گروه نرم افزاری آسمان

صفحه اصلی
کتابخانه
جلد سوم
مبحثُ الضد … ص: 127
اشارة








ص: 129
. مقدّمۀ فی بیان المراد من ألفاظ العنوان … ص: 129
اشارة
إنّ عنوان البحث هو: الأمر بالشیء هل یقتضی النهی عن ضدّه أو لا؟
فی هذا العنوان ألفاظ، فما المراد منها:
(الأمر) لیس المراد به مادّة الأمر ولا صیغته، بل المراد هو الطلب المبرز، بأيّ مبرز لفظی أو فعلی کالتحریک عملًا، أو الإشارة بالید
وغیرها…
فهذا هو المراد، لأنّه إنْ أرید خصوص مادّة الأمر أو صیغته، کان البحث لفظیّاً، وتکون دلالۀ الأمر علی النهی لفظیّۀ، مطابقیۀ أو
تضمّنیّۀ أو التزامیّۀ، ولکنّ البحث أعم، ویدخل فیه الدلالۀ العقلیّۀ أیضاً، فیکون المراد من الأمر هو الأعمّ من الطلب اللّفظی وغیره.
و (الإقتضاء) لفظی تارةً وعقلی أُخري، والعقلی ینشأ تارةً: من مقدمیّۀ ترك أحد الضدّین لوجود الآخر، وأُخري: من الملازمۀ بین
وجود أحدهما وعدم الآخر … والاقتضاء اللفظی هو الدلالۀ اللفظیّۀ بأقسامها الثلاثۀ.
والمراد من الاقتضاء هو الأعمّ من اللفظی والعقلی بأقسامهما.
وسیأتی توضیحٌ لهذا قریباً.
و (النهی) ما یقابل الأمر، فإذا کان المراد من الأمر هو الطلب المبرز الأعمّ من اللفظی وغیره، فکذلک النّهی یکون أعم، سواء کان
حقیقته طلب الترك أو
ص: 130
الزجر عن الفعل.
و (الضد) اصطلاحان، فلسفی وأُصولی، أمّا فی الفلسفۀ، فالمراد منه الأمران الوجودیان اللذان لا یقبلان الاجتماع، فبینهما تقابل التضاد.
توضیحه: کلّ شیئین إن اشترکا فی النوع القریب فهما متماثلان، وإلّا فإنْ لم یکونا آبیین عن الاجتماع فی الوجود فهما متخالفان، وإنْ
أبیا فهما متقابلان، فإنْ کانا وجودیین فهما ضدّان، وإنْ کان أحدهما وجودیّاً والآخر عدمیّاً فهما متناقضان. والحاصل:
إنْ کان المتقابلان وجودیین ولا تلازم بینهما فی التصوّر، فهما ضدّان فلسفۀً.
وأمّا فی الاصطلاح الأُصولی، فلا یشترط أن یکونا وجودیین، ولذا یقسّم الضدّ إلی الخاص والعام وهو عبارة عن الترك.
هنا هو المصطلح الأُصولی کما عرفت. « الضد » فالمراد من
:« الضد » بالنظر إلی المراد من « الاقتضاء » بقی أن نوضّح المراد من
وذلک لأنّ ما تقدّم من أعمیّۀ الاقتضاء من اللفظی والعقلی، إنّما هو فیما إذا کان الأمر بالشیء مقتضیاً للنهی عن الضدّ العام، فإنّه فی
هذه الحالۀ یعقل أن یکون الاقتضاء لفظیّاً، فقیل: بأنّ الأمر بالشیء یدلّ بالمطابقۀ علی النهی عن ترکه، وقیل:
بالتضمّن، وقیل: بالالتزام من جهۀ الملازمۀ بینهما باللزوم البیّن بالمعنی الأخص- أيْ صورة عدم انفکاك تصوّر الملزوم عن تصوّر
صفحۀ 78 من 205
الملازم- فإنّه متی کان اللزوم کذلک فالدلالۀ إلتزامیّۀ لفظیّۀ.
أمّا إذا کان الأمر بالشیء مقتضیاً للنهی عن ضدّه الخاص، فلا وجه للدلالۀ اللفظیّۀ بل هی عقلیّۀ، لأنّ القول بأنّ الأمر بالشیء یدلّ علی
النهی عن ضدّه بالدلالۀ المطابقیّۀ أو التضمّنیّۀ أو الإلتزامیّۀ، مبنی علی أنّ الأمر عبارة عن طلب الشیء مع المنع عن ترکه، ومن الواضح
أنّ الترك ضدّ عام، لکنّ الأمر بالإزالۀ لیس
ص: 131
دالّاً علی النهی عن ال ّ ص لاة- التی هی ضدّها الخاص- بإحدي الدلالات المذکورة، إذ لیس الأمر بالإزالۀ عین النهی عن ال ّ ص لاة، ولا
أنّ النهی عن ال ّ ص لاة جزء للأمر بالإزالۀ، ولا أن بینهما- أيمطلوبیّۀ الازالۀ ومبغوضیّۀ ال ّ ص لاة- اللزوم البیّن بالمعنی الأخص، لوضوح
انفکاك تصوّر الصّلاة عن تصوّر الإزالۀ.
وتلخّص، أن لا مجال لشیء من الدلالات اللفظیّۀ فی الضدّ الخاص.
فقد یقال باقتضاء الأمر بالشیء علی النهی عن ضدّه الخاص اقتضاء عقلیّاً، عن طریق کون ترك الضدّ الخاص مقدّمۀً لوجود المأمور
به، بأن یکون وجود الإزالۀ موقوفاً علی عدم ال ّ ص لاة، بناءً علی وجوب مقدّمۀ الواجب، بمعنی: أنّ الشارع لمّا أمر بإزالۀ النجاسۀ عن
المسجد، فإن أمره بذلک یقتضی وجوب عدم الصّلاة، ووجوب عدم الصّلاة یقتضی النهی عنها.
فهذا طریقٌ لاقتضاء الأمر بالشیء للنهی عن ضدّه الخاص عقلًا.
وطریق آخر هو: دعوي الملازمۀ بین وجود الإزالۀ وعدم ال ّ ص لاة، ببیان: أنّه إذا وجبت الإزالۀ کان عدم ال ّ ص لاة ملازماً لوجود الإزالۀ،
ولمّا کان المتلازمان متّفقین حکماً کان عدم الصّلاة واجباً.
وتفصیل الکلام فی مقامین:
الأوّل: فی إقتضاء الأمر للنّهی عن الضد الخاص … ص: 131
-1 عن طریق المقدمیّۀ … ص: 131 .
اشارة
والبحث الآن فی الطریق الأوّل … وفیه أقوال خمسۀ:
-1 المقدمیّۀ مطلقاً، أي: أنّ وجود أحد الضدّین مقدّمۀ لعدم الآخر، وعدمه
ص: 132
مقدّمۀ لوجوده.
-2 عدم المقدمیّۀ مطلقاً، فلیس وجود أحدهما مقدّمۀ لعدم الآخر ولا عدمه مقدّمۀ لوجوده.
-3 وجود أحدهما مقدّمۀ لعدم الآخر.
-4 عدم الضدّ مقدّمۀ لوجود الآخر.
-5 العدم مقدّمۀ دون الوجود، فلا مقدمیّۀ للوجود، إلّاأنّ الضدّ إن کان موجوداً فهو مقدّمۀ، وإن کان معدوماً فلیس بمقدّمۀ.
والمهم من هذه الأقوال ثلاثۀ:
الأول: قول المشهور بمقدمیّۀ عدم أحد الضدّین لوجود الآخر.
والثانی: قول المتأخّرین بعدم المقدمیّۀ مطلقاً.
صفحۀ 79 من 205
والثالث: تفصیل المحقّق الخونساري بین الضدّ الموجود والضدّ المعدوم.
دلیل قول المشهور … ص: 132
إنّ الإزالۀ والصّلاة ضدّان متمانعان فی الوجود.
والعلّۀ التامّۀ مرکّبۀ من وجود المقتضی ووجود الشرط وعدم المانع.
فکان عدم الصّلاة- المانع- مقدمۀً لوجود الإزالۀ.
أجاب فی الکفایۀ … ص: 132
بأنّ بین الضدّین معاندة تامّۀ، لکنْ بین الضدّ وعدم الضدّ الآخر کمال الملاءمۀ، فالسواد والبیاض :«1» وأجاب المحقّق الخراسانی
متنافران، لکنْ بین البیاض وعدم السواد تلاءم، وعلیه، فکما أنّ الضدّین فی مرتبۀٍ واحدة، کذلک
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الأُصول: 129 )
ص: 133
وجود أحدهما وعدم الآخر فی مرتبۀٍ واحدة، وإذا ثبت الاتحاد فی المرتبۀ، انتفی تقدّم أحدهما علی الآخر، والحال أنّ المقدّمیّۀ لا
تکون إلّامع الاختلاف فی المرتبۀ.
وفیه: إنّه قد یکون بین الشیء والآخر کمال الملاءمۀ ولا اتّحاد فی المرتبۀ، کما بین العلّۀ والمعلول، فإن بین وجودهما کمال الملاءمۀ
وهما مختلفان فی المرتبۀ.
والحاصل: إنّ مجرّد الملاءمۀ بین وجود الضد وعدم الضدّ الآخر لا یوجب اتّحاد المرتبۀ حتی تنتفی المقدمیّۀ.
ثمّ قال:
فکما أنّ المنافاة بین المتناقضین لا تقتضی تقدّم ارتفاع أحدهما فی ثبوت الآخر، کذلک فی المتضادّین.
أقول:
یحتمل أن یکون تکمیلًا للوجه المذکور: بأنّه کما أنّ عدم السواد- المنافی للسّواد- فی مرتبۀٍ واحدة معه، کذلک السواد والبیاض.
برهاناً آخر علی عدم التمانع، بأنْ یکون جواباً نقضیّاً، من حیث أنّ المعاندة بین الضدّین «1» أو یکون کما هو ظاهر السید الأُستاذ
لیست بأکثر من المعاندة بین النقیضین، فکما لا یعقل أن یکون الوجود مقدّمۀً للعدم- مع کمال المنافرة بینهما- کذلک السواد
والبیاض. فلو کان مجرّد المنافرة موجباً لمقدمیّۀ أحد الشیئین للآخر، کان وجود الشیء مقدمۀً لعدم الشیء الآخر. وعلی الجملۀ: إنّه لو
کان ملاك المقدمیّۀ کمال المنافرة، فإنّ وجوده فی المتناقضین أقوي منه فی
__________________________________________________
.341 / 1) منتقی الأُصول 2 )
ص: 134
الضدّین، والحال أنّ المقدمیّۀ بین المتناقضین مستحیلۀ.
ثمّ قال:
صفحۀ 80 من 205
کیف؟ ولو اقتضی التضادّ توقّف وجود الشیء علی عدم ضدّه- توقّف الشیء علی عدم مانعه- لاقتضی توقّف عدم الضدّ علی وجود
الشیء توقّف عدم الشیء علی مانعه، بداهۀ ثبوت المانعیّۀ فی الطرفین والمطاردة من الجانبین، وهو دور واضح.
أقول
وهذا- مع کونه جواباً عن دلیل المشهور- برهانٌ علی عدم المقدمیّۀ بین الضدّین کما هو مختار المحقّقین المتأخّرین. و توضیحه: لا
ریب أنّ عدم المانع مقدّمۀ من مقدّمات الممنوع، فلو کان عدم أحد الضدّین من مقدّمات وجود الضدّ الآخر، کان وجود الضدّ موقوفاً
وعدم الضدّ الآخر موقوفاً علیه، لکنّ هذه الحالۀ موجودة من الطرف الآخر أیضاً، لأنّ التمانع من الطرفین، فیکون وجود الضدّ مانعاً من
عدم الضدّ الآخر، فعدم الضدّ الآخر موقوفٌ، ووجود الضدّ موقوف علیه … فکان عدم الضدّ الآخر موقوفاً وموقوفاً علیه، غیر أنّ العدم
شرط لوجود الضد، ووجود الضدّ سبب للعدم، وکون أحد الطرفین شرطاً والآخر سبباً غیر مانع من لزوم الدور، لأنّ ملاکه التوقّف،
وهو حاصل سواء کان علی سبیل الشرطیّۀ أو السببیّۀ.
جواب المحقّق الخونساري … ص: 134
وعن المحقق الخونساري أنه أجاب عن هذا الدور: بأنّ التوقّف من طرف الوجود فعلی، بخلاف التوقّف من طرف العدم، فإنّه یتوقّف
علی فرض ثبوت المقتضی له مع شراشر شرائطه غیر عدم وجود ضدّه، ولعلّه کان محالًا، لأجل
ص: 135
انتهاء عدم وجود أحد الضدّین مع وجود الآخر إلی عدم تعلّق الإرادة الأزلیّۀ به وتعلّقها بالآخر حسب ما اقتضته الحکمۀ البالغۀ، فیکون
،«1» العدم دائماً مستنداً إلی عدم المقتضی، فلا یکاد یکون مستنداً إلی وجود المانع کی یلزم الدور … ذکره صاحب الکفایۀ
وتوضیحه:
إنّه لا یلزم الدور، لکون التوقّف من أحد الطرفین فعلیّاً ومن الطرف الآخر تقدیریّاً، وهذا الاختلاف کافٍ لعدم لزومه، لأنّ الوجود
الفعلی للمعلول متوقّف دائماً علی فعلیّۀ العلّۀ التامّۀ بجمیع أجزائها، من المقتضی والشرط وعدم المانع، فإذا تحقّقت تحقّق المعلول
واستند وجوده إلیها … هذا من جهۀٍ. ومن جهۀ أُخري: یعتبر وجود أجزاء العلّۀ جمیعاً مع وجود المعلول وإن کانت الأجزاء مختلفۀً فی
المرتبۀ، لکنّ وجود المعلول مستند إلی جمیعها، فإذا وجدت وجد.
أمّا عدم المعلول فیستند فی الدرجۀ الأُولی إلی عدم المقتضی ثمّ إلی عدم الشرط ثمّ إلی وجود المانع، لأنّ المراد من الشرط ما یتمّم
فاعلیّۀ الفاعل أيالمقتضی، ومن المانع ما یزاحم المقتضی فی التأثیر، فلابدّ من وجود المقتضی أوّلًا ثمّ الشرط ثمّ عدم المانع، فلو فقد
المقتضی لاستند عدم المعلول إلی عدم الشرط أو وجود المانع، ولو فقد الشرط- مع وجود المقتضی- استند عدم المعلول إلی عدم
الشرط لا إلی وجود المانع.
فالمراد من فعلیّۀ التوقّف فی طرف وجود الضدّ هو أنّ العلّۀ التامّۀ لوجوده متحقّقۀ، إذ المقتضی والشّرط متحقّقان، فهو متوقّف علی
عدم الضدّ.
لکنّ التوقف من طرف العدم تقدیري، لأنّ عدم الضدّ لا یسند إلی وجود الضدّ الآخر، إلّاإذا تحقّق المقتضی والشرط للعدم، فکان
توقّف عدم الضدّ علی
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الأُصول: 130 )
ص: 136
صفحۀ 81 من 205
وجود الضدّ الآخر تقدیریّاً، وذلک، لأنّ الإرادة إن تعلّقت بالصّلاة استحال تعلّقها بالإزالۀ، فکان عدم الإزالۀ مستنداً إلی عدم المقتضی
لها وهو الإرادة، ولیس مستنداً إلی وجود الصّلاة المانع عن تحقّق الإزالۀ … ولو کانت هناك إرادتان تعلّقت احداهما بضدّ والأُخري
بالضدّ الآخر، کان عدم تحقّق الضدّ الذي تعلّقت به الإرادة المغلوبۀ غیر مستندٍ إلی وجود المانع أيالإرادة الغالبۀ، بل إلی عدم قدرة
الإرادة المغلوبۀ، فرجع عدم الضدّ إلی عدم المقتضی.
وتلخّص: عدم لزوم الدور واندفاع الإشکال عن استدلال المشهور للقول بالمقدمیّۀ.
رأي صاحب الکفایۀ
وقد سلّم المحقّق الخراسانی للجواب المذکور ووافق علی أنّه رافع للدور، لکنّه قال: بأنّ هذا الجواب غیر سدید، لبقاء مشکلۀ لزوم
لاستحالۀ أن یکون الشیء الصالح لأنْ یکون موقوفاً علیه الشیء موقوفاً علیه، » : توقّف الشیء علی ما یصلح أن یتوقّف علیه، قال
.«1» « ضرورة أنّه لو کان فی مرتبۀٍ یصلح لأنْ یستند إلیه، لما کاد یصح أن یستند فعلًا إلیه
وحاصله: إنّ مجرّد صلاحیّۀ عدم الضدّ للمانعیّۀ عن وجود الضدّ الآخر کافٍ للإستحالۀ، لأنّه لمّا کان صالحاً لذلک کان متقدّماً رتبۀً،
تقدّم المانع علی الممنوع، لکنّه فی نفس الوقت متأخّر عن الضدّ الموجود لکونه معلولًا له، فیلزم فی طرف الوجود اجتماع التقدّم
والتأخّر، واجتماع المتقابلین فی الشیء الواحد محال، فالقول بتوقّف وجود الضدّ علی عدم ضدّه- توقّف الشیء علی مقدّمته- باطل.
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الأُصول: 131 )
ص: 137
فظهر: إنّ صاحب الکفایۀ مخالفٌ للمشهور، وأنّ جوابه عن استدلالهم یرجع إلی أنّه یستلزم اجتماع المتقابلین فی الشیء الواحد، وهو
محال، فالدور وإن اندفع بما ذکر، لکن ملاك الاستحالۀ موجود.
أدلّۀ المحقّق النائینی علی عدم المقدمیّۀ … ص: 137
ما حاصله: إنّ «1» ( وأورد المیرزا علی المشهور بوجهٍ آخر هو فی الحقیقۀ أوّل أدلّته علی عدم المقدمیّۀ فقال کما فی (أجود التقریرات
استدلالهم یستلزم انقلاب المحال إلی الممکن، وهو محال، فالمقدمیّۀ محال … وتوضیح کلامه:
إنّه لا ریب فی اختلاف المرتبۀ بین العلّۀ والمعلول، وکذا بین أجزاء العلّۀ، وأنّ استناد عدم المعلول إلی کلّ جزءٍ منها مقدّم رتبۀً علی
استناده إلی الجزء المتأخّر عنه … کما ذکرنا من قبل. فهذه مقدّمۀ.
ومقدّمۀ أُخري هی: إنّ المحال وجوداً محالٌ اقتضاءً أیضاً، فلا فرق فی الاستحالۀ بین الفعلیّۀ والاقتضاء، لأنّه إنْ کان المقتضی للضدّین
موجوداً حصل لهما إمکان الوجود، والمفروض أنّه محال.
وعلی هذا، فإنّ عدم الضدّ- کالسّواد- لو کان مقدّمۀً لوجود الضدّ الآخر کالبیاض، فإنّ هذه المقدمیّۀ لیست إلّالمانعیّۀ وجود السّواد،
فکان عدمه شرطاً لوجود البیاض، وهو شرط عدمی، لکنّ هذه المانعیّۀ موقوفۀ علی أن یکون هناك ما یقتضی وجود البیاض، فیلزم
اقتضاء وجود الضدّین فی آنٍ واحد، وهو محال بحکم المقدمۀ الثانیۀ، وإلّا یلزم انقلاب المحال إلی الممکن…
فظهر أنّ القول بالمقدمیّۀ مستلزم للمحال، وکلّ ما یستلزم المحال محالٌ.
__________________________________________________
(1)
.17 -16 / أجود التقریرات 2
صفحۀ 82 من 205
ص: 138
مناقشۀ الدلیل الأوّل … ص: 138
وقد ناقشه شیخنا الأُستاذ دام بقاه نقضاً وحلّاً:
أمّا نقضاً: فبأن لازم ما ذکره انکار المانعیّۀ وإبطال الجزء الأخیر من العلّۀ التامّۀ.
وتوضیحه: إنّه لا تتحقّق المانعیّۀ إلّامع التضادّ بین المانع والممنوع، بأنْ یکون المانع نفسه أو أثره ضدّاً للممنوع، وأمّا حیث لا مضادّة
بینهما أصلًا فالمنع محال، فإنْ کان نفس المانع ضدّاً فالمانعیّۀ متحقّقۀ لا محالۀ، وقد تقدّم مراراً أنّ عدم المانع مقدّمۀ لوجود الممنوع،
لکونه الجزء الأخیر للعلّۀ التامّۀ، وإنْ کانت المانعیّۀ بسبب التضاد بین الممنوع وأثر المانع، کان عدم المانع الذي هو المنشأ للأثر مقدّمۀ
لوجود الممنوع … وسواء کان الضدّ للممنوع هو المانع نفسه أو أثره، فلابدّ وأنْ یکون هناك مقتضٍ لوجوده وإلّا لما وجد ولما
تحقّقت المانعیّۀ، وقد تقدّم أنّ إسناد عدم الضدّ إلی وجود المانع منوط بتمامیّۀ المقتضی، فثبت تحقّق المقتضی للضدّین، وإلّا یلزم
إنکار کون عدم المانع من مقدّمات وجود الضدّ، وهو خلاف الضرورة العلمیّۀ.
وأمّا حلّاً، فإنّ کبري استدلاله مسلّمۀ، فاقتضاء المحال- وهو هنا اجتماع الضدّین فی الوجود- محال بلا ریب، لأنّه لو کان المحال قابلًا
للوجود خرج عن المحالیّۀ الذاتیۀ، وهذا محال. إنّما الکلام فی الصغري وهی: أنّه لو کان عدم أحد الضدّین مقدّمۀ لوجود الآخر، لزم
اقتضاء المحال … لأنّ الاستحالۀ الذاتیۀ إنّما هی فی اجتماع الضدّین فی الوجود، فوجود هذا مع وجود ذاك محال، أمّا وجود کلٍّ
منهما فلیس بمحال، والوجود یحتاج إلی مقتضٍ، ووجود المقتضیین للضدّین لیس بمحال … وتوضیحه:
ص: 139
إنّ لکلّ معلولٍ وأثر ومقتضی وجوداً فعلیّاً ووجوداً بالقوّة، فإنْ وجد المؤثّر والعلّۀ والمقتضی حصل له الوجود الفعلی، والتمانع بین
الضدّین إنّما یکون فی الوجود الفعلی لهما لا بالوجود بالقوّة، إذ التضادّ هو بین البیاض والسّواد لا بین المقتضی للبیاض والمقتضی
للسّواد، وهذه الحقیقۀ جاریۀ فی جمیع العلل والمعالیل الطبیعیّۀ، أي: إنّ الآثار والمعالیل کلّها موجودة بوجود العلل والمؤثرات
«1» « إِذا أَرادَ شَیْئًا أَنْ یَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ » الطبیعیۀ، مترشّحۀ عنها، اللهم إلّاالمخلوق بالإرادة، إذ یقول تعالی
.وتلخّص: إنّه إذا تحقّق المقتضیان کان الضدّان موجودین بالقوّة، ولا تضادّ بین الضدّین الموجودین بالقوّة … فثبت إمکان وجود
المقتضی للضدّین…
وتطبیق المیرزا الکبري علی الصغري غیر صحیح، فالدلیل الأوّل من أدلّته ساقط.
مناقشۀ الدلیل الثانی … ص: 139
والدلیل الثانی: ما تقدّم سابقاً عن المحقّق الخراسانی: من أنّ ملاك مقدمیّۀ أحد الضدّین للضدّ الآخر هو التمانع فی الوجود، وإذا کان
الضدّان لا یجتمعان لما ذکر، فالنقیضان کذلک، فیلزم أن لا یکون النقیض مقدّمۀ للنقیض الآخر، لکنّ التالی باطل فالمقدّم مثله.
وأجاب عنه الأُستاذ: بأنّ المقدمیّۀ لا تکون إلّامع التعدّد فی الوجود، ولذا قلنا بأنّ أجزاء الماهیّۀ لیست مقدمۀً لوجودها، لأنّ الأجزاء
عین الکلّ، لکنّ المهم هو أنّه لا تعدّد فی الوجود فی النقیضین، إذ العدم نقیض الوجود لکنّه عدم نفس ذلک الوجود، وکذا العکس،
فلا یعقل أنْ یکون أحد النقیضین وهو الوجود مقدمۀً لنقیضه وهو عدم الوجود، لأنّه یستلزم صیرورة الشیء مقدّمۀً لنفسه، إذ لا تعدّد
__________________________________________________
صفحۀ 83 من 205
. 1) سورة یس: 82 )
ص: 140
هناك لا مفهوماً ولا واقعاً، وهذا هو الملاك.
وأمّا توقف الوجود علی عدم العدم فکذلک، لأنّه وإنْ کان الوجود مغایراً لعدم العدم مفهوماً، لکنّهما فی الواقع شیء واحد، لتحقّق
عدم العدم بالوجود…
فالمقدمیّۀ ممنوعۀ.
والحاصل: إنّ قیاس النقیضین علی الضدّین مع الفارق، لوجود التعدّد فی الضدّین، فالمقدمیّۀ متصوّرة بینهما، دون النقیضین، لأنّهما إمّا
واحد مفهوماً ومصداقاً وإمّا واحد مصداقاً وإنْ تعدّدا مفهوماً.
مناقشۀ الدلیل الثالث … ص: 140
وأقام المیرزا دلیلًا ثالثاً علی امتناع مقدمیّۀ الضدّ للضدّ الآخر، وهو یبتنی علی أُمور:
الأوّل: إنّ الضدّین فی مرتبۀٍ واحدة، إذ لا علیّۀ ومعلولیّۀ بینهما ولا شرطیۀ ومشروطیّۀ، حتی یختلفا فی المرتبۀ.
والثانی: إن نقیض الشیء فی مرتبۀ الشیء، لأنّ نقیض الوجود هو عدم ذاك الوجود لا مطلق العدم.
والثالث: إنّ النقیضین والضدّین لمّا کانا فی رتبۀٍ واحدة، کان العدم المتّحد رتبۀً مع وجود الضدّ، متّحداً رتبۀً مع وجود الضدّ الآخر،
فهذا العدم فی رتبۀ ذلک الضدّ وعدم ذاك الضدّ فی رتبۀ هذا الضد.
ونتیجۀ ذلک: استحالۀ مقدمیّۀ عدم الضدّ لوجود الآخر، لتوقّف ذلک علی الاختلاف فی المرتبۀ، وقد تبیّن عدمه.
قال الأُستاذ دام ظله: وفی هذه الأُمور نظر:
أمّا الأمر الأوّل، فدعوي بلا دلیل.
ص: 141
تارةً نقول: الضدّان فی مرتبۀٍ واحدة، وأُخري نقول: لیس بین الضدّین اختلاف فی المرتبۀ. وکلّ واحدٍ من القولین دعوي تحتاج إلی
إثبات.
إنّ ملاك الإتحاد فی المرتبۀ هو کون الشیئین معلولین لعلّۀٍ واحدةٍ، والضدّان لیسا کذلک، بل لکلّ علّته. وملاك الاختلاف فی
المرتبۀ کون أحدهما علّۀً أو شرطاً للآخر، والضدّان لیس بینهما نسبۀ العلیّۀ أو الشرطیّۀ. فالقدر المسلّم هو عدم وجود الاختلاف فی
المرتبۀ بین الضدّین، لکنّ هذا لا یکفی لاتّحاد المرتبۀ بینهما، لأنّ الاتّحاد یحتاج إلی ملاك.
فدعوي أنّ الضدّین فی مرتبۀٍ واحدة أوّل الکلام.
وأمّا الأمر الثانی، فکذلک، لأنّ التناقض هو بین الوجود والعدم، فالعدم یرتفع بالوجود ویکون الوجود مرفوعاً به، والوجود یرتفع
بالعدم، فیکون العدم رافعاً، فالنقیض هو الرافع أو المرفوع به … وعلیه، فإنّ النقیض للوجود رفع الوجود لا الرفع الواقع فی مرتبۀ
الوجود، ولو کان کذلک لاعتبر وحدة المرتبۀ من شرائط التناقض ولیس کذلک، علی أنّ المرتبۀ من خواص الوجود ومن آثار العلیّۀ
والمعلولیّۀ، والعدم لیس ذا مرتبۀ أصلًا.
والحاصل: إنّ دعوي وحدة المرتبۀ بین النقیضین غیر صحیحۀ.
وأمّا الأمر الثالث، فکذلک … لأنّا لو سلّمنا کون الضدّین فی مرتبۀ واحدة، وکذا النقیضان، لکنّ کون نقیض هذا الضدّ متّحداً فی
المرتبۀ مع وجود الضدّ الآخر یحتاج إلی دلیلٍ … إذ لا یکفی أن یقال: لمّا کان الضدّان فی مرتبۀٍ، وعدم کلّ ضدٍ فی مرتبته، فعدم
صفحۀ 84 من 205
هذا الضدّ فی مرتبۀ وجود ذاك … لأنّ المفروض وجود الملاك لکون الضدّین فی مرتبۀٍ واحدة وکذا النقیضان، أمّا ضرورة کون
نقیض أحدهما فی رتبۀ وجود الآخر فبأيّ ملاك؟
ص: 142
وتلخّص: إنّ الأُمور التی ذکرها مقدّمۀً لدلیله کلّها دعاوي بلا برهان.
رأي المحقّق الاصفهانی … ص: 142
ففی أوّل البحث اختار المقدمیّۀ، وفی آخره قال: والتحقیق یقتضی طوراً آخر ،«1» واختلفت کلمات المحقّق الإصفهانی فی هذا المقام
من الکلام، وانتهی إلی القول بالعدم … والبرهان الذي ذکره لنفی المقدمیّۀ هو:
إنّ فی المادیّات أربع علل وشرطین، بخلاف فی المجرّدات فلیس إلّاالعلّۀ الفاعلیّۀ والعلّۀ الغائیّۀ-:
العلّۀ الفاعلیّۀ، وهی التی یکون منها الوجود.
والعلّۀ الغائیّۀ، وهی التی من أجلها تحقّق الوجود.
والعلّۀ المادیّۀ، وهی الجنس.
والعلّۀ الصّوریّۀ، وهی الفصل.
والشرطان هما: ما یتمّم فاعلیّۀ الفاعل، وما یتمّم قابلیّۀ القابل، وذلک: لأنّ الوجود فی الأُمور المادیّۀ بحاجۀ إلی الفاعل والقابل، فلو
وجد الفاعل وکان ناقصاً لم یؤثّر أثره، ولو وجد القابل وابتلی بمانع فالأثر لا یتحقّق، وبتوفّر الشرط فی الطرفین یتحقّق الأثر.
وحینئذ، ننظر فی الأمر ونقول:
إنّ العلّۀ المادیّۀ هی الجنس، والعلّۀ الصوریّۀ هی الفصل، وعدم الضدّ الآخر لا هو جنس للضدّ الآخر ولا هو فصل له.
والعلّۀ الغائیۀ أیضاً غیر متصوّرة للعدم، لأنّ العلّۀ الغائیّۀ هی المنشأ للفاعلیّۀ، ولا یعقل أن یکون عدم الضدّ فاعلًا للضدّ الآخر، لأنّ
الفاعل والعلّۀ
__________________________________________________
.187 -186 / 1) نهایۀ الدرایۀ 2 )
ص: 143
الفاعلیّۀ للضدّ الآخر هو مقتضی وجود ذاك الضدّ، فلا یکون عدم أحد الضدّین فاعلًا للضدّ الآخر.
علی أنّ الفاعلیّۀ- أو تتمیم الفاعلیّۀ- منوطۀ بأنْ یکون هناك أثر ومنشأ للأثر، والعدم لا یمکن أن یکون مؤثّراً.
وتلخّص: أنّه لا توجد أیّۀ نسبۀ علیّۀٍ ومعلولیّۀ بین الضدّ کالبیاض وعدم الضدّ کعدم السّواد.
فانحصر أنْ تکون النّسبۀ بینهما نسبۀ الإشتراط، فعدم السّواد شرط لوجود البیاض … وقد ظهر أنّ الشرط إمّا هو متمّم لفاعلیّۀ الفاعل أو
متمّم لقابلیّۀ القابل…
أي: إمّا یجعل الفاعل المقتضی مؤثّراً، أو یجعل القابل قابلًا للأثر، لکنّ عدم الضدّ لا یمکن أن یکون متمّماً لفاعلیّۀ الضدّ الآخر، لما
تقدّم من أنّ الضدّ الآخر لیس فاعلًا للضدّ، علی أنّ العدم لا یکون مؤثراً کما تقدّم أیضاً.
بقی صورة أن یکون عدم الضدّ متمّماً لقابلیّۀ المحلّ لوجود الضدّ الآخر، وهذا أیضاً محال، لأنّه إن أُرید من قابلیّۀ المحلّ أن یکون
قابلًا لوجود کلا الضدّین معاً، فهذا محال، وإنْ أُرید أن یکون قابلًا لأحدهما، فإنّ هذه القابلیّۀ موجودة بالذات ومن غیر حاجۀٍ إلی
المتمّم.
صفحۀ 85 من 205
إشکال الُأستاذ … ص: 143
وقد أورد علیه الأُستاذ فی ما ذکر فی الشقّ الأخیر، من أن عدم أحد الضدّین متمّم لقابلیّۀ المحلّ للآخر وکونه قابلًا لأحدهما قابلیّۀً
« الأحد » هو الأحد المردّد، فهذا غیر معقول، لأنّ المردّد لا ذات له ولا وجود، فالمراد هو « أحدهما » ذاتیۀً: بأنّه إن کان المراد من
الواقعی. أي: إنّ الجدار قابلٌ للبیاض وقابل للسّواد، لکنّ الإهمال فی الواقعیّات محال، إذن، یکون قابلًا للبیاض- مثلًا- إمّا بشرط وجود
ص: 144
السّواد، وهذا محالٌ لاستلزامه اجتماع الضدّین، وإمّا لا بشرط وجود السّواد، وهذا أیضاً محالٌ، لأنّه یجتمع مع وجود السّواد فیلزم
اجتماع الضدّین، ویبقی صورة بشرط لا عن وجود السواد، فکان عدم الضدّ شرطاً لوجود الضدّ ومقدمۀً له.
وقد أجاب طاب ثراه فی التعلیقۀ: بأنّه لا یمکن أن تکون قابلیّۀ المحلّ للبیاض المشروط بعدم السّواد، لأنّ عدمه حین یکون شرطاً
یکون مفروض الوجود- لأن کلّ شرط فهو مفروض الوجود للمشروط- فیکون المحلّ قابلًا للبیاض المقیّد بعدم السواد، والحال أنّه
قابل بالذات للبیاض لا البیاض المقیّد بعدم السّواد.
فقال الأُستاذ: وهذا لا یحلّ المشکلۀ، لأنّ عدم السّواد دخیلٌ فی وجود البیاض علی کلّ حالٍ، لأنّ البیاض إمّا یکون مع وجود السّواد
أو مع عدمه، فإن کان المحلّ قابلًا لکلیهما فهذا محال، لأنّ القابلیّۀ للمحال محال، وإن کان قابلًا للح ّ ص ۀ الکائنۀ مع عدم السّواد من
البیاض، لزم دخل عدم السّواد فی تحصّص البیاض وقابلیّۀ المحلّ لتلک الحصّۀ، ودخله فی ذلک- سواء قال بتقیّد البیاض بعدم السّواد
أو بأنّه مع عدم السواد- هی المشکلۀ…
فالبرهان المذکور لا یدلّ علی عدم مقدمیّۀ أو دخل عدم الضدّ فی وجود الضدّ الآخر.
البرهان الأخیر … ص: 144
والمانع الذي » : فی قوله «1» والبرهان الأخیر علی عدم مقدمیّۀ عدم أحد الضدّین لوجود الضدّ الآخر هو: ما أشار إلیه صاحب الکفایۀ
یکون موقوفاً علی
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الأُصول: 132 )
ص: 145
.« عدم الوجود هو ما کان ینافی ویزاحم المقتضی فی تأثیره، لا ما یعاند الشیء ویزاحمه فی وجوده
وهو أقوي البراهین فی الردّ علی المشهور. «1» وقد قرّبه المحقّق النائینی
وهذا کلام المیرزا بإیضاح أکثر:
إنّ الضدّین قد لا یکون لهما مقتضٍ وقد یکون لکلیهما وقد یکون لأحدهما دون الآخر، فال ّ ص لاة والإزالۀ، قد تتعلّق الإرادة بکلیهما-
من شخصین- وقد لا تتعلّق بشیء منهما، وقد تتعلّق بأحدهما فقط، والسواد والبیاض کذلک، فقد یکون لوجودهما فی المحل مقتضٍ
وقد لا یکون وقد یکون لأحدهما.
هذه هی الصور المتصوّرة.
فإن لم یکن لشیء منهما مقتضٍ فلا مانعیّۀ، لما تقدّم من أنّ المانعیّۀ تأتی فی مرتبۀٍ متأخّرة عن المقتضی، وعدم المعلول یستند حینئذٍ
صفحۀ 86 من 205
إلی عدم المقتضی لا وجود المانع.
وإن کان لأحدهما مقتضٍ دون الآخر، فکذلک، إذ مع عدم وجود المقتضی یستحیل إستناد عدم الضدّ إلی وجود المانع.
وإنْ کان کلٌّ منهما ذا مقتضٍ، قال المیرزا: هذا محال، لما تقدّم من استحالۀ وجود المقتضی للضدّین، لأنّه یستلزم إمکان المحال،
والمحال بالذات یستحیل انقلابه إلی الإمکان.
وإذا ظهر استلزام کلّ صورةٍ للمحال، فمقدّمیّۀ عدم الضدّ للضدّ الآخر محال.
قال الأُستاذ: لکنْ قد تقدّم تحقیق أنّ وجود المقتضی للضدّین لیس
__________________________________________________
.13 -12 / 1) أجود التقریرات 2 )
ص: 146
بمحال، إذ المقتضی للضدّین غیر المقتضی للجمع بینهما، فالصّورة الثالثۀ باقیۀ…
والطریق الصحیح هو أن نقول:
إنّه فی هذه الصّورة، لا یخلو الحال من أن یکون المقتضیان متساویین أو یکون أحدهما أقوي من الآخر.
فإن کانا متساویین، استند عدم الضدّ إلی عدم تمامیّۀ المقتضی فی الأثر، لا إلی وجود المانع، لأنّ المؤثر لیس مجرّد وجود المقتضی،
بل هو المقتضی الفعلی فی المؤثریّۀ، لما تقدّم من تقسیم المقتضی إلی الشأنی والفعلی، وأنّ الأثر یکون للمقتضی التام فی المؤثریّۀ،
فکان عدم الضدّ- فی صورة تساوي المقتضیین- مستنداً إلی عدم الشرط للمقتضی وهو الفعلیّۀ، لا إلی وجود المانع…
وعلیه، فیستحیل أن یکون وجود الضدّ مانعاً عن الضدّ الآخر، بل عدم الضدّ الآخر مستند إلی عدم توفّر شرط المقتضی للتأثیر، لأنّ
المفروض تساویه مع المقتضی الآخر وکونهما متزاحمین فی الوجود … فیکون المانع عن وجود الضدّ هو المقتضی للضدّ الآخر، لا
نفس الضدّ الآخر.
وإن کان أحد المقتضیین أقوي من الآخر، فإنّ عدم الضدّ یکون مستنداً إلی ضعف المقتضی لوجوده، لا إلی وجود الضدّ المقابل.
وهذا شرح قول المحقّق الخراسانی من أنّه لیس کلّ معاندة منشأً للمانعیّۀ.
قال الأُستاذ: وهذا البرهان تام بلا کلام.
وأقول:
فی هذا البرهان فی صورة تساوي المقتضیین نظر، فإنّه فی هذه الصّورة ما البرهان علی استناد العدم إلی شأنیّۀ المقتضی لا إلی وجود
الضدّ الآخر؟
وتلخص: بطلان مبنی المشهور، لما ذکره صاحب الکفایۀ فی الکلام علی
ص: 147
الدور، من أنّه وإن اندفع لزومه بما ذکره المحقّق الخونساري، لکنّ ملاك الاستحالۀ موجود.
وبه یبطل التفصیل، وهو أنّ عدم ذلک الضدّ متوقّف علی وجود الضدّ الآخر، إذ قد ظهر أنّ عدم الضدّ مستند إلی عدم المقتضی
لوجوده لا إلی المانع وهو وجود الضدّ الآخر.
وکذا التفصیل: بأنّ وجود هذا الضدّ متوقّف علی عدم الضدّ الآخر وعدم ذاك موقوف علی وجود هذا.
وبقی:
تفصیل المحقّق الخونساري … ص: 147
صفحۀ 87 من 205
وتعرّض صاحب الکفایۀ لرأي المحقّق الخونساري والجواب عنه، وهو القول بالتفصیل بین الضدّ الموجود والضدّ المعدوم، وأن عدم
الضدّ الموجود مقدّمۀ لوجود الضدّ غیر الموجود، بخلاف العکس، فإنّ عدم الضدّ غیر الموجود لیس بمقدمۀٍ للضدّ الموجود.
وتوضیحه: إنّ المحلّ حین یکون خالیاً عن الضدّین قابلٌ لکلٍّ منهما، وهذه القابلیّۀ ذاتیۀ لا تحتاج إلی شیء، ولکنْ عندما یوجد فیه
أحد الضدّین تنتفی قابلیّته للضدّ الآخر، فلو أُرید للضدّ الآخر غیر الموجود أنْ یتواجد فی هذا المحلّ، فإنّ رفع الضدّ الموجود فیه
یکون مقدمۀً لذلک … فکان عدم الضدّ الموجود مقدّمۀً لوجود الضدّ غیر الموجود.
الجواب علی مبنی المیرزا
وجواب هذا التفصیل علی مبنی المحقّق النائینی واضح، لأنّه- بناءً علی أنّ مناط الحاجۀ إلی العلّۀ فی الممکنات هو الحدوث لا
الإمکان- یلزم اجتماع
ص: 148
المقتضیین للضدّین، وهو عند المیرزا محال، لأنّه مع وجود أحدهما فی المحلّ وانتفاء قابلیّته للآخر یکون للموجود مقتضٍ، فإذا کان
هذا الموجود مانعاً عن وجود الضدّ الآخر- کما یقول المحقّق الخونساري- فإنّ مانعیّته عنه هی بعد تمامیّۀ المقتضی لوجود ذلک
الضدّ، فیکون الضدّ الآخر أیضاً ذا مقتضٍ، فیلزم اجتماع المقتضیین للضدّین.
لکنّ المبنی المذکور غیر مقبول، فلابدّ من جوابٍ آخر عن هذا التفصیل.
قال الأُستاذ:
والتحقیق هو النظر فی مناط حاجۀ الشیء الممکن إلی العلّۀ، وأنّ الحق فی ذلک هو الإمکان لا الحدوث، وحینئذٍ یبطل التفصیل،
وتوضیح ذلک:
إنّه قد ذهب جماعۀ إلی أنّ مناط حاجۀ الممکن إلی العلّۀ هو الحدوث، فإذا تحقق له الحدوث استغنی عن العلّۀ لبقائه. وذهب آخرون
إلی أنّ المناط هو الإمکان، فإذا وجد فالمناط أیضاً- وهو الامکان- موجود، فهو بحاجۀٍ إلی العلّۀ بقاءً کاحتیاجه إلیها حدوثاً.
أمّا علی الأوّل فیتمّ التفصیل، لأنّ الضدّ الذي وجد فی المحلّ یزول مقتضیه بمجرّد وجوده وحدوثه، والضدّ الآخر غیر الموجود قد
فرض له مقتضی الوجود، فیکون عدم وجوده مستنداً إلی وجود الضدّ الموجود فی المحلّ، ویکون عدم الموجود مقدمۀً لوجود الضدّ
غیر الموجود.
وأمّا علی مبنی التحقیق فلا یتم، لأنّ المقتضی بعد حدوث الشیء موجود، وهو مؤثّر فی وجوده فی کلّ آن، فمقتضی الضدّ الموجود
فی المحلّ غیر منعدم أصلًا، وحینئذٍ، تقع الممانعۀ بین مقتضی هذا الضدّ ومقتضی الضدّ غیر الموجود، فلیس نفس وجود الضدّ هو
المانع لیکون عدمه مقدّمۀً.
ص: 149
وبهذا ظهر: إنّه علی القول باستحالۀ تحقّق المقتضی للضدّین یسقط التفصیل، سواء کان مناط الحاجۀ هو الإمکان أو الحدوث، أمّا
علی القول بعدم الاستحالۀ فینحصر الجواب عن التفصیل بکون المناط هو الإمکان.
هذا، ولا یتوهّم أنّ المانعیّۀ إنّما هی للضدّ الموجود، لأنّه هو السبب فی ارتفاع قابلیّۀ المحلّ للضدّ الآخر، ولولاه لشغل ذاك هذا
المحلّ … لأنّ ذلک- وإنْ کان کذلک بنظر العرف- خلاف الواقع بحکم العقل وهو الحاکم فی مثل هذه الأُمور دون العرف، لأنّ
قابلیّۀ المحلّ مقدّمۀ رتبۀً علی وجود الضدّ غیر الموجود، ولمّا کان الضدّ الموجود هو الرافع للقابلیّۀ هذه، کان الضدّ الموجود مقدّماً
برتبتین علی الضدّ غیر الموجود، فلا تمانع بینهما.
وأیضاً: فإنّ الضدّ غیر الموجود فعلًا له شأنیّۀ الوجود، فهو قابلٌ لأنْ یکون علّۀً لزوال الضدّ الموجود، فیکون کلّ واحدٍ منهما قابلًا للعلیّۀ
صفحۀ 88 من 205
وقابلًا للمعلولیّۀ، فیکون أحدهما متقدّماً بالقوّة والآخر متأخّراً بالقوّة، وأحیاناً متقدّماً بالفعل ومتأخّراً بالفعل.
فلا یتحقّق التضاد بینهما أبداً.
وقال السیّد الأُستاذ- بعد قوله: الذي یقتضیه الإنصاف هو تسلیم القول بالتفصیل- ما ملخّصه: هذا التفصیل لا ینفع فیما نحن فیه من
متعلّقات الأحکام الشرعیّۀ، لکونه من الأفعال التدریجیّۀ الحصول بلا أنْ یکون لها وجود قار، فهی دائماً تکون من الضدّ المعدوم، ولا
.«1» مقدمیّۀ فی الضدّ المعدوم. فلا یکون للتفصیل ثمرة عملیّۀ
__________________________________________________
.355 / 1) منتقی الأُصول 2 )
ص: 150
-2 عن طریق الملازمۀ … ص: 150 .
اشارة
وبعد الفراغ عن بحث مقدمیّۀ عدم الضدّ لوجود الضدّ الآخر، تصل النوبۀ إلی البحث عن الطریق الآخر لدلالۀ الأمر بالشیء علی النهی
عن ضدّه الخاص، وهو طریق الملازمۀ، وتوضیحه:
إنّ وجود کلّ ضدّ من الضدّین ملازم لعدم الضدّ الآخر، فوجود الحرکۀ ملازم لعدم السکون، ووجود البیاض ملازم لعدم السّواد،
وهذه هی الصغري وتنطبق علیها کبري أنّ المتلازمین یستحیل اختلافهما فی الحکم، فإذا کانت الحرکۀ واجبۀً کان عدم السکون
واجباً.
أمّا أنّ وجود الضدّ ملازم لعدم الضدّ الآخر، فلأنّه لو جاز وجود الضدّ الآخر لزم اجتماع الضدّین، وهو محال. وأیضاً: لو جاز- مع
وجود أحدهما- عدم انعدام الآخر، لزم اجتماع النقیضین، وهو محال.
وأمّا أنّهما متوافقان فی الحکم، فلأنّ المفروض أنْ یکون لکلّ من المتلازمین حکم، فلو کان أحدهما واجباً وخالفه الآخر فی الحکم،
فإمّا أنْ یکون حکمه هو الحرمۀ فیلزم طلب المتناقضین، والتکلیف المحال- فضلًا عن التکلیف بالمحال-، وإمّا أن یکون حکمه
الاستحباب أو الکراهۀ أو الإباحۀ، وهذا محال کذلک، لأنّه لمّا کان حکم أحدهما الوجوب فالشارع غیر مرخّص فی ترکه، والعقل
حاکم بلابدّیته، لکنّ الآخر الذي فرض حکمه أحد الأحکام الثلاثۀ المذکورة، فهو مرخّص شرعاً فی ترکه والعقل حاکم بجواز
الترك، فیلزم التناقض فی حکم العقل، بأنْ یحکم بلابدّیۀ الحرکۀ ویجوّز السکون فی نفس الوقت، وهذا محال … إذن … لابدّ وأن
یکون المتلازمان متوافقین فی الحکم.
ص: 151
قال الأُستاذ:
لکنّ الإشکال فی الکبري. أمّا نقضاً: فلا شکّ أن الأمر لمّا یتعلّق بالطبیعۀ کال ّ ص لاة مثلًا، فإنّ الطبیعی لا یتحقّق خارجاً إلّاملازماً
لخصوصیّاتٍ من الزمان والمکان وغیرهما، لکن متعلّق الحکم- بضرورة الفقه- هو الطبیعی، ولیس لتلک الخصوصیّات حکم أصلًا، إذ
الواجب علی المکلّف هو صلاة الظهر مثلًا، لا خصوصیّۀ هذا الفرد منها الذي أتی به فی الدار فی أوّل الوقت مثلًا.
وأمّا حلّاً، فصحیحٌ أنّه ما من واقعۀٍ إلّاوفیها حکم شرعی، لکن هذه الکبري لیست بلا ملاك، وملاکها لا یخلو: إمّا هو تبعیّۀ الأحکام
الشرعیّۀ للمصالح والمفاسد غیر المزاحمۀ، علی مسلک العدلیّۀ، من جهۀ أنّه إذا رأي العقل المصلحۀ التامّۀ یستکشف الحکم الشرعی
صفحۀ 89 من 205
فی الواقعۀ بقانون الملازمۀ. وإمّا هو ضرورة جعل الشارع الدّاعی لتحقّق غرضه، والداعی هو الحکم. وإمّا هو لزوم خروج المکلّف من
الحیرة فی کلّ واقعۀ.
لکنْ لا شیء من هذه الأُمور فی المتلازمین.
أمّا الأوّل: فلأنّه لا دلیل علی أنّه لو کان للملازم ملاك فلابدّ وأن یکون لملازمه ملاك کذلک، فلو کان القعود واجباً، فما هو
المصلحۀ لجعل الوجوب لترك القیام؟
وأمّا الثانی: فلأنّ جعل الحکم للملازم کافٍ للداعویّۀ إلی تحقّق غرض المولی، ولا حاجۀ لجعل الملازم الآخر من هذه الجهۀ.
وأمّا الثالث: فلأنّه لا حیرة للمکلّف فی مورد المتلازمین فی فرض جعل الحکم لأحدهما، فإنّه مع جعل الوجوب للقعود، لا یبقی
المکلّف متحیّراً فی حکم القیام حتّی یُحتاج إلی جعل حکم الوجوب لترکه.
ص: 152
وتلخّص: أنّه لا ملاك- بعد جعل الحکم لأحد المتلازمین- لجعله للملازم الآخر … فالکبري غیر منطبقۀ هنا … فالاستدلال ساقط.
وبذلک یظهر سقوط الطریق الثانی لإثبات أنّ الأمر بالشیء نهی عن الضدّ الخاص.
تتمّۀ
. مسألۀ الضد من مسائل أيّ علم من العلوم …؟ ص: 152
وقد وقع الکلام فی أنّ مسألۀ الضدّ کلامیّۀ؟ أو فقهیّۀ؟ أو أُصولیّۀ؟ أو هی من المبادئ الأحکامیّۀ؟ وجوه.
رأي الأُستاذ
ومختار الأُستاذ: هو أنّها من المسائل الأُصولیّۀ، ولیست من مسائل الفقه أو الکلام، کما أنّها لیست من مبادئ الأحکام.
أمّا عدم کونها من المسائل الکلامیّۀ، فلأنّ علم الکلام هو ما یبحث فیه عن أحوال المبدء والمعاد بالأدلّۀ العقلیّۀ والنقلیّۀ، والبحث عن
اقتضاء الأمر للنهی عن الضدّ الخاص لا یختص بالأوامر الإلهیّۀ- لتکون المسألۀ کلامیّۀ من جهۀ کونها بحثاً عن عوارض التکلیف وهو
فعل اللَّه- بل هو أعمّ من أوامر اللَّه وأوامر سائر الناس.
وأمّا عدم کونها من المسائل الفقهیّۀ، فلأن البحث فی هذه المسألۀ لیس عن حرمۀ الضدّ الخاص وعدم حرمته، بل هو بحث عن أصل
استلزام الأمر للنهی عن الضدّ الخاص، وهو لیس بمسألۀٍ فقهیّۀ.
وأمّا عدم کونها من المبادئ الأحکامیّۀ، فلأنّ مختار القائل بذلک- وهو
ص: 153
وعلیه، یکون البحث فیه عن عوارض هذا الموضوع یعدّ من ،«2» فی موضوع علم الأُصول أنّه الحجّۀ فی الفقه - «1» السید البروجردي
المسائل الأُصولیّۀ، والبحث عن اقتضاء الأمر بالشیء للنهی عن الضدّ الخاص لیس بحثاً عن عوارض الحجۀ فی الفقه، فلیس من
المسائل الأُصولیّۀ فیکون من المبادي.
وفیه: - بعد غضّ النظر عن المبنی فی موضوع علم الأُصول، وعن القول بأنّ لکلّ علم مبادئ أحکامیّۀ علاوةً علی المبادئ التصوریّۀ
والتصدیقیّۀ- إن کون المسألۀ من مسائل علم الأُصول یدور مدار انطباق تعریفه علیها، فإنْ وقعت نتیجۀ البحث فی طریق استنباط
الحکم الشرعی، فالمسألۀ أُصولیّۀ وإلّا فلا، وهنا عندما نبحث عن الاستلزام وعدمه، فإنّ نتیجته حرمۀ الضدّ بناءً علی الاستلزام وعدم
حرمته بناءً علی عدمه … وإذا ترتّبت هذه الثمرة الفقهیّۀ فالمسألۀ أُصولیّۀ، لأنّها نتیجۀ فقهیّۀ ترتّبت علی البحث مباشرةً.
وأیضاً، فللبحث ثمرة أُخري لکن مع الواسطۀ، وهی فساد العمل إن کان عبادیّاً بناءً علی الحرمۀ.
صفحۀ 90 من 205
ولا یخفی أنّ الحرمۀ المترتّبۀ إنّما هی حرمۀ تبعیّۀ، لعدم کون المفسدة فی متعلّقها وهو الصّلاة مثلًا، بل لأنّ الصّلاة- إذا اقتضی وجوب
الإزالۀ النهی عنها- تکون حینئذ مفوّتۀ لمصلحۀ الإزالۀ، فکانت حرمۀ الصّلاة تبعیّۀ، وإلّا فلا ریب فی وجود المصلحۀ فیها نفسها.
__________________________________________________
(1)
. نهایۀ الأُصول: 189
. 2) نهایۀ الأُصول: 11 )
ص: 154
المقام الثانی: فی اقتضاء الأمر بالشیء للنهی عن ضدّه العام … ص: 154
اشارة
أيعدم المأمور به، وهل یتعلّق التکلیف بالعدم حتی یبحث عن دلالۀ الأمر بالشیء علی النهی « الترك » هو « الضدّ العام » والمراد من
عن عدمه وترکه؟
إنّ هذا العدم لیس بالعدم المطلق، بل هو عدم مضافٌ إلی الوجود، وقد جري علی الألسنۀ أنّ للعدم المضاف إلی الوجود حظّاً من
الوجود، وعلیه، فهو قابل لأنْ یتعلّق التکلیف به … لکنّ الأُستاذ دام بقاه لا یوافق علی ذلک، ومختاره أنّ العدم لا یقبل الاتّصاف
بالوجود عقلًا مطلقاً … إلّاأنّه یري جریان البحث بالنظر العرفی، والخطابات الشرعیّۀ ملقاة إلی العرف، لأنّ أهل العرف یرون للعدم
القابلیّۀ لتعلّق التکلیف، ومن هنا کانت تروك الإحرام- وهی أُمور عدمیّۀ- موضوعات للأحکام الشرعیّۀ، وکذا غیرها من الأُمور
العدمیّۀ، ولا وجه لرفع الید عن أصالۀ الظهور فیها وتأویلها إلی أُمور وجودیّۀ.
هذا، وفی المسألۀ قولان، ثم اختلف القائلون بالاقتضاء، بین قائل بأن الأمر بالشیء عین النهی عن نقیضه، وهو المستفاد من کلام
صاحب (الفصول) وقائل بأنه یقتضیه ویدلّ علیه بالدلالۀ التضمّنیّۀ، وهو المستفاد من کلام صاحب (المعالم) وقائل بدلالته علیه
بالدلالۀ الالتزامیّۀ العقلیّۀ، وعلیه صاحب (الکفایۀ).
. أدلّۀ الأقوال …: ص: 154
فی: أن الوجوب مرکّب من طلب الفعل والمنع من الترك، وإذا کان مرکّباً من الجزئین فدلالۀ «1» ( ویتلخّص مستند صاحب (المعالم
الأمر علی المنع من الترك دلالۀ لفظیّۀ تضمّنیّۀ.
__________________________________________________
(1)
. معالم الدین: 63
ص: 155
بأنّ الوجوب لیس إلّامرتبۀً واحدةً من الطلب، فالطلب بسیط ولیس بمرکّب، غیر أنّها مرتبۀ أکیدة فی :«1» فردّ علیه صاحب الکفایۀ
قبال الاستحباب، لأنّ الوجوب إمّا هو أمر اعتباري وإمّا هو الإرادة، فإنْ کان هو الإرادة، فإنّها وإنْ کانت تشکیکیّۀ لکنّها بسیطۀ لا
ترکیب فیها، وإن کان أمراً اعتباریّاً، فالأُمور الاعتباریّۀ کلّها بسائط. وکیفما کان، فإنّ المبنی باطل، فما بنی علیه باطل کذلک.
ثم قال: وإذا کان حقیقۀ الوجوب هی المرتبۀ الشدیدة من الطلب، فإنّ الآمر إذا التفت إلی نقیض متعلَّق طلبه، فلا ریب فی کونه
صفحۀ 91 من 205
مبغوضاً له ومورداً للنهی منه…
إلی أنّ هذا اللزوم عقلی، ولیس لزوماً « الإلتفات » فکان النهی عن النقیض- وهو الترك- من لوازم المرتبۀ الأکیدة. وقد أشار بکلمۀ
بیّناً بالمعنی الأخص.
وهذا دلیل صاحب (الکفایۀ) علی دلالۀ الأمر بالشیء علی مطلوبیّۀ ترك ترکه بالملازمۀ العقلیّۀ.
ثمّ تعرّض لرأي صاحب (الفصول) وأفاد بأنّه إذا ثبتت الملازمۀ ثبت الإثنینیّۀ، فالقول بکون الأمر بالشیء عین النهی عن ترکه باطل.
اعتراض المحقّق الاصفهانی … ص: 155
هو: «2» وللمحقّق الإصفهانی تعلیقۀ مطوّلۀ فی هذا الموضع، وحاصل کلامه
إنّ بحثنا فی الإرادة التشریعیّۀ، ووزانها وزان الإرادة التکوینیّۀ، فإن کان المراد من قوله: الشوق فی مورد الوجوب أشدّ منه فی مورد
الاستحباب، أنّه یعتبر فی الوجوب وصول المصلحۀ إلی حدّ اللّزوم، فهذا صحیح، سواء فی المراد التکوینی أو التشریعی. وإنْ کان
المراد: إنّ الإرادة المؤثرة فی تحقّق المراد هی فی
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الأُصول: 133 )
.205 / 2) نهایۀ الدرایۀ 2 )
ص: 156
مورد الواجبات أشدُّ وأقوي منها فی مورد المستحبات، فهذا باطل، لأنّ ما به التفاوت بین الواجب والمستحب هو الغرض ولیس الإرادة
…ولا اختلاف فی مرتبۀ الإرادة.
وعلی الجملۀ، فإنّه لیس الوجوب المرتبۀ الشدیدة من الإرادة والمستحب المرتبۀ الضعیفۀ منها، بل إنّ إرادة المرید إن تعلّقت بأمرٍ جائز
الترك عنده فهو المستحب، وإنْ تعلّقت بأمرٍ غیر جائز الترك عنده فهو الواجب … و من الواضح أنّ جواز ترك الشیء وعدم جوازه
یتبع الغرض منه … وإلّا، فالإرادة کیفیّۀ نفسانیّۀ، والکیفیّات النفسانیّۀ لیس لها مراتب.
مناقشۀ الُأستاذ … ص: 156
وأورد علیه الأُستاذ: بأنّ الوجوب إن کان من الأُمور الاعتباریّۀ، فالمراد أنّ المعتبر فی الوجوب هو المرتبۀ الأکیدة من الطلب، کما أنّ
المعتبر فی الاستحباب هو المرتبۀ الضعیفۀ منه، فالشدّة والضعف یرجعان إلی المعتبر لا الاعتبار حتّی یقال بأنّه لا حرکۀ فی
الاعتباریات. وإن کان هو الإرادة والکیف النفسانی، فالشدّة والضعف فی الإرادة واختلاف المرتبۀ فیها أمر واضح … فاعتراضه علی
صاحب (الکفایۀ) غیر وجیه.
وأمّا دعواه: بأنّ الاختلاف بین الوجوب والاستحباب ناشئ من اختلاف الغرض منهما لا من اختلاف المرتبۀ فی الإرادة، فمندفعۀ: بأنّه
یستحیل تخلّف الإرادة عن الغرض، سواء فی أصله وفی مرتبته، إذ النسبۀ بینهما نسبۀ المعلول إلی العلّۀ، وعلی هذا، فإذا کان الغرض
فی الواجب آکد کانت الإرادة فیه کذلک لا محالۀ، فقوله: بأنّ الاختلاف بین الاستحباب والوجوب هو بالغرض لا باختلاف المرتبۀ
فی الإرادة، مردود. اللّهمّ إلّابأن یقال بعدم تبعیّۀ الإرادات
ص: 157
للأغراض، أو یقال بتبعیّتها لها فی الأصل دون المرتبۀ، وکلاهما باطل.
صفحۀ 92 من 205
التحقیق فی حقیقۀ الوجوب
ثمّ قال الأُستاذ: لکنّ التحقیق فی حقیقۀ الوجوب والاستحباب هو عدم کونهما مرتبۀ من الإرادة، بل هما عنوانان اعتباریان انتزاعیّان،
فصحیح أنّه یوجد فی الوجوب شوق أکید، إلّاأنّه لیس الوجوب، وإنّما ینتزع عرفاً منه الوجوب، وفی الإستحباب یوجد الشوق
ال ّ ض عیف، لکنّه المنشأ لانتزاع العرف الإستحباب، وکذا الحال فی الحرمۀ والکراهۀ، ففی الحرمۀ مثلًا توجد المبغوضیّۀ الشدیدة ولیست
هی الحرمۀ، بل إنّها منتزعۀ منها عرفاً.
فما ذهبوا إلیه من أنّ الوجوب هو المرتبۀ الأکیدة من الإرادة، غیر صحیح، ویؤکّد ذلک أنّه لو کان کذلک لجاز حمل الوجوب علی
الإرادة، وهو غیر جائز کما هو واضح.
النظر فی اشکال الکفایۀ علی الفصول … ص: 157
ثمّ إنّ إیراد المحقّق الخراسانی علی نظریّۀ العینیّۀ بین الأمر بالشیء والنهی عن ضدّه العام، بأنّ بینهما ملازمۀ والملازمۀ تقتضی
المغایرة، فیه:
أوّلًا: إنّه منقوض باعترافه بالعینیّۀ فی بحوثه المتقدّمۀ، وذلک حیث قال ما نصّه:
نعم، لابدّ أن لا یکون الملازم محکوماً فعلًا بحکم آخر علی خلاف حکمه، لا أن یکون محکوماً بحکمه، وهذا بخلاف الفعل الثانی، »
فإنّه بنفسه یعاند الترك المطلق وینافیه لا ملازم لمعانده ومنافیه، فلو لم یکن عین ما یناقضه بحسب الاصطلاح مفهوماً لکنّه متّحد معه
عیناً وخارجاً، فإذا کان الترك واجباً فلا محالۀ
ص: 158
.«1» « یکون الفعل منهیّاً عنه قطعاً
فهو هناك یعترف بأنّ الوجوب عین ترك الترك مصداقاً وإنْ اختلفا مفهوماً، فکیف ینفی ذلک هنا؟ والعصمۀ لأهلها.
وثانیاً: إنّ بحثنا هو فی المغایرة المصداقیّۀ لا المفهومیّۀ، وإثبات الملازمۀ لا ینتج المغایرة والاثنینیّۀ الواقعیّۀ، فیصحّ القول بأنّ الأمر
بالشیء یلازم النهی عن الضدّ وهما وجوداً واحد … وهذا الإشکال من المحقّق الاصفهانی.
مختار المیرزا فی المقام … ص: 158
وتعرّض المیرزا للآراء فی المقام، ففصّل فی القول بالعینیّۀ، وردّ علی القول بالدلالۀ التضمّنیّۀ، ولم یستبعد القول بالدلالۀ بالالتزام بنحو
اللزوم البیّن بالمعنی الأخص، ثمّ نصّ علی أنّها باللزوم البیّن بالمعنی الأعمّ ممّا لا إشکال فیه ولا کلام.
أمّا التفصیل فی العینیّۀ فقد قال: ربّما یدّعی أن الأمر بالشیء عین النهی عن ضدّه، بتقریب: إنّ عدم العدم وإنْ کان مغایراً للوجود
مفهوماً إلّاأنّه عینه خارجاً، لأن نقیض العدم هو الوجود، وعدم العدم عنوان ومرآة له، لا أنّه أمر یلازمه، فطلب ترك الترك عین طلب
الفعل، والفرق بینهما إنّما هو بحسب المفهوم فقط.
قال: وفیه إنّ محلّ الکلام هو أنّه إذا تعلّق الأمر بشیء فهل هو بعینه نهی عن الترك أو لا، لا أنّه إذا کان هناك أمر بالفعل ونهی عن
الترك فهل هما متّحدان أو لا؟
والدلیل إنّما یثبت الاتّحاد فی الفرض الثانی لا الأوّل، بداهۀ أنّ الآمر بالشیء ربّما یغفل عن ترك ترکه فضلًا عن أن یأمر به، فلا یبقی
لدعوي الاتّحاد فیما هو محلّ
__________________________________________________
صفحۀ 93 من 205
. 1) کفایۀ الأُصول: 121 )
ص: 159
الکلام مجال أصلًا.
وأمّا القول بالدّلالۀ التضمّنیّۀ، فقد ردّ علیه ببساطۀ الوجوب وعدم ترکّبه.
وأمّا القول بالدلالۀ الالتزامیّۀ، فذکر أنّها بنحو اللزوم البیّن بالمعنی الأخص، بأنْ یکون نفس تصوّر الوجوب کافیاً فی تصوّر المنع عن
.«1» الترك، لیست ببعیدة، وعلی تقدیر التنزّل عنها فالدلالۀ الالتزامیّۀ باللزوم البیّن بالمعنی الأعمّ ممّا لا إشکال فیه ولا کلام
النظر فیه
وقد أشکل علیه: بأنّ عدم استبعاد الدلالۀ بنحو اللّزوم البیّن بالمعنی الأخصّ، والقول بأنّ الآمر قد یغفل عن ترك ترك أمره فضلًا عن
أن یأمر به، تناقض، لأنّه لو کانت الدلالۀ کذلک لم یتصوّر غفلۀ الآمر.
قال الأُستاذ:
وعمدة الإشکال هو التفصیل فی العینیّۀ، بأنْ وافق علیها إن وجد أمر بالفعل ونهی عن الترك وإلّا فالملازمۀ، وذلک: لأنّه إن کان
ترك الترك عین الفعل وطلبه عین طلبه فهو کذلک دائماً، وإن کان ملازماً له فهو دائماً کذلک، إذ حقیقۀ المعنی الواحد- وهو
ترك الترك- لا تختلف، ولا یعقل أن یکون المعنی الواحد عین المعنی الآخر فی تقدیرٍ وملازماً له فی تقدیر آخر.
مختار السید الخوئی والشیخ الُأستاذ …: ص: 159
وذهب السیّد الخوئی إلی عدم الإقتضاء، وهو مختار الشیخ الأُستاذ، وإنْ خالفه فی بعض کلماته فی ردّ العینیّۀ.
قال الأُستاذ بالنسبۀ إلی نظریۀ العینیّۀ: أمّا بناءً علی أنّ الأمر هو الإرادة المبرزة والنهی هو الکراهۀ المبرزة، کما علیه المحقّق العراقی،
فبطلان العینیّۀ
__________________________________________________
.7 -6 / 1) أجود التقریرات 2 )
ص: 160
واضح، إذ الإرادة لا تکون عین الکراهۀ. وکذا بناءً علی أنّ الأمر هو البعث والنهی هو الزجر، إذ الاتّحاد بینهما غیر معقول.
وأمّا أن یکون طلب الفعل عین طلب ترك الترك، فالتحقیق: أنّ ترك الترك من المفاهیم التی یصنعها الذهن ولیس لها ما بأزاء فی
الخارج ولا منشأ انتزاع، فقول المحقّق الخوئی: بأنّه عنوان انتزاعی منطبق علی الوجود، غیر صحیح، لأنّ الصدق دائماً یکون فی عالم
الخارج، ومن هنا قسّموا الحمل إلی الأوّلی المفهومی وإلی الشائع بلحاظ الوجود، فترك الترك لا مصداقیّۀ له، ولو قال بأنّ مصداقه
الوجود، فمن المحال کون المعنی الوجودي مصداقاً للمعنی العدمی، ودعوي انتزاعیّته أیضاً باطلۀ، لأنّ الانتزاع بلا منشأ له محال، بل
لابدّ للأمر الانتزاعی من منشأ للانتزاع یکون متّحداً معه وجوداً، کما فی الفوقیّۀ والسقف، وقد تقدّم أنّ ترك الترك لا حظّ له من
ولیس له واقع فی » : الوجود الخارجی، بل إنّه من صنع الذهن فقط … والعجب أنّه قد أشار إلی هذا المعنی فی کلماته حیث قال
.« قبالهما وإلّا لأمکن أن یکون فی الواقع أعدام غیر متناهیۀ، فإنّ لکلّ شیء عدماً ولعدمه عدم وهکذا إلی أن یذهب إلی ما لا نهایۀ له
فظهر: أن ترك الترك لیس إلّامن صنع الذهن، فما ذهب إلیه المیرزا والسید الخوئی غیر تام، وکذا کلام الکفایۀ من أنّ بینهما اتّحاداً
مصداقیّاً.
فالقول بأنّ الأمر بالشیء یقتضی النهی عن ضدّه فی قوّة القول بأنّ الأمر بالشیء یقتضی الأمر » : وأمّا قول (المحاضرات) بعد ما تقدّم
ففیه: إنّه لا یکون کذلک، لأنّهما- وإن اتّحدا مصداقاً- مختلفان مفهوماً، والقائل بالعینیّۀ لا « بذلک الشیء، وهو قول لا معنی له أصلًا
صفحۀ 94 من 205
یدّعی العینیّۀ المفهومیّۀ، والسید الخوئی أیضاً یري تعدّد المفهوم، فلا معنی لکلامه المذکور.
ص: 161
هذا کلّه بالنسبۀ إلی العینیّۀ.
وأمّا القول بالدّلالۀ التضمّنیّۀ، فبطلانه واضح، لکون الوجوب أمراً بسیطاً علی جمیع المبانی فی حقیقۀ الأمر.
وأمّا القول بالدلالۀ الإلتزامیّۀ، بأن یکون الأمر بالشیء دالّاً علی النهی عن ترکه بالالتزام، فإنّ اللزوم- سواء أُرید منه اللّزوم بنحو البیّن
بالمعنی الأخصّ، وهو ما لا ینفک تصوّر أحد المتلازمین عن تصوّر الآخر، کتصوّر العمی الذي لا ینفک عن تصوّر البصر، وکذا
نحوهما من الملکۀ وعدمها، أو بنحو اللّزوم بالمعنی الأعمّ، وهو ما إذا تصوّر الإنسان کلیهما أذعن بالملازمۀ بینهما- لا ینطبق علی
شیء من الأقوال فی حقیقۀ الأمر والنهی، وهی: القول بأنّهما الإرادة والکراهۀ، والقول بأنّهما البعث والزجر، والقول بأنّهما طلب الفعل
وطلب الترك، والقول باعتبار اللّابدّیۀ واعتبار الحرمان.
نعم، هناك تلازم بین الحبّ والبغض، بمعنی أنّه لو أراد شیئاً کره وأبغض ترکه، وهذا اللّزوم هو بنحو اللّزوم البیّن بالمعنی الأعمّ،
إلّاأنّه لا ربط له بالملازمۀ بین الأمر والنهی، إلّاأن یقال بأنّ حقیقۀ الأمر بالشیء إرادته بالشوق البالغ حدّ النصاب، وحقیقۀ النهی
کراهیّۀ الشیء مع البغض الشدید له البالغ حدّ النصاب، سواء أبرز أو لا، لکنْ لا قائل بهذا، لأنّ القائلین بأنّ حقیقۀ الأمر والنهی هی
الإرادة والکراهۀ یقولون باعتبار إبرازهما.
وتحصّل: أنّ الدلالۀ الالتزامیّۀ ساقطۀ، کسقوط التضمّنیّۀ والعینیّۀ، وأنّ القول بدلالۀ الأمر علی النهی عن ضدّه العام باطل علی جمیع
الوجوه.
ص: 162
ثمرة البحث … ص: 162
اشارة
ثم إنه قد بحث الأعلام عن ثمرة هذا البحث فذکروا موارد:
منها: مسألۀ المواسعۀ والمضایقۀ، فقد ذهب المشهور من المتقدّمین إلی المضایقۀ، بناءً علی أنّ الأمر بال ّ ص لاة الفائتۀ یدلّ علی النهی
عن الحاضرة، وهی الضدّ الخاصّ، وعلیه، فقد أفتوا بأن من کانت ذمّته مشغولۀً بصلاةٍ، فصلاته الأدائیّۀ بعد الوقت باطلۀ، لأنّ عدم
الضدّ الخاص- وهو الصّلاة الحاضرة- یکون مقدّمۀ لوجود الضدّ الآخر وهو الصّلاة الفائتۀ.
لکن مقدمیّۀ عدم أحد الضدّین لوجود الضدّ الآخر أوّل الکلام، کما تقدّم بالتفصیل.
ومنها: مسألۀ ترتّب العقاب علی المخالفۀ للنهی بناءً علی الدلالۀ، وعدم ترتّبه بناءً علی عدمها.
لکنّ استلزام مخالفۀ النهی الغیري لاستحقاق العقاب أوّل الکلام.
ومنها: ترتّب أثر المعصیۀ، فإنّه إذا کان الأمر بالشیء دالّاً علی النهی عن ضدّه، یکون الضدّ الخاص- کالسّ فر- معصیۀً، ویترتّب علی
ذلک وجوب إتمام الصلاة.
ولکنْ هذا یتوقّف علی عدم انصراف أدلّۀ وجوب الإتمام فی سفر المعصیۀ عن النهی الغیري العرضی.
ومنها: فساد العبادة، لأنّه مع الدلالۀ علی النّهی تکون العبادة المزاحمۀ فاسدةً، لأنّ النهی عنها موجب لفسادها، أمّا مع عدم الدلالۀ فهی
صحیحۀ، وتوضیح ذلک:
إنّه إن کان الأمر بالشیء یدلّ علی النهی عن ضدّه من باب أنّ عدم أحد
صفحۀ 95 من 205
ص: 163
الضدّین مقدّمۀ للضدّ الآخر، فیجب عدمه بمقتضی دلالۀ الأمر بالشیء علی النهی عن ضدّه العام، فلا ریب فی حرمۀ فعل الضدّ.
وإن کان الأمر بالشیء یدلّ علی النهی عن ضدّه من باب الاستلزام، بأنْ یکون عدم ذاك ملازماً لوجود هذا، کان عدم ذلک الضدّ
واجباً لکونه ملازماً للواجب، والمفروض اتّحاد المتلازمین فی الحکم، وإذا کان واجباً فوجوبه یدلّ علی النهی عن الضدّ العام، فیکون
فعله محرّماً.
وإذا ثبت حرمۀ الضدّ- بأحد الطریقین: المقدمیّۀ أو الملازمۀ- فإن کان الضدّ عبادةً، وقعت باطلۀ، بناءً علی أنّ النهی فی العبادات
یوجب الفساد … لکنّ هذا النهی تبعی وعرضی، فلابدّ من القول بدلالۀ النهی فی العبادات علی الفساد حتی فی النواهی العرضیّۀ.
لکنّ الضدّین المتزاحمین، قد یکونان مضیّقین، وقد یکون أحدهما مضیّقاً والآخر موسّعاً، وعلی الأوّل، فتارةً یکونان متساویین،
وأُخري یکون أحدهما مهمّاً والآخر أهم.
فإن کانا مضیّقین وأحدهما أهم، کما لو دار الأمر فی آخر وقت ال ّ ص لاة بینها وبین إزالۀ النجاسۀ عن المسجد، فإنّه وإن کان وجوب
الإزالۀ فوریّاً، فإنّ ضیق وقت الصّلاة یوجب أهمیّتها، وحینئذٍ، یکون الأمر بالصّلاة دالّاً علی النهی عن الضدّ فلا تجوز الإزالۀ.
وإن کان وجوب أحدهما موسّعاً، کما لو کان وقت ال ّ ص لاة موسّعاً والأمر بالإزالۀ فوري، فعلی القول بالدّلالۀ یکون الأمر بالإزالۀ دالّاً
علی النهی عن الصّلاة.
ولو کانا مضیّقین وکان أحدهما عملًا غیر عبادي لکنْ کان أهمّ من الآخر العبادي، کما لو دار الأمر فی ضیق الوقت بین أن یصلّی أو
ینقذ النفس المحترمۀ
ص: 164
من الغرق، فالأمر بالإنقاذ الأهم من ال ّ ص لاة یدلّ علی النهی عنها بناءً علی الدلالۀ، فلو أتی بها حینئذٍ کانت فاسدة، لکون النهی عن
العبادة موجباً للفساد، أمّا بناءً علی عدم الدلالۀ، فلا موجب لفسادها لو أتی بها فی ذلک الوقت وترك الإنقاذ.
رأي الشیخ البهائی فی الثمرة … ص: 164
وأورد الشیخ البهائی رحمه اللَّه علی هذه الثمرة- کما عن کتابه (زبدة الأُصول)-: بأنّ العبادة باطلۀ مطلقاً حتی علی القول بعدم دلالۀ
الأمر للنهی عن الضدّ، فالثمرة منتفیۀ، وذلک لأنّ العبادة تتوقّف علی قصد الأمر، إذن، فصحّۀ العبادة مشروطۀ بتعلّق الأمر بها فعلًا حتی
یُقصد، وفی صورة الأمر بشیءٍ ووقوع التزاحم بینه وبین ضدّه، لا یوجد أمرٌ بالضدّ، لاستحالۀ تعلّق الأمر بالضّدین معاً، فالضدّ الآخر غیر
مأمور به، سواء دلّ الأمر بالشیء علی النهی عنه أو لم یدل؛ ومع عدم الأمر به یکون فاسداً، لکونه عبادةً وصحّۀ العبادة مشروطۀ بتعلّق
الأمر بها.
الجواب عنه
وأجیب عن ذلک بوجهین:
من أنّ المعتبر فی صحّۀ العبادة لیس خصوص قصد الأمر بل قصد ،«1» أحدهما: ما ذکره صاحب (الکفایۀ) وغیره کالمحاضرات
القربۀ بأيّ وجهٍ تحقّق، والحاصل: إنّه یکفی الإتیان بالعمل مضافاً إلی المولی، کأن یؤتی به بقصد کونه محبوباً له أو بداعی تحصیل
الثواب علیه والقرب منه. وعلی هذا فالثمرة مترتّبۀ.
لکن هذا الجواب مبنائی.
والثانی: ما یستفاد من کلمات المحقّق الثانی، وبیان ذلک:
__________________________________________________
صفحۀ 96 من 205
.339 / 1) کفایۀ الأُصول: 134 ، محاضرات فی أُصول الفقه 2 )
ص: 165
أوّلًا: إنّه یعتبر فی التکلیف أن یکون المتعلّق مقدوراً، ومناط اعتبار القدرة فی المتعلّق هو حکم العقل بذلک- لا اقتضاء الخطاب کما
علیه المیرزا- فإن کان متعلّق التکلیف هو طبیعی المأمور به لزم وجود القدرة علیه، وإن کان الحصّۀ من الطبیعۀ لزم وجود القدرة علیه
کذلک.
وثانیاً: إنّه إن کان المتعلّق هو الطبیعۀ، فإنّ القدرة علیها تحصل بالقدرة علی فردٍ مّا منها، وانطباق الطبیعۀ علیه قهري.
وثالثاً: إنّ الأمر یستحیل أن یتجاوز عن متعلّقه، فلو کان المتعلّق هو الطبیعۀ فلا یتجاوز إلی الفرد.
ورابعاً: إنّ الحاکم بالإجزاء وسقوط الأمر هو العقل، لأنّه فی کلّ موردٍ یکون الإنطباق فیه قهریّاً، فالإجزاء فیه عقلی.
ففی کلّ موردٍ توفّرت هذه المقدّمات، تکون العبادة صحیحۀ، ویندفع اشکال الشیخ البهائی، وإلّا فالإشکال وارد، کما فی المضیّقین
حیث القدرة منتفیۀ.
رأي المیرزا النائینی … ص: 165
إلی إنکار الثمرة بوجهٍ آخر، وذلک: لأنّه إن اعتبر قصد الأمر فی عبادیّۀ العبادة، فلا ثمرة کما عن الشیخ البهائی، «1» وذهب المیرزا
وإنْ لم یعتبر فیها ذلک فکذلک، أمّا بناءً علی عدم دلالۀ الأمر بالشیء علی النهی عن ضدّه فواضحٌ، إذ الضدّ یؤتی به عبادةً لکونه ذا
مصلحۀٍ ملزمۀ یجب استیفاؤها، فیؤتی به بقصدها ولا إشکال فی صحتها. وأمّا بناءً علی الدلالۀ، فإنّ النهی عن الضدّ المزاحم لیس ناشئاً
عن مفسدةٍ فی المتعلّق- وهو ال ّ ص لاة- ومبغوضیّۀ ذاتیّۀ فیه، بل هو فی الواقع یرجع إلی مطلوبیّۀ الإزالۀ، وإذْ لیس فی نفس ال ّ ص لاة
مفسدة، فلا یکون مثل هذا
__________________________________________________
.22 -21 / 1) أجود التقریرات 2 )
ص: 166
النهی بمانعٍ عن المقربیّۀ.
فالحاصل: إنّ المقتضی للمقربیّۀ- وهو المصلحۀ- موجود، والمانع عنها- وهو النهی- مفقود.
فظهر صحّۀ الصّلاة علی التقدیرین، فلا ثمرة.
الدفاع عنه فی قبال المحاضرات والمنتقی … ص: 166
وأورد علیه فی المحاضرات: بأنّ الإتیان بالعمل بقصد الملاك والمصلحۀ غیر کافٍ فی العبادیّۀ، بل لابدّ من الإتیان به مضافاً إلی
المولی، والإتیان به بقصد الملاك لا یفید إضافته إلیه.
والجواب:
فأفاد شیخنا ما حاصله: إنه فرق بین مطلق المصلحۀ والمصلحۀ التی هی الغرض من التکلیف، وقصد المصلحۀ التی هی الغرض عند
المولی- کما لو کان الإنتهاء عن الفحشاء والمنکر هو المصلحۀ فی إیجاب الصلاة- مقرّب إلی المولی ومضیف للعمل إلیه … نعم،
قد یکون العمل مبتلیً بالمزاحم الأهم، فیکون المکلّف عاجزاً إلّاأنّ العمل واجد للمصلحۀ اللّازم استیفاؤها.
والإشکال: بأن هذا إنّما یتمّ إن کانت المصلحۀ مترتبۀً علی ذات العمل، أمّا بناءً علی ترتّبها علی العمل المأتی به بعنوان العبادیّۀ،
صفحۀ 97 من 205
فالمصلحۀ متأخّرة رتبۀً عن العمل، ومع تأخّرها عنه کیف تقصد عند الإتیان به؟
مندفعٌ بالنقض، لأنّ المستشکل یري صحّۀ العبادة المأتی بها بقصد المحبوبیّۀ عند المولی، لکونها حینئذٍ عبادة مضافۀ إلیه، والحال أنّ
المحبوبیّۀ مترتّبۀ علی العبادیّۀ لا علی ذات العمل، فتکون فی طول العبادیّۀ ومتأخّرة عنها، فکیف یؤتی بالعمل بقصد المحبوبیّۀ؟
ص: 167
الإیراد علی المیرزا
لکن الإشکال الوارد علیه قوله بمقرّبیّۀ العمل وإن کان منهیّاً عنه … لأنّه وإن کان النهی عن الصّلاة هو من جهۀ محبوبیّۀ الإزالۀ مثلًا لا
لمفسدةٍ فیها، إلّاأنّه زجر عن ال ّ ص لاة، ومع الزجر کیف تکون مقرّبۀً؟ إن العقل یلحظ الزجر بغض النظر عمّا هو المنشأ له، ویحکم بأنّ
ما زجر عنه المولی فهو مبغوض عنده، والمبغوض لا یکون مقرّباً بل مبعّداً عنه … ولا أقل من الشکّ فی المقربیّۀ، ومعه یرجع الشکّ
إلی العبادیّۀ، والمرجع حینئذٍ قاعدة الإشتغال.
نتیجۀ البحث
إنّ المیرزا یري- بناءً علی دلالۀ الأمر علی النهی عن الضدّ الخاصّ- صحّۀ العبادة، لکون العمل ذا مصلحۀ والنهی عنه غیر ذاتی،
فیکفی قصد الملاك بناءً علی عدم اعتبار قصد الأمر.
والأُستاذ یري أنّ هذا النهی أیضاً یؤثر، فلا یصلح العمل للمقربیّۀ، لکنّ الصّلاة صحیحۀ لأنّه لا یري دلالۀ الأمر علی النهی عن الضدّ.
وفی (المنتقی)- بعد أنْ قرّبه وأفاد أنّ مقصود المحقق النائینی بالملاك المصحّح للعبادیّۀ هو المصلحۀ- یرد علیه:
أولًا: إن قصد المصلحۀ لا یمکن تحققه هنا. »
وذلک: لأن العمل إذا فرض کونه عبادیاً کانت المصلحۀ مما یترتب علی العمل بقید کونه عبادیاً. أما ذات العمل فلا تترتب علیه
المصلحۀ.
وعلیه، فلا یصلح ترتب المصلحۀ لأن یکون داعیاً إلی الإتیان بالعمل، لعدم ترتّبه علیه، والداعی ما کان بوجوده العلمی سابقاً وبوجوده
العینی لاحقاً.
وبالجملۀ: لا یمکن أن یؤتی بالعمل بداعی المصلحۀ، إذ لا مصلحۀ فیه، بل
ص: 168
المصلحۀ تترتب علی العمل العبادي فقصد المصلحۀ فی طول تحقق العبادیۀ لا محقق لها، فهو نظیر الإتیان بالعمل بداعی ترتب الثواب
أو الفرار من العقاب، فإنه فی طول العبادة لا محقق لها، کما تقدم بیان ذلک فی مبحث التعبدي والتوصلی.
وثانیاً: لو فرض إمکان تحقق قصد المصلحۀ، فهو لا یکون مقرباً، لما تقدم من أنه یعتبر فی المقربیۀ ارتباط العمل بالمولی بنحو
ارتباط، والإتیان بالعمل لأجل ترتب المصلحۀ علیه لا یرتبط بالمولی، فلا یکون العمل مقرباً لعدم ربطه بالمولی.
وعلی هذا، لا یستقیم ما أفاده المحقق النائینی من إنکار الثمرة، إذ الملاك المصحح لیس إلا المحبوبیۀ، وهو لا یتحقق مع تعلق النهی
بالعمل.
ولکن الذي یسهل الخطب ما عرفت من الإلتزام بعدم اقتضاء الأمر بشیء النهی عن ضده، إما لأجل إنکار دعوي المقدمیۀ التی هی
.«1» « عمدة أساس القول بالإقتضاء. وأما من جهۀ إنکار وجوب المقدمۀ
__________________________________________________
.363 -362 / 1) منتقی الأُصول 2 )
ص: 169
طرق تصحیح الفرد المزاحم … ص: 169
صفحۀ 98 من 205
طرق تصحیح الفرد المزاحم … ص: 169
اشارة
بعد أنْ ظهر أنّ الحق عدم دلالۀ الأمر علی النهی عن الضدّ الخاصّ، لا من باب المقدمیّۀ ولا من باب التلازم، وأنّ الحق عدم دلالته
علی النهی عن الضدّ العام، لسقوط القول بالعینیّۀ والدلالۀ التضمّنیّۀ والالتزامیّۀ، لکنّ دلالته علی مبغوضیّته ثابتۀ، لأنّه إذا کان الفعل
محبوباً للمولی کان ترکه مبغوضاً له یقیناً، وکذا العکس، لکن لابدّ من التنبیه علی أنّ متعلّق البغض- وهو الترك- لا یتجاوز عن
متعلّقه، لیکون لازمه- وهو فعل الضدّ الخاص- مبغوضاً کذلک، فإذا کان الضدّ الخاصّ أمراً عبادیّاً فلا دلیل علی فساده.
إلّا أنّ عدم الدلیل علی عدم الفساد لا یکفی لعبادیّۀ العمل، بل یعتبر أن یوتی به مضافاً إلی المولی.
أمّا علی القول باشتراط صحّۀ العبادة بقصد الأمر، فقد تقدّم أنّه لا أمر بالنسبۀ إلی المزاحم فی عرض الواجب المأمور به، لاستحالۀ
طلب الضدّین، فإمّا أن یدّعی وجود الأمر بالطبیعۀ- التی یکون الضدّ الخاص فرداً لها- فی عرض الأمر المتوجّه إلی الواجب، وإمّا أن
یدّعی کونه مأموراً به بالأمر الطولی علی أساس الترتّب.
وأمّا علی القول بصحّۀ العبادة بقصد الملاك، فلابدّ أوّلًا من إثبات المبنی بإقامۀ الدّلیل علیه، ثمّ تحقیق ال ّ ص غري وهو کون العمل
واجداً للملاك.
ص: 170
. الطریق الأول … ص: 170
اشارة
وتفصیل الکلام علی القول الأوّل هو: إنه بناءً علی ما تقدّم عن المحقق الثانی، فإنّ الطبیعۀ هی المتعلّق للأمر والفرد غیر مأمور به، إلّاأنّ
انطباقها علیه قهري والإجزاء عقلی، وبذلک تتم عبادیّۀ الفرد المزاحم.
. الأقوال فی اعتبار القدرة فی متعلّق التکلیف … ص: 170
وقد تقدّم سابقاً: أنّ طریق المحقّق الثانی مبنیٌّ علی أنّ اعتبار القدرة فی متعلّق التکلیف هو بحکم العقل، والکلام الآن حول هذا
المبنی، فإنّ فی المسألۀ أقوالًا ثلاثۀ:
فقیل: إنّ القدرة علی المتعلّق غیر معتبرة فی صحّۀ التکلیف، فللمولی تکلیف العاجز، إلّاأنّ المکلّف إن کان قادراً علی الإمتثال
فواجب، وإن کان عاجزاً فهو معذور.
وهذا رأي جماعۀ من المحقّقین، ومنهم السید الخوئی.
وقیل: إنّ القدرة شرط فی التکلیف.
فقال المحقّق الثانی وجماعۀ: إنّها شرط بحکم العقل.
وقال المیرزا: هی شرط باقتضاء الخطاب.
والقائلون بأنّها بحکم العقل، اختلفوا بین قائل: بأنّ القدرة علی فردٍ مّا من أفراد الطبیعۀ تکفی لصحّۀ الأمر بالطبیعۀ، وقائل: لا تکفی.
ومذهب المحقّق الثانی هو الکفایۀ.
قال المیرزا:
الصحیح إنّه باقتضاء التکلیف لا بحکم العقل، وعلیه، فکون الفرد المزاحم فرداً للمأمور به محال … وتوضیح ذلک هو:
صفحۀ 99 من 205
ص: 171
إنّ التکلیف جعل الداعی، وجمیع التکالیف إنما تُنشأ لأجل أنْ یوجد الدّاعی للإمتثال عند المکلّف، والداعی یقتضی- بذاته- إمکان
المدعوّ إلیه عقلًا وشرعاً، لأنّ النسبۀ بینهما هی التضایف، فلمّا کان الداعی إمکانیّاً فالمدعوّ إلیه کذلک، إذن، فمتعلّق التکلیف هو
الفرد المقدور، وأمّا غیر المقدور فخارج عن التکلیف، ویکفی عدم القدرة الشرعیّۀ، لأنّ الممتنع شرعاً کالممتنع عقلًا…
والحاصل: إنّ متعلّق التکلیف هو غیر الضدّ المزاحم.
إشکالات المحاضرات … ص: 171
وأورد علیه فی المحاضرات من جهات:
(الأُولی) إنّ ما أفاده قدّس سرّه- من التفصیل بین القول بأنّ منشأ اعتبار القدرة شرطاً للتکلیف هو حکم العقل بقبح تکلیف العاجز،
والقول بأنه اقتضاء نفس التکلیف، فیسلّم ما ذکره المحقّق الثانی علی الأوّل دون الثانی- لا یرجع إلی معنی محصّل، بناءً علی ما اختاره
من استحالۀ الواجب المعلّق وتعلّق الوجوب بأمر متأخّر مقدور فی ظرفه، وبیان ذلک باختصار هو:
إنّ الأمر فی الواجب الموسّع وإنْ تعلّق بالطبیعۀ وبصرف الوجود منها، إلّا أنّه مشروط بالقدرة علیها، وذلک لا یمکن إلّابأن یکون
بعض وجوداتها- ولو کان واحداً منها- مقدوراً للمکلّف، أمّا لو کان جمیع أفرادها غیر مقدور للمکلّف ولو فی زمان واحدٍ، فلا یمکن
تعلّق التکلیف بنفس الطبیعۀ فی ذلک الزمان إلّاعلی القول بجواز الواجب المعلّق. وحیث أنّ الواجب الموسّع فی ظرف مزاحمته مع
الواجب المضیّق غیر مقدور بجمیع أفراده، فلا یعقل تعلّق التکلیف به،- لیکون انطباقه علی الفرد المزاحم قهریّاً وإجزاؤه عن المأمور به
عقلیّاً- إلّابناء علی صحۀ الواجب المعلّق، حیث یتعلّق الطلب بأمرٍ متأخّر مقدور فی ظرفه. ولا یفرّق فی
ص: 172
ذلک بین المسلکین فی منشأ اعتبار القدرة فی المتعلّق.
نعم، إنما یتمّ کلام المیرزا فیما إذا کان للواجب أفراد عرضیّۀ، وکان بعضها- لا کلّها- مزاحماً بواجب مضیّق، لأنه یصحّ حینئذٍ الإتیان
بالفرد المزاحم بداعی امتثال الأمر بالطبیعۀ المقدورة بالقدرة علی بعض أفرادها، بناءً علی قول المحقّق الثانی، کما لو وقعت المزاحمۀ
بین بعض الأفراد العرضیّۀ لل ّ ص لاة وإنقاذ الغریق، فی أحد مواضع التخییر بین القصر والإتمام، حیث أنّ الفرد المزاحم للإنقاذ هو
الإتمام، فیلزم علیه اختیار القصر لیتمکّن من الإنقاذ أیضاً، فلو اختار التمام وعصی الأمر بالأهم- وهو الإنقاذ- فالصّلاة صحیحۀ، لکونها
فرداً من الطبیعۀ المأمور بها، المقدور علیها بالقدرة علی فردٍ وهو القصر … أمّا بناءً علی مبنی المیرزا فلا تصحّ، لأنّ متعلّق التکلیف هو
الفرد المقدور وهو القصر، وهذا الفرد غیر منطبق علی الفرد المزاحم.
لکنّ الکلام فی الأفراد الطولیۀ.
الجواب
وقد أوضحه السیّد الخوئی مفصّلًا. قال: وهو وجه لطیف لکنه لا «1» أما سیّدنا الأُستاذ، فقد ذکر أنّ هذا الإیراد من المحقق الإصفهانی
لکنّا لم نوفّق للوقوف علیه. وأمّا شیخنا الأُستاذ، فقد أجاب عن هذا .«2» یخلو عن مناقشۀٍ سیأتی التعرّض لها فی غیر هذا المقام
الإشکال: بأنّ تعلّق التکلیف- بناءً علی القول بالواجب المعلّق- وإنْ کان معقولًا، بأن یتعلّق الأمر بالعبادة الموسّعۀ کال ّ ص لاة فی حال
مزاحمتها بالواجب المضیّق، علی نحو یکون الوجوب الآن والواجب فی
__________________________________________________
.250 / 1) نهایۀ الدرایۀ 2 )
.371 / 2) منتقی الأُصول 2 )
صفحۀ 100 من 205
ص: 173
المستقبل، لاستحالۀ تعلّق الأمر الآن بالطبیعۀ من جهۀ کونها فی حال المزاحمۀ غیر مقدورة بجمیع أفرادها، إلّاأن انطباق الواجب علی
الفرد المزاحم مورد للإشکال، لأنّ حقیقۀ الواجب المعلّق هو أن یکون الوجوب مطلقاً والواجب معلّقاً علی الزمان الآتی، فیکون
الوجوب الآن والواجب مقیّداً، وإذا کان الواجب مقیّداً کذلک کان غیر قابل للتطبیق- بما هو واجب- علی الفرد فی أوّل الوقت، إذ
الفرد فی أوّل الوقت لا یکون فرداً للطبیعۀ بما هی مأمور بها.
والحاصل: إنّ الواجب إنْ کان لا بشرط بالنسبۀ إلی الزمان الآتی، فانطباقه علی جمیع أفراد الطبیعۀ ممکن، لکنّه لیس بواجب معلّق،
وإن کان مشروطاً به، فهو غیر منطبق الآن علی الفرد بعنوان الواجب.
ولو قیل: بأن تقیّد الواجب بالزمان اللّاحق یکون تارةً من جهۀ کونه دخیلًا فی الملاك والغرض، کما فی الحج حیث أنّ الوجوب الآن
والواجب مقیّد بأیام المناسک، وهو قید دخیل فی الغرض، وأُخري من جهۀ عدم قدرة المکلّف لا لدخله فی الغرض، فیتقیّد الواجب
بزمان بعد زمان المزاحمۀ مع الأهم، وما نحن فیه من قبیل الثانی لا الأوّل، فهو ذو ملاك.
فإنّه یمکن الجواب: بأنّ الفرق المذکور موجود، لکن کلیهما شریکان فی عدم إطلاق الواجب، ومع تضیّق دائرة الواجب المأمور به،
لا یمکن القول بأن هذا الفرد فرد للمأمور به بما هو مأمور به، فالاشکال باق.
هذا، علی أنّ احراز واجدیّۀ الواجب المقیّد بزمان بعد المزاحمۀ للغرض وأن تقیّده بذلک إنّما هو من جهۀ عدم القدرة، أمر مشکل.
(الجهۀ الثانیۀ) قال: إنّه لو تنزّلنا وسلّمنا الفرق بین القولین، فلا یتمُ ما أفاده المیرزا کذلک بالنظر إلی مختاره من أنّ التقابل بین
الاطلاق والتقیید من تقابل
ص: 174
العدم والملکۀ، فکلّ مورد لم یکن فیه التقیید فالإطلاق غیر ممکن. وما نحن فیه من هذا القبیل، لأنّ تقیید الطبیعۀ المأمور بها بالفرد
المزاحم مستحیل، فإطلاقها بالنسبۀ إلیه کذلک حتی علی قول المحقّق الثانی فی اعتبار القدرة فی التکلیف.
والحاصل: إنّه لا یمکن الحکم بصحۀ الفرد المزاحم، لعدم إطلاق المأمور به، لیکون الإتیان به بداعی الأمر حتی علی القول بصحّۀ
الواجب المعلّق.
نعم، بناءً علی ما حقّقناه من أنّ التقابل بینهما من قبیل التضادّ، یصحّ الإتیان بالفرد المزاحم بداعی الأمر بالطبیعۀ، بناءً علی جواز تعلّق
الوجوب بأمر متأخّر مقدور فی ظرفه کما هو المفروض، لأنّه إذا استحال التقیید کان الإطلاق ضروریّاً.
جواب الأُستاذ
فأجاب الأُستاذ: بأنّ استحالۀ التقیید إنّما تستلزم ضرورة الإطلاق فیما إذا کان التقیید ممکناً، أمّا لو لم یتمکّن المولی من التقیید فلا،
وما نحن فیه من هذا القبیل، فإنّ المولی- کما یعترف المستشکل- غیر متمکّن من التقیید بالفرد المزاحم، وحینئذٍ، فلا یکون الإطلاق
کاشفاً عن کون مراده مطلقاً…
والحاصل: إنّه لا اعتبار لمثل هذا الإطلاق.
(الجهۀ الثالثۀ) فی أنّ القدرة غیر معتبرة فی صحّۀ التکلیف، وهو القول الثالث من الأقوال فی المسألۀ، فلا هی معتبرة بحکم العقل، ولا
هی معتبرة باقتضاء الخطاب، بل إنّها معتبرة بحکم العقل فی مرحلۀ امتثال التکلیف. قال:
وذلک: لأنّ حقیقۀ الحکم والتکلیف عبارة عن اعتبار المولی کون الفعل علی ذمّۀ المکلّف وإبرازه فی الخارج بمبرز، وهذا الاعتبار لا
یقتضی اختصاص الفعل بالحصّۀ المقدورة، ضرورة أنّه لا مانع من اعتبار الجامع بین المقدور وغیر المقدور.
ص: 175
فالحاصل: إنّه لا مقتضی من قبل الخطاب لاعتبار القدرة فی المتعلّق، وکذا العقل، فإنّه لا یقتضیه إلّافی ظرف الإمتثال، فإذا لم یکن
صفحۀ 101 من 205
المکلّف حین جعل التکلیف قادراً علی الامتثال وأصبح قادراً علیه فی ظرفه، صحّ التکلیف ولا قبح فیه عقلًا.
جواب الأُستاذ
وقد أجاب عنه الأُستاذ: بأنّ اعتبار المولی الفعل علی ذمّۀ المکلّف فعل اختیاري له، وکلّ فعل اختیاري فهو معلول للغرض، ولیس
الغرض إلّاجعل الداعی للعبد نحو الفعل، وحینئذٍ تعود نظریۀ المیرزا من أن جعل الداعی یقتضی القدرة علی المدعوّ إلیه، فلو کان
عاجزاً عن الامتثال لم یمکن من المولی جعل الداعی له، فإنْ کان التکلیف مطلقاً جعل الداعی کذلک، وإنْ کان مشروطاً بشرطٍ کان
الداعی فی ظرف تحقّق الشرط، وأمّا إن کان معلّقاً- بأنْ یکون الوجوب فعلیّاً والواجب استقبالیّاً- فإنْ البعث الإمکانی الفعلی نحو
الأمر المتأخّر یقتضی إمکان الإنبعاث فی الواجب فی ظرفه، وکذلک الحال بناءً علی إنکار الواجب المعلّق، فإنّ البعث الإمکانی
یقتضی الإنبعاث الإمکانی.
فالحاصل: إنّه علی جمیع التقادیر والأقوال: البعث الإمکانی یقتضی الإنبعاث الإمکانی.
کلام المحقّق العراقی فی المقام … ص: 175
مشیراً إلی نظریّۀ المیرزا بعنوان التوهّم- ما حاصله: إنّ القدرة علی الامتثال من الأُمور - «1» ( وذکر المحقّق العراقی فی (المقالات
الدخیلۀ فی فاعلیّۀ الإرادة حتّی لو لم یکن الخطاب فعلیّاً، وحقیقۀ الحکم هی الإرادة المبرزة، فإنْ أُرید
__________________________________________________
.106 / 1) مقالات الأُصول 1 )
ص: 176
للإرادة الوصول إلی الفعلیّۀ اعتبرت القدرة، فتکون القدرة ممّا یعتبر فی ظرف الامتثال…
والحاصل: فاعتبار القدرة متأخّر رتبۀً عن الخطاب، والخطاب متأخّر رتبۀً عن متعلّقه، ومع تأخّره لا یمکن أن یکون دخیلًا فیه…
فالخطاب لا یقتضی اعتبار القدرة خلافاً للمیرزا.
نقد کلام العراقی والدفاع عن المیرزا … ص: 176
وقد انتقد الشیخ الأُستاذ کلام المحقّق العراقی بما انتقد به کلام المحاضرات، وحاصل ما أفاده هو: إنه لا ریب فی أنّ المتأخّر لا
یمکن أخذه فی المتقدّم علیه، ولو أنّ المولی قد أخذ القدرة فی متعلّق حکمه لتمّ کلام هذا المحقّق، لکنّ تقیّد الخطاب بالقدرة لیس
بأخذ المولی بل إنّه تقیّد وتضیّق ذاتی، لما تقدّم من أنّ الحکم بعث، وهو یقتضی القدرة علی المبعوث إلیه، لأنّ المولی الحکیم
الملتفت لا یبعث نحو غیر المقدور، فالبعث من أصله مضیّق وبذلک تتضیّق دائرة المتعلّق، ویکون الحصّۀ المقدورة فحسب.
والحاصل: إنّ کلام المحقّق النائینی قوي … ولا یصلح ما ذکر للردّ علیه.
الإشکال علی المیرزا
إلّا أنّ فیه- بعد الموافقۀ علی کبري أنّ البعث الإمکانی یقتضی الإنبعاث الإمکانی- أن تلک الکبري غیر منطبقۀ هنا حتّی تتم دعوي
أنّ البعث نحو الطبیعۀ یختص دائماً بالح ّ ص ۀ المقدورة منها، لأنّ المفروض کون البعث نحو الطبیعۀ، وهی لا بشرط بالنسبۀ إلی
الخصوصیّات الفردیّۀ، وأنّ حقیقۀ الإطلاق رفض القیود، وعلی ما ذکر، فإنّ المولی لما یبعث نحو الطبیعۀ فهو یرید الوجود المضاف
إلیها، وإذا کان البعث الإمکانی یقتضی الإنبعاث الإمکانی، فإنّ القدرة
ص: 177
علی فردٍ مّا من أفراد الطبیعۀ تحقّق إمکان الإنبعاث، فلا محالۀ تکون الطبیعۀ بما هی مأمور بها منطبقۀً علی الفرد المزاحم، وإذا تمّ
صفحۀ 102 من 205
الإنطباق القهري تمّ الإجزاء.
والحاصل: إنّ الخطاب لا یتعلّق بالح ّ ص ۀ المقدورة من الطبیعۀ، بل هو متعلّق بالطبیعۀ المقدورة بالقدرة علی فردٍ مّا من أفرادها، ومنها
الفرد المزاحم، خلافاً للمیرزا القائل بخروج الفرد المزاحم غیر المقدور عن المصداقیّۀ للطبیعۀ المأمور بها بما هی مأمور بها.
. التحقیق فی اعتبار القدرة فی صحّۀ التکلیف … ص: 177
أمّا علی القول الثالث، فمشکلۀ تصحیح العبادة المزاحمۀ منحلّۀ، لأنّه بناءً علیه یکون التکلیف متعلّقاً بالطبیعۀ، وهو غیر مشروط بالقدرة،
فیصحُّ الإتیان بالفرد المزاحم بقصد الأمر، لأن انطباق الطبیعۀ علیه قهري والإجزاء عقلی.
وأمّا علی القول باعتبار القدرة بحکم العقل فکذلک، لأنّ الطبیعۀ مقدورة بالقدرة علی فردٍ مّا من أفرادها، فیصح الإتیان بالفرد
المزاحم بقصد الأمر المتعلّق بالطبیعۀ.
وأمّا علی القول باعتبارها باقتضاء نفس الخطاب، فالمشکلۀ باقیۀ، لأنّ المتعلّق- بناءً علیه- هو الح ّ ص ۀ المقدورة من الطبیعۀ، لا الجامع
بین المقدور وغیر المقدور، فلا یصحّ الفرد المزاحم بالإتیان به بقصد الأمر، وتصل النوبۀ إلی قصد الملاك- وهو الطریق الثانی-.
لکنّ التحقیق عند الأُستاذ قابلیّۀ الطبیعۀ لتعلّق الأمر وصحّۀ العبادة المزاحمۀ بقصد الأمر…
فلا فرق بین الآراء الثلاثۀ فی حلّ المشکلۀ.
إلّا أنّ الحق- عنده- بقاء المشکلۀ علی حالها، لأنّه لا قدرة علی الطبیعۀ فی
ص: 178
الأفراد الطولیّۀ فی أوّل الوقت، فلابدّ من تصویر الواجب المعلّق، وعلیه، فیکون الواجب بعد الفرد المزاحم، لأنّه- أيالفرد المزاحم-
مقیّد بالزمان الآتی، فلا ینطبق الواجب علیه … فلا یمکن تصحیحه بقصد الأمر المتعلّق بالطبیعۀ، وتصل النوبۀ إلی طریق قصد الملاك
أو طریق الأمر الترتّبی.
. الطریق الثانی … ص: 178
اشارة
والبحث فی الطریق الثانی- وهو تصحیح العبادة بقصد الملاك، کما ذهب إلیه صاحب (الکفایۀ) والمیرزا- یستدعی الکلام فی
جهتین:
جهۀ الکبري، وهی تصحیح العبادة بقصد الملاك، وأنّه لا ینحصر تصحیحها بقصد الأمر فقط … وللتحقیق عن هذه الجهۀ موضع
آخر.
وجهۀ الصغري، وهی المهمّۀ فی المقام، وهی أنّه کیف یثبت الملاك فی الفرد المزاحم؟
إنّه لابدّ من الکشف عن الملاك کی یؤتی بالعمل بقصده، والمفروض عدم وجود أمر عرضی یکون کاشفاً عنه کشف المعلول عن
العلّۀ- علی مسلک العدلیۀ- لأنّ وجوده مشروط بالقدرة علی الامتثال وهی منتفیۀ، من جهۀ أنّ الواجب علیه هو الفرد الأهمّ، فالمکلّف
عاجز شرعاً عن امتثال الواجب المزاحم المهم، فهل یمکن الکشف عنه عن طریق مفاد المادّة بعد سقوط اطلاق الهیئۀ لکونها مشروطۀ
بالقدرة؟ هنا وجوه:
. الوجه الأوّل
بعدم تبعیّۀ إطلاق المادّة لإطلاق الهیئۀ، وتوضیح هذه الدعوي هو: إنّ قول المولی - «1» ( یقول المیرزا- کما فی (أجود التقریرات
صفحۀ 103 من 205
مشتمل علی « صلّ »
__________________________________________________
.26 -25 / 1) أجود التقریرات 2 )
ص: 179
مادةٍ وهو الواجب الذي تعلّق به الحکم، وعلی هیئۀٍ وهو الحکم أيالوجوب…
وکلٌّ منهما صالحٌ للتقیید بالقدرة أو غیرها من القیود، وللإطلاق برفض القیود کلّها، فإن أخذ المولی فی خطابه القدرة علی الواجب،
کأن یقول: إنْ قدرت فصلّ، فقد اعتبرت القدرة الشرعیّۀ إلی جنب القدرة العقلیّۀ- المعتبرة بحکم العقل علی مسلک المحقّق الثانی،
أو باقتضاء الخطاب علی مسلک المیرزا- وکشفت عن دخلها فی الغرض من الصّلاة، وإنْ لم یأخذها کشف- عدم أخذها- عن عدم
دخلها فی الغرض.
وکذلک الحال بالنسبۀ إلی الوجوب…
لکنّ المفروض أنّه مع التزاحم بالأهمّ، لا وجوب بالنسبۀ إلی المهمّ وهو الصّلاة، فلا اطلاق للهیئۀ، لکون وجوب الصّلاة مقیّداً بالقدرة،
وحینئذٍ، یأتی البحث عن أنّه إذا سقط إطلاق الهیئۀ یسقط بتبعه إطلاق المادّة أو لا؟
فذهب المیرزا إلی بقاء المادّة علی إطلاقها، وأنّه کاشف عن أنّ الغرض قائم بالجامع بین المقدور وغیر المقدور، فیکون الفرد
المزاحم- وإن کان غیر مقدور- واجداً للملاك بمقتضی الإطلاق، ویمکن الإتیان به بقصده.
هکذا قرّب الأُستاذ هذا الوجه.
وفی (المحاضرات): إنّ الفرد المزاحم تام الملاك حتی علی القول بکونه منهیّاً عنه، لأنّ النهی المانع عن التقرّب بالعبادة، هو الذي
ینشأ من مفسدةٍ فی متعلّقه وهو النهی النفسی، وأمّا النهی الغیري، فبما أنّه لا ینشأ من مفسدةٍ فی متعلّقه، لا یکشف عن عدم وجود
.«1» الملاك فی المتعلّق. فبضم هذا إلی کبري کفایۀ قصد الملاك، تتمّ صحۀ عبادیّۀ الفرد المزاحم
__________________________________________________
.371 / 1) محاضرات فی أُصول الفقه 2 )
ص: 180
اشکالات المیرزا علی نفسه وجوابه عنها
.«1» ثمّ إن المیرزا أورد علی نفسه اشکالات أربعۀ، وأجاب عنها
الأوّل: إنه لا إطلاق مع وجود المقیّد العقلی حتی یتمسّک به، وعلی القول باقتضاء ذات الخطاب القدرة فی المتعلّق، یتقیّد المتعلّق
ویخرج عن الإطلاق.
وبعبارة أُخري: صحّۀ الفرد المزاحم من جهۀ الملاك، لا یجتمع مع القول باقتضاء الخطاب القدرة فی المتعلّق، لأنّه بناءً علیه تکون
القدرة دخیلۀً فی ملاك الحکم، وبارتفاعها یرتفع الملاك.
الثانی: إنّه لو سلّمنا عدم القطع بالتقیید باقتضاء الخطاب، فلا ریب فی أنّ ذلک صالح للقرینیّۀ، فیکون المقام من صغریات احتفاف
الکلام بما یصلح للقرینیّۀ، فلا ینعقد الإطلاق، لیتم الملاك فیقصد بالفرد المزاحم.
الثالث: إنّه لو سلّمنا عدم الصلاحیّۀ للتقیید، إلّاأنّ إطلاق المتعلّق إنّما یکشف عن عدم دخل القید فی الملاك، فیما إذا لزم نقض
الغرض من عدم التقیید فی مقام الإثبات، مع دخله فی مقام الثبوت، وأمّا إذا لم یلزم نقض الغرض، فلا یکون الإطلاق فی مقام الإثبات
کاشفاً عن عدم القید فیه ثبوتاً، فلو کان غرض المولی متعلّقاً بالرقبۀ المؤمنۀ- مثلًا- کان علیه البیان فی مقام الإثبات لئلّا یلزم نقض
الغرض، ومن عدم البیان نستکشف عدم دخل الإیمان فی الغرض ویتم الإطلاق. وأمّا إذا لم یلزم فی موردٍ نقض الغرض من عدم
صفحۀ 104 من 205
البیان، فلا یتم استکشاف الإطلاق.
وما نحن فیه من هذا القبیل، وذلک لأنّا نعلم بأنّ المکلّف عاجز عن الإتیان بالفرد غیر المقدور، فهو غیر محتاج إلی البیان کی نقول
بأنّ عدم البیان عن التقیید
__________________________________________________
.27 -26 / 1) أجود التقریرات 2 )
ص: 181
کاشف عن الإطلاق وإلّا یلزم نقض الغرض … فالمورد لیس من موارد التمسّک بإطلاق المتعلّق.
الرابع: إنّ أوّل مقدّمات الإطلاق هو کون المتکلّم فی مقام البیان من تلک الجهۀ التی یراد التمسّک بالإطلاق فیها، وبدون ذلک فلا
فی مقام بیان حلیّۀ أکل هذا الصید، ولیست فی مقام البیان من جهۀ « فَکُلُوا مِمَّا أَمْسَ کْنَ علیه » : یتم الإطلاق … مثلًا: الآیۀ المبارکۀ
الطهارة والنجاسۀ حتی یُتمسّک بإطلاقها فیقال بطهارة هذا الحیوان الذي اصطاده الکلب.
وفیما نحن فیه: المولی فی مقام بیان متعلّق حکمه، ولیس فی مقام بیان ملاك الحکم، حتّی یقال بأنّه لم یقیّد بالقدرة، فالملاك مطلق
والمتعلّق للحکم مطلق.
والجواب:
أمّا عن الإشکال الأوّل، فبأنّ تقیید المتعلّق عقلًا یکون إمّا باقتضاء الخطاب کما هو مسلک المیرزا، وإمّا بحکم العقل، ولا ثالث لهما.
والأوّل تقیید عقلی ذاتی والثانی تقیید عرضی. وأیضاً: فإنّ الأوّل متحقّق فی کلّ خطابٍ لأنّه باقتضاء نفس الخطاب، بخلاف الثانی،
فهو یختص بالخطاب الصادر من الحکیم، لکون خطاباته تابعۀ للحسن والقبح العقلیین، فالأوّل یرجع إلی اقتضاء العقل النظري، والثانی
إلی اقتضاء العقل العملی وهو قبح تکلیف العاجز.
وحینئذ: فإنْ کان المدّعی تقیید متعلّق الحکم- وهو المادّة- باقتضاء نفس الخطاب، فمن الواضح أنّ التقیید متأخّر عن الحکم المتأخّر
عن المتعلّق، فهو متأخّر عن المتعلّق بمرتبتین، ولا یمکنه أنْ یؤثر فی إطلاقه فی مرحلۀ قیام الغرض تام بلا کلام.
ص: 182
وإن کان المدّعی تقیید المتعلّق بحکم العقل، فإن حکم العقل متأخّر عن حکم الشرع، تأخّر الحکم عن موضوعه، وحکم الشرع فی
مرتبۀٍ متأخّرةٍ عن المتعلّق، فالتقیید متأخّر عن المتعلّق بمرتبتین کذلک.
فاندفع الإشکال الأوّل.
وبذلک یندفع الإشکال الثانی، فإنّه إذا ثبت استحالۀ التقیید، لا یبقی احتمالٌ حتی یکون صالحاً للقرینیّۀ.
وأمّا عن الإشکال الثالث، فقد ذکر جوابین:
أحدهما: إن هذا إنّما یتم فیما إذا کان الشک فی اعتبار القدرة التکوینیّۀ فی الملاك، لاستحالۀ صدور غیر المقدور، فلا یلزم من عدم
البیان نقض الغرض أصلًا. وأمّا إذا کان الشک فی کون القدرة- ولو کانت شرعیّۀ- دخیلۀً فی الملاك کما هو المفروض فی المقام،
فیلزم نقض الغرض من عدم التقیید، إذ للمکلّف الإتیان بالواجب الموسّع مع التزاحم بینه وبین المضیّق تمسّکاً بالإطلاق، إذن، لابدّ من
البیان، ومع عدمه یستکشف عدم الدخل ویتم الإطلاق.
والثانی: إن لزوم نقض الغرض لیس من مقدّمات الإطلاق، بل إنّ من مقدّماته تبعیّۀ مقام الإثبات لمقام الثبوت، فکون المتکلّم فیمقام
بیان جمیع ما له دخل فی غرضه یستلزم بیان ذلک کلّه وإلّا لزم الخلف، فمن الإطلاق وعدم التقیید بقیدٍ یستکشف عدم دخله فی مقام
الثبوت، بلا حاجۀ إلی ضمّ مقدّمۀ لزوم نقض الغرض.
وأمّا عن الإشکال الرابع فأجاب:
صفحۀ 105 من 205
بأنّه لیس المراد الکشف عن الملاك من جهۀ کون المولی فی مقام البیان له، بل المراد هو: إنّه لمّا کان فی مقام بیان متعلّق حکمه،
والأحکام تابعۀ للملاکات
ص: 183
ومعلولۀ لها، فتوجّه التکلیف إلی ذات المتعلّق بلا أخذ القید فیه، یکشف عن کون العلّۀ- وهو الملاك- مطلقاً کذلک، فیصحّ حینئذٍ
التمسّک بالإطلاق للکشف عن الملاك المطلق.
وإذا اندفعت الإشکالات، فلا مانع من التمسک بإطلاق المادّة للکشف عن الملاك، فیؤتی بالصّلاة بقصده.
قال الأُستاذ
وتنظّر الأُستاذ فیما أجاب به المیرزا عن الإشکالات … فوافق علی الجواب الأول عن الإشکال الثالث. وأبطل الثانی: بأنه وإنْ کان
المعروف عدم کون لزوم نقض الغرض من مقدّمات الإطلاق، لکنّ الحق هو کون المولی فی مقام بیان الغرض، لأنّ الأمر معلول له
ولحاظ المولی له عرضی، ولکنّ لحاظه للغرض ذاتی، لأنه هو العلّۀ للأمر.
وأمّا جوابه عن الإشکالین- الأوّل والثانی- وملخّصه: استحالۀ تقیید ما هو المتأخّر رتبۀً لما هو متقدّم فی الرتبۀ، ففیه:
إنّ المقیّد هو المولی إنْ أخذ القید فی المتعلّق، وهو المطلق إنْ رفضه، وانقسام الصّلاة إلی المقدورة وغیر المقدورة، أمر واقعی طارئ
علی الصّلاة قبل حکم المولی- لا فی مرتبته ولا بعده- سواء وجد الحکم أو لا … فإنْ کان القید دخیلًا فی غرض المولی الملتفت إلی
الإنقسام أخذه فی متعلّق حکمه وإلّا رفضه، فالإطلاق والتقیید بالنسبۀ إلی القدرة لیس من الإنقسامات الحاصلۀ من ناحیۀ الخطاب، بل
هو القرینۀ علی أخذ المولی للقید فی المتعلّق، والتقیید حاصل فی رتبۀ المتعلّق، غیر أنّ القرینۀ علیه- وهو الخطاب- متأخّر عن ذي
القرینۀ بالتأخّر الطبعی کما حقّق فی محلّه، وإذا کان التقیید فی مرتبۀ المتعلّق فلا إطلاق.
ص: 184
وبما ذکر یسقط الجواب عن الإشکال الثانی.
وأمّا جوابه عن الإشکال الرابع ففیه:
إنّه قد ورد الأمر بال ّ ص لاة فی مرتبۀ الاستعمال علی طبیعی ال ّ ص لاة، لکنّه مقیّد عقلًا- باقتضاء الخطاب عند المیرزا- بالحصّۀ المقدورة،
فالمراد الجدّي من ال ّ ص لاة أخصّ من المراد الاستعمالی، والکاشف عن الملاك هو المراد الجدّي لا الاستعمالی، وإذا کان المراد
الجدّي هو الحصّۀ المقدورة من الصّلاة، فکیف یکون کاشفاً عن وجود الملاك فی الحصّۀ غیر المقدورة؟
إنّ الدلیل الدال علی تبعیّۀ الأحکام للمصالح من إجماعٍ أو عدم اللغویۀ والحکمۀ لا یقتضی سوي توفّر الملاك » : وبتعبیر السید الأُستاذ
فیما انبسط علیه الأمر وبعث نحوه، وإن کان قد تعلّق فی ظاهر الخطاب بالمطلق، ولا ملازمۀ بین وجود الملاك وأخذ الشیء فی متعلّق
الأمر خطاباً، والمفروض فیما نحن فیه أن الأمر وإنْ کان یرد علی المطلق لا علی المقیّد، ولکنْ إنما ینبسط فی مرحلۀ عروضه علی
.«1» « الحصّۀ المقدورة دون الأعم
فالحق: امتناع التمسّک بالإطلاق، لوجود القرینۀ العقلیّۀ، بحکم العقل بقبح تکلیف العاجز أو باقتضاء نفس الخطاب لأنْ یتوجّه
التکلیف إلی الحصّۀ المقدورة، فإنّ هذه القرینۀ مانعۀ من انعقاد الإطلاق فی المادّة، وحینئذٍ، فلا کاشف عن الغرض.
رأي السید الخوئی … ص: 184
وجوّز السیّد الخوئی التمسّک بالإطلاق بناءً علی مسلکه من أنّ القدرة لم تعتبر فی متعلّق التکلیف، لا من جهۀ حکم العقل ولا من
جهۀ اقتضاء التکلیف،
__________________________________________________
صفحۀ 106 من 205
.380 / 1) منتقی الأُصول 2 )
ص: 185
فلا موجب لاعتبارها فیه، إلّاأنّ الإشکال فی المقتضی لهذا الإطلاق، لأنّ المتکلّم غالباً بل دائماً لیس فی مقام بیان ما یقوم به ملاك
حکمه، حتی یمکن التمسک بالإطلاق فیما إذا شک فی فردٍ أنّه واجد للملاك أم لا، ومع قطع النظر عن ذلک وفرض أنّه فی مقام
البیان حتی من تلک الجهۀ، فلا مانع من التمسّک بالإطلاق، إذ قد عرفت أنّه لا حکم للعقل ولا اقتضاء للتکلیف لاعتبار القدرة فی
المتعلّق، لیکونا صالحین للبیان ومانعین عن ظهور اللّفظ فی الإطلاق.
وحاصل کلامه: إنّه لا حکم للعقل باشتراط التکلیف بالقدرة، ولا اقتضاء للتکلیف لذلک، فلا مانع من التمسّک بالاطلاق، لأنّه لا
یکون الاشتراط إلّابأحد الأمرین المذکورین، بل القدرة شرط لتنجّز التکلیف. لکنّ الکلام فی تمامیته الإطلاق، لأن المولی فی مقام
بیان متعلّق الحکم لا ما یقوم به الملاك، فلا مقتضی لانعقاده. وهذا هو الصحیح فی الإشکال علی الإطلاق.
قال الُأستاذ … ص: 185
وفیه:
بل الغالب فی » أوّلًا: إنّ الکلام فی حکم المولی الحکیم الملتفت ولیس حول غیره، ولذا قیّد ما ذکره بالموالی العرفیّۀ حیث قال
فالکلام فی الخطابات الشرعیّۀ الصادرة من الشارع، وقد تقرّر «… 1» « الموالی العرفیّۀ غفلتهم عن ذلک فضلًا عن کونهم فی مقام بیانه
أنّ تکالیفه معلولۀ للأغراض، فکیف لا یکون فی مقام بیان غرضه؟
وثانیاً: إن ما ذهب إلیه من أنّ القدرة من شرائط التنجیز، فلها الدّخل فی استحقاق العقاب فقط، لا یجتمع مع ما ذهب إلیه من أنّ
التکلیف اعتبار مبرَز، وأنّ
__________________________________________________
30 الهامش. / 1) أجود التقریرات 2 )
ص: 186
الأمر مصداق للبعث والنهی مصداق للزجر. وتوضیح ذلک:
إنه لا یخفی الفرق بین المفهوم والمصداق، فکلّما کان الاتّحاد بین الشیئین مفهومیّاً کان الحمل بینهما أوّلیّاً، وکلّما کان الإتحاد بینهما
إلّاأنّهما فی الوجود واحد، « الإنسان » غیر ما هو المفهوم من « زید » فی الوجود کان الحمل شائعاً. فالمفهوم- أيالصّورة الذهنیّۀ- من
وهذا معنی المصداقیّۀ. فهذا مطلب.
لکن مصداقه یستلزمه. « الإنبعاث » لا یستلزم « البعث » ومطلب آخر هو: إنّ مفهوم
فإذا کان الأمر مصداقاً للبعث، فللبعث وجودٌ، ویستلزم وجود الإنبعاث، ووجوده یستلزم القدرة … وعلیه، فالبعث الإمکانی- بمعنی
وجود المقتضی وعدم موانع الطاعۀ- یستلزم الإنبعاث الإمکانی … ولولا القدرة لما تحقّق الإنبعاث … فانفکاك الإنبعاث عن القدرة
غیر معقول … فتکون من شرائط التکلیف، إمّا بحکم العقل وإمّا باقتضاء نفس الخطاب.
فظهر سقوط ما ذهب إلیه السیّد المحقّق الخوئی.
المختار … ص: 186
وأنّ الحق عدم تمامیّۀ التمسّک بإطلاق المادّة ومتعلّق الأمر، لکون المتعلّق مقیّداً عقلًا بالقدرة، إذ الحکم العقلی هنا- سواء علی مبنی
المحقّق الثانی أو المحقّق النائینی- یصلح لأن یعتمد علیه المولی ویکتفی به إن کان غرضه هو المقیّد، فلا کاشف عن الملاك.
صفحۀ 107 من 205
.«1» ( أقول: وهذا الذي ذکر- أعنی صلاحیّۀ ذلک لأن یعتمد علیه المولی- موجود فی کلمات السیّد الخوئی أیضاً فی (تعالیقه
__________________________________________________
30 . الهامش. / 1) أجود التقریرات 2 )
ص: 187
. الطریق الثانی للکشف عن الملاك … ص: 187
اشارة
وأمّا الطریق الثانی للکشف عن الملاك، الذي جاء به صاحب الکفایۀ، فهذا توضیحه:
إنّ الشیء قد یکون متعلّقاً للأمر بنفسه وقد یکون متعلّقاً له لکونه مصداقاً للطبیعۀ المأمور بها، فالأوّل: کال ّ ص لاة فی المسجد، فیما لو
.« صل » : أُمر بالصّلاة فیه، والثانی: کالصّلاة فیما لو قال
وفی المقابل: ما لا یکون متعلّقاً للأمر لا بنفسه ولا بکونه مصداقاً، وهذا یکون علی ثلاثۀ أنحاء:
الأوّل: ما خرج عن المصداقیّۀ للطبیعۀ المأمور بها بالتخصیص اللفظی، کقوله لا تکرم الفساق، المخرج لهم عن عموم أکرم العلماء.
والثانی: ما خرج عن المصداقیّۀ للطبیعۀ المأمور بها بالتخصیص العقلی، کموارد اجتماع الأمر والنهی، حیث تخرج ال ّ ص لاة فی الدار
المغصوبۀ عن الطبیعۀ المأمور بها، بحکم العقل بعدم صلاحیّتها للمقربیّۀ.
والثالث: ما خرج عن المصداقیّۀ للطبیعۀ المأمور بها مع تمامیّۀ المقتضی، لوجود المانع والمزاحم من الفردیّۀ والمصداقیّۀ، کالصّلاة فی
وقت الإزالۀ، فإنّها تخرج عن الفردیّۀ لل ّ ص لاة المأمور بها، والمخرج لیس المخصّص اللفظی أو العقلی حتی یکشف عن عدم الملاك،
بل الملاك موجود والمخرج هو عدم القدرة، فإنّ القدرة دخیلۀ فی توجّه الخطاب، وبدونها لا یتوجّه إلی المکلّف، وعلی الجملۀ، فإنّ
المزاحمۀ مع الإزالۀ الواجبۀ توجب سلب القدرة عن المکلّف، فیمتنع تکلیفه بال ّ ص لاة مع وجود المقتضی لذلک، بحیث لو لم یکن
النهی الغیري مانعاً عن التکلیف، وکان الأمر بالشیء غیر مقتضٍ للنهی عن ضدّه
ص: 188
الخاص، جاز الإتیان بالصّلاة بقصد الملاك.
إشکالات المحقّق الإیروانی … ص: 188
وقد أورد علیه المحقّق الإیروانی بوجوه:
الأوّل: إنّ المفروض سقوط الأمر علی أثر المزاحمۀ مع الواجب الآخر، فلو کانت المصلحۀ فی نفس الأمر، فلا تبقی بعد سقوطه
مصلحۀ حتی یُؤتی بالعمل بقصدها، فلا یتم ما ذکره من أنّ الشیء قد یکون متعلّقاً للأمر بنفسه.
والثانی: إن ما ذکره إنما یتمُ بناءً علی مسلک العدلیّۀ من تبعیّۀ الأحکام للملاکات فی الواقعیات.
والثالث: إنّه مع المزاحمۀ لا تبقی مصلحۀ للأمر، فلو کان هناك مصلحۀ لما انتفی الأمر من الشارع.
جواب الأُستاذ عن هذه الإشکالات:
أمّا الأوّل، ففیه: إنّ مورد الکلام هو الضدّ العبادي کالأمر بال ّ ص لاة والأمر بالإزالۀ، فلو سقط الأمر بال ّ ص لاة علی أثر المزاحمۀ ما انتفت
مصلحۀ الصّلاة. فغایۀ ما یرد علی المحقّق الخراسانی أن کلامه أخصّ من المدّعی.
وأمّا الثانی، ففیه: إنّ صاحب الکفایۀ یتکلّم هنا علی مبنی العدلیّۀ.
صفحۀ 108 من 205
وأمّا الثالث، ففیه: إنّ المقصود هو وجود المصلحۀ فی متعلّق الأمر، وکون الأمر ذا مصلحۀ هو لوجود المصلحۀ فی متعلّقه، إلّاأنّ عدم
القدرة هو المانع عن الأمر.
فظهر، اندفاع هذه الإشکالات إلّاالأوّل کما ذکرنا.
ص: 189
تقریر آخر للإشکال والجواب عنه
وهو: إنّ الأمر هو الکاشف عن الملاك کشف المعلول علی العلّۀ، فإذا سقط علی أثر «1» وقد یقرّر الإشکال علی (الکفایۀ) بوجهٍ آخر
المزاحمۀ انتفی الکاشف عن الملاك، وحینئذٍ، کما یحتمل أن یکون سقوط الأمر بسبب وجود المانع وهو عدم القدرة، کذلک
یحتمل أن یکون بسبب عدم المقتضی وهو الملاك، ومع هذا الاحتمال کیف یقطع بوجود الملاك حتی یُقصد فی العبادة؟
لکنّه یندفع: بأنّ مفروض الکلام عدم وجود المخ ّ صص اللفظی والعقلی فی المقام، وعلیه، فإنّه لا مانع من عموم الأمر إلّاالأمر بالأهمّ
المزاحم له … فکان المانع هو المزاحم الموجب لعدم القدرة علی الامتثال، مع العلم بعدم دخل القدرة فی الملاك، فمع لحاظ جمیع
هذه الجهات، ینحصر المانع بعدم القدرة علی الامتثال مع وجود الملاك، فلا مجال لهذا الإشکال.
. الطریق الثالث للکشف عن الملاك … ص: 189
اشارة
وأمّا الطریق الثالث، فهو طریق الدلالۀ الإلتزامیۀ، وتقریب ذلک ضمن أُمور:
الأوّل: إنّ الأحکام تابعۀ للملاکات ومعلولۀ لها، کما هو مسلک العدلیّۀ.
والثانی: إنّ الأمر إذا تعلّق بشیء کان له مدلولان، أحدهما: المدلول المطابقی وهو وجوب ذلک الشیء. والآخر: المدلول الإلتزامی،
وهو کون الوجوب ذا ملاك.
والثالث: إنّه إذا سقط المدلول المطابقی علی أثر وقوع المزاحمۀ بین هذا الأمر وأمرٍ آخر أهم منه، فالمدلول الإلتزامی- وهو الدلالۀ
علی وجود الملاك- باقٍ.
أمّا الأمر الأوّل، فهو واضح.
__________________________________________________
(1)
.360 / محاضرات فی أُصول الفقه 2
ص: 190
وأمّا الأمر الثانی، فکذلک.
. هل تبقی الدلالۀ الإلتزامیۀ بعد سقوط المطابقیۀ …؟ ص: 190
إنّما الکلام فی الأمر الثالث، وهو بقاء الدلالۀ الإلتزامیّۀ بعد سقوط المطابقیّۀ، باقتضاء الخطاب کما علیه المیرزا، أو بحکم العقل من
قبح تکلیف العاجز کما علیه المشهور، وقد ذکروا فی بیان بقائها ما حاصله: إنّ ذلک مقتضی التفکیک فی الحجیۀ وأنّ الضرورات
تتقدّر بقدرها، فأمّا الدلالۀ المطابقیّۀ فقد سقطت لأن امتثالها کان مشروطاً بالقدرة فإذا انتفت سقطت، وأمّا الملاك فغیر مقیّد بالقدرة
ولا دخل لها فیه، فلا موجب لسقوط الدلالۀ الإلتزامیّۀ…
صفحۀ 109 من 205
هذا، وقد نصّ علی بقاء الدلالۀ الإلتزامیّۀ مع سقوط المطابقیّۀ عدّة من الأکابر کصاحب الکفایۀ والمیرزا والعراقی، وبنوا علی هذا
المبنی واستنتجوا منه فی موارد … کما فی باب التعارض بین الخبرین حیث قال المیرزا بدلالتهما علی نفی الثالث بالإلتزام، فلو دلّ
أحدهما علی الوجوب والآخر علی الحرمۀ، ثبت عدم الاستحباب.
وقال آخرون: بعدم معقولیّۀ بقاء الدلالۀ الإلتزامیّۀ بعد سقوط المطابقیّۀ، وعلیه فلا کشف عن الملاك بهذا الطریق … وقد أورد علی
المبنی الأوّل بعدّة نقوض:
. نقوض المحاضرات والجواب عنها … ص: 190
النقض الأوّل: إنّه لو قامت البیّنۀ علی ملاقاة الشیء للبول مثلًا، فهنا دلالتان: الملاقاة للبول وهی الدلالۀ المطابقیّۀ، ونجاسۀ الملاقی وهی
الدلالۀ الإلتزامیّۀ. فإن انکشف کذب البیّنۀ سقطت الدلالۀ المطابقیّۀ کما هو واضح، فهل تبقی الدلالۀ الإلتزامیّۀ؟ مقتضی القول بعدم
التبعیّۀ بقاؤها، وهو باطل بالضرورة
ص: 191
من الفقه.
لکنْ یمکن دفع النقض، بأنّ الشرط لبقاء الدلالۀ الإلتزامیّۀ- عند القائلین به- هو بقاء الموضوع لهذه الدّلالۀ، والموضوع فیها فی المثال
هو النجاسۀ وانتفاؤها مقطوع به عندهم، فمثل هذا المورد خارج عن البحث.
النقض الثانی: لو کانت الدار- مثلًا- فی ید زید، فقامت بیّنۀ علی أنّها لعمرو وأُخري علی أنّها لبکر، وقع التعارض بینهما، لکنهما
متّفقتان علی أنّها لیست لزید ذي الید، فإن قلنا بالتبعیّۀ، سقطت الدلالتان وبقیت الدار لزید ذي الید، وإن قلنا بعدم التبعیّۀ، کانت
النتیجۀ عدم کونها لزید، فهی مجهولۀ المالک.
وهذا ما لا یلتزم به أحد.
وفیه: إنّه لابدّ هنا من مراجعۀ النصوص الواردة فی المسألۀ، وعلیه مشی صاحب النقض فی کتابه مبانی تکملۀ المنهاج. والحاصل: إنّ
المرجع هنا خبر إسحاق بن عمار وخبر غیاث بن إبراهیم، ومقتضی الجمع بینهما: إنّ زیداً ذا الید، إن اعترف لأحدهما المعیّن، دار أمر
الملکیّۀ بینه- المعترف له- وبین طرفه، ویقع النزاع بینهما، وإن اعترف لکلیهما خرج هو عن الملکیّۀ وتقاسما الدار، وإن لم یعترف
.«1» لأحدهما، فإن حلف أحدهما ونکل الآخر انتقلت الدار إلی الحالف، وإن حلفا أو نکلا تناصفاها
وتلخّص: عدم ورود النقض.
النقض الثالث: لو شهد شاهد واحد علی أنّ الدار التی بید زیدٍ هی لعمرو، وشهد آخر علی أنّها لبکر، فإنّ الشهادتین ساقطتان علی
الحجیّۀ فی مدلولهما
__________________________________________________
651 الطبعۀ المحقّقۀ للمؤلّف، وهو تقریر أبحاث السید الأُستاذ آیۀ اللَّه العظمی -645 / 1) وراجع کتاب: القضاء والشهادات 2 )
الگلپایگانی طاب ثراه.
ص: 192
المطابقی، بغض النظر عن التعارض بینهما، فهل یلتزم بمدلولهما الإلتزامی وهو عدم کون الدار لزید- لکونهما متوافقین فی ذلک-؟
کلّا لا یمکن.
وفیه: إنّ أصل المدلول المطابقی هنا لیس بحجّۀٍ، لأن شهادة الواحد فی الأملاك لیس بحجّۀٍ بل لابدّ من ضمّ الیمین إلیها. وعلیه، فلمّا
کان أصل المدلول المطابقی بلا مقتضٍ، فلا تصل النوبۀ إلی البحث عن وجود أو عدم المدلول الإلتزامی.
صفحۀ 110 من 205
النقض الرابع: لو قامت البیّنۀ علی أنّ الدار التی فی ید زیدٍ هی لعمرو، فأقرّ عمرو بأنّها لیست له، فالبیّنۀ تسقط من جهۀ إقرار عمرو،
وبذلک تسقط الدلالۀ المطابقیّۀ، فهل یمکن الأخذ بالدلالۀ الإلتزامیّۀ وهو القول بعدم ملکیۀ زید؟ کلّا.
وفیه: إنّ الید أمارة الملکیّۀ، وسقوطها یحتاج إلی دلیل، والبیّنۀ دلیل تسقط بها أماریّۀ الید، وبعبارة أُخري: فإنّ دلیل حجیّۀ البیّنۀ
یخ ّ صص دلیل حجیّۀ الید ویتقدّم علیه بالتخصیص، ولکنْ هل هذا التخصیص والتقدّم مطلق یعمّ صورة تکذیب ذي الید؟ کلّا. وعلیه،
فلا أثر لهذه البیّنۀ ولا یثبت بها شیء من الأساس، فلا تصل النوبۀ إلی البحث عن مدلولها الإلتزامی.
الجواب الحلّی … ص: 192
وذهب الأُستاذ إلی القول بتبعیّۀ الدلالۀ الإلتزامیّۀ للدلالۀ المطابقیّۀ فی الثبوت والسقوط، وذکر فی مقام حلّ المسألۀ بعد الإجابۀ عن
النقوض: إنّ لکلّ کلامٍ ثلاث دلالات:
فالدلالۀ الأُولی: هی الدلالۀ التصوّریۀ، والمقصود منها دلالۀ اللفظ علی معناه الموضوع له، سواء التفت المتکلّم إلی ذلک وقصده أو
لا.
والدلالۀ الثانیۀ: هی الدلالۀ التصدیقیّۀ الأُولی، وهی دلالۀ اللفظ علی
ص: 193
الإرادة الاستعمالیّۀ، بأن یصدّق بأنّ المتکلّم قد استعمل اللفظ فی معناه.
والدلالۀ الثالثۀ: هی الدلالۀ التصدیقیّۀ الثانیۀ، وهی دلالۀ اللفظ علی الإرادة الجدیّۀ، بأن یکون المعنی مقصوداً للمتکلّم جدّاً.
أمّا الدلالۀ الأُولی، فواضحۀ.
وأمّا الدلالۀ الثانیۀ، فدلیلها تعهّد المتکلّم باستعمال الألفاظ فی معانیها الموضوعۀ لها فی اللغۀ.
وأمّا الدلالۀ الثالثۀ، وهی حمل الکلام علی معناه الجدّي ونسبۀ ذلک إلی المتکلّم، فدلیلها السیرة العقلائیّۀ القائمۀ علی کاشفیۀ اللّفظ
المستعمل فی معناه عن المراد الجدّي للمتکلّم. ولکنّ الکلام فی حدّ هذه السّیرة، فهل هی قائمۀ علی کاشفیّۀ الدلالۀ الإلتزامیّۀ عن
المراد الجدّي حتّی مع سقوط الدلالۀ المطابقیّۀ؟
الظاهر عدم تحقّق هذا البناء من العقلاء، ولا أقل من الشک، ومقتضی القاعدة الأخذ بالقدر المتیقن من السیرة- لکونها دلیلًا لبیّاً- وهو
صورة عدم سقوط الدلالۀ المطابقیّۀ عن الحجیّۀ.
وتلخّص: عدم تمامیّۀ هذا الطریق للکشف عن الملاك.
ویقع الکلام فی:
ص: 194
الترتّب … ص: 194
اشارة
فبعد الفراغ عن سقوط الأمر بال ّ ص لاة مع وجود الأمر بالإزالۀ، لاستحالۀ الأمر بالضّدین، وعن عدم إمکان إحراز الملاك بأحد الطرق
الثلاثۀ کی یُقصد وتتمُّ به عبادیّۀ العمل، تصل النوبۀ إلی البحث عن الترتّب، وأنّه لو عصی الأمر الأهمّ- وهو الأمر بالإزالۀ- هل یثبت
الأمر بالمهمّ وهو الأمر بالصّلاة، فیؤتی بها بقصده ویکون عبادةً أو لا یثبت؟
والکلام تارةً: فی الواجبین الموسّعین، ولا تزاحم بینهما، لا فی مقام الجعل ولا فی مقام الامتثال، لأنّ الوقت یسع کلا الأمرین ویتحقّق
صفحۀ 111 من 205
امتثالهما معاً، وأُخري:
فی الواجبین المضیّقین، کوجوب إنقاذ هذا الغریق وذاك، وهو مورد التزاحم، وثالثۀً: فیما إذا کان أحدهما موسّعاً والآخر مضیّق، فهل
هما کالمضیّقین، کما دار أمر المکلّف بین أداء الصّلاة فی أوّل الوقت وإزالۀ النجاسۀ عن المسجد؟
ص: 194 «… 1» قال فی الکفایۀ
بعد کلامٍ له:
فقد ظهر أنّه لا وجه لصحّۀ العبادة مع مضادّتها لما هو أهمّ منها إلّاملاك الأمر. نعم، فیما إذا کانت موسّعۀً وکانت مزاحمۀ بالأهمّ
ببعض الوقت- لا فی تمامه- یمکن أن یقال: إنّه حیث کان الأمر بها علی حاله وإن صارت مضیّقۀً بخروج ما زاحمه الأهم من أفرادها
من تحتها، أمکن أن یؤتی بما زوحم منها بداعی ذاك الأمر، فإنّه وإن کان خارجاً عن تحتها بما هی مأمور بها، إلّاأنّه لما کان
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الأُصول: 136 )
ص: 195
وافیاً بغرضها کالباقی تحتها، کان عقلًا مثله فی الإتیان به فی مقام الامتثال والإتیان به بداعی ذاك الأمر، بلا تفاوت فی نظره بینهما
أصلًا.
ودعوي: إنّ الأمر لا یکاد یدعو إلّاإلی ما هو من أفراد الطبیعۀ المأمور بها، وما زوحم منها بالأهم وإن کان من أفراد الطبیعۀ لکنّه لیس
من أفرادها بما هی مأمور بها. فاسدة، فإنّه إنّما یوجب ذلک إذا کان خروجه عنها بما هی کذلک تخصیصاً لا مزاحمۀ، فإنّه معها وإن
کان لا تعمّه الطبیعۀ المأمور بها إلّاأنّه لیس لقصور فیه، بل لعدم إمکان تعلّق الأمر بما تعمّه عقلًا. وعلی کلّ حال، فالعقل لا یري تفاوتاً
فی مقام الامتثال وإطاعۀ الأمر بها بین هذا الفرد وسائر الأفراد أصلًا.
هذا علی القول بکون الأوامر متعلّقۀ بالطبائع.
وأمّا بناءً علی تعلّقها بالأفراد فکذلک، وإن کان جریانه علیه أخفی، کما لا یخفی. فتأمّل.
وحاصل کلامه هو: إنّ الأمر بال ّ ص لاة مثلًا قد تعلّق بالطبیعۀ، والفرد المزاحَم بالأمر بالإزالۀ خارج من تحت هذا الإطلاق، لکنّ هذا
الخروج تزاحمی ولیس تخصیصیّاً، فلو کان خروجه کذلک لم یمکن الإتیان به بقصد الأمر بالطبیعۀ أو بقصد الملاك، أمّا مع
الخروج التزاحمی فالإتیان به بقصد الأمر أو الملاك لا مانع منه، إذ العقل لا یري تفاوتاً بینه وبین غیره من أفراد الطبیعۀ فی الوفاء
بالغرض.
فالفرد المزاحم خارج عن الطبیعۀ بما هی مأمور بها، إلّاأنّ ذلک غیر ضارٍّ، لأنّه کغیره من الأفراد وافٍ بالغرض من الأمر عند العقل بلا
تفاوت.
أشکل الُأستاذ …: ص: 195
بأنّه إذا کان الفرد المزاحَم خارجاً من تحت الطبیعۀ- کما صرّح بذلک- فإنّ الإطلاق غیر شامل له، بل یتحدّد بما سواه من الأفراد،
وحینئذٍ، لا یمکن الإتیان بالفرد المزاحم بقصد الأمر المتعلّق بالطبیعۀ، والمفروض أنّ الفرد
ص: 196
بنفسه لا أمر له، فبأيّ أمر یؤتی به فی مقام الإمتثال؟
وبالجملۀ، فإنّ نتیجۀ کلامه أنّ الفرد المزاحم غیر مأمور به حتّی یمکن الإتیان به بقصد الأمر. نعم، علی القول بانطباق الطبیعۀ المأمور
صفحۀ 112 من 205
بها علی الفرد المزاحم، کما علیه المحقّق الثانی ومن تبعه، یکون مورداً للأمر فیمکن الإتیان به بقصده.
والمحقّق الخراسانی لم یذکر برهاناً علی خروج الفرد المزاحم من تحت الطبیعۀ.
وأمّا المیرزا …، ص: 196
فیري التزاحم کذلک، لکنْ ببیان آخر، وهو:
إن تقیید خطاب الواجب الموسّع بالفرد المزاحم غیر معقول، لأنّه یستلزم طلب الضدّین فی آنٍ واحد، وإذا استحال التقیید استحال
الإطلاق کذلک، لأنّ النسبۀ بین الإطلاق والتقیید عنده نسبۀ العدم والملکۀ، فلا یعقل الأمر بال ّ ص لاة فی أوّل الوقت مع وجود الأمر
.«1» ( بالإزالۀ، فیقع بینهما التزاحم. هکذا فی (المحاضرات
وببیان آخر- وهو الأقرب إلی ما ذهب إلیه من أنّ الإطلاق یتوجّه باقتضاء الخطاب إلی الح ّ ص ۀ المقدورة، وأنّ اعتبار القدرة باقتضاء
من أوّل الأمر غیر « صلّ » نفس الخطاب ولیس بحکم العقل- إنّ الأمر بال ّ ص لاة متوجّه من أصله إلی الح ّ ص ۀ المقدورة منها، فإطلاق
شامل للفرد المزاحم منها للإزالۀ، فسواء کانت النسبۀ بین الإطلاق والتقیید هی العدم والملکۀ أو التضاد، یکون هناك تزاحم بین
فإنْ صحّت ال ّ ص لاة المزاحمۀ عن طریق قصد الملاك- المنکشف بإطلاق المادّة أو الدلالۀ .« أزل النجاسۀ عن المسجد » و « صلّ »
الإلتزامیّۀ- کما ذهب هو إلی ذلک-
__________________________________________________
.344 / 1) محاضرات فی أُصول الفقه 2 )
ص: 197
فهو وإلّا وصلت النوبۀ إلی بحث الترتّب.
وکیف کان، فلابدّ قبل الورود فی البحث من ذکر ما یلی:
. الأصل فی الترتب هو المحقق الثانی … ص: 197
اشارة
إنّ مبتکر بحث الترتّب هو المحقّق الثانی فی (جامع المقاصد)، ثمّ تبعه الشیخ جعفر فی کشف الغطاء ثمّ حقّقه المیرزا الشیرازي، ثمّ
شیّد أرکانه الأعلام الثلاثۀ.
وذهب المحقّق الخراسانی إلی استحالۀ الترتّب، ونسبه فی المحاضرات إلی الشیخ الأعظم، إلّاأنّ الأُستاذ ذکر أنّ کلمات الشیخ
مختلفۀ، وسیأتی.
ثمّ إنّ هذا البحث عقلی محض، ولا دخل للّفظ فیه، وهو یدور بین الإمکان والإستحالۀ، ومجرّد الإمکان کافٍ للوقوع بلا حاجۀٍ إلی
دلیلٍ آخر.
کلام المحقّق الثانی
ذکر العلّامۀ فی (القواعد): أنّه إن کان مدیناً بدینٍ، وکان الدّائن یطالبه به وهو فی أوّل الوقت، فلو صلّی بطلت صلاته. وکذا المدین
بالخمس والزکاة.
فقال المحقّق الثانی بشرحه: مبنی المسألۀ أنّ أداء الدین بعد الطلب واجب فوري، وکذا أداء الخمس والزکاة، وحینئذٍ، یکون الأمر
بأداء الدّین ناهیاً عن الضدّ وهو الصّلاة، والنهی عن العبادة موجب للفساد.
صفحۀ 113 من 205
ثمّ أشکل: بأن الأمر بالشیء لا یقتضی النهی عن الضدّ الخاص، والصّلاة ضدّ خاصٌ لأداء الدّین. قال:
فإن قیل: إن الترك ضدّ عامٌّ یتحقّق بالصّلاة التی هی ضد خاصّ. فأجاب عن ذلک، ثمّ أشکل بإشکال آخر وأجاب عنه، إلی أن قال:
إن قیل: إنّ الأمر بالصّلاة مع فرض فوریّۀ أداء الدّین یستلزم التکلیف بما
ص: 198
لا یطاق، لکونهما ضدّین.
فأجاب: بعدم لزوم ذلک، لأنّ الصّلاة واجب موسّع، والأمر بأداء الدین أو الخمس والزکاة فوريٌ، وله الأمر بهما معاً، بأن یکون مأموراً
بأداء الدین، فإن عصی أتی بالصّلاة.
ثمّ نقض بما لو کانت ال ّ ص لاة فی آخر الوقت، فیقع التزاحم بین المضیّقین لکنّ الحکم صحّۀ الصلاة، لأن أحد الواجبین مشروط
بمعصیۀ الواجب الآخر.
ونقض علی العلّامۀ بمن خالف الترتیب فی واجبات الحج، حیث یحکم بصحّۀ العمل، ولا وجه لذلک إلّاالترتّب.
.«1» قال: وإنّ هذا الأصل إن لم یتم یبطل کثیر من أعمال الناس، وإن کان مقتضی الإحتیاط ما ذکره العلّامۀ من البطلان
کلام کاشف الغطاء … ص: 198
وتعرّض الشیخ الکبیر فی (کاشف الغطاء) للترتّب فقال: إنّه یمکن للشارع وللمولی المطاع أنْ یأمر بواجب، ثمّ یأمر بآخر علی فرض
عصیان الأوّل.
قال: إنّه فی مسألۀ الجهر والإخفات، لو جهر فی موضع الإخفات أو بالعکس، یصحّ العمل. للقاعدة. قال: ومع عدم الإلتزام بهذه
.«2 …» القاعدة یلزم بطلان عبادات الناس کثیراً
کلام الشیخ الأعظم … ص: 198
واختلفت کلمات الشیخ الأعظم، فالمستفاد من کلامه فی بعض المباحث استحالۀ الترتّب، وظاهر کلامه فی رسالۀ التعادل والتراجیح
من (فرائد الأُصول)،
__________________________________________________
14 ط مؤسّسۀ آل البیت علیهم السلام. / 1) جامع المقاصد فی شرح القواعد 5 )
. 2) کشف الغطاء: 27 )
ص: 199
أنّه لمّا کان نتیجۀ القول بالسببیّۀ :«1» عند البحث عن الأصل فی الخبرین المتعارضین بناءً علی السببیّۀ هو الإمکان، فأفاد ما حاصله
تحقّق المصلحۀ فیما قامت علیه الأمارة، فإنّه یکون حال الخبرین المتعارضین حال الواجبین المتزاحمین، فیکونان مجري قاعدة الترتّب
حتّی فی صورة أهمیّۀ أحدهما من الآخر، قال: إنّ التکلیف واقع بکلیهما ولکلٍّ منهما ملاك الوجوب، لکنّ القدرة علی امتثال کلٍّ
منهما تحقّق فی ظرف ترك الآخر، وإذا تحقّقت القدرة حکم العقل بالامتثال.
فی عبارته یستکشف أنّ المانع عن الواجب الآخر هو العجز، فالعقل حاکم بلزوم « القدرة » هذا مح ّ ص ل کلامه، ومن وجود لفظۀ
الإمتثال فی کلّ فردٍ قد تحقّقت القدرة علیه منهما.
ثمّ ذکر: إنّ هذه القاعدة جاریۀ فی جمیع موارد الواجبین المتزاحمین.
ومن الواضح: إنّ مقتضی تعلیقه الأمر علی القدرة، فإنّه مع ترك الأهمّ تکون القدرة موجودة بالنسبۀ إلی المهم، هو الإلتزام بالترتّب.
صفحۀ 114 من 205
ومن هنا قال المیرزا: ومن الغریب أنّ العلّامۀ الأنصاري قدس سره مع إنکاره الترتب وبنائه علی سقوط أصل خطاب المهم دون
.«2 …» إطلاقه، ذهب فی تعارض الخبرین- بناءً علی السببیّۀ- إلی سقوط إطلاق وجوب العمل علی طبق کلٍّ من الخبرین
. إستحالۀ الترتّب ببیان الکفایۀ … ص: 199
اشارة
إنّه تصدّي جماعۀ من الأفاضل لتصحیح الأمر بالضدّ بنحو الترتّب علی » : وذکر فی (الکفایۀ) نظریۀ القائلین بالترتّب بنحوین فقال
العصیان وعدم إطاعۀ
__________________________________________________
37 ط مجمع الفکر الاسلامی. -36 / 1) فرائد الأُصول 4 )
.57 / 2) أجود التقریرات 2 )
ص: 200
الأمر بالشیء بنحو الشرط المتأخّر أو البناء علی معصیته بنحو الشرط المتقدّم أو المقارن، بدعوي أنّه لا مانع عقلًا عن تعلّق الأمر
بالضدین کذلک، أي: بأنْ یکون الأمر بالأهمّ مطلقاً والأمر بغیره معلّقاً علی عصیان ذاك الأمر أو البناء والعزم علیه، بل هو واقع کثیراً
.«1» « عرفاً
لکنّه یري أن لا طریق إلّاعلی نحو الشرط المتأخّر، بأن یکون المعصیۀ علی هذا النحو، لأنّ العبادة لابدّ وأن تنشأ من الأمر، فلو اشترط
معصیۀ الأهم بنحو الشرط المتقارن، فلابدّ وأن تتحقّق بفعل المهم، فلم ینشأ فعل المهم من الأمر به، لأن المفروض أن لا أمر به قبل
معصیۀ الأهم، أمّا لو تأخّرت المعصیۀ عن الأمر، کان فعل المهمّ ناشئاً عن الأمر به، وأمّا العزم فلا تتحقّق به المعصیۀ.
فقد قرّب صاحب الکفایۀ النظریّۀ بأنّه: لو کان الشرط هو العزم علی المعصیۀ فالمفروض عدم تحقّق المعصیۀ، فالأمر بالأهم علی حاله
بنحو الإطلاق، والأمر بالمهمّ موجود مشروطاً، ومع اشتراط العزم علی المعصیۀ وتأخّرها، یکون فعل الضدّ- وهو المهم- ناشئاً من الأمر
المتعلّق به والعزم علی ترك الأهم. أمّا مع الإشتراط بالعصیان، فیعتبر أن یکون بنحو الشرط المتأخّر، لأنّه ترك الأهم وترکه فی مرتبۀٍ
واحدةٍ مع فعل المهم، فلمّا کان العصیان شرطاً للأمر بالمهم، وقع فعل المهم فی مرتبۀٍ متقدّمۀ علی الأمر به، فیکون فرض العصیان
بنحو الشرط المتأخّر.
وعلی أيّ حالٍ، فقد أجاب عن هذا التقریب: بأنّ الأمر بالضدّین وطلبهما محال، سواء کان التضادّ بالذات أو بالعرض، لأنّ الطلب هو
الإنشاء بداعی جعل الدّاعی، ومع وجود التضادّ بین الشیئین کیف یتحقّق الداعی بجعل الداعی؟
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الأُصول: 134 )
ص: 201
وفیما نحن فیه: کلّ طلبٍ مشروط بالقدرة علی متعلّقه- علی مبنی المشهور أو المیرزا- وإذ لا قدرة علی الضدّین فطلبهما محال.
ما هو ملاك استحالۀ طلب الضدّین فی عرضٍ واحدٍ آتٍ فی طلبهما کذلک، فإنه وإن لم یکن فی مرتبۀ طلب الأهم اجتماع » : یقول
طلبهما. إلّاأنّه کان فی مرتبۀ الأمر بغیره اجتماعهما، بداهۀ فعلیّۀ الأمر بالأهم فی هذه المرتبۀ وعدم سقوطه بعدُ بمجرد المعصیۀ فیما بعد
.« ما لم یعص أو العزم علیها مع فعلیّۀ الأمر بغیره أیضاً، لتحقّق ما هو شرط فعلیّته فرضاً
یعنی: إنّه فی صورة التضادّ بالذات، یطارد کلٌّ من الضدّین الآخر، وفی صورة التضادّ بالعرض- وهو صورة الإشتراط- تکون المطاردة
صفحۀ 115 من 205
من طرفٍ واحد، لأنّ الأمر بالأهم مطلقٌ، أيإنّه لا بشرط بالنسبۀ إلی المهم، وهذا الأمر مقدَّم علی متعلّقه- تقدّم العلّۀ علی المعلول-
فهو مقدّم علی عصیانه، لأنّ الإطاعۀ والعصیان فی مرتبۀٍ واحدة، فکان الأمر بالأهمّ مقدّماً علی إطاعۀ الأهم وعصیانه، لکن العصیان
شرط للأمر بالمهمّ، وکلّ شرط متقدّم علی المشروط، فیکون الأمر بالأهمّ وعصیانه مقدّماً علی الأمر بالمهمّ بمرتبتین، وعلیه، فلا
یمکن للأمر بالمهمّ أن یطارد الأمر بالأهم، فیکون الأمر بالأهم موجوداً بلا مانع.
وهو أیضاً موجود فی مرتبۀ إطاعۀ الأمر بالأهم وعصیانه، لعدم الاقتضاء للأمر بالمهم فی هذه المرتبۀ حتی یطارد الأمر بالأهم، لأنّ
المفروض أنّ الأمر بالمهمّ ینشأ بعد مرتبۀ عصیان الأمر بالأهم.
فإن عصی الأمر بالأهم، یصیر الأمر بالمهم فعلیّاً، لتحقّق شرطه، لکنّ المفروض أنّ الأمر بالأهم مطلق، فهو بإطلاقه یشمل هذه المرتبۀ،
فله اقتضاء الامتثال، والمهمُّ له اقتضاء الامتثال، فتقع المطاردة فی هذه المرتبۀ.
ص: 202
الترتّب ببیان المیرزا … ص: 202
اشارة
:«1» وتصدّي المیرزا لتصحیح الترتّب والردّ علی إشکال الکفایۀ، وذکر لذلک مقدّمات
المقدّمۀ الُأولی … ص: 202
(فی التحقیق عن منشأ الإشکال)
ففی المقدّمۀ الأُولی حاول التحقیق عن منشأ الإشکال والمحذور فی الأمرین المتضادّین بالعرض، وأنّه هل هو فی أصل وجودهما أو
فی إطلاقهما؟
إن کان منشأ الإستحالۀ وجود الأمرین فهو صحیح، وأمّا إن کان المنشأ هو الإطلاق فیهما، فالمحذور مرتفع والترتّب ضروري. وبیان
ذلک:
إنّه لو یکن بین الواجبین تضادّ، کما لو أمر بال ّ ص لاة بنحو الاطلاق وأمر بالصوم کذلک، کان نتیجۀ الإطلاقین هو مطلوبیۀ کلیهما،
والجمع بینهما ممکن ولا تضاد. أمّا لو قُید أحدهما بأنْ قیل: صلّ فإن لم تصلّ فصُم، کان نتیجۀ التقیید عدم مطلوبیّۀ کلیهما، فلو صلّی
وصام لم یکن ممتثلًا لأمرین … هذا لو لم یکن تضادّ بین الواجبین.
فإن کانا متضادّین کال ّ ص لاة فی أوّل الوقت وإزالۀ النجاسۀ عن المسجد، فإنّ الإطلاق فیهما یقتضی أن یکون کلاهما مطلوبین. أمّا لو
تقیّد أحدهما بترك الآخر وعصیانه، فوقوعهما علی وجه المطلوبیۀ محال.
والحاصل: إن کلّ دلیلٍ یشتمل علی أصل الطلب وعلی إطلاق الطلب، والاستحالۀ إنّما تتحقّق من إطلاق الدلیلین لا من أصل
وجودهما، فلو حصل تقیید فی أحد الطرفین لا یکونان مطلوبین، فلا یتحقّق طلب الضدّین وهو غیر مقدور.
__________________________________________________
.55 / 1) أجود التقریرات 2 )
ص: 203
نتائج هذه المقدمۀ
ونتیجۀ هذا المطلب أُمور:
صفحۀ 116 من 205
-1 إنّه إذا کان المحذور فی إطلاق الدلیلین، کان مقتضی القاعدة فی سائر موارد التضاد سقوط الإطلاقین- بأن یقیّد الوجوب فی کلّ
من الدلیلین بعدم الآخر، إن لم یکن أحدهما أهم من الآخر- وبقاء أصل الدلیلین، لأنّ الضرورات تتقدّر بقدرها، وحینئذٍ، یکون
المکلّف مخیّراً بینهما تخییراً عقلیّاً. أمّا فی صورة کون الدلیلین بوجودهما منشأً للمحذور، کان مقتضی القاعدة سقوط کلیهما من
أصلهما، وحینئذٍ، یستکشف العقل خطاباً شرعیّاً تخییریاً بین الأمرین.
-2 إنّه عندما یکون المحذور فی إطلاق کلیهما، فلا محالۀ یتقیّدان ویکون شرط کلّ منهما ترك الآخر، فیجب إنقاذ هذا الغریق فی
حال ترك الآخر وکذلک العکس، وحینئذ، فلو ترك کلیهما فقد تحقّق الشرط لوجوبهما معاً، فیکون قد ارتکب معصیتین ویستحق
عقابین، لأنّه قد خالف خطابین فعلیین، إذ الخطاب المشروط یکون فعلیّاً بفعلیّۀ شرطه، وقد کان الشرط فی کلّ من الخطابین هنا ترك
الآخر، والقدرة علی الجمع بین الترکین حاصلۀ، بخلاف ما لو کان المحذور فی أصل وجود الدلیلین وفرض سقوطهما وتحقّق حکم
تخییري کما تقدّم، فإنّه لو ترك کلیهما فقد ترك واجباً واحداً، فالمعصیۀ واحدة والعقاب واحد.
اشکال المیرزا علی الشیخ
-3 إنّه بعد تصوّر ما ذکر، یصیر الأصل عبارةً عن أنّه فی کلّ متزاحمین لابدّ من رفع الید عن منشأ المحذور، وقد ظهر أنّه الإطلاق،
وعلیه، فالأصل فی الخبرین المتعارضین- بناءً علی السببیّۀ- هو التخییر، لأنّهما خطابان مشروط کلٌ
ص: 204
منهما بترك الآخر. فیرد الإشکال علی الشّیخ: بأنّه کان علیه الإلتزام بسقوط الإطلاقین- لا أصل الخطابین- إن لم یکن بینهما أهم،
وإن کان أحدهما أهم من الآخر سقط الإطلاق فی طرف.
نقد الدفاع عن الشیخ
قال الأُستاذ
والحق: ورود هذا الإشکال علی الشیخ. وما قد یقال فی الدفاع عنه: من أنّ کلامه- حیث قال بصرف القدرة فی أحد الضدّین فی حال
عدم صرفها فی الآخر- إنّما هو فی مرحلۀ الامتثال، وکلامنا- فی الترتّب- یتعلّق بمرحلۀ الجعل والتشریع، فقد اختلط الأمر علی المیرزا،
لأن الشیخ قائل بالتزاحم والترتّب هناك لکونه فی مقام الامتثال، ولا یقول به هنا لأنّه مقام الجعل. ففیه نظر من وجوه:
الأوّل: إنّ الشیخ وإن ذکر ذلک فی مرحلۀ الامتثال، لکنّه أضاف: بأنّ المطلب کذلک فی کلّ متزاحمین شرعیّین، فالمیرزا قد تدبّر فی
کلام الشیخ، والمستشکل قد غفل عن هذه النکتۀ.
والثانی: إنّ مرحلۀ الامتثال ظلّ مقام الجعل والتشریع، والامتثال فرع التکلیف، فیستحیل أن یتحقّق الترتّب فی مرحلۀ الامتثال ولا یتحقّق
فی مرحلۀ الجعل، فلو لم یکن التکلیف ترتّبیاً، فالإمتثال الترتّبی محال.
والثالث: إنّ القواعد العقلیّۀ غیر قابلۀ للتخصیص، فإذا حکم العقل بالترتّب فی مرحلۀ الإمتثال فهو حاکم به فی مرحلۀ الجعل.
-4 قد ظهر أنّ إشکال المحقّق الخراسانی ناشئ من مطلوبیّۀ الجمع بین الضدّین من جهۀ إطلاق الخطابین، لکنّ المیرزا یقول: بأنّ
الترتّب رافع لهذا الإشکال، لأنّه ضد الجمع، بل یستحیل الجمع بناءً علیه، لأنّه مع حصول الإزالۀ
ص: 205
فال ّ ص لاة غیر مطلوبۀ، وإنّما تکون مطلوبۀً لو ترك الإزالۀ، فترکها بشرط وجوب ال ّ ص لاة، فأین مطلوبیتهما فی آنٍ واحد حتی یلزم
التکلیف بالمحال.
نعم، مع إطلاق الأمر بالأهم یکون الأمر به موجوداً فی ظرف عصیانه، وهو ظرف وجود الأمر بالمهم، لکنّ اجتماع الطلبین غیر اجتماع
المطلوبین، وقد کان الإشکال هو لزوم اجتماع المطلوبین لا الطلبین، وبالترتّب ینتفی لزومه.
هذا تمام الکلام فی المقدّمۀ الأُولی.
صفحۀ 117 من 205
المقدّمۀ الثانیۀ … ص: 205
(فی الجواب عن المطاردة)
إنّه یجاب عن إشکال المطاردة بین إطلاق الأمر بالأهمّ والأمر بالمهمّ بعد تحقّق شرطه وصیرورته مطلقاً بذلک، بناءً علی ما صرّح به
المیرزا من أنّ کلّ موضوع شرط وکلّ شرط موضوع، فإنّه یکون للشرط ما کان للموضوع من الأثر، وکما تتحقّق الفعلیّۀ للحکم
« المکلّف إذا استطاع یجب علیه الحج » و « المستطیع یجب علیه الحج » بوجود الموضوع، فإنّ فعلیّۀ الشرط فعلیّۀ الحکم، فلا فرق بین
وعلی هذا، فکما لا یخرج الموضوع عن الموضوعیّۀ قبل وجوده وبعد وجوده، کذلک الشرط لا ینسلخ عن کونه شرطاً بعد تحقّقه،
وعلیه، لا یخرج المشروط عن الإناطۀ بالشرط لیکون مطلقاً بعد تحقّقه، وإذ لا یکون مطلقاً فلا تتحقّق المطاردة بین الحکمین.
الإشکال علی المیرزا
وقد أشکل علی المیرزا هنا بوجوه بعضها ناش من عدم التدبّر فی کلامه وبعضها خارج عن البحث، إلّاأن الإشکال الوارد من الأُستاذ
یرجع إلی المناقشۀ فی المبنی، إذ یقول: بأنّ الشرط إمّا متمّم لاقتضاء المقتضی وإمّا متمّم لقابلیّۀ القابل، فیستحیل کون الشرط موضوعاً
للحکم ورجوع الموضوع إلی الشرط،
ص: 206
وعلی الجملۀ، فإنّ المقتضی- وهو الموضوع- منشأ للأثر، والشرط هو ما یساعد علی تأثیر المقتضی أثره، فکلّ من الموضوع والشرط
جزء للعلّۀ التامّۀ، ویستحیل رجوع أحد الأجزاء إلی الجزء الآخر … فهذا هو الإشکال علی المیرزا رحمه اللَّه.
لکن المیرزا یصرّح: بأنّه لیس حکم الموضوع والشرط حکم أجزاء العلّۀ التکوینیّۀ، بل الموضوع فی الأحکام الشرعیۀ هو المکلّف،
وشرط التکلیف هو البلوغ والعقل، والحکم إرادة المولی بحسب الملاکات. فلیس البلوغ- مثلًا- متمّماً للإقتضاء أو لقابلیّۀ المحلّ
القابل، بل الملاکات هی التی تؤثر فی إرادة المولی، وهو یجعل الحکم ویعتبره عند تحقّق الشرط … فالإناطۀ التی کانت قبل تحقق
الشرط موجودة بعد تحققه، ولا یصیر الواجب المشروط بعد تحقق الشرط واجباً مطلقاً، بل الحکم المشروط بعصیان الأهم یبقی
مشروطاً بعد تحقق العصیان أیضاً … فالإشکال مندفع.
نعم، لو کان مراده أنّ کلّ شرط موضوع وکلّ موضوع شرط فی جمیع الآثار، فهذا غیر تام، ففی باب المفاهیم- مثلًا- لو کان کلّ
زید الجائی إلیک أکرمه، ومعنی الآیۀ: :« إن جاءك زید فأکرمه » : شرط موضوعاً بلا فرق، کان معنی قولک
الفاسق الجائی إلیکم تبیّنوا عنه، وحینئذٍ، ینتفی مفهوم الشرط ویرجع الکلام إلی مفهوم اللقب، وهذا :« إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا »
لیس بمرادٍ للمیرزا. بل المراد هو: إنّ الشرط والموضوع بمنزلۀ واحدةٍ فی إناطۀ الحکم وتعلیقه علیهما، فکلّ حکم منوط بالموضوع
حدوثاً وبقاءً، ومنوط بشرطه حدوثاً وبقاءً کذلک.
المقدمۀ الثالثۀ … ص: 206
(فی دفع الإشکال علی المیرزا)
والغرض منها دفع ما یرد علی المیرزا بناءً علی مبنی الترتب وذلک:
إنه فی الواجب المضیّق یعتبر وجود الحکم قبل زمان امتثاله، فوجوب
ص: 207
الصّوم لابدّ من تحقّقه قبل طلوع الفجر، لأنه لو لم یکن الخطاب متقدّماً علی الإمساك فی أول الفجر آناًمّا، فإمّا أن یکون المکلّف
حین توجّه الخطاب إلیه أوّل الفجر متلبّساً بالإمساك أو غیر متلبّس به، وعلی کلا التقدیرین یستحیل توجّهه إلیه، لأن طلب الإمساك
صفحۀ 118 من 205
ممّن هو متحقّق منه طلب للحاصل، کما أنّ طلبه من المتلبس بعدمه طلب للجمع بین النقیضین، وکلاهما محال. فلابدّ من تقدّم
الخطاب- ولو بآنٍ مّا- علی زمان الإمتثال والإنبعاث، لیکون الإنبعاث عن ذلک الخطاب المقدّم علیه وامتثالًا له … فتکون النتیجۀ فی
بحثنا: إن وجوب المهم لابدّ من حصوله قبل امتثال الأمر بالمهم، لکن امتثال الأمر بالمهم فی مرتبۀٍ واحدة مع عصیان الأمر الأهمّ،
فوجود الأمر بالمهم لابدّ وأنّ یکون فی رتبۀ قبل عصیان الأهم.
وتوضیح أساس هذا الإشکال هو:
إن البعث لابدّ وأن یکون مقدّماً علی الإنبعاث، والأمر لابدّ من تقدّمه علی الإمتثال، والدلیل علی ذلک أمران: أحدهما: إن منشأ
الامتثال وموجب الانبعاث هو تصوّر ما یترتّب علی مخالفته ثم التصدیق بما تصوّره، فهنالک یحصل الامتثال، ولولا تقدّم الأمر علی
الامتثال کیف تتحقّق هذه القضایا؟ إذن: لابدّ من تقدّم الأمر علی الامتثال زماناً … وقد اعتمد علی هذا البیان المحقق الخراسانی.
والثانی: لو کان الأمر مقارناً فی الزمان للامتثال ولم یکن قبله، فالمکلّف إمّا تارك وإمّا فاعل، فإن کان فاعلًا- کما فی مثال
الإمساك- کان الأمر طلباً للحاصل، وإن کان تارکاً، کان طلباً للفعل فی آن الترك، وهو طلب النقیض مع وجود النقیض له، فهو طلب
اجتماع النقیضین.
فتلخّص: ضرورة تقدّم الأمر زماناً علی الانبعاث.
ص: 208
ونتیجۀ ذلک:
أولًا: إذا کان الأمر متقدّماً زماناً علی الانبعاث، کان زمان الوجوب مقدّماً علی زمان الواجب، فیلزم الإلتزام بالواجب المعلّق. والحال أنّ
المیرزا ینکر الواجب المعلّق.
وثانیاً: إن امتثال الأمر بالمهم متأخّر عن الأمر بالمهم، وعصیان الأمر الأهم هو فی آن امتثال الأمر بالمهم- لأن عصیان الأهم یتحقق
بامتثال المهم، فهو یعصی الأمر بالإزالۀ بالإتیان بالصّلاة- وإذا کان کذلک، لزم الالتزام بالشرط المتأخّر، والمیرزا ینکر الشرط المتأخّر.
وتلخّص: إن علی المیرزا أنْ یرفع الید، إمّا عن الترتب وإمّا عن إنکار الواجب المعلّق والشرط المتأخّر.
جواب المیرزا
وقد أجاب المیرزا عن الإشکال بوجوه:
أولًا: بالنقض، فقال: لو صحّ ذلک لصحّ فی نظیره، أعنی به العلّۀ والمعلول التکوینیین، بتقریب إن المعلول لو کان موجوداً حین علّته
لزم علیّتها للحاصل، وإلّا لزم کونها علۀً للمستحیل، لأن تأثیر العلّۀ فی الشیء فی ظرف عدمه اجتماع للنقیضین، وکلاهما مستحیل،
فالقول بلزوم تقدّم الخطاب علی الامتثال زماناً یستلزم القول بلزوم تقدّم العلّۀ التکوینیۀ علی معلولها زماناً أیضاً، وهو واضح البطلان.
وثانیاً: بالحلّ فی المقامین: فإن المعلول أو الامتثال، إنْ کان مفروض الوجود فی نفسه حین وجود العلّۀ أو الخطاب فیلزم ما ذکر من
المحذور، وأمّا إنْ کان فرض وجوده لا مع قطع النظر عنهما، بل لفرض وجود علّته أو لتحریک
ص: 209
الخطاب إلیه، فلا یلزم من المقارنۀ الزمانیّۀ محذور أصلًا. وبالجملۀ: الامتثال بالإضافۀ إلی الخطاب کالمعلول بالإضافۀ إلی علّته، فلا
مانع من مقارنته إیّاه زماناً، فلا موجب لفرض وجود الخطاب قبلًا ولو آناًمّا.
هذا، وقد نصّ السید الخوئی علی متانۀ هذا الجواب.
وثالثاً: إن المکلّف إن کان عالماً قبل الفجر بوجوب الإمساك علیه عند الفجر، کفی ذلک فی إمکان تحقق الإمتثال منه حین الفجر،
فوجوده قبله لغو محض، إذ المحرّك له حینئذٍ هو الخطاب المقارن لتحقق متعلّقه، لا الخطاب المفروض وجوده قبله، إذ لا یترتب علیه
أثر فی تحقق الإمتثال أصلًا. وأمّا إذا لم یکن المکلّف عالماً به قبل الفجر، فوجود الخطاب فی نفس الأمر لا أثر له فی تحقق الامتثال
صفحۀ 119 من 205
فی ظرف العلم، فیکون وجوده لغواً أیضاً. ولأجل ما ذکرناه- من عدم کفایۀ وجود التکلیف واقعاً فی تحقق الامتثال من المکلّف فی
ظرفه، بل لابدّ فیه من وصول التکلیف إلیه- ذهبنا إلی وجوب تعلّم الأحکام قبل حصول شرائطها الدخیلۀ فی فعلیّتها، فالقائل بلزوم
تقدّم الخطاب علی الامتثال قد التبس علیه لزوم تقدّم العلم علی الامتثال بلزوم تقدّم الخطاب علیه.
رابعاً: إن تقدّم الخطاب علی الامتثال- ولو آنامّا- یستلزم فعلیّۀ الخطاب قبل وجود شرطه، فلابدّ من الالتزام بالواجب المعلّق، وکون
الفعل المقیّد بالزمان المتأخّر متعلّقاً للخطاب المتقدّم. وقد عرفت استحالته فی محلّه.
خامساً: النقض بالواجبات الموسّعۀ، فإنه لا إشکال فی صحّۀ العبادات الموسّعۀ کالصّلاة مثلًا إذا وقعت فی أول وقتها تحقیقاً. والقول
بلزوم تقدّم الخطاب علی زمان الامتثال آناًمّا فی المضیّقات، یستلزم القول بلزوم تقدّمه علیه فی الموسّعات أیضاً، إذ لا فرق فی لزوم
ذلک بین وجوب مقارنۀ الامتثال لأوّل
ص: 210
الوقت کما فی المضیّقات وجوازها کما فی الموسّعات، مع أنهم لا یقولون بلزوم التقدّم فیها، فیکشف ذلک عن بطلان الإلتزام به فی
المضیّقات أیضاً.
(قال) والغرض من هذه المقدمۀ وإبطال القول بلزوم التقدّم المزبور هو:
إثبات أن زمان شرط الأمر بالأهمّ وزمان فعلیّۀ خطابه وزمان امتثاله أو عصیانه- الذي هو شرط الأمر بالمهم- کلّها متّحدة، کما أنه
الشأن فی ذلک بالقیاس إلی الأمر بالمهمّ وشرط فعلیّته وامتثاله أو عصیانه، ولا تقدّم ولا تأخّر فی جمیع ما تقدّم بالزمان، بل التقدّم
والتأخر بینها فی الرتبۀ. وعلیه یتفرّع دفع جملۀ من الإشکالات.
اشکال المحقق الإصفهانی
بأنّ ترتّب السقوط علی فعلیّۀ التکلیف وتوجّهه لا یعقل أن یکون بالرتبۀ، لمناقضۀ الثبوت :«1» وقد أشکل علیه المحقق الإصفهانی
السقوط، وأن الإطاعۀ لیست علۀً للسقوط وکذلک المعصیۀ، وإلّا لزم علیّۀ الشیء لعدم نفسه فی الأولی وتوقف تأثیر الشیء علی تأثیره
فی الثانیۀ، بل بالإطاعۀ ینتهی أمد اقتضاء الأمر، وبالمعصیۀ فی الجزء الأول من الزمان یسقط الباقی عن القابلیّۀ للفعل، فلا یبقی مجال
لتأثیره فیسقط بسقوط علّته الباعثۀ علی جعله.
دفاع الأُستاذ
وقد دفع الأُستاذ هذا الإشکال: بأنّا لم نجد فی کلام المیرزا ما یفید أنّ ثبوت الأمر متقدّم رتبۀً علی السقوط، نعم، قال: ثبوته متقدّم
رتبۀً علی عصیانه، ومن الواضح أنّ العصیان غیر السقوط، لأن الأمر حال العصیان موجود وهو متقدّم علیه رتبۀً کما ذکر، أمّا سقوطه
فهو بعد العصیان.
__________________________________________________
(1)
.215 -213 / نهایۀ الدرایۀ 2
ص: 211
المقدمۀ الرابعۀ … ص: 211
(قال: وهی أهمّ المقدّمات):
إن انحفاظ الخطاب فی تقدیرٍمّا إنما یکون بأحد وجوهٍ ثلاثۀ … وحاصل کلامه:
إن الإطلاق- وکذا التقیید- ینقسم إلی قسمین: فالأول: ما کان الإنقسام فیه سابقاً علی الخطاب، کالإنقسام إلی البالغ وغیر البالغ، فإنه
صفحۀ 120 من 205
محفوظ قبل وجود الخطاب. والقسم الثانی: ما کان الانقسام فیه متفرّعاً علی الخطاب، کالانقسام إلی العالم به والجاهل به. ولمّا کان
الإنقسام الأول یقبل اللّحاظ،- وأنّ الحاکم فی ظرف الحکم یلحظه، فإمّا یعتبر البلوغ وإمّا لا یعتبر فیطلق- فیسمّی بالإطلاق اللحاظی،
وأمّا الإنقسام الثانی فلیس کذلک، غیر أنّ ملاك الحکم یمکن فیه التقیید بالعلم- مثلًا- وإلّا فالإطلاق، فیسمّی بالإطلاق الذاتی
والملاکی، ولمّا کان الخطاب فیه غیر قابل للإطلاق والتقیید احتاج إلی دلیل آخر، وهذا ما یعبّر عنه بنتیجۀ الإطلاق، بخلاف الانقسام
الأوّل، فإن الإطلاق فیه بنفس الدلیل الأوّل.
فهذان وجهان لانحفاظ الخطاب … وقد وقع الخلاف بین الأکابر هنا، فالمیرزا یقول بهذین الوجهین، ومنهم من یقول: بأنّ الإطلاق
فی جمیع الموارد لحاظی.
والوجه الثالث:
ما کان الخطاب فیه محفوظاً- لا بالإطلاق اللّحاظی ولا بالإطلاق الملاکی- باقتضاء نفس الخطاب، مثل: وجود الوجوب فی مرتبۀ
الإطاعۀ والمعصیۀ، فإنّه موجود مع فعل الواجب ومع ترکه، وهذا مقتضی نفس الخطاب.
ولابدّ هنا من الإلتفات إلی أن فعل الواجب أو ترکه، یلحظ تارةً: بعنوان الفعل والترك وأُخري: بعنوان الطاعۀ والمعصیۀ، فإن کان
بالعنوان الثانی فهو من
ص: 212
الانقسامات اللّاحقۀ، وإن کان بالأوّل فلا، لأن الفعل والترك غیر متفرّعین علی وجود الواجب، ولذا نبّه المیرزا علی أن لا یتوهّم قابلیّۀ
الإطاعۀ والمعصیۀ للإطلاق الملاکی، لکونهما من الإنقسامات اللّاحقۀ، فأفاد أنّه لیس کلّ ما کان من الانقسامات اللّاحقۀ فهو قابل
للإطلاق الملاکی، بل لابدّ من التفصیل…
قال: إن الإطلاق والتقیید بقسمیهما- أعنی بهما الملاکی واللّحاظی- مستحیلان فی باب الإطاعۀ والمعصیۀ.
أمّا استحالۀ التقیید: فلأن وجوب فعل لو کان مشروطاً بوجوده، لاختصّ طلبه بتقدیر وجوده خارجاً، وهو طلب الحاصل، ولو کان
مشروطاً بعدمه، لاختصّ طلبه بتقدیر ترکه، وهو طلب الجمع بین النقیضین، فعلی کلا التقدیرین یکون طلبه محالًا، فلا یصح له أن
یقول: إن صلّیت وجبت علیک، أو یقول: إن ترکت ال ّ ص لاة وجبت علیک، فلا الطلب أيالوجوب یمکن تقییده ولا المطلوب وهو
الواجب. هذا کلامه. لکنّ المحقق الاصفهانی جعل البحث فی تقیید المطلوب … إلّاأنّ تقیید الطلب فیه محذور ثالث أیضاً، کما
سنوضّحه فیما بعد.
وأمّا استحالۀ الإطلاق، فقد ذکر له وجهین، أحدهما: ما ذهب إلیه من أن التقابل بین الإطلاق والتقیید تقابل العدم والملکۀ. والثانی: ما
ذکره من أنّ الإطلاق فی قوّة التصریح بکلا التقدیرین، فإن قوله: اعتق رقبۀً وإن لم یکن معناه: اعتق رقبۀً مؤمنۀ أو کافرة، لکنّه فی قوّة
ذلک، فلو کان الوجوب مطلقاً بالنسبۀ إلی الفعل والترك لزم محذور تحصیل الحاصل أو محذور اجتماع النقیضین.
قال الأُستاذ:
فمن قال بأن التقابل من قبیل التضاد لا یمکنه إثبات الاطلاق، وکذا بناءً علی أن الاطلاق لیس فی قوّة الجمع بین القیود والخصوصیات
…فظهر أن أساس هذه
ص: 213
المقدمۀ مبنی علی هذه المبانی … وإلّا فلا یتم الإطلاق، وهذا هو إشکال السید الخوئی فی (التعلیقۀ) آخذاً من المحقق الإصفهانی.
ثم قال المیرزا:
والفرق بین انحفاظ الخطاب فی هذا القسم وانحفاظه فی القسمین السابقین، إنما هو من جهۀ أن انحفاظه فی هذا القسم لأجل أنه من
لوازم ذاته، حیث أن تعلّق الخطاب بشیء بذاته یقتضی وضع تقدیرٍ وهدم تقدیر آخر، سواء کان الخطاب وجوبیّاً أو تحریمیّاً، لأن
صفحۀ 121 من 205
الأول یقتضی وضع تقدیر الوجود وهدم تقدیر العدم، کما أن الثانی یقتضی وضع تقدیر العدم وهدم تقدیر الوجود.
وهذا بخلاف انحفاظ الخطاب فی القسمین السابقین، فإنه من جهۀ التقیید بذلک التقدیر أو الإطلاق بالإضافۀ إلیه، وإلّا فذات الخطاب
بالحجّ أو الصّلاة مثلًا لا یقتضی انحفاظه فی تقدیر الاستطاعۀ بنفسه.
قال:
ویترتب علی الفرق من هذه الجهۀ أمران:
الأول: إن نسبۀ التقدیر المحفوظ فیه الخطاب بالإضافۀ إلیه فی القسمین الأوّلین، نسبۀ العلّۀ إلی معلولها. أما فی موارد التقیید فهو
واضح، لما ذکرناه من أن مرجع کلّ تقدیر کان الخطاب مشروطاً به إلی کونه مأخوذاً فی موضوعه، وقد عرفت أنّ رتبۀ الموضوع من
حکمه نظیر رتبۀ العلّۀ من معلولها. وأمّا فی موارد الإطلاق، فلما ذکرناه من اتّحاد مرتبۀ الإطلاق والتقیید، إذ الإطلاق عبارة عن عدم
التقیید فی موردٍ قابل له، فإذا کانت مرتبۀ التقیید سابقۀ علی مرتبۀ الحکم المقیّد به، کانت مرتبۀ الإطلاق أیضاً کذلک. وأمّا فی هذا
القسم، فنسبۀ التقدیر المحفوظ فیه الخطاب بالإضافۀ إلیه نسبۀ المعلول إلی العلّۀ، وذلک: لما مرّ من أن الخطاب
ص: 214
له نحو علیّۀ بالإضافۀ إلی الامتثال، فإذا کانت نسبۀ الحکم إلی الامتثال نسبۀ العلّۀ إلی معلولها، کان الحال ذلک بالإضافۀ إلی العصیان
أیضاً، لأن مرتبۀ العصیان هی بعینها مرتبۀ الامتثال.
الثانی: إن نسبۀ التقدیر المحفوظ فیه الخطاب فی القسمین الأوّلین بما أنها نسبۀ الموضوع إلی حکمه، فلا محالۀ لا یکون الخطاب
متعرّضاً لحاله أصلًا وضعاً ورفعاً، مثلًا: خطاب الحج لا یکون متعرّضاً لحال الاستطاعۀ، بأن یکون مقتضیاً لوجودها أو عدمها، وإنما هو
یتعرّض لحال الحجّ باقتضاء وجوده علی تقدیر وجود الاستطاعۀ بأسبابها المقتضیۀ لها، فلا نظر له إلی إیجادها وعدم إیجادها، وهذا
بخلاف التقدیر المحفوظ فیه الخطاب فی هذا القسم، فإنه بنفسه متعرّض لحال ذلک التقدیر وضعاً ورفعاً، إذ المفروض أنه هو
المقتضی لوضع أحد التقدیرین ورفع الآخر.
فتحصل: إن انحفاظ الخطاب فی هذا القسم وفی القسمین الأوّلین من الجهتین المذکورتین علی طرفی النقیض.
نتیجۀ المقدمۀ
وتکون نتیجۀ هذه المقدمۀ- التی هی أهمّ المقدّمات کما قال-: أنّ انحفاظ خطاب الأهم فی ظرف العصیان، إنما هو من جهۀ اقتضائه
لرفع هذا التقدیر وهدمه، من دون أن یکون له نظر إلی شیء آخر علی هذا التقدیر، بخلاف خطاب المهم، فإنه لا نظر له إلی وضع
هذا التقدیر ورفعه، لأنه شرطه وموضوعه، وقد عرفت أنه یستحیل أن یقتضی الحکمُ وجودَ موضوعه أو عدمه، وإنما هو یقتضی وجود
متعلّقه علی تقدیر عصیان خطاب الأهمّ، فلا الخطاب بالمهم یعقل أن یترقّی ویصعد إلی مرتبۀ الأهم ویکون فیه اقتضاء لموضوعه، ولا
الخطاب بالأهمّ
ص: 215
یعقل أن یتنزل ویقتضی شیئاً آخر غیر رفع موضوع خطاب المهم، فکلا الخطابین وإن کانا محفوظین فی ظرف العصیان ومتّحدین
زماناً إلّاأنهما فی مرتبتین طولیّتین.
توضیحه:
إن الأمر بالأهمّ مطلقٌ بالنسبۀ إلی الأمر بالمهمّ، لکن الأمر بالمهمّ مقیّد بعصیان الأمر بالأهم، فلیس للأمر بالأهمّ إلّاالإقتضاء الذاتی
لمتعلّقه أعنی الإزالۀ، لأنّ کلّ أمرٍ إنّما یدعو إلی متعلّقه، فهو یقتضی الطاعۀ بفعل الإزالۀ وهدم عصیان الأمر بها، ولا یخفی أنّ
الاقتضاء غیر التقیید، فهو یقتضی الفعل والطاعۀ لا أنّه مقیّد بالفعل والطاعۀ، لأنّ تقیید الخطاب بالفعل أو المعصیۀ محال، لکونهما
متفرّعین علی الخطاب.
صفحۀ 122 من 205
أمّا الأمر بالمهم، فهو مقیّد بعصیان الأمر بالأهم، فکان عصیانه موضوع الأمر بالمهم، وقد تقرّر أن الحکم لا یتکفّل موضوعه، بل
یترتّب علیه عند تحقّقه، فلا اقتضاء للأمر بالمهم لتحقق موضوعه وهو عصیان الأمر بالأهم، أمّا الأمر بالأهمّ فکان له اقتضاء الطاعۀ
وعدم العصیان … وبعبارةٍ أُخري:
إن الأمر بالمهم یدعو إلی متعلّقه- وهو الصّلاة- عند تحقق شرطه وهو عصیان الأهم أيالإزالۀ، وإذا کان مشروطاً بذلک فهو فی مرتبۀٍ
متأخرةٍ عن الشرط، لکنّ الأمر بالأهمّ فی مرتبۀ متقدّمۀ ویقتضی عدم العصیان…،
فکان الحاصل: وجود الاختلاف الرتبی بین الأمرین وأنّ الأمر بالأهمّ متقدّم، ووجود الاختلاف بینهما من حیث المقتضی، إذ الأمر
بالأهم له اقتضاء بالنسبۀ إلی العصیان ویرید هدمه، والأمر بالمهم لا اقتضاء له بالنسبۀ إلیه، وإنما هو شرط له ویتحقق- الأمر بالمهم-
عند تحقّقه…
ص: 216
وبعد هذا … أین یکون التمانع؟
تلخّص:
إن المحقق الخراسانی یري بأنّ محذور اجتماع الضدّین لا یرتفع بکون أحد الخطابین مطلقاً والآخر مقیّداً، فمع التنزّل عن کون عصیان
الأمر بالأهم شرطاً للأمر بالمهم بنحو الشرط المتأخّر، اللّازم منه تحقق التمانع من الطرفین، یکون الطّرد من طرف الأمر بالأهم کافیاً
للزوم المحذور…
فأجاب المحقق النائینی: بجعل الشرط شرطاً مقارناً لا متأخّراً، وذکر أنّ الأمر بالأهم یدعو إلی امتثال متعلّقه مطلقاً، أيسواء کان فی
قباله أمر بالمهم أو لا، لکن الأمر بالمهم جاء مقارناً لعصیان الأمر بالأهم ومشروطاً به، ولا تعرّض له لهذا الشرط لا وضعاً ولا رفعاً،
فالأمر بالمهم غیر طارد للأمر بالأهم، کما أن الأمر بالأهم لا تعرّض له للمهمّ أصلًا، وإنما یدعو إلی متعلّقه کما تقدّم.
والحاصل: إنّ الأمر بالمهمّ لا یتکفّل شرطه- وهو عصیان الأمر بالأهمّ- فلا اقتضاء له بالنسبۀ إلیه، والأمر بالأهم لا یدعو إلّاإلی متعلّقه،
فلا اقتضاء له بالنسبۀ إلی متعلّق الأمر بالمهم، ولا نظر له إلیه أبداً، نعم، لو کان مفاده أنک إن عصیت الأمر بالأهمّ فلا تأت بمقتضی
الأمر بالمهم، لزم طلب الضدّین … ولذا قال المیرزا: لا الأمر بالمهم یترقی إلی الأمر بالأهم، ولا الأمر بالأهم یتنزل إلی الأمر بالمهم.
وبعبارة أُخري: التمانع لیس فی مرتبۀ الملاك والغرض من الخطابین، ولیس فی مرتبۀ الإرادة والشوق إلیهما- فإن الإرادة تابعۀ
للملاك والغرض- ولیس فی مرتبۀ الإنشاء، لأنه- سواء کان الاعتبار والابراز أو إیجاد الطلب- لا محذور فی الإنشائین، وتبقی مرحلۀ
اقتضاء الخطابین، ووجود التمانع فی هذه المرحلۀ لیس
ص: 217
وطلب تحقّقهما فی آن واحد « أزل النجاسۀ عن المسجد » وقال « صلّ » بین نفس الإقتضائین، بل هو- إن کان- فی المقت َ ض یَین، فإن قال
ثم قال: « أزل النجاسۀ » : بلا اشتراطٍ، لزم محذور الجمع بین الضدّین، والتکلیف بما لا یطاق، أمّا لو قال
کان المقتضی للأمر الأوّل إطاعته وعدم معصیته، والمقتضی للثانی: وجوب الصّلاة علی تقدیر عصیان الأوّل، « صلّ إن عصیت الإزالۀ »
ولا تمانع بین هذین المقت َ ض یَین، لأن الأمر بالإزالۀ إنما ینهی عن عصیانه ولا تعرّض له لل ّ ص لاة، والأمر بال ّ ص لاة مفاده: وجوب إطاعته
علی تقدیر عصیان الأمر بالإزالۀ…
إذن: لا تمانع بینهما فی مرحلۀٍ من المراحل.
وببیان آخر: إن المفروض أن القدرة واحدة، والقدرة الواحدة لا تکفی لامتثال الخطابین معاً إن کانا مطلقین، أمّا لو کان أحدهما
مشروطاً، فلا تمانع بین المتعلّقین فی جلب القدرة، لأنّ الأمر بالأهم یطالب بصرف القدرة فیه، لکنّه ساکت عمّا لو عصی، والأمر
بالمهم یطالب بصرف القدرة فیه فی حال عصیان الأمر بالأهم … فلا مشکلۀ.
صفحۀ 123 من 205
والشیخ الأعظم لمّا جعل المشکلۀ فی القدرة، وأنه لا توجد قدرتان فی المتزاحمین بناءً علی السببیّۀ، فمع تقیید کلٍّ منهما بعدم صرفها
فی الآخر یتم التخییر. فأشکل علیه المیرزا بأنه: مع عدم صرف القدرة فی الأهم لابدّ من صرفها فی المهم، وإلّایلزم تفویت مصلحۀ
ملزمۀ مع القدرة علی استیفائها، وهذا هو الترتب.
إشکال المحقق الإصفهانی
علی المقدمۀ الرابعۀ بأُمور، نتعرّض لما «1» وقد أورد المحقق الإصفهانی
__________________________________________________
.239 / 1) نهایۀ الدرایۀ 2 )
ص: 218
یتعلّق منها بالموضوع، وهو اشکالان:
الإشکال الأول وهو ذو جهتین:
إحداهما: إن المیرزا جعل محذور الترتب لزوم تحصیل الحاصل، ولزوم الجمع بین النقیضین فی مورد تقیید المطلوب، والحال أن
البحث فی الترتب هو فی تقیید الطلب لا المطلوب.
قال الأُستاذ:
أمّا فی .«1» هذا الإشکال وارد علی المیرزا بالنظر إلی کلامه فی الدورة الأولی کما فی (فوائد الأُصول) تقریر المحقق الکاظمی
الثانیۀ- کما فی (أجود التقریرات)- فقد طرح البحث فی تقیید الطلب.
الثانیۀ: إن المحذور لیس الأمرین المذکورین، بل هو استلزام الترتّب علیّۀ الشیء لنفسه، وتقیید العلّۀ بعدم معلولها، فهذان هما
المحذوران، لا ما ذکرهما المیرزا. وتوضیحه:
إن المیرزا یقول: بأنّ الطلب إنْ تقیّد بوجود متعلّقه لزم تحصیل الحاصل، وإن تقیّد بعدمه وترکه، کان الطلب مع التقیید بترك المتعلّق
جمعاً بین النقیضین.
فقال الإصفهانی: بأنّ القید وجود ناشئ من الطلب نفسه، فالمحذور هو کون الشیء علّۀً لنفسه، لأنّ کلّ قیدٍ وشرط فهو علّۀ للمقیّد
والمشروط، فلو کان وجود ال ّ ص لاة شرطاً لوجوبها- والوجوب علّۀ وجودها وتحققها فی الخارج- کان وجودها معلولًا، من جهۀ أن
العلّۀ وجوبها، وعلّۀً، لفرض کونها شرطاً لوجوبها.
إذن، قد أصبح الشیء علّۀً لنفسه، وهذا محذور التقیید، لا تحصیل الحاصل. هذا من جهۀ أخذ الوجود.
__________________________________________________
(1)
348 ط جامعۀ المدرسین. (2 - فوائد الأُصول ( 1
ص: 219
ولو کان ترك ال ّ ص لاة شرطاً للوجوب- والوجوب علّۀ لوجودها- کان عدم الصّلاة عدم المعلول، لکنّ هذا العدم قد فرض جعله شرطاً
للأمر والوجوب الذي هو علّۀ لوجود ال ّ ص لاة، فاللّازم أن یکون عدم المعلول علّۀ وشرطاً لوجود علّۀ هذا المعلول. ثم أمر المحقق
الإصفهانی بالتدبّر فإنه حقیق به.
قال الأُستاذ
لم یکن المیرزا فی مقام استقصاء جمیع المحاذیر، هذا أوّلًا. وثانیاً: إن ما ذکره- من عدم لزوم تحصیل الحاصل هنا، بل المحذور علیّۀ
الشیء لنفسه، لأنّ الوجود المأخوذ شرطاً أو قیداً وجود معلول لنفس هذا الوجوب لا وجوب آخر، لیلزم محذور تحصیل الحاصل- فی
صفحۀ 124 من 205
غیر محلّه، لأن المیرزا لم یقل بأنّ قید الوجوب ناشئ من نفس هذا الوجوب، بل قال: بأنّ تقیید الوجوب واشتراطه بوجود المتعلّق
تحصیل للحاصل … فلا وجه لحصر الإشکال بما ذکر المحقق الإصفهانی.
وعلی الجملۀ، فإن مقصود المیرزا هو أن تقیید وجوب الأهم بفعله محال، وإذا استحال التقیید استحال الإطلاق، لکون النسبۀ بینهما
عنده نسبۀ العدم والملکۀ. والمحقق الإصفهانی یري النسبۀ بینهما نسبۀ السلب والإیجاب بوجهٍ والعدم والملکۀ بوجه.
وتلخّص عدم ورود هذا الإشکال.
الإشکال الثانی وقد تبعه المحقق الخوئی:
إن محذور لزوم تحصیل الحاصل أو طلب النقیضین موجود فی طرف التقیید بالوجود أو العدم، أما فی طرف الإطلاق فلا … لأنّ
التقیید لحاظ الخصوصیّۀ وأخذها، والإطلاق عبارة عن لحاظ الخصوصیّۀ وعدم أخذها، نعم،
ص: 220
لو کان أخذ الخصوصیّات وجمعها کان اللازم أحد المحذورین المذکورین…
وعلیه، فالإطلاق ممکن، بل هو واجب، لکون النسبۀ بینه وبین التقیید نسبۀ السلب والإیجاب.
وعلیه، فإن اقتضاء الأمر بالأهم لفعل الأهم یکون بإطلاقه عند المحقق الإصفهانی، لا باقتضاء ذاته کما هو عند المیرزا، ولا یخفی
الفرق، إذ علی الأوّل یکون الاقتضاء مجعولًا للشّارع، وعلی الثانی فهو غیر مستند إلی الشارع بل هو اقتضاء العلیّۀ والمعلولیّۀ.
قال الأُستاذ
إن الفعل والترك إن کانا من الانقسامات المتفرّعۀ علی الخطاب، أمکن التقیید بهما أو لحاظهما وجعل الخطاب لا بشرط بالنسبۀ
إلیهما، وهذا معنی الإطلاق، وإن لم یکونا من الانقسامات المتفرّعۀ علیه، فلا یمکن التقیید بأحدهما، فالإطلاق ضروري علی مبنی
المحقق الإصفهانی، لکون النسبۀ هی السلب والإیجاب.
ولمّا کان حقیقۀ الإطلاق هو عدم الأخذ للخصوصیّۀ، وجعل نفس الذات مرکباً للحکم، فلا محذور فی الإطلاق هنا، وفاقاً للمحقق
الإصفهانی وخلافاً للمیرزا…
وینبغی الإلتفات إلی أن المیرزا قد ذکر أن الأمر بالأهم موجود فی حال العصیان إلّاأنه بلا اقتضاءٍ وداعویّۀ، والمحقق الإصفهانی لم
یتطرّق إلی هذه النکتۀ وکأنه موافق علیها.
المقدمۀ الخامسۀ … ص: 220
(فی تشخیص محلّ الکلام فی بحث الترتّب)
إن القول بالترتب لا یترتب علیه محذور طلب الجمع بین الضدّین- کما
ص: 221
توهّم- فإنه إنما یترتب علی إطلاق الخطابین دون فعلیّتهما. وبیان ذلک:
إن الشرط الذي یترتّب علیه الخطاب، إمّا أن لا یکون قابلًا للتصرّف الشرعی، لخروجه عن اختیار المکلّف بالکلیّۀ، کالزّوال بالنسبۀ
إلی ال ّ ص لاة، وإمّا أن یکون قابلًا لذلک، کالاستطاعۀ بالنسبۀ إلی الحجّ، فإن للشارع أن یتصرّف فیه بأن یوجب- مثلًا- أداء الدین،
فیرتفع الاستطاعۀ بحکم الشارع ویسقط وجوب الحج.
ثم إن الشرط یکون تارةً: شرطاً للحکم بحدوثه وأُخري: ببقائه وثالثۀً:
بوجوده فی برهۀٍ من الزمان. مثلًا: فی باب الحضر والسفر قولان، فقیل: الشرط للقصر هو السّفر، ویکفی حدوثه فی أوّل الوقت، فمن
کان مسافراً فی أول وقت ال ّ ص لاة وجب علیه القصر، وإن کان حاضراً فی بلده فی آخره. وقیل: لا یکفی الحدوث بل الشرط کونه
صفحۀ 125 من 205
مسافراً حتی آخر الوقت.
ثم إنّ الموارد تقبل التقسیم إلی قسمین بلحاظ حال المکلّف واختیاره وینقلب الحکم بتبع ذلک، کما لو کان حاضراً فسافر أو
العکس، فإنّ الحکم الشّرعی ینقلب قصراً أو تماماً، أمّا فی مثل الإستطاعۀ فلا خیار للمکلّف، فإنه إذا حصل استقرّ الحج شاء أو أبی.
والخطاب الشرعی أیضاً ینقسم تارةً: إلی الخطاب الرافع للموضوع بنفسه، فلا دخل لإطاعۀ الخطاب، وأُخري: یکون الرافع له امتثال
الخطاب وإطاعته، کما فی مسألۀ أرباح المکاسب، فإن الربح موضوع لوجوب الخمس، فإن أوجب الشارع علی المکلّف أداء دیون
تلک السنۀ من الأموال الحاصلۀ فیها- لا السنین الماضیۀ- فإنّ نفس هذا الخطاب یرفع موضوع الخمس.
هذا، والمهم فی موارد الترتّب أن یکون رفع الموضوع بامتثال الخطاب،
ص: 222
لا أن یکون أصل وجود الخطاب رافعاً- کما تقدّم- فإن التزاحم ینتفی حینئذٍ ولا یبقی موضوع للترتب، لأنه فرع التزاحم بین
الخطابین، فلابدّ من وجوده حتی نري هل یرتفع باشتراط أحدهما بعصیان الآخر أو لا؟
ثم إن هنا قاعدةً وهی: إنه لو حصل خطاب فی موضوع خطابٍ آخر، فإمّا أن یمکن اجتماع متعلّقی الخطابین، فلا بحث، کما لو جاء
فی موضوع وجوب ال ّ ص لاة،- وهو أوّل الفجر- وجوب الصّوم أیضاً، فیکون أوّل الفجر موضوعاً لکلیهما ولا تمانع بینهما، وإمّا لا
یمکن ویقع التمانع، فعلی الحاکم لحاظ الملاکین وتقدیم الأهم وإلّا فالتخییر.
فإن کان لکلٍّ من المتعلّقین ملاك تام ووقع الإشکال فی مرحلۀ الخطاب، من حیث القدرة وعدمها عند المکلّف علی الامتثال، کان
أحد الحکمین رافعاً لموضوع الآخر بامتثاله، لفرض عدم القدرة علی امتثالهما معاً، وبقطع النظر عن الامتثال یکون الموضوع باقیاً،
إلّاأن القدرة الواحدة لا تفی لامتثال الحکمین. فإن لزم من الجمع بینهما طلب الجمع بین الضدین، فلا مناص من الأخذ بالأهم وینعدم
الخطاب بالمهم، أما إن کانا متساویین ولا أهم فی البین، فالخطابان کلاهما ینعدمان ویستکشف خطاب واحد تخییري، وإن لم یلزم
منهما طلب الجمع بین الضدّین- والمفروض وجود الملاك التام لکلّ منهما- وجب وجودهما … وهذا معنی قولهم: إن إمکان
الترتّب مساوق لوجوبه.
إنما الکلام- کلّ الکلام- فی إثبات عدم لزوم الجمع. وقد أقام المیرزا ثلاثۀ براهین علی ذلک.
وقد ذکر قبل الورود فی المطلب ما هو المنشأ للزوم الجمع بین الضدّین، فقال: بأنّ المنشأ لهذا المحذور هو أحد أُمورٍ ثلاثۀ:
ص: 223
-1 أن یقیّد کلّ من الخطابین بوجود الآخر، بتقیید المطلوبین أحدهما بالآخر، کأن یقول: تجب علیک القراءة المقیّدة بالصّوم، ویجب
علیک ال ّ ص وم المقیّد بالقراءة، أو بتقیید طلب کلٍّ بطلب الآخر، فوجوب القراءة فی فرض وجود الصّوم ووجوب الصّوم فی فرض
وجود القراءة.
فمن الواضح أن تقیید کلٍّ منهما بالآخر یستلزم الجمع بینهما.
-2 أن یقیّد أحدهما بالآخر دون العکس، کأن یقول: صم. ثم یقول: صلّ إن کنت صائماً. فیلزم الجمع.
-3 أن لا یقیّد شیئاً منهما بل یجعلهما مطلقین، فیقول: صم، صلّ، فکلّ منهما واجب سواء کان الآخر موجوداً أو لا، فیلزم الجمع فی
فرض وجودهما.
ومن الواضح استحالۀ لزوم الجمع لو قیّد أحدهما بعدم الآخر، کما لو قال:
صم إن لم تقرأ.
وحینئذٍ، فإن الإشکال علی الترتّب یندفع بإقامۀ البرهان علی عدم لزوم الجمع، لأن لزومه یکون إمّا بإیجاب الجمع بعنوانه کأن یقول:
إجمع بین کذا وکذا، وإمّا بإیجاب واقع الجمع، وذلک یکون بالأمر بکلیهما علی نحو الإطلاق، فیلزم الجمع، أمّا إذا لم یکن هذا ولا
صفحۀ 126 من 205
ذاك فلا وجه للاستحالۀ، والبرهان هو:
أولًا: إنّ المفروض فی الترتب تقیید أحد الخطابین بعصیان الآخر، فیکون وقوع أحدهما علی صفۀ المطلوبیّۀ بنحو القضیّۀ المنفصلۀ
الحقیقیّۀ، لأن الأمر بالأهم إمّا أن یمتثل فی الخارج أو لا؟ فإن امتثل استحال وقوع المهم علی صفۀ المطلوبیّۀ، وإن لم یمتثل فبما أن
متعلّقه لم یوجد فی الخارج، یستحیل کونه مصداقاً للمطلوب ومعنوناً بعنوانه.
وبعبارة أُخري: إن حال الأهم لا یخلو عن أن یوجد خارجاً أو لا یوجد، فإن
ص: 224
وجد، کان هو الواقع علی صفۀ المطلوبیّۀ ولا خطاب بالمهم لانتفاء شرطه أعنی عصیان الأهم، وإن لم یوجد الأهم ووجد المهم، کان
هو الواقع علی صفۀ المطلوبیّۀ، وإن لم یوجد المهمّ کذلک لم یقع شیء منهما علی صفۀ المطلوبیۀ من باب السّالبۀ بانتفاء الموضوع
…وعلی کلّ حال، یستحیل وقوعهما معاً فی الخارج علی صفۀ المطلوبیّۀ، فیستکشف من ذلک عدم استلزام فعلیّۀ طلبهما لطلب
الجمع.
مشتمل علی نسبتین: نسبۀ طلبیّۀ بین المولی والصّلاة، ونسبۀ تلبّسیۀ هی بین المکلّف والصّلاة، « صلّ » وتوضیحه: إن خطاب المولی ب
ولا تنافی بین هاتین النسبتین، فکأنه یقول للمکلّف: کن فاعلًا للإزالۀ أو تجب علیک ال ّ ص لاة، فالمولی آمر بالمهم- وهو ال ّ ص لاة-
والمکلّف فاعل للأهم- وهو الإزالۀ- فأین الاجتماع بین النسبتین؟ بل الاجتماع ضروري الامتناع! لأنّ واقع الجمع هو فی مطلوبیّۀ الأهم
والمهم- المتضادّین- فی زمانٍ واحد، لکنّ المفروض فی الترتّب عدم اجتماع فاعلیّۀ الأهم مع وجوب المهم، لأنّه لمّا یکون فاعلًا
للأهم لا یکون مخاطباً بالمهم، وعندما یکون مخاطباً بالمهم ویجب علیه، لا یکون للأهم فاعلیّۀ، فهما لیسا مطلوبین فی وقت واحد
لیلزم طلب الجمع بین الضدّین.
وثانیاً: إن القید یکون تارةً: قیداً للمطلوب کالطهارة بالنسبۀ إلی ال ّ ص لاة ویکون تحصیله واجباً. وأُخري: قیداً للطلب وتحصیله غیر
واجب کالاستطاعۀ فإنه قید لطلب الحجّ لا لنفس الحج.
وقید الطلب لا یکون قیداً للمطلوب.
وهنا: ترك الأهم قید لطلب المهم- ولیس قیداً للمهم نفسه- إذ کان عصیان الأمر بالأهم شرطاً لوجوب المهم وهو الصّلاة، فهی لیست
بواجبۀ إلّاعند ترك
ص: 225
الإزالۀ، فالنتیجۀ ضد إیجاب الجمع … لأن إیجاب الجمع عبارة عن أن یکون المتضادّان متّصفین بالمطلوبیّۀ، ومع الالتفات إلی ما
تقدّم یستحیل تحقق المطلوبیّۀ لهما معاً، لأن المفروض توقّف اتّصاف المهم بالمطلوبیّۀ علی ترك الأهم لا علی وجوده، فشرط
مطلوبیّۀ ال ّ ص لاة عدم الإزالۀ لا وجودها … وإلّا لزم خلف الشرط، کما أنه لا یتصف المهم بالمطلوبیّۀ إلّامع عدم الأهم، فلو اتّصف بها
مع وجوده، لزم وجود الأهم وعدمه وهو اجتماع للنقیضین … فإیجاب الجمع یستلزم الاستحالۀ من وجهین أحدهما: لزوم الخلف،
والآخر: لزوم اجتماع النقیضین. وکلّما استلزم المحال فهو محال.
قال الأُستاذ:
فی کلامه نقص لابدّ من تتمیمه، إذ للمنکر للترتب أن یقول: حاصل البرهان عدم مطلوبیّۀ المهم مع وجود الأهم، لکنّ الأهمّ مع وجود
المهم مطلوبٌ، وما ذکرتموه لا یثبت استحالۀ مطلوبیّته. وبعبارة أُخري: إن إطلاق الأهم یقتضی مطلوبیّته مع وجود المهم، فیلزم اجتماع
الضدّین ویعود الإشکال، وإن کان مندفعاً بالنظر إلی تقیّد المهم بعدم الأهم.
وتتمیم البرهان یکون بالاستفادة ممّا ذکره المیرزا فی المقدمات السابقۀ، من أن مطلوبیّۀ المهم إنّما هی فی حال ترك الأهم، إذ
أصبح ترکه موضوعاً لمطلوبیّۀ المهم، وإذا تحقق ترك الأهم تحقق مطلوبیّۀ المهم فی ظرف عدم الأهم.
صفحۀ 127 من 205
هذا تمام الکلام فی مطالب المیرزا فی هذا المقام.
الترتّب ببیان الشیخ الحائري …: ص: 225
مستفیداً من المحقق السیّد «1» ( والشیخ عبدالکریم الحائري ذکر فی (الدرر
__________________________________________________
140 ط جامعۀ المدرسین. (2 - 1) درر الفوائد ( 1 )
ص: 226
الفشارکی أربع مقدّماتٍ، وقد شارك المیرزا فی بعض الخصوصیّات، کقولهما بکون الأمر بالمهم مقیّداً- خلافاً للمحقّق العراقی
القائل بأنّه مطلق، کما سیأتی- ونحن نتعرّض للمقدّمتین الأولی والثانیۀ، وحاصل کلامه فیهما:
إن الإرادة المتعلّقۀ بالعناوین تنقسم إلی قسمین، فقد تکون مطلقۀً لم یؤخذ فیها أيّ تقدیر، بل الشیء یجب إیجاده بجمیع مقدّماته،
کأن یرید إکرام زید بلا قیدٍ، فهذه إرادة مطلقۀ تقتضی تحقّق الموضوع وهو مجئ زید لیترتب علیه إکرامه. وقد تکون الإرادة علی
تقدیرٍ، وجودي أو عدمی، فتکون منوطۀً بذلک التقدیر، فلو لم یتحقّق التقدیر فلا إرادة بالنسبۀ إلیه … وتنقسم هذه الإرادة إلی ثلاثۀ
أقسام بحسب حصول التقدیر الذي أُنیطت به:
فتارةً: تتعلّق بالشیء بعد حصول التقدیر، کتعلّقها بإکرام زید علی تقدیر مجیئه. وثانیۀً: تتعلّق به عند حصوله، کتعلّقها بالصوم عند
الفجر. وثالثۀً: تتعلّق به قبله، کتعلّقها بالخروج إلی استقبال زید الذي سیصل إلی البلد بعد ساعات مثلًا.
ففی هذه الأقسام تکون الإرادة منوطۀ بالتقدیر، فإذا علم به کان لها الفاعلیّۀ، کما لو علم بوقت قدوم المسافر خرج إلی استقباله، ولو
علم بالفجر صام، ولو علم بالمجئ أکرم … فکان للعلم بالتقدیر دخل فی فاعلیۀ الإرادة وتأثیرها.
وهذه هی المقدمۀ الأولی … ونتیجتها فی الترتب هو:
إنّ الإرادة المتعلّقۀ بالأهم مطلقۀ ولیس فیها تقدیر، والمتعلّقۀ بالمهم منوطۀ غیر منوطۀ بتقدیر ترك الأهم، وموجودة قبل حصول
التقدیر المذکور، غیر أنّ فاعلیّتها متوقّفۀ علی حصوله. وعلی هذا، فمورد الترتب فی طرف الأهم من قبیل الإرادة المطلقۀ، ومن طرف
المهم من قبیل الإرادة المنوطۀ، فکما لا فاعلیّۀ لإرادة الصّوم قبل طلوع الفجر، کذلک لا فاعلیّۀ لإرادة ال ّ ص لاة قبل ترك إزالۀ النجاسۀ
من
ص: 227
المسجد، بل عند تحقق ترکها تتحقّق الفاعلیّۀ بالنسبۀ إلی الأمر بالمهم.
قال الأُستاذ:
وهذا بیانٌ آخر لمطلب المیرزا، غیر أنه قال: بأنّ الأمر بالمهم لا تحقّق له ما لم یتحقق الشرط- وهو ترك الأهم- فلا فعلیّۀ له ولا
فاعلیۀ، والحائري یقول بوجود الفعلیّۀ له، وإنما الفاعلیّۀ منوطۀ بترك الأهم.
وقد خالفا صاحب الکفایۀ، إذ جعل الترك شرطاً متأخّراً، وقد جعلاه مقارناً، غیر أنّه عند المیرزا هو شرط مقارن للفعلیّۀ فما لم یتحقق
فلا فعلیّۀ، وعند الحائري هو شرط مقارن للفاعلیّۀ فما لم یتحقق فلا فاعلیّۀ، أمّا الفعلیّۀ فهی محققۀ قبل الشرط للأمر بالمهم کما هی
محقّقه للأمر بالأهم.
ثم ذکر الشیخ الحائري فی المقدّمۀ الثانیۀ: إنه لمّا کانت الإرادة فی المهم منوطۀً بالتقدیر، فإنه یستحیل تحقق الفاعلیّۀ لها قبل تحقّقه،
فلیس لها أيتأثیر فی تحرّك العبد إلا بعد تحقق التقدیر، إذ لو فرض لها فاعلیّۀ قبله للزم الخلف وهو محال.
قال:
صفحۀ 128 من 205
قد توافق الشیخ الحائري والمحقق العراقی علی أن حقیقۀ الواجب المشروط هی الإرادة المنوطۀ، وقد أخذا هذا من فکر السید المحقّق
الفشارکی، والسرّ فی الالتزام بذلک فی الواجب المشروط هو: إنه إذا قال: إذا زالت الشمس فصلّ، فهل قبل الزوال یوجد إیجابٌ
ووجوبٌ أو کلاهما یحصلان عند الزوال، أو یحصل الإیجاب بهذا الإنشاء والوجوب عند الزوال؟
فإن قلنا: بحصولهما عند الزوال، فالإنشاء قبله لغو. وإن قلنا: بحصول الإیجاب عند الإنشاء والوجوب عند الزوال، لزم التفکیک بین
الإیجاب
ص: 228
والوجوب.
فتعیّن القول بحصولهما عند الانشاء … وهذا هو الواجب المشروط. لکن یرد علیه:
أوّلًا: إن هنا إرادة قد أُنیطت بقیدٍ وتقدیرٍ، ومعنی الإناطۀ هو الابتناء والإشتراط، فإن لم یکن للقید دخلٌ فی الإرادة فهی مطلقۀ ولا
إناطۀ، وإن جعل دخل القید فی الفاعلیۀ فقط، لزم أن تکون الإرادة مطلقۀً کذلک. فلیس الواجب مشروطاً بل هو مطلق … نعم،
للمحقق الحائري أن یقسّم الواجب المطلق إلی قسمین، أحدهما: ما کانت للإرادة فیه فعلیّۀ بلا فاعلیّۀ، والآخر: ما کانت للإرادة فیه
فعلیّۀ وفاعلیّۀ.
وثانیاً: إنّ شروط الوجوب تختلف عن شروط الواجب، لأنّ شروط الوجوب لها دخل فی الغرض من الحکم، فما لم یتحقق الشرط فلا
غرض، کالزوال بالنسبۀ إلی ال ّ ص لاة، وشروط الواجب لها دخل فی فعلیّۀ الغرض، کالطهارة بالنسبۀ إلی الصّلاة، إذ الغرض من الصّلاة
موجود سواء وجدت الطهارة أو لا، لکنّ فعلیّۀ الغرض موقوفۀ علیها.
وعلی ما ذکره من تحقّق الإرادة وفعلیتها فی الواجبات المشروطۀ قبل حصول الشرط، یلزم تخلّف الإرادة عن الغرض، فکیف تتحقّق
الإرادة والغرض غیر حاصل لکونه مشروطاً بشرط غیر حاصل … وبعبارة أُخري: کیف تتحقّق الإرادة مع العلم بعدم تحقق الغرض
والحال أنّ الإرادة تابعۀ للغرض؟
إیراد المحقق الإصفهانی وجوابه:
وأمّا إیراد المحقق الإصفهانی: بأن تخلّف الإرادة عن المراد محال، سواء کانت الإرادة تکوینیّۀ أو تشریعیّۀ، لأنّ الإرادة التکوینیّۀ هی
الجزء الأخیر للعلّۀ
ص: 229
التامّۀ، والتشریعیّۀ هی الجزء الأخیر لإمکان البعث، ولا یتخلّف إمکان البعث عن امکان الإنبعاث.
فقد أجاب الأُستاذ عنه: بأنه یبتنی علی إنکار الواجب المعلّق وعدم تخلّف البعث التشریعی عن الانبعاث، وقد تقدّم فی محلّه إثبات
الواجب المعلّق وإمکان التخلّف فی التشریعیّات … فمن الممکن أن یکون الوجوب حالیّاً والواجب استقبالیّاً.
الترتّب ببیان المحقق العراقی …: ص: 229
طلب الضدّین بنحو العرضیّۀ مضافاً إلی جواز ذلک بنحو الترتب، خلافاً للمحققین الآخرین، إذ خصّوا «1» وقد جوّز المحقق العراقی
ذلک بالترتب فقط، ونحن نذکر محصّل کلامه فی کلتا الجهتین کما فی (نهایۀ الأفکار):
أمّا تصویره طلب الضدّین علی نحو العرضیّۀ، فقد ذکر أنّ الأهم والمهم یُطلبان فی عرض واحدٍ- وبلا تقیید لا فی الطلب ولا فی
المطلوب- إلّاأنّ إیجاب الأهمّ تام، وإیجاب المهمّ ناقص.
التخییري، فقد ذهب إلی أنّه أمر بالشیء مع النهی عن «2» والأصل فی هذه النظریّۀ هو المحقق صاحب الحاشیۀ فی تعریف الواجب
بعض أنحاء التروك، فی قبال الواجب التعیینی فهو الأمر بالشیء مع اقتضائه للنهی عن جمیع أنحاء التروك، وذلک: لأن لکلّ وجوب
صفحۀ 129 من 205
تروکاً متعددةً بالنظر إلی مقدّماته وأضداده، فال ّ ص لاة تنتفی بانتفاء الطهارة التی هی من شروطها، وبوجود المزاحم، فیکون وجود
الصّلاة موقوفاً علی وجود شرائطها وعدم جمیع الموانع لها،
__________________________________________________
375 ط جامعۀ المدرّسین. (2 - 1) نهایۀ الأفکار ( 1 )
2) هدایۀ المسترشدین: 247 ط حجري. )
ص: 230
ویتعدّد عدمها بعدد کلّ مقدمۀٍ مقدمۀٍ إذا عدمت، وبعدد کلّ مزاحم مزاحم إذا وجد … وعلی هذا، فالواجب المطلق ما انسدّ فیه
جمیع الأعدام، ومقتضی تعلّق الطلب به هو سدّ أبواب الأعدام کلّها. وکذلک الواجب التعیینی، فهو یقتضی سدّ التروك، لأنّ ترك
العتق یتحقّق بترك الصوم وبفعل الصوم، فإذا وجب العتق علی نحو التعیین، کان وجوبه مقتضیاً لانتفاء ترکه مع فعل الصوم وانتفائه مع
ترك الصوم. لکنه إذا وجب علی نحو التخییریۀ یسدّ باب ترکه مع ترك الصوم لا مع فعله، إذ له أن یصوم ولا یعتق … فهذا معنی أنّ
الواجب التخییري هو الأمر بالشیء مع النهی عن بعض أنحاء ترکه.
ونتیجۀ هذا التحقیق فی حقیقۀ الوجوب التخییري هو أن متعلّق الطلب فیه هو الح ّ ص ۀ الملازمۀ لترك العدل، فمتعلّق الطلب فی العتق
مثلًا هو الحصۀ الملازمۀ لترك الصوم والإطعام، دون الحصّۀ الملازمۀ لفعلهما. ومن هنا اتّخذ المحقق العراقی مصطلح الحصّۀ التوأمۀ.
وعلی ضوء ما تقدم، قال هنا:
إنّ الضدّین إمّا لا ثالث لهما کالحرکۀ والسکون، وإمّا لهما ثالث کالصّلاة والإزالۀ.
فإن کانا من قبیل الأول، فالتخییر الشرعی مستحیل بل هو تخییر عقلی من باب لابدیّۀ أحد الأمرین، إذ التخییر الشرعی إنما یکون
حیث یمکن ترك کلا الطرفین ولا یکون أحدهما قهري الحصول، فلیس الحرکۀ والسکون من موارده.
وإن کانا من قبیل الثانی، فالمجموع مقدور علی ترکه ولیس شیء منه بقهريّ الحصول، وحینئذ، فالحکم هو التخییر شرعاً، لأن
المفروض إمکان استیفاء الملاك بکلٍّ من الطرفین، فمع أن ملاك الصّوم یغایر ملاك العتق، وبینهما
ص: 231
تضاد، لکن مجموع الملاکات یمکن استیفاؤه کما یمکن تفویته، فلو لم یجعل الشارع خطاباً تخییریاً لزم انتفاء المجموع، وجعل
الخطاب التعیینی غیر ممکن، لفرض التضادّ بین الملاکات، فیجب وجود الخطاب التخییري … ومن هنا یقول هذا المحقق: إن
المجعول فی الواجبات التخییریۀ متمّم الوجود والوجوب، لأنّ الوجوب فی کلّ فردٍ من التخییري ناقص- بخلاف الوجوب فی الواجب
التعیینی- إذ ینسد باب العدم عن أحد الفردین حیث یترك الفرد الآخر، أمّا مع فعله فلا یلزم سدّ باب العدم.
والمهم أن نفهم کیفیۀ الوجوب التخییري، وأنه کیف یکون أحد الوجوبین فی الأهم والمهم ناقصاً، ویکون کلاهما تامّاً فی
المتساویین؟
یقول: إن الضدّین إمّا متساویان فی الملاك وإمّا مختلفان، والواجبان إمّا مضیّقان وإمّا موسّعان، وإمّا أحدهما مضیّق والآخر موسّع.
فإن کانا مضیّقین وتساویا فی الملاك- ولا أهم ومهم- احتمل اشتراط الطلب فی کلّ منهما بترك الآخر، واحتمل اشتراط المطلوب
فی کلّ منهما بترك الآخر، لکنّ کلیهما مستحیل، وینحصر الأمر بکون وجوبهما وجوباً ناقصاً.
ووجه الإستحالۀ هو: أنه لو کان الغریقان متساویین فی الملاك ولا یمکن انقاذهما معاً، فإن اشتراط طلب انقاذ هذا بترك انقاذ ذاك
محال، لأنه إن ترك انقاذ کلیهما تحققت المطاردة بین الطلبین، لحصول شرط وجوب کلٍّ من الطلبین بترك کلیهما، ویصبح الطلبان
فعلیین، والطلبان الفعلیّان مع وحدة القدرة محال.
واشتراط طلب انقاذ کلٍّ منهما بمعصیۀ الأمر بإنقاذ الآخر محال کذلک، للزوم تأخّر المتقدّم بمرتبتین، لأن المفروض کون طلب انقاذ
صفحۀ 130 من 205
هذا مشروطاً بمعصیۀ طلب إنقاذ الآخر، والمعصیۀ متأخّرة عن الطلب، والمشروط متأخّر عن الشرط،
ص: 232
فکلّ طلبٍ متأخّر بمرتبتین ومتقدّم بمرتبتین، وهذا محال.
فتحصّل: استحالۀ اشتراط طلب أحد الضدّین المتساویین ملاکاً بترك الآخر أو بمعصیۀ الأمر المتعلّق بالآخر.
فلا یمکن أن یکون الطلب مشروطاً.
وأمّا المطلوب فکذلک، لأن المطلوب- وهو الواجب- متأخّر عن الشرط، فلو اشترط المطلوب الواجب- وهو إنقاذ هذا الغریق- بترك
إنقاذ الآخر، کان المطلوب متأخّراً عن الترك، والترك یتقدّم علی وجود الإنقاذ تقدّم الشرط علی المشروط، لکن وجود إنقاذ هذا
متّحد رتبۀً مع ترك إنقاذ الآخر وکذا العکس، لکون النقیضین فی مرتبۀٍ واحدة.
فتکون النتیجۀ تأخّر وجود هذا الإنقاذ عن وجود انقاذ الآخر، وقد عرفت تأخّر وجود الآخر عن وجود هذا کذلک … فیستحیل اشتراط
الواجب بترك الواجب الآخر.
وهکذا الحال لو اشتراط الواجب المطلوب بمعصیۀ الأمر المتعلّق بالمطلوب الآخر، لما ذکرناه فی اشتراط الطلب بمعصیۀ طلب الآخر.
وإذا استحال اشتراط الطلب واشتراط المطلوب، فلا مناص من الالتزام- فی المضیّقین المتّحدي الملاك- بوجوبین ناقصین، والمقصود
هو: إن کلّاً من الإنقاذین واجب، بحیث یطرد هذا الوجوب عدم نفسه إلّامن جهۀ وجود انقاذ الآخر، فلو أنقذ الغریق الآخر لم یجب
انقاذ هذا، وکذا العکس.
قال: إنّ وجوب شیء علی تقدیر وجود شیء آخر،- کما لو وجب إکرام زید علی تقدیر مجیئه- هو فی الحقیقۀ إلزام من جهۀٍ
وترخیص من جهۀ أُخري، إذ الإکرام یکون واجباً إن جاء، ویکون مرخّصاً فیه فی فرض عدم مجیئه، فاجتمع
ص: 233
الإلزام مع الترخیص فی الترك، وکذلک یمکن أن یجتمع الإلزام بفعل شیء مع الإلزام بترك نفس الشیء، لأنّ کلّ شیء له أضداد
وموانع عن وجوده، فیصح الإلزام بفعل شیء علی تقدیر وجود ضدٍ من أضداده، والإلزام بترك الشیء نفسه علی تقدیر وجود ضدٍ
آخر، کأن یلزم بإتیان ال ّ ص لاة علی تقدیر النوم، بمعنی أن النوم لا یرفع وجوب ال ّ ص لاة، وأن یلزم بترك ال ّ ص لاة علی تقدیر ضدّ آخر
وهو الإزالۀ، بمعنی أنه مع الإتیان بالإزالۀ مأمور بترك الصّلاة.
فظهر إمکان الأمر بالضدّین المتساویین فی الملاك بالوجود والوجوب الناقص.
وأما إنْ کانا غیر متساویین، بل کان أحدهما أهم من الآخر فکذلک … لما تقدّم من أن للشیء أنحاء من العدم بأنحاء الإضافات
والأضداد والمقدّمات، فلو حصل التمانع بین طلب الإزالۀ وطلب ال ّ ص لاة، وکانت الإزالۀ أهم، تحقق لل ّ ص لاة عدم من ناحیۀ وجود
الإزالۀ، وعدم من ناحیۀ وجود غیر الإزالۀ کالأکل والنوم وغیرهما.
إلّا أنه لمّا کان المفروض کون طلب ال ّ ص لاة ناقصاً، کان المقصود هو عدم مطلوبیّۀ الصلاة فی حال تحقق الإزالۀ، لکنّها مطلوبۀ من
ناحیۀ وجود غیر الإزالۀ من الأضداد، فاجتمع فی طلب ال ّ ص لاة جهۀ الإلزام بفعلها والإلزام بترکها. أمّا الإلزام بفعل ال ّ ص لاة فمن غیر
ناحیۀ وجود الإزالۀ، وأما الإلزام بترکها فمن ناحیۀ وجود الإزالۀ … هذا بالنسبۀ إلی طلب الصّلاة.
وأمّا الإزالۀ- وهی الأهم- فإن طلبها تام ولیس بناقص، فهو یریدها من جمیع النواحی، أيیرید الأعدام کلّها، عدم الصّلاة، عدم الأکل،
عدم النوم … فقد توجّه الأمر بالإزالۀ بهذا الشکل…
ص: 234
وبهذا البیان لا یلزم أيّ محذور من أن یجتمع الأمر بالضدّین- الإزالۀ وال ّ ص لاة- ویکونا فی عرضٍ واحد … لأن المحذور لا یکون
إلّافی مرحلۀ الاقتضاء أو فی مرحلۀ الامتثال والطاعۀ، ومع کون أحد الطلبین تامّاً والآخر ناقصاً فلا یلزم أيّ محذور، لأنّ مقتضی الأمر
صفحۀ 131 من 205
بالأهم إعدام المهم بلحاظ وجود الأهمّ لتمامیّۀ اقتضاء وجوده من هذه الناحیۀ، بخلاف الأمر بالمهم فلیس له هذا الاقتضاء بالنسبۀ إلی
الأهم، وإنما یقتضی إعدام الأضداد الأُخري … فلا مطاردة بین الطلبین … فی مرحلۀ الاقتضاء. وکذلک فی مرحلۀ الامتثال، لأنّه مع
امتثال الأمر بالأهمّ لا یبقی الموضوع للأمر بالمهمّ حتی تصل النوبۀ إلی امتثاله، لأنّ الأهمّ یقتضی سدّ باب عدمه من ناحیۀ المهم، أمّا
الأمر بالمهم فقد کان ناقصاً، لفرض کونه محفوظاً بالنسبۀ إلی غیر الإزالۀ من الأضداد، أمّا بالإضافۀ إلی الإزالۀ فلا…
أللّهم إلّاأن تصل النوبۀ إلی إطاعته بالتمرّد والمعصیۀ للأمر بالأهمّ، وهذا شیء آخر غیر المطاردة بین الأمرین.
فظهر: أن الأمر بالأهمّ لا یطرد إطاعۀ الأمر بالمهمّ، بل إنه مع إطاعۀ الأمر بالأهم لا یبقی موضوع لطاعۀ الأمر بالمهم، وإن الأمر بالمهم
لا یطرد إطاعۀ الأمر بالأهم، لأن الأهم إن لم تتحقّق إطاعته فذلک علی أثر العصیان لا علی أثر الأمر بالمهم…
فلا مطاردة بین الأمرین، لا اقتضاءً ولا امتثالًا.
إشکال المحقق الإصفهانی
علی نظریۀ المحقق العراقی بما توضیحه: «1» وأورد المحقق الإصفهانی
أنّ إمکان الترتّب غیر موقوفٍ علی « الناقص » و « التام » إنه إن کان المراد من
__________________________________________________
.223 -222 / 1) نهایۀ الدرایۀ 2 )
ص: 235
اشتراط وجوب المهم وترك الأهم وعصیانه، وأنه یمکن بنحو الواجب المعلّق، فلا حاجۀ إلی هذا التقریب الغریب، حیث صوّرتم
الحصص للعدم وأنّ للشیء- الذي له وجود واحد- أعداماً عدیدة، بل نقول: إنه من المعقول أن یکون الوجوب فعلیّاً ویکون الواجب
مقیّداً بظرف معصیۀ الأهم، کما هو الحال فی کلّ واجب معلّق، حیث الوجوب مطلق والواجب حصّۀ خاصۀ. هذا أولًا. وثانیاً: إن کان
المقصود أن المهمّ غیر مشروط بمعصیۀ الأهم، وأنه یصوّر وجوب المهم بنحو الواجب المعلّق، فیرد علیکم لزوم التفکیک بین فعلیّۀ
الوجوب وفاعلیّته، وهذا باطل، إذ الطلب الفعلی یتقوّم بأن یجعل المولی ما یمکن أن یکون محرّکاً وباعثاً للعبد، فهذا معنی إمکان
الباعثیّۀ، لأن العبد لو خلّی عن الموانع یکون للطلب إمکان الباعثیّۀ له، فقولکم بوجود الأمر والطلب وبفعلیّته لکن بلا فاعلیۀ، یستلزم
التفکیک بین البعث والانبعاث، وهذا غیر معقول.
رفع المطاردة والتمانع بین الأهم والمهم، فهذا غیر متحقّق، لأن المفروض إطلاق الأمر « الناقص » و « التام » وإن کان المراد من تصویر
بالأهم، فهو موجود فی حال وجود المهم وفی حال عدمه، وحینئذٍ، فالحصّۀ من عدم الأهم الملازمۀ مع وجود المهم مطرودة من قبل
الأهم ولا یبقی الاقتضاء للمهم، وأمّا الح ّ ص ۀ من عدم الأهم الملازمۀ لعدم المهم، فیتحقّق فیها المطاردة. مثلًا: لو ترك الأهم مع عدم
المهم لوجود بعض الأضداد الأُخري، کان الأمر بالمهم مقتضیاً لطرد عدمه من ناحیۀ غیر وجود الأهم، لأنه یدعو إلی نفسه من غیر
ناحیۀ الأهم من سائر الأضداد، لکن الأمر بالأهم موجود بإطلاقه، فهو یقتضی عدم نفسه، فالطّرد یحصل من طرف الأهم والمهم
کلیهما، إذ الأهم یقول بطرد عدم نفسه والمهم یقول مع وجود بعض الأضداد الأُخري بطرد عدم نفسه، والمفروض أن القدرة
ص: 236
واحدة والوقت ضیّق.
دفاع الأُستاذ عن المحقق العراقی
وقد أجاب شیخنا الأُستاذ، أمّا عن الإشکال الأوّل: فبأنّ المحقق العراقی لا یقصد إثبات المطلب عن طریق الواجب المعلّق، بل یرید أن
هنا طلبین بلا اشتراط من طرف المهم، وأحدهما تام والآخر ناقص، فلا علاقۀ للبحث بالواجب المعلّق. وبعبارة أُخري: إنه لو أنکرنا
الواجب المعلّق فما الإیراد علی نظریّۀ المحقق العراقی؟
صفحۀ 132 من 205
إنه یقول: بأن أحد الطلبین ناقص والآخر تام، أمّا فی الواجب المعلّق فالطلب تام ولیس بناقص، وإنما المتعلّق له هو الح ّ ص ۀ … فکم
الفرق؟
هذا أوّلًا. وثانیاً: إن المحقق العراقی من القائلین بالواجب المعلّق، فالإشکال علیه من هذا الحیث مبنائی.
وقد بیّن المحقق العراقی عدم حصوله فی مرحلۀ الاقتضاء وفی مرحلۀ « التمانع » هو « المطاردة » وأمّا عن الإشکال الثانی: فبأن معنی
الامتثال، فهو یقول باقتضاء الأهم إعدام المهم دون بقیّۀ أضداد المهم، إذ لا نظر للأهم إلی الأکل والشرب والنوم وأمثالها، وإنما یدعو
إلی نفسه وترك المهم، والمهم یقتضی الاتیان به من ناحیۀ بقیّۀ الأضداد لا من ناحیۀ وجود الأهم، فلا تمانع بین الاقتضائین. وکذلک
یقول فی مرحلۀ الإطاعۀ بمعنی: أن الأهم یدعو إلی نفسه ویرید الإطاعۀ له، لکنّ المهمّ لا اقتضاء له للإطاعۀ مع وجود الأهم، لأنه مع
تأثیر الأهم فی الإطاعۀ لا یبقی موضوع للأمر بالمهم، حتی یمکنه طرد الأهم … ولو فرض سقوط الأمر بالأهمّ علی أثر التمرّد
والعصیان له، فلا فاعلیّۀ له لیکون طارداً للأمر بالمهم، لفرض کون الأمر بالأهم منطرداً حینئذٍ- حسب تعبیره- فأین
ص: 237
المطاردة؟
اشکال الأُستاذ
هذا، وأورد الاستاذ علی المحقق العراقی: بأنّ العمدة فی الفرق بین نظریّته وأنظار المحققین الآخرین هو عدم الاشتراط والتقیید بین
الطلبین، بل إنّ کلًا منهما بالنسبۀ إلی الآخر مطلق، غیر أنّ أحد الطلبین تام والآخر ناقص فالإشکال هو: إنّ الإطلاق وعدم التقیید فی
الطلب یرجع إلی المولی، کما أنّ أصل الطلب یرجع إلیه، وکما یعتبر فی أصل الخطاب والطلب أن لا یکون لغواً- لفرض کون
المولی حکیماً لا یفعل اللغو- کذلک یعتبر فی الاطلاق وجود الأثر وعدم اللّغویۀ، لکنّ وجود الأمر بالمهم مع امتثال الأمر بالأهم لغو،
فلا یمکن أن یکون مطلقاً، إذ لا أثر لطلبه مع امتثال الأمر بالأهم، فإمّا یکون الأمر بالمهم مهملًا، لکن الإهمال أیضاً محال، وإمّا أن
یکون مشروطاً ومقیّداً بترك الأهم، وهذا هو المعقول والمتعیّن، فعاد الأمر إلی الترتّب وانتهی الاشتراط الذي هو مبنی المیرزا.
وقد فرغنا- حتی الآن- من طرح نظریّات المیرزا، والحائري تبعاً للفشارکی، والعراقی … وقد عرفت أن أمتن البیانات هو بیان المیرزا،
وبقی:
الترتب ببیان المحقق الإصفهانی … ص: 237
مقدمتین: «1» ( وقد ذکر تحت عنوان (والتحقیق الحقیق بالتصدیق
إحداهما: إن ثبوت المقتضیین للضدّین جائز، وإنما المحال وجود الضدّین، بل یجب تحقق المقتضیین لهما، فلو فرض عدم المقتضی
لأحدهما لم تصل النوبۀ فی عدم الضدّ إلی وجود الضدّ الآخر ومانعیّته له … مضافاً: إلی أن ذلک کذلک فی الوجدان، إذ الشیء
الواحد یمکن أن تتعلّق به إرادة زید وإرادة عمرو
__________________________________________________
.241 / 1) نهایۀ الدرایۀ 2 )
ص: 238
فی وقت واحد، والجسم الواحد یصلح لأن یکون لونه أسود أو أبیض…
وعلی الجملۀ، فإنه لا تمانع بین المقتضیین، بل هو بین مقتضی هذا وذاك.
الثانیۀ: إن النسبۀ بین الأمر وإطاعته هی نسبۀ المقتضی إلی المقتضی، لا العلّۀ إلی المعلول، لأنه لو کان من قبیل العلّۀ والمعلول لکان
منافیاً للاختیار، والحال أن اختیار المکلّف محفوظ، وأمر المولی إنما هو جعلٌ لما یمکن أن یکون داعیاً ومحرّکاً للمکلّف نحو
صفحۀ 133 من 205
الامتثال، ولذا تتوقّف فعلیّۀ الامتثال وتحقّقه علی خلّو نفس العبد من موانع العبودیّۀ.
وبعد المقدمتین:
فإن أمر المولی بأمرین، ولم یکن لأحدهما قید، تحقّق المقتضی التامّ للفعلیّۀ لإیجاد الدّاعی فی نفس العبد، فإذا کان العبد مستعدّاً
للامتثال صلح کلّ من الأمرین لأن یصل إلی مرحلۀ الفعلیّۀ، وحینئذٍ، تقع المطاردة بینهما … أمّا لو کان أحد الأمرین غیر مطلقٍ. بل
علی تقدیر،- والمقصود هو التقدیر فی مرحلۀ الاقتضاء لا مرحلۀ الفعلیّۀ- فیکون الأمر بالمهم مقدّراً ومقیّداً بسقوط الأمر بالأهم عن
المؤثّریۀ، بمعنی أن أصل الإنشاء بداعی جعل الدّاعی فی طرف المهم مقیّد بأن لا یکون الأمر بالأهم مؤثّراً، وحینئذٍ، یکون الإقتضاء
فی أحد الأمرین معلّقاً، وعلی هذا تستحیل المطاردة بینهما، لأن اقتضاء الأمر بالأهم تنجیزي واقتضاء الأمر بالمهم تعلیقی … ففی حال
تحقّق الأمر بالمهم یکون الأمر بالأهم منطرداً مطروداً، فلا تصل النوبۀ لأن یکون الأمر بالمهم طارداً له.
أقول:
إن هذا الوجه هو عین الوجه الذي ذکره المحقق العراقی، وقد عرفت ما فیه، فالصحیح ما ذهب إلیه المیرزا.
ص: 239
الکلام فی