گروه نرم افزاری آسمان

صفحه اصلی
کتابخانه
جلد سوم
الوجوب الکفائی … ص: 343







اشارة
ص: 345
والفارق بینه وبین التخییري هو المتعلّق والموضوع، ففی التخییري یتردّد متعلّق التکلیف بین الصوم والإطعام والعتق- مثلًا- أمّا فی
الکفائی، فإنه یتردّد موضوع التکلیف بین زید وعمرو وبکر…
فالتکلیف واحد، لکن الموضوع متعدّد، واستحقاق العقاب أو الثواب یکون للکلّ، بخلاف الواجب التخییري حیث الثواب أو العقاب
واحد.
وقد اختلفت کلمات الأعلام فی هذا المقام کذلک علی وجوه:
. الوجه الأوّل … ص: 345
اشارة
والتحقیق أنه سنخ من الوجوب، وله تعلّق بکلّ واحد، بحیث لو أخلّ بامتثاله الکلّ لعوقبوا علی مخالفته :«1» فقال المحقق الخراسانی
جمیعاً، وإن سقط عنهم لو أتی به بعضهم، وذلک قضیّۀ ما إذا کان هناك غرض واحد حصل بفعل واحدٍ صادر عن الکلّ أو البعض.
صفحۀ 184 من 205
کما أن الظاهر هو امتثال الجمیع له أتوا به دفعۀً واستحقاقهم المثوبۀ، وسقوط الغرض بفعل الکل، کما هو قضیّۀ توارد العلل المتعدّدة
علی معلول واحد.
وحاصل کلامه هو: أنّ حقیقۀ الوجوب الکفائی عبارة عن الوجوب المشوب بجواز الترك- کما فی التخییري، غیر أنه هناك جواز
الترك إلی بدلٍ فی
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الأُصول: 143 )
ص: 346
الفعل، وهنا جواز الترك إلی بدلٍ فی الموضوع- وقد ذکر وجهین لهذه الدعوي:
(أحدهما) من جهۀ العلّۀ للحکم وهو الغرض، إذ الغرض واحد والفعل واحد وهو الحامل للغرض، وحینئذٍ، یستوي الحال بالنسبۀ إلی
أفراد المکلّفین، فکلّ من أتی به فقد حصل الغرض وتحقّق الامتثال.
فالحاصل: إنّ موضوع التکلیف هو کلّ الأفراد- لا جمیعهم، لوحدة الغرض والفعل، ولا الأحد المفهومی المردّد منهم، لأنه غیر حاملٍ
للغرض، ولا الأحد المردد المصداقی، لأنه لا وجود له- لکن سنخ التکلیف هو أن الوجوب المتوجّه إلی کلّ واحدٍ مشوب بجواز
الترك له فی حال قیام غیره به.
ولو أتی الجمیع بالفعل- کأن صلّوا جماعۀً علی المیّت- کان الامتثال حاصلًا بفعل الکلّ، من باب توارد العلل المتعددة علی المعلول
الواحد.
وهذا هو (الوجه الثانی).
الاختلاف بین المحقق الإصفهانی وصاحب الکفایۀ … ص: 346
قد وافق صاحب (الکفایۀ) فی أصل الرأي، إلّا أنه خالفه فی الوجه الثانی من الوجهین المذکورین، «1» ثم إنّ المحقق الإصفهانی
لبطلان توارد العلل علی المعلول الواحد فی ال ّ ص لاة علی المیت وغیره من الواجبات الکفائیۀ القابلۀ للتعدّد، فلو صلّی کلّ واحدٍ من
المکلّفین علی المیت، کانت صلاته ذات مصلحۀ، فلم یتحقّق توارد العلل علی المعلول الواحد، هذا بالنسبۀ إلی أصل المصلحۀ. وأمّا
المصلحۀ اللّزومیّۀ فهی لیست إلّاواحدة، تتحقّق بقیام أيّ واحدٍ من المکلّفین بالصّلاة علی المیّت، فنسبتها إلی جمیع المکلّفین علی حدٍّ
سواء، ولذا یحصل الامتثال بفعل أيّ واحدٍ منهم … فلا توارد للعلل، لا فی أصل المصلحۀ
__________________________________________________
.277 / 1) نهایۀ الدرایۀ 2 )
ص: 347
ولا فی المصلحۀ اللزومیّۀ.
أمّا فی مثل دفن المیت ونحوه ممّا لا یقبل التعدّد، فالأمر واضح، إذ مع عدم تعدّد الفعل کیف یتحقّق توارد العلل علی المعلول
الواحد؟
إشکال الُأستاذ … ص: 347
وقد أورد علیه شیخنا بوجوه:
الأوّل: إنّ الوجوب الکفائی وجوب مشوب بجواز الترك فی طرف الموضوع، أيالمکلّف، فلو ترك کان المکلّفون کلّهم معاقبین،
صفحۀ 185 من 205
لأنّ کلّاً منهم قد ترك لا إلی بدلٍ، فهو یقول بتعدّد العقاب هنا، ولا یقول به فی الواجب التخییري مع ترك جمیع الأطراف، والحال
أنّ نفس الدلیل القائم هنا علی تعدّد العقاب یقتضی تعدّده هناك، لأنّ جواز ترك الإطعام- مثلًا- کان منوطاً بالإتیان بالعتق أو الصوم،
فلو ترك الکلّ لزم تعدّد العقاب کذلک.
والثانی: لقد جاء فی کلامه فی (نهایۀ الدرایۀ) عبارة: إن المصلحۀ اللزومیّۀ هذه لا متعیّنۀ. فیرد علیه:
أوّلًا: إنه لا وجود لغیر المتعیّن، وقد ذکر هو سابقاً إن الوجود مساوق للتعیّن.
وثانیاً: إنّ المصلحۀ اللزومیّۀ متقوّمۀ بالفعل الحامل لها، فکیف یکون المعلول متعیّناً والعلّۀ غیر متعیّنۀ؟ وکیف یکون اللّامتعیّن قابلًا
للإمتثال؟
وثالثاً: إن المصلحۀ اللزومیّۀ واحدة لا تقبل التعدّد وإلّا لتعدّد الواجب وهو خلاف الفرض فی الواجب الکفائی، ولذا یکون نسبتها إلی
کلٍّ من المکلّفین علی السواء، وهی نسبۀ صدوریّۀ، فکیف یعقل أن یکون الصّادر واحداً ومن صدر عنه الفعل متعدّداً؟
ص: 348
الإشکال الصحیح علی صاحب الکفایۀ والمحقق الإصفهانی … ص: 348
هذا، والإشکال الوارد علی تصویر الوجوب الکفائی بالوجوب المشوب بجواز الترك، هو عدم مساعدة مقام الإثبات والإرتکازات
العقلائیّۀ علیه، وأمّا ثبوتاً فلا یرد علیه شیء.
. الوجه الثانی … ص: 348
هو القول بالوجوب المشروط، بأن یجب الفعل علی کلّ واحدٍ من المکلّفین مشروطاً بعدم قیام غیره منهم به.
وهذا الوجه ساقط، لأنّه یستلزم عدم حصول الامتثال لو صلّی الکلّ علی المیّت مثلًا، لأنّ المفروض اشتراط الوجوب علی کلّ واحدٍ
منهم بترك الآخر، وإذا صلّی الجمیع لم یتحقق الشرط وانتفی الوجوب، فلا امتثال للأمر … وهذا باطل.
. الوجه الثالث … ص: 348
إن موضوع التکلیف هو الفرد المردّد، کما أنّ متعلّق التکلیف فی الوجوب التخییري هو المردّد، فکما تتعلّق الإرادة التشریعیّۀ بالمراد
المردّد- وهو الفعل- کذلک تتعلّق بالمراد منه المردد وهو الموضوع.
وفیه:
ما تقدّم هناك من أن تعلّق التکلیف بالمردّد غیر معقول، سواء کان التردّد فی الفعل المکلّف به أو فی المکلّف نفسه، لأنّ التکلیف-
سواء علی القول بأنه الإنشاء بداعی جعل الداعی، أو القول بأنه الطلب الإیقاعی الإنشائی، أو القول بأنه البعث والتحریک نحو الإتیان
بالمتعلّق، أو القول بأنه اعتبار الفعل فی ذمّۀ العبد وإبرازه بالصیغۀ- أمر ذو تعلّق وارتباط بالغیر، والتعلّق بالمردّد محال مطلقاً.
ص: 349
هذا، ولا یخفی أن المیرزا- وإن قال بمعقولیّۀ تعلّق الإرادة التشریعیّۀ بالمردّد فی الوجوب التخییري، من جهۀ أنّ أثرها إحداث الدّاعی
فی نفس المکلّف، ولا مانع من أن یکون المدعوّ إلیه مردّداً- لا یقول فی الوجوب الکفائی بتعلّقها بالموضوع المردّد، فهو یفرّق بین
الموردین، ولعلّ السرّ فی ذلک هو تعیّن الموضوع فی التخییري وتردّد المتعلّق، ولا محذور- عنده- فی إحداث الداعی نحو المتعلّق
المردّد، أمّا فی الوجوب الکفائی، فالموضوع مردّد ولا یعقل إحداث الداعی مع تردّده … ولذا قال فی تصویر الکفائی بأنّ الموضوع
صرف الوجود- لا الفرد المردد- کما سیأتی.
صفحۀ 186 من 205
. الوجه الرابع … ص: 349
اشارة
إنّ موضوع التکلیف عبارة عن الکلّی الجامع بین الأفراد، غیر أنّه فی مقام التشخّص یتشخص الموضوع بقیام أيّ فردٍ من الأفراد
بالمکلّف به، کما هو الحال فی الوضعیّات، کملکیّۀ سهم السّادة مثلًا- بناءً علی أنه لکلّی الهاشمی الفقیر- حیث الموضوع عبارة عن
الکلّی، ویتعیّن بالقبض والإقباض، فهنا کذلک، فقد تعلّق التکلیف بالکلّی غیر أنّه یتعیّن بمن یقوم بالعمل من أفراد المکلّفین.
فی تصویر أخذ الأُجرة علی الواجبات. «1» وهذا ما نقله المحقق الإصفهانی عن السید بحر العلوم صاحب بلغۀ الفقیه
إشکال المحقق الإصفهانی … ص: 349
ثم أشکل علیه: بأنّ البعث والتحریک لابدّ وأن یتوجّه نحو الشخص، ولا یعقل أن یکون الکلّی طرفاً للبعث، لعدم معقولیّۀ انقداح
الإرادة فی نفس
__________________________________________________
.18 / 1) بلغۀ الفقیه 2 )
ص: 350
.«1» الکلّی، لأن الکلّی لا نفس له
جواب الُأستاذ … ص: 350
وقد أجاب عنه شیخنا: بأن هذا البعث اعتباري ولیس تکوینیّاً، وغایۀ ما یقتضیه البرهان هو انقداح الإرادة علی أثر البعث، وهذا یحصل
فی نفس الفرد بالبعث نحو کلّی المکلّف بعثاً اعتباریاً، لأنّ الکلّی متّحد مع الأفراد. فالإشکال مندفع…
وما جاء فی کلامه من أنّ متعلّق التکلیف هو المکلّف بالحمل الشائع.
مخدوش عقلًا، لأنّ التکلیف من الأُمور ذات التعلّق، فهو فی وجوده محتاج إلی الطرف وهو مقوّم له، لکن التکلیف والبعث من
الموجودات النفسانیّۀ، وتقوّم الموجود النفسانی بالموجود الخارجی محال، لاستلزامه صیرورة النفسانی خارجیّاً أو الخارجی نفسانیاً،
وکلاهما محال.
بل إن متعلّق التکلیف لابدّ وأن یکون من سنخ التکلیف، فالتکلیف أمر نفسانی ومتعلّقه نفسانی أیضاً، وهو الداعی فی نفس العبد، غیر
أنّ هذا الداعی یصیر علّۀً للمراد الخارجی فیکون المبعوث إلیه بالعرض … فافهم واغتنم.
الإشکال الوارد … ص: 350
لکنّ الإشکال الوارد علی هذا الوجه هو: عدم معقولیّته فیما نحن فیه، وتنظیره بالأحکام الوضعیّۀ کالملکیّۀ قیاس مع الفارق، لأنّ
الموضوع لملکیّۀ الخمس هو کلّی الهاشمی الفقیر، لکنّه فی ظرف التشخّص تتحقّق ملکیّۀ شخصیّۀ بمقتضی الأدلّۀ الشرعیّۀ فی
المسألۀ، بخلاف الأحکام التکلیفیّۀ، فإنّه لا موضوعیۀ
__________________________________________________
.279 -278 / 1) نهایۀ الدرایۀ 2 )
صفحۀ 187 من 205
ص: 351
فی ظرف التشخّص، لأنّ ظرف التشخّص فیها هو ظرف التلبّس بالفعل والقیام به، فما لم یقم أحد المکلّفین بالفعل لم یتشخص
الموضوع، وإذا قام بالعمل خرج عن الموضوعیّۀ، فلا معنی لتوجّه التکلیف إلیه وبعثه نحو الفعل.
. الوجه الخامس … ص: 351
اشارة
إنّ موضوع الوجوب فی الکفائی عبارة عن مجموع المکلّفین، بنحو العام المجموعی، فی مقابل العام الإستغراقی حیث یکون الواجب
عینیّاً وأنّ المکلّف کلّ واحدٍ من أفراد المکلّفین.
الإشکال علیه … ص: 351
وقد أورد علیه بوجهین:
الأوّل: إنّ المجموع أمر اعتباري ذهنی، إذ الموجود فی الخارج هو الأفراد، والتکلیف- کما تقرر- إنما هو لإیجاد الداعی فی نفس
المکلّف، ومن الواضح أن الأمر الاعتباري غیر صالح للمبعوثیۀ.
والثانی: إنه لیس الموضوع فی الوجوب الکفائی هو مجموع المکلّفین، وإلّا یلزم أن لا یتحقق الإمتثال بإتیان البعض بالمأمور به،
وتحقّقه بامتثال البعض کاشف عن أن الموضوع لیس المجموع.
وهذا الإشکال الثانی وارد.
وأمّا الأوّل فیمکن الجواب عنه: بأنّ الأمر الاعتباري وإنّ لم یکن بنفسه موضوعاً للتکلیف لما ذکر، إلّاأنه یمکن أن یکون وسیلۀً لبعث
مثلًا، فإنه أمر انتزاعی لا یتعلّق به التکلیف ولا یقع موضوعاً له، إلّاأنه لمّا یقول المولی: لیقم « أحدهما » من فی الخارج، نظیر عنوان
أحدکم بالفعل الکذائی، یصیر هذا العنوان منشأً للإنبعاث فی الخارج، وقد تقدّم- فی تصحیح جعل الکلّی عنواناً للموضوع- أنه لا
برهان علی ضرورة کون المکلّف نفسه قابلًا للإنبعاث، بل یکفی أن یکون
ص: 352
غیر وارد. «1» لجعل العنوان موضوعاً أثر فی الخارج یخرج أخذه کذلک عن اللغویّۀ، فهذا الإشکال من المحقق الإصفهانی
. الوجه السّادس … ص: 352
اشارة
إن الموضوع صِ رف وجود المکلّف، وکما أنّ الغرض من المکلّف به یترتّب علی صرف وجود الطبیعۀ- کالإکرام مثلًا- حیث یتحقّق
الإمتثال بإکرام فردٍ واحدٍ أو علی مطلق وجودها الساري، فینحلّ التکلیف بعدد أفراد تلک الطبیعۀ، کذلک فی طرف المکلّف، فقد
یترتّب الغرض علی صدور الفعل من مکلّفٍ مّا، وقد یترتّب علی مطلق وجود المکلّف، فإن کان الأوّل فهو الکفائی، وإن کان الثانی
فهو العینی…
.«3» « وهو الصحیح » : وقال فی المحاضرات «2» وهذا مختار المحقق النائینی
إشکال المحقق الإصفهانی … ص: 352
صفحۀ 188 من 205
فقال: إن صرف الوجود بمعناه المصطلح علیه فی «4» ( وقد تعرّض المحقق الإصفهانی لهذا الوجه فی تعالیقه علی (نهایۀ الدرایۀ
له إلّاالواجب تعالی وفعله الإطلاق، حیث إنه لا حدّ عدمی لهما وإن کان الثانی محدوداً بحدّ الإمکان. وبمعناه «5» المعقول لا یطابق
وإمّا أن یراد ،«6» المصطلح علیه فی الأُصول: إمّا أن یراد منه ناقض العدم المطلق وناقض العدم الکلّی کما فی لسان بعض أجلّۀ العصر
__________________________________________________
.279 / 1) نهایۀ الدرایۀ 2 )
.271 -270 / 2) أجود التقریرات 1 )
.240 / 3) محاضرات فی أُصول الفقه 3 )
.278 / 4) نهایۀ الدرایۀ 2 )
.« مطابَق » 5) کذا، والظاهر )
6) یقصد الشیخ الحائري الیزدي فی درر الأُصول. )
ص: 353
المبهم المهمل من حیث الخصوصیّات، وإمّا أن یراد منه اللّابشرط القسمی المساوق لکونه متعیّناً بالتعیّن الإطلاقی اللازم منه انطباقه
علی کلّ فرد.
(قال) فإن أُرید منه ناقض العدم المطلق والعدم الکلّی.
ففیه: إنّ کلّ وجود ناقض عدمه البدیل له، ولیس شیء من موجودات العالم ناقض کلّ عدم یفرض فی طبیعته المضاف إلیها الوجود.
وإرجاعه إلی أوّل الوجودات، باعتبار أنّ عدمه یلازم بقاء سائر الأعدام علی حاله، فوجوده ناقض للعدم الأزلی المطلق لا کلّ عدم.
فهو لا یستحق إطلاق الصرف علیه، فإنه وجود خاص من الطبیعۀ بخصوصیّته الأولیّۀ، مع أنه غیر لائقٍ بالمقام، فإنه من المعقول إرادة
أوّل وجودٍ من الفعل، ولا تصحّ إرادته من أول وجودٍ من عنوان المکلّف، فإنّ مقتضاه انطباقه علی أسنّ المکلّفین.
کما لا یصحّ إرجاعه إلی أوّل من قام بالفعل.
فإنّ موضوع التکلیف لابدّ من أن یکون مفروض الثبوت ولا یطلب تحصیله، فمقتضاه فرض حصول الفعل لا طلب تحصیله.
وإنّ أُرید المبهم المهمل.
فلا إهمال فی الواقعیّات.
وإنّ أُرید اللّابشرط القسمی، وهی الماهیّۀ الملحوظۀ بحیث لا تکون مقترنۀً بخصوصیۀ ولا مقترنۀً بعدمها.
فیستحیل شخصیّۀ الحکم والبعث- مع لحاظ المکلّف بعد الاعتبار الإطلاقی- إذ لا یعقل شخصیّۀ الحکم ونوعیّۀ الموضوع وسعته،
فلابدّ من انحلال الحکم حسب انطباقات الموضوع المطلق علی مطابقاته ومصادیقه، فیتوجّه
ص: 354
حینئذٍ السؤال عن کیفیۀ هذا الوجوب الوسیع علی الجمیع مع سقوطه بفعل البعض. وسیأتی توضیح الجواب عنه.
جواب الُأستاذ … ص: 354
هو ما ذکره من نقیض العدم البدیل، بمعنی أن وجود زید- مثلًا- رافع « صرف الوجود » وأجاب شیخنا عن الإشکال: بأن المراد من
لعدم زید لا عدم عمرو، لکنّ وجود زیدٍ فی نفس الوقت رافع لمطلق العدم، لا للعدم المطلق حتی یرد الإشکال، إذ الفرق بین مطلق
العدم والعدم المطلق کبیر، وکذلک الفرق بین الوجود الخاص ومطلق الوجود، فلما یتحقق زید یتحقق أصل الوجود معه، کما هو
الحال بین الأفراد والطبائع، إذ یتحقق مع وجود زید أصل الإنسانیۀ ومطلق الانسانیۀ لا الإنسانیۀ المطلقۀ.
صفحۀ 189 من 205
فالمراد من صرف الوجود هو الوجود الناقض للعدم، وهذا هو الموضوع للتکلیف، لا الوجود الناقض لجمیع الأعدام أو المهمل أو
الطبیعۀ لا بشرط ولا من یقوم بالفعل ولا أول الوجود … فالإشکال مندفع وإنْ تعجّب السید الأُستاذ من التزام المحقق النائینی به
.«1» وموافقۀ السید الخوئی له، فلاحظ
. الوجه السّابع … ص: 354
اشارة
هو: إن الأمر إذا صدر عن المولی متوجّهاً إلی عبده، فله أنحاء من الإضافات، إذ له نحو إضافۀٍ إلی الآمر وهو بصدوره عنه، ونحو
إضافۀٍ أُخري إلی المأمور، وهو بتحریکه نحو المطلوب، ونحو إضافۀ بالفعل الصادر، وهو بقیامه فیه شبه قیام العرض فی الموضوع لا
مثله حقیقۀً، لما عرفت من أن التکلیف لیس من العوارض الخارجیۀ، إذ الخارج ظرف السقوط لا ظرف العروض.
__________________________________________________
.499 / 1) منتقی الأُصول 2 )
ص: 355
ومعلوم: أنه لا فرق بین الواجبات العینیّۀ والکفائیّۀ من جهۀ الإضافۀ الأولی والثانیۀ، إذ فی کلیهما کان الآمر یصدر عنه الطلب وکان
المأمور مبعوثاً نحو الفعل، لکنّ الفرق بین العینی والکفائی إنما هو فی نحو الإضافۀ الأخیرة، حیث أن نحو إضافۀ التکلیف إلی الفعل
فی العینی هو بقید صدوره عن آحاد المکلفین مباشرةً، فیتعدّد لا محالۀ بتعدّد المکلّفین بمناسبۀ هذا القید، بخلاف الواجبات الکفائیۀ
فلا یتعدّد بتعداد المکلّفین.
فتعلّق التکلیف بالمکلّفین هو علی نحو الاستغراق فی العینی والکفائی من غیر فرقٍ، والفرق بینهما إنما هو بنحو الإضافۀ الأخیرة، فکما
یمکن أن یکون نحو إضافۀ التکلیف إلی الفعل المتعلّق بقید أن یکون التعلّق صادراً عن کلّ فردٍ من الأفراد بالمباشرة، کما فی الصّلاة
والصوم ونظائرهما من الواجبات النفسیّۀ، حیث أن المصلحۀ قائمۀ فی فعل آحاد المکلّفین بال ّ ص دور المباشري، کذلک یمکن أن
یکون نحو إضافته إلی المتعلّق لا بقید صدوره عن کلّ واحدٍ مباشرة، بل یکون نحو تعلّقه بصرف الوجود من طبیعۀ الفعل لا بقید
تکثرها بکثرة أفراد المکلفین، فیسقط الأمر بصرف وجود الطبیعۀ فی الخارج من أحد المکلفین قهراً، لأنّ الطبیعۀ توجد بوجود فردٍمّا.
.«1» هذا هو حقیقۀ الوجوب الکفائی فافهم واغتنم. وهذا مختار السید البروجردي
وحاصل هذا الوجه هو: أن کلّ التصویرات مردودة، لأنها کانت متوجّهۀً نحو المطلوب منه، فقیل: هو مجموع الأفراد، وقیل: الجمیع
ویسقط بفعل البعض، وقیل: الواحد المردّد … بل الفرق بین العینی والکفائی هو من ناحیۀ المطلوب، إذ هو فی الأول مشروط
بصدوره من المکلّف الخاص والثانی
__________________________________________________
.217 - 1) الحجۀ فی الفقه: 216 )
ص: 356
لا بشرط من ذلک.
وجوه الإشکال … ص: 356
أورد علیه الأُستاذ بوجوه:
صفحۀ 190 من 205
الأول: النقض بالواجب التخییري، حیث ذهب إلی أن الواجب فیه هو الواحد المردّد … فیقال له: أيّ فرقٍ بین تردید المتعلّق وتردید
الموضوع؟
لوضوح وحدة المناط وهو أنّ المردّد لا وجود له، وما کان کذلک فلا یقبل البعث … والأحکام العقلیّۀ لا تقبل التخصیص.
والثانی: إنّه لا یعقل تقیید المعلول بصدوره عن علّته، فالحرارة تصدر من النار، وإذا صدرت لا یعقل تقییدها بالصدور عن النار، بل
إنها تصدر عنها ثم تتّصف بال ّ ص دور. فهذه مقدّمۀ. ومقدمۀ أُخري: إنّ الإرادة التشریعیۀ من المولی إنما تتعلّق بما تتعلّق به الإرادة
التکوینیّۀ من العبد.
وبناءً علی ما ذکر یتّضح عدم إمکان اشتراط الواجب بصدوره عن إرادة المکلّف، لأن إرادته علّۀ لتحقق الواجب، فلو کان الواجب
مشروطاً بصدوره عن إرادة المکلّف لزم اشتراط المراد بصدوره عن الإرادة، وهذا غیر معقول، فلا یعقل تعلّق الإرادة التشریعیّۀ به…
والحاصل: إن الإرادة تتعلّق بالصّلاة لا بالصّلاة الصادرة عن الإرادة…
فقوله بأن الواجب العینی عبارة عن الواجب المشروط بصدوره عن فاعل خاص، یرجع إلی کون ال ّ ص لاة الواجبۀ علی زید هی الصّلاة
المقیّدة بصدورها عن إرادته، ولمّا کان هذا المحقق من القائلین بأن التقابل بین الإطلاق والتقیید من قبیل العدم والملکۀ، فإنه إذا
استحال التقیید- کما ذکرنا- یستحیل الإطلاق. فما ذکره فی تصویر الواجب الکفائی وفرقه عن العینی ساقط.
ص: 357
والثالث: إن الغرض فی الواجب الکفائی واحد لا متعدّد، وقد صرّح بذلک أیضاً، ومع وحدته یستحیل تعدّد الواجب، فقوله بتعدّد
الوجوب علی عدد أفراد المکلّفین غیر صحیح.
. الوجه الثامن … ص: 357
اشارة
إنه لیس للوجوب حقائق مختلفۀ متعدّدة ممتازة بذاتیّاتها، بل هو فی جمیع موارده سنخ واحد، ویکون تکثّره بالعوارض المصنّفۀ
والخصوصیّات المشخّصۀ.
فسنخ الکفائی هو سنخ العینی، والتکلیف فیه متوجّه إلی الجمیع، لعدم معقولیّۀ تکلیف واحدٍ علی البدل، والفرض عدم اختصاص
التکلیف بواحدٍ معیّن، والتکلیف المتوجّه إلی الجمیع متعدّد، لعدم معقولیّۀ توجّه تکلیفٍ واحدٍ إلی متعدّدین، فإذا تعدّد التکلیف
والمکلّف تعدّد الفعل المکلّف به، ویکون تکلیف کلّ واحدٍ متعلّقاً بفعل نفسه لا بفعل غیره…
فحقیقۀ الوجوب هنا هی حقیقۀ الوجوب هناك من غیر تخالف فی الحقیقۀ الوجوبیّۀ أصلًا، فیجب علی کلّ واحدٍ امتثال تکلیف نفسه،
فإذا اجتمع الکلّ علی الامتثال دفعۀً واحدة استحق کلّ واحدٍ المثوبۀ الکاملۀ، وإذا اجتمعوا علی المعصیۀ استحق کلّ واحدٍ عقاباً تامّاً
کما فی الواجبات العینیّۀ.
نعم، إذا بادر أحدهم إلی الإمتثال سقط التکلیف عن الباقین، علی خلاف الواجبات العینیّۀ، ولیس المنشأ لهذا الاختلاف حقیقۀ
الوجوب، بل الوجه فی ذلک ارتفاع موضوع التکلیف بإتیان واحدٍ، وذلک لخصوصیّۀ أُخذت فی المتعلَّق، فإنّ متعلّق التکلیف هو
الغسل والکفن والدفن لمیت لم یغسّل ولم یکفّن ولم یصلّ علیه ولم یدفن. وهذا کلّه ینتفی بإتیان واحد، فموضوعُ التکلیف
ص: 358
غیر باقٍ لیکلّف الباقون.
وحاصل الکلام هو: إن الفرق بین الوجوب العینی والوجوب الکفائی هو فی طرف موضوع التکلیف، فهو فی الأول لا بشرط وفی
صفحۀ 191 من 205
الثانی بشرط، أيهو المیت الذي لم یغسّل ولم یکفن ولم یصلّ علیه ولم یدفن، فإذا تحقّق ذلک کلّه فی حقّه من واحد، فلا موضوع
لتکلیف سائر المکلّفین، ویکون سقوط التکلیف عنهم لانتفاء الموضوع، خلافاً للسید البروجردي، إذ جعل العینی مشروطاً بصدوره
.«1» عن فاعلٍ خاصٍ والکفائی لا بشرط … وهذا مختار المحقق الإیروانی
إشکال الُأستاذ … ص: 358
وقد أورد الشیخ الأُستاذ علی هذا الوجه: بأنّ کلّ موضوع فهو بقیوده مقدّم رتبۀً علی الحکم، وکلّ حکم متأخّر عن موضوعه بالتأخّر
الطبعی، فکان نسبۀ الموضوع إلی الحکم نسبۀ العلّۀ إلی المعلول، وإن کانت العلّۀ الواقعیّۀ هی إرادة المولی.
وأیضاً: فإنّ الرافع للشیء لابدّ وأن یکون متقدّماً علی الشیء رتبۀً، لأنه العلّۀ لعدمه، وإلّا فلا یکون رافعاً له.
وأیضاً: فإنّ الإهمال فی الموضوع وقیوده محال.
وبناءً علی هذه المقدّمات نقول: إذا کان تغسیل المیّت واجباً علی زیدٍ أو عمرو کفایۀً، وکان وجوبه علی کلٍّ منهما مقیّداً بعدم کون
المیت مغسّلًا بواسطۀ الآخر، کان الرافع للموضوع الموجب لانتفاء تکلیف زید، هو تغسیل عمرو، وحینئذٍ یتوجّه السؤال: هل کان
تغسیل عمرو- الرافع لموضوع تکلیف زید- مهملًا، أيهو رافع له سواء کان المأمور به أو لا؟ لا ریب فی عدم الإهمال بل هو
__________________________________________________
.203 / 1) نهایۀ النهایۀ 1 )
ص: 359
مقیّد بکونه غسلًا صحیحاً مطابقاً للأمر، إذن، کان موضوع الوجوب علی کلٍّ من زید وعمرو هو عدم کون المیت مغسّلًا بالغسل
الصحیح بواسطۀ الآخر، فیکون الرافع للموضوع هو الغسل الصحیح، لکنّ قید الصحّۀ للموضوع متأخّر رتبۀً علی الموضوع المتقدم رتبۀً
علی الحکم.
ونتیجۀ ذلک هو: أن یکون وجوب التغسیل علی زیدٍ متأخّراً عن الموضوع- وهو عدم تغسیل عمرو الغسل الصحیح- بمرتبتین، وأن
یکون وجوبه علی عمروٍ متأخّراً عن الموضوع- وهو عدم تغسیل زید له کذلک- بمرتبتین، فیجتمع التأخّر والتقدّم فی وجوبه علی
زیدٍ، وهو محال.
هذا کلّه أوّلًا.
وثانیاً: إنه قد نصّ علی وحدة الغرض، وفی نفس الوقت نصّ علی تعدّد التکلیف، فکیف یکون الغرض واحداً والمکلّف به واحداً،-
وهو الدفن- والتکلیف متعدّداً؟
رأي الُأستاذ فی الوجوب الکفائی … ص: 359
واختلف مختار الأُستاذ فی الدورتین. أمّا فی السابقۀ، فقد اختار قول المحقّق الخراسانی، کالمحققین الإصفهانی والعراقی، مستشکلًا
علی قول المیرزا بأن متعلّق الوجوب هو صرف الوجود- بعد أن ذکر تعبیر (المحاضرات) عنه بالجامع لا بعینه- بأن تصویر الجامع
الانتزاعی- الواحد لا بعینه- وإن أمکن فی الوجوب التخییري، فهو غیر ممکن فی الکفائی، للفرق بینهما من جهۀ استحقاق العقاب
الواحد هناك فی صورة المخالفۀ للکلّ، بخلاف الوجوب الکفائی، فلو ترك کلّ أفراد المکلّفین استحقّوا العقاب جمیعاً…
وأمّا فی الدورة اللّاحقۀ، فقد ناقش فی طریق صاحب الکفایۀ ومن تبعه،
ص: 360
واختار طریق المیرزا، مستشکلًا علی (المحاضرات) إرجاع النظریّۀ إلی الجامع الانتزاعی بأنّه لیس المراد عند المحقق النائینی، ویشهد
صفحۀ 192 من 205
بذلک قوله فی التخییري بأن الواجب هو الفرد المردّد، لأنّ الإرادة التشریعیّۀ تختلف عن الإرادة التکوینیّۀ، فلو کان مراده فی الکفائی
ذلک أیضاً لصرّح به، مع وجود الفرق بین الوجوبین، حیث أن المردّد هناك هو المتعلّق والمردّد هنا هو الموضوع … لکنّ بیان
صرف » المیرزا هنا شیء آخر، إنه یجوّز أن یکون صرف الوجود موضوعاً للحکم، کما جاز أنْ یکون متعلَّقاً له، ومن الواضح أنّ
.« الفرد المردد » وغیر « الجامع » غیر « الوجود
أمّا فی .« الأحد » والحاصل: إنه کلّما أمکن تصویر الجامع صحّ صرف الوجود، وکلّما لم یمکن کان التکلیف متوجّهاً إلی عنوان
التخییري فلا جامع بین أفراد المکلّف به من الصوم والعتق والإطعام فی الکفارة، أو القتل وال ّ ص لب والنفی فی حدّ المحارب، ولذا
بخلاف الکفائی، فالجامع موجود، وهو عنوان ال ّ ص لاة، فکان صرف وجود المکلّف هو الموضوع للتکلیف ،« الأحد » یکون الواجب هو

وفی الوجوب « الأحد » وهذه هی النکتۀ فی اختلاف تعبیر المیرزا فی الموردین، حیث قال فی الوجوب التخییري بأن المتعلّق هو عنوان
«… صرف وجود المکلّف » الکفائی جعل الموضوع هو
وما ذهب إلیه هنا لا یتوجّه علیه أيّ إشکالٍ، بعد ظهور اندفاع مناقشات المحقق الإصفهانی.
وهذا تمام الکلام علی الوجوب الکفائی.
ص: 361
الوجوب الموسّع والموقّت … ص: 361
اشارة
ص: 363
والبحث فی جهاتٍ ثلاثۀ:
. الجهۀ الُأولی: فی تصویر الواجب الموسّع والواجب المضیّق … ص: 363
اشارة
إنّه لا ریب فی لابدیّۀ الزمان فی کلّ أمر زمانی، وإنما الکلام فی کیفیّۀ دخله فی الغرض، لأن من الواجب ما لیس بموقّت، والموقّت:
منه ما یکون الزمان فیه علی قدر الفعل، ومنه ما یکون أوسع منه، والأوّل هو المضیَّق، والثانی هو الموسّع.
إنما الکلام فی تصویر هذین القسمین.
إشکال العلامۀ فی الموسّع وجوابه … ص: 363
فعن العلّامۀ الحلّی رحمه اللَّه انکار الواجب الموسّع فی الشریعۀ، لأن القول به یستلزم القول بجواز ترك الواجب، لکونه جائز الترك
فی أوّل الوقت، وترك الواجب غیر جائز.
بأنّا نلتزم بعدم وجوب الفعل فی أوّل الوقت، بل الواجب هو الفعل بین الحدّین، کال ّ ص لاة بین الزوال «1» ( فأجاب عنه فی (الکفایۀ
والغروب، وحینئذٍ، تکون الصّلاة فی أوّل الوقت مصداقاً للواجب، ومصداق الواجب غیر الواجب، فلا موضوع للإشکال.
__________________________________________________
(1)
صفحۀ 193 من 205
. کفایۀ الأُصول: 143
ص: 364
بأنّ الإشکال إنما یرد لو ترکت الصّلاة فی أوّل الوقت لا إلی بدلٍ، لأنه منافٍ للوجوب، وأمّا مع وجود :«1» وأمّا جواب السید الحکیم
البدل وهو الصّلاة فی الوقت الثانی- مثلًا- فلا یرد.
ففیه: إن الإشکال هو أنه مع فرض کون الزمان أوسع من الواجب، فإنّ ترك الواجب فی أول الوقت ینافی أصل الوجوب، فلو ترك
إلی بدلٍ أصبح الوجوب تخییریّاً، والکلام فی الواجب التعیینی لا التخییري.
وتلخّص: تصویر الواجب الموسّع.
الإشکال فی الواجب المضیّق وجوابه … ص: 364
وأمّا الإشکال فی الواجب المضیّق فهو: إن کون الزمان علی قدر الفعل غیر معقول، لأن الوجوب إن کان قبل الزمان لزم تقدّم
المشروط علی الشرط، وإن کان بعده أو مقارناً له، فمن الضروري تصوّر البعث وتصدیقه حتی یؤثر فی الإرادة، لأن الانبعاث من
الأمر- وهو فعل اختیاري- یتوقف علی التصوّر والتصدیق، وکلّ ذلک یحتاج إلی زمان، فیکون زمان الانبعاث متأخّراً عن زمان البعث،
ویلزم أن یکون زمانه أقل من زمان البعث.
والجواب هو: إن ورود هذا الاشکال یتوقّف علی أن یکون تأخّر الانبعاث عن البعث زمانیّاً، لکنّه تأخّر رتبی، وذلک: لأن الموجب
للانبعاث هو- فی الحقیقۀ- الصّورة العلمیّۀ للأمر والبعث، وهی تتحقّق فی آن الانبعاث والامتثال، فیحصل البعث والعلم به والعمل علی
طبقه فی الزمان الواحد، فالواجب المضیّق ممکن…
__________________________________________________
(1)
.339 / حقائق الأُصول 1
ص: 365
. الجهۀ الثانیۀ … ص: 365
اشارة
فی أنّ الدلیل علی وجوب الفعل فی الوقت المعیّن هل یدل علی وجوبه کذلک فی خارج ذلک الوقت، أو لابدّ لوجوبه من دلیل
آخر؟ فإن کان الأوّل، فالقضاء بالأمر الأوّل، وإن کان الثانی، فهو بأمر جدید … أقوال:
منها: عدم الدلالۀ مطلقاً.
ومنها: الدلالۀ مطلقاً.
ومنها: التفصیل بین ما إذا کان الدلیل الدالّ علی التقیید بالزمان منفصلًا أو متّصلًا.
ومنها: التفصیل بین ما إذا کان دلیل التقیید مهملًا ودلیل الوجوب مطلقاً فیدلّ، وإلّا فلا. وهذا مختار المحقق الخراسانی.
إنه لا دلالۀ للأمر بالموقت بوجهٍ علی الأمر به فی خارج الوقت بعد فوته فی الوقت، لو لم نقل بدلالته علی عدم :«1» ( قال فی (الکفایۀ
الأمر به. نعم، لو کان التوقیت بدلیلٍ منفصلٍ لم یکن له إطلاق علی التقیید بالوقت وکان لدلیل الواجب إطلاق، لکان قضیّۀ إطلاقه
ثبوت الوجوب بعد انقضاء الوقت، وکون التقیید به بحسب تمام المطلوب لا أصله.
صفحۀ 194 من 205
أقول: وحاصل کلامه الأوّل: إن نسبۀ دلیل التوقیت إلی دلیل أصل الوجوب، هو نسبۀ المقیّد إلی المطلق، فکما یکون الدلیل علی
اعتبار الإیمان فی الرقبۀ مقیّداً لدلیل وجوب العتق، کذلک الدلیل القائم علی مدخلیّۀ الزمان الکذائی فی الغرض من التکلیف
الکذائی، وحینئذٍ، فمقتضی القاعدة عدم الدلالۀ علی الأمر بالفعل فی غیر ذلک الوقت، لو لم نقل بدلالته علی عدم الأمر به فیه، من
جهۀ
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الأُصول: 144 )
ص: 366
مفهوم التحدید.
وأمّا کلامه الثانی فبیانه هو: إن دلیل التقیید بالزمان إنْ کان متّصلًا بدلیل الوجوب، فهو إمّا مبیّن فیؤثر التقیید کما هو واضح، وإمّا
مجمل، فیسري إجماله إلی دلیل الوجوب. وإن کان منفصلًا، فتارةً یکون الدلیلان مطلقین، وأُخري مهملین، وثالثۀً یکون دلیل
الوجوب مطلقاً ودلیل القید مطلق، ورابعۀً بالعکس.
فإن کانا مهملین، فهذا خارج من البحث.
وإن کان دلیل الوجوب مهملًا ودلیل التقیید معیّناً، أُخذ بمقتضی دلیل التقیید.
وإن کان الدلیلان مطلقین، یؤخذ بدلیل التقیید أیضاً، لکون نسبته إلی دلیل الوجوب نسبۀ القرینۀ إلی ذي القرینۀ.
وإن کان دلیل الوجوب مطلقاً ودلیل التقیید مجملًا، فإن کان مجملًا مردداً بین المتباینین، سقط دلیل التقیید عن الحجیّۀ، وإن کان
مجملًا مردداً بین الأقل والأکثر، رفع الید عن دلیل الوجوب بالمقدار المتیقن وبقی علی حجیّته فی الزائد عنه.
هذه هی الکبري، وتطبیقها علی المورد هو أنه:
إن کان دلیل التقیید بالزمان المعیّن مطلقاً، بأن یکون الوقت دخیلًا فی الغرض من المطلوب فی جمیع الأحوال والأفراد، کان مقتضاه
عدم الوجوب فی خارج الوقت، لعدم الغرض.
وإن کان دلیل الوجوب مطلقاً ودلیل التقیید غیر مطلق، بأن یکون الغرض قائماً بالمرتبۀ العالیۀ من الصّلاة مثلًا، وهی الصلاة فی الوقت-
أمّا لو اضطرّ ولم یصلّها کذلک، فالوجوب فی خارج الوقت باق، لبقاء الغرض، بعد انتفاء المرتبۀ
ص: 367
العالیۀ- فلا حاجۀ إلی دلیلٍ جدید، لأن المفروض اطلاق دلیل الوجوب، وأنّ القید فی المرتبۀ.
وإن کان دلیل التقیید مجملًا مردداً بین کونه مقیّداً لأصل الوجوب أو للمرتبۀ، فیؤخذ بالقدر المتیقّن، ویبقی أصل الوجوب.
رأي الُأستاذ … ص: 367
وقد وافق الأُستاذ المحقق الخراسانی علی النظریّۀ، وأنّها خالیۀ من الإشکال الثبوتی، غیر أن مقام الإثبات لا یساعد علیها، لأنّ مقتضی
الإرتکازات العرفیّۀ والعقلائیۀ ورود القید علی أصل الوجوب، وأنّه فی غیره لا یبقی وجوبٌ، والقول بأنّه یقیّد مرتبۀً من الطلب یحتاج
إلی دلیلٍ زائد، لأنّ التمسّک بإطلاق دلیل الوجوب فرع الشک فی بقائه وعدم بقائه بعد خروج الوقت، والعقلاء لیس عندهم شک
فی عدم البقاء … اللّهم إلّاحیث یتحقّق الشک أو یقوم دلیل آخر علی بقاء الوجوب.
هذا ما ذکره فی الدورة اللّاحقۀ.
وأمّا فی الدورة السّابقۀ، فقد وافق (الکفایۀ) علی أصل النظریّۀ کذلک، إلّا أنه خالفه فی إطلاقها، فاختار عدم دلالۀ دلیل الوجوب علی
بقائه بعد الوقت بالنسبۀ إلی المکلّف الفاعل المختار، ودلالته علی ذلک بالنسبۀ إلی العاجز.
صفحۀ 195 من 205
.«1» وهذا ما أفاده الإیروانی. فلیلاحظ
ثمرة البحث … ص: 367
هذا، وتظهر ثمرة البحث فی ال ّ ص لاة فی کلّ موردٍ لا تجري فیه قاعدة الحیلولۀ وقاعدة الفراغ، وبیان ذلک هو: إنه لو شک فی خارج
الوقت فی تحقق
__________________________________________________
.204 / 1) نهایۀ النهایۀ 1 )
ص: 368
ال ّ ص لاة فی الوقت، فتارةً یشک فی أصل وجودها وأُخري یشک فی کیفیۀ ال ّ ص لاة التی صلّاها، فإن کان الأوّل، فتجري- فی خصوص
ال ّ ص لاة- قاعدة الحیلولۀ، ولا یعتبر بالشک. وإن کان الثانی، فقد تجري قاعدة الفراغ وقد لا تجري، فیکون مورد ثمرة البحث، کما لو
علم أنّه قد صلّی فی الوقت إلی جهۀٍ معیّنۀ، ثم شک بعد الوقت فی کونها جهۀ القبلۀ، أمّا قاعدة الحیلولۀ فلا تجري، لأنّ مجراها هو
الشک فی أصل وجود ال ّ ص لاة، فإن قلنا بجریان قاعدة الفراغ فی خصوصیّات العمل، سواءً کان مورداً للتعلیل بالأذکریّۀ الوارد فی
النصّ أو لم یکن، فلا ثمرة للبحث، لجریان هذه القاعدة. وإن قلنا بعدم جریانها إلّافی حال کونه حین العمل أذکر، أخذاً بالتعلیل،-
وهذا هو المختار- فلا مجري للقاعدة، لفرض عدم کونه حینئذٍ أذکر، ترتّبت الثمرة. فعلی القول بأن القضاء بالأمر الأوّل، فهو واجب،
لأن مقتضی الأمر الأول هو الاشتغال بالنسبۀ إلی القبلۀ، والمفروض هو الشک فی وقوع الصّلاة إلیها، فالفراغ مشکوك فیه، ومقتضی
قاعدة أن الاشتغال الیقینی یقتضی البراءة الیقینیۀ هو القضاء. وأمّا علی القول بأنه بأمر جدید، فیقع الشک فی توجّه أمر جدیدٍ یقتضی
القضاء، لأنه إن کان قد صلّی إلی القبلۀ فلا أمر، وإلّا فهو مکلّف بالقضاء، فهو إذاً شاك فی الإشتغال بأمرٍ جدید، وهذا مجري البراءة.
. الجهۀ الثالثۀ … ص: 368
إنه لو شک فی أنّ دخل الزمان فی الواجب هل هو بنحو وحدة المطلوب أو بنحو تعدّده، فما هو مقتضی القاعدة؟
ذهب الشیخ الأعظم والمحقق الخراسانی وأتباعهما إلی البراءة، لعدم جریان الاستصحاب، لعدم وحدة الموضوع، فقد کان مقتضی
الدلیل هو الصّلاة فی الوقت وإذا خرج الوقت تغیّر الموضوع.
ص: 369
وخالف المحقق الإصفهانی- بعد أن وافق القوم فی متن (نهایۀ الدرایۀ) فی الحاشیۀ، وتبعه السید الحکیم- فقال بجواز استصحاب
شخص الموضوع، إذا کان المستصحب هو الواجب الخاص، وتوضیحه: إن الخصوصیّات قد تکون مقوّمۀ لحامل الغرض وأُخري
تکون ذات دخلٍ فی تأثیر المقتضی کالشرائط مثل المماسّۀ بین المحرق والمحترق … وهذا ثبوتاً. وأمّا إثباتاً، فإن المقتضی للنهی عن
الفحشاء هو ذات ال ّ ص لاة، وأمّا خصوصیۀ الوقت والطهارة والساتر والقبلۀ ونحو ذلک، فلها دخلٌ فی فعلیّۀ تأثیر المقتضی، وعلیه، فإن
الوجوب النفسی متوجّه إلی ذات ال ّ ص لاة، وتلک الخصوصیّات واجبات غیریّۀ، فإذا خرج الوقت- وهو من الخصوصیات- أمکن
استصحاب وجوب الصّلاة، وهذه الذات هی نفسها الذات فی داخل الوقت بالنظر العرفی.
وفیه: إن الملاك فی وحدة الموضوع وعدمها فی الإستصحاب هو نظر العرف، والموضوع فیما نحن فیه هو الصّلاة مع الطهارة لا ذات
ال ّ ص لاة، لأنّ العرف لا یري الإهمال فی الموضوع ولا الإطلاق، بل یري أنّ متعلّق الوجوب هو الصّلاة المقیّدة بالوقت وبالطهارة، فکان
الوجوب متوجّهاً إلی هذا الموضوع الخاص، وهو فی خارج الوقت متغیّر عن الذي کان فی الوقت…
ثم إنّه بناءً علی أنّ القضاء بأمرٍ جدیدٍ فی ال ّ ص لاة والصیام، فلو خرج الوقت وشکّ المکلّف فی الإتیان بالواجب فی وقته، هل یمکن
صفحۀ 196 من 205
إثبات فوت الفریضۀ باستصحاب عدم الإتیان بها أم لا؟ وجهان!
وأنه أمر وجودي، کان استصحابه لإثبات عدم الإتیان بالفریضۀ أصلًا مثبتاً. أما « الفوت » فعلی القول: بأنّ موضوع وجوب القضاء هو
علی القول: بکونه عدمی، فلا مانع من جریان الاستصحاب فیه، لتمامیۀ أرکانه حینئذٍ.
ص: 370
وقد ذهب المیرزا والسید الخوئی إلی الأول، لکون المتفاهم عرفاً هو أنّ الفوت ذهاب الشیء من الکیس، وأنه لیس فی نظرهم عین
ولو شکّ فی أنه وجودي أو عدمی، لم یجر الاستصحاب کذلک، لکونه حینئذٍ شبهۀً مصداقیۀ لدلیل الاستصحاب. ،« الترك »
وذهب الأُستاذ إلی أنه وإن کان لغۀً کذلک، لکنّ العبرة فی الاستصحاب بنظر العرف، وکونه وجودیّاً عندهم غیر واضح، إن لم یکن
عدمیّاً.
کذلک یوجد عنوان « الفوت » لکنّ المهمّ هو أنه لیس موضوع وجوب القضاء فی ظواهر النصوص، فکما جاء فی بعضها عنوان
أیضاً. « عدم الإتیان » و « الترك » و « النسیان »
…« ففی روایۀ: عن أبی جعفر علیه السلام: أنه سئل عن رجلٍ صلّی بغیر طهور أو نسی صلوات لم یصلّها أو نام عنها. قال: یقضیها
.«1»
.«2 …» « کل شیء ترکته من صلاتک … فاقضه » : وفی أُخري
.«3» « إذا أُغمی علیه ثلاثۀ أیام فعلیه قضاء الصلاة فیهن » : وفی ثالثۀ
.«4 …» « سألته عن الرجل تکون علیه صلاة فی الحضر هل یقضیها وهو مسافر؟ قال: نعم » : وفی رابعۀ
وفی أبواب الحج:
.«5 …» « سألت أبا جعفر علیه السلام عن رجلٍ مات ولم یحج »
__________________________________________________
253 الباب الأول من أبواب قضاء الصلوات. / 1) وسائل الشیعۀ 8 )
265 الباب 4 من أبواب قضاء الصلوات. / 2) وسائل الشیعۀ 8 )
265 الباب 4 من أبواب قضاء الصلوات. / 3) وسائل الشیعۀ 8 )
268 الباب 6 من أبواب قضاء الصلوات. / 4) وسائل الشیعۀ 8 )
72 الباب 28 من أبواب وجوب الحج. / 5) وسائل الشیعۀ 11 )
ص: 371
:«1» وفی أبواب الصوم
….« رجل مات وعلیه قضاء من شهر رمضان. فوقّع علیه السلام: یقضی عنه »
….«؟ عن الرجل تکون علیه أیام من شهر رمضان کیف یقضیها »
فقط، لو ثبت « الفوت » وعلی الجملۀ، فقد قال الأُستاذ بجریان الاستصحاب فی کلّ موردٍ جاء الموضوع فیه عدمیّاً، وقد ظهر أنه لیس
کونه وجودیّاً.
إذن، لا مانع من جریان الاستصحاب فی فرض کون الشک بعد خروج الوقت.
وأمّا لو شک فی الإتیان بالفریضۀ فی داخل الوقت لا خارجه، فقد قالوا بوجوب الإتیان، للاستصحاب ولقاعدة الاشتغال، فإن
وبهذا یظهر « من فاتته الفریضۀ فلیقضها کما فاتته » بالنسبۀ إلی هذا المکلّف … وقد جاء فی النصوص « الفوت » مقتضاهما صدق عنوان
الفرق بین هذه الصّورة والصّورة السّابقۀ.
صفحۀ 197 من 205
وقد أشکل علیه شیخنا: بأنّ قاعدة الاشتغال عقلیّۀ، وهی لا تفید الأحکام الظاهریۀ، فهی تفید وجوب الإتیان وجوباً عقلیّاً، وموضوع
هو الفریضۀ الشرعیّۀ، إذن، القاعدة العقلیّۀ لا تثبت الفریضۀ، وإنّما تدعو إلی السّعی وراء إبراء الذمّۀ، وهذا أمر آخر. « من فاتته »
وأمّا التمسک بالإستصحاب، فإنّما یتم بناءً علی مسلک جعل الحکم المماثل، کما هو مختار صاحب (الکفایۀ)، فیثبت به وجوب
أمّا علی القول بأنّ مفاد أدلّۀ الاستصحاب لیس إلّاالتعبّد ببقاء الیقین السابق فی ظرف الشک، .« من فاتته » ال ّ ص لاة مثلًا ویتحقق موضوع
،« من فاتته » فلا تثبت الفریضۀ ولا یتحقق موضوع
__________________________________________________
340 الباب 26 من أبواب أحکام شهر رمضان. / 1) وسائل الشیعۀ 10 )
ص: 372
وهذا مختار المحقق الإصفهانی، وعلیه السید الخوئی نفسه، وعلیه، فمفاد الأدلّۀ إبقاء الیقین بعدم الإتیان بال ّ ص لاة مثلًا، وهذا لا یثبت
الفریضۀ إلّاعلی الأصل المثبت.
وتلخّص: إن مقتضی الأدلّۀ الأولیّۀ هو کون القید لتمام المطلوب، ومع الشک فی کونه لذلک أو أنه قید لأصل المطلوب، فلا یجري
الاستصحاب الشخصی الذي ذکره المحقق الإصفهانی وتبعه السید الحکیم، ولا الکلّی- القسم الثالث- لعدم تمامیّته من حیث الکبري
…وأمّا القسم الثانی، فقد اختلفت کلمات السید الخوئی فی جریانه هنا وعدمه فقهاً وأُصولًا. والمختار: هو جریان استصحاب الکلّی،
القسم الثانی، وفاقاً له فی أُصوله.
ص: 373
الأمرُ بالأمر … ص: 373
اشارة
ص: 375
هل الأمر بالأمر بشیء أمرٌ بالأمر فقط، أو أنه أمر بذلک الشیء حقیقۀ؟
ولعلّ السبب العمدة فی طرح هذا البحث هو الأخبار الآمرة بأن یأمر الأولیاء صبیانهم بالصّلاة إذا کانوا أبناء سبع، فإنّه علی القول الأوّل
لا تکون عباداتهم شرعیّۀ وعلی الثانی فهی شرعیّۀ، وتظهر الثمرة فیما إذا صلّی الصبیّ وبلغ الحلم فی داخل الوقت، هل تجب علیه
إعادة الصّلاة أو لا؟ قولان:
رأي صاحب الکفایۀ … ص: 375
قال فی (الکفایۀ):
الأمر بالأمر بشیء أمر به لو کان الغرض حصوله ولم یکن له غرض فی توسیط أمر الغیر به إلّاتبلیغ أمره به، کما هو المتعارف فی أمر »
.«1» « الرسل بالأمر والنهی، وتعلّق غرضه به، لا مطلقاٌ بل بعد تعلّق أمره به، فلا یکون أمراً بذاك الشیء، کما لا یخفی
وقد انقدح بذلک أنه لا دلالۀ بمجرّد الأمر بالأمر علی کونه أمراً به، ولابدّ فی الدلالۀ علیه من قرینۀ.
وبیان کلامه: أن المحتمل فی مقام الثبوت ثلاثۀ وجوه:
أحدها: أن یکون الغرض قائماً بنفس الأمر، کأن یأمر بالأمر لمصلحۀ إثبات
__________________________________________________
صفحۀ 198 من 205
. 1) کفایۀ الأُصول: 144 )
ص: 376
آمریّۀ الثانی.
«1» « بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَیْکَ » والثانی: أن یکون الغرض قائماً بالفعل المأمور به کما فی قوله تعالی
.والثالث: أن یکون الغرض قائماً بالفعل الحاصل من المأمور- وهو الثالث- بشخصه المنبعث من أمر هذا الآمر الثانی، فکان تعلّق
الغرض مقیّداً لا مطلقاً.
وأمّا فی مقام الإثبات، فقد ذکر أنه مع وجود هذه الوجوه، لا یکون لمجرّد الأمر بالأمر دلالۀ علی کونه أمراً به إلّابقرینۀٍ.
یري المحقق الخراسانی وجود الاحتمالات الثلاثۀ، وعلیه، «2» « فمروا صبیانکم بالصلاة إذا کانوا بنی سبع سنین » : ففی مثل الصحیحۀ
فلو أمر الصبی بال ّ ص لاة، فصلّی فی الوقت واتّفق بلوغه بعدها، فإن شرعیّتها یتوقّف علی القرینۀ علی کون هذه ال ّ ص لاة حاملۀً للغرض،
حتی لا تجب إعادتها، وإلّا احتمل کون الغرض من الأمر به هو التمرین مثلًا، فلا تکون مسقطۀً لوجوب الإعادة … هذا رأیه ووافقه
.«3» سیّدنا الأُستاذ
رأي المحقق العراقی … ص: 376
فذهب إلی شرعیّۀ عبادات الصبیّ، مستدلّاً بإطلاقات - «5» قدّس سرّه- وتبعه تلمیذه السید الحکیم «4» وخالفه المحقق العراقی
الخطابات الشرعیّۀ کقوله
__________________________________________________
. 1) سورة المائدة: 67 )
19 الباب 3 من أبواب أعداد الفرائض. / 2) وسائل الشیعۀ 4 )
.515 / 3) منتقی الأُصول 2 )
.399 (2 - 4) نهایۀ الأفکار ( 1 )
.342 / 5) حقائق الأُصول 1 )
ص: 377
«1» « أَقیمُوا الصَّلاةَ » تعالی
فإنّها تعمّ البالغین والممیّزین الذین یتمشّی منهم القصد، خاصّ ۀً الممیّز المقارب للبلوغ، فهذا مقتضی الإطلاقات، ولیس فی مقابلها
إلّاحدیث رفع القلم. فإنْ کان المرفوع به هو خصوص المؤاخذة، فلا إشکال کما هو واضح، وأمّا إن کان المرفوع به هو التکلیف أو
هو والمؤاخذة، فإنّ مقتضی کونه فی مقام الإمتنان هو رفع الإلزام لا أصل التکلیف ومحبوبیّۀ العمل، فیکون العمل منه مطلوباً
ومشروعاً.
رأي السید الخوئی … ص: 377
الاستدلال المذکور، وقال بشرعیّۀ عبادات الصبیّ بوجهٍ آخر، وهو الدلالۀ العرفیّۀ للنصوص علی ذلک، لأنّ «2» وناقش السید الخوئی
من جهۀ أنّ العلم قد یؤخذ موضوعاً وقد یؤخذ طریقاً وقد یؤخذ جزءً للموضوع، فالوجوه التی ذکرها صاحب ،« العلم » یفارق « الأمر »
لیس إلّاطریقاً عرفیّاً إلی مطلوبیّۀ الشیء، فإذا أمر الآمر غیره بأن یأمر « الأمر » ونحوه، لکنّ « العلم » (الکفایۀ) فی مقام الثبوت تأتی فی
الثالث بالقیام بعملٍ، کان تمام النظر إلی ذلک العمل، واحتمال أن یکون المصلحۀ فی نفس الأمر لا یقاوم هذا الظهور العرفی
صفحۀ 199 من 205
والعقلائی، وبذلک یستدلُّ علی شرعیۀ عبادات الصبیّ.
رأي الُأستاذ … ص: 377
وأفاد الأُستاذ دام ظلّه: بأنّ مقتضی الظهور الأوّلی کون متعلّق الأمر الأول هو
__________________________________________________
. 1) سورة البقرة: 43 )
.266 -264 / 2) محاضرات فی أُصول الفقه 3 )
ص: 378
الأمر من الثانی، ومطلوبیّۀ الفعل للآمر الأوّل یحتاج إلی مزید بیان…
أمّا التمسک بالإطلاقات ففیه: إن الوجوب بسیط لا یتبعّض، فهو لیس مرکّباً من طلب الفعل مع المنع من الترك، وعلیه، فإنّ حدیث
الرفع یکون رافعاً لأصل الجعل، فلا یبقی دلیل علی المشروعیۀ، إلّاأن یقال بأنه یرفع المؤاخذة فقط، لکنّ المبنی باطل.
وأمّا ظهور الأمر عرفاً فی الطریقیّۀ، فإنّه- لو سلّم- لا یکفی لترتّب الثمرة وهو شرعیّۀ عبادات الصبی، لأن غایۀ ما یفید ذلک هو تعلّق
غرض للآمر الأوّل بذلک بالفعل کال ّ ص لاة، ولکن هل الغرض هو نفس الغرض فی عبادات البالغین، أو أن هناك فی أمر الصبی
بالصّلاة غرضاً آخر؟
ففی صحیحۀ ،« التعوید » إنّه لا یستفاد من نصوص المسألۀ کون الغرض هو نفس الغرض من صلاة البالغین، بل إنها صریحۀ فی أنّه
إنّا نأمر صبیاننا بالصلاة إذا کانوا بنی خمس سنین، ومروا صبیانکم بالصلاة إذا کانوا » : الحلبی المتقدمۀ عن أبی عبداللَّه علیه السلام
بنی سبع سنین، ونحن نأمر صبیاننا بالصوم…
….« حتی یتعوّدوا
وکذا فی مرسلۀ الصدوق، ولعلّها نفس روایۀ الحلبی المذکورة.
وعلی هذا، فإنّ الغرض بالفعل متحقّق، لکنه غرض آخر غیر الغرض القائم بصلاة البالغین من الناهویۀ عن الفحشاء والمنکر ونحوها.
فالقول بشرعیّۀ عبادات الصبی مشکل، واللَّه العالم.
ص: 379
الأمر بعد الأمر


الأمر بعد الأمر … ص: 379
اشارة
ص: 381
هل الأمر بعد الأمر یفید التأسیس أو التأکید؟
کلام الکفایۀ …: ص: 381
قال: إذا ورد أمر بشیء بعد الأمر به قبل امتثاله، فهل یوجب تکرار ذاك الشیء أو تأکید الأمر الأول والبعث الحاصل به؟
قضیّۀ إطلاق المادّة هو التأکید، فإنّ الطلب تأسیساً لا یکاد یتعلّق بطبیعۀٍ واحدةٍ مرّتین، من دون أن یجئ تقیید لها فی البین ولو کان
بمثل مرة أُخري، کی یکون متعلّق کلّ منها غیر متعلّق الآخر کما لا یخفی، والمنساق من إطلاق الهیئۀ وإن کان هو تأسیس الطلب لا
صفحۀ 200 من 205
.«1» تأکیده، إلّاأن الظاهر هو انسباق التأکید عنها فیما کانت مسبوقۀً بمثلها ولم یذکر هناك سبب أو ذکر سبب واحد
توضیح ذلک:
أمّا إن کان هناك أمران وموضوعان، کقوله: إن ظاهرت فاعتق رقبۀ، ثم قوله:
مثلًا … فمورد البحث « مرة أُخري » إن أفطرت فأعتق رقبۀً، فلا کلام فی التأسیس والتعدّد، وکذا لو کرّر الخطاب الواحد لکن مع کلمۀ
ما لو أمر بشیء وکرّر الأمر قبل امتثال الأمر الأول، کما لو قال اعتق رقبۀً، ثم قال بعد ذلک وقبل الامتثال:
اعتق رقبۀً … فیقول صاحب (الکفایۀ) أنّ المادّة والهیئۀ مطلقان، لکن مقتضی
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الأُصول: 145 )
ص: 382
مرة » إطلاق المادّة- وهو العتق مثلًا- هو التأکید، لأن الواجب الذي تعلّق به التکلیف هو صرف وجود العتق، فلمّا أعاد الأمر بلا قید
مثلًا، توجّه إلی صرف الوجود کذلک، وهو للطبیعۀ الواحدة لا یتعدّد، فلو جعل الأمر الثانی تأسیسیّاً لزم ورود التکلیفین علی « أُخري
صرف الوجود، وهو غیر معقول، إذ البعثان یستلزمان الانبعاثین، وقد تقدم أنه لا یقبل التکرار، والتعدّد، فمقتضی إطلاق المادة هو
التأکید.
بخلاف إطلاق الهیئۀ، وهو الوجوب، فإن مقتضی الإطلاق الإنصرافی فیه هو التأسیس، لأنّ إنشاء الوجوب إنما یکون بداعی الطلب،
فلو کان الأمر الثانی بداعی التأکید لاحتاج إلی قرینۀٍ، فمقتضی إطلاق الهیئۀ هو التأسیس.
وحینئذٍ، یقع التمانع بین الإطلاقین، فإن إطلاق المادّة کان الطلب تأکیدیاً، فإنْ رجّح إطلاق الهیئۀ کان تأسیسیاً، وإن لم یرجّح أحدهما
فالکلام مجمل، والمرجع هو الأصل العملی.
رأي المحقق العراقی … ص: 382
قد یقال بلزوم الحمل علی التأکید، ترجیحاً لإطلاق المادّة علی الهیئۀ، باعتبار کونها معروضۀ للهیئۀ وفی رتبۀٍ :«1» ( وفی (نهایۀ الأفکار
سابقۀ علیها، إذ یقال حینئذٍ بجریان أصالۀ الإطلاق فیها فی رتبۀ سابقۀ بلا معارض.
(قال): ولکن یدفعه أن المادة کما کانت معروضۀً للهیئۀ وفی رتبۀ سابقۀ علیها، کذلک الهیئۀ أیضاً، باعتبار کونها علّۀ لوجود المادّة
.« فی الخارج کانت فی رتبۀ سابقۀ علیها، فمقتضی تقدّمها الرتبی علیها حینئذٍ هو ترجیح اطلاقها علی إطلاق المادّة
__________________________________________________
(1)
.401 (2 - نهایۀ الأفکار ( 1
ص: 383
لکن مع ذلک لا تخلو المسألۀ من » : ثم انّه احتمل ترجیح اطلاق الهیئۀ بحسب أنظار العرف، لکون الهیئۀ علّۀً لوجود المادّة، ثم قال
.« مقتضی الأصل هو التأکید، لأصالۀ البراءة عن التکلیف الزائد » ثم قال بأنّ « إشکال
إشکال الُأستاذ علی المحقق العراقی … ص: 383
وقد أورد شیخنا علی کلام المحقق العراقی بوجوهٍ:
الأول: إنه إنّ لیس العلّۀ لوجود المادّة هو الهیئۀ أيالوجوب، بل هو علم المکلّف بالوجوب، فلا تقدّم بالعلیّۀ للهیئۀ، لکنّ المادّة
صفحۀ 201 من 205
متقدّمۀ علی الهیئۀ بالتقدّم الطبعی.
والثانی: إنّ الملاك هو التقدّم والتأخّر فی مقام الجعل، ومن الواضح أن المولی یلحظ المتعلّق ثم یجعل الحکم بالنسبۀ إلیه، فیکون
إطلاقه- إن أُخذ مطلقاً- مقدّماً علی إطلاق الهیئۀ إن أُخذت کذلک.
والثالث: إنّ هذه المسألۀ عرفیّۀ والتقدّم والتأخر فیها زمانی، ولیست بعقلیّۀ حتی یکون المناط فیها هو المرتبۀ، والعرف یفهم توجّه
ویلحظهما معاً فی آنٍ واحدٍ ویتحرك نحو الإمتثال، ولیس یوجد فی نظر العرف اختلاف المرتبۀ أصلًا. « عتق الرقبۀ » الوجوب إلی
قال الُأستاذ … ص: 383
والتحقیق هو: أنّ هذا الکلام له ظهور- ولا وجه للتوقف کما صار إلیه المحقق العراقی- وهو ظهور مقامی، لأنّ کلّ أمرٍ صادر من
المولی فلابدّ وأن یکون بداعٍ من الدواعی، کالبعث، والاختبار، والاستهزاء وغیر ذلک، فإذا کان الداعی هو البعث، أيکان إنشاءً
بداعی جعل الداعی فی نفس العبد، ولم یکن هناك أیّۀ قرینۀٍ، کان مقتضی هذا الإطلاق داعویّۀ کلّ واحدٍ من الأمرین، واستلزامه
ص: 384
للامتثال … لکنّ الأمر الثانی لمّا کان قبل امتثال الأمر الأوّل وحصول الغرض منه، فإنّ العرف یفهم منه التأکید للأمر الأوّل، ولا یراه
صادراً بداعی البعث، فکان هذا الفهم العرفی هو الوجه لحمل المادّة علی التأکید.
فما ذهب إلیه فی (الکفایۀ) هو الصحیح، للوجه الذي ذکره، وللفهم العرفی الذي ذکرناه.
فإن وصلت النوبۀ إلی الشک، دار الأمر بین الأقل والأکثر، إذ یشک فی وجوب الزائد علی صرف الوجود وعدم وجوبه، فیجري
استصحاب عدم تعلّق الوجوب بالفرد الآخر، ویجري البراءة الشرعیۀ والعقلیۀ عن التکلیف الزائد…
واللَّه العالم.
هذا تمام الکلام فی المقصد الأول: الأوامر.
وتم الجزء الثالث ویلیه الجزء الرابع وأوّله: المقصد الثانی فی النواهی.
تعریف