گروه نرم افزاری آسمان

صفحه اصلی
کتابخانه
جلد سوم
النسخ … ص: 289







اشارة
ص: 291
. کلام الکفایۀ …: ص: 291
اشارة
إذا نسخ الوجوب، فلا دلالۀ لدلیل الناسخ ولا المنسوخ علی بقاء الجواز بالمعنی الأعم ولا بالمعنی الأخص، کما لا دلالۀ لهما علی »
ثبوت غیره من الأحکام.
ضرورة أنّ ثبوت کلّ واحدٍ من الأحکام الأربعۀ الباقیۀ بعد ارتفاع الوجوب واقعاً ممکن، ولا دلالۀ لواحدٍ من دلیلی الناسخ والمنسوخ-
.«1» « بإحدي الدلالات- علی تعیین واحدٍ منها، کما هو أوضح من أن یخفی، فلابدّ للتعیین من دلیلٍ آخر
أقول:
لا إکراهَ فی » حیث قیل إنّ الآیۀ منسوخۀ بقوله عز وجل « فَاقْتُلُوا الْمُشْرِکینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ » : للبحث أمثلۀ کثیرة، منها: قوله عزّ وجلّ
.« الدِّین
فهل یبقی جواز القتل بعد زوال الوجوب أو لا؟ فههنا مقامات، أحدها: بقاء الجواز ثبوتاً، والثانی: الجواز إثباتاً، والثالث: فی مقتضی
الأُصول فی المسألۀ…
صفحۀ 157 من 205
وقد أشار المحقق الخراسانی فی کلامه المزبور إلی أنّ للجواز معنیین، أحدهما: الجواز بالمعنی الأعمّ، وهو ما یجتمع مع الوجوب
والاستحباب
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الأُصول: 140 )
ص: 292
هو المعنی الأعم لا « الجواز » یقتضی أن یکون المراد من « البقاء » والإباحۀ، والآخر: الجواز بالمعنی الأخص، وهو الإباحۀ. ولفظ
الأخص.
فما ذکره المحقق المذکور من عدم الدلالۀ علی بقاء الجواز، لا بالمعنی الأعم ولا بالأخص، مخدوش، لأن الجواز بالمعنی الأخص
لیس بقائیّاً أصلًا بل هو حدوثی.
. المقام الأوّل … ص: 292
اشارة
إن البحث الثبوتی فی المسألۀ یبتنی علی تشخیص حقیقۀ الوجوب، فهل هو بسیطٌ أو مرکّب، وعلی الثانی هو مرکّب من جواز الفعل
مع المنع عن الترك ترکیباً انضمامیّاً، أو مرکّب منهما ترکیباً اتحادیّاً من قبیل الترکیب بین الجنس والفصل، فیکون موجوداً بوجودٍ
واحدٍ منحلٍّ إلی جزئین؟ أقوال.
فعلی القول بالبساطۀ- وهو الحق- لا بقاء للجواز بعد ارتفاع الوجوب، لأنّ الحقیقۀ شیء واحد، إمّا موجود وإمّا مرتفع، إذ البسیط لا
یتبعّض والواحد لا یتعدّد.
وکذا علی القول بالترکیب الاتّحادي، لأن بقاء الجنس بعد زوال الفصل غیر معقول إلّامتفّصلًا بفصلٍ آخر.
وأمّا علی القول بالترکیب الإنضمامی، فیمکن بقاء الجواز ثبوتاً بعد زوال الوجوب، وهذا واضح.
تصویر المحقق العراقی بقاء الجواز علی القول بالبساطۀ … ص: 292
تصویر بقاء الجواز ثبوتاً علی القول بالبساطۀ، بأنّ الوجوب عبارة عن الإرادة غیر المحدودة «1» وحاول المحقق العراقی رحمه اللَّه
بالحدّ العدمی، وهذه
__________________________________________________
.391 -390 (2 - 1) نهایۀ الأفکار ( 1 )
ص: 293
الإرادة- مع کونها بسیطۀ- مشتملۀ علی ثلاثۀ أُمور هی: أصل الرجحان، والجواز، والحدّ الوجوبی وهو شدّة الرجحان، فلو ارتفع شدّة
الرجحان- وهو الوجوب- أمکن بقاء الرجحان والجواز، نظیر اشتمال اللّون الأبیض علی: اللّونیۀ، والبیاض، وشدّة البیاض، فإن ارتفعت
الشدّة، کان اللون والبیاض باقیین.
ویشهد بذلک قولهم بجریان الإستصحاب فی المراتب، کما فی النور، فلو کان هناك نور شدید، ثم علم بارتفاع الشدّة وشکّ فی
بقاء أصل النور والضوء، فإنّه یستصحب النور.
صفحۀ 158 من 205
مناقشته … ص: 293
وقد یورد علیه بناءً علی أنّ الوجوب أمر منتزعٌ من اعتبار الشارع اللّابدیّۀ علی ذمّۀ المکلّف، والأُمور الانتزاعیۀ لا مراتب لها ولیست
مشکّکۀ. لکنّه إشکال مبنائی.
فیرد علیه- مع حفظ المبنی- أولًا: إن الإرادة، وهی الشوق الأکید غیر المحدود، کیف نفسانی تکوینی، والترخیص أمر جعلی اعتباري،
فکیف یکون من أجزاء الأمر التکوینی؟
ومن هنا یظهر أن الإرادة لیست إلّاالشوق وشدّة الشوق، ولا ثالث.
وثانیاً: إنه علی فرض کون الترخیص أمراً واقعیّاً، فإنّ الإرادة عبارة عن الشوق کما تقدّم، فإن أُبرزت مع الحدّ فهو الاستحباب، ومع
عدمه فهو الوجوب، فهی متقوّمۀ بالرجحان، لکنّ الترخیص هو اللّا اقتضاء، فاجتماع الترخیص مع الإرادة ودخالته فیها غیر معقول،
وعلیه، فلو نسخ الوجوب أمکن بقاء الاستحباب- علی مبنی المحقق العراقی- لا الجواز بالمعنی الأعم الذي هو مورد البحث.
ص: 294
دلیل المحاضرات علی الامتناع الثبوتی … ص: 294
قال: إن الجواز والوجوب لیسا مجعولین شرعیین، بل هما أمران انتزاعیّان، والمجعول الشرعی إنما هو اعتبار المولی لا غیره،
والمفروض أنه قد ارتفع بدلیل الناسخ، فإذن، لا موضوع للاستحباب (قال): ولو تنزّلنا عن ذلک وسلّمنا أنّ الوجوب مجعول شرعاً،
فمع ذلک لا دلیل لنا علی بقاء الجواز، والوجه فی ذلک:
أمّا أوّلًا: فلأن الوجوب أمر بسیط ولیس مرکّباً من جواز الفعل مع المنع من الترك.
وأمّا ثانیاً: فلو سلّمنا أن الوجوب مرکّب، إلّاأن النزاع هنا فی بقاء بالجواز بعد نسخ الوجوب وعدم بقائه، لیس مبنیّاً علی النزاع فی تلک
المسألۀ، أعنی مسألۀ إمکان بقاء الجنس بعد ارتفاع الفصل وعدم إمکانه، وذلک، لأن النزاع فی تلک المسألۀ إنما هو فی الإمکان
.«1» والاستحالۀ العقلیین، وأمّا النزاع فی مسألتنا هذه إنما هو فی الوقوع الخارجی وعدم وقوعه، بعد الفراغ عن أصل إمکانه
توضیحه:
إنّ الأمر الواقع بالنسبۀ إلی الوجوب هو اعتبار ثبوت الفعل فی ذمّۀ المکلّف، فإن اعتبر مع الترخیص فی الترك، کان المنتزع عقلًا هو
الاستحباب، فالوجوب فی الحقیقۀ أمر منتزع من الاعتبار الشرعی لا مع الترخیص، فلیس مجعولًا شرعیّاً، فلا موضوع للبحث عن أنه بعد
النسخ هل یبقی الجواز أو لا؟
وأیضاً: فإنّ حقیقۀ النسخ لیس الرفع، لأنه یستلزم الجهل فی الباري، وإنما هو الدفع، بمعنی أنّه بیانٌ لانتهاء أمد الحکم، وهذا مفاد
الدلیل الناسخ.
__________________________________________________
.205 -204 / 1) محاضرات فی أُصول الفقه 3 )
ص: 295
إشکال الُأستاذ … ص: 295
وأورد علیه شیخنا- فی کلتا الدورتین- بأن ما ذکره یناقض ما ذهب إلیه- تبعاً للمحقق العراقی- من عدم جریان الإستصحاب فی
الشبهات الحکمیّۀ الکلیّۀ الالهیۀ الإلزامیّۀ- خلافاً للمشهور بین المحققین- من جهۀ المعارضۀ بین استصحاب بقاء المجعول مع
صفحۀ 159 من 205
استصحاب عدم الجعل، کما لو شک فی جواز وطئ المرأة بعد انقطاع الدم وقبل الغسل، فالأصل بقاء الحکم المجعول وهو حرمۀ
الوطئ فی حال الحیض، لکن هذا الأصل معارض باستصحاب عدم جعل الحرمۀ لهذه الحال بالخصوص، فالوجوب والحرمۀ أمران
مجعولان شرعاً. بینما یقول هنا بأنهما غیر مجعولین من قبل الشارع، فکیف یقع التعارض؟
وأمّا قضیّۀ أن حقیقۀ النسخ هو الدفع، بمعنی انتهاء أمد الحکم، فإنّه لا منافاة بین انتهاء أمد الحکم الوجوبی وبقاء أصل الجواز.
فالمختار فی المقام … ص: 295
هو عدم البقاء ثبوتاً، من جهۀ أنّ الوجوب أمر بسیط، سواء کان انتزاعیّاً أو واقعیّاً. وما ذکره المحقق العراقی من تصویر المسألۀ بناءً
علی هذا القول، قد عرفت ما فیه.
هذا تمام الکلام فی المقام الأول.
. المقام الثانی … ص: 295
إنه بناءً علی تمامیّۀ بقاء الجواز ثبوتاً- کما علیه المحقق العراقی- تصل النوبۀ إلی مقام الإثبات والبحث عن دلالۀ الدلیل علی البقاء،
ولا دلیل إلّاالناسخ والمنسوخ. وتقریب الاستدلال هو: إن حکم الدلیل الناسخ بالنسبۀ إلی الدلیل المنسوخ حکم دلیل الاستحباب
بالنسبۀ إلی دلیل الوجوب، فکما یقتضی ذاك
ص: 296
الدلیل رفع الید عن ظهور ما دلّ علی الوجوب وحمله علی الاستحباب، کذلک ناسخ الوجوب، فإنه یزاحم المنسوخ فی دلالته علی
الوجوب، أيشدّة الارادة، ویبقی دلالته علی أصل الرجحان.
بأن هذا إنما یتمّ فی الدلیلین المتعارضین، کأن یقوم الدلیل علی الوجوب ثم یأتی دلیل آخر مفاده :«1» وقد أورد علیه المحقق العراقی
فبمقتضی نصوصیّۀ الثانی أو أقوائیّۀ ظهوره یتقدّم علی الأوّل، لا فی دلیلین أحدهما حاکم علی الآخر، لأنه لا یلحظ ،« لا بأس بالترك »
فی الحکومۀ جهۀ النصوصیّۀ أو الأقوائیۀ بل الحاکم یتقدّم علی المحکوم وإن کان أضعف ظهوراً منه. وما نحن فیه من هذا القبیل، فإنّ
الدلیل الناسخ ناظر إلی الدلیل المنسوخ، وهذا معیار الحکومۀ، فلا یتم تنظیر محلّ الکلام بالوجوب والاستحباب.
ثم قال: وبناءً علی الحکومۀ، وأن الحاکم یتقدّم علی المحکوم وإن کان أضعف ظهوراً، فإنّ الظهور العرفی قائم علی کون الناسخ
ناظراً إلی المنسوخ بجمیع مراتبه لا بعضها، وعلی هذا، فإن المنسوخ یرتفع بتمام مدلوله- وهو الإرادة- وحینئذٍ لا یبقی شیء بعد
ارتفاع الوجوب.
قال: أللّهم إلّاإذا کان الناسخ مجملًا، فإنه یقتصر فیه علی القدر المتیقّن، وهو نسخه لمرتبۀ الشدّة من الإرادة، فیبقی أصل الإرادة، إلّاإذا
سري إجمال الناسخ إلی المنسوخ فیسقط من الأساس.
قال الأُستاذ
ولا یرد علی المحقق المذکور: أن ما ذکره إنما یتم فی صورة کون الظهور ذا مراتب، وهذا أول الکلام، إذ لا ینبغی الإختلاف فی
مراتب الظهور، وإلّا لما أمکن
__________________________________________________
.391 (2 - 1) نهایۀ الأفکار ( 1 )
ص: 297
تقدم النصّ علی الظاهر، إذ النصوصیّۀ لیست إلّاالشدّة فی مرتبۀ الظهور.
صفحۀ 160 من 205
لکنّ الإشکال الوارد علیه فی استثنائه صورة إجمال الناسخ، إذ فیه:
أوّلًا: إن الناسخ دلیل منفصلٌ عن المنسوخ، فیستحیل سرایۀ إجماله إلیه، وإلّا لزم سرایۀ إجمال کلّ مخصّص منفصل مجمل إلی العام،
وعدم جواز التخصیص…
وثانیاً: إن بقاء الرجحان فی حال عدم سرایۀ الإجمال- إن کان مجملًا- إلی المنسوخ، موقوف علی دلالۀ المنسوخ علی الرجحان، وهی
إمّا بالإلتزام وإمّا بالتضمّن- وهو یقول بالثانی لأنه یري أن الرجحان من مراتب الوجوب، والتحقیق هو الأول- لکنّ الدلالۀ التضمنیّۀ
والإلتزامیۀ فرعٌ للدلالۀ المطابقیّۀ، فی الحدوث والحجیّۀ، فلو سقطت فلا تبقی الدلالتان، وفیما نحن فیه: تقع المزاحمۀ بین الناسخ
والمنسوخ، إمّا فی أصل مدلول المنسوخ وإمّا فی حجیّته، وعلی کلّ تقدیرٍ، فإنّه یسقط، وإذا سقط المدلول المطابقی استحال بقاء
شیء.
فالحق، أنه علی مسلک المحقق العراقی فی حقیقۀ الوجوب: لا یبقی دلالۀ علی الرجحان المستلزم للجواز بالمعنی الأعم.
. المقام الثالث … ص: 297
فإنّه- بعد الفراغ عن مرحلۀ الثبوت، وعن البحث الإثباتی- هل یجري استصحاب بقاء الجواز بعد ارتفاع الوجوب أو لا؟
إن المستصحب تارة شخصی وأُخري کلّی، وقد ذکروا للکلّی أقساماً:
أحدها: الکلّی الموجود فی الفرد المشکوك بقاؤه، فیصح استصحاب الکلّی واستصحاب الفرد.
الثانی: أن یکون الفرد مردّداً بین مقطوع الزوال ومقطوع البقاء، وهذا هو
ص: 298
القسم الثانی من أقسام الکلّی.
والثالث: أن یکون الفرد معیّناً، وهو زائل یقیناً، لکن یحتمل وجود فردٍ آخر للکلّی مع ذاك الفرد. وهذا هو القسم الأوّل من القسم
الثالث.
والرابع: أن یکون الفرد معیّناً، وهو زائل یقیناً، لکن یحتمل حدوث فردٍ آخر للکلّی مقارناً لزوال ذاك الفرد. وهذا هو القسم الثانی من
القسم الثالث.
والخامس: أن یکون المتیّقن حقیقۀ واحدة لکن ذا مراتب، فیقطع بزوال مرتبۀ ویشک بذلک فی بقاء الحقیقۀ وعدم بقائها.
فهذه مقدمۀ.
ومقدمۀ أُخري: إنه یعتبر فی الاستصحاب وحدة القضیۀ المتیقّنۀ مع القضیّۀ المشکوکۀ، وحدةً عرفیّۀ لا عقلیۀ.
وبعد المقدمتین، نذکر أوّلًا کلام المحقق الخراسانی فی هذا المقام؛ قال:
ولا مجال لاستصحاب الجواز إلّابناءً علی جریانه فی القسم الثالث من أقسام الکلّی، وهو ما، إذا شک فی حدوث فرد کلّی مقارناً »
لارتفاع الحادث الآخر، وقد حقّقنا فی محله أنه لا یجري الاستصحاب فیه ما لم یکن الحادث المشکوك من المراتب القویّۀ أو
الضعیفۀ المتّصلۀ بالمرتفع، بحیث یعدّ عرفاً- لو کان- أنه باق، لا أنه أمر حادث غیره. ومن المعلوم أن کلّ واحدٍ من الأحکام مع
الآخر- عقلًا وعرفاً- من المتباینات والمتضادّات، غیر الوجوب والاستحباب، فإنه وإن کان بینهما التفاوت بالمرتبۀ والشدّة والضعف
عقلًا، إلّاأنهما متباینان عرفاً، فلا مجال للاستصحاب إذا شکّ فی تبدّل أحدهما بالآخر، فإن حکم العرف ونظره یکون متّبعاً فی هذا
.«1» « الباب
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الأُصول: 140 )
صفحۀ 161 من 205
ص: 299
وحاصل کلامه:
-1 إن المورد من قبیل القسم الثالث من أقسام الکلّی، ولا یجري فیه الاستصحاب، إلّاإذا کان الباقی من مراتب الزائل، کما فی الشدّة
والضّعف مثلًا.
-2 إن الأحکام الخمسۀ متباینات عقلًا وعرفاً، إلّافی الوجوب والاستحباب، فإنهما متباینان عرفاً ومختلفان فی المرتبۀ عقلًا، فإذا ارتفع
الوجوب لا یصح القول ببقاء الإستحباب من باب الاستصحاب، للتباین العرفی بینهما، إذ الملاك فی الاستصحاب هو الوحدة العرفیّۀ
فی موضوع القضیّتین.
قال الأُستاذ
فی حقیقۀ الوجوب: «1» والتحقیق هو النظر فی المسألۀ علی ضوء المبانی
فإن قلنا: بأنه مرکّب من البعث إلی الفعل مع المنع من الترك ترکیباً انضمامیّاً، فإنه إذا نسخ الوجوب وشک فی أنّ الزائل هو الجزآن
أو خصوص المنع من الترك، کان هذا الجزء مقطوع الزوال والآخر- وهو البعث إلی الفعل- مشکوك فیه، وعلیه فلا إشکال فی
جریان الإستصحاب، وهو استصحاب فرد واحدٍ شخصی.
وبعبارةٍ أُخري: الزائل مردّد بین الأقل والأکثر، وقد کان زوال الأقل متیقّناً، وزوال الأکثر مشکوك فیه، فیستصحب.
وإن قلنا: بأن الوجوب بسیط لا مرکّب، فهنا لا یتصوّر إلّاالقسم الثانی من القسم الثالث من استصحاب الکلّی الذي اتّفقوا علی عدم
جریانه.
وإن قلنا: بمسلک المحقق العراقی، کان المورد- علی تقدیرٍ- من قبیل القسم الأخیر من أقسام الکلّی، وهو کون المستصحب ذا
مراتب، ومن قبیل القسم
__________________________________________________
1) تقدّم ذکرها فی المقام الأول. )
ص: 300
الأوّل علی تقدیر آخر. وتوضیحه: إنّه قد استثنی الشیخ الأعظم من أقسام الکلّی ما لو کان الفرد الموجود مرتبۀً شدیدةً، ثم علم بزوال
الشدّة وشکّ فی بقاء أصل المرتبۀ، فقال بجریان الإستصحاب فیه. وقال المتأخّرون عنه بأن هذا من القسم الأوّل لا من أقسام الکلّی،
لأن الشدّة إن کانت من المقوّمات لم یجر الاستصحاب لکونه من القسم الثالث، وإن کانت من الحالات جري لبقاء الحقیقۀ، کالعدالۀ
الموجودة بالمرتبۀ العالیۀ ثم حصل الیقین بزوال تلک المرتبۀ، فإنه تستصحب العدالۀ، لکون تلک المرتبۀ من الحالات لا المقوّمات،
فیکون- علی هذا- من القسم الأوّل.
فبناءً علی أن حقیقۀ الوجوب هی الإرادة، یکون أصل الإرادة هو المشکوك فیه بعد زوال الحدّ، فیستصحب بقاؤها، ولذا قال المحقق
العراقی هنا بجریان الاستصحاب، کما لا أنه لا یري التباین العرفی بین الإستحباب والوجوب خلافاً لصاحب الکفایۀ.
وأمّا إن قلنا بالترکیب الإتّحادي، فإنّه مع زوال الفصل لا یعقل بقاء الجنس، فلا مجال للإستصحاب، وما أفاده المحقق الإصفهانی
« الشجرة » قدّس سرّه- من أنه مع انعدام الفصل ینعدم الجنس بما هو جنس، لکنّه بما هو متفصّل بفصلٍ عدمی یکون باقیاً، فلو قطعت
فالجهۀ الجنسیّۀ وهی حیثیۀ استعداد الشجر للنمو منعدمۀ، إلّاأن تلک الجهۀ تبقی مع الفصل العدمی، أي: فإن مادّة « النامی » ینعدم
الشجر وهی الخشب موجودة مع عدم الاستعداد للنموّ، فعلی القول بترکّب حقیقۀ الوجوب یکون الجواز باقیاً- بعد نسخ الوجوب-
لأن الترکّب » : لکن مع الحیث العدمی، أي الجواز مع عدم المنع من الترك- فقد عَدَل عنه فی تعلیقته، ونصّ علی عدم معقولیّته، قال
الحقیقی من جنس وفصلٍ خارجیین، لا یتصوّر إلّا فی الأنواع الجوهریّۀ دون الأعراض التی هی بسائط خارجیۀ، فضلًا عن
صفحۀ 162 من 205
ص: 301
.«1» « الإعتبارات
مختار الأُستاذ
قال الأُستاذ: إنه إن کان الوجوب هو الإرادة، وکانت الشدّة والضعف من الحالات، جري الإستصحاب بلا إشکال، لکنّ الکلام فی
المبنی، فإنّ الحق هو بساطۀ الوجوب، وأنه غیر الإرادة، لکونها من التکوینیّات، بل هو إمّا من الأُمور الاعتباریّۀ وإمّا من الإنتزاعیّات،
فلا یجري فیه الإستصحاب، لکونه من قبیل القسم الثانی من قسمی الثالث من أقسام الکلّی.
نظریّۀ السید الحکیم فی الاستصحاب
وقال السید الحکیم- معلّقاً علی قول (الکفایۀ): فلا مجال للإستصحاب- ما نصّه:
یکفی فی إثبات الجواز استصحاب الرضا بالفعل الثابت حال وجوبه، إذ لو ثبت الرّضا به بعد ارتفاع الوجوب لا یکون وجوداً آخر »
للرضا، بل یکون الرضا الأوّل باقیاً، وإذا ثبت الرضا به- ولو بالإستصحاب- کان جائزاً عقلًا، لأنّ الأحکام التکلیفیّۀ إنما تکون موضوعاً
للعمل فی نظر العقل بمناط حکایتها عن الإرادة والکراهۀ والرضا لا بما هی هی، ویکفی فی إثبات الاستحباب استصحاب نفس
الإرادة النفسانیۀ، إذ مجرّد رفع الوجوب لا یدلّ علی ارتفاعها، وإذا تثبت الإرادة المذکورة ثبت الاستحباب، لأنه یکفی فیه الإرادة
.«2» « للفعل مع الترخیص فی الترك الثابت قطعاً بنسخ الوجوب
وتوضیح کلامه:
أوّلًا: إنه قد کان مع الوجوب الرضا بالفعل، وبعد النسخ یبقی الرّضا السّابق
__________________________________________________
.263 / 1) نهایۀ الدرایۀ 2 )
.331 / 2) حقائق الأُصول 1 )
ص: 302
بالإستصحاب. لا یقال: الرضا لیس من المجعولات الشرعیّۀ کی یجري فیه الاستصحاب. لأن الوجوب- کغیره من الأحکام التکلیفیّۀ-
إنما یکون موضوعاً للعمل فی نظر العقل بمناط حکایته عن إرادة المولی، فکلّ ما بالعرض ینتهی إلی ما بالذات، وهذا روح الحکم
فی نظر العقل.
وثانیاً: إنه مع بقاء الرضا السابق یتمّ الجواز العقلی.
وثالثاً: إنه یکفی فی إثبات الاستحباب استصحاب نفس الإرادة النفسانیّۀ.
وبناءً علی ما ذکر، فإنه مع بساطۀ الوجوب یکون رضا المولی متحقّقاً، فإذا نسخ الوجوب استصحب الرضا، ویترتّب علیه الأثر، وهو
حکم العقل بلزوم العمل اتّباعاً لإرادة المولی ورضاه، ویفتی بالإستحباب.
أقول:
العمدة فی هذه النظریّۀ، هی أنه قد أجري الإستصحاب فی الإرادة التی هی منشأ الوجوب، فأثبت بها موضوع حکم العقل، بخلاف
المحقق العراقی، حیث أجراه فی نفس الوجوب وجعله بمعنی الإرادة، فلا یرد علی هذه النظریّۀ ما ورد علی المحقّق المذکور.
لکنّ التأمّل فیها هو: أنّ الوجوب- علی کلّ حالٍ- إمّا بسیط وإمّا مرکّب، وظاهر الکلام أوفق بالثّانی، فإن أراد الترکیب الإنضمامی بأنْ
یکون الوجوب مرکّباً بالانضمام من الرضا بالفعل مع المنع من الترك، فقد عرفت تمامیّۀ الإستصحاب بناءً علیه، وإن أراد الإتحادي،
حالۀ نفسانیّۀ « الرضا » الظاهر أن ؟« الرضا بالفعل الثابت حال وجوبه » فقد عرفت ما فیه. وأمّا علی القول بالبساطۀ، فما هو المراد من قوله
خارجۀ عن الوجوب لازمۀ له، فإذا زال الوجوب زال الرّضا بتبعه، فلا یبقی شیء لکی یستصحب.
صفحۀ 163 من 205
وهذا تمام الکلام فی النسخ.
ص: 303
الوجوب التخییري … ص: 303
اشارة
ص: 305
. مقدمۀ … ص: 305
اشارة
إنّ هذا البحث مهم علماً وعملًا…
إنه لا ریب فی أنّ فی الشریعۀ واجبات یجوز ترکها إلی بدلٍ کخصال الکفارة، وواجبات لا یجوز ترکها إلی بدل کال ّ ص لاة، وتسمّی
الأُولی بالواجبات التخییریّۀ والثانیۀ بالواجبات التعیینیّۀ، ولکلٍّ من القسمین أحکام وآثار، ففی الأوّل یستحق العقاب لو ترك جمیع
الأفراد، لکن استحقاق الثواب یکون بالإتیان بواحدٍ منها، ومن ذلک یظهر أن متعلّق الإرادة وحامل الغرض هو أحد الأفراد، ولذا وقع
الکلام فی تصویر هذا التکلیف، وإذا أمکن ذلک فی الأحکام التکلیفیّۀ طبّق فی الأحکام الوضعیّۀ کذلک، کما فی مسألۀ الضمان فی
تعاقب الأیدي علی الماء المغصوب والمأخوذ بالعقد الفاسد.
والإشکال العمدة ینشأ من نقطتین:
الأُولی: کیف یمکن أن تتعلّق الإرادة المشخّصۀ الموجودة، بأحد الأشیاء أو الشیئین، لأن الأحد مبهم، فکیف یُعقل تعلّق المعیّن
المتشخّص بالمبهم؟
مضافاً إلی أنه مضایف للإنبعاث، ؟« الأحد » والثانیۀ: إنه لا ریب فی أن الواجب التخییري بعث مولوي، فکیف یکون البعث نحو
والانبعاث بالمردّد غیر معقول.
ص: 306
فإمّا یصوّر الوجوب التخییري بحیث یتلاءم مع هذه البراهین، وإمّا یرفع الید عن ظواهر الأدلّۀ من أجلها وینکر من أصله!
فلننظر فی الکلمات والأقوال…
کلام المحقق الخراسانی وشرحه … ص: 306
اشارة
قال فی (الکفایۀ): إذا تعلّق الأمر بأحد الشیئین أو الأشیاء، ففی وجوب کلّ واحدٍ علی التخییر، بمعنی عدم جواز ترکه إلّاإلی بدلٍ، أو
وجوب الواحد لا بعینه، أو وجوب کلّ منهما مع السقوط بفعل أحدهما، أو وجوب المعیّن عند اللَّه. أقوال.
والتحقیق أن یقال: إنه إن کان الأمر بأحد الشیئین بملاك أنه هناك غرض واحد یقوم به کلّ واحد منهما، بحیث إذا أتی بأحدهما
حصل به تمام الغرض ولذا یسقط به الأمر، کان الواجب فی الحقیقۀ هو الجامع بینهما، وکان التخییر بینهما بحسب الواقع عقلیّاً لا
شرعیّاً … وإن کان بملاك أنه یکون فی کلّ واحدٍ منهما غرض لا یکاد یحصل مع حصول الغرض فی الآخر بإتیانه، کان کل واحدٍ
صفحۀ 164 من 205
واجباٌ بنحوٍ من الوجوب یستکشف عنه تبعاته، من عدم جواز ترکه إلّاإلی الآخر، وترتب الثواب علی فعل الواحد منهما والعقاب علی
«…1» ترکهما
أقول:
لقد ذکر رحمه اللَّه أربعۀ أقوالٍ فقط، لکنّها فی المسألۀ أکثر منها، واختار منها القول الرابع وحاصله: إن المتعلّق فی الوجوب التخییري
لا یختلف عنه فی التعیینی إلّامن جهۀ سنخ التکلیف، فإنّ التخییري مشوبٌ بجواز الترك إلی بدلٍ بخلاف التعیینی، فکانا مشترکین فی
عدم جواز الترك، لأن الواجب ما لا یجوز
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الأُصول: 140 )
ص: 307
ترکه، غیر أنّ التخییري یجوز ترك أحد فردیه مثلًا بالإتیان بفردٍ آخر، والتعیینی لا یوجد له بدیل.
إذن، لا یرد الإشکال: بأنّ البعث والإرادة لا یتعلّق بالمردّد، لأنه لا ماهیّۀ له ولا وجود. والإشکال: بأن البعث والإنبعاث متضایفان،
فکیف یکون الانبعاث مردّداً؟
ویبقی اشکال اختلاف الآثار فأجاب: بأن هذا الاختلاف ینشأ من اختلاف سنخ الوجوب، فإنّ سنخ الوجوب فی التخییري هو ترتب
العقاب علی ترك الکلّ والثواب علی الإتیان بأحدها … أما فی التعیینی، فإنهما یترتبان علی ترك أو فعل نفس ذاك المتعلّق المعیّن.
وقد ذکر أنّه إذا کان هناك غرض واحدٍ یقوم به کلّ واحد من الفردین، فإنّ التخییر حینئذٍ عقلی لا شرعی، أيیکون المتعلّق هو
الطبیعۀ، والبرهان علی ذلک هو قاعدة أن الواحد لا یصدر إلّامن الواحد، فیکون ذلک الواحد بین تلک الأفراد هو الطبیعۀ. وإمّا إذا
کان هناك غرضان، بأن یقوم بکلّ من الفردین غرض مستقل عن الآخر، لکن بینهما تزاحم ولا یمکن اجتماعهما فی الوجود، فلا
محالۀ تکون الإرادة متعلّقۀ بکلٍّ من الفردین مع جواز ترکه إلی الفرد الآخر.
ثم إنّه ذکر الأقوال الأُخري وناقشها.
لیس مفهومیّاٌ، إذ لیس هو متعلّق الغرض حتی « الأحد » فقد أجاب عنه: بأن هذا « الأحد لا بعینه » فأمّا القول: بأنّ المتعلّق للإرادة هو
یصحّ تعلّق « الأحد » لا مصداق له. وقد أوضح هذا فی الحاشیۀ: بأن « الأحد لا بعینه » المصداقی، لکنّ « الأحد » تتعلّق به الإرادة، بل هو
العلم به کما فی موارد العلم الاجمالی، وکذا یصحّ تعلّق الأمر الانتزاعی به کتعلّق الوجوب بأحد الشیئین، لکنّ الإرادة لا تتعلّق
ص: 308
بالمردّد، لأنّها علّۀ الوجود ولا یمکن أن یکون معلولها مبهماً، ولا یعقل البعث والتحریک نحو المبهم … فظهر الفرق بین العلم
والوجوب وبین البعث والإرادة.
وأجاب عن القول بأن الوجوب التخییري هو وجوب کلا الشیئین، لکن وجوب أحدهما مسقط لوجوب الآخر: بأن الفرضین إن کانا
یقبلان الوجود، فإسقاط أحدهما للآخر مستحیل، وإن کانا متزاحمین لا یقبلان الوجود معاً، فأحدهما لا یتحقق ولا تصل النوبۀ إلی
إسقاط الآخر إیّاه.
معیّن لکن عند اللَّه … بأنّ المفروض کون کلّ واحدٍ من الشیئین أو الأشیاء حاملٌا للغرض ووافیاٌ به، « أحدٌ » وعن القول بأن الواجب هو
معیّن هو الواجب دون الآخر أو الأفراد الأُخري. « أحد » فکیف یکون
هذا بیان کلام (الکفایۀ) فی هذا المقام.
إشکال المحقق الإصفهانی … ص: 308
صفحۀ 165 من 205
اشارة
بأنّ مستند مبنی المحقق الخراسانی هو قاعدة أن - «3» ( و (المنتقی «2» ( وتبعه فی (المحاضرات - «1» وقد أشکل المحقق الإصفهانی
الواحد لا یصدر إلّا من الواحد، ولکنّها إنما تجري فی الواحد الشخصی دون النوعی … وتوضیحه:
إن البرهان علی تلک القاعدة هو: إنّ کلّ معلول حدّ ناقص للعلّۀ، وکلّ علّۀٍ فهو حدّ کامل للمعلول (وقد وضع أهل الحکمۀ هذه
القاعدة فی باب صدور العقل الأوّل أو الفیض الأقدس من الباري عز وجلّ. لکنّ الحق جریانها فی الفاعل الطبیعی. أمّا اللَّه سبحانه
وتعالی فیفعل ما یرید وکلّ الأشیاء توجد بإرادته مع تکثرها ) … وعلیه، فالمعلول موجود فی رتبۀ وجود العلّۀ، کالحرارة الحاصلۀ من
__________________________________________________
.266 / 1) نهایۀ الدرایۀ 2 )
.216 / 2) محاضرات فی أُصول الفقه 3 )
.485 / 3) منتقی الأُصول 2 )
ص: 309
النار، فإنها موجودة فی رتبۀ وجودها، وإلّا یلزم الترجّ ح بلا مرجّ ح، فیقال: لماذا وجدت هذه الحرارة ولم توجد تلک الأُخري … فإذا
کان وجود المعلول ووجوبه واحداً، فلابدّ وأن تکون علّته کذلک، لأن العلّۀ إذا تعدّدت تعدّد وجود المعلول ووجوبه، والمفروض أنه
واحد، والواحد لا یتعدّد.
هذه هی القاعدة.
فقال المحقق الإصفهانی: بأنها إنما تجري فی الواحد الشخصی، أما النوعی، فیمکن فیه صدور الواحد عن الکثیر مع الاختلاف فی
حقیقۀ الکثیر، فإن الحرارة قد تحصل من النار وهی من الجواهر، وقد تحصل من العرض کالحرکۀ، فقد صدر الواحد من الکثیر…
وأیضاً، فإنّ تحقق الأجناس بالفصول، إذ الفصل علّۀ لوجود الجنس کالناطقیّۀ بالنسبۀ إلی الإنسان، مع أن الناطقیّۀ مباینۀ للفصل
الموجد لنوع الفرس مثلًا، فکانت المتباینات علۀً لوجود الشیء الواحد وهو الجنس.
وتلخّص: إن ما ذهب إلیه المحقق الخراسانی من کون الجامع هو المتعلّق غیر صحیح.
تحقیق الُأستاذ … ص: 309
وأفاد الأُستاذ دام بقاه حول القاعدة بقدر ما یرتبط بعلم الأُصول: أنّ للواحد أنحاءً من الوجود:
-1 الواحد بالشخص، مثل زید وعمرو، من حیث کونه زیداً وکونه عمراً.
-2 الواحد بالنوع، مثل زید وعمرو من حیث الإنسانیّۀ.
-3 الواحد بالعنوان، مثل وجود زید ووجود عمروٍ وهکذا … فإنّ العنوان مفهوم الوجود، وحقیقۀ الوجود هو المعنون، والنسبۀ بینهما
نسبۀ العنوان
ص: 310
والمعنون، لا الکلّی والفرد، ولا الطبیعی والمصداق.
فهذه مقدمۀ.
والمقدمۀ الثانیۀ: إنّ الطبیعی موجود فی الخارج بلا ریب، فلیس من الأُمور الانتزاعیّۀ العقلیّۀ، ولیس من الاعتباریات کالزوجیّۀ
صفحۀ 166 من 205
والملکیّۀ، غیر أنّ وجوده وجود فرده، کما أن الأُمور الانتزاعیّۀ موجودة لکن بوجود منشأ الانتزاع…
والحاصل: إن الطبیعی کالإنسان موجود فی الخارج، لکن بوجود زید مثلًا.
متقابلان، والاجتماع بینهما فی أيّ عالمٍ محال، فلا یجتمع الواحد بالشخص مع المتعدّد « التعدد » و « الوحدة » والمقدّمۀ الثالثۀ: إن
بالشخص، وکذلک الواحد بالنوع، والواحد بالعنوان.
وبعد المقدّمات نقول:
إنّ المحقق الإصفهانی یعترف بوجود الطبیعی خارجاً، وأنّ نسبته إلی الخارج نسبۀ الآباء إلی الأبناء- لا نسبۀ الأب الواحد إلی الأبناء
کما قال الرجل الهمدانی- فنقول: هذا الطبیعی إمّا مختص أو مشترك؟ والأول خلف الفرض، وعلی الثانی: هل لوجود هذا الطبیعی
علّۀ أو لا؟ والثانی محال، ومنافٍ لقوله بأنّ الاجناس موجودة وعللها هی الفصول، وإذا کان له علّۀ، فهل لتلک العلّۀ حیثیّۀ غیر حیثیّۀ
الخصوصیّۀ؟ إنّه لابدّ وأن یکون فیها حیثیّۀ تصلح بها لأن تکون علۀً لماهیّۀٍ مشترکۀ، إذ ما لیس فیه إلّاحیثیّۀ الخصوصیّۀ لا یمکن أن
یکون علۀً لماهیّۀ ذات حیثیّۀ مشترکۀ…
إذن، لا مناص من الالتزام بأنّه: لو حصل غرض وکان فیه حیثیّۀ القدر المشترك، فلابدّ وأن یکون له منشأ هو القدر المشترك…
وهذا معنی کلام المحقق الخراسانی حین یقول باستحالۀ حصول الأثر الواحد من کلّ واحدٍ من الفردین أو
ص: 311
الأفراد ویکون مبدء الأثر متعدّداً … لأنّ الأثر موجود فی مرتبۀ المبدء، فإذا کان واحداً والمبدء متعدّد، لزم اجتماع الوحدة والتعدّد فی
الشیء الواحد، وهو محال.
وبالجملۀ، فإنّ قاعدة الواحد وإن طرحت فی الواحد الشخصی، لکن الملاك لها موجود فی الواحد النوعی والواحد العنوانی أیضاً،
فإنّه- علی القول بثبوت الواحد النوعی والواحد العنوانی- یکون للمعلول وحدة نوعیّۀ، فلو لم یکن فی العلّۀ وحدة نوعیۀ کذلک، یلزم
عدم السنخیّۀ بین العلّۀ والمعلول.
فظهر اندفاع الإشکال علی (الکفایۀ) فی هذا القسم من کلامه.
اشکالات المحاضرات علی الکفایۀ … ص: 311
اشارة
علی القسم الآخر من کلامه حیث قال: أنه إذا کان هناك غرضان متزاحمان، فلابدّ من الإلتزام بالوجوبین، «1» وأورد فی المحاضرات
إلّاأن کلّاً منها مشوب بالترك، بوجوه:
هو أن الواجب أحدهما لا کلاهما. « أو » أوّلًا: إن ذلک مخالف لظواهر الأدلّۀ، فإن الظاهر من العطف بکلمۀ
وثانیاً: إن فرض کون الغرضین متضادّین فلا یمکن الجمع بینهما فی الخارج، مع فرض کون المکلّف قادراً علی إیجاد کلا الفعلین،
بعید جداً، بل هو ملحق بأنیاب الأغوال، ضرورة أنا لا نعقل التضادّ بین الغرضین مع عدم المضادّة بین الفعلین، فإذا فرض أن المکلّف
متمکّن من الجمع بینهما خارجاً، فلا مانع من إیجابهما معاً عندئذ.
وثالثاً: إنا لو سلّمنا ذلک فرضاً وقلنا بالمضادّة بین الغرضین وعدم إمکان
__________________________________________________
.220 / 1) محاضرات فی أُصول الفقه 3 )
صفحۀ 167 من 205
ص: 312
الجمع بینهما فی الخارج، إلّاأن من الواضح جدّاً أنه لا مضادّة بین ترکهما معاً، فیتمکّن المکلّف من ترك کلیهما بترك الإتیان بکلا
الفعلین خارجاً. هذا من ناحیۀ. ومن ناحیۀ أُخري: إن العقل مستقلّ باستحقاق العقاب علی تفویت الغرض الملزم، ولا یفرّق بینه وبین
تفویت الواجب الفعلی. ومن ناحیۀ ثالثۀ: إن فیما نحن فیه وإن لم یستحق العقاب علی ترك تحصیل أحد الغرضین عند تحصیل الآخر،
من جهۀ عدم إمکان الجمع بینهما فی الخارج، إلّاأنه لا مانع من استحقاق العقاب علیه عند ترکه تحصیل الآخر. فالنتیجۀ أنه یستحق
العقابین عند جمعه بین الترکین.
جواب الُأستاذ … ص: 312
وأجاب الأُستاذ دام بقاه:
أمّا عن الأوّل فبأنه: خلاف القاعدة، لأن صاحب الکفایۀ یري أن التکلیف غیر متعلّق بأحدهما، لا مفهوماٌ ولا مصداقاٌ، لأن الأحد
المفهومی غیر حاملٍ للغرض حتی تتعلّق به الإرادة، والأحد المصداقی هو المردد، والمردّد لا یقبل الوجود حتی یتعلّق به التکلیف
والإرادة، وإذ لم یمکن ثبوتاً تعلّق الإرادة بالأحد، فلابدّ من التصرّف فی مقام الإثبات وظواهر الأدلّۀ … فالإشکال غیر وارد علیه.
وهی « أو » علی أنّ القول بتعلّق التکلیف بالأحد أیضاً خلاف ظواهر الأدلّۀ، لعدم وجود هذا العنوان فیها، بل الموجود هو العطف ب
فانتزاع من العقل ولیس من ظاهر الأدلّۀ. « الأحد » فی أمثال المقام للتردید، وأمّا
وأمّا عن الثانی فبأن: التباین بین الأغراض شائع تکویناً وعقلاءً، فقد یستعمل دواء لغرض العلاج من مرضٍ فیکون سبباً لحصول مرضٍ
آخر.
وأمّا عن الثالث، فقد تقدّم فی بحث الترتب بأنّه: لو لم تکن قدرة علی
ص: 313
الفعلین فلا استحقاق للعقابین … وهذا کلام المحقق الخراسانی. ولقد أشکل هناك علی السیّد المیرزا الشیرازي بلزوم تعدّد العقاب،
وکان السیّد لا یلتزم بذلک مع قوله بالترتب. أمّا المحقق الخراسانی، فقد أنکر الترتب وصحّح عبادیّۀ المهم عن طریق الغرض، فهو
قائل بوجود الغرضین فی الأهم والمهم، وغیر قائل بتعدّد العقاب بترك الغرضین، بل یتعدد بمخالفۀ الأمرین … فالإشکال علیه خلاف
القاعدة کذلک.
الاشکال الوارد علی الکفایۀ … ص: 313
ثم قال الأُستاذ: بأن الإشکال الوارد علی الکفایۀ. أمّا فی الشق الأوّل فهو: إنّه لا دلیل علی الوحدة بالنوع فی الأغراض، فی الواجبات
التخییریّۀ فی الشریعۀ المقدسۀ، فما ذکره موقوف علی تمامیّۀ الصغري، وإن تصوّرت الوحدة فهی لیست إلّاالوحدة العنوانیّۀ.
وأمّا فی الشق الثانی، فالإشکال علیه- کما فی المحاضرات أخیراً- أنه لا ریب فی سقوط التکلیف فی الواجبات التخییریّۀ- العقلیّۀ منها
والشرعیّۀ- بالإتیان بکلا الطرفین أو کلّ الأطراف، وحصول الامتثال بذلک، فلو کان الغرضان متباینین لم یکن الامتثال حاصلًا، وکان
الأمر باقیاً، والحال أنه لیس کذلک یقیناً.
فما ذکره غیر صحیح.
کلام المیرزا النائینی … ص: 313
صفحۀ 168 من 205
اشارة
إلی أنّ الواجب هو الفرد المردّد والواحد علی «1» ( وذهب المحقق النائینی فی تصویر الواجب التخییري، کما فی (أجود التقریرات
البدل، أيهو أحد الشیئین أو الأشیاء، وذلک، لأنّه لا مانع من تعلّق الإرادة التشریعیّۀ بالمردد،
__________________________________________________
.265 / 1) أجود التقریرات 1 )
ص: 314
وتوضیحه:
إن الإرادة التکوینیۀ والتشریعیۀ تشترکان فی أن کلتیهما إرادة، لکنهما تقترقان من جهۀ التکوینیّۀ والتشریعیّۀ، ولکلٍّ منهما أحکام
وأقسام. مثلًا: الإرادة من المولی لا فاعلیّۀ لها، بل الفاعلیّۀ هی لإرادة المکلّف، والإرادة التشریعیّۀ تنقسم إلی التعبّدي والتوصّ لی، وهذا
غیر معقول فی التکوینیّۀ.
ومن ذلک: إن الإرادة التکوینیّۀ لا یعقل أن تتعلّق بالکلّی، بل متعلّقها دائماً هو الجزئی الحقیقی، لأن الإرادة التکوینیّۀ علّۀ للوجود،
والعلّۀ یستحیل تعلّقها إلّا بالوجود وهو عین التشخّص، بخلاف الإرادة التشریعیّۀ، فإنّها تتعلّق بالکلیّات حتی لو قیّد المتعلّق بقیودٍ کثیرة،
کأن یقال: صلّ فی المسجد یوم الجمعۀ ظهراً جماعۀً فی أوّل الوقت … والسرّ فی ذلک: أنه ما لم یوجد فی الخارج أو الذهن فلا
تتحقّق له الجزئیّۀ…
إذن … الإرادة التی لا تتعلّق بالمبهم المردّد هی التکوینیّۀ، وأما التشریعیّۀ فإنّها تتعلّق به، إذ التکوینیّۀ هی العلّۀ التامّۀ للوجود، والمردّد
غیر قابلٍ للوجود أي لا وجود له، أمّا التشریعیّۀ فلیست بعلۀٍ للوجود، وإنما أثرها هو إحداث الداعی الإمکانی فی نفس العبد، فقد
یمتثل وقد لا یمتثل، ومن هنا تکون التشریعیّۀ تابعۀ للغرض والملاك، فإن کان الغرض یحصل بأحد الأفراد جاءت الإرادة متعلّقۀ به
کذلک، وکان الخطاب علی طبق الإرادة، إذ یأمر بالعتق أو الإطعام أو الصوم لیدلّ علی أنّ المکلّف به لیس معیّناً، ولیس هو الجامع،
بل المطلوب خصوصیّۀ کلّ واحدٍ من الأفراد لکن علی البدل، وکذلک الحال فی الوصیّۀ، إذ یوصی بأحد الشخصین أن یعطی کذا،
أو ینوب عنه فی الحج مثلًا، أؤ یُعتق فی سبیل اللَّه.
إذن، فما ذهب إلیه المیرزا متوافق مع ظهور الأدلّۀ فی الواجب التخییري فی
ص: 315
مقام الإثبات…
وهذا غریب من مثل » : فظهر أنْ لا محذور لهذا المبنی حتّی یذکر ویدفع، فلا یبقی مجالٌ لاستغراب السیّد الأُستاذ من المیرزا قائلًا
المحقق المذکور، فإنّ اللازم علیه کان بیان ما یحتمل أنْ یکون محذوراً ودفعه، لا مجرّد عدم وجود المانع لا أکثر من دون بیان وجه
.«1» « ذلک، فإن ذلک لا یتناسب مع علمیّۀ البحث
.«2» ولا یخفی أنه أیضاً قد اختار هذا المبنی فی الواجب التخییري
الأنظار فی کیفیۀ تعلّق الإرادة ونحوها بالمردّد … ص: 315
وقد ف ّ ص ل شیخنا الاستاذ الکلام فی أصل البحث وذکر الأنظار فیه، وذلک لضرورة الوصول إلی منشأ الخلاف فی أنّ المردّد هل
یمکن أن یقع متعلّقاً للإرادة أو للاعتبار أو لصفۀٍ وجودیّۀ، أو لا؟
مسألۀ ما لو باع صاعاٌ من الصبرة، فهل یحمل علی الکسر المشاع، فلو کان عشرة أصوع یکون «3» ( لقد ذکر الشیخ فی (المکاسب
صفحۀ 169 من 205
المبیع هو العشر، أو یکون کلّیاً معیّناً، أو یکون فرداً من أفراد الأصوع علی البدل؟ ثم أشکل علی الوجه الأخیر بوجوه، منها: إن التردّد
یوجب الجهالۀ، وأنه یوجب الغرر، وأنه غیر معقول، وهذا محلّ الشاهد هنا.
إن تعلّق البیع بفردٍ مرددٍ من أفراد الأصوع غیر معقول، لأنّ الملکیّۀ صفۀ وجودیّۀ، والصفۀ الوجودیّۀ لا یعقل أن تتعلّق بالشیء المردد
…وهذا هو الإشکال.
__________________________________________________
.490 / 1) منتقی الأُصول 2 )
.495 / 2) منتقی الأُصول 2 )
. 3) کتاب المکاسب: 195 ط 1 )
ص: 316
وقد أجاب عنه: بأنّ الصفۀ الوجودیّۀ علی قسمین: فتارةً: هی صفۀ وجودیّۀ خارجیّۀ، کالسواد والبیاض، فهذه لا تقبل التعلّق بالمردد،
لأنها عرض خارجی وهو لا یوجد إلّافی موضوع، والمردّد لیس له وجود حتی یتحقّق فیه العرض ویقوم به. وأُخري: هی أمر اعتباري،
وهذه تقبل التعلّق بما لیس له وجود خارجی، کما فی بیع الکلّی فی الذمۀ، والمبیع فی باب السّلم.
فالشیخ یري أن الصّفۀ الوجودیّۀ إن کانت اعتباریۀً فهی تقبل التعلّق بالمردّد.
فذهب إلی أن الصفۀ الوجودیّۀ الحقیقیّۀ أیضاً تقبل التعلّق بالمردّد، وقد تقدّم کلامه فی حاشیته علی ،«1» وخالفه المحقق الخراسانی
الکفایۀ، إذ صرّح بأنّ العلم یمکن تعلّقه بالمردّد کما فی موارد العلم الإجمالی، بخلاف مثل البعث، لأنه لیس بصفۀٍ بل إنه إیجاد
للدّاعی فی نفس العبد، وإیجاده نحو المردّد محال.
وبعبارة أُخري: کلّما یکون له جهۀ الباعثیّۀ والمحرّکیّۀ، فلابدّ وأن یکون متعلّقه مشخصاً، وأمّا ما یکون- مثل العلم- لا جهۀ باعثیّۀ له،
فلا مانع من تعلّقه بالمردّد.
وأمّا المیرزا، فقد جعل ملاك الإفتراق فی الإرادة جهۀ التکوینیّۀ والتشریعیّۀ، فخالف المحقق الخراسانی القائل بعدم تعلّق ما کان له
باعثیۀ- وإنْ کانت تشریعیّۀ- بالشیء المردّد.
ولکنّ المحقق الاصفهانی خالف الکلّ، وأنکر التعلّق بالمردد، سواء فی الصفۀ الحقیقیّۀ أو الاعتباریّۀ، وفی الإرادة التکوینیّۀ أو
التشریعیّۀ، وسواء فیما له جهۀ الباعثیّۀ وغیره … وله علی هذا المدّعی برهانان:

و
لأ ا
:
)
ن
إ
د
و
ج
و
ل
ا
ن
ی
ع
ص
خّ ش
ت
ل
ا
ۀ
یّ ع
ق
ا
و
ل
ا
و
،
لّ ک
ف
د
و
ج
و
م
ص
خّ ش
ت
م
،
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الأُصول: 141 )
ص: 317
ولا یعقل فیه أيّ إبهامٍ واجمال، حتی لو کان الوجود اعتباریّاً، فلا یعقل أن یکون مردّداً، لأنّ الوجود هو التعیّن، وبینه وبین التردد
تقابل ولا یمکن اجتماعهما أبداً.
و (الثانی): إن المردّد المصداقی محال، لأنّ التردّد إمّا یکون فی ذات الشیء وإمّا فی وجوده، أمّا الذات، فهی متعیّنۀ ولا یعقل الإبهام
والتردد فیها. وأمّا الوجود، فقد تقدّم.
وبعبارة أُخري: إنه لو کان للمردّد مصداق خارجی، وقع الإشکال فی الأُمور ذات التعلّق، کالإرادة والبعث والحبّ والملکیّۀ وأمثالها،-
سواء التکوینیّۀ منها والإعتباریۀ- فهی أُمور لا یحصل لها الوجود إلّابالمتعلّق، لکنّ الوجود لا یقبل التردّد، فلو تعلّقت الإرادة مثلًا بمردّد
لزم إمّا تعیّن المردد أو تردّد المعیّن، وکلاهما محال، لأنّ الأوّل انقلاب، والثانی خلف.
صفحۀ 170 من 205
وبالنظر إلی هذین البرهانین نقول- وفاقاً للمحقق الإصفهانی- بعدم صلاحیّۀ المردّد لأن یکون متعلّقاً للإرادة …- وتبقی المناقشۀ
بذکر نقوض، من قبیل الوصیۀ بعتق أحد العبدین، وتملیک أحد الولدین، أو هبۀ أحد المالین، أو بیع المعدوم کما فی بیع السلف.
ولابدّ من حلّها فی کتاب البیع.
نظریّۀ السیّد الاستاذ … ص: 317
لکن السیّد الاستاذ بعد أنْ ذکر آراء الأعلام قال:
هذا محصل الإیرادات علی تعلق التکلیف بالفرد المردّد وهی فی الحقیقۀ ثلاثۀ، إذ الأول یرجع إلی الثالث کما لا یخفی.
وشیء منها لا ینهض مانعاً عن تعلّق التکلیف بالفرد المردد، ولأجل ذلک یمکننا أن ندّعی أن متعلّق الوجوب التخییري هو أحد
الأمرین علی سبیل البدل، فی الوقت الذي لا ننکر فیه أن الفرد المردد لا واقع له، وأن کلّ موجود فی الخارج
ص: 318
معیّن لا مردّد.
وبتعبیر آخر نقول: إن المدّعی کون متعلّق الحکم مفهوم الفرد علی البدل، أو فقل هذا أو ذاك، بمعنی أن کلًا من الأمرین یکون
مورد الحکم الواحد، لکن بنحو البدل فی قبال أحدهما المعین، وکلاهما معاً بنحو المجموع.
ووضوح ذلک یتوقف علی ذکر مقدمتین:
من المفاهیم المتعینۀ فی أنفسها، « هذا أو ذاك » : الأُولی: إن مفهوم الفرد علی البدل أو الفرد المردد الذي یعبّر عنه بالتعبیر العرفی ب
فإن المردّد مردّد بالحمل الأُوّلی لکنه معیّن بالحمل الشائع، نظیر مفهوم الجزئی الذي هو جزئی بالحمل الأولی کلّی بالحمل الشائع،
فالفرد علی البدل مفهوم متعین، ولذا نستطیع التعبیر عنه والحکم علیه وتصوّره فی الذهن کمفهوم من المفاهیم، فهو علی هذا قابل
لتعلّق الصفات الحقیقیّۀ والاعتباریۀ به کغیره من المفاهیم المتعینۀ.
الثانیۀ: إن الصفات النفسیّۀ کالعلم ونحوه لا تتعلّق بالخیارات، بل لابدّ وأن یکون معروضها فی أُفق النفس دون الخارج، وإلا لزم
انقلاب الخارج ذهناً أو الذهن خارجاً وهو خلف، فمتعلق العلم ونحوه لیس إلا المفاهیم الذهنیۀ لا الوجودات الخارجیۀ.
وإذا تمت هاتان المقدّمتان، تعرف صحّۀ ما ندّعیه من کون متعلّق العلم الإجمالی فی مورده والملکیۀ فی صورة بیع الصاع من صبرة
والبعث فی الواجب التخییري هو الفرد علی البدل ومفهوم هذا أو ذاك، فإنه مفهوم متعین فی نفسه کسائر المفاهیم المتعینۀ، ولا یلزم
منه انقلاب المعین مردداً، إذ المتعلق له تعین وتقرر، کما لا یلزم کون الصفۀ بلا مقوّم، إذ المفهوم المذکور له واقع.
یبقی شیء، وهو: إن الصفات المذکورة وانْ تعلقت بالمفاهیم، لکنها
ص: 319
مرتبطۀ بالواقع الخارجی بنحو ارتباط ومأخوذة مرآتاً للواقع، والمفروض أنه لا واقع لمفهوم الفرد المردد، فکیف یتعلق به العلم؟! وحلّ
هذا الإشکال سهل، فإن ارتباط المفهوم المعلوم بالذات بالواقع الخارجی لیس ارتباطاً حقیقیاً واقعیاً، ویشهد له أنه قد لا یکون العلم
مطابقاً للواقع، فکیف یتحقق الربط بین المفهوم والخارج؟ إذ لا وجود له کی یکون طرف الربط، ولأجل ذلک یعبّر عن الخارج
بالمعلوم بالعرض. إذن، فارتباطه بنحو ارتباط لا یستدعی أن یکون له وجود خارجی کی یشکل علی ذلک بعدم الواقع الخارجی
لمفهوم الفرد المردد.
ومما یؤیّد ما ذکرناه من امکان طرّو الصفات علی الفرد المردد: مورد الإخبار بأحد الأمرین، کمجیء زید أو مجیء عمرو، فإنه من
الواضح أنه خبرٌ واحدٌ عن المردد، ولذا لو لم یأت کلّ منهما لا یقال إنه کذب کذبتین، مع أنه لو رجع إلی الإخبار التعلیقی لزم ذلک
ولا تخریج لصحۀ الإخبار إلا بذلک.
صفحۀ 171 من 205
یبقی إشکال صاحب الکفایۀ وهو: إن التکلیف لتحریک الإرادة، والإرادة ترتبط بالخارج ارتباطاً تکوینیاً، فیمتنع التکلیف بالمردّد، إذ
.«1» لا واقع له کی یکون متعلق الإرادة
والجواب عنه: إنّه لا ملزم لأن نقول بأن التکلیف لأجل التحریک والبعث والدعوة نحو متعلّقه بجمیع خصوصیّاته وقیوده، بل غایۀ ما
هو ثابت إن التکلیف لأجل التحریک نحو ما لا یتحرك العبد نحوه من دون التکلیف المزبور بحیث تکون جهۀ التحریک وسببه هو
التکلیف المعین وإن اختلف عن متعلّقه بالخصوصیّات.
ومن الواضح: أن تعلق التکلیف بالفرد المردد یستلزم الحرکۀ نحو کلّ من
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الأُصول: 141 )
ص: 320
الفعلین علی سبیل البدل، فیأتی العبد بأحدهما منبعثاً عن التکلیف المزبور، وهذا یکفی فی صحۀ التکلیف وکونه عملًا صادراً من
حکیم عاقل.
ونتیجۀ ما تقدم: إنه لا مانع من تعلّق التکلیف بالفرد علی البدل وبأحدهما لا بعینه، بمعنی کون کلّ منهما متعلقاً للتکلیف الواحد،
ولکن علی البدل لا أحدهما المردد ولا کلاهما معاً. وبذلک یتعین الالتزام به فیما نحن فیه لفرض ثبوت الغرض فی کل من الفعلین
علی حدّ سواء و من دون مرجح، فلابدّ من کون الواجب فی کلّ منهما بنحو البدلیۀ والتردد.
وهذا المعنی لا محیص عنه فی کثیر من الموارد، ولا وجه للالتزام ببعض الوجوه فی العلم الإجمالی، کدعوي أن المتعلّق هو الجامع
والتردید فی الخصوصیات. وفی مسألۀ بیع صاع من صبرة، کدعوي أن المبیع هو الکلّی فی الذمۀ ولکن مع بعض القیود، أو دعوي
اخري لا ترجع إلی محصل. وتحقیق الکلام فی کلّ منهما موکول إلی محلّه.
« فالمختار علی هذا فی الواجب التخییري کون الواجب أحدهما لا بعینه، کما التزم به المحقق النائینی، وإن خالفناه فی طریقۀ إثباته
.«1»
أقول:
الفرد علی البدل مفهوم متعیّن، ولذا نستطیع التعبیر عنه والحکم علیه وتصوّره فی الذهن » أمّا ما ذکر فی المقدمۀ الأُولی من أن
فهو- علی هذا- قابلٌ لتعلّق ال ّ ص فات الحقیقیّۀ والاعتباریّۀ به کغیره من » : فهذا صحیح، ولکن التفریع علیه بقوله « کمفهومٍ من المفاهیم
فیه: « المفاهیم المتعیّنۀ
أوّلًا: کیف تتعلّق الصفات الاعتباریّۀ من البعث والتحریک ونحوهما
__________________________________________________
.495 -492 / 1) منتقی الأُصول 2 )
ص: 321
بالوجود الذهنی ما لم یکنْ له مطابق فی الخارج؟
وثانیاً: کیف یکون المردد متعیّناً کغیره من المفاهیم المتعیّنۀ؟ إن أراد المتعیّن خارجاً، فإن کلّ ما فی الخارج معیّن غیر مردد، وإنْ أراد
التعیّن ذهناً، فالمفروض أنه مردد غیر معیّن.
وأمّا ما ذکر فی المقدّمۀ الثانیۀ من صحّۀ تعلّق العلم ونحوه بالمردد، فقد تقدّم أنه رأي صاحب الکفایۀ، وما أجاب به من أنّ الارتباط
بین المفهوم والمتعلّق الخارجی لیس ارتباطاً واقعیّاً غریب، فإنّ الإرتباط بین الشّیئین إمّا واقعی وإمّا اعتباري، وهل الارتباط بین الصورة
الذهنیۀ ومطابقها الخارجی اعتباري لا واقعی؟
صفحۀ 172 من 205
أعجب، فإنه یتضمّن الاعتراف بلزوم وجود المطابَق ولزوم المطابقۀ بینهما، « قد لا یکون العلم مطابقاً للواقع » والاستشهاد لذلک بأنّه
وأمّا عدم المطابقۀ أحیاناً فمن الخطأ فی التطبیق، وأین هذا عن المدّعی حتی یستشهد به؟ وکذلک الاستشهاد بتعبیرهم عن الخارج
بالمعلوم بالعرض، فإنّ هذا التعبیر یفید خلاف المدّعی کما لا یخفی.
« الأحد » وتأیید ذلک بالإخبار عن أحد الأمرین، واضح الضعف، للفرق بین الإخبار، والعلم والبعث والتکلیف، علی أن المخبر عنه هو
الجامع بین الفردین لا الفرد المردد، وهذا هو المرتکز العقلائی.
الطریق الثالث … ص: 321
اشارة
إنه فی الواجب التخییري یوجد وجوبان، لکن کلّاً منهما مشروط بترك الآخر، فالإطعام واجب مشروط بترك الصوم، وهکذا
بالعکس. والحاصل: إن هنا غرضین قائمین بالعدلین، لکنّهما متزاحمان ولا یمکن استیفاؤهما معاً،
ص: 322
فیجب استیفاء أحدهما علی النحو المذکور، وإن کان ظواهر الأدلّۀ لا تساعد علیه- لعدم دلالتها علی وجود الغرضین والوجوبین-
لکن لا مناص من تصویر الواجب التخییري بهذه الصّورة.
الاشکالات علیه … ص: 322
وقد أورد علیه بوجوه:
الأوّل: إن دعوي التمانع بین الغرضین مع القدرة علی الفعلین وهم محض.
.«1» قاله المیرزا وتبعه السیّد الخوئی
وفیه: لیس الأمر کذلک، فقد یقدر الإنسان علی استعمال دوائین یکون الغرض من کلٍّ منهما مضادّاً للغرض من الآخر.
والثانی: إن هذا الطریق یستلزم القول بالترتّب، ومن القائلین بالواجب التخییري من لا یقول بالترتب، کصاحب الکفایۀ.
وفیه: أولًا: إن المحقق الخراسانی قد أنکر الترتب بین الأهمّ والمهم. وأما لو کانا متساویین- کما فی الواجب التخییري- فقد لا ینکره.
وثانیاً: قد صوّر فی الکفایۀ الواجب التخییري بوجهٍ آخر- کما تقدّم- لأنّ القول بشوب الوجوب بجواز الترك یغایر القول باشتراط
وجوب أحدهما بترك الآخر.
والثالث: إنه فی حال ترك کلا الواجبین، یتحقّق الشرط لهما معاً فیکونان فعلیین، فیلزم الإتیان بکلیهما بعنوان الوجوب، وهذا مناف
.«2» لحقیقۀ الواجب التخییري. قاله المحقق الإیروانی
__________________________________________________
.268 / 1) أجود التقریرات 1 )
.200 / 2) نهایۀ النهایۀ 1 )
ص: 323
وفیه- کما تقدّم سابقاً- إن المفروض کون وجوب کلٍّ منهما مشروطاً بترك الآخر، فلا یلزم من ترکهما معاً کون کلیهما مطلوباً.
والرابع: إنه فی صورة ترك کلیهما یلزم تعدّد العقاب، وهو خلاف الضرورة.
وفیه: إنه إشکال مبنائی، لأنّ تعدّد العقاب إنما هو فی تعدّد الواجب المنتهی إلی تعدّد الغرض، ولیس الأمر فی الواجب التخییري
صفحۀ 173 من 205
کذلک.
الخامس: إن لازم هذا القول أن لا یتحقق الامتثال بالإتیان بکلا الفردین، مع الیقین بحصول الامتثال بذلک.
وهذا هو الإشکال الصحیح.
لا مشروطاً بعضها بترك البعض « أو » والسادس: إن هذا الوجه لا تساعده ظواهر الأدلّۀ فی مقام الإثبات، فقد جاءت الأفراد معطوفۀً ب
الآخر. والقول بضرورة حمل الأدلّۀ علی هذا المعنی موقوف علی سقوط جمیع الوجوه. وهذا الإشکال الإثباتی وارد کذلک علی هذا
الوجه.
الطریق الرّابع … ص: 323
اشارة
.«1» إنّ الواجب التخییري ما کان وجوبه مشوباً بجواز الترك إلی بدلٍ. ذهب إلیه المحقق الإصفهانی رحمه اللَّه
إن قیل: فما الفرق بین هذا الطریق وطریق صاحب الکفایۀ؟
قلنا: إنّ المحقق الخراسانی قد اختار ذلک علی أساس قوله بتباین الأغراض، أمّا المحقق الإصفهانی فقد ذهب إلی ما ذکر سواء کانت
متباینۀ أو متسانخۀ، فالإختلاف بینهما فی منشأ الجعل، کما بینهما اختلاف فی التخییر کما
__________________________________________________
.271 / 1) نهایۀ الدرایۀ 2 )
ص: 324
سیظهر.
وتوضیح هذا الطریق:
أوّلًا: إنه یمکن أن یکون الغرض فی کلّ من العتق والإطعام والصّوم من سنخ واحدٍ، ویکون لزومیّاً، فالمقتضی لکونه لزومیّاً موجود-
وإلّا لما کان هناك وجوب- إلّاأنّ مصلحۀ الإرفاق والتسهیل علی المکلّفین قد زاحمت هذا الغرض اللّزومی فی حدّ الجمع بین الأُمور
لا فی حدّ جمیع الأُمور، وکان مقتضی الجمع أن لا یجب الإتیان بالجمیع کما لا یجوز ترك الجمیع … وهذا معنی کون وجوب کلٍّ
من الأُمور مشوباً بجواز ترکه إلی البدل. وقد لا یکون الغرض قابلًا للإرفاق فلا یقع التزاحم بین مصلحۀ التسهیل ومصلحۀ الأُمور،
فیجب الجمیع کما فی کفارة الجمع، خلافاً للمحقق الخراسانی القائل بعدم إمکان تحقق الغرضین أو الأغراض فی الخارج، لکونها
متباینۀ.
وثانیاً: إنّ الأغراض قد یکون لها وحدة نوعیّۀ، کما هو الحال بین الإطعام والعتق، فإن الغرض الجامع بینهما هو الإحسان، وقد تکون
متباینۀ کما هو الحال بین العتق والصّوم … خلافاً للمحقّق الخراسانی القائل بالتقابل بین الأغراض دائماً.
وثالثاً: إنه یظهر مما تقدّم عدم توجّه الإشکال الوارد علی المحقق الخراسانی، من أن لازم کلامه أن لا یکون المکلّف ممتثلًا لو جمع
بین الأفراد مع أنه ممتثل یقیناً، لأنّ المحقق الإصفهانی لم یؤسّس طریقه علی التقابل بین الأغراض، بل ذهب إلی إمکان تحقّقها، لأنّ
المزاحم لیس إلّامصلحۀ التسهیل، فکان المکلّف مرخّصاً فی ترك الغرضین، لا ممنوعاً من الجمع بینهما.
ص: 325
الإشکالات علی هذا الطریق والنظر فیها … ص: 325
صفحۀ 174 من 205
هذا، وقد أورد علی هذا الطریق بوجوه کلّها مندفعۀ:
الأول: إنّ الوجوب المشوب بجواز الترك لا یعقل إلّابنحو الواجب المشروط، وعلیه، فلو ترك کلا الفردین فقد تحقق الشرط لها،
فیجب الجمع بینهما، وهو خلف فرض الواجب التخییري، قاله المحقق الإیروانی.
وفیه: إنّ هذا الإشکال لا یرد علی صاحب الکفایۀ، لقوله بالتقابل بین الأغراض کما تقدم، ولا یرد أیضاً علی طریق الإصفهانی- وإن
کان لا یري التقابل المذکور- لأن المفروض وقوع التزاحم بین الأغراض وبین مصلحۀ التسهیل، ومع فرض التزاحم، لا یبقی الفردان
أو الأفراد علی الوجوب، والجمع موقوف علی وجوبها کما هو واضح، فیکون الواجب واحداً من الفردین أو الأفراد فقط، فأین الجمع؟
الثانی: إنه فی حال ترك کلا الفردین یلزم تعدّد العقاب.
وفیه: إنه قد عرفت أنّ الباقی بعد التزاحم هو أحد الغرضین أو الأغراض، فلو ترك الکلّ فات الغرض الملزم الواحد، فلا یُستحق
إلّاعقاب واحد.
والثالث: إن القول بوجود واجبین یجوز ترك أحدهما إلی بدل، موقوف علی تعدّد الغرض، لکنّ الکاشف عن تعدده هو تعدّد
الدالّۀ علی کون الواجب هو الجامع الانتزاعی، وهذا « أو » الوجوب، والحال أنّ الخطاب الشرعی فی الواجب التخییري جاء بکلمۀ
یکشف عن غرض واحدٍ مترتب علی هذا الجامع، أي: هذه الأُمور، لا علی کلّ واحد واحد.
وقد أجاب شیخنا- فی الدورتین- عن هذا الاشکال: بأنه لیس المقصود هو الکشف عن الغرض حتی یقال: ما هو الکاشف کذلک؟
بل المقصود تصویر
ص: 326
الوجوب التخییري وحلّ مشکلته فی مقام الثبوت، وحاصل ذلک: إنّه لیس الحامل للغرض هو الأحد المصداقی، لعدم معقولیته، ولا
المفهومی، لأنّه جامع انتزاعی ولیس له وجود فی الخارج، بل إنّا نکشف من مذاق الشارع وأدلّۀ الأحکام أن یکون لکلّ من العتق
والصّوم والإطعام ملاك، لکن مصلحۀ التسهیل توجب أن لا یکون المکلّف مأموراً بتحصیل جمیعها، إلّاالمفطر عمداً فلا یقع مورد
الإرفاق والتسهیل … إذن، الکاشف عن الغرض موجود بهذه الصّورة.
والرابع: إن هذه المزاحمۀ إما أن تصل إلی حدّ اللّزوم، فلا یجب شیء من الخصال، وإمّا لا، فلا تزاحم.
وفیه: إن هذه المزاحمۀ لزومیّۀ، لکنّها بین مصلحۀ التسهیل وتحصیل جمیع الأغراض، کلّ واحدٍ واحدٍ.
والخامس: إن سقوط التکلیف یکون إمّا بالامتثال وإمّا العجز وإمّا النسخ، والإتیان بالفرد الآخر من الواجبین لیس بواحدٍ من هذه
الأُمور.
وفیه: إنّ ما ذکر یتمّ فیما لا یجوز ترکه أصلًا وهو التعیینی، لا فی الواجبین اللذین یجوز ترك أحدهما إلی بدل.
ویبقی الإشکال الإثباتی، فقد قال فی الدورة اللّاحقۀ: إنّ الإشکال الوارد علی هذا الطریق هو الإشکال الإثباتی، فإن ظواهر الأدلۀ هو
لکنّ مقتضی هذا الطریق هو عدم التردید، فهو یري وجوب کلٍّ من الأفراد. « الأحد » مطلوبیّۀ
أمّا فی الدورة السابقۀ، فقد أجاب بأنّ المحقق الإصفهانی فی مقام التصویر ثبوتاً ولا یدّعی مطابقۀ الأدلّۀ لما ذهب إلیه، ولعلّ ذلک
هو الظاهر من قوله:
أيأنه غیر ملتزم لأن یکون التصویر متطابقاً مع مقام الإثبات… « یمکن فرض »
فلو انسدّت الطرق کلّها وبقی هذا، فلا مناص من رفع الید عن الظواهر بحیث
ص: 327
تناسب مقام الثبوت.
الطریق الخامس … ص: 327
صفحۀ 175 من 205
إذا تعلّق الأمر بأحد الشیئین أو الأشیاء علی وجه التخییر، فالمرجع فیه- کما عرفت- إلی وجوب کلّ واحدٍ :«1» قال المحقق العراقی
لکن بإیجابٍ ناقص، بنحو لا یقتضی إلّاالمنع عن بعض أنحاء تروکه وهو الترك فی حال ترك البقیۀ، من غیر فرقٍ فی ذلک بین أن
یکون هناك غرض واحد یقوم به کلّ واحد فرد- ولو بملاحظۀ ما هو القدر الجامع- أو أغراض متعددة، بحیث کان کلّ واحد تحت
غرضٍ مستقل وتکلیف مستقل، وکان التخییر من جهۀ عدم إمکان الجمع بین الغرضین، إما للتضادّ بین متعلّقهما کما فی المتزاحمین
أو بین نفس الغرضین فی عالم الوجود، بحیث لا یبقی مع استیفاء أحد الغرضین فی الخارج مجال لاستیفاء الآخر، أو فی مرحلۀ أصل
الاتّصاف، بحیث مع تحقق أحد الموجودات واتّصافه بالمصلحۀ لا تتصف البقیّۀ بالغرض والمصلحۀ والحاصل: إن الواجب التخییري ما
یکون وجوبه وجوباً ناقصاً.
قال الأُستاذ: لا فرق جوهري بین هذا الطریق وطریق المحقّق الإصفهانی، لأن الوجوب الناقص- فی الحقیقۀ- هو الوجوب المشوب
بجواز الترك.
نعم، بینهما فرق من جهۀ أنه علی القول بالوجوبین المشوبین بجواز الترك، یکون العقاب المترتب فی حال ترك کلّ الأطراف عقاباً
واحداً، أمّا علی قول المحقق العراقی، فقد صرّح بلزوم تعدّد العقاب فی بعض الصّور، فهو یقول بأنه لو ترك الجمیع وکان الغرض
منها غرضاً واحداً یقوم بالجامع بینها، کان العقاب واحداً لا متعدّداً، وکذا لو کان لکلٍّ غرضٌ، لکن الغرضین کانا بحیث أنه مع تحقّق
__________________________________________________
.392 -391 (2 - 1) نهایۀ الأفکار ( 1 )
ص: 328
أحد الغرضین أو الأغراض ینتفی الغرض من غیره. أمّا لو کان لکلٍّ من الأطراف غرض مستقل تام فترك جمیع الأطراف، فالعقاب
متعدّد.
وبلحاظ هذا الفرق یصلح لأن یکون طریقاً آخر.
ویرد علیه أنّ تعدّد العقاب خلاف الضرورة الفقهیّۀ.
الطریق السادس … ص: 328
اشارة
قال المحقق الإیروانی- بعد المناقشۀ لکلام الکفایۀ والطرق المذکورة فیها- ما نصّه: فلا محیص عن الإلتزام بأن الواجب هو الواحد
الجامع، وأنّ التخییر فی جمیع الواجبات التخییریۀ عقلیّ لا شرعی، أو الإلتزام بأن الواجب أحدهما لا بعینه مصداقاً، مع عدم القول
بتبعیّۀ الأحکام للمصالح فی المتعلّق، والإلتزام بکفایۀ المصلحۀ فی الحکم، وذلک لأن توجّه الحکم إلی أحدهما لا بعینه معقول،
کتوجّه التملیک إلی الواحد المردّد، لکن لا یعقل قیام المصالح التی تکون فی الأغراض المتّصلۀ بالواحد المردّد، فلابدّ أن تکون
.«1» المصلحۀ إمّا فی واحدٍ معین أو فی الجمیع، فإن کان الأوّل، تعیّن ذلک الواحد للوجوب، وإن کان الثانی، وجب الجمیع عیناً
الإشکال علیه … ص: 328
وأورد علیه الأُستاذ بوجوه:
الأوّل: إن إرجاع موارد الوجوب التخییري فی الشریعۀ إلی التخییر العقلی بعید کلّ البعد عن ظواهر الأدلّۀ فی مقام الإثبات، بأن یکون
صفحۀ 176 من 205
المراد منها کون متعلّق التکلیف هو القدر المشترك، ثم العقل یحکم بکون المکلف مخیّراً فیما بین الأفراد، کالأمر بالصلاة وحکم
العقل للمکلّف بالصّلاة فی الدار أو فی المسجد أو
__________________________________________________
.201 / 1) نهایۀ النهایۀ 1 )
ص: 329
فی المدرسۀ، وأنّ واحدةً منها محقّق للإمتثال … وعلیه، فتکون الأدلّۀ فی الوجوب التخییري إرشاداً إلی حکم العقل.
وهذا ما لا یمکن المساعدة علیه.
علی أنّه یستلزم القول بکون العقل حاکماً، وقد تقرّر أنه مدرك فحسب ولا حکم له.
الثانی: إنه یستلزم القول بوجود الواحد المردّد خارجاً. وقد تقرّر أنه محال.
والثالث: إنّ الإلتزام بکفایۀ المصلحۀ فی الحکم الوضعی لا إشکال فیه، بأن تقوم المصلحۀ فی حکم الشارع بصحّۀ البیع أو لزومه، أمّا
فی الحکم التکلیفی- کما فیما نحن فیه- فغیر معقول، لأن معنی قیام المصلحۀ فی جعل الوجوب حصولها بنفس جعله، وکذا فی جعل
الحرمۀ، والحال أن الغرض فی التکلیفیّات لا یحصل إلّابالإتیان بالمتعلّق فی الواجب وترکه فی الحرام.
الطریق السابع … ص: 329
قال السید البروجردي: وأمّا أصحابنا الإمامیّۀ، فلما توجّهوا إلی الفرق بین الوجوب التعیینی والتخییري، وأن الوجوب التعیینی هو تحتمّ
المولی عبده بإتیان شیء، والوجوب التخییري هو تحتمّ المولی عبده بإتیان شیئین أو الأشیاء علی سبیل التردید النفس الأمري، زادوا
علی تعریف الواجب التخییري بأنه هو الذي یستحق تارکه لا إلی بدلٍ العقاب.
فالوجوب التخییري حقیقۀ هو: إیجاب المولی عبده نحو شیئین أو أشیاء علی سبیل التردید النفس الأمري وتعلّقه بالأطراف علی وجه
التردید الواقعی، کتردّد العلم الإجمالی بین الأطراف.
ولیعلم أن تردید الوجوب ههنا تردید واقعی کما أشرنا إلیه، والتردید فی
ص: 330
المعلوم بالعلم الإجمالی ظاهري، وإن کان فی نفس العلم واقعیاً أیضاً.
فی تعریف الوجوب التخییري، لیس هو البدل فی قبال الأصل کما هو المصطلح فی بعض « لا إلی بدلٍ » ولا یخفی المراد بقولهم
المقامات الأُخر، بل معناه هو الفرد التخییري کما هو واضح.
.«1» فهذا نظره کما فی تقریر بحثه
ومن هنا نسب إلیه الأُستاذ القول بأن حقیقۀ الوجوب التخییري عبارة عن تعلّق التکلیف بالمردد، فی قبال التعیینی حیث یتعلّق بالمعیّن.
وإذا کان هذا رأیه، فلا یمکن المساعدة علیه أصلًا.
الطریق الثامن … ص: 330
اشارة
الذي ینبغی أن یقال فی هذه المسألۀ- تحفّظاً علی ظواهر الأدلّۀ- هو: أن الواجب أحد الفعلین أو الأفعال لا :«2» ( قال فی (المحاضرات
بعینه، وتطبیقه علی کلٍّ منهما فی الخارج بید المکلّف، کما هو الحال فی موارد الواجبات التعیینیّۀ، غایۀ الأمر أن متعلّق الوجوب فی
صفحۀ 177 من 205
الواجبات التعیینیۀ هو الطبیعۀ المتأصّلۀ والجامع الحقیقی، وفی الواجبات التخییریۀ هو الطبیعۀ المنتزعۀ والجامع العنوانی.
(قال) ولا مانع من تعلّق الأمر بالجامع الإنتزاعی، بل إنه تتعلّق به الصفات الحقیقیۀ کالعلم- کما فی مورد العلم الإجمالی-، فضلًا عن
الشرعی وهو أمر اعتباري، فإنّه لا ریب فی تعلقّه بالجامع الإعتباري کتعلّقه بالجامع الذاتی کالإنسان، فلا مانع من اعتبار الشارع ملکیّۀ
احدي الدارین للمشتري إذا قال البائع:
بعت أحداهما، بل ذلک واقع فی الشریعۀ کما فی باب الوصیّۀ.
__________________________________________________
.210 -209 : 1) الحجۀ الفقه 1 )
.222 / 2) محاضرات فی أُصول الفقه 3 )
ص: 331
ومجرّد عدم الواقعیۀ له لا یمنع من تعلّق الأمر به، إذ المفروض تعلّقه بالطبیعی الجامع، ولا فرق ،« الأحد » إذن، یکون متعلّق الأمر عنوان
وحینئذٍ یکون الغرض قائماً بهذا ،« أو » بین الجامع المتأصّ ل والانتزاعی … وهذا هو مقتضی ظواهر الأدلّۀ من جهۀ اشتمالها علی
العنوان، وهو یتحقق بالإتیان بأيٍّ من الفردین أو الأفراد، بلا دخل خصوصیّۀ شیء منها … فالمراد من تعلّق الأمر بالجامع الانتزاعی-
لیس تعلّقه به بما هو موجود فی النفس، ولا یتعدي عن أُفق النفس إلی الخارج، ضرورة أنه غیر قابل لأن یتعلّق به الأمر ویقوم به
الغرض- إنما هو بمعنی تعلّق الأمر به بما هو منطبق علی کلّ واحدٍ من الفعلین أو الأفعال فی الخارج، ویکون تطبیقه علی الخارج بید
المکلّف.
ومن هنا یظهر أنه لا فرق بین الوجوب التعیینی والتخییري إلّافی نقطۀٍ واحدة، وهی کون المتعلّق فی الأول الطبیعۀ المتأصّ لۀ کال ّ ص لاة
مثلًا، وفی الثانی الطبیعۀ المنتزعۀ کعنوان أحدهما.
وهذا ملخّص هذا الطریق.
مناقشۀ الأُستاذ
إن العمدة فی هذا المسلک کون متعلّق الأمر هو الجامع الإنتزاعی، لکن لا بما هو موجود ذهنی، بل بما هو ملحوظ مرآة لما فی
الخارج، فنقول:
مرادنا من تعلّق الأمر به بما هو منطبق علی کلّ واحدٍ من الفعلین أو الأفعال فی الخارج » : إذا کان المتعلّق کذلک، فما معنی قوله
؟« ویکون تطبیقه علی ما فی الخارج بید المکلّف
إن الجامع الإنتزاعی موطنه النفس ولیس له خارجیّۀ- بل ما فی الخارج هو الجامع الحقیقی- فإن أراد سرایۀ الأمر بتوسّط هذا الجامع
إلی الخارج، فهذا أیضاً
ص: 332
محال، لأنّ الخارج لیس بظرفٍ لثبوت الأمر وتعلّقه بل هو ظرف سقوطه، وبعبارة أُخري، فإن الجامع قبل التطبیق أمر ذهنی لا خارجیۀ
له، وأمّا بعده، فإنّ الخارج ظرف سقوط الأمر لا تحقّقه.
هذا أوّلًا.
وثانیاً: إن هذا الجامع ینتزعه العقل، فإن کان مصداق هذا الأحد المفهومی فی الخارج هو الأحد المردّد، فهو یعترف بأن الأحد المردّد
لا یتعلّق به التکلیف ولا یقوم به الغرض، فلابدّ وأن یکون المصداق وما بإزائه فی الخارج هو المعیّن، غیر أن هذا المکلّف یطبّقه علی
هذا الفرد، والمکلّف الآخر یطبّقه علی فردٍ آخر، فإن کان الغرض قائماً بالقدر المشترك بین الأفراد أصبح التخییر عقلیاً، وإن کان
قائماً بفردٍ معیّن خرج عن التخییریّۀ وکان الواجب تعیینیّاً، وإن کان لکلّ واحدٍ واحدٍ منها غرض غیر أن مجموع الأغراض تزاحمها
صفحۀ 178 من 205
مصلحۀ التسهیل، عاد المطلب إلی طریق المحقق الإصفهانی … وقد تقدّم سلامۀ طریقه ثبوتاً عن کلّ ما أُورد علیه، ومع التنزّل عنه،
فإن طریق السید الخوئی یکون أحسن الطرق والمسالک فی الباب.
وتلخّص: إن هذا الطریق وإن کان أحسن الوجوه وأقربها إلی النصوص، لکنّ الإشکال فیه من جهۀ الغرض باق، لأنّ العنوان الانتزاعی
لا یحمل الغرض بل المعیّن هو الحامل له، لکن المفروض أنّ الواجب هنا غیر معیّن. لأنه الأحد الخارجی، والأحد المردد خارجاً
محال … فلا مناص من أن یکون الواجب کلّ من الأفراد بخصوصه، ویکون فی کلّ فردٍ فردٍ مصلحۀ، فیقع التزاحم بین تلک
الأغراض والمصالح ومصلحۀ التسهیل، وهو مبنی المحقق الإصفهانی.
لکن تقدّم أن فی مبنی المحقق الإصفهانی اشکالین:
ص: 333
أولًا: إنه غیر متطابق مع الأدلّۀ فی مقام الإثبات.
وثانیاً: إنّ الوجوب المشوب بجواز الترك مرجعه إلی الوجوب المشروط، إلّا أن یرفع بالتحقیق الأتی إن شاء اللَّه.
تحقیق الُأستاذ … ص: 333
واختار الشیخ الأُستاذ دام ظلّه الطریق الأخیر فی الدورة السابقۀ، وذکر أنه کان مختاره فی الدورة الأُولی- فی النجف الأشرف…
وکان حاصل ما أفاده: أنّه إذا کان متعلّق التکلیف هو الجامع الانتزاعی، فلابدّ وأن یکون هو الحامل للغرض، وأن یصحّ البعث إلیه…
فهنا ثلاثۀ مراحل.
أمّا أن الجامع الإنتزاعی هو المتعلّق، فهو مقتضی ظواهر النصوص، کما أنه سالمٌ من محذور تعدّد العقاب. وأمّا البعث والتحریک
نحوه، فهو بلحاظ تطبیقه علی الفرد، وهو بید المکلّف، فلا مشکلۀ فی هذه المرحلۀ. وتبقی مرحلۀ قیام الغرض، لأنّ الغرض یکون قائماً
بما یتعلّق به التکلیف، وإذا کان المتعلّق هو الجامع الانتزاعی فهل یصلح لأن یقوم به الغرض؟
قال دام ظلّه: إنّ بیان (المحاضرات) غیر وافٍ لحلّ المشکلۀ فی هذه المرحلۀ. فلابدّ من التحقیق فی ملاك ما یقال من ضرورة قیام
الغرض بنفس متعلّق التکلیف، فأفاد- فی کلتا الدورتین- بأن صور المسألۀ مختلفۀ:
فقد: یتّحد المتعلّق والحامل للغرض کما فی الأمر بالصّلاة، فإنّها هی متعلّق التکلیف وهی حاملۀ الغرض.
وقد یقع التخلّف، بأن یکون العنوان متعلّق التکلیف والمعنون هو الحامل للغرض، کما فی الأمر بإکرام من المسجد، حیث یکون
الغرض قائماً بالفرد المعیّن خارجاً.
ص: 334
وقد یکون المتعلّق هو الملازم لعنوانٍ کان الغرض مترتباً علیه، کما فی التکلیف الناسی، بناءً علی مسلک المحقق الخراسانی، إذ لا
کما مثّل هو فی الدرس- وهذا العنوان - « کلاه قرمز » لأنه بذلک ینقلب ذاکراً، بل یتوجّه إلی عنوان « الناسی » یعقل توجّه التکلیف إلی
ملازم للناسی وهو موضوع الغرض.
فعلیه، لا یلزم أن یکون حامل الغرض هو المتعلّق، ولا برهان علی ذلک، بل اللّازم أن یکون تعلّق التکلیف بالعنوان منتهیاً إلی
التحریک نحو الموضوع الحامل للغرض.
وما نحن فیه کذلک، فإنّ التکلیف قد تعلّق بالجامع الانتزاعی، وموطنه الذهن، فلیس حاملًا للغرض، إلّاأن تعلّقه به موجب للتحرك
نحو المصداق الخارجی، ویکون المصداق هو الحامل له.
وبهذا البیان یرتفع الإشکال عن طریق المحقق الخوئی، وما ذکره من أن تعلّق التکلیف بالجامع الانتزاعی یکشف عن کون الغرض
قائماً به، فلیس برافعٍ له.
صفحۀ 179 من 205
الرأي النهائی … ص: 334
وبعد أن رفع الأُستاذ الإشکال عن مسلک السید الخوئی، والذي کان قد اختاره سابقاً، لکونه الأقرب إلی ظواهر النصوص، ذکر أنّ
مقتضی الدقّۀ فی النصوص شیء آخر غیر المسلک المزبور … فأورد بعض النصوص، واستظهر منها کون المجعول فی موارد
:« التخییر » هو - « أو » الوجوب التخییري- الذي هو مفاد
* محمد بن أحمد بن یحیی، عن أحمد بن محمد، عن علی بن الحکم، عن أبی حمزة: عن أبی جعفر علیه السلام قال: سمعته یقول:
إنّ اللَّه فوّض إلی »
ص: 335
الناس فی کفارة الیمین، کما فوّض إلی الإمام فی المحارب أن یصنع ما یشاء.
.«1» « فصاحبه فیه بالخیار « أو » وقال: کلّ شی فی القرآن
ولا فرق بین لسانه ولسان جعل الخیار فی « تفویض الأمر إلیه » و « تخییر المکلّف » فالخبر ظاهر فی أنّ المجعول فی هذه الموارد هو
.«3» « صاحب الحیوان بالخیار بثلاثۀ أیّام » : وقوله «2» « البیّعان بالخیار ما لم یفترقا » : أبواب الخیارات، کقوله علیه السلام
فإن قیل: هذا ما یرجع إلیه الوجوب التخییري.
نقول: حمل المبدء علی النتیجۀ خلاف الظاهر، بل مفاد الخبر جعل المکلّف مختاراً کما جعل الإمام علیه السلام مختاراً فی المحارب،
ولسانهما واحد، وظاهرهما واحد … فیکون الحاصل: کما أن البیّعین بالخیار بین الفسخ وعدمه، کذلک من علیه الکفّارة بالخیار بین
العتق والصیام والإطعام، نعم الفرق هو أنّ المجعول هناك هو الخیار الحقّی، والمجعول هنا هو الخیار الحکمی، وحکم الأول أنه قابل
للإسقاط، وحکم الثانی أنه مثل الخیار فی الهبۀ غیر قابلٍ للإسقاط.
.« الثمالی » هو « أبو حمزة » والظاهر تمامیّۀ سند الروایۀ، و
فی کفّارة الیمین، یطعم عشرة مساکین، لکلّ مسکین مدّ من حنطۀ أو مدّ من دقیق وحفنۀ أو کسوتهم » : وعن أبی عبداللَّه علیه السلام
.«4» « لکلّ انسان ثوبان أو عتق رقبۀ، وهو فی ذلک بالخیار أيذلک شاء صنع
__________________________________________________
377 الباب 12 من أبواب الکفارات. / 1) وسائل الشیعۀ 22 )
6 الباب الأول من أبواب الخیار. / 2) وسائل الشیعۀ 18 )
5 الباب 3 من أبواب الخیار. / 3) وسائل الشیعۀ 18 )
375 ، الباب 12 من أبواب الکفارات. / 4) وسائل الشیعۀ 22 )
ص: 336
فالمجعول الشرعی کونه بالخیار.
والسند صحیح بلا کلام.
قال الأُستاذ: إن هذا هو الظاهر من الأخبار، وإذ لا مانع ثبوتاً وإثباتاً من الأخذ به، فمقتضی الصناعۀ العلمیّۀ هو الأخذ بالظهور.
ویبقی الکلام فی ضرورة تصویر الجامع بین الأفراد…
ولنرجع إلی الروایات فی ذلک، فإنّا نري أنّ التخییر فی الوجوب التخییري شرعی- ولیس بعقلی- وقد وجدنا أن مقتضی الظواهر هو
:« أحد الأُمور » وهذا هو الواجب لا « الفدیۀ » و « الکفارة »
.« سألته عن المحرم یصید الصید بجهالۀٍ. قال: علیه کفّارة » : وعن أبی الحسن الرضا علیه السلام قال
صفحۀ 180 من 205
« یعتق رقبۀً » أو « یطعم ستین مسکیناً » أو « یصوم ستین یوماً » فکان ما یکفر به الذنب أن «… الکفارة » فالمجعول علی ذمۀ المکلّف هو
وقد فوّض الأمر إلی المکلّف فی التطبیق والعمل، کما فوّض إلی الإمام ،« الکفارة » وکلّ واحدٍ من هذه الأُمور مصداق للجامع وهو
….« إِنَّما جَزاءُ الَّذینَ یُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ » علیه السلام فی المحارب إذ قال تعالی
ثم قال الراوي:
قلت: إنه أصابه خطأ.
قال: وأيّ شیء الخطأ عندك؟
قلت: ترمی هذه النخلۀ فتصیب نخلۀً أُخري.
.« قال: نعم، هذا الخطأ وعلیه الکفارة
.« الکفارة » هو « علیه » فکان ما
ص: 337
قلت: إنه أخذ طائراً متعمّداً فذبحه وهو محرم.
قال: علیه الکفارة.
.«1 …» « قلت: جعلت فداك، ألست قلت إن الخطأ والجهالۀ والعمد لیسوا بسواء
وسندها صحیح.
وعن أبی عبداللَّه علیه السلام: مرّ رسول اللَّه صلّی اللَّه علیه وآله وسلّم علی کعب بن عجرة الأنصاري والقمّل یتناثر من رأسه. فقال:
أتؤذیک هوامک؟ فقال:
.« فَمَنْ کانَ مِنْکُمْ مَریضًا أَوْ بِهِ أَذًي مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْیَۀٌ » نعم. قال: فأنزلت هذه الآیۀ
هذه بیانیۀ. « من » و « مِنْ صِیامٍ أَوْ صَدَقَۀٍ أَوْ نُسُکٍ » « الفدیۀ » فالواجب هو عنوان
فأمره رسول اللَّه بحلق رأسه وجعل علیه الصیام ثلاثۀ أیام والصدقۀ علی ستۀ مساکین، لکلّ مسکین مدّان، » :( (قال علیه السلام
والنسک شاة.
.«2» « فصاحبه بالخیار یختار ما شاء « أو » وکلّ شیء فی القرآن » :( (قال علیه السلام
وعن أبی عبداللَّه علیه السلام:
« فی رجلٍ أتی امرأته وهی صائمۀ وهو صائم. قال: إن کان استکرهها فعلیه کفّارتان، وإن کانت مطاوعته فعلیه کفارة وعلیها کفارة »
.«3»
فی الرجل یلاعب أهله أو جاریته وهو فی قضاء شهر رمضان، فیسبقه الماء فینزل. قال: علیه من الکفارة » : وعن أبی عبداللَّه علیه السلام
مثل ما علی الذي
__________________________________________________
69 الباب 31 من أبواب کفّارات الصید. / 1) وسائل الشیعۀ 13 )
166 الباب 14 من أبواب بقیۀ کفّارات الإحرام. / 2) وسائل الشیعۀ 13 )
377 الباب 12 من أبواب بقیّۀ الحدود والتعزیرات. / 3) وسائل الشیعۀ 28 )
ص: 338
.«1» « یجامع فی رمضان
قال الأُستاذ:
صفحۀ 181 من 205
ولو تنزلنا عن هذا، فالمختار من بین الوجوه المتقدمۀ هو مسلک السید الخوئی.
هذا تمام الکلام فی الواجب التخییري بین المتباینین.
التخییر بین الأقل والأکثر … ص: 338
اشارة
وقد وقع الکلام بین الأعلام فی جواز التخییر بین الأقل والأکثر، واختلفت کلماتهم فیه، بین قائل: بالجواز مطلقاً، وقائل بالإستحالۀ
مطلقاً، ومفصّل بین ما کان تدریجیّ الحصول فلا یجوز کالتسبیحات، وما کان دفعیّ الحصول فیجوز، کدوران الأمر بین رسم الخط
القصیر أو الطویل، علی أن یوجد الخط دفعۀً.
ومنشأ الخلاف هو:
أوّلًا: إنه إن وجب الأقل، فإنّه دائماً موجود فی ضمن الأکثر، فإذا تحقق حصل الغرض من الأمر، ویکون الأکثر حینئذٍ بلا غرض،
فلماذا یکون واجباً؟
وحقیقته: ما لا یجوز ترکه- أللّهم إلّافی الوجوب التخییري، حیث یجوز ترك أحد العدلین مثلًا بالإتیان « الوجوب » وثانیاً: إن معنی
بالعدل الآخر- ولکنّ التخییر بین الأقلّ والأکثر یستلزم القول بجواز ترك الواجب، لأنّه مع الإتیان بالأقل یسقط الأکثر عن الوجوب.
ولا یخفی ورود هذین المحذورین سواء فی مورد التدریجی والدفعی،
__________________________________________________
130 الباب 56 من أبواب ما یمسک عنه الصائم. / 1) وسائل الشیعۀ 10 )
ص: 339
أحدهما بالتدریجی والآخر بالدفعی. «1» فلا وجه لتخصیص المحقق الإصفهانی
رأي المحقق الخراسانی … ص: 339
:«2» وذهب المحقق الخراسانی إلی الجواز مطلقاً، وحاصل کلامه
تارةً: یکون الغرض قائماً بالأقل بحدّه، وبالأکثر بحدّه، بحیث یکون للحدّ دخلٌ فی الغرض. فهنا لا محیص عن القول بالتخییر.
وأُخري: یکون الغرض قائماً بذات الأقل بلا دخل للحدّ فیه، وکذا فی الأکثر. فهنا لا یعقل التخییر.
ففی التسبیحات- مثلًا- إن کان الغرض الواحد قائماً بالأقل وبالأکثر بحدّهما، کانت التسبیحۀ الواحدة حاملۀً للغرض کالتسبیحات
الثلاث، فلو أوجب الأقلّ دون الأکثر لزم الترجیح بلا مرجّ ح، فلا محالۀ یکون المکلّف مخیّراً- بحکم العقل- بین الإتیان بالأقل أو
الأکثر، لأنّ المفروض کون الواجب هو الجامع بینهما، وکلّ منهما مصداق له بلا فرق.
أمّا لو تعدّد الغرض، وکان کلٌّ منهما حاملًا لغرضٍ غیر الغرض من الآخر ولا یمکن الجمع بینهما، کان التخییر شرعیّاً، إذ یکون کلٌّ
منهما واجباً مع جواز ترکه إلی البدل، کما تقدّم فی المتباینین.
فإن قلت: هذا إنما یتمّ فی الدفعی، لکون کلٍّ من الأقل والأکثر طرفاً فیتحقق التخییر، وأمّا مع الحصول بالتدریج، بأن یوجد الأقل
ویصیر کثیراً حتی یصل إلی الأکثر فلا، لحصول الامتثال بالأقل.
فأجاب: بعدم الفرق، لإمکان ترتب الغرض علی التسبیحۀ بقید الوحدة
__________________________________________________
صفحۀ 182 من 205
.273 / 1) نهایۀ الدرایۀ 2 )
. 2) کفایۀ الأُصول: 142 )
ص: 340
وعلیها بقید الثلاثۀ، وإذا کان کلّ منهما حاملًا للغرض، کان تعیین الأقل منهما ترجیحاً بلا مرجّح.
قال الأُستاذ:
ومح ّ ص ل کلامه هو: إن جمیع موارد التخییر بین الأقل والأکثر- حیث یکون کلّ منهما مقیّداً بحدّه- ترجع إلی التخییر بین المتباینین،
من قبیل التباین بین البشرط لامع البشرط شیء … وعلی هذا الأساس قال بالتخییر.
لکنّ هذا خلاف الفرض فی مسألۀ دوران الأمر بین الأقل والأکثر، إذ یکون الأقل موجوداً فی ضمن الأکثر، فلیس المراد من الأقل هو
البشرط لا عن الأکثر…
حتی یرجع الحال إلی ما ذکره.
فما أفاده لیس حلّاً للإشکال ورافعاً للمحذور المزبور سابقاً.
المختار
فالمختار فی محلّ الکلام هو القول الثانی، أياستحالۀ التخییر.
وبه یصحّح التخییر بین الأقل والأکثر وإنْ کانت » : والعجب من السیّد الاستاذ أنه بعد ذکر محصَّل ما جاء فی الکفایۀ قال ما نصه
النتیجۀ إرجاعه إلی التخییر بین المتباینین، لإرجاعه إلی التخییر بین المأخوذ بشرط لا والمأخوذ بشرط شیء.
فتدبر. «1» « فهو تصحیح للتخییر بین الأقل والاکثر بتخریجه علی التخییر بین المتباینین، لا التزام بالتخییر بین الأقل والاکثر
تفصیل المحقق الإیروانی … ص: 340
بأن محلّ الإشکال هو ما إذا کان نفس الفعل :«2» وقال المحقق الإیروانی
__________________________________________________
.496 / 1) منتقی الأُصول 2 )
.201 / 2) نهایۀ النهایۀ 1 )
ص: 341
المتعلّق للتکلیف مردّداً بین الأقل والأکثر، وکان للأقل فی ضمن الأکثر وجود مستقل، کرسم خطٍّ طویل تدریجاً، وإن عدّ المجموع
بعد حصول الأکثر فعلًا واحداً ذا وجود واحد.
فیخرج بالقید الأوّل: ما إذا لم یکن الفعل المتعلّق للتکلیف مردداً بین الأقل والأکثر، بل کان متعلّق ذلک الفعل مردّداً بینهما، کما إذا
أمر تخییراً بالإتیان بعصا طولها عشرة أذرع، أو بعصا طولها خمسۀ أذرع، أو بإکرام عشرة دفعۀً واحدة، أو إکرام خمسۀٍ کذلک، فإن
ذلک من التخییر بین المتباینین، لتباین الفعلین المتعلّق بهما التکلیف.
ویخرج بالقید الثانی: ما إذا لم یکن للأقل فی ضمن الأکثر وجود مستقل، کما إذا أمر تخییراً بالمسح بالکف أو بأصبع واحدة، فإنه
أیضاً من التخییر بین المتباینین.
ومن ذلک یظهر عدم الفرق بین الکمّ المنفصل والکمّ المتصل، فلو أمر تخییراً بین التسبیحۀ الواحدة والتسبیحات الثلاث، أو أمر تخییراً
بین المشی فرسخاً واحداً أو فراسخ عدیدة، أو القرائۀ والتکلّم وسائر الأُمور التدریجیّۀ، کان کلّ ذلک من محلّ الکلام.
ثم إنه أورد علی (الکفایۀ) بإشکالین: (أحدهما): ما تقدّم من أن ما ذکره خارج عن محلّ الکلام، وأنّ لازم کلامه عدم معقولیّۀ
صفحۀ 183 من 205
التخییر بین الأقل والأکثر.
و (الثانی) هو: إن ما ذکره من التخییر بین الأقل بشرط لا والأکثر غیر معقولٍ أیضاً، وإن کان ذلک داخلًا فی المتباینین، إذ التباین
المذکور تباین عقلی لا خارجی، والإشکال لا یرتفع بالتباین الخارجی، ولذا لا یسع المصنف الحکم بعدم وجوب الأکثر بعد الإتیان
بالأقل، لأن ذلک فی معنی إخراج الأکثر عن طرف التخییر،
ص: 342
ولا الحکم بوجوب الأکثر عیناً، لأن ذلک فی معنی إخراج الأقل عن طرف التخییر، وحکمه بالتخییر بین الإتیان بالزائد وعدمه فی
معنی عدم وجوب الزائد وانحصار الوجوب بالأقل، لعدم معقولیّۀ وجوب فعل شیء وترکه علی سبیل التخییر.
إشکال الُأستاذ … ص: 342
وقد أورد الأُستاذ- فی کلتا الدورتین- علی هذه النظریّۀ، بأن ذات الأقل موجود فی ضمن الأکثر فی الوجود الدفعی کذلک،
والمفروض أن الغرض مترتب علی الذات، فیکون الأکثر زائداً عن الغرض، لکنّ هذا یستلزم أن لا تکون ذات الأقل حاملۀً للغرض
إلّامع الحدّ وکونه بشرط لا، وحینئذٍ ینقلب إلی التخییر بین المتباینین، وهو خلف الفرض کما تقدم فی الإشکال علی (الکفایۀ).
إذن، فمورد البحث هو ذات الأقل لا بحدّه، وهو موجود فی ضمن الأکثر، من دون فرقٍ بین الوجود الدفعی للأکثر أو التدریجی.
وأمّا إشکاله علی المحقق الخراسانی بأن هذه التباین عقلی لا خارجی.
ففیه: إنّ منشأ اعتبار الأقل بشرط لا مغایر خارجاً مع منشأ اعتبار البشرط شیء، فکان التباین خارجیاً لا ذهنیّاً.
وهذا تمام الکلام فی الوجوب التخییري.
ص: 343
الوجوب الکفائی