذ العلّۀ والمعلول متقابلان، العلّۀ مؤثرة والمعلول أثر، والمتقابلان لا یوجدان
بوجود واحدٍ.
وثانیاً: ما ذکره من تعدّد الوجود فی الإلقاء والإحتراق غیر صحیح، لأنّ الإلقاء لا ینفک عن الإحراق، لکنّ عدم الإنفکاك أمرٌ
ووجودهما بوجودٍ واحدٍ أمر آخر.
. دلیل التفصیل بین الشرط الشرعی وغیره … ص: 112
فإنْ کانت المقدّمۀ شرطاً شرعیّاً کالوضوء بالنسبۀ إلی الصلاة فهی واجبۀ،
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الأُصول: 128 )
.253 / 2) أجود التقریرات 1 )
ص: 113
وإنْ کانت شرطاً غیر شرعی کنصب السلّم للصعود إلی السطح الواجب فلا، وهو قول ابن الحاجب فی (المختصر) وشارحه العضدي
فهو: ،«1»
صفحۀ 71 من 205
أنّه لولا وجوب الشرط الشرعی شرعاً لما کان شرطاً، حیث إنّه لیس ممّا لابدّ منه عقلًا أو عادةً.
والحاصل: إنّ المقدّمۀ إن کانت عقلیّۀ کطیّ الطریق للحج أو عادیّۀ کنصب السلّم للصعود، فلا حاجۀ إلی جعل الوجوب الشرعی، لأنّ
جعله إنّما هو بداعی بعث المکلّف، والمفروض انبعاثه عقلًا أو عادةً نحو المتعلّق، وأمّا إن کانت المقدّمیّۀ شرعیّۀ، فإنّ العقل لا یدرك
لابدیّتها، کلابدّیۀ الوضوء للصّلاة، وهذا معنی قوله: لو لا وجوبه شرعاً لما کان شرطاً.
جواب المحقّق الخراسانی
أوّلًا: إنّ الشرط مطلقاً- شرعیّاً کان أو عقلیّاً أو عادیّاً- هو ما ینتفی المشروط بانتفائه، وعلیه، فالشروط :«2» وأجاب المحقّق الخراسانی
الشرعیّۀ ترجع إلی العقلیّۀ.
قال الأُستاذ
وفیه: إنّه فرقٌ بین الشروط الشرعیّۀ وغیرها، لأنّ غیر الشرعیّۀ واضحۀ لدي العقل، بخلاف الشرعیّۀ، إذ العقل لا یدرك لابدّیتها إلّابعد
وجوبها شرعاً، کما تقدّم.
وأجاب ثانیاً: بأنّه لا یتعلّق الأمر الغیري إلّابما هو مقدّمۀ، فلابدّ من إثبات مقدمیّۀ المقدّمۀ قبل تعلّق الأمر فلو کانت مقدمیّته متوقّفۀ علی
تعلّق الأمر بها لزم الدور.
__________________________________________________
.244 / 1) شرح المختصر 1 )
. 2) کفایۀ الأُصول: 128 )
ص: 114
قال الأُستاذ
ویمکن الجواب: بأنّ الوضوء کما هو شرط وقید للصّلاة بما هی واجبۀ، کذلک هو قید للصّلاة بما هی قربان کلّ تقی- مثلًا- فله دخلٌ
فی وجوبها وفی الغرض منها، لکنّ دخله فی الغرض منها غیر موقوف علی وجوبه الغیري، بل الوجوب الغیري موقوف علی ذلک، إذ
لو لم یکن الوضوء قیداً للغرض من ال ّ ص لاة لم یتعلّق به الوجوب الغیري. وعلیه، فقد أصبح الوجوب الغیري للوضوء موقوفاً علی دخله
فی الغرض من الصّلاة، ولیس دخله فیه موقوفاً علی وجوبه الغیري.
نعم، مقدمیّۀ الوضوء لل ّ ص لاة- من حیث أنّها واجبۀ- موقوفۀ علی الوجوب الغیري. والحاصل: إنّه قد وقع الخلط بین مقدمیّۀ الوضوء
للواجب ومقدمیّته للغرض من الواجب.
وعلی الجملۀ: فإن کون الوضوء شرطاً وقیداً للواجب موقوف علی مصحّح انتزاع هذه الشرطیّۀ وهو الوجوب الغیري، لکنّ الوجوب
الغیري موقوف علی شرطیّته للقربانیّۀ وغیرها من الأغراض، فاختلف الموقوف والموقوف علیه، فلا دور.
الحق فی الجواب
ما ذکره المحقّق الخراسانی بالتالی، من أنّ المصحّح لاتّصاف المقدّمۀ الشرعیّۀ بالمقدمیّۀ هو: الأمر النفسی المتعلّق بذي المقدّمۀ مقیّداً
بالمقدّمۀ، کقوله:
صلّ مع الطّهارة، فإنّ مثل هذا الخطاب یکون منشأً لانتزاع المقدمیّۀ والشرطیّۀ للوضوء بالنسبۀ إلی الصّلاة، فلا یکون واجباً غیریّاً شرعاً.
هذا تمام الکلام فی مقدمۀ الواجب.
ص: 115
ثمرة القول بوجوب المقدّمۀ … ص: 115
صفحۀ 72 من 205
ثمرات للبحث عن وجوب المقدّمۀ: «1» ذکر فی الکفایۀ وغیرها
(منها) إنّ نتیجۀ البحث عن ثبوت الملازمۀ بین وجوب شیء ووجوب مقدّماته هی الوجوب الشرعی للمقدّمۀ بناءً علی ثبوتها، قال
المحقّق الخراسانی رحمه اللَّه: لو قیل بالملازمۀ فی المسألۀ فإنّه بضمیمۀ مقدّمۀ کون شیء مقدّمۀً لواجب یستنتج أنّه واجب.
یعنی: إذا علمنا مثلًا: أنّ الوضوء مقدّمۀ لواجبٍ، فجعلنا ذلک مقدّمۀً للکبري الأُصولیّۀ بأنّ: کلّ ما هو مقدّمۀ لواجب فإنّه یلزم وجوب
المقدّمۀ من وجوب ذي المقدّمۀ، ویستنتج من هذا القیاس وجوب الوضوء، أمّا بناءً علی عدم ثبوت الکبري الأُصولیّۀ المذکورة، فلا
تتم هذه النتیجۀ ویبقی اللّابدّیۀ العقلیّۀ.
وفی المحاضرات: إنّ ما ذکر لا یصلح لأن یکون ثمرةً فقهیۀ للمسألۀ الأُصولیّۀ، لعدم ترتّب أثر عملی بعد حکم العقل بلابدّیۀ الإتیان
بالمقدّمۀ.
فأجاب الأُستاذ: بأنّه یکفی لتحقّق الثمرة الفقهیّۀ جواز فتوي الفقیه بوجوب الوضوء فی المثال، فکان للقیاس المزبور هذا الأثر الفقهی
العملی لبعض المکلّفین وهم الفقهاء.
_(ا ه ن م و ) نّ إ ۀ م دّ ق م ل ا ا ذ إ تن ا ک ةً د ا ب ع ، ی ل ع ف ل و ق ل ا ا ه ب و ج و ب ه نّ إ ف ی ت ؤ ی ا ه ب د ص ق ب ب رّ ق ت ل ا ، ا لّ إ و لا ف ا م ک و ه ح ض ا و . _________________________________________________
.266 / 1) کفایۀ الأُصول: 123 ، محاضرات فی أُصول الفقه 2 )
ص: 116
وفی المحاضرات: إنّ عبادیّۀ المقدّمۀ لا تتوقّف علی وجوبها، فإنّ منشأ العبادیّۀ لها أحد أمرین، إمّا الإتیان بها بقصد التوصّل إلی
الواجب النفسی وامتثال الأمر المتعلّق به، وإمّا الإتیان بها بداعی الأمر النفسی المتعلّق بها کما فی الطهارات الثلاث، فالوجوب الغیري لا
یکون منشأ لعبادیّتها أصلًا.
فأجاب الأُستاذ: بأنه اشکال مبنائی، ولا یعتبر فی الثمرة أن تکون مترتّبۀً علی جمیع المبانی، فعلی القول بأنّ العمل بداعی الأمر الغیري
غیر مقرّب بل العبادیّۀ إنّما تحصل بأحد الأمرین المذکورین، فلا ثمرة. أمّا علی القول بأنّ الإتیان به مضافاً إلی المولی کافٍ للعبادیّۀ
والمقربیّۀ، فإنّ الإتیان به بداعی الأمر الغیري یکون مقرّباً وتترتّب الثمرة.
(ومنها) إنه إنْ کانت المقدّمۀ واجبۀً بالوجوب الشرعی، کانت موضوعاً للبحث عن أخذ الأُجرة علی الواجبات، وإلّا فلا مانع من ذلک.
قال فی المحاضرات: وفیه أوّلًا: إنّ الوجوب- بما هو وجوب- لا یکون مانعاً من أخذ الأُجرة علی الواجب، إلّاإذا قام دلیل علی لزوم
الإتیان به مجّاناً کدفن المیّت، وإذ لا دلیل علی لزوم الإتیان بالمقدّمۀ مجّاناً، فلا مانع من أخذ الأُجرة علیها وإنْ قلنا بوجوبها. وثانیاً: إنّه
لا ملازمۀ بین وجوب شیء وعدم جواز أخذ الأُجرة علیه، بل النسبۀ بینهما عموم من وجه، فقد یکون العمل واجباً وأخذ الأُجرة علیه
جائز کما لو کان واجباً توصلیاً، وقد یکون غیر واجب ولا یجوز أخذ الأُجرة علیه کالأذان، فإنْ کان واجباً عبادیاً حرم أخذ الأُجرة علیه
علی القول بالحرمۀ … إذن، لابدّ من التفصیل فی هذه الثمرة.
قال الأُستاذ: إنّه یکفی ترتّب الثمرة علی بعض الأقوال فی المسألۀ، فعلی القول بأنّ کل واجب فهو للَّه، وما کان للَّه فلا تؤخذ الأُجرة
علیه- لأن وجوب
ص: 117
العمل علی العبد منافٍ لملکیّۀ العبد لعمله- فالثمرة مترتّبۀ.
(ومنها) برّ النذر بالإتیان بالمقدّمۀ علی القول بوجوبها لو نذر الإتیان بفعل واجب، وعدم حصول البرّ بذلک علی القول بعدم وجوبها.
« الواجب » وقد أشکل فی الکفایۀ والمحاضرات وغیرهما علی هذه الثمرة: بأنّ الوفاء بالنذر یتبع قصد الناذر، فإن کان قاصداً من لفظ
خصوص الواجب النفسی، لم یکف الإتیان بالمقدّمۀ، لأن وجوبها غیري علی القول بوجوبها، وإن کان قاصداً منه ما یلزم الإتیان به
صفحۀ 73 من 205
ولو بحکم العقل، وجب الإتیان بالمقدّمۀ، حتّی علی القول بعدم وجوبها شرعاً. نعم لو قصد من الوجوب الأعم من النفسی والغیري،
حصل البرّ بإتیان المقدّمۀ علی القول بوجوبها دون القول بعدم وجوبها.
(ومنها) إنّه بناءً علی وجوب المقدّمۀ شرعاً، فقد یکون لواجب نفسی مقدّمات کثیرة، وحینئذٍ، فلو ترك الواجب النفسی مع مقدّماته
حکم بفسقه، أمّا بناءً علی عدم وجوبها فلا، لأنّه لم یفوّت إلّاواجباً واحداً وهو النفسی ذو المقدّمۀ، ولا یصدق عنوان الإصرار علی
المعصیۀ بذلک إلّاإذا کان ترك ذي المقدّمۀ کبیرةً من الکبائر.
علی مسلک « الإصرار علی الصغیرة » وفی معنی « العدالۀ » وأشکل فی المحاضرات بما حاصله: ترتّب الثمرة علی بعض المبانی فی معنی
التفصیل بین الصغیرة والکبیرة.
قال: ولو تنزّلنا عن جمیع ذلک، فإنّه لا معصیۀ فی ترك المقدّمۀ بما هی مقدّمۀ حتی علی القول بوجوبها کی یحصل الإصرار علی
المعصیّۀ، لأنّ ما یحقّق عنوان المعصیۀ هو مخالفۀ الأمر النفسی، وأمّا مخالفۀ الأمر الغیري فلا تحقّق بها المعصیۀ.
ص: 118
وقد أورد علیه الأُستاذ:
أوّلًا: بکفایۀ ترتّب الثمرة علی بعض المبانی، کما تقدّم.
یتحقّق بمخالفۀ الأمر، سواء کان نفسیّاً أو غیریّاً… « المعصیۀ » وثانیاً: إن عنوان
علی المعصیۀ یتحقّق بکثرة المخالفۀ کما یتحقّق بتکرّر المخالفۀ للحکم الواحد، فإنّه یتحقّق فیما « الإصرار » وثالثاً: إن قیل إنّ عنوان
نحن فیه بترك جمیع المقدّمات.
(ومنها) إنّ المقدّمۀ إن کانت محرّمۀ، فعلی القول بوجوب المقدّمۀ شرعاً یلزم اجتماع الأمر والنهی فیها، وعلی القول بعدم وجوبها فلا
یلزم.
أجاب فی الکفایۀ
أوّلًا: إنّ المقدّمۀ المحرّمۀ علی قسمین، منحصرة وغیر منحصرة، فإن کانت منحصرةً فلا یلزم الاجتماع، بل یترجّ ح أحد الأمرین-
الوجوب والحرمۀ- علی الآخر. وإن کانت غیر منحصرة، فإنّ مصب الوجوب- علی القول به فی بحث مقدّمۀ الواجب- هو المقدّمۀ
المباحۀ، لأنّ الحاکم بوجوب المقدّمۀ هو العقل، عن طریق الملازمۀ بین وجوب ذي المقدّمۀ ووجوب المقدّمۀ، وهو لا یري الملازمۀ
إلّابین الواجب ومقدّمته المباحۀ، فلا تکون المحرّمۀ محلّ الاجتماع.
فأشکل فی المحاضرات فی صورة عدم الانحصار: بعدم الدلیل علی اعتبار إباحۀ المقدّمۀ، لأنّ الملاك فی المقدّمیۀ توقف ذي
المقدّمۀ الواجب علی المقدّمۀ، وکما أنّ المقدّمۀ المباحۀ واجدة لهذا الملاك فکذلک المقدّمۀ المحرمۀ، ومجرّد انطباق عنوان
المحرّم علیها لا یخرجها عن واجدیّتها للملاك … فتکون
ص: 119
محلّاً للاجتماع.
وأجاب الأُستاذ دام ظلّه: بأنّ وجوب المقدّمۀ شرعاً- علی القول به- إنّما اکتشف عن طریق حکم العقل بالملازمۀ بین وجوب ذي
المقدّمۀ شرعاً ووجوب المقدّمۀ، فالعقل لا یري انفکاکاً بین مطلوبیّۀ ذي المقدّمۀ ومطلوبیّۀ المقدّمۀ، لکنّ هذه المطلوبیّۀ من أوّل الأمر
إنّما تکون بین ذي المقدّمۀ ومقدّمته المباحۀ لا مقدّمته المبغوضۀ للمولی، فهو لا یري الملازمۀ إذا کانت مبغوضۀ له، وعلیه، فإنّ
الوجوب یتوجّه إلی المقدّمۀ المباحۀ، فلا یلزم الاجتماع.
« ذات المقدّمۀ » وثانیاً: إنّه لیس المورد من قبیل اجتماع الأمر والنهی، بل من قبیل النهی عن العبادة، لأنّ موضوع الوجوب هو
فتعلّق الأمر والنهی بما هو مصداق فعلًا للمقدّمۀ، فیکون من مسائل النهی عن العبادة. ،« الغصب » کالوضوء، وموضوع الحرمۀ هو
صفحۀ 74 من 205
خارج عن متعلّق الأمر، إلّاأنّ الأمر قد تعلّق بطبیعی الوضوء الجامع بین الفردین الحلال والحرام، « المقدّمۀ » والجواب: صحیح أنّ عنوان
والنهی قد تعلّق بخصوص الفرد المغصوب، فکان متعلّق الأمر غیر متعلّق النهی، ثمّ انطبقا علی هذا الوضوء الغصبی فکان مجمعاً لهما.
وثالثاً: إنّ الغرض من المقدّمۀ هو التوصّ ل بها إلی ذي المقدّمۀ الواجب بالوجوب النفسی، وهی لا تخلو إمّا أن تکون توصلیّۀ أو
تعبدیّۀ، فإن کانت توصلیّۀ فهی توصل إلی ذي المقدّمۀ وإن کانت محرّمۀً، کالحج علی الدابّۀ المغصوبۀ، وإن کانت تعبدیّۀ-
کالوضوء مثلًا- وقع البحث فی جواز اجتماع الأمر والنهی وعدم جوازه، فإنْ قلنا بالجواز صحّت العبادة سواء قلنا بوجوب المقدّمۀ أم لم
نقل، وإن قلنا بالعدم وتقدیم جانب النهی بطلت سواء قلنا بوجوب المقدّمۀ
ص: 120
أم لم نقل، فلا ثمرة للبحث.
وفیه:
إنّه بناءً علی عدم الفرق فی المقربیّۀ بین الواجب النفسی والواجب الغیري، فإنّ المقدّمۀ إن کانت تعبّدیۀ فإنّه یعتبر فیها قصد القربۀ،
فإنْ اتّفق کونها محرمۀً کالوضوء الغصبی امتنع التقرّب بها إلّاعلی القول بوجوب المقدّمۀ، بناءً علی جواز اجتماع الأمر والنهی، فالثمرة
مترتبۀ.
ص: 121
تتمّۀ
مقدّمۀ المستحب … ص: 121
قال المحقّق الخراسانی:
مقدّمۀ المستحب کمقدّمۀ الواجب فتکون مستحبۀً لو قیل بالملازمۀ.
أقول:
إنّه بناءً علی الملازمۀ بین المقدّمۀ وذیها، لا یري العقل فرقاً بین الطلب الإلزامی والطلب غیر الإلزامی، فبمجرّد وجود المقدمیّۀ وتوقّف
ذي المقدّمۀ علیها، یکون مقدّمۀ المستحب مستحبّاً، کما یکون مقدّمۀ الواجب واجباً.
مقدّمۀ الحرام والمکروه … ص: 121
قال المحقّق الخراسانی:
.«1 …» وأمّا مقدّمۀ الحرام والمکروه، فلا تکاد تتّصف بالحرمۀ أو الکراهۀ، إذ منها ما یتمکّن معه من ترك الحرام أو المکروه اختیاراً
أقول:
حاصل کلامه قدّس سرّه هو التفصیل، لأنّ المقدّمۀ علی قسمین:
أحدهما: المقدّمۀ التی یتمکّن المکلّف مع فعلها من ترك الحرام أو المکروه، لعدم کونها علّۀً تامّۀً ولا جزءً أخیراً للعلّۀ التامّۀ.
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الأُصول: 128 )
ص: 122
الثانی: المقدّمۀ التی لا یتمکّن المکلّف معها من ذلک، لکونها علّۀً تامّۀ أو جزءً أخیراً لها.
ففی القسم الأول لا تکون المقدّمۀ حراماً أو مکروهاً، إذ مع الفرض المذکور لا وجه لذلک، لعدم کونها واجدةً لملاك المقدّمیّۀ
صفحۀ 75 من 205
وهو التوقّف، بل یکون إتیانه لذي المقدّمۀ المحرَّم مستنداً إلی سوء اختیاره، بخلاف القسم الثانی.
وبعبارة أُخري: إنّه فی کلّ موردٍ تتوسّط الإرادة بین المقدّمۀ وذیها، فلا تترشّح الحرمۀ أو الکراهۀ إلی المقدّمۀ، وفی کلّ موردٍ لا
توسط للإرادة بینهما، کما فی الأفعال التولیدیّۀ، حیث النسبۀ بین المقدّمۀ وذیها نسبۀ العلّۀ التامّۀ والمعلول، فالمقدّمۀ تکون محرّمۀ أو
مکروهۀً کذلک.
«1» وقال المحقّق النائینی
بأنّ المکلّف تارةً: عنده صارف یصرفه عن ارتکاب الحرام وأُخري:
لا صارف عنده. فإنْ کان عنده صارف عن الحرام، فلا تتّصف المقدّمۀ بالحرمۀ، لعدم ترتّب أثر علیها.
وأمّا إن لم یکن عنده صارف فهنا صور:
(الصورة الأُولی): أن یتعدّد المقدّمۀ وذو المقدّمۀ عنواناً ویتّحدا وجوداً، کصبّ الماء للوضوء حالکون الماء مغصوباً، فقد تحقّق
عنوانان أحدهما: صبّ الماء وحکمه الوجوب والآخر: الغصب وحکمه الحرمۀ، لکنّهما متّحدان وجوداً، فالمورد من صغریات اجتماع
الأمر والنهی، وتکون المقدّمۀ محرّمۀً بالحرمۀ النفسیّۀ- لا الغیریّۀ- لأنّ النهی حینئذٍ یتوجّه إلی نفس الفعل التولیدي.

ر
و
ص
ل
ا
ۀ
ی
ن
ا
ث
ل
ا
)
ن
أ
د
دّ ع
ت
ی
ۀ
م
دّ ق
م
ل
ا
و
ذ
و
ۀ
م
دّ ق
م
ل
ا
اً ن
ا
و
ن
ع
اً د
و
ج
و
و
:
__________________________________________________
.361 / 1) أجود التقریرات 1 )
ص: 123
فإنْ کانت النسبۀ بین المقدّمۀ وذیها نسبۀ العلّۀ التامّۀ إلی المعلول ولا توسّط للإرادة، فالمقدّمۀ محرّمۀ حرمۀً نفسیّۀ- مع کونها مقدّمۀ-
لأنّها هی متعلّق القدرة والاختیار من المکلّف، وأمّا ذو المقدّمۀ فلا قدرة علی ترکه فلا تتعلّق به حرمۀ.
وإنْ لم تکن النسبۀ بینهما کذلک، فهنا صورتان:
-1 أن یأتی بالمقدّمۀ بقصد التوصّل بها إلی الحرام، فیکون القول بحرمتها مبنیّاً علی القول بحرمۀ التجرّي، فعلی القول بذلک تکون
المقدّمۀ محرّمۀً بالحرمۀ النفسیّۀ، وإلّا فهی حرام بالحرمۀ الغیریّۀ.
-2 أن یأتی بها لا بقصد ذلک، فلا تکون صغري للتجرّي، ولا وجه للحرمۀ حینئذٍ، لبقاء الإختیار والقدرة علی ترك الحرام کما هو
المفروض.
تحقیق الأُستاذ فی هذا المقام
فقال الأُستاذ دام بقاه: إنّ مقتضی القاعدة- قبل کلّ شیء- تعیین المبنی فی حقیقۀ النهی، وأنّه هل طلب الترك أو أنّه الزجر عن
الفعل؟
فعلی القول بوحدة الحقیقۀ فی الأمر والنهی، وأن کلیهما طلب، غیر أنّ الأوّل طلب للفعل والثانی طلب للترك- کما هو مختار صاحب
الکفایۀ- یتم التفصیل الذي ذهب إلیه، لأنّ ما لیس علّۀً تامّۀً ولا جزءً أخیراً لها لا یتعلّق به طلب الترك، فلا یکون محرّماً بالحرمۀ
الغیریّۀ، لأنّه غیر واجد للملاك وهو المقدمیۀ والتوقّف، لأنّ ما له دخل فی ترك الحرام هو الجزء الأخیر من العلّۀ التامّۀ، أمّا غیره من
الأجزاء فلا دخل له فی تحقّق الحرام.
وبهذا البیان یظهر الفرق بین مقدّمۀ الواجب ومقدّمۀ الحرام- مع کون کلیهما طلباً علی المبنی- فإن مقدّمات الواجب کلّ واحدة منها
دخیل فی تحقّق الواجب، فکلّ خطوة خطوة من طی الطریق للحج واجب، بخلاف مقدّمات الحرام إذ الدخیل لیس إلّاالجزء الأخیر.
ص: 124
وحاصلها: إنّ الإرادة علّۀ تامّۀ للحرام، فلابدّ وأن تکون منهیّۀً عنها « إن قلت » وهنا یواجه المحقّق الخراسانی مشکلۀً یتعرّض لها بعنوان
صفحۀ 76 من 205
فهی محرمۀ. ثمّ یجیب بأنّ الإرادة غیر إرادیۀ، فلا یتعلّق بها التکلیف لا النفسی ولا الغیري، وإلّا لتسلسل.
فهذا توضیح مختار الکفایۀ.
فأشکل علیه الأُستاذ بإشکالین:
أحدهما: إنّ حقیقۀ النهی هو الزجر ولیس طلب الترك.
والثانی: إنّ الإرادة یتعلّق بها التکلیف، لکون أفعالنا اختیاریّۀً بالعرض.
أقول:
لکنّهما اشکالان مبنائیّان کما لا یخفی.
هذا بالنسبۀ إلی کلام المحقّق الخراسانی.
وأمّا بالنسبۀ إلی کلام المیرزا، فقد أفاد الأُستاذ:
أمّا ما ذکره فی الصّورة الأُولی- وهی ما إذا کان للمکلّف صارف عن الحرام- ففیه نظر، لأنّ مقتضی قانون الملازمۀ- بناءً علی القول
به- هو الحکم بحرمۀ المقدّمۀ الموقوف علیها فعل الحرام حرمۀً غیریّۀ، سواء وجد الصّارف عن الحرام أو لا.
وأمّا ما ذکره فی الصّورة الثانیۀ- من سرایۀ الحرمۀ إلی متعلّق الأمر فیما إذا کان العنوانان موجودین بوجودٍ واحد- فتامٌ من حیث
الکبري، إلّاأنّ المورد لیس من صغریاتها، لأنّ إجراء الماء علی الید غیر متّحد وجوداً مع جریانه علی الأرض المغصوبۀ، بل الجریان
علیها أثر لإراقۀ الماء علی الید بعنوان الغسل.
وأمّا ما ذکره فی الصّورة الثالثۀ- من عدم سرایۀ الحرمۀ من ذي المقدّمۀ إلی المقدّمۀ، لکون ذي المقدّمۀ خارجاً عن القدرة فی حال
عدم توسط الإرادة بینهما-
ص: 125
ففیه: بعد غضّ النظر عن اختلاف کلماته فی هذا المورد، إنّ القدرة علی المسبّب موجودة، لوجود القدرة علی سببها الذي هو مقدّمۀ
وجودیّۀ لذي المقدّمۀ، وحینئذ، فالذي یحرم بالحرمۀ النفسیّۀ هو ذو المقدّمۀ، أمّا المقدّمۀ فلا مفسدة ذاتیۀ لها وإنْ کانت جزءً أخیراً
للعلّۀ التامّۀ، فتکون محرّمۀً حرمۀ غیریّۀ.
وأمّا ما ذکره فی الصّورة الرابعۀ- وهی المورد الذي لا تکون المقدّمۀ فیه علّۀً تامّۀً، وقد أتی بها بقصد التوصّل إلی الحرام فهی علی
القول بحرمۀ التجرّي حرام نفسی، وعلی القول بعدم حرمته فهی حرامٌ حرمۀً غیریۀ- ففیه:
أمّا التجرّي، فلا حرمۀ شرعیّۀ له، وإنّما یستتبع استحقاق العقاب بمناط أنّه خروج علی المولی. وأمّا القول بالحرمۀ الغیریّۀ بناءً علی عدم
حرمۀ التجرّي، فالمفروض هنا هو القدرة علی ترك الحرام مع الإتیان بالمقدّمۀ، فلا یتحقّق مناط الحرمۀ الغیریّۀ وهو التوقّف أو
المقدمیّۀ.
وأمّا ما ذکره فی الصّورة الخامسۀ- من عدم حرمۀ المقدّمۀ، إنْ لم تکن علۀً تامۀً ولم یؤت بها بقصد التوصّل للحرام- فتام بلا کلام.
فالحق فی المسألۀ
هو التفصیل بین مقدّمۀ الواجب- بناءً علی القول بوجوبها- ومقدّمۀ الحرام، فإن مقدّمات الواجب تتّصف کلّها بالوجوب، لواجدیۀ کلّ
واحدة منها لملاك الوجوب الغیري، وهو توقف ذي المقدّمۀ علیها، بخلاف مقدّمۀ الحرام، فإنّ ذا المقدّمۀ إنّما یتحقّق بتحقّق المقدّمۀ
الأخیرة، وأمّا غیرها من المقدّمات فلا أثر لها، لأنّ ملاك المقدمیۀ غیر متوفّر إلّافی الأخیرة، فتکون هی وحدها المحرّمۀ بالحرمۀ
الغیریّۀ، بناءً علی ثبوت الملازمۀ.
هذا تمام الکلام فی مبحث المقدّمۀ بجمیع أقسامها.
ویقع الکلام فی مبحث الضد.
صفحۀ 77 من 205
ص: 127
مبحثُ الضد