گروه نرم افزاری آسمان

صفحه اصلی
کتابخانه
جلد چهارم
المقصد الخامس المطلق والمقید … ص: 375







اشارة
ص: 377
. تعریف المطلق … ص: 377
:«1» ( قال فی (الکفایۀ
عرّف المطلق بأنّه ما دلّ علی شائع فی جنسه.
وقد أشکل علیه بعض الأعلام بعدم الإطراد أو الإنعکاس، وأطال فی النقض والإبرام.
وقد نبّهنا فی غیر مقام علی أنّ مثله شرح الاسم…
أقول:
إن ما ذکره رحمه اللَّه هو الصحیح، فالأولی الإعراض عن التعاریف المذکورة للإطلاق والتقیید، لکنّ المهمّ الذي لم ینبّه علیه صاحب
(الکفایۀ) هو:
إنّ هذا البحث بحثٌ معنويٌ ولیس بلفظی، لأنّ موضوع البحث فی باب الإطلاق والتقیید هو شمولیّۀ مفهوم المطلق وأنه هل هو
بالوضع أو بمقدّمات الحکمۀ؟
.« المقیَّد » ولفظ « المطلق » هذا هو الموضوع، فلا علاقۀ له بمفهوم لفظ
فالبحث یدور عن أنّ اسم الجنس لمّا یقع موضوعاً لحکمٍ من ،« اسم الجنس » هذا، وعمدة ما یقع موضوعاً لبحث المطلق والمقید هو
الأحکام الشّرعیۀ هل یُقصد منه الإرسال والشمول والسّریان أو لا؟ وإذا کان کذلک، فهل هو
__________________________________________________
صفحۀ 222 من 265
. 1) کفایۀ الاصول: 243 )
ص: 378
بالوضع أو بمقدّمات الحکمۀ؟
ومن ذلک یظهر أنّ المراد من لفظی الإطلاق والتقیید- فی البحث- هو المعنی اللّغوي فیهما.
. مقدّمات … ص: 378
اشارة
ولابدّ من بیان امورٍ قبل الورود فی البحث:
الأمر الأول: إنّ المعنی المبحوث عنه فی الباب له أقسام، فهو إمّا حرفی وإمّا اسمی.
أمّا المعنی الحرفی، فإنه إنما یدخل فی البحث، بناءً علی کون الوضع فیه عامّاً والموضوع له عام، وأمّا بناءً علی کون الموضوع له
خاصّاً وأنه جزئی حقیقی، فإنّ الجزء الحقیقی لا یقبل التوسعۀ والتضییق، نعم، هو قابل لبحث الإطلاق والتقیید بمعنی آخر مطروح فی
بحث الواجب المشروط.
وأمّا المعنی الاسمی، فهو ترکیبی وأفرادي.
أمّا الترکیبی، کما فی الجُمل، حیث یبحث عن أنّ إطلاق صیغۀ الأمر هل یقتضی العینیّۀ والنفسیّۀ والتعیینیّۀ أو لا؟ والجملۀ الشرطیۀ هل
یقتضی إطلاقها الإنتفاء عند الإنتفاء أو لا؟
وهذا القسم خارج عن البحث، لأنّ الدلالۀ علی الإطلاق والتقیید فیه إنما یکون علی أثر الخصوصیّات المأخوذة فی الکلام، کما یقال:
.« الواو » والإطلاق فی مقابل « أو » الإطلاق فی مقابل
وأمّا الأفرادي، فهو إمّا علم للشّخص وإمّا علم للجنس.
مثلًا أحوالًا کثیرة، من القیام والقعود والصحّۀ والمرض والغنی والفقر… « زید » لکنّ الإطلاق والتقیید فی علم الشخص أحوالی، فإنّ ل
لکنّ الخلاف
ص: 379
وغیره- کما سیأتی- غیر آتٍ فی الإطلاق الأحوالی، نعم، یکون هو المرجع فی «1» المشهور فی حقیقۀ الإطلاق بین سلطان العلماء
المسائل الفقهیۀ، وهذا أمر آخر.
فتبیَّن: أن موضوع البحث ومورد النقض والإبرام هو علم الجنس کالإنسان ونحوه.
فالحاصل: إن موضوع البحث هو المعنی الاسمی الأفرادي لا الأحوالی.
الأمر الثانی: إنه لمّا کان دخول اللّابشرطیّۀ وعدمه فی حیّز المعنی مورد البحث بین الأعلام کما سیأتی، فلابدَّ من فهم معنی البشرط
واللّابشرط فی موارد استعمال هذین الإصطلاحین وغیرهما فی کلماتهم، فنقول:
لقد استعمل هذه الاصطلاحات فی ثلاثۀ موارد:
الأول: الوجود
.« بشرط » و « لا بشرط » و « بشرط لا » : فقد قسّموا الوجود إلی
فقالوا: بأنّ الأوّل هو وجود الباري عز وجل، فهو وجود بشرط لا عن جمیع الحدود، لأنه وجود مجرَّد عنها، لأن الحدود تنشأ من
الماهیۀ ولا ماهیّۀ هناك.
صفحۀ 223 من 265
والثانی هو: الوجود المنبسط والإضافۀ الإشراقیۀ والرحمۀ الواسعۀ الحسینیۀ وکنْ البسیطۀ، وهذا الوجود فعل الباري، ویعبَّر عنه فی
العرفان بالاسم الأعظم.
والثالث: هو الوجود المضاف إلی الماهیّات، کوجود الإنسان.
الثانی: الجنس والفصل.
أي: اللّابشرط والبشرط لا فی باب الحمل، وذاك أنّ الموجودات الخارجیّۀ
__________________________________________________
. 1) هو: السید الأجل الحسین بن رفیع الدین محمّد الحسینی الآملی الإصبهانی المتوفیسنۀ 1064 )
ص: 380
ذات الآثار، کالإنسان والبقر وغیرهما، لها جهۀ اشتراك تصدق علی أنواع مختلفۀ وجهۀ اختصاص کالحیوانیۀ والناطقیۀ. فالحیوان-
وقابلًا للحمل فتقول: الإنسان حیوان، والبقر حیوان وهکذا. وکذلک الجهۀ « جنساً » مثلًا- إنْ لوحظ لا بشرط عن قابلیّۀ الحمل کان
.« فصلًا » الاختصاصیّۀ، فإنْها إذا لوحظت لا بشرط عن قابلیّۀ الحمل والاتّحاد مع الجنس کانت
ولو لوحظ الجنس والفصل بلحاظ البشرط لا عن الحمل، لم یقبل الفصل لأنْ یحمل علی الجنس، وفی هذه الحالۀ یعبّرون عن الجنس
بالمادّة وعن الفصل بالصّورة.
الثالث: الأوصاف والضمائم الخارجۀ عن الذات.
أي: إنّ الماهیّۀ قد تلحظ بالنسبۀ إلی الوصف الخارج عن الذات لا بشرط، وقد تلحظ بشرط لا، وقد تلحظ بشرط.
فالرقبۀ عندما تلحظ بالقیاس إلی الإیمان، فتارة تلحظ بشرطه فتکون مقیَّدة به، وقد تلحظ بشرط لا عنه فتکون مقیَّدة بعدمه، وقد تلحظ
لا بشرط، فهی ماهیّۀ غیر مقیَّدة لا بهذا ولا ذاك. وکذلک الإنسان بالنسبۀ إلی العلم.
فهذه ثلاثۀ اعتبارات بالنسبۀ إلی ما هو خارج عن الذات.
إذا عرفت ذلک، فاعلم بأنَّ:
مدار البحث فی علم الاصول- فی باب المطلق والمقیَّد- هو هذا المورد الثالث، وهو اللّابشرطیۀ فی الماهیّات … فوقع الکلام بینهم فی
مثلًا، وأنْ معناه هو الذات اللّابشرط عن وجود الإیمان وعدمه، أو « الرقبۀ » أنّ هذه اللّابشرطیّۀ داخلۀ فی حریم المعنی الموضوع له لفظ
أنْ هذا اللّفظ موضوع للذات، وحیثیّۀ اللّابشرطیۀ المذکورة خارجۀ عن المعنی الموضوع له، ومستفادة من القرینۀ
ص: 381
.« مقدّمات الحکمۀ » المعبَّر عنها ب
قال المشهور بالأول، وقال سلطان العلماء بالثانی وتبعه من تأخّر عنه.
کلام الکفایۀ … ص: 381
إن اسم الجنس- سواء کان جوهراً أو عرضاً أو عرضیّاً- موضوع للماهیّۀ المهملۀ. :«1» ذکر فی (الکفایۀ) ما حاصله
وبیان ذلک: إنّ اللفظ الموضوع للماهیّۀ- سواءً کانت جوهراً من الجواهر کالإنسان، أو عرضاً من الأعراض کالبیاض، أو عرضیّاً-
کالفوقیّۀ والتحتیۀ ونحوهما من المعانی الانتزاعیۀ القائمۀ بمنشأ انتزاعها، وکالمعانی الاعتباریۀ کالزوجیّۀ والملکیّۀ ونحوهما- لا یفید
سوي المعنی الموضوع له، فالموضوع له اسم الجنس فی الموارد المذکورة هو نفس المفهوم من اللّفظ ولا شیء آخر معه، وهذا هو
المقصود بالماهیّۀ المهملۀ.
قال: فهذه الماهیّۀ، قد تلحظ بشرطٍ، کأنْ تلحظ بشرط وجود شیء کالإرسال مثلًا، أو بشرط عدم شیءٍ، وقد تلحظ لا بشرطٍ من وجود
صفحۀ 224 من 265
شیء أو عدمه … وکلّ ذلک خارج عن ذات الماهیّۀ الموضوع لها اللّفظ، لأنّه لو کان موضوعاً للماهیّۀ بشرط، لزم أنْ یکون إطلاق
اللفظ علیه مجرّدةً من الشرط إطلاقاً مجازیّاً. هذا أولًا. وثانیاً: فإنّ اللفظ لو کان موضوعاً للماهیّۀ بشرط الإرسال- مثلًا- لم ینطبق علی
لیس « کلّ عالم » لکنّ معنی « زیداً » یشمل « أکرم کلّ عالم » : الفرد، نعم، یشمل الفرد لکن الشمول له غیر الإطلاق علیه، لأنّ قولنا
فیلزم أنْ یکون مثل هذا الإطلاق مجازیّاً. ،« زیداً »
وکذا الکلام فیما لو کان اللّفظ موضوعاً للماهیّۀ اللّابشرط، أيالماهیّۀ التی
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الاصول: 243 )
ص: 382
لم یلحظ معها أيّ شیء آخر، فإنّها لیست المفهوم الموضوع له اللّفظ، لأنّ مثل هذه الماهیّۀ کلّی عقلیّ، والکلّی العقلی موطنه الذهن،
ولا یقبل الإنطباق علی الخارج، فلو ارید استعماله فی الخارج لزم المجاز کذلک.
فی کلامه علی ما ذکر خلاف الاصطلاح المعروف، وهو المتّصف « العرضی » هذا خلاصۀ کلامه قدس سرّه. ولا یخفی أن إطلاق
علی الوجود الذهنی اصطلاح خاصٌّ ب (الکفایۀ)، لأن المصطلح « الکلّی العقلی » بالعرض، کالأبیض المتّفق بالبیاض. کما أن إطلاق
المعروف فیه هو الماهیّۀ للکلّی کالإنسان مثلًا.
لکنّ المهمّ فی کلامه ما ذهب إلیه من أن الموضوع له اسم الجنس إنّما هو عبارة عن الماهیّۀ المهملۀ، فی مقابل الماهیۀ بشرطٍ- ولو
کان الشرط هو العموم والإرسال- والماهیّۀ لا بشرط، أيالتی لم یلحظها معها أيّ شیء آخر، وقد جعل هذه الماهیّۀ اللّابشرط القسمی.
کلام المیرزا … ص: 382
إن الماهیّۀ: :«1» وقال المیرزا فی اعتبارات الماهیۀ ما ملخّصه
قد تلحظ بشرط لا عن جمیع الأوصاف والأعراض، مجرّدةً عن کلّها، فتکون کلیّاً عقلیّاً لا یقبل الانطباق علی الخارج، لأنّ کلّ ما فی
الخارج فهو مقترن بشیء من الأعراض والأوصاف.
وقد تلحظ مقترنۀً بشیء من الأعراض والأوصاف الموجودة فی الخارج، سواء کان الوصف وجودیّاً أو عدمیّاً، فتکون ماهیّۀً بشرط
شیء.
وقد تلحظ لا بشرط عن البشرط والبشرط شیء، أيعن التجرّد عن الأوصاف والاتّصاف بوصفٍ وجوديّ أو عدمیّ، وهذا هو اللّابشرط
القسمیّ
__________________________________________________
.421 / 1) أجود التقریرات 2 )
ص: 383
وهذا هو المراد من (المطلق) فی بحث الإطلاق والتقیید فی علم الاصول … وهو الکلّی الطبیعی، لأنّ الکلّی الطبیعی ما یصحّ صدقه
علی ما فی الخارج، وإمکان الصّدق علیه إنما یکون ما لم تلحظ الماهیۀ مجرّدةً عن الخصوصیّات، وما لم تلحظ مقترنۀً بشیء منها.
فحاصل کلام المیرزا:
وهو المقابل للماهیّۀ بشرط لا وبشرط شیء، فهو قسیمٌ لهما. « اللّابشرط القسمی » عبارة عن « المطلق » أوّلًا: إن
.« الکلّی الطبیعی » وثانیاً: إنّ هذه الماهیۀ یمکن أن تصدق علی ما فی الخارج، فهی
وبذلک ظهر أنّ القول بأنّ الکلّی الطبیعی لا بشرط مقسمی، باطلٌ، لأنَّ اللّابشرط المقسمی ما یکون مقسماً بین الماهیۀ بشرط لا-
صفحۀ 225 من 265
أيالکلّی العقلی- والبشرط شیء، واللّابشرط القسمی- أيالکلّی الطبیعی- ومعنی کونه مقسماً أن یصحّ اتّحاده مع کلّ قسمٍ من
أقسامه، وکیف یتّحد ما یقبل الصّدق علی ما فی الخارج وهو الکلّی الطبیعی مع ما لا یقبل الصّدق علیه وهو الکلّی العقلی؟
کلام الإصفهانی … ص: 383
إنّ الماهیّۀ المهملۀ هی الماهیّۀ التی تلحظ بذاتها وذاتیّاتها، ولا یتجاوز اللّحاظ عن ذلک إلی :«1» وقال المحقق الإصفهانی ما حاصله
أیضاً غیر « دون غیره » دون غیره، بحیث أنّ « الحیوان الناطق » شیء آخر حتی عدم لحاظ الشیء الآخر، بأنّ یلحظ فی ماهیّۀ الإنسان
.« لیست إلّاهی من حیث هی » وهی التی « الماهیّۀ المهملۀ » داخل فی الذات الملحوظۀ، فهذه هی
__________________________________________________
(1)
.490 / نهایۀ الدرایۀ 2
ص: 384
وإذا لوحظت الماهیۀ بهذا اللّحاظ، کانت مجرّدةً من الوجود- الذهنی والخارجی- ومن العدم، إذ لیس مورد اللّحاظ إلّاالذات، ولا
مانع من ارتفاع النقیضین فی مرتبۀ الذات … فالإنسان فی مرتبۀ الذات لا موجود ولا معدوم.
فإنْ لوحظت ماهیّۀ الإنسان- مثلًا- بالقیاس إلی خارج الذات، انقسمت إلی الاعتبارات الثلاثۀ، وهی البشرط واللّابشرط والبشرط لا،
لأنّ تلک الخصوصیّۀ التی لوحظت الماهیّۀ بالإضافۀ إلیها، قد تقترن بالماهیّۀ فیکون بشرط شیء، وقد یعتبر عدم اقترانها بها فیکون
بشرط لا، وثالثۀ لا یعتبر الاقتران ولا عدم الاقتران فیکون لا بشرط. وهذه الماهیّۀ الملحظۀ بالقیاس إلی خارج ذاتها والمنقسمۀ إلی
الأقسام الثلاثۀ، هی الماهیّۀ اللّابشرط المقسمی.
فماهیّۀ الإنسانیۀ إنْ لوحظت فی حدّ ذاتها وذاتیاتها مجرّدةً عن أيّ شیء آخر، سمّیت بالماهیّۀ المهملۀ، وإنْ لوحظت بالقیاس إلی
خارج الذات وانقسمت إلی الإعتبارات الثلاثۀ، سمیت باللّابشرط المقسمی…
.« اللّابشرط المقسمی » عن « الماهیّۀ المهملۀ » فظهر افتراق
وإنْ ،« بشرط لا » واللّابشرط المقسمی له ثلاثۀ أقسام کما ذکر، لأنّ الماهیّۀ إن لوحظت مشروطۀً بالتجرّد عن أيّ خصوصیۀ، فهی
وإنْ لوحظت لا بشرط عن وجود وعدم شیء من الخصوصیات « بشرط شیء » لوحظت مع شرطٍ- وإنْ کان الشرط هو الإرسال- فهی
.« لا بشرط القسمی » فهی
حیث « اللّابشرط المقسمی » لکنّ موضوع البحث فی باب المطلق والمقیَّد هو ،« الماهیّۀ المهملۀ » هو « الإنسان » ثم إنّ الموضوع له لفظ
لا بشرط عن شیء حتی من نفس اللّابشرطیّۀ. « الإنسان » یلحظ ماهیّۀ
فظهر افتراق الموضوع له اللّفظ عن موضوع البحث.
ص: 385
.« الکلّی الطبیعی » عن « اللّابشرط القسمی » هذا، وسیأتی بیان افتراق
تحقیق الُأستاذ … ص: 385
وذلک یتّضح ضمن بیان امور:
الأمر الأوّل
إن الاعتبارات الثلاثۀ التی ذکروها کلّها وجودات ذهنیّۀ للماهیّۀ؛ ولذا عندما نرید أنْ نحکم علی الموضوع بحکمٍ خارجی، نجعل
صفحۀ 226 من 265
وقلنا: « الإنسان » علی « جنس » الصورة الذهنیۀ مرآةً للخارج، وإلّا، فإن الوجود الذهنی قسیمٌ للوجود الخارجی، وعلیه، فإذا أردنا حمل
لا بشرط عن خصوصیۀ البقریۀ والغنمیّۀ وغیرهما من الخصوصیّات، حتی یکون اعتبار « الحیوان » فلابدّ من لحاظ ،« الإنسان جنسٌ »
مع خصوصیۀ « الإنسان » الماهیۀ لا بشرط طریقاً إلی الموضوع فی تلک القضیۀ، وکذا إذا لوحظت الماهیۀ مع خصوصیۀٍ، کلحاظ
طریق لرؤیۀ الموضوع خارجاً. « البشرط شیء » مثلًا، فإنّ هذا اللّحاظ « الزنجیّۀ »
فالاعتبارات الثلاثۀ وجودات ذهنیّۀ وتصوّراتٌ للماهیّۀ فی الذهن، هی طریقٌ لتشخّص الموضوع وتعیّنه فی القضایا الخارجیّۀ.
الأمر الثانی
فکلاهما (لا بشرط) لکنّ الافتراق فی المتعلَّق، إذ هو فی ،« اللّابشرط القسمی » عن « اللّابشرط المقسمی » إنه قد ظهر مما تقدّم: امتیاز
(الأوّل) الاعتبارات الثلاثۀ. فهو لا بشرط عن تلک الاعتبارات واللحاظات، أمّا فی (الثانی) فهو ما وراء الذات، بأنْ لا یلحظ مع الذات
شیء، لا الوجود ولا العدم، فی مقابل (البشرط شیء) و (البشرط لا).
إنما الکلام فی:
ص: 386
الأمر الثالث
هل (الماهیّۀ المهملۀ) نفس (اللّابشرط المقسمی) أو غیره؟
خلافاً للمشهور، وخلاصۀ دلیله هو: أنّ الماهیّۀ « اللّابشرط المقسمی » غیر « الماهیّۀ المهملۀ » قد تقدّم أنّ المحقق الإصفهانی یري أن
عندما تلحظ بذاتها مجرّدةً عن أيّ شیء آخر- حتّی عن عدم لحاظ أيّ شیء آخر معها- فهی التی لیست هی إلّاهی، ولا تصلح لأنْ
تکون مقسماً، لأنّ المقسمیّۀ عنوان إضافی یتحقّق بلحاظ ماوراء الذات.
.«1» وقد تبعه علی ذلک السیّد الخوئی
وأمّا دلیل القول المشهور فملخّصه هو: إنّ حقیقۀ التقسیم تخ ّ صص الذات بخصوصیّتین متباینتین أو أکثر، حیث الخصوصیّۀ متباینۀ
والذات هی الجهۀ المشترکۀ بین الجمیع … ولحاظ ماهیّۀ الإنسان- مثلًا- وانقسامها بالاعتبارات الثلاثۀ من هذا القبیل، فتکون ماهیّۀ
الإنسان مقسماً لها، حیث یکون الإنسان (بشرط لا) ماهیّۀ مجرّدة، و (بشرط شیء) ماهیّۀ مخلوطۀ، و (لا بشرط) ماهیّۀ مطلقۀ…
فالإنسان الذي لحظ بنحو اللّابشرط هو الإنسان المجرَّد من کلّ شیء، فهو الماهیّۀ المهملۀ، وهو اللّابشرط المقسمی، فالذي یطرء علیه
التقسیم ویکون مقسماً هو الماهیّۀ من حیث هی هی.
وقد أوضح الأُستاذ رأي المشهور: بأنّ القسم والمقسم والتقسیم، کلّها امور تتعلّق بالماهیّۀ- وأمّا الوجود فهو عین التشخّص، ولا یقبل
الاتّصاف بالقسمیۀ أو المقسمیّۀ، ولحاظ الماهیّۀ هو وجودها بالوجود الذهنی، وهو أیضاً غیر قابل للاتّصاف بذلک، لکونه جزئیّاً-
لکنْ الماهیۀ المجرّدة من جمیع الخصوصیات
__________________________________________________
422 . الهامش. / 1) أجود التقریرات 2 )
ص: 387
حتی من اللّحاظ … فهی القابلۀ للاتّصاف والانقسام، لأنَّ حقیقۀ التقسیم عبارة عن ضمّ ما به الامتیاز إلی ما به الاشتراك، فما به
الاشتراك هو الماهیّۀ المجرّدة، وما به الامتیاز هو الاعتبارات الثلاثۀ، فکان (المقسم) هو (الماهیّۀ المجرّدة المهملۀ)، وهی المرکب
لهذه الخصوصیّات، ولذا نقول: الماهیّۀ بشرط شیء، والماهیّۀ بشرط لا، والماهیۀ لا بشرط … فکانت الحیثیّات واردة علی الذات،
وبورود کلّ واحدةٍ یحصل للذات قسمٌ، ومتی ما جرّدناها من الأوصاف کانت لا بشرط…
فالذي یصیر لا بشرط عن العلم والجهل و … هو (الإنسان) وعن الإیمان والکفر … هو (الرقبۀ) وهکذا…
صفحۀ 227 من 265
فهذا هو البرهان لقول المشهور، وعلیه الوجدان، فإنّ البشرط هو الرقبۀ المؤمنۀ، والبشرط لا هو الرقبۀ وعدم الإیمان، واللّابشرط هو
الرقبۀ المجرّدة عن الإیمان وعدم الإیمان…
فحاصل کلام المشهور هو: إن الماهیّۀ بنفسها هی التی تتّصف بالاعتبارات الثلاثۀ، لا أن اللّابشرط المقسمی الذي تلحظ فیه الماهیّۀ
مضافۀً إلی الخارج هو المعروض للحیثیّات … فظهر عدم الخلاف بین المشهور والمحقق الإصفهانی، وأن کلام الجمیع یرجع إلی
شیء واحدٍ هو: أنّ المقسم عبارة عن الذات غیر الملحوظ معها شیء آخر، وأنها عندما تلحظ مضافۀً إلی شیء آخر تکون قسماً.
وعلی الجملۀ، فإنّ اللّابشرط المقسمی هو الماهیّۀ المقسم بین الاعتبارات الثلاثۀ، واللّابشرط القسمی فهو اللّابشرطیۀ بالنسبۀ إلی الخارج
عن الذات، فالإنسان الملحظ بالنسبۀ إلی الخارج عن الذات کالعلم مثلًا، عندما یؤخذ مجرّداً عن العلم والجهل، یکون الماهیۀ اللّابشرط
القسمی، وإنْ لحظ لا بشرط عن کلّ الاعتبارات الثلاثۀ، فهو اللّابشرط المقسمی … فکان اللّابشرط القسمی من أقسام اللّابشرط
المقسمی.
ص: 388
الأمر الرابع
هل (الکلّی الطبیعی) هو (اللّابشرط القسمی) أو (اللّابشرط المقسمی)؟
قال جماعۀ من الفلاسفۀ- وتبعهم المیرزا- بالأول. وقال آخرون ومنهم الحاجی السبزواري بالثانی. ومن العلماء من قال: بأنّ الکلّی
الطبیعی هو الماهیّۀ المهملۀ- لا اللّابشرط القسمی ولا اللّابشرط المقسمی- وهذا مختار شیخنا الأُستاذ.
خلاصۀ ما تقدَّم … ص: 388
أن الموضوع له الطبیعۀ- وهو اسم الجنس الذي جعل موضوعاً للحکم فی مثل أعتق رقبۀً- هو الطبیعۀ والماهیّۀ فقط بنحو اللّابشرط
القسمی بالنسبۀ إلی الخصوصیات من الإیمان والکفر وغیرهما، وأن الموضوع له اللّفظ هو نفس الذات، واللّابشرطیّۀ خارجۀ عن حدّ
مفهوم اللّفظ، فالحق مع سلطان المحققین ومن تبعه، خلافاً للمشهور.
ولا یخفی أنّ المراد من اسم الجنس فی هذا البحث هو الأعمّ من اسم الجنس الفلسفی، فیعمّ النوع وال ّ ص نف أیضاً، فالمراد هو الاسم
للطّبیعۀ سواء کانت جنساً أو نوعاً أو صنفاً.
. الأدلّۀ اللّفظیّۀ علی مذهب السّلطان … ص: 388
وقد استدلّ له- بالإضافۀ إلی البحث العقلی المتقدّم- بوجوه لفظیّۀ:
الأوّل: التبادر. فإنّ المتبادر من لفظ الرقبۀ مثلًا والمنسبق إلی الذهن منه لیس إلّاذات الماهیّۀ، کما أنّ المنسبق من لفظ الإنسان هو
الحیوان الناطق فقط، وأمّا الخصوصیات فلا تأتی إلی الذهن عند إطلاق اللّفظ.
الثانی: صحّۀ التقسیم. فإنّ لفظ الرقبۀ یصحُّ تقسیمه بماله من المعنی إلی
ص: 389
الذات المجرّدة من أيّ خصوصیۀ، وإلی الذات المنضمّ إلیها الخصوصیّۀ من الإیمان أو الکفر. وکذلک لفظ الإنسان وغیره.
الثالث: حکمۀ الوضع. فإنّ حکمۀ الوضع فی الألفاظ إحضار معانیها إلی الذهن، وأمّا المعنی المنضمُّ إلیه شیء من الخصوصیّات فلیس
الموضوع له اللّفظ، ولیس المقصود من وضع اللّفظ له، وإلّا لکانت الذات المجرّدة عن الخصوصیۀ بلا دالّ.
الرابع: إنه لو کانت اللّابشرطیّۀ داخلۀً فی المعنی الموضوع له اللّفظ، لکان اللّازم تجرید اللفظ عن معناه الموضوع له متی ارید إطلاقه
علی المعنی الخارجی، لأن اللّابشرطیّۀ أمر ذهنی لا خارجیۀ له، والمفروض دخولها فی المعنی الموضوع له اللّفظ، وحینئذٍ یبطل
صفحۀ 228 من 265
الوضع.
توضیحه: إنّ وجوب العتق حکم تعلّق بالرقبۀ بقول المولی أعتق رقبۀً، لکنّه یترتّب علی الرقبۀ الخارجیۀ، ولابدّ من إیجاد العتق فی
الخارج حتی یتحقق الامتثال کما هو واضح، والمفروض کون الرقبۀ مطلقۀً من حیث الإیمان والکفر، لکن الإطلاق- أياللّابشرطیّۀ
من خصوصیّۀ اللّابشرطیّۀ حتی « الرقبۀ » عنهما- أمر ذهنی، فیکون موطن الرقبۀ اللّابشرط هو الذهن فقط … وحینئذٍ، یلزم تجرید معنی
یصح إطلاق هذه اللفظۀ علی الوجود الخارجی ویترتّب العتق … وهذا یبطل وضع اللّفظۀ للماهیّۀ اللّابشرط.
إذنْ، لیس اللّفظ موضوعاً للمعنی متحیّثاً بحیثیّۀ اللّابشرطیّۀ، ولیست داخلۀً فی الموضوع له لفظ الرقبۀ والإنسان والبقر وغیرها من أسماء
الأجناس.
فتلخَّص: إن الإطلاق خارج عن المعنی الموضوع له اسم الجنس، فیحتاج للدلالۀ علیه إلی قرینۀٍ، وهو ما یعبّر عنه بمقدّمات الحکمۀ.
ص: 390
. إشکال ودفع … ص: 390
إلّا أنه قد وقع الکلام بینهم فی أنّ الإطلاق واللّابشرطیّۀ والسّریان، بعد أنْ کان خارجاً عن المعنی الموضوع له اللّفظ، هل هو ذاتیٌّ
للمعنی، بأنْ یکون لماهیّۀ الرقبۀ- مثلًا- سریان ذاتی فی أفرادها، کالتعجّب بالنسبۀ إلی الإنسان، فإنّ لفظ الإنسان موضوع للحیوان
الناطق، ولیس التعجّب داخلًا فی المعنی، إلّاأنه لازم ذاتی له، أو أنْ ذلک محتاجٌ إلی اللّحاظ، بأنْ تلحظ ماهیۀ الرّقبۀ بنحو اللّابشرط؟
البرهان علیه بما حاصله: أنّ وضع اللّفظ للمعنی حکمٌ من قبل الواضع، ومن الواضح أنّ «1» قال جماعۀٌ بالأوّل، وقد أقام الإیروانی
الحاکم لا یحکم بثبوت المحمول لموضوعٍ مهمل، لأنّ کلّ قضیّۀ مهملۀ فهی فی قوّة الجزئیۀ، فلا یکون اللّفظ موضوعاً للماهیّۀ
المجرّدة ذاتها عن الإطلاق، وإلّا لزم فی کلّ موردٍ یستعمل فیه اللّفظ أنْ یکون الاستعمال بلا وضع، وهذا باطل … فالوضع للماهیّۀ
المهملۀ غیر ممکن.
(قال): وهذا أشدّ ما یرد علی القائلین بخروج الإطلاق عن حریم المعنی.
وقد أجاب الأُستاذ عن هذا البرهان:
بأنّ ذاتیّۀ الإطلاق بالنسبۀ إلی الماهیّۀ لا تخلو، إمّا أن تکون من ذاتیّ باب الکلیّات الخمس، أو من ذاتیّ باب البرهان، ولا ثالث.
أمّا کونه من الأوّل فباطلٌ، لأن ذاتیّ باب الکلیّات الخمس هو الجنس والفصل والنوع، والإطلاق للماهیّۀ التی هی موضوعٌ للقضیّۀ
لیس الجهۀ الجنسیّۀ للماهیّۀ ولا الفصلیّۀ لها، کما لا یعقل کونه مرکّباً من جهتی الجنس والفصل.
__________________________________________________
(1)
.308 - نهایۀ النهایۀ: 307
ص: 391
فلابدّ من أن یکون ذاتی باب البرهان، کالإمکان فی الممکنات، فإنّه ینتزع من ذات الماهیّۀ الممکنۀ استواء الوجود والعدم فیقال: هذا
ممکنٌ، فی قبال الماهیّۀ الآبیۀ عن الوجود أيالممتنع الذاتی، والآبیۀ عن العدم أيالواجب بالذات.
فنقول: إن کان الإطلاق ذاتیّاً من باب البرهان، بأنْ یکون الإطلاق منتزعاً من حاق ذات الماهیۀ بلا حیثیّۀ، فإنّ دلالۀ الرقبۀ علی الإطلاق
من هذا الباب باطل بالضرورة.
فظهر أنّ الإطلاق لیس ذاتیَّ الماهیۀ مطلقاً.
هذا أوّلًا.
صفحۀ 229 من 265
وثانیاً: إنه لا کلام فی التقابل بین الإطلاق والتقیید وعدم إمکان اجتماعهما، فلو کان الإطلاق ذاتیّ الماهیّۀ کان التقیید محالًا وإلّا یلزم
اجتماع المتقابلین، بأنْ تکون الرقبۀ مع کونها لا بشرط عن الإیمان والکفر مقیَّدةً بالإیمان، وهذا غیر معقول.
فإن قیل:
المراد من ذاتیۀ الإطلاق هو: إن الماهیّۀ بحسب ذاتها- أيلو خلّیت وطبعها- تقتضی الإطلاق، والتقیید بمثابۀ المانع، فکلّما لم یوجد
المقیّد کانت الماهیّۀ مطلقۀ، فهی مطلقۀ لولا التقیید.
قلنا:
لا خلاف فی التقابل بین الإطلاق والتقیید، فقیل: إنه من قبیل العدم والملکۀ، وقیل: من قبیل التضاد، وقیل: من قبیل التناقض، وما ذکر
مردود علی جمیع التقادیر، لأنّ عدم کلّ مانعٍ شرط لوجود الممنوع، فلو کان التقیید مانعاً عن
ص: 392
مقتضی ذات الماهیۀ- وهو الإطلاق کما ذکر- لزم أنْ یکون عدم أحد الضدّین مقدمۀً لوجود الضدّ الآخر، وهو باطل. هذا بناءً علی
کون التقابل من قبیل التضاد أو التناقض. وعلی القول بأنه من قبیل العدم والملکۀ، یلزم مقدمیّۀ الشیء لنفسه، لأنّ المفروض کون
التقیید ملکۀ والإطلاق عدمها، فلو کان التقیید مانعاً عن الإطلاق کان عدمه مقدمۀً للإطلاق، لکنّ الإطلاق هو عدم التقیید.
فظهر أنّ الحق هو القول الثانی، وهو کون الإطلاق لحاظیّاً، بمعنی أنَّ الحاکم لمّا لحظ ماهیّۀ الرقبۀ وخصوصیۀ الإیمان، فإنْ أخذ
الخصوصیۀ فیها کان التقیید وإنْ لم یأخذها کان الإطلاق، فالإطلاق عدم أخذ الخصوصیۀ، والتقیید هو أخذها، فکان الإطلاق والتقیید
أمران زائدان علی الماهیۀ عارضان علیها، غیر أنّه فی مقام الإثبات یتمُّ التقیید ببیان القید والإطلاق بعدم بیانه…
وأمّا ما ذکره الإیروانی من لزوم الإهمال. ففیه: إن المحال هو أنْ یضع الواضع ویکون المعنی الموضوع له مهملًا، وأمّا قبل الوضع فهو
مطلقٌ، لکنّ کون هذا الإطلاق ذاتیّاً للماهیۀ- لا باللّحاظ- فأوّل الکلام.
وهذا تمام الکلام فی (اسم الجنس) الذي هو الموضوع غالباً فی باب الإطلاق والتقیید.
. الکلام فی علم الجنس … ص: 392
اشارة
وقد تعرّض الأکابر للموضوع له علم الجنس، فالمشهور أنه موضوعٌ للماهیّۀ المعیَّنۀ، بأنْ یکون التعیّن داخلًا فی المفهوم، لأنّ العلم من
المعارف والمعرفۀ لا تکون بلا تعیّن. ثم إنّ هذا التعیّن لیس بخارجی فهو ذهنی، فظهر بذلک الفرق بین اسم الجنس مثل (الأسد) فإنه
نکرة، وعلم الجنس مثل (اسامۀ) فإنه معرفۀ.
ص: 393
رأي صاحب الکفایۀ فی قبال المشهور … ص: 393
وخالف صاحب (الکفایۀ)، فذهب إلی عدم الفرق بین أسماء الأجناس وأعلام الأجناس، فکلاهما موضوع للطبیعۀ بلا لحاظ شیء من
خصوصیۀ الذهنیّۀ والخارجیۀ. وأورد علی المشهور: بأنّ علم الجنس لو کان موضوعاً للماهیّۀ المتعیّنۀ فی الذهن، لزم تجریدها من هذه
الخصوصیّۀ کلّما ارید حملها علی الخارج، لعدم انطباق ما فی الذهن علی ما فی الخارج، لکنّ الإنطباق حاصل بلا تجرید. وهذا
یکشف عن عدم أخذ خصوصیّۀ الذهنیّۀ فی علم الجنس. علی أنّ لزوم التجرید یستلزم اللّغویۀ فی أخذ الخصوصیۀ.
(قال): وأمّا المعاملۀ مع علم الجنس معاملۀ المعرفۀ بخلاف اسم الجنس، فالظاهر أنّ التعریف هذا لفظی کالتأنیث اللّفظی للفظ الید
صفحۀ 230 من 265
والرجل والعین وما شابهها، لعدم الفرق بین (اسامۀ) و (أسد) إلّاأن (لام التعریف) تدخل علی الثانی دون الأول … وهذا لیس بفارقٍ
.«1» حقیقی
مناقشۀ المحاضرات … ص: 393
یمکن المناقشۀ فی البرهان الذي ذکره علی عدم أخذ التعیّن الذهنی فی المعنی :«2» ووافقه السید الخوئی فی (المحاضرات) إلّاأنه قال
الموضوع له علم الجنس، لأنّ أخذه فیه تارةً یکون علی نحو الجزئیۀ وأخري علی نحو الشرطیۀ وثالثۀً علی نحو المرآتیۀ والمعرّفیۀ
فحسب من دون دخله فی المعنی الموضوع له لا بنحو الجزئیۀ ولا بنحو الشرطیۀ. وما أفاده إنما یتمّ لو أخذ علی النحوین الأوّلین، وأما
إذا کان أخذه علی النحو الثالث، فهو غیر مانع عن انطباقه علی الخارجیات، ولا یلزم التجرید ولا لغویۀ الوضع.
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الاصول: 244 )
.521 / 2) محاضرات فی اصول الفقه 4 )
ص: 394
إشکال الُأستاذ … ص: 394
متمانعان، لأنه إن کان مأخوذاً فهو دخیل فی المعنی، فلا یکون مجرّد المرآتیۀ « المرآتیۀ » و « الأخذ » وقد أورد علیه الأُستاذ أوّلًا: بأن
والمعرفیّۀ. وثانیاً: إن المرآتیّۀ أي: رؤیۀ المعنی فی الذهن لا بشرط من الخصوصیّات، موجودة فی اسم الجنس أیضاً، فیلزم أن یکون
معرفۀً مثل علم الجنس.
فالحق مع صاحب (الکفایۀ). والمعرفیّۀ فی علم الجنس نظیر التأنیث اللفظی للألفاظ المذکورة ونحوها.
. المفرد المعرّف باللّام … ص: 394
اشارة
له تعیّن، لکون اللّام للتعریف، ولا یکون التعریف بلا تعیّن. « الرجل » قال المشهور: بأن المفرد المعرّف باللّام مثل
قالوا: واللّام علی أقسام، کالجنس والإستغراق والعهد- الحضوري والذهنی والذکري.
رأي صاحب الکفایۀ … ص: 394
التعیّن الذهنی للمفرد المعرّف باللّام وکون اللّام للتعریف، لِما ذکره فی علم الجنس من امتناع حمل «1» ( وأنکر صاحب (الکفایۀ
الوجود الذهنی علی الخارج إلّابالتجرید، وأنه یلزم حینئذٍ لغویۀ الوضع…
ومن هنا قال بأنْ اللّام هذه للتزیین کما فی الحسن والحسین … ولا توجد لام التعریف، ولام الاستغراق والعهد … بل کلّ ذلک یفهم
من القرائن الخارجیۀ.
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الاصول: 245 )
ص: 395
صفحۀ 231 من 265
المناقشۀ مع الکفایۀ … ص: 395
بما ملخّصه: إن اللّام تدلّ علی التعریف والتعیین، بلا استلزامٍ لکون التعیّن جزء معنی مدخولها أو «1» ( وقد أورد علیه فی (المحاضرات
قیده، فهی تدلُّ علی معنیً ولیست للتزیین فقط، لکنّ المعنی لیس جزءً لمدخولها حتی یلزم التجرید واللّغویّۀ … أللّهم إلّافی العهد
الذهنی، إذ الظاهر أنّ وجود اللّام وعدمها علی السواء بل هی فیه للتزیین.
وقد وافقه الأُستاذ.
. الجمع المحلّی باللّام … ص: 395
وقد وقع الخلاف بینهم فی دلالته علی العموم، فمنهم من أنکر ذلک وقال بأنها مستفادة من القرینۀ الخارجیۀ کمقدّمات الحکمۀ،
ومنهم من قال بدلالته علی العموم وأنه لا حاجۀ إلی القرینۀ، فقال بعضهم: بأن الدلالۀ من اللّام، وقال آخرون:
بأنّها من مجموع اللّام ومدخولها. وهذا مختار المحقق القمی و (الکفایۀ). وقیل بأنّ اللّام تدل علی التعیین فی الخارج، وذلک لا یکون
إلّابالدلالۀ علی العموم.
وعلی الجملۀ، فقد وقع الخلاف بینهم فی دلالۀ الجمع المحلّی باللّام علی العموم أنه بالإطلاق أو بالوضع.
وقد اختار الأُستاذ القول الأوّل، فهی متوقفۀ علی تمامیۀ مقدّمات الحکمۀ.
وقد ناقش أدلّۀ القائلین بالقول الثانی، فقال ما حاصله:
إنّ اللّام غیر موضوعۀ للعموم والاستغراق، ولذا ترد علی غیر الجمع کما ترد علیه، ولذا أیضاً قسّمت إلی الجنس والإستغراق والعهد…
ودعوي أنّ خصوص الداخلۀ علی الجمع دالّۀ علی العموم، فباطلۀ، إذ لیس لهذه اللّام وضع
__________________________________________________
.524 / 1) محاضرات فی اصول الفقه 4 )
ص: 396
لعدم وجود وضع للمرکّبات - «1» علی حدة. وکذلک القول بدلالۀ المرکّب منها ومن مدخولها علی العموم- کما عن المیرزا القمی
غیر وضع المفردات … علی أنّه لو کان کذلک لزم أن یکون استعمال الجمع المحلّی باللّام فی غیر العموم- کالعهد مثلًا- مجازاً،
والحال أنّه لا توجد أیّۀ عنایۀٍ فی هکذا استعمال.
وأمّا القول بدلالۀ اللّام علی العموم- من جهۀ کونها موضوعۀً للتعریف والإشارة، فلمّا دخلت علی الجمع ولا تعیّن لمرتبۀٍ من مراتبه،
فلابدّ وأنْ یکون المراد هو المرتبۀ الأخیرة وهو جمیع أفراد المدخول- فقد نقض علیه فی (الکفایۀ) بأنّه کما لتلک المرتبۀ تعیّن فی
الواقع، کذلک للمرتبۀ الاولی وهی أقل مراتب الجمع أيالثلاثۀ.
الدلالۀ علی المرتبۀ الأخیرة: بأنّ تعیّن المرتبۀ الاولی- وهی أقل الجمع- إنما - «2» ( واختار بعض الأصحاب- وتبعه فی (المحاضرات
هو فی مقام الإرادة، فإنّا لمّا نقول: أکرم العلماء، فالثلاثۀ مرادة قطعاً، وإنْ لم یکن لها تعیّن فی الخارج وأنّه هل المراد هذه الثلاثۀ أو
تلک؟ بخلاف المجموع، فإنه لا یعقل أن یکون بلا تعیّن فی الخارج، إذ العلماء کلّهم متعیّنون فی الخارج، فیکون هو المدلول للجمع
المحلّی باللّام.
فأشکل الأُستاذ: بأنّ العمدة فی هذا الاستدلال کون اللّام دالّۀً علی التعریف والتعیین، وإلیه أشار فی (المحاضرات) بقوله فی آخر
کلامه: فإذاً یتعیّن إرادة هذه المرتبۀ من الجمع، یعنی المرتبۀ الأخیرة دون غیرها، بمقتضی دلالۀ کلمۀ اللّام علی التعریف والتعیین،
لکنّ القدر المتیقَّن من مقتضی دلالتها هو إفادة التعریف
صفحۀ 232 من 265
__________________________________________________
. 1) قوانین الاصول: 216 )
.526 / 2) محاضرات فی اصول الفقه 4 )
ص: 397
والتعیین للمدخول، أمّا کون التّعیین لمجموع الأفراد أيالمرتبۀ الأخیرة، فلا برهان علیه.
. النکرة … ص: 397
قال فی الکفایۀ …: ص: 397
«1» « وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَی الْمَدینَۀِ » ومنها: النکرة مثل رجل فی
أو فی جئنی برجل. ولا إشکال فی أن المفهوم منها فی الأول ولو بنحو تعدّد الدالّ والمدلول، هو الفرد المعیّن فی الواقع المجهول عند
المخاطب المحتمل الانطباق علی غیر واحدٍ من أفراد الرجل، کما أنه فی الثانی، هی الطبیعۀ المأخوذة مع قید الوحدة، فیکون ح ّ ص ۀً
من الرجل وکلیّاً ینطبق علی کثیرین لا فرداً مردداً بین الأفراد.
وبالجملۀ: النکرة أيما بالحمل الشائع یکون نکرة عندهم، إمّا هو فرد معیّن فی الواقع غیر معیّن للمخاطب أو ح ّ ص ۀ کلیۀً، لا الفرد
المردد بین الأفراد … فلابدّ أنْ تکون النکرة الواقعۀ فی متعلّق الأمر هو الطبیعی المقید بمثل مفهوم الوحدة، فیکون کلّیاً قابلًا للانطباق.
أقول:
موضوعٌ فی لغۀ العرب ولیس بمهملٍ، فله معناه ومفهومه، غیر أنه مفهوم لا مصداق له فی الخارج، لأن « المبهم » و « المردّد » إن لفظ
الخارج ظرف التشخّص والتعیّن، وأمّا معناه الموضوع له فلیس بنکرةٍ، إذ لا یعقل التردّد فی ذات المفهوم. فما فی کلام بعض
الاصولیین من أنّ مدلول النکرة هو الفرد المردّد، غیر صحیح، لأنه إنْ کان فرداً فلا یعقل أن یکون مردداً أیضاً، بل التردّد فی الوجود
هو المحال.
__________________________________________________
(1)
. سورة القصص: الآیۀ 20
ص: 398
هو « الرجل » وأمّا ما ذکره فی (الکفایۀ): من أنه الفرد المعیَّن فی الواقع المجهول عند المخاطب، ففیه: إنّ المعنی المستعمل فیه کلمۀ
لأنّ الجنس لا تقیّد فیه بالوحدة ولذا یصدق ،« اسم الجنس » و « النکرة » الجنس، وقید الوحدة فیه أتی من ناحیۀ التنوین، فکان فرقٌ بین
بین الآیۀ والمثال، إذ المعنی فی « رجل » علی القلیل والکثیر، بخلاف النکرة، فمدلولها الجنس بقید الوحدة، وعلیه، فلا فرق فی کلمۀ
کلیهما هو الطبیعۀ المقیَّدة بقید الوحدة، غیر أنّ الأول معیّن خارجاً، وکونه مجهولًا عند المخاطب قد استفید من قرینۀٍ خارجیۀ. فلیس
معنی الکلمۀ والمستعمل فیه فی الآیۀ هو المعیَّن فی الخارج المجهول عند المخاطب.
والحاصل: إن المستعمل فیه الکلمۀ فی کلا المثالین هو نفس الطبیعۀ والجنس، غیر أن قید الوحدة استفید من التنوین، وأمّا کونه فی
الأول معیناً خارجاً ومجهولًا عند المخاطب فتدلّ علیه القرینۀ الخارجیۀ … وإذا کان الموضوع له والمستعمل فیه هو الطبیعۀ المقیّدة
بالوحدة فهو فی حد ذاته قابل للانطباق علی أيّ فرد.
ص: 399
صفحۀ 233 من 265
الکلام فی مقدّمات الحکمۀ … ص: 399
اشارة
وبعد الفراغ عن بیان مدالیل الألفاظ الواقعۀ فی الأدلّۀ، یقع البحث عن مقدّمات الحکمۀ، بناءً علی ما تقرّر من خروج الإطلاق عن
مفاهیم تلک الألفاظ.
قالوا: والمقدمات ثلاثۀ:
. المقدمۀ الاولی … ص: 399
اشارة
کون المتکلّم فی مقام البیان، بأنْ لا یکون فی مقام الإهمال والإجمال.
ولا یخفی أن کونه فی مقام البیان له صور، فتارةً: هو فی مقام بیان تمام المراد، واخري: فی مقام بیان أصل المراد، والأول: تارةً فی
مقام بیان تمام المراد من جمیع الجهات، واخري فی مقام بیانه من بعض الجهات.
ثم إنه قد یُعلم من حال المتکلَّم فی أنه فی مقام البیان أوْلا، وقد یشک. فما هو مقتضی القاعدة عند الشک؟
قالوا: إن لم تکن هناك قرینۀ خاصّۀ أو عامّۀ، فالأصل کونه فی مقام البیان…
لکنْ لابدَّ من إثبات هذا الأصل بذکر المستند له، وهل هذا الأصل- أيأصالۀ البیان- مختصٌّ بباب الإطلاق أوْ جارٍ فی غیره أیضاً؟
ظاهر المحقق الإصفهانی هو الأول، لکن التحقیق عند الأُستاذ جریانه فی العمومات أیضاً، من أجل إثبات ظهور العام فی العموم متی
ما شک فی کون المتکلَّم فی مقام بیان تمام مراده الواقعی إذا قال: أکرم کلّ عالمٍ، فإنه مع عدم القرینۀ یتمسّک به ویحکم بالعموم.
ص: 400
. مستند أصالۀ البیان … ص: 400
وأمّا المستند للأصل المذکور، فقد ذکر له وجوه:
الأول: إنه مقتضی الطبع. لأنّ مقتضی الحال وطبع الطلب أنْ یکون المتکلّم فی مقام بیان مقصده باللّفظ، نظیر قول الفقهاء: بأنّ الأصل
فی المبیع هو السّلامۀ من العیب، لکونه مقتضی الطبع الأولی.
وفیه: إنّ هذا الوجه لا یکفی لأنْ یؤخذ بإطلاق الکلام، لأنْ المفروض أنّ المتکلّم قد استعمل اللّفظ- اسم الجنس مثلًا- فی معناه
الموضوع له، وأنّ الإطلاق غیر داخل فیه، فمع الشک فی کونه فی مقام بیان تمام مراده أيّ معنی لمقتضی الطبع الأوّلی لیحمل الکلام
علی الإطلاق؟
الثانی: أصالۀ التطابق بین مقام الثبوت ومقام الإثبات. فالإطلاق فی مقام الثبوت أن یکون فرد المتکلّم هو الطبیعۀ. ولمّا لم یأتِ فی
مقام الإثبات بقیدٍ وکان الکلام ظاهراً فی الإطلاق حصل التطابق، ولو کان مهملًا فی مقام الثبوت لما حصل.
وفیه: إنه مع احتمال کون المتکلّم مهملًا فی مقام الإثبات، لا یحصل الکشف عن مقام الثبوت والتطابق بین المقامین، والمفروض هو
الشک فی مقام الإثبات.
الثالث: السیرة العقلائیۀ. فقد جرت سیرة أهل المحاورات علی التمسّک بالإطلاقات فیما إذا لم یکن هناك ما یوجب صرف الکلام
إلی جهۀٍ خاصّۀ.
صفحۀ 234 من 265
نسبته إلی «2» ( بل فی (المحاضرات ،«1» ( هکذا استدلّ فی (الکفایۀ
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الاصول: 248 )
.535 / 2) محاضرات فی اصول الفقه 4 )
ص: 401
المشهور المعروف بین الأصحاب.
وقد أشکل علیه فی (المحاضرات) بما حاصله: بأنّه ینفع فی ما لو شک فی أصل کون المتکلّم فی مقام البیان أو الإهمال. أمّا لو شک
«1» « فَکُلُوا مِمَّا أَمْسَکْنَ عَلَیْکُمْ » فی حدّ المراد کما هو الحال فی مثل قوله تعالی
فی أنّه یرید الحلیّۀ أو هی والطّهارة معاً، فلا سیرة من العقلاء علی جعل الکلام فی مقام البیان من جهۀ الطّهارة أیضاً.
وأشکل الأُستاذ من ناحیۀٍ اخري، فاعترف بتمامیۀ السّیرة إلّاأنها إنما تجري فی کلام من دأبه بیان الخصوصیات فی مجلسٍ واحدٍ،
ولیس دأب الشارع هکذا، فإنّ الخصوصیّات الدخیلۀ فی الأحکام الشرعیۀ قد ذکرت علی لسان أحد الأئمۀ بعد أن جاءت المطلقات
فی القرآن أو فی کلام النبی … والحاصل: إنّ العقلاء إذا عملوا بأن دأب المتکلّم هکذا، لا یتمسّ کون بإطلاق کلامه، بل سیرتهم فی
کلامه قائمۀ علی علی التوقف.
فالتحقیق هو التفصیل بین کلام غیر الشارع ممن دأبه إعطاء الخصوصیّات فی المجلس الواحد، فالسیرة العقلائیۀ جاریۀ علی الأخذ
بإطلاق کلامه، وبین کلام الشارع، ففی کلامه یکون المستند للإطلاق هو سیرة المتشرعۀ، فإنّ أصحاب الأئمّۀ علیهم السلام وغیرهم
لمّا کانوا یرجعون إلیهم ویأخذون الحکم الشرعی منهم، ما کانوا ینتظرون شیئاً، بل کانوا یذهبون ویعملون بما أخذوه، بل کان
بعضهم ربما لا یري الإمام بعد تلک الجلسۀ … فهذه السیرة غیر المردوعۀ من الأئمۀ هی المستند لأصالۀ البیان والأخذ بإطلاق الکلام
بلا توقف.
وهذا تمام الکلام فی المقدمۀ الاولی.
__________________________________________________
(1)
. سورة المائدة: الآیۀ 4
ص: 402
. المقدمۀ الثانیۀ … ص: 402
کون المتکلّم متمکّناً من البیان، فإنْ لم یکن أو شک فی تمکّنه، لم یمکن القول بإطلاق کلامه.
وقد جعل المیرزا- وتبعه فی (المحاضرات)- هذه المقدمۀ هی الاولی، وأفاد أنّ بین الإطلاق والتقیید تقابل العدم والملکۀ، فإنما
یمکن التمسّک بالإطلاق حیث یمکن فیه التقیید، واستحالۀ التقیید تستلزم استحالۀ الإطلاق.
ولا یخفی ما لهذا المبنی من الأثر، وذلک، لأنّ لموضوع الحکم وکذا للمتعلَّق انقسامات هی متأخرة عن الحکم، ولا یمکن تقیید
الموضوع أو المتعلَّق بشیء منها، إذنْ، لا یمکن حمل الکلام علی الإطلاق بالنسبۀ إلیها.
مثلًا: وجوب قصد القربۀ فی ال ّ ص لاة مثلًا متأخر عن الحکم بوجوبها، وهو متأخر عنها. فکان قصد القربۀ فی ال ّ ص لاة متأخراً عنها
بمرتبتین، وحینئذٍ، یستحیل تقییدها بقصد القربۀ، فیستحیل الإطلاق فی الصّلاة من جهۀ اعتبار قصد القربۀ. هذا فی المتعلَّق.
وکذلک فی الموضوع، لأنّه متقدّم رتبۀً علی الحکم، والمکلَّف ینقسم إلی العالم بالحکم والجاهل به، لکنّ هذا الانقسام متأخّر عن
صفحۀ 235 من 265
الحکم المتأخّر عن الموضوع، فیستحیل تقیید الموضوع بالعالِم بالحکم، وإذا استحال التقیید استحال الإطلاق، وحینئذٍ، لا یمکن
التمسّک بإطلاق أدلّۀ التکالیف لإثبات الإشتراك فی التکلیف بین العالمین والجاهلین به.
وقد خالف المیرزا مسلک الشیخ، لأنّ الشیخ یذهب إلی أنه إذا استحال التقیید وجب الإطلاق، ومن هنا یتمسّک بإطلاقات أدلّۀ
التکالیف لإثبات الإشتراك، وبإطلاق دلیل وجوب المتعلّق علی عدم وجوب قصد القربۀ … فالشیخ
ص: 403
قائل بأن التقابل من قبیل التضاد.
وتوضیح المطلب هو: إنّ التقابل بین الإطلاق والتقیید فی مقام الإثبات یختلف عنه فی مقام الثبوت. أمّا فی مقام الإثبات، فإنه تارةً
یقول: أعتق رقبۀً، واخري یقول: أعتق رقبۀً مؤمنۀ، فهنا یکون التقابل من قبیل العدم والملکۀ، لأن التقیید أمر وجودي والإطلاق عدم
هذا التقیید، وحیث أنّ موضوع الإطلاق والتقیید فی هذا المقام هو ما یکون المتکلّم فیه متمکّناً من التقیید، فتارةً یأخذ القید فیه
واخري لا یأخذه، فهو وجود وعدم فی موضوع خاص، فیکون من قبیل العدم والملکۀ، وله شق ثالث وهو حیث لا یکون المتکلّم
متمکّناً من التقیید، فلیس هناك إطلاق ولا تقیید.
وأمّا فی مقام الثبوت فهناك مراحل، تبدأ من الغرض ثم الإرادة ثم الحکم…
وهو فعل اختیاري ناشئ من تصوّر الموضوع ولحاظه، فتارةً یلحظه مع الخصوصیّۀ الدخیلۀ فی الغرض فیکون مقیداً، واخري یري أن لا
دخل لوجود الخصوصیّۀ وعدمها فی الغرض، فلا یأخذها فی الموضوع، فیکون بشرط تارةً واخري لا بشرط، وکلاهما أمر وجودي،
فالحق مع الشیخ.
فالنسبۀ بین الإطلاق والتقیید فی مقام الثبوت نسبۀ التضاد، وفی مقام الإثبات نسبۀ العدم والملکۀ.
. المقدّمۀ الثالثۀ … ص: 403
وقد اتّضح مما تقدَّم: أنّ المقدّمۀ الثالثۀ هی أنْ لا یأتی المتکلّم فی مقام الإثبات ومرحلۀ إبراز الحکم بقیدٍ، بل یعتبر فی الإطلاق أن لا
یکون الکلام محفوفاً بقرینۀ حالیّۀ أو مقامیۀ…
ص: 404
. الدلیل علی انعقاد الإطلاق مع المقدّمات … ص: 404
وبعد الفراغ من المقدّمات، فما الدلیل علی انعقاد الإطلاق للکلام مع حصول المقدّمات؟
هنا وجوه:
الأوّل: إنّ المفروض کون المتکلّم عاقلًا حکیماً ذا إرادة جدیّۀ بالنسبۀ إلی متعلَّق حکمه الذي أصدره، وفی هذه الحالۀ، لو کان غرضه
متعلّقاً بالموضوع المقیَّد بالقید لقیّده به، وإلّا لزم الإغراء بالجهل، وهو مناف للحکمۀ.
الثانی: إنّه مع فرض ما تقدَّم، وأنّ غرضه متقوّم بالرقبۀ المؤمنۀ مثلًا، فإنّه لو أطلق الکلام عن هذا القید، لزم نقض الغرض وهو إمّا محال
أو قبیح من الحکیم.
الثالث: إن الأصل هو التطابق بین مقامی الثبوت والإثبات، ومقتضی المقدّمات المذکورة هو التطابق وإلّا لانهدم هذا الأصل وبقی بلا
موضوع.
وتلخّص: أنه مع المقدّمات المذکورة یتمُّ ظهور الکلام فی الإطلاق، وتتمُّ الحجیّۀ العقلائیۀ له لما تقدّم من الوجوه.
صفحۀ 236 من 265
تنبیهات … ص: 404
الأوّل: هل یعتبر عدم وجود القدر المتیقَّن …؟ ص: 404
قال فی الکفایۀ فی مقدمات الإطلاق …: ص: 404
ثالثتها: انتفاء القدر المتیقَّن فی مقام التخاطب، ولو کان المتیقَّن بملاحظۀ
ص: 405
.«1 …» الخارج عن ذاك المقام فی البین، فإنه غیر مؤثر فی رفع الإخلال بالغرض لو کان بصدد البیان کما هو الفرض
وتوضیحه: إن القدر المتیقَّن من الطبیعی الذي یرد علیه الحکم، تارةً خارجی، کالفقیه الذي یفرض کونه القدر المتیقن خارجاً من
کما أنّ القدر المتیقن من الفقیه هو الجامع للشرائط … وهذا القسم من القدر المتیقن موجود سواء کان هناك أمرٌ « أکرم العالم » : قوله
أو تخاطب أو لم یکن … ووجوده غیر مانع من انعقاد الإطلاق للکلام، وإلّا لما تحقّق إطلاقٌ لکلامٍ.
واخري: یکون القدر المتیقَّن فی مقام التخاطب، بأنْ یکون هناك مکالمۀ ومحاورة فیسأل عن شیء ویعطی الجواب عنه، فیکون مورد
بموثقۀ ابن بکیر: سأل زرارة أبا عبداللَّه علیه «2» ( السؤال والجواب هو القدر المتیقن من الکلام المطلق. وقد مثَّل له فی (المحاضرات
السلام عن ال ّ ص لاة فی الثعالب والفنک والسنجاب وغیره من الوبر، فأخرج کتاباً زعم أنه إملاء رسول اللَّه صلّی اللَّه علیه وآله: إن
ال ّ ص لاة فی وبر کلّ شیء حرام أکله فال ّ ص لاة فی وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وکلّ شیء منه فاسدة، لا تقبل تلک ال ّ ص لاة حتی
فالقدر المتیقن بحسب التخاطب هو مورد السؤال، ضرورة أن إرادة الإمام علیه السلام غیره غیر «3» « یصلّی فی غیره ممّا أحل اللَّه أکله
محتمل جزماً، وأما العکس بأنْ لا یرید غیره، فهو محتمل … فوجود هذا المتیقَّن یمنع من انعقاد الإطلاق للکلام.
وقد أورد الأُستاذ علی هذا المثال: بأنّه لیس من صغریات القدر المتیقَّن فی مقام التخاطب علی مبنی السید الخوئی، لأنه یذهب إلی
أنه لا حاجۀ إلی مقدّمات
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الاصول: 247 )
.538 / 2) محاضرات فی اصول الفقه 4 )
. 345 ، الباب 2 من أبواب لباس المصلّی، رقم 1 / 3) وسائل الشیعۀ 4 )
ص: 406
الحکمۀ فی موارد العموم الوضعی، بل اللّفظ بنفسه دالّ علی العموم وضعاً، وجواب الإمام فی الموثقۀ عام ولیس بمطلق، والمحقق
الخراسانی لا یري مانعیّۀ القدر المتیقن فی مقام التخاطب عن انعقاد العموم.
لکن الصحیح هو التمثیل بصحیحۀ زرارة الواردة فی قاعدة التجاوز، إذ سأل الإمام عن الشک فی الأذان وقد دخل فی الإقامۀ، فأجاب
بعدم الاعتناء بالشک. ثم سأل عن الشک فیهما وقد کبّر، فأجاب بعدم الاعتناء به، وهکذا جعل یسأل عن الشک فی أجزاء الصّلاة بعد
فالموارد التی سأل عنها .«1» « یا زرارة، إذا خرجت من شیء ودخلت فی غیره فشکّک لیس بشی » : تجاوزها، فقال الإمام علیه السلام
زرارة هی القدر المتیقَّن من هذا المطلب الکلّی الذي ذکره الإمام علیه السلام، وبناءً علی مسلک (الکفایۀ) لا یمکن التمسک بإطلاق
الکلام المذکور مع وجود القدر المتیقن، بل یجب الاعتناء بالشک فیما عداه، أمّا إذا لم یتم مسلکه، فإنْ إطلاق الکلام یشمل الحج
وغیره من الواجبات ذوات الأجزاء أیضاً، ولا یعتنی بالشک فی الجزء السابق بعد الدخول فی اللّاحق.
الإشکال علی الکفایۀ … ص: 406
صفحۀ 237 من 265
وقد أشکل علی (الکفایۀ) نقضاً وحلّاً.
إنّ الشکَّ لا ینقضُ » أمّا نقضاً، فقد تمسّک المحقق الخراسانی- خلافاً للشیخ- بإطلاق نصوص الإستصحاب، کقوله علیه السلام
لحجیۀ الإستصحاب فی موارد الشک فی المقتضی، مع وجود القدر المتیقَّن لهذا الکلام، وهو مسألۀ الوضوء وبقاء الطهارة «2» « الیقین
مع الخفقۀ والخفقتین فی السؤال والجواب بین الإمام وزرارة.
__________________________________________________
(1)
. 237 ، الباب 23 من أبواب الخلل الواقع فی الصلاة، رقم 1 / وسائل الشیعۀ 8
. 247 ، الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء، رقم 6 / 2) وسائل الشیعۀ 1 )
ص: 407
ولا یخفی الأثر الفقهی الکبیر المترتّب علی هذه المسألۀ. فلو وقع عقد وتردّد بین کونه منقطعاً ومدّته سنۀ أو دائمیاً لا یرتفع
إلّابالطلاق، فإنّ الشیخ لا یري جریان استصحاب بقاء الزوجیّۀ بعد السنۀ- لأن الشک حینئذٍ فی اقتضاء الزوجیّۀ للبقاء- أمّا صاحب
(الکفایۀ) فیري جریانه، أخذاً بإطلاق أدلۀ الاستصحاب، مع وجود القدر المتیقَّن فی مقام التخاطب.
علی أنّه لا یشترط فی القدر المتیقّن فی مقام التخاطب أنْ یکون هناك سؤال وجواب، بل مجرّد ورود الدلیل فی موردٍ خاص یکفی
لأنْ یکون ذاك المورد هو القدر المتیقن من المراد، فلا یجوز التعدّي عنه إلی غیره أخذاً بإطلاق الکلام علی مبنی (الکفایۀ)، والحال
أنّه یأخذ بذلک کما هو واضح. وهذا نقض آخر.
هذا، وأمّا نقض المیرزا: بأنه لو کان القدر المتیقن فی مقام التخاطب مانعاً عن انعقاد الإطلاق، فالقدر المتیقن الخارجی کذلک.
فواضح الاندفاع.
وأمّا حلّاً:
فإنّ المفروض کون المتکلّم فی مقام بیان تمام مراده، ومقتضی ذلک أن یکون الإثبات موافقاً للثبوت، فلو کان المراد الواقعی علی
حدّ القدر المتیقن لَما کان الذي قاله مطابقاً لمراده الذي کان بصدد بیانه، فلو سئل: هل یجب إکرام زید العالم، فأجاب بوجوب إکرام
العالم، وکان مراده وجوب إکرام زید، لزم أن لا یکون کلامه موافقاً لِما هو فی مقام بیانه، لأنه قد جاء بالحکم علی طبیعی العالم،
الشامل لزید العالم وغیره من العلماء، ولکنّ الأصل العقلائی- وهو التطابق بین الثبوت والإثبات- یقتضی عدم انحصار الإکرام بزید.
والحاصل: إن ما ذهب إلیه صاحب (الکفایۀ) ینافی أصالۀ التطابق.
ص: 408
الثانی: توقّف الإطلاق علی عدم الانصراف … ص: 408
قال فی الکفایۀ:
ثم إنه قد انقدح بما عرفت … أنه لا إطلاق له فیما کان له الإنصراف إلی خصوص بعض الأفراد أو الأصناف، لظهوره فیه أو کونه
.«1 …» متیقّناً منه
ولا یخفی أن مرادهم عدم انعقاد الإطلاق، لا أنّ الإنصراف أو وجود القدر المتیقن- علی القول به- مانعٌ عنه، لوضوح أن مرتبۀ المانع
متأخرة عن المقتضی … بل مرادهم عدم تحقق الإطلاق، فلا یشکل علیهم من هذه الجهۀ، لمعلومیّۀ مرادهم من عباراتهم، وإنْ کان
ظاهر کلام الأُستاذ الإیراد علیهم بذلک.
صفحۀ 238 من 265
وأمّا الإنصراف- وهو عبارة عن رجوع اللّفظ من الدلالۀ علی معنیً إلی الدلالۀ علی معنی آخر- فلا یکون بلا منشأ، وقد وقع الکلام
بینهم فیه.
لقد قال المتقدّمون بالإنصراف علی أثر ندرة الوجود لح ّ ص ۀٍ من حصص الطبیعۀ، وأنّ الظهور ینعقد فی الح ّ ص ۀ الغالبۀ … إلّاأن
المتأخرین یقولون بأنّ ندرة الوجود لا تکون منشأً لانصراف اللّفظ عن النادر، ولا غلبۀ الوجود تکون منشأً لانصرافه نحو الغالب…
لأنّ اللفظ صادق علی النادر حقیقۀً کصدقه علی الغالب فی الوجود، ویحصرون الإنصراف بصورة التشکیک فی الصدق، بأنْ یکون
« ما لا یؤکل لحمه » صدق اللفظ علی ح ّ ص ۀٍ جلیّاً وعلی الاخري خفیّاً، فیقولون بانصرافه إلی ما هو فیه جلیٌّ، ویمثّلون لذلک بعنوان
حیث أنّ الإنسان من مصادیقه حقیقۀً، لکنّ صدقه علیه خفی وعلی غیره مما لا یؤکل لحمه من الحیوانات جلیّ،
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الاصول: 249 )
ص: 409
ولذا، فإنّ الدلیل الدالّ علی عدم جواز ال ّ ص لاة فیما لا یؤکل لحمه منصرف عن الإنسان إلی غیره، فتجوز ال ّ ص لاة فی شعر الإنسان ولا
تجوز فی شعر الهرّة مثلًا.
والحاصل: إنهم یقولون بأنّ التشکیک فی ال ّ ص دق هو المنشأ الوحید المقبول لقالبیّۀ اللّفظ فی المنصرف إلیه من المصادیق، وأمّا مع
التواطئ فی الصدق، کلفظ الرقبۀ الصادق علی المؤمنۀ والکافرة علی حدٍّ سواء، فلا ینافی الإطلاق، بل حتی لو کان الصّدق فی ح ّ ص ۀٍ
أظهر منه فی حصّۀٍ اخري لم یناف الإطلاق … فالملاك هو التشکیک إلی حدّ الجلاء والخفاء.
له ظاهر وباطنٌ، « إمسح بکفّک قدمیک » : فی « الکف » ثم إنّ الإنصراف تارةً یکون مطلقاً واخري یکون فی حالٍ دون حالٍ، فمثلًا لفظ
رحمه اللَّه یري بأن مثل هذا «1» واللّفظ وإنْ کان ظاهراً فی الإطلاق، بأنْ یمسح بالظاهر أو بالباطن، لکن بعض الفقهاء کالهمدانی
الدلیل ناظر إلی أحوال المکلَّفین، أيإنه ینصرف إلی المسح بباطن الکف للمکلَّف المختار، وإلی المسح بظاهره للمکلّف المضطر.
عن الإنسان. واخري له صارفٌ، کما لو کان محفوفاً بقرینۀ حالیۀ أو « ما لا یؤکل لحمه » هذا، واللّفظ تارةً منصرفٌ کما فی انصراف
کلّ ما مضی من صلاتک وطهورك فامضه » مقالیۀ، وقد یقع الشک فی وجود الصارف وعدم وجوده. مثلًا یقول الإمام علیه السلام
وهذه قاعدة الفراغ … فظاهر الروایۀ هو عدم الإعتناء بالشکّ بعد الفراغ من العمل، سواء کان حین العمل ملتفتاً أو غافلًا، «2» « کما هو
فهذا هو الظاهر ولا قید فی الروایۀ، وقد أخذ بعض الفقهاء بهذا الإطلاق، لکنّ هنا قرینۀً خارجیّۀ لها دخلٌ فی المطلب، وهی السیرة
العقلائیۀ
__________________________________________________
.150 / 1) مصباح الفقیه 1 )
. 471 ، الباب 42 من أبواب الوضوء، رقم 6 / 2) وسائل الشیعۀ 1 )
ص: 410
القائمۀ علی إناطۀ عدم الاعتناء بالشکّ بأصلین هما: أصالۀ عدم تعمّد المکلّف للإخلال بالعمل، وأصالۀ عدم غفلۀ المکلَّف عن العمل
حین الإتیان به … فیکون عدم الاعتناء بالشک بعد الفراغ منوطاً بالأصلین، والروایۀ ملقاة إلی العرف ومنزَّلۀ علی ما فی السیرة
العقلائیۀ، وعلیه، یثبت احتفاف الروایۀ بهذه السّیرة الصالحۀ لأنْ تکون قرینۀ صارفۀً لإطلاقها، ونتیجۀ ذلک: أنه لو شکّ فی جریان
أحد الأصلین فی موردٍ انتفت السّیرة، فلا یؤخذ بإطلاق الروایۀ … وهذا معنی قولهم:
إنه یعتبر فی الإطلاق عدم وجود ما یحتمل الصارفیّۀ.
الثالث: لو کان بین الجهۀ المراد بیانها وجهۀ اخري ملازمۀ … ص: 410
صفحۀ 239 من 265
قد تقدَّم أنّه یعتبر فی انعقاد الإطلاق کون المتکلّم فی مقام بیان المراد، وأنّه إذا کان للموضوع أو المتعلَّق جهات، فإن الإطلاق لا
«1» « فَکُلُوا مِمَّا أَمْسَکْنَ » ینعقد إلّافی الجهۀ التی سبق الکلام لبیانها … ومثّلنا لذلک بقوله تعالی
أنه یستثنی من ذلک ما لو کان بین الجهۀ التی یراد بیانها وغیرها ملازمۀ شرعیۀ أو «2» ( .لکنْ عن الشیخ قدس سرّه وتبعه فی (الکفایۀ
عقلیّۀ أو عادیۀ، فالإطلاق یعمُّ تلک الجهۀ أیضاً، ففی الآیۀ مثلًا لو کان بین حلیّۀ الأکل والطّهارة ملازمۀٌ، فإنّ الإطلاق ینعقد فی طرف
الطهارة أیضاً وإنْ لم تکن الآیۀ فی مقام بیان الحکم إلّا من جهۀ حلیّۀ الأکل … وقد مُثّل للمطلب بالملازمۀ العقلیّۀ بین صحّۀ ال ّ ص لاة
نسیاناً فی مطلق أجزاء ما لا یؤکل لحمه. وما دلَّ علی صحّتها کذلک فی عذرة ما لا یؤکل لحمه مع کون العذرة جزءً له.
__________________________________________________
. 1) سورة المائدة: الآیۀ 4 )
2) کفایۀ الاصول: 249 تنبیه. )
ص: 411
الرابع: لو ظفر بمقیّد الکلام فیما بعد … ص: 411
قد عرفت أنه لابدّ من إحراز کون المتکلّم فی مقام البیان.
فوقع الکلام فیما لو ظفر بالقید فیما بعد، فهل یکشف ذلک عن عدم کونه فی مقام بیان تمام المراد ویسقط الإطلاق فلو عثرنا علی
المقیِّد للرقبۀ بالإیمان، فهل یبقی لقوله: أعتق رقبۀً إطلاق بالنسبۀ إلی العلم والجهل مثلًا؟
قال فی الکفایۀ:
ثم لا یخفی علیک أن المراد بکونه فی مقام بیان تمام مراده: مجرّد بیان ذلک وإظهاره وإفهامه، ولو لم یکن عن جد بل قاعدةً
وقانوناً، لتکون حجۀً فیما لم تکن حجۀ أقوي علی خلافه، لا البیان فی قاعدة قبح تأخیر البیان عن وقت الحاجۀ، فلا یکون الظفر
بالمقیَّد- ولو کان مخالفاً- کاشفاً عن عدم کون المتکلَّم فی مقام البیان، ولذا لا ینثلم به إطلاقه وصحّۀ التمسّک به أصلًا. فتأمّل جیداً
.«1»
« تأخیر البیان عن وقت الحاجۀ قبیح » الذي فی قاعدة « البیان » الذي یعتبر فی مقدّمات الإطلاق یختلف عن « البیان » وحاصل کلامه: أن
أيعن وقت حاجۀ المخاطب، لأنه مناف للحکمۀ، وإلّا فإنه عن وقت حاجۀ المتکلّم محالٌ، لأنه نقض للغرض- وذلک، لأنّ المفروض
کون التکلّم فی مقام بیان وإظهار مراده للمخاطب وإفهامه إیّاه، وإنْ لم یکن ذلک مراده الجدّي الواقعی، فلو ظفر فیما بعدُ علی مقیَّد
لم یضر بإطلاق کلامه، نعم، لو کان فی مقام بیان الحکم الواقعی، ثم ظهر المقیِّد لکلامه، لوقع التنافی، لأنّه لم یبیّن المراد الواقعی مع
کونه فی مقام
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الاصول: 248 )
ص: 412
بیانه کما هو الفرض.
وعلی الجملۀ، فإنه إن کان فی مقام بیان الوظیفۀ العملیۀ فی ظرف الشک حتی لا یبقی متحیّراً، ففی هذه الحالۀ ینعقد الإطلاق ولا یضرّ
مجیء المقیّد لاحقاً إذا احرز کونه فی هذا المقام، وأمّا إن کان فی مقام بیان المراد الجدّي والحکم الواقعی، فالمقیّد اللّاحق یضرّ…
والمقصود فی مقدّمات الإطلاق هو الأول، لأنّ الغرض تأسیس أصالۀ الإطلاق لیکون مرجعاً لدي الشک فی مراد التکلّم من کلامه.
صفحۀ 240 من 265
وتلخّص عدم إضرار المقیّد الذي ظفر به فیما بعد.
وللشّیخ قدس سرّه هنا بیانٌ آخر وهو: إنّه لما کان المتکلّم فی مقام بیان مراده الجدّي الواقعی، وکان لموضوع الحکم أو متعلّقه جهاتٌ
عدیدة کما فی الرقبۀ مثلًا، والمفروض إحراز تلک الجهات بالوجدان أو بأصالۀ البیان، فلو وصل فیما بعد قیدٌ یضرّ بجهۀٍ منها، فإنّ
الإطلاق من تلک الجهۀ یزول، ولا یضرُّ زواله به من الجهات الاخري، فلو عثر علی دلیلٍ یعتبر الإیمان، فإنه تخرج الرقبۀ عن الإطلاق
من تلک الجهۀ لحصول المزاحم لانعقاده، وتبقی علیه من جهۀ العلم والجهل والذکورة والانوثۀ إلی غیر ذلک، لعدم تحقق المزاحم
له من جهتها.
الخامس: هل تقیید الإطلاق یستلزم المجازیّۀ …؟ ص: 412
قد تقدَّم الخلاف بین المشهور والسلطان والمتأخرین. فعلی هذا المبنی حیث أنّ الإطلاق والتقیید خارجان عن المعنی الموضوع له
اللّفظ، فإنّ کلّاً منهما مستفادٌ من القرینۀ، أمّا الإطلاق فقرینته مقدمات الحکمۀ، وأمّا التقیید فالقرینۀ
ص: 413
الخاصۀ القائمۀ علیه من قولٍ أو حال … لوضوح أن اللّفظ- علی هذا المسلک- موضوعٌ للماهیّۀ من حیث هی أو للطبیعۀ المهملۀ…
والمجاز استعمال اللّفظ فی غیر ما وضع له.
فلا مجازیۀ علی مسلک المتأخرین.
أمّا علی مسلک الجمهور من دخول الإطلاق فی المعنی، أمّا فی المقیّد المتّصل فالمجازیّۀ حاصلۀ، لأن اللّفظ قد استعمل فی غیر
الموضوع له وهو المطلق. وأمّا فی المنفصل: فالمیرزا علی المجازیۀ کذلک، وخالفه تلمیذه فی (المحاضرات)، وتبعه الأُستاذ: بأنّ
المنفصل إنما یصادم الحجّیۀ دون الظهور، لوجود المقتضی له وعدم المانع، فلابدّ- علی مسلکهم- من التفصیل بین المتصل
والمنفصل.
وهذا تمام الکلام فی التنبیهات.
ص: 414
الکلام فی حمل المطلق علی المقیّد … ص: 413
اشارة
إذا ورد مطلق ومقیّد، فهل یحمل المطلق علی المقیَّد؟
إن الإطلاق تارةً بدلی واخري شمولی، فالکلام فی مقامین.
. المقام الأول (فی الإطلاق البدلی …) ص: 414
اشارة
وهو ما یتحقّق فیه الامتثال بالإتیان بصرف الوجود من المأمور به، کما لو قال: أعتق رقبۀً. فتارةً یکون المطلق والمقیَّد متوافقین فی
الحکم، بأنْ یکون کلاهما إیجابیّین أو یکونا سلبیین، واخري: یکونان متخالفین، کأنْ یقول: أعتق رقبۀ ولا تعتق رقبۀً کافرة.
أمّا إذا کانا متخالفین، فلا خلاف فی حمل المطلق علی المقیّد، کما فی المثال.
وأمّا إذا کانا متوافقین- مع العلم بوحدة الحکم- کما لو قال: أعتق رقبۀً، وأعتق رقبۀً مؤمنۀ، ففی حمل المطلق علی المقیَّد قولان،
صفحۀ 241 من 265
فالمشهور علی الأول.
وقیل لا، بل یحمل القید علی أفضل الأفراد. وتفصیل الکلام هو:
إنّ الحمل فرعٌ لوجود التنافی فی المدلول بین الکلامین، ولمّا کان المفروض وحدة الحکم، أيلا یجب إلّاعتقٌ واحدٌ، فهل المعتق
مشروطٌ بالإیمان أو أنه غیر مشروط، ولا یخفی التنافی بین الاشتراط وعدم الاشتراط؟
فقال المشهور برفع التنافی بحمل المطلق علی المقید، فیکون الإیمان شرطاً وقیداً فی العتق، وقال الآخرون بالحمل علی أفضل الأفراد
وبه یرتفع التنافی.
ص: 415
. دلیل القول بالحمل فی المقیّد المتّصل … ص: 415
اشارة
وقد استدلّ للمشهور بوجوه:
الأوّل: أنا إذا حملنا المطلق علی المقیَّد فقد عملنا بکلا الدلیلین، وهو واجب کما لا یخفی لأن کلّاً منهما دلیل.
وفیه: إنْ کان المراد من العمل بالدلیلین هو الامتثال لهما، بمعنی أنّ بالإتیان بالرقبۀ المؤمنۀ جمعٌ فی الامتثال، فهذا غیر الجمع بین
الدلیلین الرافع للتعارض بینهما لا بالتبرّع بل بشاهدٍ. وإنْ کان المراد أنّ الإتیان بالرقبۀ المؤمنۀ هو مقتضی الجمع الدلالی بین الدلیلین،
فهو أوّل الکلام، لأن القائلین بالقول الثانی یقولون بالجمع الدلالی بینهما بالحمل علی أفضلیۀ عتق المؤمنۀ من غیر المؤمنۀ مع سقوط
التکلیف بکلٍّ منهما.
من أنّ المفروض کون الإطلاق بدلیاً، ومعنی ذلک لا بشرطیّۀ الرقبۀ بالنسبۀ إلی الإیمان ،«1» ( والثانی: ما ذکره صاحب (الکفایۀ
والکفر، فیکون المکلّف فی مقام الامتثال مخیَّراً عقلًا بین أن یأتی بالمؤمنۀ أو الکافرة، ولکنّه قال بعد ذلک:
أعتق رقبۀً مؤمنۀً، وهذا أمر ظاهر فی الوجوب التعیینی، وبما أنه أقوي من ظهور المطلق فی الإطلاق، فإنّه یتقدّم ویحمل علیه المطلق لا
محالۀ.
الإشکال علی الکفایۀ … ص: 415
:«2» وقد أشکل علیه الإیروانی
بأنّ من مقدّمات الإطلاق إحراز کون المتکلّم فی مقام البیان، فإنْ احرز ذلک فی أحدهما بالوجدان وفی الآخر بالأصل، فلا ریب فی
عدم التعارض بل
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الاصول: 250 )
. 2) نهایۀ النهایۀ: 316 )
ص: 416
یتقدّم ما کان بالوجدان علی ما کان بالأصل، لأنّه مع الوجدان لا مجال للأصل. وإنْ کان المستند فی کلا الکلامین هو الأصل، فلا
صفحۀ 242 من 265
تقدّم لأحدهما علی الآخر. وما نحن فیه من هذا القبیل، لأن الظهور فی الدلیلین علی حدٍّ سواء، لأن دلالۀ الدلیل المقیَّد علی وجوب
عتق المؤمنۀ بالخصوص هی من جهۀ الظهور الإطلاقی فی الوجوب التعیینی، ودلالۀ المطلق علی کفایۀ صرف وجود عتق الرقبۀ هی
من جهۀ الظهور الإطلاقی کذلک، فکلاهما ظهور إطلاقی، ولا وجه لتقدّم أحدهما علی الآخر.
الإشکال علی (الکفایۀ): بأنه لا یتم علی مسلک صاحب (الکفایۀ)، حیث أنه قد صرَّح فی بحث الأوامر بأنْ «1» ( وفی (المحاضرات
صیغۀ الأمر لم توضع للدلالۀ علی الوجوب التعیینی، بل هو مستفاد من الإطلاق ومقدّمات الحکمۀ.
وعلیه، فلا فرق بین الظهورین، ولیس ظهور الأمر فی الوجوب التعیینی بأقوي من ظهور المطلق فی الإطلاق.
دفاع الُأستاذ … ص: 416
وقد ذکر الأُستاذ: أن وجه الأظهریۀ قد خفی علی هذین المحققین فأشکلا بما ذکر، وذلک أن صاحب (الکفایۀ) قد صرّح فی
من مباحث صیغۀ الأمر بأنّها تدلُّ علی الوجوب، والدلیل هو التبادر عند استعمالها بلا قرینۀٍ (قال): ویؤیّده عدم «2» المبحث الثانی
صحّۀ الاعتذار عن المخالفۀ باحتمال إرادة الندب.
قضیۀ إطلاق الصیغۀ کون الوجوب نفسیّاً تعیینیّاً عینیّاً، لکون کلّ واحدٍ مما یقابلها یکون فیه تقیید » :«3» ثم ذکر فی المبحث السادس
الوجوب وتضیق دائرته، فإذا کان فی مقام البیان ولم ینصب قرینۀً علیه، فالحکمۀ تقتضی کونه مطلقاً،
__________________________________________________
.544 / 1) محاضرات فی اصول الفقه 4 )
. 2) کفایۀ الاصول: 70 )
. 3) کفایۀ الاصول: 76 )
ص: 417
.« وجب هناك شیء آخر أوْ لا، أتی بشیء آخر أوْ لا، أتی به آخر أوْ لا
أعتق رقبۀً » مطلقٌ ولیس معه شیء آخر، وإطلاقه بدلی، لکنّ « أعتق رقبۀً » وبالدقۀ فی کلامه فی المبحثین یظهر وجه الأظهریّۀ، لأنْ
مشتمل- بالاضافۀ إلی الدلالۀ الإطلاقیّۀ من جهۀ الوجوب التعیینی- علی دلالۀٍ وضعیّۀٍ من جهۀ الدلالۀ علی وجوب خصوص « مؤمنۀً
المؤمنۀ، فکان المقیَّد أظهر دلالۀً، وتقدیم المطلق علیه یستلزم سقوط الإطلاق والوضع معاً.
فظهر اندفاع الإشکال عن کلامه فی المقام، وإنْ کان لنا فیه نظر من ناحیۀٍ اخري، کما سیأتی.
أعتق » ینفی دخل الإیمان عن طریق عدم التقیید واللّابشرطیّۀ، أمّا فی « أعتق رقبۀً » ویمکن دفع الإشکال بعبارة اخري، بأن یقال: إنّ ظاهر
قد أوجد التضییق فی دائرة الموضوع، « الإیمان » فإنه وإنْ کان الإطلاق یقتضی الوجوب التعیینی، لکن اعتبار خصوصیّۀ « رقبۀً مؤمنۀً
وهذه الدلالۀ علی التضییق وضعیّۀ لا إطلاقیّۀ.
توجد التوسعۀ بالنسبۀ إلی الإیمان عن طریق الإطلاق- أيبمقدّمات الحکمۀ- لا بالدلالۀ اللّفظیۀ، أمّا فی « أعتق رقبۀً » والحاصل: إنه فی
تضییق بالنسبۀ إلی الإیمان بالدلالۀ اللّفظیۀ الوضعیّۀ، فکان الإطلاق فیه مقترناً بدلالۀٍ وضعیّۀ، فیکون ظهوره أقوي من « أعتق رقبۀً مؤمنۀً »
ویتقدّم علیه بملاك الأظهریّۀ. « أعتق رقبۀً » ظهور
والثالث: ما ذکره الشیخ وحاصله: أنّ الأمر یدور بین الجمع بین المطلق والمقیَّد بالتخییر، أو حمل المقیَّد علی الأفضلیۀ والاستحباب، أو
حمل المطلق علی المقیَّد.
« الرقبۀ المؤمنۀ » و « الرقبۀ » أمّا الجمع بالتخییر، فغیر معقول، لأن النسبۀ بین
صفحۀ 243 من 265
ص: 418
وهی تقتضی المباینۀ بین الفردین، ولا مباینۀ بین « أو » نسبۀ الکلّی إلی الفرد، والتخییر بین الکلّی والفرد محال، لوضوح أنّه یکون ب
الکلّی والفرد.
وأمّا حمل المقیّد علی الأفضلیّۀ، فمردود بأنّه خلاف الظاهر، لأن صیغۀ الأمر ظاهرة فی الوجوب، وحملها علی الاستحباب رفع للید عن
مقتضی الظاهر بلا موجب.
وأمّا حمل المطلق علی المقیّد، فلا یستلزم تصرّفاً فی المعنی ولا تجوّزاً فی اللّفظ، لأنّه قد استعمل فی الماهیّۀ، ثم لمّا جاء المقیَّد علمنا
أنّه لم یکن فی مقام بیان مراده الجدّي، فنحمل کلامه المطلق علی هذا المقیَّد، ولا یستلزم أيّ محذور فیتعیّن هذا الإحتمال.
إشکال الکفایۀ … ص: 418
أوّلًا: بأنّ مقتضی استعمال اللّفظ فی الطبیعۀ، مع کون المتکلّم فی مقام البیان وعدم التقیید، هو «1» وقد أشکل علیه المحقق الخراسانی
ظهور الکلام فی الإطلاق، فإذا جاء المقیّد له سقط الظهور، وهذا تصرّف فی اللّفظ، فقول الشیخ أنّه لا یستلزم تصرّفاً غیر تام.
وثانیاً: إن استلزام حمل المقیَّد علی الأفضلیّۀ للمجاز أوّل الکلام، بل إنّه مع الحمل علیها واجدٌ لملاك الوجوب والأمر مستعملٌ فیه.
کلام الُأستاذ … ص: 418
فأورد الأُستاذ علی الإشکال الثانی: بأنّ ملاك الوجوب یکون دائماً فی الطبیعۀ وتحقّقه فی الفرد محال، فإذا کان عتق الرقبۀ المؤمنۀ
مستحبّاً کان ملاك الوجوب قائماً بالرقبۀ، ولیس فی المؤمنۀ إلّاملاك الاستحباب، ومن هذا الباب
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الاصول: 250 )
ص: 419
نقول باستحالۀ الإتیان بفردٍ من الصلاة بقصد الوجوب، لأن الأمر بها متعلّق بالطبیعۀ، والفرد المأتی به محقق للامتثال ومسقط للأمر.
وأمّا الإشکال الأول فمبنائی، إذ الشیخ لا یري أن التقیید تصرّفٌ فی المعنی وصاحب (الکفایۀ) یراه تصرّفاً، والتحقیق أنْ یقال:
إنه یدور الأمر بین رفع الید عن ظهور الأمر بالمقیَّد فی الوجوب وحمله علی الأفضلیۀ أو رفع الید عن الإطلاق، لأنّه لا یمکن الجمع
بینهما مع وحدة التکلیف، وفی هذه الحالۀ ما المانع من رفع الید عن أصالۀ الحقیقۀ وارتکاب المجاز حتّی یتعیَّن التقیید؟
وبعبارة اخري: ما الدلیل علی ترجیح ما لا یستلزم المجاز علی ما یستلزمه عند دوران الأمر؟
علی أنَّ استلزام الحمل علی الأفضلیۀ للمجاز، یبتنی علی ظهور صیغۀ الأمر فی الوجوب ظهوراً وضعیّاً، ولا یتمّ علی مبنی من یقول بأنّ
الدلالۀ علی الوجوب هی مقتضی الإطلاق.
طریق المیرزا … ص: 419
وذهب المیرزا إلی فإنّ الملاك الصحیح لحمل المطلق علی المقیَّد هو القرینیۀ، لأنّ غایۀ ما ذکر فی الدفاع عن وجه (الکفایۀ) هو
وجود الدلالۀ الوضعیّۀ- إلی جنب الدلالۀ الإطلاقیۀ- فی المقیَّد، لکنّ هذا القدر لا یکفی لأنْ یتقدّم علی المطلق، إلّاأنْ یکون بیاناً له،
صفحۀ 244 من 265
وحینئذٍ ینتفی الإطلاق فی طرف أعتق رقبۀً، وهذا خلاف الفرض.
کما أنّ وجه الشیخ یتوقّف علی أنْ یکون المقیَّد بیاناً، فیقع الإشکال المذکور، وأمّا لو لم یکن بیاناً لم یکن صالحاً للتقدّم.
ص: 420
أمّا مبنی المیرزا فمفاده: أنّ المقیَّد قرینۀٌ بالنسبۀ إلی المطلق، ومعها تسقط أصالۀ البیان فی ناحیته، وملخّص الاستدلال هو:
إنّ مقتضی القاعدة تقدّم الأصل فی السبب علی الأصل فی المسبب، وهذا التقدّم من باب الحکومۀ، وقد قرّرت هذه القاعدة فی
تنبیهات الاستصحاب، ومثالها المعروف هو غسل الثوب النجس بالماء المشکوك الطهارة … غیر أنّ الأصل فی الماء والثوب هو
الإستصحاب وهو أصل عملی، والأصل فیما نحن فیه لفظی، ولا فرق فی القاعدة من هذه الجهۀ.
إنَّ کلّ دلیل حاکم نسبته إلی الدلیل المحکوم نسبۀ السبب إلی المسبّب، فأصالۀ الظهور فی طرف المطلق وکذا فی طرف المقیَّد تامّۀ،
لکنَّ المقیَّد قرینۀٌ والمطلق ذو القرینۀ، وفی ذات القرینۀ حیثیّۀ البیانیۀ کما أنْ فی ذات ذي القرینۀ حیثیۀ المبیَّنۀ، فتکون أصالۀ الظهور
فی ذي القرینۀ مسبَّبۀً لأصالۀ الظّهور فی القرینۀ. وإنْ شئت فقل: إنّ أصالۀ الظهور فی طرف ذي القرینۀ معلَّقۀ، لکنها فی طرف القرینۀ
غیر معلَّقۀ، فلا محالۀ یتقدَّم القرینۀ علی ذیها، بمقتضی القاعدة المذکورة.
ورفع الید عن مقتضی أصالۀ الحقیقۀ فیه، وحمله علی المعنی المجازي وهو « الأسد » علی ظهور « یرمی » ومن هذا الباب تقدُّم ظهور
موقوفٌ علی جریان أصالۀ الحقیقۀ فیه، وجریانها معلَّق « الحیوان المفترس » لأنَّ حمل لفظ الأسد علی معناه الحقیقی ،« الرجل الشجاع »
علی عدم وجود القرینۀ المانعۀ، إذ الإهمال فی الواقعیات محال، وجریانها حتی مع وجود القرینۀ غیر صحیح، وإلّا یلزم أنْ لا یکون
الظاهر فی رمی النبل، والذي ظهوره فیه غیر معلَّق علی شیء، فکانت أصالۀ « یرمی » عندنا استعمال مجازي أصلًا، والمفروض وجود
تمنع عن انعقادها، « یرمی » معلَّقۀ علی عدم وجود القرینۀ المانعۀ، و « الأسد » الحقیقۀ فی
ص: 421
ولکونها بیاناً وقرینۀً تتقدَّم.
وتلخَّص: أنّه مع وجود أصالۀ الظهور فی القرینۀ، لا یبقی موضوع لأصالۀ الظهور فی ذي القرینۀ.
ثم إنّ الملاك للقرینیّۀ هو الظهور العرفی، فإنَّ نسبۀ القرینیّۀ موجودة بکلّ وضوح بین ال ّ ص فۀ والموصوف، والحال وذي الحال، وکلّ
تابع ومتبوع، ومتی ما وقع الشک عند العرف العام فی القرینیّۀ یکون الکلام مجملًا.
وبعد تمامیّۀ القرینیّۀ من الناحیۀ الصغرویّۀ، فقد تکون القرینۀ متّصلۀ وقد تکون منفصلۀً.
فإن کانت متّصلۀً، فهی قرینۀ علی المراد فی مرحلۀ الدلالۀ التصدیقیّۀ، وهی المرحلۀ التی یستعمل فیها اللّفظ فی معناه الموضوع له
وینعقد للکلام الظهور وینسب إلیه المدلول، کما لو قال: أعتق رقبۀً مؤمنۀً، وذلک یتحقّق بفراغه من الکلام بقیوده.
وهذه هی الدلالۀ التصدیقیّۀ الاولی.
والدلالۀ التصدیقیۀ الثانیۀ هی مرحلۀ الإرادة الجدیّۀ، فإنه بعد انعقاد الظّهور لابدَّ من ثبوت أنّ هذا الظاهر هو المراد للمتکلّم وأنه لم
یقصد المزاح أو الإمتحان مثلًا، وذلک یتمّ فی حال عدم إتیان المتکلّم بالقرینۀ المنفصلۀ الصارفۀ للّفظ عن المعنی الظاهر فیه، فإنْ جاء
القید المنفصل فهو، وإلّا فالأصل فی الکلام عقلاءً هو الجدّ لا الهزل والإمتحان وما شابه.
وبعبارة اخري، فإنّه بمجرّد انقطاع الکلام یستقرُّ له الظهور فی معناه، فإنْ أقام قرینۀً منفصلۀً علی خلاف الظاهر، فإنّها لا تضرّ بالظهور
وإنّما تحول دون حجیّته.
وهذا تمام التوضیح لکلام المیرزا فی المقام.
ص: 422
صفحۀ 245 من 265
الإشکال علیه … ص: 422
هذا، وقد أفاد الأُستاذ أنه لا یمکن المساعدة علی ما ذکره المیرزا، لوجوه:
« أعتق رقبۀً » صالحۀٌ لتقیید مفاد « مؤمنۀ » الأول: إنّ ما ذکره قدس سرّه إنما یتمُّ فی القرینۀ المتصلۀ- ولا یرد علیه أيّ إشکال- لأنّ کلمۀ
لیخرج عن الإطلاق، لکونها بیاناً وقرینۀً، ولکنه لو جاء بقید الإیمان فی کلامٍ آخر، فإنّ قرینیّۀ المنفصل لیس لها وجه عقلی أو
عقلائی، لأنّ العقلاء یرون کلامین منفصل أحدهما عن الآخر، ویقولون: قد تکلَّم بکلامین، ولکلّ کلامٍ حکمه، ولا یتعدّي حکم
أحدهما إلی الآخر، ولا یجعلونه قرینۀً له.
الثانی: إن مقتضی القاعدة بناءً علی تقدیم المقیَّد علی المطلق من باب القرینیّۀ، هو أنْ لا یکون فرقٌ عند العرف بین تقدّم القرینۀ علی
ذیها أو تأخّرها عنه، ولکنّ الأمر لیس کذلک، فلو قال: أعتق رقبۀً مؤمنۀً، ثم قال: أعتق رقبۀً، یحتمل العرف أنّ کلامه الثانی جاء
توسعۀً علی المکلَّف، ولا یبادرون بالجمع بین الکلامین، ولا أقل من التوقّف والاستفسار من المولی.
فهذا القید إنْ فرض متّصلًا کان ،« المؤمنۀ » قد حصل من جهۀ « أعتق رقبۀً مؤمنۀً » و « أعتق رقبۀً » الثالث: قد ذکر المیرزا أنّ التنافی بین
قرینۀً علی المراد الاستعمالی، فلما جاء منفصلًا فهو قرینۀ علی المراد الجدّي، فهو علی التقدیرین قرینۀ.
مع قطع النظر عن کونها قیداً، بل هو من جهۀ قیدیّۀ هذه الکلمۀ، وقیدیّتها بدون إضافتها إلی « المؤمنۀ » لکنّ الإشکال لیس من جهۀ
الرقبۀ غیر معقول، فهی موجودة فی أعتق رقبۀً مؤمنۀً، أيفی صورة الإتصال، وأمّا فی صورة الإنفصال، بأنْ تستفاد القیدیّۀ من الجملۀ
فمحال، لأن « أعتق رقبۀ » المذکورة ثم تحکّم علی
ص: 423
القیدیۀ نسبۀٌ، وکلّ نسبۀ فهی قائمۀ بین منتسبین.
الرابع: إنّه لا دلیل من العرف وغیره علی أنّ کلّ ما یکون قرینۀ فی حال الإتصال فهو قرینۀ کذلک فی حال الإنفصال، بل الأمر
بالعکس، فإنّ أهل العرف یرون الکلام الثانی ناسخاً وعدولًا عن الکلام الأول … وعلی الجملۀ، فإنّ المرجع فی القرینیۀ والبیانیّۀ هو
العرف والسیرة العقلائیۀ، وهی فی صورة الإنفصال مفقودة إن لم یکن العکس کما ذکرنا.
وهذا تمام الکلام علی طریق القرینیّۀ.
طریقُ الحائري … ص: 423
لحمل المطلق علی المقید وجهاً آخر ومحصّل کلامه هو: «1» وذکر المحقق الحائري
إن الدلیلین المثبتین تارة یحرز وحدة الحکم فیهما، واخري لا یحرز وحدته، ولو احرز، فتارةً یحرز وحدة السبب واخري لا یحرز.
فإنْ لم یحرز وحدة الحکم فیهما، فهما خطابان مستقلّان، ولا یحمل المطلق منهما علی المقیّد، بل یکون کلّ منهما ظاهراً فی مدلوله،
ولا ترفع الید عن الظهور إلّابدلیلٍ.
وإنْ احرز وحدة الحکم، لکن لم یحرز وحدة السبب، کما لو قال: أعتق رقبۀً، ثم قال: أعتق رقبۀً مؤمنۀ، والحکم واحد غیر متعدّد،
فوجوه: أحدها الحمل علی المقیّد، والآخر حمل الأمر فی المقید علی الاستحباب، والثالث: التحفّظ علی ظهور الأمر فی المقیّد فی
الوجوب ورفع الید عن ظهور قید المؤمنۀ وحمله علی الإستحباب. ولمّا کان کلٌّ من هذه الوجوه مستلزماً لرفع الید عن الظهور
__________________________________________________
.237 -236 (2 - 1) درر الفوائد ( 1 )
صفحۀ 246 من 265
ص: 424
ولا مرجّح، فالکلام مجمل.
وإنْ أُحرز وحدة الحکم ووحدة السبب أیضاً، کما إذا قال: إن ظاهرت فأعتق رقبۀً، ثم قال: إنْ ظاهرت فأعتق رقبۀً مؤمنۀ، فلا مناص
فی هذه الصورة من حمل المطلق علی المقیَّد، لأن السبب- وهو الظّهار- واحدٌ، والحکم وهو وجوب العتق واحد، فإذا کان السبب
لعتق مطلق الرقبۀ، فلا یکون سبباً لعتق رقبۀ مؤمنۀ، ولا یمکن أن یکون سبباً لاستحباب عتق المؤمنۀ مع کونه السبب فی وجوب عتق
مطلق الرقبۀ، وإلّا یلزم أن یکون الشیء الواحد سبباً لمتباینین.
إشکال الُأستاذ … ص: 424
وقد أشکل الأُستاذ علی ما ذکره فی الصّورة الاولی من إبقاء کلٍّ من الکلامین علی ظهوره فی التکلیف المستقل، فیلزم امتثال کلٍّ
منهما علی حده بأن:
مقتضی الإطلاق فی طرفٍ والخصوصیۀ فی الطرف الآخر کفایۀ الامتثال الواحد، لأن المطلق منطبق علی الخصوصیّۀ بالدلالۀ المطابقیّۀ،
والدلالۀ الإلتزامیۀ لذلک هی کفایۀ الامتثال وحصوله بعتق الرقبۀ المؤمنۀ.
وأورد علی کلامه فی الصّورة الثانیۀ بأن: الإجمال ملاکه تکافؤ الاحتمالات، وذلک یتوقّف علی بطلان المسلکین المتقدّمین فی حمل
لکن الحائري لم یرد علی شیء ممّا استدلّ به لهما. «… 1» المطلق علی المقیَّد والجواب عما استدلّ به لکلٍّ منهما
وأمّا کلامه فی الصّورة الثالثۀ ففیه:
إن نسبۀ الظهار إلی العتق نسبۀ الموضوع إلی الحکم، ولذا تقرّر أنّ کلّ شرط
__________________________________________________
1) یعنی: مسلک صاحب (الکفایۀ) وهو التقدّم من باب الأظهریۀ، ومسلک المیرزا وهو التقدّم منباب القرینیّۀ. )
ص: 425
موضوع وکلّ موضوع شرط، وحینئذٍ، لابدّ من إقامۀ البرهان علی استحالۀ أنْ یکون للظهار حکمان، وهذا أول الکلام، إذ لا مانع من
أن یقال: إذا زالت الشمس وجبت صلاة الظهر. وإذا زالت الشمس استحبّ الصّلاة الفلانیۀ … وهنا لا مانع من أن یکون الظهار سبباً
لوجوب العتق المطلق، وسبباً لاستحباب عتق خصوص المؤمنۀ … هذا بالنسبۀ إلی الحکم. وأما بالنسبۀ إلی الملاك، فصحیح أن
الأسباب والشرائط لا دخل لها فی الملاکات، وأنّ البرهان علی أن الواحد لا یصدر منه إلّا الواحد، أيالواحد البسیط من جمیع
الجهات، لا یکون مصدراً لصدور الأمرین المختلفین، لکن المشکلۀ هی أنْ لا طریق لاستکشاف کون السبب الشرعی کالظهار مثلًا هو
بالنسبۀ إلی الملاك واحدٌ شخصی، بل المحرز خلاف ذلک، لقیام الحجۀ الشرعیّۀ علی تعدّد الأثر، فتکون کاشفۀً إنّاً عن أن السبب
لیس له وحدة شخصیّۀٌ بسیطۀ، فالظّهار سببٌ لوجوب العتق فی حال إمکانه، وإلّا فهو سببٌ لصیام ستّین یوماً، وعند تعذّره فإطعام ستین
مسکیناً، وکلّ واحدٍ من هذه الآثار والأحکام مباین لغیره.
طریق الُأستاذ … ص: 425
والأُستاذ بعد أنْ ذکر طرق الأکابر لحمل المطلق علی المقیَّد، أفاد فی الدورتین ما حاصله:
إنّه إذا کان الحکم واحداً کما فی: إن ظاهرت فأعتق رقبۀً، وإنّ ظاهرت فأعتق رقبۀً مؤمنۀ، فإنّ منشأ الإشکال هو وجود التنافی بین
صفحۀ 247 من 265
الخطابین، من حیث أن الثانی یقتضی تعیّن المؤمنۀ فلا تجزي الکافرة بخلاف الأول، فهل یوجد التمانع بین إطلاق المتعلّق فی الثانی
وظهور صیغۀ الأمر فی وجوب الحصّۀ المؤمنۀ أوْ لا؟
ص: 426
إنّ التنافی بین کلّ دلیلین یتوقف علی وجود المقتضی لهما علی نحو التنجز وفی عرضٍ واحد، حتی یقع التمانع بینهما فی المبدء أو
المنتهی أو المدلول لهما. أمّا لو کان أحدهما معلَّقاً غیر منجّز والآخر تامُّ الإقتضاء، فلا تمانع بل یتقدَّم ما هو تامّ الإقتضاء … وفیما
نحن فیه: ظهور صیغۀ الأمر فی الوجوب- من باب الدلالۀ الوضعیۀ کما علیه صاحب (الکفایۀ)، أو بحکم العقل کما علیه المیرزا- تامٌّ،
فیصلح لأنْ یکون مانعاً عن انعقاد الظهور فی طرف المطلق، لکنَّ المبنی المحقَّق- تبعاً لسلطان المحققین- خروج الإطلاق عن المعنی
فی الإطلاق معلَّقاً علی « الرقبۀ » الموضوع له لفظ الرّقبۀ، فلا دلالۀ له علیه إلّابمقدّمات الحکمۀ، وقد کان منها عدم التقیید، فکان ظهور
عدم المانع، فلا تمانع بینه وبین الدلیل المقیَّد … بل یتقدَّم لتتنجّز ظهوره وتمامیّته.
وعلی الجملۀ، فإنّ المقام من صغریات دوران الأمر بین ما له الاقتضاء وما لا اقتضاء له، ومن الواضح تقدّم الأول وتعیّنه.
ولا یخفی أنّ هذا الطریق یختلف عن طریق (الکفایۀ) من تقدّم إطلاق الوجوب التعیینی، لأنّ أصالۀ الإطلاق بالنسبۀ إلی الوجوب
التعیینی إنّما تجري فیما لو احتمل التخییر الشرعی، فیتمسّک بها لدفع هذا الاحتمال، ولیس ما نحن فیه من هذا القبیل، للقطع بعدم
احتمال التخییر الشرعی بین وجوب الطبیعۀ المطلقۀ ووجوب حصّۀ خاصّۀٍ منها.
وتلخص: إنّ الوجه فی تقدّم المقیَّد علی المطلق لیس الأظهریّۀ ولا القرینیّۀ ولا غیرهما، بل هو التنجیزیّۀ فی طرف المقیَّد، أيظهور
صیغۀ الأمر فی الوجوب بلا تعلیقٍ علی شیءٍ، وقد ذکرنا أنّ ذلک ثابت إمّا بالوضع من جهۀ التبادر علی رأي وإمّا بحکم العقل علی
الرأي الآخر. بل إنّه مستفادٌ من ظواهر
ص: 427
«1» « وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ » العمرة واجبۀ کالحج لأنَّ اللَّه تعالی یقول » : النصوص أیضاً، کما فی المعتبرة
« وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهیمَ مُصَل  ی » وکذلک ما ورد فی الاستدلال بقوله تعالی .« إفعل » حیث احتجّ الامام علیه السلام بظهور صیغۀ «2» «
«3»
«5» « فَانْکِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ » وما ورد من تمسّکهم بظاهر الأمر فی .«4» علی وجوب صلاة الطواف خلف المقام
.«6» علی أنّ إذن المولی شرط فی نکاح الأمۀ
وهذا تمام الکلام فی الدلیل المقیّد المتّصل.
. دلیل القول بالحمل فی المقیّد المنفصل … ص: 427
اشارة
إطلاقٌ، وحینئذٍ یؤخذ « أعتق رقبۀً » : وأمّا فی المقیّد المنفصل، فعلی القول بتوقف الإطلاق علی عدم البیان إلی الأبد، لا ینعقد لقوله
لتمامیۀ ظهوره بلا مانع. وکذا الکلام فی خطابات من علم من سیرته ودیدنه الاعتماد علی القرائن المنفصلۀ، « أعتق رقبۀً مؤمنۀً » : بقوله
کما فی خطابات الشارع المقدّس. وأمّا علی القول بتمامیۀ الإطلاق وانعقاد الظهور للکلام بفراغ المتکلّم منه فی مجلس التخاطب، فإنّ
فی المجلس الآخر، فما هو الوجه لحمل المطلق علی المقیَّد؟ « أعتق رقبۀً مؤمنۀً » : التمانع یتحقّق بین هذا الظهور وظاهر قوله
__________________________________________________
صفحۀ 248 من 265
. 1) سورة البقرة: الآیۀ 196 )
. 295 ، الباب 1 من أبواب العمرة، رقم: 2 / 2) وسائل الشیعۀ 14 )
. 3) سورة البقرة: الآیۀ 125 )
. 425 ، الباب 72 من أبواب الطواف، رقم: 1 و 2 / 4) وسائل الشیعۀ 13 )
. 5) سورة النساء: الآیۀ 25 )
. 119 ، الباب 29 من أبواب نکاح العبید والإماء، الرقم: 1 / 6) وسائل الشیعۀ 21 )
ص: 428
طریق الشیخ والکلام حوله … ص: 428
أمّا طریق الشیخ رحمه اللَّه حیث قدّم المقیَّد علی المطلق، أمّا علی قول المشهور، فإنّ رفع الید عن الإطلاق ارتکاب للمجاز کما هو
الحال فی رفع الید عن دلالۀ المقیَّد، إلّاأن المجاز فی طرف المطلق مقدَّم، ومع التنزّل وفرض التساوي، تصل النوبۀ إلی التعارض بین
الظهورین، ویکون المرجع هو البراءة أو الاشتغال علی النزاع المعروف فی الأجزاء التحلیلیّۀ، لأنّ التقیّد بالإیمان جزء تحلیلی عقلی.
وأمّا علی قول السّلطان، وأنّ الدلالۀ علی الإطلاق لیست وضعیۀً بل بمقدّمات الحکمۀ، فرفع الید عنه متعیَّن، لأنه تصرّف فی وجه
المعنی، بخلاف ظهور المقیَّد فرفع الید عنه تصرّف فی المعنی، ولا ریب فی تقدّم الأول عند دوران الأمر، بل إنَّ تمامیۀ المقدّمات
کانت ببرکۀ الأصل، أيأصالۀ کون المتکلّم فی مقام البیان، لکنّ هذا الأصل یسقط بمجرّد العثور علی المقیَّد، وبسقوطه یسقط
الإطلاق، فلا معارض للظهور فی المقیَّد. وهذا معنی قولهم أنّ التعارض بین المطلق والمقید غیر مستقر.
نظر الُأستاذ … ص: 428
وقد تنظر الأُستاذ فیه: أمّا من جهۀ مسلک المشهور، فإنّ الشیخ قد استند فی رفع الید عن ظهور الإطلاق وحمله علی المجاز إلی غلبۀ
هذا المجاز علی أقرانه، لکنّ الغلبۀ لیست منشأً للتقدیم علی التحقیق، نعم، لو کان قد ادّعی أنّ رفع الید عن دلالۀ الکلام علی الإطلاق
من المجاز المشهور الموجب لحصول القالبیّۀ العرفیۀ، لکان له وجه، أمّا الغلبۀ، فمستندها إلحاق الشیء بالأعمّ الأغلب، وهذا لا یوجب
القالبیّۀ. نعم، القالبیّۀ فی العام والخاص موجودة، ولذا قالوا: ما من عام إلّا وقد خص.
ص: 429
وأمّا من جهۀ مسلک السّلطان، فما ذکره أوّل الکلام، لأنّ کون المقیَّد المنفصل بیاناً عرفاً للمطلق مصادرة، بل العرف إنْ لم یحمل
الکلام الثانی علی النسخ یتوقّف ولا یحمل المطلق علی المقیَّد.
طریق المیرزا … ص: 429
وأمّا طریق المیرزا، فقد تقدّم أنّه لا یحلّ المشکلۀ فی القرینۀ المنفصلۀ، لا سیّما فی خطابات من علم بأنّه یعطی أحکامه بالتدریج
کالشارع المقدّس.
صفحۀ 249 من 265
طریق السید الخوئی … ص: 429
وحاصله: أنه فی مثل کلام الشارع یدور الأمر بین النسخ والتقیید، لکنّ احتمال النسخ یسقط من جهۀ أنّ «1» وأمّا طریق السید الخوئی
هذه الکثرة من الروایات لو حملت علی النسخ لزم تبدّل المذهب، بل موارد النسخ محدودة جدّاً، فیتعیّن الحمل علی التخصیص
والتقیید.
ففیه: إنه لیس الأمر دائراً بین الأمرین، بل هناك احتمال ثالثٌ هو حمل المقیَّد علی الأفضلیۀ والإستحباب.
طریق الُأستاذ … ص: 429
قال الأُستاذ: والذي ینبغی أنْ یقال وإنْ کان خلاف المشهور هو:
إنّ الروایات الواردة عن الأئمۀ علیهم السلام علی ثلاثۀ أقسام:
الأول: ما ورد عنهم علیهم السلام فی مقام تعلیم الأحکام لأصحابهم، خاصّۀً الذین أرجعوا الناس إلیهم منهم کمحمد بن مسلم وزرارة
وأبی بصیر…
وفی هذا القسم، نقول بحمل المطلق علی المقیَّد، فإن المطالب تلقی علی التلامذة بالتدریج، فیذکر الحکم بإطلاقه فی مجلسٍ، ثمّ
یبیّن فی المجالس اللّاحقۀ بمقیّداته، وهکذا جرت العادة فی مجالس الدروس.
__________________________________________________
(1)
.541 / محاضرات فی اصول الفقه 4
ص: 430
والثانی: ما ورد عنهم فی مقام الإفتاء، حیث یدخل الرجل علی الإمام علیه السلام فیسأله عن الحکم الشرعی فی قضیّۀ ثم یخرج
ویتوجّه إلی أهله وبلده ولا یرجع إلی الامام إلّافی قضیۀٍ اخري، فهو یستفتی من أجل العمل، أو یکون قد أرسلوه إلی الإمام حتی
یأتیهم بالجواب منه، فیعملوا علی طبق ما أجاب.
وفی هذا القسم من الروایات، لا نقول بحمل المطلق علی المقیَّد، بل لو قال بعد ذلک کلاماً علی خلافه لکان ناسخاً له، لأن من کان
فی مقام الإفتاء یبیّن الحکم بکامله ولا مصلحۀ لتأخیر البیان … فکونه علیه السلام فی مقام الافتاء وبیان الحکم للمسألۀ المبتلی بها
والمسئول عنها من أجل العمل، قرینۀٌ تجعل المطلق نصّاً أو تعطیه الأظهریّۀ من المقیَّد، فلا یتقدَّم المقید علی المطلق.
وهذا الذي ذکرناه فی القسم الثانی من الروایات وإن کان علی خلاف المشهور، لکن غیر واحدٍ من الأکابر مشوا علیه، فلاحظ کتاب
.«1 …» الصّلاة للشیخ الحائري فی صلاة العاري وأنه هل یصلّی قائماً أو قاعداً أو علیه القیام مع الأمن من الناظر والقعود مع عدم الأمن
.«2» وکذا فی مکان المصلّی فی مسألۀ محاذاة المرأة للرجل
.«3» وکذا فی مسألۀ التخییر فی الأماکن الأربعۀ
وقال المحقق العراقی فی (شرح التبصرة) فی صلاة الآیات فی مسألۀ القنوت فیها هل هو واجبٌ أو مستحب بحمل المقیّد علی
الاستحباب.
وکذا فی بحث التشهّد، حیث أخذ بالمطلقات لقوّتها وحمل الزائد علی الاستحباب.
__________________________________________________
صفحۀ 250 من 265
. 1) کتاب الصّلاة: 68 )
. 2) المصدر: 85 )
. 3) المصدر: 650 )
ص: 431
وکذا فی (کتاب الطهارة)، فی أنّه یجب الوضوء بعد الغسل أوْ لا؟ وفی التیمّم بمطلق وجه الأرض أو خصوص التراب؟ فإنه أخذ
بالمطلقات وحمل ما دلّ علی خصوص التراب علی الاستحباب، وفی الوضوء فی کیفیۀ مسح الرأس، فی أنه یکفی مقدّم الرأس أو
یشترط الناصیۀ؟
والحاصل: إن الشیخ الحائري والشیخ العراقی فی هذه الموارد وغیرها یصرّحان بکون المطلقات فی مقام بیان الوظیفۀ الفعلیّۀ، فلا
یجوز رفع الید عن ظهورها، ولذا یحملان ما ینافیها علی الإستحباب.
وعلی الجملۀ، فکلّ مطلق من هذا القبیل یؤخذ به، إلّاإذا علم بوجود خصوصیۀٍ دعت الإمام إلی تأخیر بیان المقیَّد … وإلّا فمقتضی
المقام أن یعطی کلّ ما یحتاج إلیه المکلَّف ممّا له دخل فی الحکم، کحال الطبیب فی مقام علاج المریض الذي راجعه ویطلب منه
الدواء لمرضه.
الثالث: ما ورد عنهم ولم یحرز کونه فی مقام التعلیم أو فی مقام الإفتاء للعمل.
وقد یقال هنا: بأنّ التقیید تکلیف زائد فهو مجري البراءة، إذنْ یؤخذ بالمطلق.
لکنّ الصحیح- عند الأُستاذ- هو الحمل، لأنَّ أرکان الحجیۀ فی المقیَّد تامّۀ ولا مرخّص من قبل المولی، فالعقل حاکم بلزوم الامتثال،
وبه ترفع الید عن الإطلاق.
وهذا تمام الکلام فی صورة وحدة الحکم ووحدة السبب.
. فی وحدة الحکم واختلاف السبب … ص: 431
« إن ظاهرت فأعتق رقبۀً » أمّا لو اتّحد الحکم واختلف السبب، کما لو قال
ص: 432
فالظاهر عدم الخلاف فی عدم الحمل، لأنّه قد اختلف السبب والشرط، ومعلوم أنْ کلّ شرط .« إنْ أفطرت فأعتق رقبۀً مؤمنۀ » و
موضوع، وإذا اختلف الموضوع اختلف الحکم، فکان کلٌّ منهما خطاباً مستقلّاً عن الآخر، ولا تنافی بینهما حتی یحتاج إلی الجمع.
. لو کان المطلق بلا سبب والمقیَّد مسبّب … ص: 432
أمّا لو جاء الدلیل المطلق بلا شرطٍ وسبب، والمقیَّد مشروطاً، کما لو قال:
أعتق رقبۀً. ثم قال: إن ظاهرت أعتق رقبۀً مؤمنۀً. فهل یحمل المطلق علی المقیَّد؟
قولان:
القول الأول
ذهب المیرزا النائینی وغیره إلی استحالۀ الحمل، لاستلزامه الدور، وبیان ذلک هو: إنّ الحمل فرع وجود المنافاة، وهی متوقفۀ علی
وحدة الحکم، ومعلوم أنّ وحدة الحکم متوقفۀ علی وحدة الموضوع والمتعلَّق، لکنّ وحدة المتعلَّق موقوفۀ علی التنافی.
والحاصل: إن وحدة المتعلَّق متوقفۀ علی التنافی، وهو متوقف علی وحدة الحکم، ووحدة الحکم متوقفۀ علی وحدة المتعلَّق. وهذا
صفحۀ 251 من 265
دور.
القول الثانی
وذهب آخرون إلی وجوب التقیید، لأنّ إطلاق الحکم فی أحد الدلیلین وإنْ کان کاشفاً عن عدم اشتراط الحکم المجعول من المولی
بما هو شرط للحکم فی الدلیل الآخر، إلّاأن تقییده به فی ذلک الدلیل کاشف عن اشتراطه به، وبما أن دلیل التقیید أظهر من دلیل
الإطلاق، فإنه یتقدّم علیه، وترفع الید عنه، والنتیجۀ أن یکون الحکم المجعول مشروطاً بالشرط المزبور، وبما أنّ متعلَّق ذلک الحکم
ص: 433
مطلق فی أحد الدلیلین ومقیَّد فی الآخر، فلابدّ من حمل المطلق علی المقید.
ثم أجاب بما حاصله: .« إن قیل » ذکره المیرزا نفسه بعنوان
إنه لمّا کان الحکم من الامور ذات التعلّق- لأنه إما بعثٌ وإمّا زجر- فوجوده متقوّم بالموضوع والمتعلَّق، وإذا تعدّد الموضوع والمتعلَّق
تعدّد الحکم، وعلی هذا، فلمّا کان الحکم فی أحد الدلیلین مشروطاً بشرطٍ، فإن الشرط یوجب تقیّد الحکم المشروط به، ولا یتعدّي
عنه إلی الحکم الموجود فی الدلیل الآخر، وحینئذٍ، لا یحمل المطلق علی المقیَّد، نعم لو احرز من الخارج وحدة المتعلَّقین، لزم حمل
المطلق من الحکمین علی مقیّدهما، کما إنه إذا ثبتت وحدة الحکمین لزم حمل المطلق من المتعلّقین علی المقیّد منهما. وأما مع عدم
إحراز ذلک، فلا موجب لحمل المطلق علی المقیّد فی شیء منهما.
. لو کان الحکمان مطلقین ونسبۀ الإطلاق والتقیید بین المتعلَّقین … ص: 433
اشارة
وهذه هی الصورة الأخیرة، فلو قال: أعتق رقبۀً ثم قال: أعتق رقبۀً مؤمنۀً، حیث أن الحکمین فی الدلیلین مرسلان، لکنّ المتعلَّق للحکم
فی الدلیل الأول مطلق، وفی الدلیل الثانی مقیَّد، مع عدم إحراز وحدة الحکم، أما مع إحرازها فقد تقدَّم.
وتبعه فی (المحاضرات)- إلی حمل المطلق علی المقیَّد، لأن المفروض عدم تقیّد الحکمین فی الدلیلین، وهما - «1» ذهب المیرزا
إلزامیّان، وبالنظر إلی هاتین الجهتین تثبت وحدة الحکمین، ولا حاجۀ إلی قرینۀٍ خارجیۀ من حالٍ أو مقالٍ کما ذکر صاحب (الکفایۀ).
حصول الامتثال بأحد مصادیق « أعتق رقبۀً » وعلی الجملۀ، فإنّ مقتضی
__________________________________________________
.447 / 1) أجود التقریرات 2 )
ص: 434
هو عدم حصوله کذلک، وإذا وجد هذا التنافی، کان مقتضی القاعدة هو الحمل. « أعتق رقبۀ مؤمنۀ » الطبیعۀ، لکنّ مقتضی
إشکال الُأستاذ … ص: 434
لکنّ الأُستاذ- وإنْ وافق المیرزا فی الصّورة المتقدّمۀ- خالفه فی هذه الصورة، وأفاد ما حاصله: إن الحمل موقوف علی وجود التنافی
بین الدلیلین کما تقدم، والتنافی إمّا فی مرحلۀ الجعل وإمّا فی مرحلۀ الامتثال. أمّا فی مرحلۀ الجعل، فهو إمّا بکون أحد الحکمین
وجوبیّاً والآخر تحریمیّاً، أو بکون أحدهما إلزامیاً والآخر ترخیصیاً، أو یکونان من سنخ واحدٍ والمتعلَّق واحد. وفی مورد البحث لا
صفحۀ 252 من 265
یوجد التنافی أصلًا، لکونهما مثبتین، وقد تعلَّق الحکم فی کلٍّ منهما بشیءٍ، والحکم لا یتجاوز عن متعلَّقه إلی غیره … إذنْ، لا تنافی
فی مرحلۀ الجعل.
أمّا مرحلۀ الإمتثال، فالحاکم فیها هو العقل، وإنما یري العقل التنافی بین الدلیلین- حتی یتم حمل المطلق علی المقیَّد- فیما لو احرز
وحدة الحکم.
بیان المحاضرات … ص: 434
:«1» وفی (المحاضرات) بیانٌ لحمل المطلق علی المقیّد فی هذه الصورة قال
إن المحتملات فی مقام الثبوت أربع:
الأول: أن یحمل المطلق علی المقیّد. والثانی: أن یحمل المطلق علی أفضل الأفراد. والثالث: لا هذا وذاك، فیبنی علی تعدد التکلیف
لکن من قبیل واجب فی واجب آخر، نظیر ما لو نذر المکلَّف الإتیان بال ّ ص لاة الفریضۀ فی المسجد. والرابع: أن یکون کلّ من المطلق
والمقیَّد واجباً مستقلّاً، نظیر ما إذا أمر
__________________________________________________
.545 / 1) محاضرات فی اصول الفقه 4 )
ص: 435
بالماء علی نحو الإطلاق، والغرض غسل الثوب، ثم أمر بالماء البارد لأجل الشرب.
(قال): وأمّا فی مقام الإثبات:
فالإحتمال الثانی خلاف الظاهر جدّاً، لأن حمل الأمر الظاهر فی الوجوب علی الندب یحتاج إلی دلیل، وإذْ لا یوجد دلیلٌ یفید
الترخیص، فلابدّ من الأخذ بظاهره وهو الوجوب.
والإحتمال الثالث کذلک، لعدم کون المقام من هذا القبیل، والوجه فی ذلک هو: إن الأوامر المتعلّقۀ بالقیودات والخصوصات فی
باب العبادات والمعاملات ظاهرة فی الإرشاد إلی الجزئیّۀ أو الشرطیّۀ، ولیست ظاهرة فی المولویّۀ، کما أن النواهی المتعلّقۀ بها ظاهرة
هذا، مضافاً .« نهی النبی عن بیع الغرر » و ،« لا تصلّ فیما لا یؤکل لحمه » : فی الإرشاد إلی المانعیّۀ من جهۀ تلک الخصوصیّۀ کما فی
إلی أن الأمر فی أمثال هذه الموارد قد تعلَّق بالتقیُّد لا بالقید، فصرف الأمر عنه إلیه خلاف الظاهر جدّاً.
والإحتمال الرابع، یتصوّر علی نحوین: أحدهما: أن یسقط کلا التکلیفین معاً بالإتیان بالمقید. وثانیهما: عدم سقوط التکلیف بالمطلق
بالإتیان بالمقیّد، بل لابدّ من الإتیان به أیضاً.
أمّا الأوّل: فإنه- وإنْ کان ممکناً ثبوتاً- لا یمکن القول به إثباتاً، للزوم لغویّۀ الدلیل المطلق، لأن الإتیان بالمقیَّد إذا کان موجباً لسقوط
الأمر بالمطلق أیضاً، فلا محالۀ یکون الأمر بالمطلق لغواً وعبثاً.
وأمّا الثانی ففیه: إنه لابدّ حینئذٍ من تقیید الأمر بالمطلق بح ّ ص ۀٍ غیر الح ّ ص ۀ المأخوذة فی المقیَّد، وإلّا فلا موجب لعدم سقوط الأمر
بالمطلق بالإتیان بالمقیَّد
ص: 436
مع کونه حصّۀً من المطلق، والتقیید خلاف الظاهر، ولابدَّ له من دلیل، والمفروض عدمه.
فالإحتمال الرابع أیضاً ساقط.
وإذا سقطت الإحتمالات الثانی والثالث والرابع، تعیَّن الأوّل وهو حمل المطلق علی المقید.
صفحۀ 253 من 265
نظر الُأستاذ … ص: 436
وقد تنظّر الأُستاذ فی الإشکالات علی الإحتمالات فی مقام الإثبات.
أمّا ما ذکر فی الإحتمال الثانی، ففیه: إنه أخصّ من المدّعی، لأنه إنّما یتمُّ لو لم یکن صدور الخطاب المطلق فی مقام بیان الوظیفۀ
الفعلیّۀ، وإلّا وجب الأخذ بالمطلق ولا یتقدّم علیه المقیَّد الظاهر فی الوجوب.
مسبوقاً بأمرٍ « أعتق رقبۀً مؤمنۀ » وأمّا ما ذکر فی الإحتمال الثالث، ففیه: إن قاعدة الحمل علی الإرشادیّۀ غیر جاریۀ فی المقیَّد، إذ لیس
ثم قوله « أقیموا الصلاة » : متوجّه إلی مرکبٍ حتی یکون الأمر بالمقیَّد إرشاداً إلی شرطیّۀ الإیمان أو جزئیّته فی المرکّب، ففرقٌ بین قوله
حیث أنّ الأمر بالصلاة أمر بمرکّب، والأمر بالرکوع والسجود ونحوها یحمل علی الجزئیّۀ للصّلاة المأمور بها من « اسجدوا » و « ارکعوا »
قبل، لعِلمنا بأنّ ال ّ ص لاة فعلٌ مرکَّب من أجزاء مترابطۀ، وباب الإطلاق والتقیید، فلیس الأمر فیه کذلک، بل الأصل الأوّلی- وهو الحمل
علی المولویّۀ والمطلوبیّۀ النفسیّۀ- محکَّم فیه.
فما ذکر فی (المحاضرات) غیر دافع للإحتمال الثالث.
نعم، یندفع بما ذکره المیرزا من الفرق بین ما نحن فیه ومسألۀ الواجب فی الواجب- کأنْ ینذر واجباً من الواجبات- لأن متعلَّق الأمر فی
أعتق رقبۀً مؤمنۀً، هو
ص: 437
تقیُّد الرقبۀ بالإیمان، أمّا فی مثل نذر ال ّ ص لاة وغیرها من الواجب فی الواجب، فإنّ متعلَّق الأمر هو القید، أيخصوصیّۀ الإتیان بال ّ ص لاة
فی أول الوقت مثلًا.
وهذا هو الجواب الصحیح. … « هذا مضافاً » : وقد ذکر هذا الجواب فی (المحاضرات) فی آخر کلامه قائلًا
وأمّا الإحتمال الرابع، فإنّ المیرزا قال: إنّ استقلال کلٍ من الدلیلین عن الآخر ینافی کون المتعلّق فیهما صرف الوجود وکون الأمر
بالمقید إلزامیاً، فالتنافی بین الدلیلین مستقرٌ، وهذا باطل. وإذا سقط هذا الإحتمال تعیّن الأول وهو حمل المطلق علی المقید.
وفیه: إنه إذا کان الدلیلان مستقلّین وکلّ منهما حکم إلزامی، مفاد المطلق إجزاء عتق الکافرة، ومفاد المقیَّد تعیّن المؤمنۀ، فهما متنافیان
ولا طریق للجمع بینهما، فلماذا یحمل أحدهما علی الآخر؟ ولماذا یتعیّن حمل المطلق علی المقید؟ إنه لابدّ لتقدیم أحد المتنافیین علی
الآخر من ملاكٍ، وإلّا فهو خلاف الظاهر جدّاً، والمیرزا لم یذکر الملاك.
وأمّا ما جاء فی (المحاضرات) من لزوم تقیید المطلق بحصّۀ غیر الحصّۀ المأخوذة فی المقیَّد، وهو خلاف الظاهر لعدم الدلیل علیه، فهو
إرجاعٌ للدلیلین إلی التخییر بین الأقل والأکثر، لکنّه یحتاج إلی دلیلٍ زائد وهو مفقود کما ذکر.
لکنْ یرد علیه- مضافاً إلی ما تقدَّم من عدم الدلیل حینئذٍ علی ترجیح المقیَّد علی المطلق- أنّ هنا احتمالًا آخر وهو: أنْ یکون
الخطابان علی نحو تعدّد المطلوب، بأن یکون هناك غرض مترتّب علی الطبیعۀ اللّابشرط، وغرض آخر مترتّب علی الطبیعۀ البشرط،
کما ذکر هو فی مثال الماء، ومثاله فی الشریعۀ ترتّب الغرض علی الصّلاة وترتب غرض آخر علی وقوعها فی الوقت، فلو فات الوقت
ص: 438
وجب الإتیان بها قضاءً، تحصیلًا للغرض المترتب علی الطبیعۀ. فلیکنْ الحال فی المقام من هذا القبیل. وهذا الإحتمال الثبوتی قد قام
علیه الدلیل فی مقام الإثبات، لأنّ المفروض وجود الدلیل علی الغرضین، إلّاأنْ کلّاً منهما مزاحمٌ للآخر، وهذا هو الإشکال، لأنّ رفع
الید عن المطلق دون المقیَّد یحتاج إلی دلیل.
وتلخّص: إنه لا دلیل علی حمل المطلق علی المقیَّد فی الصّورة الرابعۀ، علی ما ذکر المیرزا وتلمیذه المحقق.
صفحۀ 254 من 265
وذکر المحقق العراقی طریقاً لحلّ المشکل، وهو أنّه لمّا کان المتعلَّق فی کلٍّ من الدلیلین صرف الوجود، وهو لا یقبل التعدّد بأنْ یؤتی
بصرف وجود کلٍّ من المتعلَّقین، لاستلزامه اجتماع المثلین وهو محال کاجتماع الضدّین، إذاً لا مناص من الالتزام بأحد التصرّفات:
إما رفع الید عن ظهور المطلق وحمله علی المقیّد، حتّی یتّحد المراد والحکم.
وإمّا رفع الید عن صِرف الوجود، بأنْ یحمل المتعلّق فی کلٍّ منهما علی وجودٍ مستقل عن الآخر، فهناك إرادتان وحکمان مستقلّان.
وإمّا رفع الید عن الظهور فی الاستقلال والتأسیس، وحمل المقیّد علی التأکید.
(قال) وأردء التصرّفات هو الثانی، أيحمل المتعلّق علی الوجودین.
علی الرقبۀ المؤمنۀ، لأنَّ کلّ لا بشرط یجتمع مع البشرط، فإبقاء کلٍّ منهما علی ظاهره أردأ الوجوه، « الرقبۀ » ولعلّ وجه الأردئیّۀ إنطباق
وعند دوران الأمر بین الوجهین الآخرین یتعیَّن الحمل علی تأکّد الطلب فی خصوص المؤمنۀ التی هی متعلَّق الأمر بالمقیّد.
ص: 439
وقد أورد علیه الأُستاذ:
أولًا: لا ریب فی استحالۀ اجتماع الحکمین علی المتعلَّق الواحد- وإنْ اختلفوا فقیل بالاستحالۀ الذاتیۀ کما علیه صاحب (الکفایۀ) وهو
ظاهر المحقق العراقی، وقیل هی عرضیۀ کما علیه المحقق الإصفهانی- لأنهما إمّا ضدّان وإمّا مثلان، فاجتماعهما محال، لکنّ الحکمین
أعتق » غیر صرف الوجود فی « أعتق رقبۀً » فی محلّ الکلام غیر واردین فی مرحلۀ الجعل علی المتعلَّق الواحد، لأنّ صِ رف الوجود فی
نعم، فی مرحلۀ الامتثال ینطبق الخطابان علی الرقبۀ المؤمنۀ، وإذا تعدّد المتعلَّق، فلا حاجۀ إلی تصرّفٍ أصلًا. وعلیه فأصل .« رقبۀ مؤمنۀ
الطریق غیر صحیح.
وثانیاً: إنه علی فرض دوران الأمر بین التصرّفین الأوّل والثالث، قال بتعیّن الحمل علی تأکّ د الطلب فی المجمع أيالرقبۀ المؤمنۀ، لکنه
لم یذکر لهذا الحمل دلیلًا، وإنّما ادّعی أولویّته من الحمل الآخر، ومن المعلوم أنّ الأولویّۀ لا تفید ظهوراً للکلام، بل المرجع فی رفع
التنافی بین الکلامین هو العرف، وهو إنما یکون علی أساس استقرار الظهور فی طرفٍ فیرفعون الید عن الطرف الآخر، وأمّا أنْ یکون
الحمل علی أساس الأولویۀ وأنه أخفٌّ مؤنۀً، فهذا لیس بحملٍ عرفی.
(قال) فالصحیح أنْ یقال: إنه إنْ احرز کون الحکم المطلق صادراً فی بیان الوظیفۀ العملیۀ، أيمن قبیل الفتوي، فإنّ ظهوره فی الإطلاق
منعقدٌ ولابدّ من رفع الید عن ظهور المقیَّد فی الوجوب. أمّا إنْ لم یحرز ذلک، فإنّ ظهور المقیَّد فی الوجوب تامٌ بحکم العقل ما لم
یأتِ المرخّص، ولا وجه عند العقل لرفع الید عن هذا الظهور.
هذا کلّه فیما لو کان الحکمان مثبتین.
ص: 440
. لو کان المتعلَّق صرف الوجود والحکمان غیر مثبتین … ص: 440
أمّا لو کان المتعلَّق فی الخطابین صرف الوجود، غیر أن الحکم فی المقیّد مخالف، کما لو قال: أعتق رقبۀً. ثم قال: لا تعتق رقبۀً کافرة،
فالخلاف المذکور- من حمل المطلق علی المقیَّد کما علیه المشهور، أو حمل المقیَّد علی المرجوحیّۀ کما هو القول الآخر- یأتی هنا
…وقد قال المیرزا بالحمل هنا أیضاً علی أساس القرینیّۀ، لکنّها غیر ثابتۀ خاصّۀً فی المنفصلین کما تقدّم بالتفصیل.
فالتحقیق أن یقال:
إن النهی عن عتق الکافرة یدلّ علی المبغوضیۀ، فعلی القول بظهوره فی الحرمۀ ظهوراً وضعیّاً، فالأمر واضح، وأمّا علی القول بعدمه،
فلا ریب فی حکم العقل بالإنزجار عن عتق الکافرة ما لم یرد ترخیص من قبل المولی، وحینئذٍ، فإنْ احرز کون المطلق فی مقام بیان
الوظیفۀ الفعلیّۀ، تقدّم ظهوره وکان قرینۀً علی الترخیص، ویحمل النهی علی المرجوحیۀ، وإلّا فمقتضی القاعدة الأخذ بظهور النهی
صفحۀ 255 من 265
وعدم کفایۀ عتق الکافرة.
وهذا تمام الکلام فی الإطلاق البدلی.
. المقام الثانی (فی الإطلاق الشمولی …) ص: 440
اشارة
«1» « أَحَلَّ اللَّهُ الْبَیْعَ » إن کان الإطلاق شمولیّاً کما لو قال: أکرم العالم ولا تکرم العالم الفاسق، وفی الشریعۀ
فلا خلاف فی حمل المطلق علی المقیَّد. ،« نهی النبی عن بیع الغرر » و
أمّا لو کان مثبتین کما لو قال: أکرم العالم وأکرم العالم العادل، فقولان:
الأول: عدم الحمل. وهو المشهور.
__________________________________________________
(1)
. سورة البقرة: الآیۀ 275
ص: 441
والثانی: الحمل. ذهب إلیه فی (المحاضرات) وادّعی الضرورة علیه.
دلیل القول الأول
هو أن المفروض تعلّق الحکم بالوجودات المتعدّدة لا صرف الوجود، وقد تقدّم أنّ مناط الحمل هو التنافی، ولا تنافی بین أکرم العالم
وأکرم العالم العادل، بل المطلق قد تعلَّق بمطلق العالم، والمقیَّد قد تعلّق بحصّۀٍ لخصوصیۀ فیها.
دلیل القول الثانی
احتراز عن غیره، والوصف وإنْ لم یکن له « العادل » وفی (المحاضرات) ما حاصله: إن الأصل فی القیود هو الإحترازیّۀ، فالتقیید ب
مفهوم کالشرط، إلّا أنه یُوجد التقیید فی أصل الطبیعۀ وإلّا لزم لغویّۀ القید، فلابدّ من حمل المطلق علیه.
توضیحه: لقد ذهب السید الخوئی فی الوصف إلی أنّه لا مفهوم له، فلو قال أکرم العالم العادل، لم یکن نافیاً لوجوب إکرام الهاشمی،
منافاة، لکنَّ أثر التقیید بالعادل هو نفی وجوب الإکرام عن طبیعی العالم، لئلّا یلزم لغویۀ « أکرم العالم الهاشمی » : ولا تقع بینه وبین
التقیید به. وعلی هذا، فإنّ وجود هذا القید یمنع من تعلّق وجوب الإکرام بطبیعی العالم بل لابدّ من حمله علیه.
إشکال الُأستاذ … ص: 441
وأورد علیه الأُستاذ: بأنّ الأمر فی الإطلاق البدلی کذلک، فلماذا قال هناك بتقدّم المقیَّد علی المطلق من باب القرینیۀ- تبعاً لاستاذه-
وهنا یقول بالتقدّم من باب المفهوم فراراً من لزوم اللغویّۀ؟
(قال) لکنّ الإشکال العمدة هو النقض بمسألۀ تبعیّۀ الأداء للقضاء وعدمها، وذلک: إن القائلین بعدم التبعیّۀ لمّا استدلّوا بأنّ ال ّ ص لاة
کانت مقیَّدة
ص: 442
بالوقت، فلما انقضی انتفی وجوب الصّلاة بانتفاء القید، فیحتاج وجوبها فی خارج الوقت إلی دلیلٍ جدید.
فأشکل السید الخوئی رحمه اللَّه علیهم: بأنکم تقولون بجریان الإستصحاب فی الشبهات الحکمیۀ، والمسألۀ من صغریّاتها، لأنّه لمّا
صفحۀ 256 من 265
خرج الوقت یقع الشکّ فی أنه کان دخیلًا فی وجوب ال ّ ص لاة بنحو وحدة المطلوب أو تعدّده، وحیث أنّ الوجوب قد تعلَّق بال ّ ص لاة
الجامع بین المطلق والمقیَّد، ومتعلَّق الشک بعد الوقت هو وجوب الصّلاة، فإنّه یستصحب الوجوب، ولا حاجۀ إلی أمرٍ جدید.
فیرد علی السیّد الخوئی: إنکم تقولون بمفهوم الوصف- علی الحدّ المذکور- والمفهوم من الأدلّۀ اللفظیّۀ، فلمّا قُید وجوب ال ّ ص لاة
بالوقت کان مفهوم ذلک انتفاء الوجوب عن طبیعی ال ّ ص لاة بخروج الوقت، ومع وجود هذا الدلیل اللّفظی علی انتفاء وجوب ال ّ ص لاة
واحتیاج القضاء إلی أمر جدیدٍ، لا تصل النوبۀ إلی التمسّک بالأصل العملی.
أقول:
السیّد الخوئی یقول بمفهوم الوصف کما تقدم، والمشهور لا یقولون به.
والمشهور یقولون بجریان الإستصحاب فی الشبهات الحکمیّۀ، والسید الخوئی لا یقول به.
فإشکاله علی المشهور- فی مسألۀ تبعیّۀ القضاء للأداء- ردٌّ علیهم بناءً علی ما ذهبوا إلیه، فما ذکره شیخنا غیر وارد علیه.
(قال) وأمّا حلّ المطلب، فإنّ المهمّ فیه فهم أنّ المقیّد إذا قیّد الطبیعۀ فهل یقیّدها بجمیع مراتبها أو علی حدّ القید؟
ص: 443
لا ریب أنّ کلّ ظاهر حجّ ۀ، وأنّه لابدّ من التحفّظ علی الظهور بقدر الإمکان، فلمّا قال أکرم العالم، فإنّه ظاهر فی وجوب إکرام مطلق
العالم، والحکم انحلالیّ یجري علی کلّ أفراد العالم وینحلّ ویتحقّق هناك إطاعات ومعاصی علی عدد العالم، ثم لمّا قال: أکرم
العالم العادل، فقد ورد عنه حکم وله ظهوره ویجب التحفّظ علیه کذلک، ولمّا لم یکن الحکم متّحداً- بخلاف صورة صرف الوجود-
والأصل فی القیود هو الإحترازیۀ، یحتمل أنْ یکون قید العدالۀ نافیاً للحکم من أصله، فلا وجوب للإکرام بالنسبۀ إلی طبیعۀ العالم،
ویحتمل أنْ یکون لإکرام طبیعی العالم مصلحۀ لکنْ فی إکرام العادل مصلحۀ اخري، ومع وجود الإحتمال الثانی لا وجه لانتفاء
الإکرام من أصله، بل العقل حاکم ببقاء الحکم بالنسبۀ إلی الطبیعۀ، وبذلک حصل التحفّظ علی الظهور فی الدلیلین، والتحفّظ علی
أصالۀ الإحترازیۀ فی القیود، ولم تلزم اللغویّۀ فی أخذ القید، لأنّه قد أثّر فی مرتبۀ الطلب … فکان قول المشهور هو مقتضی القاعدة،
وأنّ الصحیح حمل المقیَّد مع الإطلاق الشمولی علی المرتبۀ الأکیدة من الطلب، لا حمل المطلق علی المقیَّد، کما کان وجوب قضاء
الصّلاة کاشفاً عن کون القید- وهو الوقت- دخیلًا فی مرتبۀ الطلب لا فی أصله، سواء قلنا بأن القضاء بأمرٍ جدید أو هو بالأمر الأول.
ص: 444
الکلام فی المستحبات … ص: 444
اشارة
وهل یطرح بحث حمل المطلق علی المقیَّد فی المستحبات کذلک؟
مقتضی القاعدة هو الحمل إن کان المطلق بنحو صرف الوجود، بمناط القرینیّۀ وغیره من المبانی المذکورة.
لکنَّ الفقهاء یحملون الأدلّۀ المقیَّدة فی المستحبّات علی الأفضلیۀ. وقد ذکروا فی توجیه ذلک وجوهاً:
.«1» الأول: إن الغالب فی المستحبّات هو تفاوت الأفراد بحسب مراتب المحبوبیّۀ. قاله فی (الکفایۀ) ثم أمر بالتأمّل
ووجهه واضح، لأنّ غایۀ ما تفیده الغلبۀ هو الظن، لکنّ رفع الید عن الظهور بمثل هذا الظن مشکل…
الثانی: إنه مقتضی قاعدة التسامح فی أدلّۀ السنن فی أدلّۀ المستحبّات، فلا ترفع الید عن دلیل استحباب المطلق بعد مجیء دلیل المقیَّد،
بل یحمل علی تأکّد استحبابه. قاله فی (الکفایۀ).
إلّا أنه أشکل علیه فی (التعلیقۀ) بقوله: لا یخفی أنه لو کان حمل المطلق علی المقید جمعاً عرفیاً، کان قضیته عدم الاستحباب
صفحۀ 257 من 265
إلّاللمقیّد، وحینئذٍ إنْ کان بلوغ الثواب صادقاً علی المطلق، کان استحبابه تسامحیّاً وإلّا فلا استحباب له أصلًا. کما لا وجه- بناءً علی
هذا الحمل وبلوغ الثواب- یؤکّد الاستحباب فی المقیّد.
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الاصول: 251 )
ص: 445
هو الإرشاد إلی حکم العقل بأنّ الإتیان بالعمل بقصد «1» ( وقد اختار الأُستاذ هذا الجواب. مضافاً إلی أن المستفاد من أخبار (من بلغ
الرجاء محقق لموضوع الانقیاد، وکلّ من یکون منقاداً فهو مستحق للثواب عقلًا.
وأمّا جواب (المحاضرات)، من أنه بناءً علی تمامیّۀ قاعدة التسامح وفرض صدق البلوغ، فقد تعلّق الأمر بالمطلق وبالمقیَّد، وکلّ منهما
مستحب، ولا وجه للحمل علی الأفضلیّۀ.
ففیه: إن المفروض کون المطلق بنحو صرف الوجود، فهو منطبق علی المقیَّد، وحینئذٍ یحصل الاندکاك وهو المرتبۀ الأکیدة من
الطلب.
الثالث: إن الدلیل الدالّ علی التقیید یتصوّر علی أربعۀ وجوه:
(الأول) أن یکون ذا مفهومٍ، بمعنی أن یکون لسانه لسان القضیّۀ الشرطیۀ، کما لو قال: صلاة اللیل مستحبۀ وهی احدي عشرة رکعۀ، ثم
قال: إن استحبابها فی الإتیان بها بعد نصف اللیل. ففی مثل ذلک، لا مناص من الحمل، نظراً إلی أن المقیّد ینفی الاستحباب فی غیر
الوقت من جهۀ دلالته علی المفهوم.
(الثانی) أن یکون المقید مخالفاً للمطلق فی الحکم، کما لو قال: الإقامۀ لل ّ ص لاة مستحبۀ، ثمّ نهی عن الإقامۀ فی حال الجلوس. ففی
مثل ذلک، لا مناص من الحمل کذلک، لکون النهی المذکور إرشاداً إلی المانعیّۀ.
(الثالث) أن یکون الأمر فی المقیَّد متعلِّقاً بالتقیید لا القید، کما لو دلّ الدلیل علی استحباب الإقامۀ لل ّ ص لاة، ثم ورد دلیل آخر یأمر أنْ
یکون الإقامۀ فی حال القیام. وفی مثله لابدّ من الحمل أیضاً، لأن هذا الأمر إرشاد إلی شرطیۀ القیام فی الإقامۀ.
__________________________________________________
(1)
. 80 ، الباب 18 / وسائل الشیعۀ 1
ص: 446
فظهر: وجوب الحمل فی هذه الصور، وأن القول بعدم الحمل فی المستحبّات لا أصل له.
(الرابع) أن یکون الأمر فی المقیَّد متعلّقاً بالقید بما هو، وهو الغالب فی المستحبات، کما إذا قال: زر الحسین علیه السلام. وقال: زر
الحسین علیه السلام فی کلّ لیلۀ جمعۀ.
والظاهر أنه لا یحمل المطلق علی المقیّد فی هذا القسم، لأن ملاك الحمل- کما تقدم- هو التنافی بین الدلیلین، وإنما یقع بینهما إن
کانا إلزامیین … بل یحمل المقیَّد علی تأکّد الاستحباب والأفضلیۀ.
.«1» ذکره فی (المحاضرات)، قال: وهو الجواب الصحیح
إشکال الُأستاذ … ص: 446
قال الأُستاذ: وفیه وجوه من النظر:
أمّا أولًا: فإنّ تعلّق الأمر بالقید بما هو، غیر معقول، بل التقیّد داخل تحت الطلب کما فی المثال الذي ذکره، حیث أن المستحب زیارته
صفحۀ 258 من 265
علیه السلام مطلقاً ثم جاء الأمر بالحصّۀ، کالمطلق والمقیَّد الواجبین، مثل أعتق رقبۀً وأعتق رقبۀً مؤمنۀ.
وأمّا ثانیاً: لقد نصَّ علی أنّ الأوامر والنواهی فی المرکّبات- سواء فی العبادات أو المعاملات- إرشادیۀ، وفی هذا القسم کذلک،
فلماذا لم یقل بالحمل؟
وأمّا ثالثاً: إن الأساس فی تقدّم المقیَّد- عنده- هو القرینیّۀ من جهۀ حکومۀ القرینۀ علی ذیها، وهذا الملاك موجودٌ فی المستحبات
کذلک، لأن المطلق لا بشرط عن الخصوصیات، وفی المقیَّد أُخذت الخصوصیۀ، فوقع البحث فی المستحبات عن الحمل وعدمه کما
وقع فی الواجبات.
__________________________________________________
.552 / 1) محاضرات فی اصول الفقه 4 )
ص: 447
وبعبارة اخري: إن مدار البحث هو القرینیّۀ، وأن الأصل فی القیود الإحترازیۀ من غیر فرق بین الوجوب والإستحباب، وقد ذکرتم فی
الواجبات لزوم الحمل حفظاً لما ذکر وفراراً عن لزوم اللغویّۀ فی أخذ القید، فلماذا لا تقولون بذلک فی المستحبات مع جریان کلّ
ذلک فیها؟
رأي الُأستاذ … ص: 447
والصحیح عند الأُستاذ- فی کلتا الدورتین- هو النظر فی الدلیل، فإنّه إذا کان المتعلَّق مطلق الوجود لا صرف الوجود، وفی المقیَّد هو
الح ّ ص ۀ، فالحکم متعدّد، ومقتضی القاعدة عدم الحمل. وإن کان المطلق بنحو صرف الوجود، فإنْ ثبت بدلیل أو قرینۀ من الخارج
تعدّد المطلوب، کمثال زیارة الحسین علیه السلام، فلا حمل بل یحمل علی الأفضلیۀ، وإنْ احرز وحدة المطلوب أو لم تقم قرینۀ علی
تعدّده، فالمرجع هو الأصل العملی علی ما سیأتی فی مباحث دوران الأمر بین الأقل والأکثر.
ص: 448
تنبیه … ص: 448
إن جمیع البحوث المذکورة فی (باب العام والخاص) من جواز تخصیص العام بخبر الواحد وعدمه، ومسائل إجمال المخصّص مفهوماً
أو مصداقاً، وأنه هل یجوز التمسّک بالعام مع إجمال المخصص أوْ لا، وکلّ ما تقدّم فی تردّد المخ ّ صص بین الأقل والأکثر وبین
المتباینین، وأنه هل یجوز تخصیص العام بالمفهوم موافقاً أو مخالفاً … کلّ ذلک جارٍ فی (باب المطلق والمقیَّد) فیقال: هل یجوز
تقیید المطلق الکتابی بخبر الواحد المقیّد؟ وهکذا…
وکلّ ما اخترناه هناك فهو المختار هنا … لوحدة المناط … وحتی بحث استصحاب العدم الأزلی، فإنّه غیر مختص بباب (العموم
والخصوص).
أللهم إلّامسألۀ واحدة، قال الشیخ فیها بالفرق بین البابین، فذکر أنّ التخصیص محدودٌ بحدّ عدم لزوم تخصیص الأکثر أو عدم التساوي
بین الباقی تحت العام والخارج بالتخصیص عنه … أمّا تقیید المطلق فغیر محدود أصلًا.
وأشکل علیه الأُستاذ: بأنّ المطلقات- سواء کانت فی مقام التعلیم أو الإفتاء- قوانین، وتقییدها بغیر حدٍّ یخرجها عن القانونیۀ، وهذا
تهافت.
وهذا تمام الکلام فی المطلق والمقیَّد.
ص: 449
صفحۀ 259 من 265
المقصد السادس