گروه نرم افزاری آسمان

صفحه اصلی
کتابخانه
جلد چهارم
المقصد الثانی النواهی … ص: 5








اشارة
ص: 7
والکلام فی جهات:
. الجهۀ الاولی (فی معنی مادّة النهی وصیغته …) ص: 7
کلام الکفایۀ … ص: 7
إلی أن النهی- بمادّته وصیغته- یدلّ علی الطلب، کالأمر بمادّته وصیغته، غیر «2» وتبعه المیرزا النائینی «1» ذهب المحقق الخراسانی
أنّ متعلّق الطلب فی الأمر هو الوجود، ومتعلّقه فی النهی هو العدم…
قال: نعم هو: إنّ متعلّق الطلب فیه هل هو الکف أو مجرّد الترك وأن لا یفعل؟
قال: والظاهر هو الثانی.
قال: وتوهّم أن الترك ومجرّد أن لا یفعل خارج عن تحت الاختیار، فلا یصح أن یتعلّق به البعث والطلب، فاسد. فإنّ الترك أیضاً
صفحۀ 27 من 265
یکون مقدوراً، وإلّا لما کان الفعل مقدوراً وصادراً بالإرادة والاختیار. وکون العدم الأزلی لا بالاختیار، لا یوجب أن یکون کذلک
بحسب البقاء والإستمرار الذي یکون بحسبه محلّاً للتکلیف.
__________________________________________________
(1)
. کفایۀ الاصول: 149
.119 / 2) أجود التقریرات 2 )
ص: 8
فالمختار عنده ما علیه المشهور- کما قیل- من أن مدلولهما نفس مدلول المادّة والصیغۀ فی الأمر، وهو الطّلب، غیر أنّ المتعلّق
مختلف، إذ النهی عبارة عن طلب ترك الشیء.
فإن قیل: إن الترك لا یتعلّق به الطلب، لأنه أمر عدمی والعدم لا یتعلّق به غرض، بل الصحیح هو القول بأن النهی طلب کفّ النفس.
فالجواب: أمّا علی القول بأن عدم الملکۀ له حظ من الوجود فواضح، لتعلّق الغرض به. وأمّا علی القول بأنه لا حظّ له من الوجود عقلًا،
فالجواب: إن الأعدام المضافۀ إلی الوجود تتعلّق بها الأغراض عقلاءً.
فإن قیل: إنه إذا کان النهی طلب الترك والعدم، فإنّ العدم غیر مقدور، ولا یعقل طلب غیر المقدور … ولذا یکون المتعلّق هو الکفّ
لا الترك.
فأجاب: بأن العدم غیر المقدور هو العدم الأزلی لا العدم بحسب البقاء والاستمرار فهو مقدور، والتکالیف إنما هی بحسب البقاء
والاستمرار لا بحسب الأزل.
فالإشکالان مندفعان.
ما یرد علی مختار الکفایۀ … ص: 8
لکن یرد علیه:
أمّا ثبوتاً: فإن الطلب معلول للشوق، ومعلول معلول للمصلحۀ، وما لا تترتب علیه المصلحۀ لا یتعلّق به الشوق، وأيّ مصلحۀ تترتب علی
العدم؟
والحاصل: إنه لا یعقل بالنسبۀ إلی الترك إلّاالشوق بالعرض، بمعنی أنّه لما یکون وجود الشیء غیر مشتاقٍ إلیه فعدمه یکون مطلوباً،
أمّا الترك أوّلًا وبالذات، فلا یتعلّق به الشوق فلا یتعلّق به الطلب.
هذا أوّلًا.
ص: 9
وثانیاً: إنّ مدلول النهی عند هذا المحقق هو الطلب الإنشائی، ولابدّ من صدوره عن الإرادة الجدیّۀ، لکن تعلّقها حقیقۀً بالعدم غیر
معقول، لأنه- وإن کان مضافاً إلی الوجود- غیر قابلٍ للوجود.
الذي هو طلب الترك، یشتمل علی مادّةٍ وهیئۀ، أمّا المادّة فمدلولها الفعل، وأمّا الهیئۀ فمدلولها- علی « لا تفعل » وأمّا إثباتاً: فإن
هو الطلب والمتعلّق هو مادّة ال ّ ص لاة، فکان « صلّ » الفرض- هو الطلب، فأین الدالّ علی الترك؟ بخلاف الأمر، فإنّ مدلول الهیئۀ فی
المدلول: طلب الصّلاة، وهو یقتضی إیجادها.
فما ذهب إلیه صاحب (الکفایۀ) مخدوش ثبوتاً وإثباتاً.
صفحۀ 28 من 265
الأقوال الُأخري … ص: 9
وقد خالف سائر الأعلام المحقق الخراسانی فی هذا المقام، وذهبوا إلی أنّ مدلول النهی یغایر مدلول الأمر لکنّ المتعلّق واحد، ثم
اختلفوا علی أقوال:
القول الأول
إن مدلول النهی هو الکراهۀ ومدلول الأمر هو الإرادة.
وفیه: إنّ الإرادة والکراهۀ هما المبدأ والعلّۀ للأمر والنهی، وعلّۀ الشیء لا تکون مدلولًا له.
القول الثانی
إنّ مدلول النهی عبارة عن حرمان المکلّف من الفعل، ومدلول الأمر عبارة عن ثبوت الشیء فی ذمۀ المکلّف. والأساس فی هذا القول
هو: أن حقیقۀ الإنشاء عبارة عن الإعتبار والإبراز أو إبراز الاعتبار. (قال) ونظیر ذلک ما ذکرناه فی بحث الإنشاء والإخبار من أن العقود
والإیقاعات کالبیع والإجارة والطلاق والنکاح أسام لمجموع المرکب الاعتباري النفسانی وإبراز ذلک فی الخارج بمبرز، فلا یصدق
ص: 10
البیع- مثلًا- علی مجرّد ذلک الأمر الاعتباري أو علی مجرد ذلک الإبراز الخارجی.
المبرز « الحرمان » وذکر: أن ما ذهب إلیه جماعۀ من المحققین من أن حقیقۀ النهی هو الزجر، من اشتباه المفهوم بالمصداق، لأنّ
.«1» « الزجر » مصداق
وأنه یصحّ أن یقال بأنّ المکلّف قد حُرم من الفعل الکذائی، لکنّ محطّ البحث ،« النهی » فی موارد « الحرمان » وفیه: لا إشکال فی وجود
هو تعیین مفاد النهی مجرّداً عن لوازمه، فنحن نعلم بأن لازم طلوع الشمس هو وجود النهار، لکنّه خارج عن مدلول لفظ الشمس…
وعلیه، فإن وجود الحرمان- عقلاءً- فی مورد النهی شیء وکونه مدلول النهی شیء آخر، وکذلک الکلام فی طرف الأمر، فثبوت
الشیء فی الذمّۀ لا ینکر، لکنّ کونه هو المدلول أوّل الکلام.
الاعتباري، کان اللّازم أن ینسبق إلی الذهن منها عین ما ینسبق من مادّة « الحرمان » مدلول إلّا « لا تفعل » هذا، ولو لم یکن لهیئۀ
ونحوهما. « الابتداء » و « من » والحال أنه لیس کذلک کما هو واضح، بل لا توجد بینهما المساوقۀ الموجودة بین لفظ ،« الحرمان »
فظهر أن ما ذهب إلیه المحقق الخوئی خلطٌ بین المعنی ولازم المعنی.
الرأي المختار … ص: 10
وقد اختار شیخنا- فی کلتا الدورتین- ما ذهب إلیه جماعۀ من المحققین، کالإصفهانی والعراقی والبروجردي، من أنّ النهی عبارة عن
الزجر، کما أن الأمر عبارة البعث.
وتوضیح ذلک: إنه کما فی الإرادة التکوینیّۀ یلحظ الإنسان الشیء- کال ّ ص لاة مثلًا- فیري فیه المصلحۀ ویتعلّق به غرضه، فیشتاق إلیه
ویتحرّك نحوه أو یأمر
__________________________________________________
.276 / 1) محاضرات فی أُصول الفقه 3 )
ص: 11
الغیر به فتکون إرادة تشریعیّۀ، کذلک فی طرف النهی، فإنّه یتصوّر الشیء ویري فیه المفسدة وما ینافی الغرض، فینزجر عنه تکویناً،
ویزجر غیره عنه تشریعاً…
وهذا هو واقع الحال فی الأمر والنهی، فهو لمّا یري وجود المفسدة فی شرب الخمر لا یُقدم علی ذلک، وإذا أراد زجر الغیر یقول له:
صفحۀ 29 من 265
وهذا هو واقع الحال فی الأمر والنهی، فهو لمّا یري وجود المفسدة فی شرب الخمر لا یُقدم علی ذلک، وإذا أراد زجر الغیر یقول له:
باز » عن الشیء المعبّر عنه بالفارسیۀ « الزجر » هو « النهی » أو یشیر إلی هذا المعنی بیده إشارةً مفهمۀً له … فمعنی « لا تشرب الخمر »
.« النسبۀ البعثیّۀ » هو « إفعل » معنی حرفی، کما أنّ مدلول هیئۀ « النّسبۀ » ، مدلولها والنسبۀ الزجریّۀ « لا تفعل » فهیئۀ ،« داشتن
هذا تمام الکلام فی … وقد ظهر أن الخلاف یرجع إلی أنّه هل المدلول فی الأمر والنهی واحد والمتعلّق متعدّد، أو أن المعنی متعدّد
والمتعلّق واحد؟
قال المشهور بالأوّل، وعلیه المحقق الخراسانی والمحقق النائینی.
وقال الآخرون بالثانی.
واختلف المشهور علی قولین، فمنهم من جعل المتعلّق أمراً عدمیّاً وهو الترك وعلیه صاحب (الکفایۀ) والمیرزا، ومنهم من جعله
وجودیّاً وهو الکفّ.
وفاقاً للمحقق الإصفهانی وغیره. « الزجر » واختلف الآخرون علی أقوال، والمختار هو
هذا، وفی (منتقی الاصول) أنّ التحقیق موافقۀ صاحب (الکفایۀ) فیما ذهب إلیه، قال:
والتّحقیق: موافقۀ صاحب (الکفایۀ) فی ما ذهب إلیه من الرّأي.
والّذي ندّعیه: أنّ المنشأ فی مورد النّهی لیس إلّاالبعث نحو التّرك مع الالتزام بأنّ مفهوم النّهی یساوق عرفاً مفهوم المنع والزّجر لا
البعث والطّلب.
والوجه فیما ادّعیناه: هو أنّ التکلیف أعّم من الوجوب والتّحریم- علی
ص: 12
جمیع المبانی فی حقیقته- إنّما هو لجعل الدّاعی وللتحریک نحو المتعلّق بحیث یصدر المتعلّق عن إرادة المکلّف، ومن الواضح أنّ ما
یقصد إعمال الارادة فیه فی باب النّهی هو التّرك وعدم الفعل، ولا نظر إلی إعمال الإرادة فی الفعل کما لا یخفی جدّا، وهذا یقتضی
أن یکون المولی فی مقام تحریک المکلّف نحو ما یَتِعلّق به اختیاره وهو التّرك، ویکون فی مقام جعل ما یکون سبباً لإعمال إرادة
المکلّف فی التّرك، فواقع النّهی لیس إلّاهذا المعنی وهو قصد المولی وإرادته تحریک المکلّف وإعمال إرادته فی التّرك.
وهذا کما یمکن أن ینشأ بمدلوله المطابقی وهو طلب الترك، کذلک یمکن أن ینشأ بمدلوله الالتزامی وهو الإنزجار عن الفعل، فإنّه
لازم ارادة ترك العمل، وهو فی باب النّهی منشأ بمدلوله الالتزامی بعکسه فی باب الأمر فإنّه منشأ بمدلوله المطابقی، فالمنشأ فی باب
النّهی إرادة الترك بمفهوم المنع والنّهی، ولیس المنشأ هو نفس المنع عن الفعل، لأنّه غیر المقصود الأوّلی وأجنّبی عمّا علیه واقع
المولی.
وأمّا دعوي: أنّه لیس فی الواقع سوي کراهۀ الفعل تبعاً لوجود المفسدة فیه دون إرادة التّرك، فهی باطلۀ، فإنه کما هناك کراهۀ للفعل
کذلک هناك إرادة ومحبوبیّۀ للتّرك، ویشهد لذلک الأفعال المبغوضۀ بالبغض الشّدید، فإنّ تعلّق المحبوبیّۀ بترکها ظاهر واضح لا
إنکار فیه، کمحبوبیّۀ الصحۀ التی هی فی الحقیقۀ عدم المرض ونحو ذلک.
وأمّا تمییز الواجب عن الحرام، فلیس الضّابط فیه ما هو المنشأ وما هو متعلّق الإرادة أو الکراهۀ، بل الضّابط فیه ملاحظۀ ما فیه المفسدة
والمصلحۀ، فإن کان الفعل ذا مفسدة کان حراماً وإن کان المنشأ طلب الترك، وإن کانت المصلحۀ
ص: 13
.«1» فی الفعل أو فی الترك کان الفعل أو الترك واجباً، ومثل الصّوم تکون المصلحۀ فی نفس التّرك فیکون واجباً
أقول:
إن موضوع البحث هو مفاد النهی، وما ذهب إلیه صاحب (الکفایۀ) هو دلالۀ النهی علی طلب الترك، وقد عرفت ما فیه. وأمّا ما ذهب
إلیه السیّد الأُستاذ من أنّ النهی کما یمکن أن ینشأ بمدلوله المطابقی وهو طلب الترك، کذلک یمکن أنْ ینشأ بمدلوله الالتزامی وهو
صفحۀ 30 من 265
الانزجار عن الفعل، فإنه لازم إرادة ترك العمل، ففیه: إنّ الانزجار عن الفعل حالۀ تحدث للمکلَّف عند إرادته ترك العمل امتثالًا
للنهی کما ذکر، لا أنّه مدلولٌ للنهّی، فکون الشیء مدلولًا للنهی- کما هو موضوع البحث- أمرٌ، وکونه ملازماً للمدلول- کما نصّ
أمر آخر، بل إنّ التعبیر بالانزجار یناسب ما ذهب إلیه الجماعۀ- وتبعهم شیخنا الأُستاذ- من أن المدلول هو - «2» علیه فی موضعٍ آخر
الزّجر، للتضایف بینهما کما لا یخفی.
فما أفاده، إمّا یرجع إلی ما ذکروه وإما هو خلط بین المعنی ولازمه، کما تقدَّم فی الإشکال علی (المحاضرات) لو تمّ رأي صاحب
(الکفایۀ).
. الجهۀ الثانی (فی الفرق بین الأمر والنهی من جهۀ الإقتضاء …) ص: 13
اشارة
إنَّ الأمر یقتضی الإتیان بصرف وجود الطبیعۀ، فلو أمر بال ّ ص لاة حصل الامتثال بصرف وجودها من قبل المکلّف، بخلاف النهی، فإنه
یقتضی الإنزجار عن جمیع أفراد الطبیعۀ. فما هو المنشأ لهذا الفرق؟
__________________________________________________
.7 -6 / 1) منتقی الاصول 3 )
.11 / 2) منتقی الاصول 3 )
ص: 14
رأي المحقق الخراسانی … ص: 14
قال فی (الکفایۀ):
ثم إنه لا دلالۀ لصیغته علی الدوام والتکرار کما لا دلالۀ لصیغۀ الأمر، وإن کان قضیّتهما عقلًا تختلف ولو مع وحدة متعلّقهما، بأن
تکون طبیعۀ واحدة بذاتها وقیدها تعلّق بها الأمر مرةً والنهی أُخري، ضرورة أن وجودها یکون بوجود فردٍ واحدٍ، وعدمها لا یکاد
«…1» یکون إلّابعدم الجمیع کما لا یخفی
فمنشأ الفرق عند المحقق الخراسانی هو حکم العقل، ووافقه المیرزا- وإن کان هناك فرق بین کلامیهما، وما ذکره صاحب (الکفایۀ)
أتقن- وحاصل هذا الوجه هو: إنّ وجود الطبیعۀ یتحقق بوجود فردها، لکنّ عدمها لا یتحقّق إلّابعدم جمیع الأفراد، وإن کان فی نسبۀ
التحقق والعدم إلی العدم مسامحۀ…
بیان السید الحکیم … ص: 14
وقد ذکر السید الحکیم برهاناً لهذا الوجه فقال: بأنه لمّا یوجد الفرد من طبیعۀٍ ما فبوجوده توجد الطبیعۀ أیضاً، فإذا کان المطلوب
تتحقّق الطبیعۀ فإنّها تتحقّق بوجود الح ّ ص ۀ ویحصل الامتثال، أمّا فی النهی، فلا یکفی فی عدم الطبیعۀ عدم فردٍ بل لابدّ من عدم جمیع
الأفراد، إذ لو وجد بعض أفرادها وعدم البعض الآخر فصدق وجود الطبیعۀ وعدمها، لزم اجتماع النقیضین، فلابدّ إمّا أن لا یصدق علی
وجود الفرد أنه وجود للطبیعۀ أو یصدق ولا یکون عدمها إلّابعدم جمیع الأفراد، وحیث أنه یصدق ضرورةً، فلا یکون عدم الطبیعۀ
إلّابعدم تمام أفرادها.
.«2» فیکفی فی امتثال الأمر وجود واحد للطبیعۀ، ولا یکفی فی امتثال النهی إلّا ترك جمیع الأفراد لیتحقق عدمها
صفحۀ 31 من 265
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الاصول: 149 )
.346 / 2) حقائق الأُصول 1 )
ص: 15
إشکال الُأستاذ … ص: 15
وقد أورد علیه شیخنا: بأنّه یستلزم أن یکون أحد النقیضین أعمّ من النقیض الآخر، وذلک: لأنّ وجود الطبیعۀ وعدمها متناقضان کما هو
معلوم، فإن قلنا بوجودها بوجود فردٍمّا من أفرادها أمّا عدمها فلا یصدق بعدمه بل بعدم تمام أفرادها، لزم أن تکون دائرة العدم بالنسبۀ
إلی هذه الطبیعۀ أوسع من دائرة الوجود، ولازم ذلک ارتفاع النقیضین، لأنه فی حال وجود الفرد الواحد فقط، لا یصدق العدم علی
الزائد عنه کما لا یصدق الوجود، وهو محال.
وعلی الجملۀ، فإنه إذا کان وجود الطبیعۀ بصرف وجود فردٍمّا، فإنّ نقیض صرف الوجود هو صِ رف العدم لا عدم جمیع أفرادها…
ولو قیل: بأنّ الوجود المضاف إلی الطبیعۀ یقتضی صرف الوجود، أما العدم المضاف إلیها فهو عدم صرف الوجود، وهذا یلازم عدم
جمیع الأفراد، فهو توهم باطل، لأنه یستلزم تحقّق المعصیۀ بالفرد الأوّل، وأنه لا معصیۀ بارتکاب الأفراد الأُخري، وهذا خلاف الضرورة

وتلخّص: أن الفرق بین مقتضی الأمر والنهی لیس بحکم العقل.
رأي المحقق الإصفهانی … ص: 15
وذهب المحقق الإصفهانی: إلی أن الفرق ناشئ من الاختلاف فی الإطلاق، فإن مقتضاه فی الأمر هو صرف الوجود، أمّا فی النهی فهو
ترك جمیع الوجودات … وقد أوضح ذلک: بأنه لمّا کان الأمر ناشئاً عن المصلحۀ، فإنّها تتحقّق بصرف وجود المتعلّق، والنهی لمّا
کان ناشئاً من المفسدة فی المتعلّق، فلا محالۀ یکون الإطلاق فیه مقتضیاً للانزجار عن جمیع وجودات المتعلّق، لأن المصلحۀ تترتب
تارةً: علی صرف الوجود، وأُخري: علی مجموع الوجودات
ص: 16
بنحو العام المجموعی، وثالثۀ: علی کلّ الوجود بنحو العام الإستغراقی، ورابعۀ:
علی المسبب من الوجودات. هذا بحسب مقام الثبوت.
هذا فی الأمر … وکذلک الحال فی النهی وتبعیّته للمفسدة.
وفی مرحلۀ الإثبات، نري فی الأمر فی الصورة الأُولی حیث المصلحۀ قائمۀ بصرف الوجود، لا یحتاج المولی إلی بیانٍ زائد، فلو قال
کفی، ویتحقق الامتثال بصرف وجود الصّلاة، بخلاف الصور الباقیۀ، فیحتاج إلی بیان زائد … أمّا فی النهی، فإن المورد الذي لا « صلّ »
یحتاج فیه إلی بیان زائد هو صورة ما إذا کانت المفسدة قائمۀً بجمیع وجودات المتعلّق، فإن مقتضی الإطلاق فیها هو الانزجار عن
.«1» بخلاف الصور الأُخري فهی محتاجۀ إلی البیان «… لا تشرب الخمر » الجمیع کما فی
إشکال المحاضرات … ص: 16
وأورد علیه فی (المحاضرات):
أولًا: إن هذا الوجه أخصّ من المدّعی، فإنه مبنی علی مسلک العدلیۀ- من تبعیّۀ الأحکام للمصالح والمفاسد- فقط، ولا یحلّ المشکلّ
صفحۀ 32 من 265
علی جمیع المبانی.
وثانیاً: إن هذا الوجه للفرق- وإن کان صحیحاً فی نفسه- إلّاأنه لا طریق لنا إلی إحراز کیفیۀ المصلحۀ والمفسدة، إذ لا یوجد عندنا
.«2» إلّاالأمر والنهی، وهما لا یکشفان عن کیفیۀ المصلحۀ والمفسدة اللتین هما تبع لهما
نظر الُأستاذ فی الرأي والإشکال علیه … ص: 16
وأفاد الأُستاذ: بأن الأساس فی رأي المحقق الإصفهانی هو الإرتکاز، فإن
__________________________________________________
.290 / 1) نهایۀ الدرایۀ 2 )
.285 / 2) محاضرات فی اصول الفقه 3 )
ص: 17
المرتکز فی الأذهان کون المصلحۀ مترتبۀً علی صرف الوجود والمفسدة مترتّبۀ جمیع الوجودات، وهذا الإرتکاز المستند إلی الغلبۀ هو
السبب فی انصراف الإطلاق فی طرف الأمر إلی صرف الوجود وفی طرف النهی إلی مطلق الوجود…
فالإشکال مندفع وإن کان کلام المحقق المذکور غیر وافٍ بما ذکرناه.
لکنّ الإشکال الوارد هو عدم ثبوت هذه الغلبۀ … ویشهد بذلک أن الأوامر الواردة فی المندوبات لیس المطلوب فیها صرف الوجود،
فلمّا یقول: اذکر اللَّه، فإنّ المطلوب ذکر اللَّه بنحو الإطلاق، وکذا: أکرم العالم … ونحو ذلک.
رأي المحاضرات … ص: 17
وذهب المحقق الخوئی إلی أنه لا فرق فی مقام الثبوت، بل هو فی مقام الإثبات ویتلخّص فی أنه یستحیل تعلّق التکلیف بجمیع
وجودات المتعلّق، لأنّها غیر مقدور علیها، وإذ لا معیّن ومرجّح لعدد منها بعد ذلک، فإن الأمر یتنزّل إلی صرف وجود الطبیعۀ، ویتحقق
الامتثال بالإتیان به.
أمّا فی النهی، فإن الحال بالعکس، لأن صرف الترك حاصل بالضرورة، لعدم القدرة علی ارتکاب کلّ أفراد المتعلَّق وطلبه تحصیل
للحاصل، فلا یعقل الزجر عنه، وإذ لا معیّن لمرتبۀٍ من المراتب، فإنّ النهی یترقّی إلی مطلق وجود المتعلّق.
الإشکال علیه … ص: 17
وأورد علیه شیخنا بوجوه:
الأول: إنّ کلّ تعیّن محتاجٌ إلی معیّن بلحاظ خصوصیّۀٍ، وعلیه، فما المعیّن لصرف الوجود عند العجز عن جمیع الوجودات؟ وما الدلیل
علیه إثباتاً؟
إن مجرّد عدم القدرة علی الجمیع لا یوجب التعیین، بل فی هذه الحالۀ
ص: 18
یلزم إجمال الدلیل والمرجع هو الأصل العملی.
والثانی: إن کلامه منقوض بما ذکره فی الجهۀ الثانیۀ من أنّ المصلحۀ قد تکون فی الفعل والترك، وهی فی الترك تتصوّر علی أربعۀ
أنحاء: فتکون المصلحۀ فی صرف الترك، وفی تمام التروك بنحو الإنحلال، وفی مجموعها، وفی المسبب عن جمیعها.
فإذا کانت المصلحۀ قائمۀ بصرف الترك، فهو المتعلّق للطلب، والحال أنه ضروري الوجود وطلبه تحصیلٌ للحاصل.
صفحۀ 33 من 265
والثالث: إن معنی القدرة هی أنه إن شاء فعل وإن لم یشأ لم یفعل، فهی القدرة علی الفعل والترك، وفی کلّ موردٍ یکون الفعل غیر
مقدور فالترك کذلک…
وعلیه، فلو لم تکن قدرة علی جمیع الوجودات، فلا قدرة علی ترك الجمیع، ولو کان صرف الترك تحصیلًا للحاصل، کذلک صرف
الفعل…
والحاصل: إنه إن کان أحد النقیضین مقدوراً علیه فالآخر کذلک، وإن لم یکن فالآخر کذلک … وقد ذکر المحقق الإصفهانی هذا
المطلب، واعترف به فی (المحاضرات) وعلیه فلا یتم ما ذکره.
منشأ الفرق هو الارتکاز العرفی … ص: 18
وقد ذکر الأُستاذ فی الدّورتین: إنّه لمّا کان وجود الفرق بین مقتضی الأمر والنهی من الأُمور المسلّمۀ عند العرف، ولم یمکن إقامۀ
- «1» البرهان العقلی الصحیح علی ذلک بما تقدّم من الوجوه، ولا بناءً علی ما ذهب إلیه المحقق الفشارکی- وتبعه المحقق الحائري
من أن صرف الوجود ناقض للعدم الکلّی، لأنّ کلّ وجودٍ فهو ناقضٌ لعدم نفسه، فلابدّ وأن یکون لفهم العرف منشأ غیر ما ذکر…
__________________________________________________
(1)
.76 (2 - درر الفوائد ( 1
ص: 19
وقد أفاد دام ظلّه، بأن القضیۀ فی طرف الأمر وتحقق الامتثال بصرف وجود الطبیعۀ واضحۀ عقلًا وعقلاءً، وأمّا فی طرف النهی، فإنّ
الارتکاز العقلائی منشؤه وجود الملازمۀ بین عدم صرف الوجود مع عدم الوجودات کلّها، وهذا هو وجه الفرق.
ثم أجاب عمّا أورده المحقق الإصفهانی: من أنّ هذا من اللّوازم ولیس مقتضی النهی نفسه، بأن المشکلۀ کانت فی وجه الفرق، ولا
أحدٌ یدّعی أنّ هذا الافتراق هو من ناحیۀ نفس النهی…
لکن یبقی الإشکال بأنّه: إذا کان النهی عن صرف الوجود فقط لا عن جمیع الوجودات، فإنه یستلزم أنّه إن خالف النهی وارتکب
المنهیّ عنه، تتحقق المعصیۀ مرّةً واحدةً ولا یکون ارتکابه فیما بعده معصیۀً.
وسیأتی الجواب عنه- فی الجهۀ اللّاحقۀ- من کلام المحقق الخراسانی.
. الجهۀ الثالثۀ (هل یسقط النهی بالمعصیۀ …؟) ص: 19
قال فی الکفایۀ …: ص: 19
ثم إنه لا دلالۀ للنهی علی إرادة الترك لو خولف أو عدم إرادته، بل لابدّ فی تعیین ذلک من دلالۀ ولو کان إطلاق المتعلّق من هذه
.«1» الجهۀ، ولا یکفی إطلاقها من سائر الجهات
وتوضیح ذلک: إن النواهی فی الشّریعۀ المقدّسۀ علی قسمین: فقد ینهی الشارع عن شیء، ولا یبقی النهی لو خولف بصرف الوجود،
کما فی النهی عن التکلّم فی ال ّ ص لاة مثلًا، فإنّه- علی مسلک صاحب (الکفایۀ)- طلب الترك، فإذا تعلّق الغرض بعدم التکلّم فی
الصّلاة وجاء النهی عنه، فإن صرف وجوده فیها
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الاصول: 150 )
صفحۀ 34 من 265
ص: 20
یوجب عدم تحقق الغرض، وحینئذٍ لا یبقی النهی لیکون التکلّم الثانی والثالث مضرّاً بالصّلاة، بل إنها بالأول بطلت.
وقد ینهی الشارع عن شیء ویکون کلّ واحدٍ من أفراد التروك مطلوباً برأسه، کالمنع عن شرب الخمر، فإنه بارتکابه مرةً لا یسقط
النهی بل یبقی متوجّهاً إلی الأفراد الأُخري من هذا الفعل.
فهذا القسمان من النهی فی عالم الثبوت متحقّقان.
فإن ورد وشک فی أنه من أيّ القسمین فما هو مقتضی القاعدة؟
ذهب المحقق الخراسانی إلی إنه یؤخذ بإطلاق الکلام من جهۀ المخالفۀ وعدمها، فإنه لمّا لم یقیّد النهی بالمرّة وغیرها، کان ظاهراً فی
بقائه بعد المعصیۀ، (ثم قال): إنه لابدّ من وجود الإطلاق من هذه الجهۀ، ولا أثر لإطلاق الکلام من سائر الجهات، من الزمان والمکان
وغیر ذلک.
تقریب المیرزا … ص: 20
وقد اختار المیرزا هذا المبنی بتقریبٍ آخر فقال ما حاصله:
إن المطلوب فی النواهی تارةً: خلوّ صفحۀ الوجود عن الشیء، وحینئذٍ یکون المتعلّق هو الطبیعۀ، کالتکلّم فی الصّلاة، فإنه قد لوحظت
الطبیعۀ وتعلّق بها النهی، أمّا ترك هذا الفرد أو ذاك منها، فهو من لوازم المطلوب.
وأُخري: یکون علی العکس، إذ یتعلّق بالفرد، وخلوّ صفحۀ الوجود عن الطبیعۀ لازم المتعلّق، کالنهی عن شرب الخمر، فإنه متعلّق بکلّ
فردٍ فردٍ، فلو اطیع لزم خلوّ صفحۀ الوجود من شرب الخمر.
وغالب النواهی فی الشریعۀ من قبیل القسم الثانی … أمّا موارد القسم الأوّل فقلیلۀ، ومثاله تروك الإحرام والنهی عن المفطرات فی
الصّوم.
ص: 21
بیان المحاضرات … ص: 21
وفی (المحاضرات) بیان طویلٍ، وملخّصه:
ولا یخفی أنّه ینشأ عن المفسدة، کما أنّ الأمر ینشأ عن المصلحۀ، فالملحوظ هو ،«1» إن للنهی- بحسب مقام الثبوت- أقساماً أربعۀ
لا تترك » : کان نهیاً، للمفسدة فی الشرب، ولو قال « أطلب منک ترك شرب الخمر » المفسدة والمصلحۀ، ولا یلحظ اللّفظ، فلو قال
کان أمراً بالصّلاة للمصلحۀ فیها. « الصّلاة
فتارةً: المفسدة تکون فی صرف الترك.
وأُخري: فی کلّ واحدٍ واحدٍ من التروك بنحو العام الإستغراقی.
وثالثۀ: فی مجموع الأفعال.
ورابعۀ: فی المسبب عن الأفعال.
(قال) وکذلک الحال فی طرف الأمر.
:«2» (قال) وتظهر الثمرة فی موردین
(أحدهما) مورد الاضطرار، فلو اضطرّ إلی الفعل أو الترك، وکانت المصلحۀ فی صرف الفعل أو الترك، فإنه بمجرّد حصول فردٍ من
الفعل أو الترك، یسقط الحکم. وأما إذا کان المطلوب بنحو العام الاستغراقی فإن الحکم ینحلُّ، فإذا خولف فی مورد بقی بالنسبۀ إلی
صفحۀ 35 من 265
غیره من الموارد. أمّا إذا کان المطلوب مجموع الأفعال أو مجموع التروك، فهذا الطلب شخصی- بخلاف الأول، فإنه ینحلّ بحسب
الأفراد- والطلب الشخصی یسقط بتركٍ واحد، لأنه قد کان بنحو العام المجموعی حاملًا للغرض، فإذا عصی فلا یبقی حکم. وأمّا إذا
کان متعلّق
__________________________________________________
.282 / 1) محاضرات فی اصول الفقه 3 )
.311 / 2) محاضرات فی اصول الفقه 3 )
ص: 22
الغرض هو الشیء المسبب من الأفعال أو التروك، فإنه بالمخالفۀ بموردٍ ینتفی حامل الغرض، وبذلک یسقط الغرض، فلا یبقی
الحکم.
(والثانی) مورد الشک، فإنه إن کان المطلوب صرف الترك وصدر منه ذلک، ثم شکّ فی مطلوبیۀ الطبیعۀ وعدمها، فلا أثر لهذا
الشک، لأنّه حتی لو تیقّن بمطلوبیۀ الطبیعۀ فإنّها بصرف المخالفۀ تبقی کما هو واضح.
وإن کان المطلوب کلّ واحدٍ من التروك بنحو العام الاستغراقی، فإنه مع ارتکاب المخالفۀ فی موردٍ یشک فی بقاء التکلیف بالنسبۀ
إلی غیره، فیکون مجري الأصل، لأنه من موارد دوران الأمر بین الأقل والأکثر، والبراءة عقلًا ونقلًا جاریۀ.
وإن کان المطلوب هو العام المجموعی، وارتکب فرداً وشک فی أنه ترك للطبیعۀ أو لا، کان من قبیل دوران الأمر بین الأقل والأکثر
الإرتباطیین- کأجزاء ال ّ ص لاة مثلًا- فعلی المبنی، إذ الأقوال هناك ثلاثۀ، الإحتیاط، والبراءة مطلقاً، والتفصیل بین الشرعیۀ فتجري
والعقلیۀ فلا تجري، وهذا الثالث مختار (الکفایۀ).
وإن کان المطلوب هو الشیء المحصّل من مجموع التروك، فلو ارتکب فرداً منها وشک فی بقاء التکلیف بالنسبۀ إلی الطبیعۀ، قیل:
بالإشتغال وهو المشهور.
مناقشۀ الُأستاذ ورأیه … ص: 22
وخالف الأُستاذ، فذکر أنّ الصحیح ثبوتاً صورتان فقط، وهما أن یکون النهی متعلّقاً بالشیء بنحو العام المجموعی، وبنحو العام
الاستغراقی. وأمّا بحسب مقام الإثبات، فالموانع فی الصلاة مأخوذة بنحو العام الاستغراقی، ولا احتمال آخر.
ص: 23
هذا مختاره بعد المناقشۀ مع (المحاضرات)، والنظر فی الأدلۀ فی مقام الإثبات.
ولقد أورد علی کلام (المحاضرات):
أولًا: قوله بترتب المصلحۀ علی الترك کترتّبها علی الفعل.
فیه: إن المصلحۀ أمرٌ وجودي، وقیام الأمر الوجودي بالأمر العدمی غیر معقول، فإنّه لا إشکال عقلًا وعقلاءً فی تعلّق التکلیف بالترك،
لکنّ قیام المصلحۀ بالترك غیر معقول، بل الموارد التی تعلّق فیها الطلب بالترك تحتمل: أن تکون نهیاً فی صورة الأمر، فقوله تعالی
«1» « وَاتْرُكِ الْبَحْرَ »
یمکن أن یکون من جهۀ وجود المفسدة فی دخول البحر لا وجود المصلحۀ فی ترك الدخول فی البحر…
ویحتمل أیضاً: أن تکون المصلحۀ فی شیء ملازمٍ للترك لا فی نفس الترك، وإن کنّا لا ندري ما هو الملازم.
والحاصل: إنه متی قام البرهان علی امتناع ترتب الأمر الوجودي علی العدم، فکلّ دلیلٍ کان ظاهراً فی الترتب لابدّ من رفع الید عن
ظهوره.
صفحۀ 36 من 265
.« الأقسام الأربعۀ » من « المسبب من الأفعال أو التروك هو المتعلّق للنهی » وثانیاً: جعله
وفیه نظر، لأن کون التروك سبباً لوجود شیء غیر معقول.
لا یقبل تعلّق التکلیف، لأنه ضروري الحصول، فلو تعلّق به الطلب کان من تحصیل « صرف الترك » وثالثاً: إنه قد ذکر سابقاً بأن
الحاصل … ولعلّه من هنا جعل الأقسام فی (أجود التقریرات) ثلاثۀ، فلماذا عدّ هذا القسم فی الأقسام الأربعۀ؟
__________________________________________________
. 1) سورة الدخان: الآیۀ 24 )
ص: 24
ورابعاً: قوله بأنه إن کانت المصلحۀ فی الترك، فإن الصورة وإن کانت صورة النهی لکنه لبّاً أمر، وجعله تروك الإحرام من هذا القبیل
قائلًا بأن المصلحۀ فی ترك تلک الأشیاء، فکان الواجب ترك الصید …، لبس المخیط للرجال…
وهکذا (… قال) وإنّ الفقهاء قد تسامحوا حیث عبّروا عنها بمحرّمات الإحرام…
وفیه: إنّ النصوص ظاهرة فی أنها محرّمات، والحق مع الفقهاء فی تعبیرهم بذلک، ورفع الید عن الظهور بلا دلیل غیر صحیح.
«1» « لا تَقْتُلُوا الصیْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ » : قال تعالی
وظاهرة فی الحرمۀ. « لا تفعل » فإنها هیئۀ
«2» « أُحِلَّ لَکُمْ صیْدُ الْبَحْرِ … وَحُرِّمَ عَلَیْکُمْ صیْدُ الْبرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً » : وقال
وهذا نصٌّ فی الحرمۀ.
وفی النصوص:
إذا فرض علی نفسه الحج ثم أتی بالتلبیۀ فقد حرم علیه الصید وغیره، ووجب » : 1) عن معاویۀ بن عمار عن أبی عبداللَّه علیه السلام
«3» « علیه فی فعله ما لم یجب علی المحرم
.«4» « لا تأکل شیئاً من الصید وأنت محرم وإنْ صاده حلال » : 2) وعنه عن أبی عبداللَّه علیه السلام: قال .
« . 5 « » ا ذ إ ف ت م ر ح أ د ق ف م ر ح کی ل ع ن ه د ل ا ی تّ ح ل ح ت : » 3 ) ن ع ی ب ل ح ل ا ن ع ی ب أ ه لَّ ل ا د ب ع ه ی ل ع م لا س ل ا ی ف ثٍ ی د ح __________________________________________________
. 1) سورة المائدة: الآیۀ 95 )
. 2) سورة المائدة: الآیۀ 96 )
. 417 ، الباب 1 من أبواب تروك الإحرام، رقم 7 / 3) وسائل الشیعۀ 12 )
. 419 ، الباب 2 رقم 2 / 4) المصدر 12 )
. 458 ، الباب 29 ، رقم 1 / 5) وسائل الشیعۀ 12 )
ص: 25
وکلّ ذلک ظاهراً ونصٌّ فی « اجتنب » وبعبارة « الفِداء » وبعنوان جعل « لا تفعل » وبهیئۀ « الحرمۀ » والحاصل: النصوص جاءت بعنوان
الحرمۀ.
وتلخّص: إن الصحیح هو حرمۀ تلک الأفعال، وأنها محرّمات الإحرام لا تروك الإحرام، ودعوي أنها نواهی ناشئۀ من المصلحۀ فی
الترك، لا دلیل علیها … بل مفاد الأدلۀ کونها ناشئۀ عن مفسدة فی الفعل … ولهذا البحث ثمرة مهمۀ فی الفقه.
ص: 26
إجتماع الأمر والنّهی … ص: 26
صفحۀ 37 من 265
اشارة
إختلفوا فی جواز اجتماع الأمر والنهی فی الشیء الواحد وامتناعه، علی أقوال ثلاثۀ:
-1 الجواز مطلقاً.
-2 الامتناع مطلقاً.
-3 التفصیل، وهو القول بالجواز عقلًا والامتناع عرفاً، لأنّ الحیثیّتین متعدّدان بالنظر العقلی، وکلٌّ منهما مرکب لأحد الحکمین، لکنّ
العرف یري المجمع بینهما شیئاً واحداً، وتعلّق الحکمین المختلفین بواحدٍ عرفی ممتنع…
وهذا هو المحکیّ عن المحقق الأردبیلی فی شرح الإرشاد.
وقد ذکر المحقق الخراسانی قبل الخوض فی المقصود عشر مقدمات، والمیرزا ذکر تسعاً، وقد اشترکا فی بعضها، ولابدّ قبل التعرّض
لها من تحریر محلّ البحث، فنقول:
. تحریر محلّ البحث … ص: 26
إن هنا کبري مسلّم بها، هی عبارة عن أنّ الأمر والنهی- علی اختلاف الأقوال فی حقیقتهما، من البعث والزجر، أو اعتبار اللابدّیۀ
والحرمان- ینشآن من الإرادة والکراهیّۀ، علی مذهب العدلیّۀ والأشاعرة معاً، ومن المصلحۀ والمفسدة علی مذهب العدلیّۀ، فبلحاظ
مبدء الحکم- وهو الإرادة والکراهیّۀ- یمتنع تعلّق الحکمین- الوجوب والحرمۀ- من الحاکم الواحد فی الزمان الواحد بالشیء
ص: 27
الواحد … علی جمیع المسالک، لأنّ طلب الشیء یستلزم عدم الکراهیّۀ له، والنهی عنه یستلزم عدم الإرادة له، فکان تعلّقهما بالشیء
الواحد مستلزماً لاجتماع النقیضین، وکذا الحال بالنظر إلی مسلک العدلیّۀ من تبعیّۀ الحکم للمصلحۀ أو المفسدة، فإنّ اجتماعهما فی
الشیء الواحد محال.
وعلی الجملۀ، فإنّ القول بالجواز یستلزم المحذور فی ناحیۀ منشأ الحکم ومبدئه وهو الحبّ للشیء والبغض له، أو المصلحۀ والمفسدة
فیه، وکذا فی ناحیۀ المنتهی، وهو مقام الإمتثال، لأنّ الأمر یقتضی الانبعاث والنهی یقتضی الانزجار أو الترك … ولا یجتمعان.
هذا بناءً علی إنکار التضادّ بین الأحکام الخمسۀ، کما علیه المحقق الإصفهانی. وأمّا علی القول بوجود التضادّ بینها کما علیه صاحب
(الکفایۀ)، فإن الإستحالۀ لازمۀ فی نفس الحکمین أیضاً.
فتلخّص: إنه من الناحیۀ الکبرویّۀ، یستحیل أصل التکلیف بمثل ذلک، بالنظر إلی المبدء والمنتهی کما تقدّم، ویلزم الجمع المحال بین
التکلیفین. وأمّا بالنظر إلی خصوص مبنی المحقق الخراسانی من التضادّ بین الأحکام فالاستحالۀ تکون بالذات. وعلی کلّ حالٍ، فإن
التکلیف کذلک محال، ولیس من التکلیف بالمحال، لأنّ مورد التکلیف بالمحال هو ما إذا کان هناك تکلیف واحد تعلّق بشیءٍ
واحدٍ کالمجموع بین الضدّین، فلا ینبغی الخلط بین الموردین.
وعلی هذا، فإنّ النزاع فی المسألۀ صغروي، لأنه یدور حول لزوم الاجتماع وعدم لزومه، بعد الوفاق علی الکبري کما تقدّم، ومرجعه
إلی أنّه هل یسري ویتعدّي الأمر من الصّلاة إلی الغصب، والنهی من الغصب إلی الصّلاة أو لا؟
ص: 28
رحمه اللَّه أنّ هذا البحث یکون تارةً من صغریات باب التعارض، وأُخري من صغریات باب التزاحم، وذلک «1» وقد أوضح المیرزا
لأنّه فی صورة تعدّي الحکم عن موضوعه إلی موضوع الحکم الآخر، یلزم الاجتماع ویقع التنافی بین مدلولی الدلیلین بحسب مقام
الجعل، إذ ال ّ ص لاة إمّا واجبۀ وإمّا محرّمۀ، فأحد الدلیلین علی خلاف الواقع، وهذا هو التعارض. وأمّا فی صورة عدم التعدّي، فلا
صفحۀ 38 من 265
اجتماع ولا مشکلۀ فی مقام الجعل، بل لکلٍّ من الحکمین مرکبه ولا ربط له بالآخر، وإنّما یقع التنافی فی مقام الإمتثال، وهذا هو
التزاحم، إذ لا قدرة علی امتثال کلا التکلیفین.
وهنا تفصیل، وذلک: لأنه تارة توجد المندوحۀ، أيْ یتمکّن المکلّف من ال ّ ص لاة فی غیر المکان المغصوب، وأُخري لا توجد، فعلی
التقدیر الأول، إن قلنا بأنّ اعتبار القدرة علی الامتثال فی الخطاب هو بحکم العقل کما علیه المحقق الثانی، خرج المورد عن التزاحم
أیضاً، لأنّه لمّا کان قادراً علی ال ّ ص لاة فی غیر هذا المکان، صحّ تعلّق التکلیف بها علی نحو الإطلاق، إذ القدرة علی الطبیعۀ حاصلۀ
بالقدرة علی الفرد وهی ال ّ ص لاة فی غیر الغصب، فلو صلّی فی المکان المغصوب والحال هذه، وقعت صحیحۀ، غیر أنه فعل المعصیۀ
بالتصرّف فی ملک الغیر. وإن قلنا بأن اعتبار القدرة علی الامتثال هو باقتضاء الخطاب- کما علیه المحقق النائینی- فالتکلیف من بدء
الأمر موجّهٌ نحو الح ّ ص ۀ المقدورة من ال ّ ص لاة، کان المورد من التزاحم، لدوران الأمر بین صرف القدرة فیها فی المکان المغصوب،
والخروج منه والإتیان بها فی غیره، وحینئذٍ تطبّق قواعد التزاحم، وتلحظ المبانی فی الترتّب.
__________________________________________________
(1)
.126 / أجود التقریرات 2
ص: 29
أمّا علی التقدیر الثانی- أعنی عدم المندوحۀ- فالمورد من التزاحم، سواء قلنا بکون القدرة معتبرةً باقتضاء الخطاب أو بحکم العقل.
. مقدّمات البحث … ص: 29
اشارة
ذکر فی (الکفایۀ) لمسألۀ الاجتماع مقدّماتٍ، ونحن نتعرّض لها ولما قیل فیها باختصار.
. المقدمۀ الُأولی (فی المراد بالواحد …) ص: 29
اشارة
إنه لمّا قلنا فی عنوان المسألۀ: هل یجوز اجتماع الأمر والنهی فی واحدٍ؟
؟« الواحد » فما هو المراد من
المراد بالواحد مطلق ما کان ذا وجهین ومندرجاً تحت عنوانین، بأحدهما کان مورداً للأمر وبالآخر للنهی، :«1» قال المحقق الخراسانی
وإن کان کلیّاً مقولًا علی کثیرین کالصّلاة فی المغصوب.
وإنّما ذکر هذا، لإخراج ما إذا تعدّد متعلّق الأمر والنهی ولم یجتمعا وجوداً ولو جمعها واحد مفهوماً، کالسجود للّه تعالی والسجود
للصنم مثلًا، لا لإخراج الواحد الجنسی أو النوعی، کالحرکۀ والسکون الکلیّین المعنونین بالصّلاتیّۀ والغصبیّۀ.
وتوضیحه:
إن الواحد هنا إمّا هو الواحد الشخصی وإمّا الأعم، فإن کان الأوّل، خرج الجنسی والنوعی، والحال أن الحرکۀ المعنونۀ بعنوان الغصب
والصّلاة لیست واحداً شخصیّاً من الحرکۀ بل واحد جنسی، فلو أُرید الشخصی خرج الفرض من دائرة البحث مع کونه وارداً.
__________________________________________________
صفحۀ 39 من 265
(1)
. کفایۀ الاصول: 150
ص: 30
وإن کان المراد هو الثانی، شمل البحث مثل السجود لکونه جامعاً للسجود للَّه وللصنم، والحال أنه لیس مورداً لاجتماع الأمر والنهی،
إذ لا مجمع بین السجود للَّه وللصنم.
وإن کان هو الثالث، جاء المحذور المذکور فی الثانی، لأن الأعمّ مشتمل علی الأخصّ.
هو المقابل للکلّی لیکون شخصیّاً، فیرد إشکال خروج الحرکۀ، ولیس الجنس « الواحد » فذکر صاحب (الکفایۀ): أنه لیس المراد من
لیرد إشکال ورود السجود، بل المراد من الواحد هو المقابل للمتعدّد وجوداً، والمقصود أنه تارةً:
یکون لمتعلّق الأمر والنهی تعدّد وجودي، فهذا خارج عن البحث، کما فی الصلاة والنظر إلی الاجنبیۀ فی أثنائها، وکما فی السجود للَّه
وللصنم، وأُخري: یکون لمتعلّقهما وحدة وجودیۀ أعم من الواحد الشخصی أو الجنسی، فالصلاة فی دار مغصوبۀ کلّی، لکنْ فی مقام
الوجود لها وجود واحد.
وعلی الجملۀ: إن أمکن الإشارة إلی کلٍّ من العنوانین علی حدة، خرج الواحد ذو العنوانین عن البحث، کال ّ ص لاة والنظر إلی الأجنبیۀ،
وإن کانت الإشارة إلی أحدهما الموجودین بوجود واحد عین الإشارة إلی الآخر، کان وارداً فی البحث، کالصّلاة فی الدار المغصوبۀ،
وحینئذٍ، إن کانت وحدة الإشارة موجبۀً لوحدة الوجود فی الخارج حقیقۀً فالامتناع وإلّا فالجواز.
التعریض بصاحب الفصول … ص: 30
حیث أنه قد خصّ الواحد بالواحد الشخصی، لئلّا یدخل مثل ،«1» ( ثم إنّ المقصود من هذا الکلام هو التعریض بصاحب (الفصول
السجود للَّه وللصنم ممّا
__________________________________________________
. 1) الفصول الغرویّۀ: 123 )
ص: 31
اجتمع فیه الأمر والنهی فی واحدٍ جنسی أو نوعی فی محل البحث، مع کونه خارجاً عنه قطعاً.
إشکال السید البروجردي … ص: 31
وفیما ذکره نظر، فإنّ ضمّ عنوانٍ کلّیٍ إلی عنوانٍ آخر لا یوجب الوحدة، إذ الماهیّات والعناوین بأسرها :«1» فقال السیّد البروجردي
متباینۀ بالعزلۀ، فمفهوم ال ّ ص لاة یباین مفهوم الغصب وإن ضممنا أحدهما إلی الآخر، وما هو الجامع للشتات عبارة عن حقیقۀ الوجود
التی هی عین التشخّص والوحدة.
موافقۀ الإیروانی مع الفصول … ص: 31
بأنه «2» أمّا المحقق الإیروانی، فقد ذکر أنّ الحق مع صاحب (الفصول) وأنّه لا یتوجّه علیه ما توهّمه صاحب (الکفایۀ). وأوضح ذلک
صفحۀ 40 من 265
لیس مقصود صاحب (الفصول) من الحمل علی الواحد الشخصی أن یکون المجمع منحصراً فی الواحد الشخصی والجزئی الحقیقی،
لیخرج مورد کون المجمع عنواناً کلیّاً کما فی مثال ال ّ ص لاة فی الدار المغصوبۀ، بل مقصوده تلاقی العنوانین فی الأشخاص الخارجیۀ،
فیکون البحث فی اجتماع الأمر والنهی بعنوانین منحصراً بما إذا کان العنوانان متلازمین فی الوجود والتشخّص، وهذا أعم من أن یکونا
متلاقیین قبل الوصول إلی مقام التشخّص وفی مفهوم عام کما فی مثل ال ّ ص لاة فی الأرض المغصوبۀ، وما إذا لم یکونا متلاقیین إلّافی
الشخص ابتداءً، فالصّلاة فی الأرض المغصوبۀ لا تخرج عن العنوان.
__________________________________________________
(1)
. نهایۀ الاصول: 226
.210 / 2) نهایۀ النهایۀ 1 )
ص: 32
جواب الُأستاذ … ص: 32
وأجاب الأُستاذ دام بقاه: بأن جواز اجتماع الأمر والنهی فی الشیء الواحد ذي العنوانین وامتناعه، فرع التزاحم والتعارض، فإن کان
التعارض فالإمتناع وإن کان التزاحم فالجواز، ومن الواضح أن التعارض فی الأدلّۀ الشرعیۀ لا یکون إلّافی القضایا الحقیقیّۀ، والموضوع
وَللَّهِ عَلی » «1» « أَقِیمُوا الصلَاةَ » فی هذه القضایا لیس الواحد الشخصی الخارجی، بل إن الحکم فیها متوجّه إلی الطبیعۀ، کقوله تعالی
«2» « النَّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ
لا إلی الفرد من الصّلاة والحج وغیرهما، فالأوامر والنواهی غیر متعلقۀ بالواحد الشخصی. هذا أولًا.
وثانیاً: إن الواحد الشخصی لا یعقل أن یکون متعلّقاً للأمر، بل إنه مسقط له لکونه مصداق المأمور به.
وأمّا القول بأن ضمّ الکلّی إلی الکلّی لا ینتج الواحد. ففیه: إنه خلط بین الوحدة الشخصیۀ والنوعیۀ، لأن الوحدة النوعیۀ کما فی
انضمام الفصل إلی الجنس موجودة مع عدم کونها شخصیۀ، إذن، لا ملازمۀ بین الوحدة والشخصیّۀ، والمراد من الوحدة هی الوحدة
فی مقابل التعدّد.
. الأمر الثانی (فی الفرق بین هذه المسألۀ ومسألۀ النهی فی العبادة …) ص: 32
«3» قال فی الکفایۀ
ما ملخّصه: إن الجهۀ المبحوث عنها هنا هی: هل إن تعدّد العنوان فی الواحد ذي العنوانین، یوجب تعدّد المتعلَّق بحیث ترتفع مشکلۀ
استحالۀ الاجتماع أو لا؟ (قال): فالنزاع فی سرایۀ کلٍّ من الأمر والنهی إلی متعلّق الآخر لاتّحاد متعلَّقیهما وجوداً وعدم سرایته لتعدّدهما
وجهاً.
__________________________________________________
(1)
. سورة البقرة: الآیۀ 43
. 2) سورة آل عمران: الآیۀ 97 )
. 3) کفایۀ الاصول: 150 )
صفحۀ 41 من 265
ص: 33
أمّا فی تلک المسألۀ، فإن البحث فی أن النّهی هل یوجب فساد العبادة أو المعاملۀ بعد الفراغ عن توجّه النهی إلیها أو لا یوجبه؟
(قال) نعم، لو قیل بالامتناع مع ترجیح جانب النهی فی مسألۀ الاجتماع، یکون مثل ال ّ ص لاة فی الدار المغصوبۀ من صغریات تلک
المسألۀ.
وحاصله کلامه: إن ما به الإمتیاز بین المسألتین هو الجهۀ المبحوث عنها فی کلٍّ منهما … وهذا لا ینافی أن یکون مورد البحث فی
مسألتنا من صغریات المسألۀ الاخري، علی بعض التقادیر … فالفرق بین المسألتین فی غایۀ الوضوح.
هذا، وفی بیان الفرق بین المسألتین أقوال اخري، تعرّض فی (الکفایۀ) لاثنین منها:
أحدها: إن البحث هنا عقلی، وهناك فی دلالۀ النهی لفظاً.
قال فی (الکفایۀ) بفساد هذا القول، لأنّ البحث هناك أیضاً عقلی، علی أن النهی فی العبادة غیر مختص باللّفظ.
من أنّ الموضوع فی تلک المسألۀ هو العام والخاص المطلق، کالأمر بال ّ ص لاة، ثم النهی عن «1» والثانی: ما ذهب إلیه المیرزا القمی
ال ّ ص لاة فی الحمام، فیبحث عن دلالۀ هذا النهی علی فسادها وعدم دلالته … أما فی مسألتنا، فالنسبۀ هی العموم من وجهٍ، کما هو
الحال بین الأمر بالصّلاة والنهی عن الغصب.
بعد الإشکال فی کلام المیرزا القمی- وهو إن الموضوع فی مسألتنا مغایر تماماً - «2» ( والثالث: ما ذهب إلیه صاحب (الفصول
للموضوع فی تلک المسألۀ، بخلاف مثل الصّلاة والصّلاة فی الحمام، فإن الموضوع متّحد وإنْ کان بینهما عموم مطلق.
__________________________________________________
(1)
.140 / قوانین الاصول 1
. 2) الفصول الغرویۀ: 140 )
ص: 34
فأجاب المحقق الخراسانی: بأنّ تعدّد الموضوعات أیضاً غیر موجب للتمایز بین المسائل ما لم یکن هناك اختلاف الجهات.
والحق معه فیما قال.
. الأمر الثالث (هذا البحث من مسائل أيّ علمٍ من العلوم …؟) ص: 34
واختلفت کلماتهم فی أنّ هذا البحث من المسائل أو المبادئ، ومن مسائل أيّ علم؟
إنه حیث کانت نتیجۀ هذه المسألۀ ممّا تقع فی طریق الإستنباط، کانت المسألۀ من المسائل الاصولیۀ، لا من :«1» قال فی الکفایۀ
مبادئها الأحکامیّۀ ولا التصدیقیۀ، ولا من المسائل الکلامیّۀ، ولا من المسائل الفرعیّۀ، وإنْ کانت فیها جهاتها…
نعم، یمکن تصویر الجهۀ الفقهیّۀ، لأن العمل العبادي إن کان متعلَّقاً للنهی فهو باطل وإلّا فهو صحیح، والصحّۀ والفساد من الأحکام
الفقهیۀ. کما یمکن تصویر الجهۀ الکلامیّۀ، بأنْ یبحث فیها عن جواز تکلیف اللَّه سبحانه وتعالی بعملٍ اجتمع فیه جهۀ الأمر وجهۀ
للنهی وعدم جوازه. وتصویر جهۀ اخري تجعلها من المبادئ الأحکامیّۀ، لأنّه إذا تعلَّق الأمر والنهی بواحدٍ یقع البحث عن وجود التلازم
بینهما فی المورد وعدم وجوده، لأنّ المبادي الأحکامیۀ هی لوازم الأحکام وعوارضها وخصوصیّاتها…
لکنّ المحقق الخراسانی یري أن المسألۀ من علم الأصول لانطباق تعریف المسألۀ الاصولیۀ علیها … خلافاً للشیخ، حیث جعلها من
المبادئ الأحکامیۀ، کما أن المیرزا خالفه، فجعلها من المبادئ التصدیقیّۀ للمسألۀ الاصولیّۀ.
__________________________________________________
صفحۀ 42 من 265
(1)
. کفایۀ الاصول: 152
ص: 35
ولکنَّ ذلک کلّه یتوقّف علی تغییر عنوان البحث، حتی یمکن تحقق هذه الجهۀ أو تلک فیه، أمّا مع عنوانه کما فی (الکفایۀ) وغیرها
من کتب الأعلام، فلا یصح البحث لأنْ یکون من مسائل هذا العلم أو ذاك، بل هو من مسائل علم الاصول.
حیث جعلها من المبادئ الأحکامیّۀ، لأنّا لا نبحث ،«1» فالحق ما ذهب إلیه وإن کان کلامه مخدوشاً کما ذکرنا، خلافاً للشیخ الأعظم
فی هذه المسألۀ عن خواص الأمر والنهی، وعن أنه هل یوجد بینهما التضادّ أو لا لیکون من المبادي، وإنما نبحث عن أنّ اجتماع الأمر
والنهی فی الشیء الواحد ذي العنوانین هل ینتهی إلی اجتماع الضدّین أو لا؟
القائل بأنها من المبادئ التصدیقیۀ للمسألۀ الاصولیّۀ، وذلک لأنّ المبدء التصدیقی هو کلّ ما أوجب التصدیق بثبوت «2» وللمیرزا
المحمول للموضوع، مثلًا:
وما یدلّ علی ثبوت «3» « المبدء التصوري » یسمّی ب « الحجیّۀ » و « خبر الثقۀ » عندما نقول: هل خبر الثقۀ حجۀ أو لا؟ فإنّ ما یعرّف
ونحن فی هذه المسألۀ نقول: هل یقع التعارض بین دلیلی الأمر والنهی فیما إذا .« المبدء التصدیقی » یسمی ب « خبر الثقۀ » ل « الحجیۀ »
تعلَّقا بالواحد ذي العنوانین أو لا؟ وهذا مبدء تصدیقی لتحقق موضوع المسألۀ الاصولیۀ، وأمّا المبدء التصدیقی للمسألۀ الاصولیۀ فهو
الأدلّۀ علی الترجیح أو التخییر بناءً علی التعارض.
__________________________________________________
(1)
. مطارح الأنظار: 125
.128 / 2) أجود التقریرات 2 )
. 3) کفایۀ الاصول: 152 )
ص: 36
. الأمر الرابع (هل هذه المسألۀ عقلیۀ …؟) ص: 36
قد ظهر من مطاوي ما ذکرناه أن المسألۀ عقلیّۀ… :«1» قال فی الکفایۀ
أقول:
لا یخفی أن المسائل الاصولیۀ منها عقلیۀ ومنها لفظیّۀ، ولمّا لم یکن البحث فی مسألتنا عن مدلول الأمر والنهی، فهو لیس من المسائل
اللّفظیّۀ، فیکون- لا محالۀ- من المسائل العقلیۀ.
والأحکام العقلیّۀ تنقسم إلی المستقلۀ، غیر المستقلۀ، والقسم الثانی منه ما یقع فی طریق الاستنباط ومنه ما لا یقع.
أمّا ما لا یقع فی طریق الاستنباط، فمثل درك العقل وجود المصلحۀ أو المفسدة الملزمۀ فی شیء، ولکنّه یفید الحکم الشرعی بضمیمۀ
قاعدة الملازمۀ.
وأمّا الحکم العقلی غیر المستقل وغیر الواقع فی طریق الاستنباط، فکحکم العقل بوجوب إطاعۀ المولی، فإنه فی مرتبۀ معلول الحکم
الشرعی بوجوب الصّلاة مثلًا، فإنه یجب إثبات وجوبها شرعاً حتّی یتولّد منه الحکم العقلی بلزوم الإطاعۀ له.
وأمّا الحکم العقلی غیر المستقل الواقع فی طریق الاستنباط، فکحکمه باستحالۀ اجتماع الضدّین.
وبما ذکرنا یتّضح: أنّ بحث الاجتماع من المباحث الاصولیۀ العقلیۀ من قبیل القسم الأخیر، فإنه إذا ضمّ هذا الحکم العقلی إلی صغري
صفحۀ 43 من 265
اجتماع الأمر والنهی الشرعیین فی الواحد ذي العنوانین، حصل الحکم الشرعی بصحّۀ الصّلاة أو فسادها…
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الاصول: 152 )
ص: 37
ثم قال فی (الکفایۀ):
وذهاب البعض إلی الجواز عقلًا والامتناع عرفاً، لیس بمعنی دلالۀ اللّفظ، بل بدعوي أن الواحد بالنظر الدقیق العقلی اثنین وأنه بالنظر
المسامحی العرفی واحد ذو وجهین، وإلّا فلا یبقی معنی للامتناع العرفی.
. الأمر الخامس (فی سعۀ دائر البحث …) ص: 37
اشارة
إن ملاك النزاع فی الإجتماع والامتناع یعمّ جمیع أقسام الإیجاب والتحریم، کما هو قضیۀ إطلاق لفظ الأمر :«1» قال فی الکفایۀ
والنهی، ودعوي الانصراف إلی النفسیین التعیینیین العینیین فی مادّتها غیر خالیۀ عن الاعتساف، وإنْ سلّم فی صیغتهما مع أنه فیهما
ممنوع.
وعلی الجملۀ، فإن هذا البحث یعمّ الأمر والنهی النفسیین والغیریین والتعیینیین والتخییریین والعینیین … لعموم الملاك.
وقد قصد رحمه اللَّه الردّ علی الشیخ القائل بعدم وجود ملاك البحث فیما لو کان الوجوب والحرمۀ تخییریین، لأن محذور البحث هو
لزوم الجمع بین الضدّین، وهو غیر لازم فیما لو أمره بنکاح احدي الاختین ونهاه عن الاخري، لعدم اجتماع الحکمین فی موردٍ واحد
…فقال صاحب (الکفایۀ): إنه لو أمر بال ّ ص لاة والصوم تخییراً بینهما ونهی عن التصرف فی الدّار والمجالسۀ مع الأغیار، فصلّی فی
الدار مع مجالستهم، کان حال ال ّ ص لاة فیها حالها کما إذا أمر بها تعییناً ونهی عن التصرف فیها تعییناً فی جریان النزاع، لوضوح أن
النسبۀ بین أحد عدلی الحرام التخییري مع أحد عدلی الواجب التخییري هی العموم من وجه، لأنّ ال ّ ص لاة ممکنۀ فی الدار وغیرها،
والجلوس فی الدار یمکن فی حال الصّلاة وحال
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الاصول: 152 )
ص: 38
غیرها، فإذا اجتمعا لزم المحذور کما لو أمر بهما تعییناً.
تحقیق الُأستاذ … ص: 38
ومن ،« الأحد » هذا، وقد أوضح الأُستاذ رأي الشیخ وبیّنه بما یظهر به أن الحق معه، فقال بأنّ الجامع فی الواجب والحرام التخییري هو
الواضح أنّ هذا العنوان لا یصدق علی کلا الفردین معاً، وإنما یصدق علی کلٍّ منهما بشرط عدم الآخر، وکذلک الحال فی جمیع
ولا ینطبق هذا العنوان علی کلّها معاً، فالنجاسۀ حکم ،« الأحد » موارد العلم الإجمالی، فإن موضوع الحکم بنجاسۀ أحد الآنیۀ هو
وإن کان الحکم العقلی بالاجتناب عن جمیعها فی عرضٍ واحدٍ، لکنّ هذا أمر آخر… « أحدها »
صفحۀ 44 من 265
وعلی هذا، ففی طرف الواجب، جاء الحکم بوجوب هذا أو ذاك، وفی طرف الحرام قد جاء الحکم بحرمۀ هذا أو ذاك، ولا یسري
.« الأحد » الحکم بالوجوب أو الحرمۀ إلی کلا الفردین، ولیس کلاهما واجباً أو حراماً، بل
والمبغوض « الأحد » بشرط لا عن الآخر، وکان المبعوث إلیه فی طرف الوجوب هو « الأحد » وإذا کان متعلَّق الحکم فی کلا الطرفین هو
لم یعقل حصول التمانع بین الأمر والنهی، وظهر أن الحق مع الشیخ. ،« الأحد » فی طرف الحرمۀ هو
وهذا معناه الجمع بین عدلی « فصلّی فیها مع مجالستهم » ( وکلام المحقّق الخراسانی لا ربط له بمورد کلام الشیخ، فقد جاء فی (الکفایۀ
الحرام التخییري، وفی هذه الصورة یلزم محذور الاجتماع بالضرورة، لکن محطّ نظر الشیخ هو کون متعلَّق النهی أحد الأمرین، کما أنّ
متعلَّق الأمر أحد الأمرین … ولذا نري أن کلام صاحب (الکفایۀ) فی حاشیۀ الرسائل فی ذکر المثال یختلف عن کلامه فیها، فلیس فی
.« مع مجالستهم » الحاشیۀ کلمۀ
ص: 39
وتلخّص: أن الحق فی المقام مع الشیخ خلافاً للکفایۀ والمحقق الإصفهانی.
. الأمر السادس (فی اعتبار المندوحۀ وعدم اعتبارها …) ص: 39
إلی اعتبار المندوحۀ فی صحۀ النزاع فی مسألۀ اجتماع الأمر والنهی، فلولا وجودها لا یبقی مجال للبحث «1» ( ذهب صاحب (الفصول
فقد ذهب إلی أن التحقیق عدم اعتبارها فیما هو المهم فی ،«2» ( …وقد وافقه المحقق الخراسانی فی حاشیۀ الرسائل. أمّا فی (الکفایۀ
محلّ النزاع من لزوم المحال وهو اجتماع الحکمین المتضادّین.
أمّا وجه اعتبار المندوحۀ فهو: إنه مع عدم تمکّن المکلّف من الصّلاة فی غیر المکان المغصوب، یکون تعلّق النهی بها فیه من التکلیف
بغیر المقدور وهو محال، إذن، لابدّ وأنْ یکون متمکناً من منها فی غیره حتی نعقل النهی ویصح البحث عن الجواز والامتناع لو صلّی
فیه.
وأمّا وجه عدم اعتبارها فی صحۀ البحث: فلأنّا نبحث فی مثل ال ّ ص لاة فی الدار المغصوبۀ عن أنه یلزم التکلیف المحال، أياجتماع
الضدین، أو لا یلزم؟
وهذا البحث بهذه الصورة لا علاقۀ له بوجود المندوحۀ وعدمها.
والحاصل: إنه اعتبر فی حاشیۀ الرسائل- تبعاً للفصول- عدم المندوحۀ حتی لا یلزم التکلیف بالمحال، لکنّه فی (الکفایۀ) یقول: بأن
البحث لیس فی التکلیف بالمحال، وإنما فی أنه هل یلزم فی مفروض المسألۀ المحال- وهو اجتماع الضدین- أو لا؟ ولا دخل
للمندوحۀ فیه.
__________________________________________________
(1)
. الفصول الغرویّۀ: 123
. 2) کفایۀ الاصول: 153 )
ص: 40
وهذا هو ال ّ ص حیح، لأنّا إن قلنا بالامتناع فلا أثر للمندوحۀ. وان قلنا بالجواز وعدم لزوم اجتماع الضدّین، فإن کان له مندوحۀ فلا
مشکلۀ، وإنْ لم تکن کان المورد من صغریات باب التزاحم … فظهر أنّ وجود المندوحۀ إنّما یؤثر علی القول بالجواز، وأمّا فی أصل
البحث وطرح المسألۀ فلا دخل لوجود المندوحۀ وعدمها.
صفحۀ 45 من 265
. الأمر السابع (بین هذه المسألۀ ومسألۀ تعلّق الأمر بالطبیعۀ أو الفرد …) ص: 40
«1» ذکر فی الکفایۀ
توهّمین بالنظر إلی بحث تعلّق الأمر بالطبیعۀ أو الفرد وأجاب عنهما. الأول: إنّ النزاع فی مسألتنا یبتنی علی القول بتعلّق الأحکام
بالطبائع، فإنه علی هذا القول یقع النزاع فی الجواز والامتناع، وأمّا علی القول بتعلّقها بالأفراد فلا مجال للنزاع، إذ لا یکاد یخفی
الامتناع، ضرورة لزوم تعلّق الحکمین بواحدٍ شخصی ولو کان ذا وجهین، وهذا محال.
والتوهّم الثانی هو: إنّ القول بجواز الاجتماع هنا مبنی علی القول هناك بتعلّق الأوامر بالطبائع، لکون متعلَّق الحکمین متعدداً ذاتاً وإنْ
اتّحدا وجوداً، وأن القول بامتناع الاجتماع مبنی علی القول بتعلّقها بالأفراد، لکون متعلَّقهما شخصاً واحداً فی الخارج.
ثم قال فی الجواب:
وأنت خبیر بفساد کلا التوهّمین، وحاصل کلامه جریان البحث هنا، سواء قلنا هناك بتعلّق الأمر بالطبیعۀ أو بالفرد، لأنه بناءً علی الأول
لا یتعیّن القول بالجواز، لأنه وإنْ تعدّدت الطبیعۀ، لکون طبیعۀ الصّلاة غیر ذات الغصب، لکنّ الطبیعتین فی مرحلۀ الوجود واردتان علی
شیءٍ واحدٍ، وحینئذٍ، یتحقّق ملاك
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الاصول: 154 )
ص: 41
القول بالامتناع، لأن مدار البحث وحدة الوجود خارجاً وتعدّده … وکذا الحال بناءً علی الثانی، لأن المراد من الفرد هو الح ّ ص ۀ من
الماهیّۀ، وعلی هذا، فإن الفرد من ماهیّۀ ال ّ ص لاة غیر الفرد من ماهیّۀ الغصب، فإذا حصل وجود الحصّتین من الماهیتین المختلفتین
بوجودٍ واحدٍ جاء البحث عن الجواز والامتناع، لأنّ الترکّب بینهما إن کان اتحادیّاً فالامتناع وإن کان انضمامیّاً فالجواز.
نعم، لو قلنا بتعلّق الأمر بالفرد بضمیمۀ أمارات التشخّص- من الزمان والمکان وسائر الخصوصیّات- لزم القول بالامتناع، للتباین بین
الأفراد حینئذٍ بالضرورة. لکنّ المبنی باطل کما تقرّر فی محلّه.
فظهر: أنه لا ارتباط بین هذه المسألۀ والمختار فی تلک المسألۀ أصلًا.
. الأمر الثامن (هل المسألۀ من باب التعارض بناءً علی الامتناع …؟) ص: 41
اشارة
ربما یتوهّم أنه علی القول بالجواز تصحّ ال ّ ص لاة، لانطباق الطبیعۀ المأمور بها علی هذا الفرد، فالإجزاء عقلی وإنْ کان عاصیاً من جهۀ
الغصب، وأمّا علی القول بالامتناع، فالبحث من صغریات باب التعارض لا التزاحم، ویلزم الرجوع إلی قواعد التعارض من الترجیح أو
التخییر أو التساقط ثم الرجوع إلی مقتضی الاصول.
فالمقصود هو الجواب عن توهّم کون المسألۀ- بناءً علی الامتناع- من صغریات التعارض.
وتوضیح منشأ التوهّم هو: إن التعارض- کما لا یخفی- یکون تارةً بالتباین کما فی: أکرم العالم ولا تکرم العالم، واخري بالعموم من
من « لا تغصب » و « صلّ » وجهٍ کما فی: أکرم العالم ولا تکرم الفاسق … فمورد العموم من وجهٍ یعامل معه معاملۀ التعارض، والنسبۀ بین
هذا القبیل، فلماذا یرجع فیه إلی التزاحم؟
ص: 42
صفحۀ 46 من 265
أجاب المحقق الخراسانی بما حاصله:
أمّا فی مقام الثبوت: بأنّ هذه الصّلاة یمکن أن تکون فاقدةً للملاك، فلا یوجد فیها لا ملاك الصّلاتیۀ ولا ملاك الغصبیّۀ، ویمکن أن
تکون واجدةً لملاك الصّلاتیۀ فقط، أو لملاك الغصبیۀ فقط، أو للملاکین معاً.
فالوجوه الثبوتیۀ أربعۀ:
فإنْ کان کلاهما بلا ملاك، فلا تعارض ولا تزاحم.
وإنْ کان أحدهما ذا ملاك والآخر بلا ملاك، فکذلک، بل یؤخذ بماله ملاك.
وإن کان کلاهما ذا ملاك، فإنْ قلنا بجواز الاجتماع أخذنا بکلا الملاکین، وإن قلنا بالامتناع أخذنا بالأقوي منهما، وإنْ لم یوجد
الأقوي فی البین رجعنا إلی دلیلٍ آخر أو إلی مقتضی الأصل.
وأمّا بحسب مقام الإثبات، فإنّ مورد التعارض عدم وجود الملاك لأحد الدلیلین، ومورد اجتماع الأمر والنهی وجوده فی کلیهما،
فالقول بجریان قاعدة التعارض بناءً علی الإمتناع غیر صحیح، بل إن مجرّد احتمال أن یکون کلّ من الدلیلین ذا ملاك یوجب الأخذ
بکلا الدلیلین، فإن کانا فی مقام بیان الحکم الاقتضائی طبّق قاعدة التزاحم، وإن کانا فی مقام بیان الحکم الفعلی، فعلی الجواز یؤخذ
بهما وعلی الإمتناع تطبّق قاعدة الإمتناع.
فظهر اندفاع التوهّم.
الإشکال علی الکفایۀ … ص: 42
إنه لمّا جعل صاحب (الکفایۀ) مورد البحث ما إذا کان المجمع واجداً لملاك کلا الحکمین، کال ّ ص لاة فی الدار المغصوبۀ، فقد أورد
علیه: بأن بحث الاجتماع مسألۀ یطرحها الاصولیون العدلیّۀ القائلون بتبعیّۀ الأحکام للملاکات،
ص: 43
والأشاعرة المنکرون لذلک، فجعل النزاع فی المقام مبتنیاً علی کون المجمع واجداً لملاك الأمر والنهی فی غیر محلّه.
.«1» هذا أوّلًا
وثانیاً: إن ما ذکره من أن مورد التعارض هو أن یکون لأحد الحکمین ملاك دون الآخر، غیر صحیح، لأنّ الأشاعرة المنکرین لتبعیّۀ
الأحکام للملاکات قائلون بالتعارض بین الدلیلین، لأنّ حقیقته امتناع ثبوتهما فی مقام الجعل وأن ثبوت کلّ منهما فیه ینفی الآخر
ویکذّبه، وحقیقۀ التزاحم کون المحذور فی مقام الامتثال، والحاصل: إنه إن کان المحذور فی مقام الجعل فهو التعارض وإن کان فی
مقام الامتثال فهو التزاحم، علی مسلک العدلیۀ والأشاعرة معاً.
وثالثاً: قوله بأنّه لو کان کلٌّ من الدلیلین متکفّلًا للحکم الفعلی لوقع التعارض بینهما، فعندئذٍ لابدّ من الرجوع إلی مرجّحات باب
المعارضۀ، إلّاإذا جمع بینهما بحمل أحدهما علی الحکم الاقتضائی بمرجّحات باب المزاحمۀ.
فیه: إن موارد التوفیق العرفی غیر موارد التعارض، فإذا فرض التعارض بین الدلیلین کان معناه عدم إمکان الجمع العرفی بینهما، وفیما
إذا أمکن ذلک فلا تعارض. ففرض التعارض مع فرض إمکان الجمع العرفی لا یجتمعان. بل یجمع بینهما جمعاً عرفیّاً. أمّا فی مسألۀ
.«2» الاجتماع، فإنّ التنافی عقلی ولیس بعرفی، وهذا هو الفارق بین المسألتین
النظر فی الإشکالات … ص: 43
صفحۀ 47 من 265
فأمّا الإشکال الأوّل فوارد.
وأمّا الثانی، فإنّه غیر واردٍ علی المحقق الخراسانی، لأنّه یري- کما فی باب
__________________________________________________
.402 / 146 ، محاضرات فی اصول الفقه 3 / 1) أجود التقریرات 2 )
. 205 و 206 / 2) محاضرات فی اصول الفقه 4 )
ص: 44
أن التعارض عبارة عن تنافی الدلیلین بالتناقض أو بالتضاد، إمّا بالذات وإمّا بالعرض. - «1» ( التعادل والتراجیح من (الکفایۀ
والتنافی بالذات بالتناقض، کأن یدلّ أحدهما علی الوجوب والآخر علی عدم الوجوب.
والتنافی بالتضادّ، کأن یدلّ أحدهما علی الوجوب والآخر علی الحرمۀ.
والتنافی بالعرض، کأن لا یکون بین الدلیلین أيتنافٍ بالذات، لکنْ یحصل بینهما من جهۀ دلیلٍ من خارج، کما لو دلّ أحدهما علی
وجوب صلاة الظهر فی یوم الجمعۀ والآخر علی وجوب الجمعۀ، فلا تنافی والجمع ممکن، لکنّ الإجماع علی عدم الفریضتین ظهر یوم
الجمعۀ یوجب التنافی بینهما.
والحاصل: إنه إذا کان هذا رأي صاحب (الکفایۀ) فی حقیقۀ التعارض، فالإشکال المذکور فی المبنی … لأنّه لا یري أن قوام مسألۀ
الاجتماع هو وجود الملاك للحکمین فی المجمع، فلو کان أحدهما فاقداً له دخل فی باب التعارض، ولیس مقصوده من هذا الکلام
عدم وجود الملاك لأحدهما فی جمیع موارد التعارض حتی یرد علیه الإشکال.
وأمّا الثالث: فمندفع کذلک، لعدم الدلیل علی حصر التعارض بمورد التعارض العرفی، بل الملاك تنافی الدلیلین، سواء کان بنظر
العرف العام أو بحسب الدقّۀ العقلیۀ.
وتلخص: انحصار الإشکال علی (الکفایۀ) بالإشکال الأوّل.
__________________________________________________
(1)
. 404 و 405 / محاضرات فی اصول الفقه 3
ص: 45
. الأمر التاسع (فی الکاشف عن الملاك …) ص: 45
اشارة
إنه قد عرفت أن المعتبر فی هذا الباب: أنْ یکون کلّ واحد من الطبیعۀ المأمور بها والمنهی عنها مشتملۀً علی :«1» قال فی الکفایۀ
مناط الحکم مطلقاً حتی فی حال الاجتماع.
فلو کان هناك ما دلّ علی ذلک من إجماع أو غیره فلا إشکال، ولو لم یکن إلّا إطلاق دلیلی الحکمین ففیه تفصیل، وهو:
إن الإطلاق لو کان فی بیان الحکم الإقتضائی، لکان دلیلًا علی ثبوت المقتضی والمناط فی مورد الاجتماع فیکون من هذا الباب. ولو
کان بصدد الحکم الفعلی فلا إشکال فی استکشاف ثبوت المقتضی فی الحکمین علی القول بالجواز- إلّاإذا علم إجمالًا بکذب أحد
الدلیلین، فیعامل معهما معاملۀ المتعارضین- وأمّا علی القول بالإمتناع، فالإطلاقان متنافیان، من غیر دلالۀ علی ثبوت المقتضی للحکمین
صفحۀ 48 من 265
فی مورد الإجتماع أصلًا…
وتوضیح کلامه: إنّ الکاشف عن وجود الملاك تارةً: هو دلیل خارجی من إجماعٍ أو غیره، واخري: لا دلیل إلّاإطلاق دلیل وجوب
الصّلاة وحرمۀ الغصب، فإنهما بإطلاقهما یشملان مورد الإجتماع ویکشفان عن وجود الملاك لهما فیه.
فإن کان الأول، فلا إشکال فی ثبوت الملاك، وکون البحث من هذا الباب.
وإن کان الثانی ففیه تفصیل.
وقبل أن نبیّن ذلک، نذکر رأي المحقق الخراسانی فی مراتب الحکم، فإنّه یري أن للحکم أربع مراتب:
الاولی: مرتبۀ المقتضی، وهی مرتبۀ وجود الملاك للحکم، وأنّ الحکم
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الاصول: 155 )
ص: 46
موجود فی مرتبۀ ملاکه، لأنّ کلّ مقتضی فهو موجود فی مرتبۀ المقتضی له.
الثانیۀ: مرتبۀ الإنشاء، فإنّه لمّا کان الملاك موجوداً، فإنّ الحاکم ینشئ الحکم- علی طبق الملاك- بالنسبۀ إلی موضوعه المقدَّر
الوجود، فهذه مرتبۀ جعل الأحکام بنحو القضیۀ الحقیقیّۀ.
الثالثۀ: مرتبۀ الفعلیّۀ، أيمرتبۀ وجود الموضوع بجمیع قیوده، فإنه حینئذٍ تتحقّق الفعلیّۀ للحکم ویحصل البعث أو الزجر من قبل المولی
علی المکلَّف.
الرابعۀ: مرتبۀ التنجّز ووصول الحکم إلی المکلّف.
فیقول المحقق الخراسانی: إنه إن کان الإطلاق فی مقام بیان الحکم الإقتضائی، بأنْ کان کاشفاً عن المرتبۀ الاولی یعنی وجود
الملاك لهذا الحکم فی مورد الاجتماع، فإذا کشف الإطلاق عن ذلک فلا حالۀ منتظرة.
وأمّا إنْ کان الإطلاق فی مقام بیان وجود الحکم الفعلی، یعنی وصول الحکم إلی مرتبۀ الفعلیّۀ، فإنْ قلنا بجواز الاجتماع بین الأمر
والنهی، فلا إشکال فی استکشاف ثبوت الملاك فی الحکمین، والصّلاة صحیحۀ، لوجود الملاك وقیام الدلیل علی جواز الإجتماع-
کما هو المفروض- أللّهم إلّاإذا علم بکذب أحد الدلیلین، فیعامل معهما معاملۀ المتعارضین. وإنْ قلنا بالامتناع فالإطلاقان متنافیان-
لامتناع صدقهما معاً علی المورد- من غیر دلالۀٍ لهما علی ثبوت الملاکین للحکمین، لأنّ انتفاء أحد المتنافیین کما یمکن أن یکون
لأجل المانع مع ثبوت المقتضی له، کذلک یمکن أن یکون لأجل انتفاء المقتضی، فلا کاشف عن وجود الملاك حتی یکون من
هذا الباب. اللّهم إلّاأن یقال: إن مقتضی التوفیق العرفی بین الدلیلین هو حملهما علی الحکم الإقتضائی لو لم یکن أحدهما أظهر فی
الدلالۀ علی الفعلیۀ، وإلّا فخصوص الظاهر منهما، فتتم الکاشفیۀ کذلک.
کان هذا توضیح مطلب المحقق الخراسانی فی الأمر التاسع.
ص: 47
الإشکال علی المحقق الخراسانی … ص: 47
بأنّ کون الحکم فی محلّ الاجتماع فعلیّاً تارةً واقتضائیاً اخري، غیر معقول، لأنّ الحکم قبل وجود :«1» فأشکل علیه فی المیرزا
موضوعه خارجاً یکون إنشائیاً ثابتاً لموضوعه المقدّر الوجود، وبعد وجود موضوعه یستحیل أنْ لا یکون فعلیّاً. وتبعه المحقق الخوئی
وشیخنا الأُستاذ فی هذا الإشکال.
صفحۀ 49 من 265
وحاصل الکلام هو: إن بلوغ الحکم إلی مرتبۀ الفعلیّۀ- وهی المرتبۀ الثالثۀ بناءً علی نظریّۀ المحقق الخراسانی- یتوقف علی وجود
موضوعه خارجاً بجمیع قیوده وشروطه، وعلیه، فلا یلازم أن یکون فعلیّاً حین الجعل والإنشاء الحقیقیّۀ لما تقرّر من أن الأحکام الشرعیۀ
مجعولۀ علی نحو القضایا الحقیقیّۀ … فما فی (الکفایۀ) من أن إطلاق کلٍّ من الدلیلین قد یکون لبیان الحکم الفعلی، غیر صحیح.
هذا بالنسبۀ إلی الدلالۀ علی الحکم الفعلی.
وأمّا بالنسبۀ إلی دلالۀ الدلیل علی الحکم الاقتضائی، ففیه: إن الحکم الإقتضائی غیر معقول، لأنّ الحکم- سواء کان مجعولًا اعتباریّاً
من الحاکم کما هو التحقیق، أو کان الإرادة أو الکراهۀ المبرزة- لا یمکن أن یتکفّل الملاك فی هذه المرتبۀ، لأنّ مرتبۀ الاقتضاء هی
مبدء الحکم، ومبدء الشیء لیس من مراتبه، إلّا فی الامور التکوینیۀ النار- مثلًا- مبدء للحرارة وهی موجودة بوجود النار.
والسبب فی ذلک: أن تأثیر الملاك وکون الحکم تابعاً له هو بمعنی أن الصّورة العلمیۀ للملاك تکون علّۀً فاعلیۀً للحکم، فالحاکم
عندما یري أن لهذا الفعل مصلحۀً لزومیۀ، فالصّورة العلمیّۀ لها تصیر علّۀً للحکم فینشئ الحکم علی
__________________________________________________
.147 -146 / 1) أجود التقریرات 2 )
ص: 48
طبقها، لا أنّ الحکم یترشح من الملاك حتّی یکون من قبیل المقتضی والمقتضی لیقال بوجود المقتضی مع المقتضی فی مرتبته.
هذا هو الإشکال الثبوتی.
فی مقام بیان الملاك، حتی یؤخذ بإطلاق الدلیل. نعم الدلیل الدالّ علی « لا تغصب » و « صلّ » وأمّا إثباتاً، فلأنه لا دلیل علی کون
الحکم الفعلی یکشف إنّاً- علی مسلک العدلیّۀ- عن وجود الملاك…
فتلخَّص: عدم تمامیّۀ کلام (الکفایۀ) فی کلا طرفیه.
. الأمر العاشر (فی ثمرة البحث …) ص: 48
اشارة
وقد ذکر فی هذا الأمر الصور المختلفۀ للبحث وثمرته فی کلّ منها.
فقال ما ملخّصه:
أمّا علی القول بالجواز: فلا إشکال فی حصول الامتثال وسقوط الأمر بالإتیان بالمجمع بداعی الأمر المتعلّق بالطبیعۀ، سواءً فی العبادات
والتوصلیات، أمّا فی التوصلیّات فواضح، لتحقّق الغرض من الأمر التوصّ لی بمجرّد تحقق المأمور به خارجاً، وأمّا فی التعبدیّات، فلأن
انطباق الطبیعۀ علی هذا الفرد قهري، فیکون الإجزاء عقلیّاً…
فلا إشکال حینئذٍ فی الصّلاة فی المکان المغصوب، کما لا إشکال فی ارتکاب الحرام، لمعصیۀ النهی عن التصرف فی مال الغیر بدون
إذنٍ منه.
وأمّا علی القول بالإمتناع:
تارةً یقال: بتقدّم جانب الوجوب. فلا إشکال فی حصول الامتثال وسقوط الأمر وعدم تحقق المعصیۀ، لکون العمل مصداقاً للمأمور به
دون المنهیّ عنه.
وتارةً یقال: بتقدّم جانب الحرمۀ، وهنا صور:
صفحۀ 50 من 265
ص: 49
-1 أن یکون ملتفتاً إلی الحرمۀ، وفی هذه الصورة لا یمتنع قصد القربۀ، ولا یکون العمل مصداقاً للمأمور به، فلا یحصل الامتثال به.
-2 أن یکون جاهلًا عن تقصیر، وفی هذه الصورة یکون العمل باطلًا، لأنّه- وإنْ کان المکلَّف یتقرَّب به، لجهله بالحرمۀ- عملٌ
مبغوضٌ للمولی، وهو لا یصلح لأن یقع حسناً ویحکم بصحته.
-3 أن یکون جاهلًا عن قصور، وفی هذه الصّورة یحکم بصحّۀ ال ّ ص لاة، لکونها واجدةً للملاك، فتصلح للتقرب، وهو متمکن من
القصد لأن جهله بالحرمۀ عن قصور لا تقصیر، فلا یقع الفعل منه قبیحاً، بل یکون مشتملًا علی المصلحۀ ومحصّلًا لغرض المولی وإنْ لم
یکن امتثالًا.
هذا کلّه إن کان العمل عبادیّاً کالصّلاة.
وأمّا إن کان توصلیّاً، فإن الأمر یسقط بمجرّد حصول المأمور به فی الخارج.
ثم قال رحمه اللَّه: مع أنه یمکن أن یقال بحصول الامتثال مع ذلک، فإن العقل لا یري تفاوتاً…
ویقصد من ذلک استدراك ما تقدَّم منه من أنّ هذا العمل صحیح من جهۀ اشتماله علی المصلحۀ وإنْ لم یکن امتثالًا للأمر، بناءً علی
تبعیّۀ الأحکام لِما هو الأقوي من جهات المصالح والمفاسد واقعاً، لا لما هو المؤثر منها فعلًا للحسن أو القبح، لکونهما تابعین لما علم
منهما کما حقق فی محلّه … فیقول:
إنه یمکن أن یقال بحصول الإمتثال- فی فرض الجهل بالحرمۀ قصوراً- حتی علی القول بتبعیّۀ الأحکام لجهات المصالح والمفاسد
واقعاً، لأن العقل لا یري تفاوتاً بین هذا الفرد من الفعل وبین سائر الأفراد فی الوفاء بالغرض من
ص: 50
الطبیعۀ المأمور بها (قال): ومن هنا انقدح أنه یجزي ولو قیل باعتبار قصد الامتثال فی صحّۀ العبادة وعدم کفایۀ الإتیان بها بمجرَّد
المحبوبیّۀ (قال): وبالجملۀ، مع الجهل قصوراً بالحرمۀ موضوعاً أو حکماً، یکون الإتیان بالمجمع امتثالًا وبداعی الأمر بالطبیعۀ لا محالۀ.
ثم قال:
غایۀ الأمر، أنّه لا یکون ممّا تسعه بما هی مأمور بها لو قیل بتزاحم الجهات فی مقام تأثیرها للأحکام الواقعیّۀ. وأمّا لو قیل بعدم التزاحم
إلّافی مقام فعلیّۀ الأحکام لکان ممّا تسعه وامتثالًا لأمرها بلا کلام.
وهذا منه استدراك آخر. یعنی: إنّ تصحیح العمل بالإتیان به بداعی الأمر بالطبیعۀ، إنما هو علی القول بتزاحم الملاکات فی مقام
تأثیرها فی الأحکام ووقوع الکسر والانکسار فیما بینها، فإنه بناءً علیه یکون المجمع مورداً للنهی، لأن المفروض تقدّمه من جهۀ کون
مناطه أقوي من مناط الأمر. وأمّا لو قیل بعدم التزاحم فیما بینهما إلّافی مقام فعلیّۀ الأحکام، لکان ممّا تسعه الطبیعۀ بما هی مأمور بها،
ولکان الإتیان بالمجمع امتثالًا للأمر المتعلَّق بالطبیعۀ بلا کلام، إذ بناءً علیه، لا تزاحم فی مقام الإنشاء بل هو فی مقام الفعلیّۀ،
والمفروض عدم فعلیۀ النهی، لأنه مع الجهل به قصوراً لا داعویۀ له، بل یکون الفعلی هو الأمر.
(قال): وقد انقدح بذلک الفرق بین ما إذا کان دلیلا الحرمۀ والوجوب متعارضین وقُدّم دلیل الحرمۀ تخییراً أو ترجیحاً حیث لا یکون
معه مجال للصحۀ أصلًا، وما إذا کانا من باب الإجتماع وقیل بالامتناع وتقدیم جانب الحرمۀ، حیث یقع صحیحاً فی غیر موردٍ من موارد
الجهل والنسیان، لموافقته للغرض بل للأمر.
إلی الثانی. « بل للأمر » : إلی الوجه الأول. وبقوله « للغرض » : وقد أشار بقوله
ص: 51
(قال): ومن هنا علم أن الثواب علیه من قبیل الثواب علی الإطاعۀ لا الانقیاد ومجرّد اعتقاد الطاعۀ.
والضّمیر علیه یعود إلی الإتیان بالمجمع.
صفحۀ 51 من 265
(قال): وقد ظهر ممّا ذکرناه وجه حکم الأصحاب بصحّۀ الصّلاة فی الدّار المغصوبۀ مع النسیان أو الجهل بالموضوع بل أو الحکم، إذا
کان عن قصور. مع أن الجلّ لولا الکلّ قائلون بالامتناع وتقدیم الحرمۀ، ویحکمون بالبطلان فی غیر موارد العذر. فلتکن من ذلک علی
.« ذکر
إشکال السید صاحب العروة علی القائلین بالجواز … ص: 51
وذهب صاحب (العروة) فی رسالته فی (اجتماع الأمر والنهی) إلی أنّ بتصحیح العمل بناءً علی الجواز- من باب أن انطباق الکلّی علی
عقلًا، لکنه موجود بینهما عرفاً ولا یرتفع بما « لا تغصب » و « صلّ » الفرد قهري والإجزاء عقلی- یرتفع التعارض فی مثال البحث بین
ذکر.
ولعلّ الوجه فی هذا الإشکال هو: إن إطلاق النهی شمولی وإطلاق الأمر بدلی، والبدلی مقدَّم فی مورد الاجتماع علی الشمولی،
فالصّلاة منهیٌّ عنها…
تخییري، فیجب الاجتناب فی مورد النهی عن جمیع الأفراد « صلّ » تعیینی، والأمر فی « لا تغصب » وقد عبَّر فی موضعٍ آخر: بأنْ النهی فی
والمصادیق، أمّا الأمر، فلا یجب علیه إلّاالإتیان بأحد أفراد المتعلَّق، وعند العرف یتقدّم الحکم التعیینی علی التخییري.
لو أنّ الناس أخذوا ما أمرهم اللَّه به » : وقوله علیه السلام « لا یطاع اللَّه من حیث یعصی » : وهذا مقتضی عدّةٍ من النصوص من قبیل
فأنفقوه فیما نهاهم عنه ما قبله منهم، ولو أنهم أخذوا ما نهاهم اللَّه عنه وأنفذوه فیما أمرهم اللَّه به ما قبله
ص: 52
.(2) « یا کمیل، انظر فیمَ تصلّی وعلی مَ تصلّی إنْ لم یکن مِن وَجهه وحلِّه فلا قبول » : وقال «1» « حتی یأخذوه من حق وینفذوه فی حق
جواب الُأستاذ … ص: 52
وقد تنظر الأُستاذ فی هذا الإشکال، بأنه إن کان مراده: تقدّم الإطلاق الشمولی علی البدلی فی مورد التعارض، ففیه: إنّه أوّل الکلام،
فمن العلماء من یقول فی مثله بعدم الترجیح بل التساقط … وهذا علی فرض تحقق التعارض کما هو واضح، ولکنْ لا تعارض هنا، لأنه
أمّا فی هذا المقام، فإن الموضوع- علی القول ،« لا تکرم الفاسق » و « أکرم عالماً » إنّما یکون مع وحدة الموضوع، کما فی المجمع بین
فلم یرد الإطلاقان علی الموضوع حتی یتحقق التعارض العرفی بینهما. ،« الغصب » غیر « الصّلاة » بالجواز- متعدّد، إذ
عقلی لا « ال ّ ص لاة » وإن کان مراده: کون أحدهما تعیینیّاً والآخر تخییریاً، والأوّل هو المقدّم عرفاً. ففیه: إن التخییر فی متعلَّق الأمر أي
شرعی، فإنها واجبۀ بالوجوب التعیینی، غیر أنّ العقل یري کون المکلَّف مخیّراً فی إیقاع هذا الفرد من الصلاة أو ذاك، فی المسجد أو
فی الدار، لکون المتعلَّق للأمر هو الطبیعی، وکلّ واحدٍ من أفراده مصداق له ومحقّقٌ للإمتثال … فکبري دوران الأمر بین التعیین
والتخییر وتقدّم الأوّل غیر منطقبۀ علی محلّ البحث…
هذا، مضافاً إلی ما تقدَّم من تعدّد الموضوع بناءً علی الجواز، والتعارض إنّما یکون مع وحدة الموضوع والمتعلّق لا تعدّده … لأن
انضمامی ولیس اتحادیّاً … وکون المجمع بنظر العرف « الغصبیۀ » و « الصّلاة » المفروض أن الترکیب بین
__________________________________________________
. 119 ، کتاب الصّلاة، الباب 2 من أبواب حکم الصّلاة فی المکان والثوبالمغصوب، رقم 1 و 2 / 1) (و 2) وسائل الشیعۀ 5 )
ص: 53
صفحۀ 52 من 265
شیئاً واحداً مسامحۀ منه، وقد تقرّر فی محلّه أنْ لا تسامح فی تطبیق موضوعات الأحکام الشرعیۀ وأنه لا مرجعیّۀ للعرف إلّافی مفاهیم
الألفاظ.
وعلی الجملۀ، فإن التعارض هو تنافی الدلیلین بالتضاد أو التناقض، وهو فرع وحدة الموضوع، فإذا تعدّد استحال التنافی.
لأنّ مورده صورة اتّحاد الموضوع لا تعدّده، وقد عرفت التعدّد ،« لا یطاع اللَّه من حیث یعصی » وبما ذکرنا یظهر ما فی الاستدلال بمثل
بناءً علی القول بالجواز. وأمّا روایۀ خطاب کمیل فمن أخبار کتاب تحف العقول، وهی فی کتاب بشارة المصطفی مسندة لکنها
ضعیفۀ السند جدّاً…
أمّا بناءً علی المغایرة بینهما ،« الإجزاء » بمعنی « القبول » وروایۀ الإنفاق مرسلۀ، أمّا من حیث الدلالۀ، فهی دالّۀ علی مدّعی السیّد لو کان
والقول بسقوط الإعادة والقضاء رغم عدم قبول العمل، فلا یتم استدلاله بها … ومقتضی التتبّع والدقۀ هو هذا الوجه، لأنّ قوله تعالی
«1» « إِنَّما یَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقینَ »
- مثلًا- لا ینافی صحّۀ العمل من غیر المتّقی إنْ وقع علی وجه الصحّۀ … وکذا فی الأخبار الواردة فی أبواب قواطع الصلاة، کالخبر
مع أن الصّلاة الواجدة للأجزاء والشرائط منهما صحیحۀ بلا کلام. «… 2» الدالّ علی عدم قبول صلاة المرأة الناشزة والعبد الآبق
وتلخّص: أن الحقّ عدم ورود الإشکال بناءً علی الجواز کما فی (الکفایۀ).
إشکال المحاضرات علی الکفایۀ … ص: 53
وقد أورد فی (المحاضرات) علی (الکفایۀ) بعدم صحّۀ قوله بالصحّۀ علی
__________________________________________________
. 1) سورة المائدة: الآیۀ 27 )
. 348 ، الباب 27 باب استحباب تقدیم من یرضی به المأمومون، الرقم: 1 / 2) وسائل الشیعۀ 8 )
ص: 54
القول بالجواز، لعدم خلوّ الأمر من حالین، فإمّا توجد مندوحۀ وإمّا لا، فإنْ وجدت صحّت ال ّ ص لاة بلا إشکال علی الجواز، وإنْ فقدت
وقع التزاحم، فإنْ رجّ ح جانب الأمر فالصحّۀ، وإنْ رجّ ح جانب النهی فالفساد إلّابناءً علی الترتب، لکن صاحب (الکفایۀ) لا یري
الترتّب، أو بناءً علی قصد الملاك، وتصحیح العمل عن هذا الطریق یتوقف علی وجود الأمر لیکشف عن الملاك، ومع تقدّم النهی لا
یوجد أمر فلا کاشف عنه، فکیف یقصد؟
.«1» إذن، لا وجه لقول (الکفایۀ) بالصحۀ بناءً علی الجواز، بصورةٍ مطلقۀ، بل لابدّ من التفصیل
جواب الُأستاذ … ص: 54
وقد دفع الأُستاذ الإشکال علی کلا التقدیرین فقال:
لقد أوضح المحقق الخراسانی فی الأمر الخامس- من هذه المقدّمات- أن مبنی البحث فی مسألۀ الاجتماع هو لزوم التکلیف المحال
وعدم لزومه، لا لزوم التکلیف بالمحال وعدم لزومه … واعتبار وجود المندوحۀ وعدم اعتبارها إنما یکون فیما لو کان المبنی هو
الثانی.
وبعبارة اخري، تارةً: یبحث عن جواز أصل التکلیف وعدم جوازه، واخري: یبحث عن فعلیۀ التکلیف وعدم فعلیّته، وقضیۀ وجود
صفحۀ 53 من 265
المندوحۀ وعدم وجودها تطرح فی البحث عن الفعلیّۀ، لأنّه مع عدم وجودها یکون تکلیفاً بالمحال، لعدم القدرة علی الامتثال … لکنّ
موضوع البحث فی مسألۀ الاجتماع هو أصل التکلیف لا فعلیّته…
فهذا ما صرَّح به وغفل عنه المستشکل.
__________________________________________________
.431 / 1) محاضرات فی اصول الفقه 3 )
ص: 55
کما أنّه قد غفل عن کلامه فی لزوم وجود الملاك لکلا الحکمین حتی یندرج البحث فی مسألۀ الاجتماع، وأنه لولا ذلک کان من
التعارض … فهو یؤکّد علی ضرورة وجوده لکلیهما وتطبیق قاعدة التزاحم علیهما، وحینئذٍ، فلو قدّم النهی علی الأمر لسقط الأمر علی
أثر التزاحم، لکنَّ مزاحمته للنهی ثم سقوطه لأقوائیۀ ملاك النهی فرع لوجود الملاك له- أيللأمر-، فیکون الأمر کاشفاً عن وجود
الملاك له، وهذا لا ینافی سقوطه علی أثر التزاحم.
وعلی الجملۀ، فقد وقع الخلط علی المستشکل بین السقوط لعدم المقتضی ولوجود المانع، وکلّما یکون السقوط لوجود المانع فإنه
یکشف عن وجود الملاك له، وإلّا لم تصل النوبۀ إلی التزاحم والسقوط علی أثر أقوائیۀ الملاك فی الطرف الآخر.
فظهر سقوط الإشکال علی المحقق الخراسانی.
. وجه الفتوي بصحۀ الصّلاة مع القول بالامتناع … ص: 55
اشارة
ثم إنّ المحقق الخراسانی، بعد أنْ بیّن الحکم علی القول بالجواز، قسّم المکلّف- بناء علی الامتناع- إلی أقسامٍ، وحاول توجیه فتوي
المشهور بصحّۀ الصّلاة فی المکان المغصوب من الجاهل عن قصورٍ إذ قال: وقد ظهر بما ذکرناه وجه حکم الأصحاب بصحّۀ الصّلاة
فی الدار المغصوبۀ مع النسیان أو الجهل بالموضوع بل أو الحکم، إذا کان عن قصور، مع أنّ الجلّ- لولا الکلّ- قائلون بالامتناع
وتقدیم الحرمۀ…
وقد صحّحها بثلاثۀ وجوه:
أحدها: عن طریق قصد الملاك، لأن المفروض واجدیّتها، بناءً علی کفایۀ قصده فی عبادیۀ العمل.
ص: 56
والثانی: عن طریق قصد الإمتثال والطاعۀ، فإنّه یکفی لعبادیّۀ العمل وإنْ قیل بعدم کفایۀ قصد الملاك، فکلّ عبادةٍ جامعۀٍ للأجزاء
والشرائط المعتبرة فیها، یصحّ التقرّب بها بقصد إطاعۀ الأمر المتعلّق بها، وهذا القصد یتمشّی من الجاهل عن قصورٍ بالموضوع والحکم.
والثالث: عن طریق القول بأن لوصول الملاك إلی المکلّف دخلًا فی حسن الفعل أو قبحه، فالمؤثر هو الملاك بوجوده العلمی لا
الواقعی، وعلی هذا، فلمّا کانت مصلحۀ ال ّ ص لاة واصلۀً فهی مأمور بها، أمّا مفسدة الغصب، فالمفروض عدم وصولها- للجهل
القصوري- فلا أثر لها وإنْ قدّم النهی، لأنّ تقدیمه إنما هو بحسب الواقع، وهو بلا أثر کما تقدم.
إشکال السید البروجردي علی الکفایۀ … ص: 56
صفحۀ 54 من 265
بأنّ مقتضی التحقیق هو القول بدوران الأمر مدار الجهل والنسیان عن قصور، فإنه إن کان کذلک :«1» وقد أشکل السید البروجردي
حکم بصحۀ الصّلاة، علی القول بالجواز والامتناع معاً، وإن کان عامداً أو جاهلًا مقصّراً حکم ببطلانها علی القولین معاً … وذلک: لأنّ
ال ّ ص لاة فی المکان المغصوب قد ابتلی ملاکها بالمبغوضیّۀ، وکلّ عملٍ مبغوض فهو غیر قابلٍ للمقربیّۀ، إلّاإذا کان جاهلًا عن قصورٍ
لکون صلاته صالحۀ للمقرّبیۀ، سواء قلنا بالجواز أو بالامتناع (… قال) ویشهد بذلک ذهاب القائلین بالجواز إلی بطلان العمل العبادي
إلّامن الجاهل القاصر لأنه معذور.
مناقشۀ الُأستاذ … ص: 56
إنه لابدَّ من تعیین الأساس فی وجه القول بالجواز، فإنْ کان مجرّد تعدّد
__________________________________________________
.401 / 1) الحاشیۀ علی الکفایۀ 1 )
ص: 57
العنوان والوجه مع وحدة الوجود والواقع، صحّ ما ذکره من الابتلاء بالمبغوضیّۀ، أمّا إن کان الأساس فی ذلک تعدّد الوجود، بمعنی أنّ
متعلَّق الأمر غیر متعلّق النهی- کما هو التحقیق- فلا مبغوضیۀ لمتعلَّق الأمر، بل یبقی علی محبوبیّته وصلاحیّته للمقربیّۀ، غیر أنّه جاء
مقارناً للمبغوض وتوأماً له، کما لو وقع النظر إلی الأجنبیۀ فی أثناء ال ّ ص لاة، وکما لو وقعت ال ّ ص لاة ملازمۀً لترك الأهم- وهو إنقاذ
الغریق مثلًا- فإنّها بناءً علی الترتّب صحیحۀ وصالحۀ للمقرّبیۀ. والوجه فی جمیع هذه الموارد هو تعدّد الوجود.
هذا بناءً علی الجواز.
وأمّا علی الامتناع، فإنّ القائلین به ینکرون التعدّد، فمع تقدیم جانب النهی لا یکون العمل صالحاً للمقرّبیّۀ، نعم، الجاهل عن قصورٍ
معذور، إلّاأن معذوریّته أمر وصلاحیّۀ العمل للمقربیّۀ أمر آخر، وقد تقرّر فی محلّه اشتراك الأحکام بین العالمین والجاهلین، والجهل
غیر رافع للمبغوضیۀ واقعاً بل ظاهراً- بخلاف النسیان، فإن رفع الحکم معه واقعی، إلّاأن الکلام لیس فی النسیان- فالمبغوضیّۀ موجودة،
فکیف یحکم بالصحّۀ؟
وأما دعوي أنّ القائلین بالجواز أیضاً یقولون بالبطلان هنا، فمردودة: بأنها خلاف صریح کلمات الفقهاء … فلاحظ منها کلام الشهید
.«1» الثانی فی روض الجنان فی هذه المسألۀ
هذا، والفرق بین ال ّ ص لاة فی المکان والساتر المغصوب، هو أنّ من شرائط صحۀ الصّلاة إباحۀ اللّباس، فهی فی اللّباس المغصوب فاقدة
للشرط، أمّا فی المکان المغصوب، فالتفصیل بین القول بالجواز والقول بالامتناع.
__________________________________________________
.587 / 1) روض الجنان فی شرح إرشاد الأذهان 2 )
ص: 58
إشکال السید الخوئی علی الکفایۀ … ص: 58
وأشکل فی (المحاضرات) بعد الإشکال علی ما ذکر فی (الکفایۀ) بناءً علی الجواز، بعدم تمامیۀ کلامه بناءً علی الامتناع أیضاً، لأنه
علی القول بذلک وتقدیم جانب النهی، تدخل المسألۀ فی کبري باب التعارض وتجري علیه أحکامه ولا تکون من صغریات التزاحم
صفحۀ 55 من 265
کما ذهب إلیه. (قال): ویمکن المناقشۀ علی وجهۀ نظره أیضاً، لأنه یرید تصحیح العمل بقصد الملاك، لکنّ قصد الملاك إنّما یکون
مقرّباً فیما إذا لم یکن مزاحماً بشیء، ولا سیّما إذا کان أقوي منه کما هو المفروض فی المقام، وأما الملاك المزاحم فلا یترتب علیه
أيّ أثر ولا یکون قصده مقرباً بناءً علی ما هو الصحیح من تبعیۀ الأحکام للجهات الواقعیۀ لا الجهات الواصلۀ، والمفروض أن ملاك
الوجوب مزاحم بملاك الحرمۀ فی مورد الاجتماع، فلا یصلح للمقربیۀ … فلا یمکن الحکم بصحۀ العبادة علی القول بالامتناع، لا من
.«1» ناحیۀ الأمر وانطباق المأمور به علی الفرد المأتی به، ولا من ناحیۀ الملاك
جواب الُأستاذ … ص: 58
وأجاب الأُستاذ: بأنْ دخول المسألۀ علی الفرض المذکور فی کبري التعارض هو الصحیح وفاقاً للشیخ الأعظم، کما سیأتی بالتفصیل.
لکنّ الإیراد علی صاحب (الکفایۀ) بناءً علی مسلکه من کونها من باب التزاحم، غیر وارد، لأنه قد جعل قوام اجتماع الأمر والنهی
وجود الملاك لکلٍّ من الدلیلین، وقوام باب التعارض عدم وجوده فی أحدهما، وعلی هذا لا یتوجّه علیه الإشکال إلا من حیث
المبنی.
__________________________________________________
.437 -436 / 1) محاضرات فی اصول الفقه 3 )
ص: 59
إشکال آخر … ص: 59
وأشکل فی (المحاضرات) ایضاً: بأنّه لمّا کان تصحیح العبادة- علی القول بالامتناع- من طریق قصد الأمر أو الملاك، فإنّه مع تقدیم
جانب النهی یسقط الأمر، وإذا سقط فلا طریق لإحراز الملاك، لوضوح أنّ عدم انطباق الطبیعۀ علی هذا الفرد کما یمکن أنْ یکون
من ناحیۀ وجود المانع مع ثبوت المقتضی له، یمکن أن یکون من ناحیۀ عدم المقتضی له، فالعقل لا یحکم- حینئذٍ- بحصول الامتثال
بالإتیان بالمجمع.
والجواب … ص: 59
لقد تعرّض صاحب (الکفایۀ) فی المقدمۀ التاسعۀ لهذا المطلب وأوضحه، بما حاصله: إنّ باب اجتماع الأمر والنهی متقوّم بوجود
الملاك لکلا الدّلیلین، فإن لم یحرز وجوده لأحدهما کانت المسألۀ من باب التعارض، والکاشف عن الملاك تارة دلیل من خارج
واخري هو الإطلاق، فإن کان الإطلاقان فی مقام بیان الحکم الاقتضائی احرز الملاك، وإن کانا فی مقام بیان الحکم الفعلی خرجت
المسألۀ إلی باب التعارض- لعدم إمکان توجّه الحکمین الفعلیین إلی الشیء الواحد- وإذا رجّح طرف النهی وسقط الأمر، أمکن أن
یکون سقوطه من جهۀ عدم الملاك، کما أمکن أن یکون من جهۀ الابتلاء بالمعارض.
فما جاء فی الإشکال مذکور فی (الکفایۀ)، ولیس بشیء جدید.
إشکال الُأستاذ علی الکفایۀ … ص: 59
صفحۀ 56 من 265
ثم قال الأُستاذ: بأن الصحیح فی الإشکال علی (الکفایۀ) هو أن یقال: إنّه مع تسلیم کون المسألۀ من باب الاجتماع، فإنّ ملاك
الوجوب- بناءً علی الامتناع وتقدیم النهی علی الأمر- یکون مغلوباً لملاك النهی، وإذا تغلّب ملاك النهی کان
ص: 60
العمل مبغوضاً، وقد تقدّم أن العمل ما لم یکن محبوباً للمولی لا یصلح للمقربیّۀ، وبما ذکرنا یظهر عدم إمکان تصحیحه بالإتیان به
بقصد الملاك، لأنّ مجرّد وجود المصلحۀ فی الصلاة لا یکفی للمقربیّۀ، بل المقرّب هو العمل المأتی به بما هو محقق لغرض المولی،
ومع غلبۀ جانب الغصبیّۀ لا یکون ملاك ال ّ ص لاتیۀ المغلوب غرضاً، لأن الغرض یتبع الملاك الغالب، وإذا انعدم الغرض فلا ملاك
للمقربیّۀ.
ومع التنزّل عمّا ذکرنا، تصل النوبۀ إلی الشک، فهل مثل هذا الملاك الذي أصبح مغلوباً للمفسدة صالحٌ للمقربیّۀ أو لا؟
وأمّا تصحیحه بقصد الأمر، فهو علی أساس أنّ التزاحم بین الملاکات إنما هو بحسب وصولها إلی المکلَّف وعلمه بها والتفاته إلیها،
والمفروض هنا جهل المکلَّف بالنهی عن قصورٍ لا تقصیر، فیتمشی منه قصد الأمر المتعلِّق بطبیعۀ ال ّ ص لاة … لکن هذا الأساس باطل،
لأن الأحکام تابعۀ للملاکات الواقعیۀ، ولا دخل لعلم المکلَّف وجهله فی تمامیۀ الملاك وعدمها، تمامیّته وإلّا یلزم التصویب، لأنه لو
کانت الفعلیۀ تابعۀً للوصول، فعلی القول بالامتناع وتقدیم جانب النهی، غیر واصلٍ إلی الجاهل، بل الأمر هو الواصل إلیه، فالمجمع
مأمور به، وهذا هو التصویب.
والحاصل: إن الملاکات الواقعیۀ مؤثرة، ومع تقدیم جانب النهی- وإنْ لم یکن واصلًا- ینتفی الملاك عن الصّلاة، وبه ینتفی الأمر، فلا
یمکن تصحیحها بقصد الأمر … ویکون العمل باطلًا.
ص: 61
أدلّۀ القول بالامتناع