گروه نرم افزاری آسمان

صفحه اصلی
کتابخانه
جلد پنجم
کلمۀ المؤلّف … ص: 5







الحمد للَّه رب العالمین، وال ّ ص لاة والسّلام علی خیر خلقه محمّد وآله الطیّبین الطاهرین، ولعنۀ اللَّه علی أعدائهم أجمعین من الأوّلین
والآخرین.
وبعد:
فهذا هو الجزء الخامس من کتابنا (تحقیق الاصول) الذي دوّنت فیه ما ألقیته علی ثلّۀ من الفضلاء فی الحوزة العلمیّۀ (علی ضوء
أبحاث شیخنا الاستاذ دام ظله)، وهو الجزء الأوّل من أبحاثنا فی الاصول العملیّۀ.
وإنی لأشکر اللَّه کثیراً علی وقوع الأجزاء السّابقۀ من هذا الکتاب، لدي أهل الفضل الکرام، موقع القبول والاستفادة والإعجاب، وأنّهم
ما زالوا یطالبون بنشر بقیّۀ أجزائه، وذلک من فضل اللَّه وکرمه وهو ولیّ الإنعام.
ثم إنَّ جماعۀً منهم قد اقترحوا علیّ الامور التالیۀ:
التفصیل الأکثر وتبسیط المطالب بقدر الإمکان.
وإیراد بعض نصوص عبارات الأعلام فی المسائل المهمّۀ بحسب الحاجۀ،
ص: 6
وعدم الاکتفاء بذکر مجمل آرائهم.
صفحۀ 20 من 204
والتعرّض لآراء سیّدنا الاستاذ الرّوحانی أکثر من ذي قبل، ولآراء السیّد الشهید الصّدر.
فنزلت عند رغبتهم فی هذا الجزء والأجزاء اللّاحقۀ، وأسأل اللَّه التوفیق للإتمام بمحمّد وآله علیهم الصّلاة والسّلام.
علی الحسینی المیلانی
1430
ص: 7
الُأصول العملیّۀ … ص: 7
اشارة
ص: 9
تمهید … ص: 9
اشارة
ص: 11
تقسّم المسائل الاصولیّۀ إلی قسمین:
مباحث الاصول اللفظیۀ، وقد تقدّم الکلام علیها بالتفصیل:
مباحث الاصول العملیّۀ.
.« الأصل » والمحور فی کلا القسمین هو
والمراد منه الأعم من الظن والشک المتساوي الطرفین. ،« الشک » وفی الثانی هو « الظهور » لکنّ موضوع الأصل فی القسم الأول هو
إلّا أن فی کلٍّ من القسمین مباحث استطرادیّۀ.
کما سیظهر. « القطع » والبحث الاستطرادي العمدة فی القسم الثانی هو
حالات المکلّف … ص: 11
قال الشیخ الأعظم:
.«1» إعلم أن المکلّف إذا التفت إلی حکمٍ شرعی، فإمّا أنْ یحصل له الشک فیه أو القطع أو الظن
ومن هنا، فقد وضع کتابه (فرائد الاصول) بثلاثۀ رسائل، لکلّ حالۀٍ رسالۀ،
__________________________________________________
.25 / 1) فرائد الاصول 1 )
ص: 12
ولذا عرف کتابه ب (الرسائل) أیضاً.
فالشیخ قسّم حالات المکلّف إلی ثلاثۀ أقسام.
لکنّ صاحب الکفایۀ غیّر التعبیر عن الموضوع وقسّمه بنحوٍ آخر فقال:
فاعلم: أن البالغ الذي وضع علیه القلم، إذا التفت إلی حکم فعلی، واقعی أو ظاهري، متعلّق به أو بمقلّدیه، فإمّا أن یحصل له القطع به
صفحۀ 21 من 204
أوْلا، وعلی الثانی، لابدّ من انتهائه إلی ما استقلّ به العقل، من اتّباع الظن لو حصل له وقد تمّت مقدمات الإنسداد- علی تقدیر
.«1» الحکومۀ-، وإلّا فالرجوع إلی الاصول العقلیۀ من البراءة والاشتغال والتخییر، علی تفصیلٍ یأتی فی محلّه إن شاء اللَّه تعالی
فهو قسّم حال المکلّف إلی قسمین: أن یحصل له القطع وأنْ لا یحصل.
المراد من المکلّف فی التقسیم … ص: 12
المجعول مقسماً فی هذا المقام، لأن الالتفات معتبر فی التکلیف، فلا وجه لأنْ یشترط، فقال « المکلّف » وقد وقع الإشکال فی المراد من
المحقق الخراسانی فی الحاشیۀ: مراده بالمکلّف من وضع علیه القلم من البالغ العاقل، لا خصوص من تنجّز علیه التکلیف، وإلّا لما صحّ
.«2» جعله مقسماً
.« البالغ الذي وضع علیه القلم » ولذا غیّره فی الکفایۀ إلی
وعلی الجملۀ، فهو یري أنّ الشاكّ فی الحکم لیس بمکلّف فعلی لکنه بالغ وضع علیه القلم، فیدخل فی المقسم.
__________________________________________________
. 1) کفایۀ الاصول: 257 )
. 2) درر الفوائد فی حاشیۀ الفرائد: 21 )
ص: 13
أقول:
کما هو ظاهر شیخنا أیضاً، وأمّا بناءً علی کونها ظرفیّۀً، فلا یلزم، فالمکلّف حین « إذا » الظاهر أنّ منشأ الإشکال هو البناء علی شرطیّۀ
یلحظ الحکم، فإمّا یکون قاطعاً أو ظانّاً به أو شاکّاً فیه، کما قال الشیخ قدّس سرّه، ویکون قاطعاً أو غیر قاطع، کما قال صاحب الکفایۀ
قدّس سرّه، کما سیأتی.
هل المراد خصوص المجتهد …؟ ص: 13
من جهۀ أنّه خصوص المجتهد أو مطلق المکلّف؟ فظاهر الشیخ هو الثانی، وهو ما نصّ علیه « المکلّف » ووقع الاختلاف فی المراد من
.«1» تلمیذه فی شرحه إذ قال: المراد من المکلّف أعم من المجتهد والعامی، کما هو قضیّۀ ظاهر اللّفظ
وصریح الکفایۀ هو الأوّل.
ثم اختار ذلک وأفاده لدي التقسیم، إذ قال: إعلم أن البالغ الذي وضع علیه قلم «2» لکنّ المیرزا یري أنّ مراد الشیخ خصوص المجتهد
.«3 …» التکلیف إذا التفت فی مقام الإستنباط إلی حکم شرعی
أقول:
إنه لا ریب فی أنّ الموضوعات المأخوذة فی المسائل هی للأعم من المجتهد والمقلّد، ففی مسألۀ حجیّۀ خبر الثّقۀ، لمّا یستدلّ بالکتاب
یا أَیُّهَا » : والسنّۀ وغیرهما، لا یفرّق بین المجتهد وغیره، وهو مقتضی عموم قوله تعالی
__________________________________________________
.8 -7 / 1) بحر الفوائد 1 )
.3 / 2) فوائد الاصول 3 )
.9 / 3) أجود التقریرات 3 )
ص: 14
صفحۀ 22 من 204
«1» « الَّذینَ آمَنُوا إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ
الناس فی سعۀٍ » وکذا أدلّۀ البراءة مثل «2» « لا ینقض الیقین بالشکّ » : ، وأدلّۀ الإستصحاب- مثلًا- ظاهرة فی العموم کقوله علیه السلام
.«3» « ما لم یعلموا
أدلّۀ القول بالاختصاص … ص: 14
فإنه إن کان المراد هو الالتفات التفصیلی إلی خصوصیّات الأمارات ومجاري ،« إذا التفت » ولکنّ المهمَّ هو المقصود من قولهم
الاصول، فلا شکّ فی عدم تحقّقه من العامی.
کلام المحقق النائینی … ص: 14
ولذا قال المیرزا:
والمراد من المکلّف هو خصوص المجتهد، إذ المراد من الالتفات هو الالتفات التفصیلی الحاصل للمجتهد بحسب اطّلاعه علی
مدارك الأحکام، ولا عبرة بظنّ المقلّد وشکّه. وکون بعض مباحث القطع تعمّ المقلّد لا یوجب أن یکون المراد من المکلّف الأعم
من المقلّد والمجتهد، إذ البحث عن تلک المباحث وقع استطراداً ولیست من مسائل علم الاصول، ومسائله تختص بالمجتهد ولا حظّ
للمقلّد فیها. ولا سبیل إلی دعوي شمول أدلّۀ اعتبار الطرق والاصول للمقلّد، غایته أنّ المقلّد عاجز عن تشخیص مواردها ومجاریها،
ویکون المجتهد نائباً عنه فی ذلک، فإنه کیف یمکن القول بشمول خطابٍ مثل:
__________________________________________________
. 1) سورة الحجرات: 6 )
. 216 ، الباب 10 من أبواب الخلل الواقع فی الصلاة، رقم: 3 / 2) وسائل الشیعۀ 8 )
.424 / 3) عوالی اللآلی 1 )
ص: 15
فی الشبهات الحکمیۀ للمقلّد، مع أنه لا یکاد یحصل له الشک والیقین، بل لو فرض حصول الشک والیقین « لا تنقض الیقین بالشک »
.«1» له، فلا عبرة بهما ما لم یکن مجتهداً فی مسألۀ حجیّۀ الإستصحاب
وقد تعرّض المیرزا فی هذا الکلام لما ذکرناه من عموم الموضوع فی الأدلّۀ، وأشکل علی ذلک بما حاصله عدم شمول الأدلّۀ لغیر
المجتهد، ثم ذکر أنّه لو فرض حصول الشک والیقین له فلا عبرة بهما.
والحاصل إنه یذهب إلی قصور الأدلّۀ عن الشمول لغیر المجتهد.
کلام المحقق العراقی … ص: 15
ویضاف إلی ذلک وجه آخر ذکره المحقق العراقی وهو:
إنه علی فرض الشمول والعموم، فإنّ شرط الحجیّۀ غیر حاصلٍ لغیر المجتهد، لأنّ شرط الأخذ بأيّ حجۀٍ من الحجج أو أصلٍ من
.«2» الاصول، هو الفحص عن المعارض للخبر مثلًا أو الدلیل المانع من التمسّک بالأصل، والفحص عن ذلک عمل المجتهد لا غیره
المناقشۀ فیها … ص: 15
وقد نوقش فی الوجوه المذکورة.
صفحۀ 23 من 204
أمّا أنّ المقصود هو الالتفات التفصیلی وهو یحصل للمجتهد.
ففیه: إن هذا قد یحصل لأهل العلم والفضلاء غیر البالغین مرتبۀ الاجتهاد، ویتمّم المطلب لغیر أهل العلم بعدم القول بالفصل. قاله
.( المحقق العراقی ( 3
__________________________________________________
.4 -3 / 1) فوائد الاصول 3 )
. 3) نهایۀ الأفکار، ق 1 ج 3 ص 2 -) (2)
ص: 16
وأشکل علیه شیخنا: بأنْ لا فائدة فی عدم القول بالفصل، بل المفید هو القول بعدم الفصل وهو غیر موجود، علی أنه لو کان فهو
إجماع مدرکی. مضافاً إلی أن المسألۀ من المستحدثات فی القرون الأخیرة، ولا حجیّۀ للإجماع المدّعی فیها.
بل الحق فی الجواب علی کلام المیرزا: حصول الالتفات التفصیلی لغیر المجتهد من المکلّفین موجبۀً جزئیّۀ، کما تقدّم.
وأمّا ما ذکره من عدم شمول دلیل الإستصحاب فی الشبهات الحکمیّۀ لغیر المجتهد، فقد أجاب شیخنا:
أوّلًا: أنه ینتقض بإجراء المقلّد للإستصحاب فی الشبهات الموضوعیّۀ، الجائز له ذلک بالاتّفاق، فکما یحصل له الیقین والشک، فیها
کذلک یحصلان له فی الشبهات الحکمیّۀ.
.«1» وکذا أجاب السیّد الصّدر إذ قال: إنّ غیر البالغ أیضاً ربما تحصل له شبهۀ حکمیّۀ، ولابدّ له عقلًا من تحصیل مؤمّن تجاهها
وثانیاً: إن القول بعدم العبرة بالیقین والشک ما لم یکن مجتهداً فی مسألۀ حجیۀ الإستصحاب، یستلزم المحال، لأن الیقین والشک
بالحکم موضوع للحجیّۀ، والعلم بالحجیّۀ متأخر عنها رتبۀً، کما أنّ الحجیۀ متأخرة رتبۀً عن الیقین والشک، فکان العلم بحجیّۀ
الإستصحاب متأخراً عنها بمرتبتین، فلو کانت موضوعیّتهما للحجیّۀ متوقّفۀ علی العلم بالحجیّۀ لزم الدور.
__________________________________________________
. 1) مباحث الاصول، الجزء الأول من القسم الثانی: 178 )
ص: 17
وأمّا ما ذکره من اختصاص موضوعات أدلّۀ الطرق والاصول بالمجتهد، فالموضوع فی آیۀ النبأ هو المجتهد، وهو الموضوع فی مثل:
وفی أدلّۀ الإستصحاب، وهکذا. « من جاءه الخبران المختلفان »
ففیه: إن الأمر لیس کذلک، لأنّ الخطاب فی الآیۀ لعموم المسلمین، وهل کان کلّهم فی صدر الإسلام من أهل النظر والاجتهاد؟ هذا
أوّلًا.
وثانیاً: إن أدلّۀ حجیۀ خبر الثقۀ إمضاء للسیرة العقلائیۀ، وهی قائمۀ علی العموم والشمول للمقلّد.
وتبعه - «1» وأمّا الإشکال باشتراط الأخذ بالدلیل أو الرجوع إلی الأصل بعدم المعارض والدلیل، فقد أجاب عنه المحقق الخوئی
بما حاصله: أنّ عجز المقلّد عن الفحص لا یخرجه عن کونه مخاطباً بالأدلّۀ، بل إنه یرجع إلی - «3» وشیخنا وغیرهما «2» سیدنا الاستاذ
المجتهد فی الفحص والیأس عن المعارض والدلیل من باب الرجوع إلی أهل الخبرة، فإذا أخبره بالیأس عن العثور، أخذ المقلّد بالخبر
أو بالأصل وعمل بمقتضاه.
وبعبارة اخري: إنّ الفحص إنما یلزم لإحراز عدم المانع من الأخذ بالدلیل أو الأصل، وهذا الإحراز کما یمکن أنْ یکون بالوجدان،
کذلک یمکن حصوله بالتعبّد، کإخبار أهل الخبرة أو قیام البیّنۀ.
فظهر: أنْ لا وجه لتخصیص المکلّف فی موضوع التقسیم بالمجتهد، بل
__________________________________________________
صفحۀ 24 من 204
.9 / 1) مصباح الاصول 2 )
.16 / 2) منتقی الاصول 4 )
.15 / 3) کالسیّد الصدر، بحوث فی علم الاصول 4 )
ص: 18
هو أعمّ منه ومن غیره…
فی أخذه خصوص المجتهد فی موضوع « متعلّق به أو بمقلّدیه » بل ذکر سیدنا الاستاذ رحمه اللَّه أنه لا ظهور لقول صاحب الکفایۀ
التقسیم، بل یمکن أنْ یکون نظره إلی تعمیم الآثار فی حالات المجتهد، بالنسبۀ إلی نفسه وإلی مقلّدیه، لا أنّ الموضوع هو خصوص
المجتهد. إذ قد یشکل فی ثبوت الآثار لقطع المجتهد من جهتین:
إحداهما: إن بعض الأحکام التی یلتفت إلیها المجتهد، موضوعها غیر المجتهد، فلا علم له بالحکم الفعلی بالنسبۀ إلیه، کأحکام
الحیض بالنسبۀ إلی المجتهد الرجل.
وثانیتهما: إن بعض الأحکام وإنْ کانت شاملۀً للمجتهد بحسب موضوعها، لکن لیست محلّ ابتلائه فعلًا، فلا یتصوّر فی حقّه العمل کی
یصحّ التعبّد فی حقّه، إذ التعبّد بلحاظ الجري العملی.
ویجمع هاتین الجهتین عدم کون الحکم الملتفت إلیه فعلیّاً بالنسبۀ إلیه.
فنظر صاحب الکفایۀ إلی أنّ الحکم الذي یلتفت إلیه المجتهد لا یلزم أن یکون متعلّقاً به، بل أعم مما یکون متعلّقاً به أو بمقلّدیه، فهو
.«1» ناظر إلی تعمیم الأثر فی حالۀ المجتهد، ولا دلیل علی کون نظره إلی تخصیص الموضوع بالمجتهد
__________________________________________________
.13 / 1) منتقی الاصول 4 )
ص: 19
توجّه الإشکال علی کلا القولین … ص: 19
أقول:
وسواء تمّ رفع الید عن ظاهر کلام الکفایۀ فی الاختصاص أوْ لا، فإنّ الإشکال المذکور متوجّه علی القول بتخصیص الموضوع
وبالتعمیم معاً،- وإنْ کان قد یتوهّم وروده علی القول الأول خاصّ ۀً- لأن من الأحکام ما لا علاقۀ له بالمجتهد الرجل، کمسائل
الحیض، ومنها ما هو مشترك بین عامّۀ المکلّفین کمسائل الخمس والزکاة والحج، ولکنْ قد لا یتحقّق لها الفعلیّۀ بالنسبۀ إلی المجتهد،
فمن قامت عنده الأمارة علی الحکم فیها وهو المجتهد قد لا یرتبط به الحکم، ومن یرتبط به الحکم لم تقم عنده الأمارة. وکذا الحال
فی الأصل، فمن تحقّق عنده موضوع الإستصحاب وهو الیقین والشک، قد لا تکون له علاقۀ بالحکم، ومن له العلاقۀ به لم یتحقق
عنده الموضوع، فکیف یجري المجتهد الإستصحاب فی حقّ غیره؟
وجوه الجواب عنه … ص: 19
:«1» وقد اجیب عن هذا الإشکال
بأنّ مقتضی أدلّۀ الإفتاء والاستفتاء هو تنزیل المجتهد منزلۀ المقلّد، فإذا قامت الأمارة عنده تحقق القیام لها عند المقلّد، وکذلک الحال
فی الشک والیقین، فیقین المجتهد وشکّه بمنزلۀ یقین المقلّد وشکّه، وإلّا لکان الحکم بجواز الإفتاء والاستفتاء لغواً.
__________________________________________________
صفحۀ 25 من 204
.14 / 1) نهایۀ الأفکار ق 1 ج 3 ص 3. نهایۀ الاصول 3 )
ص: 20
وقرّبه السیّد الصّدر بقوله:
أي: تنزیل حال المجتهد منزلۀ حال العامّی، ففحصه بمنزلۀ فحص العامی، وکذلک یقینه بالحالۀ السابقۀ أو بالمعلوم الإجمالی ینزّل
منزلۀ یقین العامی، فتشمله حینئذٍ الوظائف المقرّرة التی انتهی إلیها المجتهد لا محالۀ. نعم، بالنسبۀ إلی الوظائف العقلیۀ کقاعدة قبح
العقاب بلا بیان، أو منجزیّۀ العلم الإجمالی، لابدّ وأنْ یفترض جعل حکم مماثل لحکم العقل، بحیث ینتج البراءة والإحتیاط الشرعیین
فی حقّ العامی، لأن التنزیل بلحاظ الحکم العقلی غیر معقول کما هو واضح.
وأمّا کیفیّۀ استفادة ذلک إثباتاً، فببیان: أن المرکوز فی أذهان المتشرّعۀ والمتفاهم من أدلّۀ التقلید رجوع العامی إلی المجتهد، لیطبّق
علی نفسه نفس ما یطبّقه المجتهد علی نفسه، بحیث یثبت فی حقّه نفس ما یثبت فی حقّ المجتهد من درجات إثبات الواقع أو التنجیز
والتعذیر عنه لا أکثر، وهذا لا یکون إلّامع فرض التنزیل المذکور، فیستکشف من دلیل التقلید- لا محالۀ- ثبوت هذا التنزیل والتوسعۀ
.«1» فی موضوع من تلک الوظائف الظاهریۀ بالدلالۀ الالتزامیّۀ
أقول:
إلّا أنّ هذا الجواب غیر تام، لعدم الدلیل علی التنزیل المذکور فی الیقین والشک، واللّغویّۀ غیر لازمۀ، لأنّ المجتهد قد یکون غنیّاً
فیتوجّه علیه الحکم بالخمس، ویکون مستطیعاً فیجب علیه الحج، فما ذکر من أن لدلیل التنزیل دلالۀ
__________________________________________________
.14 -13 / 1) بحوث فی علم الاصول 4 )
ص: 21
«1» « وَسْئَلِ الْقَرْیَۀَ » اقتضائیّۀ کما فی قوله عزّ وجلّ
حتی لا تلزم اللّغویۀ فی الآیۀ، غیر جارٍ فیما نحن فیه، لأنّ اللّغویۀ فی الآیۀ لازمۀ لولا التقدیر المذکور، « الأهل » حیث یلزم تقدیر کلمۀ
بخلاف أدلّۀ الإفتاء والإستفتاء، فإنه لا تلزم اللّغویۀ لها بنفی التنزیل، لما ذکرنا من أن المجتهد قد یکون غنیّاً ومستطیعاً.
وأمّا دعوي قیام السیرة العقلائیّۀ علی ذلک، فعهدتها علی مدّعیها، ولا أقلّ من الشک، والقدر المتیقن من التنزیل غیر ما نحن فیه.
«2» : واجیب عنه أیضاً
بأنّه إن کان المقلّد ملتفتاً إلی الحکم فهو ذو یقین وشکٍ به، کان المجتهد بالخیار فی إجراء الاستصحاب، فله أن یجریه بلحاظ یقین
وشک مقلّده أو یقین وشک نفسه، فإذا علم بالحکم أفتی به ورجع إلیه المقلّد فیه، إذ لا ینحصر رجوع الجاهل إلی العالم بحال کونه
عالماً به عن قطعٍ أو أمارة.
وإنْ کان المقلّد غیر ملتفت إلی الحکم، أجري المجتهد الإستصحاب بلحاظ یقینه وشکّه بحال المرأة الحائض مثلًا، إذ لا مانع من
حصول الیقین لشخصٍ بحکم شخص آخر، وهو یتابعه من باب رجوع الجاهل إلی العالم.
وقد أشکل علیه شیخنا دام بقاه:
بأنه یعتبر فی جریان الأصل وجود الموضوع- أيالیقین والشک- وفعلیّۀ الحکم بالنسبۀ إلیه، والمفروض هنا عدم ابتلاء المجتهد
بالحکم أو عدم فعلیّته
__________________________________________________
. 1) سورة یوسف: 12 )
.8 / 2) مصباح الاصول 2 )
صفحۀ 26 من 204
ص: 22
بالنسبۀ إلیه، فلا یصحُّ له إجراء الاستصحاب وإنْ توفّر الموضوع لدیه … وبعبارة اخري: فإنّ هذا الجواب مشتملٌ علی المصادرة، لأن
الإشکال کان من ناحیۀ عدم فعلیّۀ التکلیف للمجتهد أو عدم ابتلائه به.
:«1» وأجیب عنه أیضاً
قد یقرّب تخریج عملیّۀ الإفتاء فی موارد الوظائف الظاهریّۀ علی القاعدة حتی علی فرض اختصاصها بالمجتهد، بأنّ الحکم الظاهري
وإنْ کان مخت ّ ص اً بالمجتهد لتحقّق موضوعه فیه دون المقلّد، ولکنه بذلک یصبح عالماً بالحکم الواقعی المشترك بین المجتهد
والمقلّد تعبّداً، فیکون حاکماً علی دلیل الإفتاء بالعلم والخبرة بمقتضی دلیل التعبّدیۀ فیفتی المجتهد مقلّدیه بالحکم الواقعی المعلوم
لدیه بهذا العلم، وهذا أمر علی القاعدة لا یحتاج فیه إلی عنایۀ زائدة بعد فرض دلالۀ دلیل الحجیّۀ والعلمیۀ التعبّدیۀ.
أقول:
لکنّ هذا الجواب أیضاً لا یحلّ المشکلۀ فی الاستصحاب- کما مثّلنا- لو کان مجدیاً فی غیره.
التحقیق فی الجواب … ص: 22
أنّ التحقیق فی الکلام علی هذا الإشکال هو أنه: - «2» وقد رأي شیخنا- وکذا السیّد الاستاذ
إن قلنا: بأنّ المراد من الیقین والشک فی أدلّۀ الاستصحاب هو المتیقّن
__________________________________________________
.11 / 1) بحوث فی علم الاصول 4 )
.19 -18 / 2) منتقی الاصول 4 )
ص: 23
والمشکوك، ومفادها هو اعتبار بقاء الحادث أي: اعتبار الملازمۀ بین الحدوث والبقاء، کما هو مختار صاحب الکفایۀ، فلا موضوعیّۀ
لصفۀ الیقین والشک، فالإشکال مندفع، لأنّ المفروض إفادة الأدلّۀ للملازمۀ، فإذا ثبت الحدوث لدي المجتهد ثبت البقاء لدیه،
فیحصل له الیقین بحکم المقلّد الظاهري.
وإنْ قلنا: بأن للیقین والشک موضوعیۀً ولهما دخالۀ فی ثبوت الحکم الإستصحابی، کما هو الحق، خلافاً لصاحب الکفایۀ، فالإشکال
باقٍ، لأن المفروض تقوّم الحکم الاستصحابی بالیقین، وهو حاصلٌ للمجتهد- إذا کان علی یقین بأنّ حکم المقلّد کان کذا، وهو الآن
یشک فی بقاء حکمه- وغیر حاصل للمقلّد، فمن یرتبط الحکم به لا یقین عنده، ومن لا یرتبط به الحکم فهو ذو یقین، فأيّ أثرٍ لهذا
الإستصحاب؟
ویمکن الجواب بتصوّر ترتّب الأثر العملی علی هذا الإستصحاب، وهو جواز الإفتاء للمجتهد، فیستصحب المجتهد حکم المقلّد الذي
کان علی یقینٍ منه، لیترتّب علیه جواز الإفتاء به، وإذا أفتی به جاز لمقلّده الأخذ به. فتدبّر.
حالات المکلّف بین الرسائل والکفایۀ … ص: 23
قد عرفت موارد الفرق بین کلامی الشیخ والکفایۀ، ویبقی أنّ الشیخ قائل بالتثلیث، وقد اورد علیه بوجوهٍ:
عمدتها ما أشار إلیه صاحب الکفایۀ من لزوم تداخل الأقسام، فقد یکون المکلّف شاکّ اً فی الحکم إلّاأن عنده دلیلًا معتبراً علیه،
فمقتضی القاعدة الأخذ بالدلیل وعدم جریان الأصل فی حقّه، وقد یکون ظانّاً به بظن غیر معتبر، فهو حینئذٍ للأصل العملی. فیلزم أن
یکون المکلّف فی بعض موارد الظنّ محکوماً
صفحۀ 27 من 204
ص: 24
بحکم الشک، وفی بعض موارد الشک محکوماً بحکم الظن. وهذا هو التداخل.
وأیضاً، فإنّ مقتضی تقسیم الشیخ أن تکون أحکام القطع مرتّبۀً علی القطع الواقعی، والحال أنها غیر مختصّۀ به بل تعمّ الظاهري أیضاً،
فتدخل فیه مباحث الأمارات، فخبر الثقۀ- مثلًا- یُفید الظن بالحکم الواقعی والقطع بالحکم الظاهري، کالإستصحاب وغیره من الاصول
الشرعیّۀ.
فظهر: أن المکلّف إمّا قاطع بالحکم، أعمّ من الواقعی والظاهري، وإمّا هو غیر قاطع به، فإن کان انسدادیاً- کالمیرزا القمی- فالمبنی
حکومۀ العقل بحجیۀ الظن، وإلّا فالمرجع هو الأصل.
وهذا مراد المحقق الخراسانی ووجه عدوله إلی التقسیم الثنائی.
بأنّه لیس تقسیماً للمباحث الاصولیّۀ الواردة فی الکتاب، بل هو تقسیمٌ بلحاظ ما یترتّب علیها أحیاناً- «1» وقد اورد علی هذا التقسیم
کما لو ترتّب الیقین علی البحث عن حجیّۀ الخبر أو ثبوت الاستصحاب- والمفروض کون النظر فی التقسیم إلی أنْ یکون إجمالًا
لأبحاث الکتاب.
ثم قال فی الکفایۀ:
وإنْ أبیت إلّاعن ذلک، فالأولی أن یقال: إنّ المکلّف إما أن یحصل له القطع أوْلا، وعلی الثانی: إمّا أنْ یقوم عنده طریق معتبر أوْلا…
.«2»
أي: وإنْ أبیت عن التثلیث، فالأولی أن یقال فراراً من لزوم التداخل…
__________________________________________________
. 17 ، نهایۀ الأفکار ق 1 ج 3 ص 5 / 1) نهایۀ الدرایۀ 3 )
. 2) کفایۀ الاصول: 257 )
ص: 25
أقول:
وهذا التقسیم أیضاً مخدوش فیه، فإنه یرد علیه الإشکال- کما جاء فی حاشیۀ المحقق الإصفهانی أیضاً- بما حاصله:
إنّ هذا التقسیم یتناسب مع فهرست الکتاب الذي یذکر فی آخره للإطّلاع علی مطالبه، ولا یتناسب مع بحوثه، لأن المبحوث عنه فی
أخذٌ للحکم فی « إمّا أن یقوم عنده طریق معتبر أوْلا » : الکتاب هو حجیّۀ الإمارة، وأنّه هل هی حجّ ۀ أوْلا، لا الأمارة المعتبرة، فقوله
.«1» الموضوع، وهذا غیر صحیح
ویرد علیه أیضاً: إن الغرض من هذا التقسیم درج مباحث الحجج فی القطع بالحکم الظاهري، ولکنّ هذا ینافی ما ذهب إلیه من أن
المجعول فی مواردها هو المنجزیّۀ والمعذریّۀ ولیس الحکم الظاهري.
وأمّا الإیراد: بأنّ الحکم الظاهري مورده عدم العلم بالحکم الواقعی، فهو بطبعه فی طول الحکم الواقعی، فلو جعل التقسیم ثنائیّاً لجَمَع
بین العلم بالحکم الواقعی وعدم العلم به فی مقام التقسیم، ویصیر ما فی طول الحکم طبعاً فی عرضه وضعاً.
فیمکن دفعه: بأنّ قولنا: خبر الثقۀ حجۀ، یعمّ الخبر بلا واسطۀ والخبر مع الواسطۀ، مع أنّ الثانی فی طول الأوّل، ولا یصدق علیه العنوان
إلّابعد صدقه علیه.
__________________________________________________
.16 / 1) نهایۀ الدرایۀ 3 )
ص: 26
صفحۀ 28 من 204
تقسیم المحقّق الإصفهانی … ص: 26
وقسّم المحقق الإصفهانی حالات المکلّف تقسیماً ثلاثیاً- وهو فی الحقیقۀ رباعی- قال: فحقّ التقسیم أن یقال:
إن الملتفت إلی حکمه الشرعی، إمّا له طریق تامإلیه أوْلا. وعلی الثانی: إمّا أن یکون له طریق ناقص لوحظ لا بشرط- أيعن الاعتبار
وعدمه- أوْلا، وعلی الثانی: إمّا أن لا یکون له طریق أصلًا، أو یکون له طریق بشرط عدم الاعتبار.
.«1» فالأوّل هو القطع وهو موضوع التنجّز. والثانی هو الطریق المبحوث عن اعتباره وعدمه، والثالث موضوع الاصول
فالطریق التام موضوع للحجیۀ عقلًا، والطریق اللّابشرط موضوع للاعتبار وعدمه، لأنّه فی مباحث الظن إنما یبحث عن اعتبار الطریق
وعدمه، فالاعتبار وعدم الاعتبار یردان علی الطریق اللّابشرط بالنسبۀ إلی کلٍّ منهما، کالوجود حیث یعرض علی الماهیّۀ اللّابشرط
بالنسبۀ إلی الوجود والعدم، فالذي یطرء علیه الوجود هو الماهیّۀ اللّابشرط عنهما، وهکذا حال کلّ محمول بالنسبۀ إلی موضوعه،
فالحجیّۀ لا تحمل علی الطریق بشرط الاعتبار أو بشرط عدم الاعتبار، بل اللّابشرط. وکذا الاعتبار، فإنه یحمل علی الموضوع اللّابشرط
بالنسبۀ إلی الاعتبار وعدمه. وموضوع المقصد هو ما إذا عدم الطریق اللّابشرط، وهذا العدم یکون تارةً: مع وجود الطریق غیر المعتبر
کالقیاس، واخري: یکون حیث لا طریق أصلًا.
فموضوع الاصول العملیّۀ عدم الطریق اللّابشرط.
__________________________________________________
.17 / 1) نهایۀ الدرایۀ 3 )
ص: 27
الکلام حوله … ص: 27
إن هذا التقسیم- وإنْ سلم عمّا ورد علی تقسیم الکفایۀ من الإشکال بأخذ الحکم فی الموضوع- قد أخذ فیه الحکم فی الموضوع فی
طرف القطع، إذ وصفه بالطریق التام، والحال أنه سیبحث عن کیفیۀ طریقیّۀ القطع وأنّها ذاتیّۀ أوْلا.
قال الاستاذ فی الدورة اللّاحقۀ:
والظاهر عدم تمامیّته، لأنّ البحث عن کیفیّۀ الطریقیّۀ لا ینافی تمامیّۀ الطریق، فإن القطع علی أيّ حالٍ موضوع التنجّز.
والذي یرد علیه:
أوّلًا: إن التقسیم هو فهرست موضوعات المسائل المبحوث عنها، ولابدّ من لحاظ موضوع البحث فی کلّ مسألۀٍ عند التقسیم، فإن کان
الموضوع عقلیّاً، لزم تعیینه عن طریق العقل، وإنْ کان شرعیّاً فمن طریق الشرع. وفی الاستصحاب الموضوع هو الشک الملحوظ معه
الحالۀ السّابقۀ، بخلاف البراءة فهو الشکّ مع عدم لحاظها، فالموضوع فی المسألتین شرعی وهو الشک، وهو مأخوذ فی الأولی من
فظهر: أنّه لیس عدم الطریق اللّابشرط موضوع الاستصحاب والبراءة الشرعیۀ، بل .« رفع ما لا یعلمون » أدلّۀ الاستصحاب وفی الثانیۀ من
هو الشک، وأمّا فی العقلیّۀ، فالموضوع لحکم العقل عدم البیان.
وثانیاً: إنّ جعل الموضوع عدم الطریق اللّابشرط، مخدوش من جهۀ اخري، وذلک: لأنه یلزم أن یکون وجود الطریق اللّابشرط رافعاً
لموضوع الاصول العملیّۀ، لأنه نقیض عدم الطریق اللّابشرط، لأن نقیض کلّ شیء رفعه، والحال أن رافع موضوعها هو الطریق المعتبر،
أيالطریق بشرط الاعتبار.
ص: 28
.«1» وعلی الجملۀ، فإن هذا التقسیم أیضاً مخدوش کغیره من التقسیمات، لکنّه عند سیدنا الاستاذ أخفّها محذوراً
صفحۀ 29 من 204
أمّا شیخنا، فقد استوجه من بینها فی الدورتین تقسیم الشیخ ودافع عنه، وإنْ خدش فیه من حیث أن الشیخ جعل موضوع الاعتبار فی
المقصد الثانی هو الظن، والحال أن موضوع الاعتبار لیس الظن، بل هو خبر الثقۀ والشهرة ونحوهما، سواء حصل الظن أوْلا، فلم یکن
تقسیمه فهرساً للموضوعات فی المقاصد.
ثم قال دام بقاه- فی الدّورة السّابقۀ- إن الأحسن تغییر کلمۀ الظن فی التقسیم إلی: ما یمکن أن یکون معتبراً، وهو ما قاله الشیخ فی
أول بحث البراءة.
أقول:
وتلخّص: أن تقسیم الشیخ أحسن التقاسیم، والمراد من المکلّف هو الأعمّ من المجتهد والمقلّد، والمراد من الالتفات هو الأعم من
التفصیلی والإجمالی، فإنّ الإجمالی حاصل لغیر المجتهد بل التفصیلی قد یحصل له. هذا إذا کان المقصود هو الالتفات إلی مجاري
الاصول، وأمّا إن کان المراد بیان أحوال المکلّف تجاه الأحکام الشرعیۀ من دون النظر فی مجاري الاصول، فحالاته ثلاثۀ کما هو
واضح.
__________________________________________________
.10 / 1) منتقی الاصول 4 )
ص: 29
مباحث القطع