گروه نرم افزاری آسمان

الحدیث القدسی







صفحۀ 7 من 19
اشاره
یا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا علی لما خلقتک، ولولا فاطمۀ لما » : قال الله تعالی فی الحدیث القدسی لرسوله الکریم
9] . ما هو الفرق بین الحدیث القدسی وآیات القرآن الحکیم؟ الفرق بینهما: فی عدة مسائل، منها: (التحدي).. فان القرآن ] « خلقتکما
الکریم معجزة من عند الله سبحانه یحمل فی طیاته منهجاً متکاملًا لسعادة الدنیا والآخرة ویشتمل علی التحدي والاعجاز، التحدي من
جمیع الجهات: العلمیۀ والبلاغیۀ والاجتماعیۀ والاقتصادیۀ والسیاسیۀ والغیبیۀ …الخ. ثم إن التحدي لیس فقط بالقرآن ذاته وإنما
کذلک بالنسبۀ إلی من نزل علیه القرآن وهو النبی الأعظم. قال سبحانه وتعالی:قل لئن اجتمعت الإنس والجن علی أن یأتوا بمثل هذا
القرآن لا یأتون بمثله ولو کان بعضهم لبعض ظهیراً [ 10 ] . وفی آیۀ أخري قال عزوجل:أم یقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله
مفتریات وادعوا من استطعتم من دون الله إن کنتم صادقین [ 11 ] . وفی آیۀ ثالثۀ قال جل وعلا:وان کنتم فی ریب مما نزلنا علی عبدنا
فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءکم من دون الله إن کنتم صادقین [ 8] . ومن هنا تظهر صورة الاعجاز والتحدي فی القرآن الحکیم،
حیث عجز الناس بأجمعهم منذ نزل القرآن وإلی یومنا هذا من الإتیان حتی بسورة واحدة ولو بقدر سورة الکوثر. ویبقی القرآن
الکریم یحمل هذه الصفۀ إلی یوم القیامۀ، والتحدي کان ومازال وسیبقی إلی ما شاء الله. أما الحدیث القدسی فإنه صدر من الله
سبحانه وتعالی أیضاً ولکنه غیر مختص برسول الإسلام بل شمل العدید من أنبیاء الله وبالتعاقب ولم یحمل صفۀ التحدي والإعجاز.
وقد جمع بعض العلماء مجموعۀ من هذه الأحادیث القدسیۀ فی کتبهم: مثل العلامۀ المجلسی (قدس سره) فی کتابه القیم (بحار
الأنوار)، وفی بعض مؤلفاته الأخري أیضاً. ومثل الأخ الشهید [ 9] رضوان الله علیه فی کتابه (کلمۀ الله). أما کلمۀ (القدسی) [ 10 ] ، فإنها
تعنی (المُنَزّه) أي الذي لیس فیه عیب أو نقص، فالحدیث القدسی: هو الحدیث المُنَزّه والخالی من العیوب والنواقص. والأحادیث
القدسیۀ علی قسمین: بعضها قویۀ السند، أي تکون مرویۀ عن رسول الله والأئمۀ الأطهار (صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین) وذلک
بسند صحیح والتی ینقلها عنهم ثقاة الرواة. والبعض الآخر من الأحادیث مرسلۀ السند، أي مقطوعۀ السند ویکون مُرسلها ضعیفاً. فما
کان منها من القسم الأول فهو مورد القبول والاعتماد عند العلماء. أما القسم الثانی: فان کانت تحمل فی طیاتها نوعاً من الحکمۀ
والوعظ والإرشاد بما یعود علی الإنسان بالنفع والخیر، أو حکماً غیر إلزامی فتشمله قاعدة التسامح فی أدلۀ السنن [ 11 ] وما أشبه.. ولذا
فهی مورد قبول أیضاً. هذا بالإضافۀ إلی أن العدید منها قد تلقاها المشهور بالقبول وتلقی المشهور وعملهم جابر علی ما بین فی
الأصول، خاصۀ مع عدم ترتب حکم شرعی علیها، إذ أن الأحادیث القدسیۀ غالباً ما تأتی فی باب الأخلاق والآداب والحکم والسنن
الاجتماعیۀ والإرشاد إلی بعض المصالح والتحذیر من بعض المفاسد الکونیۀ والاجتماعیۀ والأخلاقیۀ ونحو ذلک. وعوداً علی بدء، فإن
للحدیث الذي صدرنا به الکتیب دلالۀ واضحۀ ساطعۀ علی عظمۀ أهل البیت وعلو مقامهم، وخاصۀ أساس شجرتهم المبارکۀ، وهم
فاطمۀ الزهراء وأبوها وبعلها وبنوها صلوات اللهم علیهم وعلی آلهم أجمعین.
معنی الحدیث
اشاره
إن الله سبحانه وتعالی یخاطب الرسول الأعظم ویقول: (یا أحمد: لولاك لما خلقت الأفلاك) فهو الغایۀ من خلق الأفلاك (ولولا
علی.. لما خلقتک) أنت..، (ولولا فاطمۀ الزهراء لما خلقتکما). وفی هذا الشطر الأخیر تظهر لنا قیمۀ الزهراء وعظمتها عند الله سبحانه
وتعالی وعند رسوله والأئمۀ الأطهار وما لها من الفضل الکبیر والتأثیر الوضعی والتکوینی علی خلق هذا الکون والناس أجمعین.. وقد
تطرقنا إلی هذا الحدیث القدسی بالذات لنتشرف بذکر بعض فضائل هذه السیدة الجلیلۀ التی قال فی حقها رسول الله: (ابنتی فاطمۀ
سیدة نساء العالمین) [ 12 ] .. وربما یخطر علی بال البعض هذان السؤالان:
صفحۀ 8 من 19
السؤال 01
هل أن الله (سبحانه وتعالی) بخیل والعیاذ بالله بحیث لو لم یکن الرسول لما خلق الکون والأفلاك والشمس والقمر والنجوم؟!! وإذا
وللجواب علی هذا السؤال نسأل: أولا: هل لله عزوجل هدف وغایۀ فی خلق ؟« لولاك لما خلقت الأفلاك » لم یکن کذلک فما معنی
هذا الکون بصورة عامۀ، والإنسان بصورة خاصۀ أم لا؟ الجواب: نعم. وثانیاً: ما هی هذه الغایۀ؟ الجواب: إیصال الإنسان للکمال
أي » المعنوي الرفیع کما یقول سبحانه وتعالی:وما خلقت الجن والانس إلا لیعبدون [ 13 ] . وثالثاً: هل الکمال حقیقۀ مشهودة للجمیع
أم خفیۀ؟ الجواب: انها حقیقۀ غیر ظاهرة للجمیع. ورابعاً: هل هذه الحقائق یمکن الوصول إلیها أم لا؟ « محسوسۀ بالحواس الظاهرة
الجواب: هذه الحقائق لا یمکن للإنسان عادة الوصول إلیها إلا بواسطۀ الدلیل والمرشد. خامساً: وما هو الدلیل ومن هو المرشد؟
الجواب: الدلیل هو القرآن الکریم، والمرشد هو النبی الأعظم وفاطمۀ الزهراء والأئمۀ الأطهار (علیهم الصلاة السلام). فإذا کان
کذلک، فالمحقق للغرض من الخلقۀ هو وجود الرسول وفاطمۀ الزهراء والأئمۀ الأطهار (صلوات الله علیهم أجمعین). فلولاهم لکانت
خلقۀ العالم ناقصۀ، والله عزوجل لا یخلق خلقاً ناقصاً ومن هنا قال تعالی: (لولاك لما خلقت الأفلاك..). أما إذا کان الله سبحانه یخلق
الإنسان دون أن یخلق معه الدلیل فانه لا یتحقق الغرض من خلقه وسیعنی ذلک نقص الخالق وعجزه والعیاذ بالله ویصبح خلق
الإنسان عبثاً، والله سبحانه منزه عن العبث [ 14 ] . وعلی هذا الأساس یکون خلق النبی الأکرم هو سبب خلق هذا الکون، وانه أول ما
خلق الله هو النبی وأهل البیت ومن ثم خلق الله سبحانه وتعالی هذا الکون بأجمعه من نورهم. فهم العلۀ الغائیۀ للتکوین کما یعبر عنه
انی ما خلقت سماءاً مبنیۀ ولا أرضاً مدحیۀ ولا قمراً منیراً وشمساً مضیئۀ ولا فلکاً یدور ولا بحراً یجري » : الحکماء. وفی حدیث الکساء
15 ] . وقال الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشریف): (نحن صنائع ربنا والخلق بعد ] « ولا فلکاً یسري إلا فی محبۀ هؤلاء الخمسۀ
صنائعنا) [ 16 ] . وجاء فی کتاب البحار للعلامۀ المجلسی (قدس سره) نقلًا عن کتاب الهدایۀ للشیخ الصدوق (رحمه الله) انه قال:
یجب أن نعتقد أن النبوة حق، کما اعتقدنا أن التوحید حق، وان الأنبیاء الذین بعثهم الله مائۀ وأربعۀ وعشرون ألف نبی،جاءوا بالحق »
من عند الحق، وان قولهم قول الله، وأمرهم أمر الله، وطاعتهم طاعۀ الله، ومعصیتهم معصیۀ الله، وانهم لم ینطقوا إلا عن الله عزوجل وعن
وحیه، وان سادة الأنبیاء خمسۀ علیهم دارت الرحی، وهم أصحاب الشرائع وهم أولو العزم: نوح وإبراهیم وموسی وعیسی ومحمد
(صلوات الله علیه وعلیهم)، وان محمداً سیدهم وأفضلهم، وانه جاء بالحق وصدق المرسلین،وان الذین آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا
النور الذي انزل معه أولئک هم المفلحون، ویجب أن نعتقد أن الله تبارك وتعالی لم یخلق خلقاً أفضل من محمد ومن بعده الأئمۀ
(صلوات الله علیهم)، وانهم أحب الخلق إلی الله عزوجل وأکرمهم علیه، وأولهم إقراراً به، لما أخذ الله میثاق النبیین فی عالم الذر
وأشهدهم علی أنفسهم ألست بربکم؟ قالوا: بلی. وان الله بعث نبیه إلی الأنبیاء فی عالم الذر، وان الله أعطی ما أعطی کل نبی علی قدر
معرفته نبینا وسبقه إلی الاقرار به. ونعتقد أن الله تباك وتعالی خلق جمیع ما خلق له ولأهل بیته (صلوات الله علیهم)، وانه لولاهم ما
17 ] . انتهی. ] «( خلق الله السماء والأرض ولاالجنۀ ولا النار ولا آدم ولا حواء ولا الملائکۀ ولا شیئاً مما خلق(صلوات الله علیهم أجمعین
وهذا الکلام المنقول عن الصدوق (قدس سره) هو خلاصۀ أحادیث وروایات کثیرة جاءت عن أهل البیت ترشدنا إلی انهم اساس
خلق الکون، وقد جعلهم الله الوسائط فی خلق العالم والعلۀ الغائیۀ له، کما انهم سبب لطف الله تعالی وافاضته علی العالم، وبهم استمرار
قیام العالم... وقد صرح بذلک فی مختلف الأدلۀ.. فلولاهم لساخت الأرض [ 18 ] . ولهم بما فیهم السیدة فاطمۀ الزهراء الولایۀ
التکوینیۀ إضافۀ إلی التشریعیۀ.. ومعناها أن زمام العالم بأیدیهم حسب جعل الله سبحانه، کما أن زمام الاماتۀ بید عزرائیل فلهم
التصرف فیها ایجاداً واعداماً، لکن من الواضح أن قلوبهم أوعیۀ مشیئۀ الله تعالی.. فکما منح الله سبحانه القدرة للإنسان علی الأفعال
. [ الاختیاریۀ منحهم القدرة علی التصرف فی الکون [ 19
السؤال 02
صفحۀ 9 من 19
مع أن الرسول الأکرم یمتلک الشخصیۀ العظمی؟ فلماذا یتعلق خلقه بخلق علی أمیر المؤمنین؟ وما ؟« لولا علی لما خلقتک » ما معنی
هی الرابطۀ الموجودة بینهما؟ والجواب علی ذلک: أن الإمامۀ المتجسدة فی أمیر المؤمنین هی الامتداد الطبیعی للنبوة، وان السلسلۀ
المترابطۀ الحلقات بین النبوة والامامۀ جعلت أمیر المؤمنین المحقق للغرض من خلق الرسول، لأن النبی الأعظم جاء لیهدي الناس إلی
الإسلام ویوصلهم إلی الکمال المنشود.. ولکن عمر النبی محدود ولا بد أن یکون بعده من یواصل الدرب، بالاضافۀ إلی أن أغلب
الناس لا یصلون إلی الکمال دفعۀ واحدة، وإنما لا بد من التدرج.. إذاً کان ولا بد من وجود محقق آخر بمثابۀ المکمّل والامتداد بعد
وفاة النبی، وهو الوصی لرسول الله والإمام من بعده علی بن أبی طالب.. مضافاً إلی انه قد تآمر قوم علی دین رسول الله وأخذوا
بتحریف الإسلام، فلولا علی لما تبین الحق من الباطل.. فلذلک خلق الله سبحانه وتعالی (علیاً) لکی یقف أمام الانحراف والتفرق
والاختلاف الذي سیحصل فی الأمۀ بعد رحیل الرسول الأکرم.. ولولا وجود أمیر المؤمنین لذهبت جمیع الجهود التی بذلها الرسول
الأعظم فی نشر الرسالۀ الإسلامیۀ سدي، ولرجع الناس إلی الجاهلیۀ الجهلاء مرة اخري، ولعم التحریف والإعتقادات الباطلۀ مثل
التجسیم والجبر والتفویض وما أشبه ذلک، ولسادت العالم الإسلامی الأفکار والمعتقدات التی جاء بها معاویۀ واشباهه فیما بعد
الرسول لیهدروا جهد ومتاعب النبی الأعظم فی نشر الدین الإسلامی الحنیف، واتباع سننه وتطبیق مبادئه، سواء فی الأحکام الشرعیۀ
أو التعامل مع الآخرین حکومۀ وشعباً.. وبذلک لا تکون فائدة مرجوة من وجود الدین الإسلامی، وتصبح بعثۀ النبی التی لم تصل إلی
الغایۀ التامۀ لا فائدة منها.. وهنا تظهر ضرورة وجود الإمام علی (علیه الصلاة والسلام) حیث نزلت فی شأنه آیۀ اکمال الدین یوم الغدیر
عندما نصب رسول الله علیاً خلیفۀ من بعده بأمر من الله تعالی، فقال عزوجل: الیوم أکملت لکم دینکم وأتممت علیکم نعمتی ورضیت
لکم الإسلام دینا [ 20 ] . فکان الإمام علی واقفاً بما للکلمۀ من معنی إلی جانب الرسالۀ الإلهیۀ لحمایتها وصونها من کید المنافقین..
قال سبحانه: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم علی أعقابکم [ 21 ] . والله سبحانه وتعالی أراد من
الآیۀ الکریمۀ انه لا یجوز أن یترك دین الله، سواء کان الرسول بین أظهر الناس أم لم یکن [ 22 ] . وفعلًا کان للإمام أمیر المؤمنین دور
فأنا »: کبیر واساسی فی الوقوف أمام نوایا المنافقین والکافرین والغاصبین وفی حفظ الإسلام من الانحراف والضیاع. وقد ورد عنه قوله
23 ] . وعن ابن عباس قال: رأیت رسول الله یوم فتح مکۀ متعلقاً بأستار الکعبۀ وهو ] « فقأت عین الفتنۀ ولم یکن لیجرأ علیها أحد غیري
یا محمد أو لیس قد أیدك الله بسیف من سیوف الله مجرد » : یقول: اللهم ابعث لی من بنی عمی من یعضدنی، فهبط علیه جبرئیل فقال
. [24] « علی أعداء الله؟ یعنی بذلک علی بن أبی طالب
مشاهد من التأریخ
ولقد جمع معاویۀ بن أبی سفیان حوله مجموعۀ من الذین لا یخافون الله وکانوا من أهل الدنیا.. فکوّن بهم اسلاماً خاصاً به ونظاماً
أسوأ حالًا من الجاهلیۀ، وبفضل هذا الإسلام السفیانی أخذ الناس یقتل بعضهم بعضاً باسم الدین، ومن جملۀ ما فعله معاویۀ: انه أحرق
فی الیمن أربعین ألف مسلم وذلک باسم الدین. ولولا وقوف أمیر المؤمنین بوجه معاویۀ لکان الدین الإسلامی وسیلۀ لتحقیق الظلم
والجور واستغلال ونهب حقوق الآخرین. فإن العقل والمنطق یؤید هذا الحدیث القدسی (السابق الذکر)؛ إذ لولا مجیء أمیر المؤمنین
والأئمۀ المعصومین بعد الرسول الأکرم لما عرف الناس حقیقۀ الإسلام، ولظنوا أن الإسلام یتمثل بالانحراف الأموي حیث جعل بنو
أمیۀ من الإسلام وسیلۀ لخدمۀ أغراضهم الدنیویۀ واشباعاً لرغباتهم وأهوائهم.. ولولا أهل البیت لانطمست معالم الدین الحنیف
وانطفأت أنواره ولساد فی المجتمع الإسلامی اعتقاد مفاده أن الدین هو هذا الظلم والجور والانحراف الأموي، وذلک لأن الناس
المعاصرین لحکومۀ بنی أمیۀ لم یروا السنۀ الحسنۀ التی جسدها رسول الله فی بناء المجتمع الإسلامی. فهل جرائم معاویۀ وأمثاله کانت
من سنۀ رسول الله؟ کلا.. فانهم کانوا یعلنون الفساد والانحراف والابتعاد عن أحکام الدین، وکانوا یشربون الخمور ویقتلون الأبریاء
بغیر ذنب ویهتکون الأعراض والحرمات، وکل ذلک باسم خلافۀ رسول الله ولم یکونوا لیکتفوا بذلک، بل کانوا یزعمون بأنهم (ظل
صفحۀ 10 من 19
أن الحمر قد ازدادوا » : الله فی الأرض) وان أفعالهم کلها صحیحۀ ومطابقۀ للشرع.. وقد نقل عن معاویۀ انه قال یوماً للمغیرة بن شعبۀ
. [25] « وقد فکرت أن أقتل ثلثهم
استمرار المؤامرة
لکن الإمام أمیر المؤمنین وقف بوجه خط معاویۀ وحفظ الإسلام من الانحراف.. أما بعد شهادة الإمام أمیر المؤمنین، فمن الذي سیقف
طول التاریخ أمام الحکام الذین یلعبون بمقدرات الأمۀ وباسم الإسلام کالأمویین والعباسیین؟ ومن هنا کانت الحاجۀ ماسۀ إلی الأئمۀ
الأطهار المعصومین فلولاهم لمسخ الدین کله ولذهب أتعاب رسول الله وأمیر المؤمنین هباءاً.. فتبین لنا دور فاطمۀ الزهراء کحقیقۀ
ولولا فاطمۀ لما » : کبري وضرورة ملحۀ فی الحکمۀ الإلهیۀ من وراء الخلق وهو مما یفسره لنا المقطع الثالث من الحدیث القدسی
هذا بالاضافۀ إلی أن الصدیقۀ الطاهرة کان لها الدور الاساسی فی فضح الذین حکموا باسم الإسلام، ولولا مواقفها المشرفۀ .« خلقتکما
لالتبس الأمر علی عموم المسلمین.. فکانت من حفظۀ دین رسول الله مباشرة.
عظمۀ الزهراء
للسیدة فاطمۀ الزهراء دور کبیر فی بناء وتدعیم قواعد الدین الإسلامی وتثبیت أرکانه، إذ یقول سبحانه وتعالی فی الحدیث القدسی:
فالزهراء هبۀ إلهیۀ وعطیۀ ربانیۀ للرسول الأعظم [ 26 ] ، ومزید نعمۀ وهی سر الإمامۀ، ومحور خلق الأئمۀ .« ولولا فاطمۀ لما خلقتکما »
المعصومین..إذ انها أنارت الحیاة، وأقامت الدین الحق بأبنائها المعصومین (صلوات الله وسلامه علیهم) وبمواقفها التاریخیۀ.. والی یومنا
هذا تري الإسلام محفوظاً بفضل وجودها ووجود آخر أئمۀ الهدي صاحب العصر والزّمان الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشریف)
وهو برکۀ من برکات الصدیقۀ الطاهرة، علیها وعلی أبنائها أفضل الصلاة والسلام.. وهناك أحادیث کثیرة وربما متواترة توضح مقام
الزهراء وقد رواها الفریقان فی مختلف کتبهم. کما أن تعظیم مقام الزهراء تعظیم لمقام النبوة، وتعظیم للقیم الدینیۀ التی أنزلها الله
سبحانه.
الزهراء نور الله
خلق الله نور فاطمۀ قبل أن یخلق الأرض والسماء. فقال بعض الناس: یا نبی الله فلیست هی إنسیّۀ؟ فقال: فاطمۀ حوراءُ »: قال رسول الله
إنسیّۀ. قالوا: یا نبی الله وکیف هی حوراء إنسیّۀ؟ قال: خلقها الله عزوجل من نوره قبل أن یخلق آدم؛ إذ کانت الأرواح، فلما خلق الله
عزوجل آدم عُرضت علیه.. قیل: یا نبی الله وأین کانت فاطمۀ؟ قال: کانت فی حقّۀ تحت ساق العرش. قالوا: یا نبی الله فما کان
طعامها؟ قال: التسبیح والتهلیل والتحمید، فلما خلق الله عزوجل آدم وأخرجنی من صلبه أحب الله عزوجل أن یخرجها من صلبی،
جعلها تفّاحۀ فی الجنۀ وأتانی بها جبرئیل فقال لی: السلام علیک ورحمۀ الله وبرکاته، یا محمد! قلت: وعلیک السلام ورحمۀ الله
حبیبی جبرئیل. فقال: یا محمد إن ربک یُقرؤك السلام. قلت: منه السلام والیه یعود السلام. قال: یا محمد إن هذه تفاحۀ أهداها الله
عزوجل إلیک من الجنۀ. فأخذتها وضممتها إلی صدري. قال: یا محمد یقول الله جل جلاله کلها. ففلقتها.. فرأیت نوراً ساطعاً ففزعت
منه. فقال: یا محمد مالک لا تأکل؟ کلها ولا تخف فإن ذلک النور للمنصورة فی السماء وهی فی الأرض فاطمۀ. قلت: حبیبی جبرئیل
ولم سمیت فی السماء المنصورة وفی الأرض فاطمۀ؟ قال: سمیت فی الأرض فاطمۀ لأنها فطمت شیعتها من النار وفطم أعداؤها عن
حبها، وهی فی السماء المنصورة وذلک قول الله عزوجل: ویومئذ یفرح المؤمنون بنصر الله ینصر من یشاء وهو العزیز الرحیم [ 27 ] یعنی
28 ] . وقد أنشد المرحوم والدي [ 29 ] (قدس الله نفسه الزکیۀ) قصیدة رائعۀ وطویلۀ لمولدها المبارك، وهذه ] « نصر فاطمۀ لمحبیها
بعض أبیاتها: درة أشرقت بأبهی سناها فتلألأ الوري فیها بشراها القلل لمع الکون من سنا نور قدس بسنا ناره أضاء طواها یا لها لمعۀ
صفحۀ 11 من 19
أضاءت فأبدت لمعات أهدي الأنام هداها
سیدة نساء العالمین
کانت الزهراء فی بدایۀ تکوین المجتمع الإسلامی فی المدینۀ المنورة صغیرة السن ولما تکمل عامها الثامن، إلا انها کانت عارفۀ واعیۀ
بالعلم الربانی اللدنی وبالعصمۀ الإلهیۀ التامۀ، بحیث أنها أدت دوراً مهماً فی نشوء المجتمع الإسلامی الجدید، وامتازت بإخلاصها
الشدید وتفاعلها مع الأحداث واستیعابها للرسالۀ السماویۀ.. وبالرغم من وجود نساء أخریات فی بیت الرسول الأکرم، لکنها نالت مرتبۀ
سامیۀ وعالیۀ عند الله سبحانه وتعالی وفی المجتمع الإسلامی، وذلک بفضل اصطفائها من عند الله وإخلاصها وزهدها وعبادتها
وإنفاقها وجهادها وصبرها وتحملها فی سبیل الله... فأدت الدور الملقی علی عاتقها بأحسن وجه، فاستحقت أن تکون سیدة نساء
العالمین من الأولین والآخرین. وفی الحدیث عن المفضل قال: قلت لأبی عبد الله: أخبرنی عن قول رسول الله فی فاطمۀ انها سیدة نساء
. [30] « ذاك مریم کانت سیدة نساء عالمها، وفاطمۀ سیدة نساء العالمین من الأولین والآخرین » : العالمین أهی سیدة نساء عالمها؟ فقال
فاستحقت الزهراء أن یکون وجودها شرطاً لوجود الرسول الأعظم وأمیر المؤمنین (علیهما الصلاة والسلام) کما جاء فی الحدیث
القدسی، حیث کان لها الدور المکمّل والمتمم فی بناء المجتمع الإسلامی والحفاظ علی بقاء الإسلام وفی تحقیق الغایۀ من خلق
الإنسان وخلق الرسول الأعظم؛ إذ لولا فاطمۀ لما خلق الأئمۀ من ذریۀ رسول الله فی هذا العالم، وعدم وجود الأئمۀ یعنی ابطال الغرض
من وجود النبی وابطال وجود الإسلام معاً، وهذان أیضاً بدورهما یسببان إبطال وجود الإنسان أیضاً.. ولذا فانه لولا فاطمۀ لما اصبح
للنبوة امتداد ودیمومۀ، فهی سر الامامۀ، مضافاً إلی ما سبق من کونها وقفت امام المؤامرات التی حدثت بعد النبی.
اسوة و قدوة حسنۀ
إن المتتبع لسیرة السیدة فاطمۀ الزهراء یجد انها مدرسۀ متکاملۀ فی مختلف أبعاد الحیاة.. فینبغی أن تکون قدوة لجمیع النساء بل وحتی
الرجال.. فهی التی وقفت مع أبیها فی تبلیغ الدعوة الإسلامیۀ، وتحملت أذي مشرکی قریش مع الثلۀ القلیلۀ من المؤمنین فی شعب أبی
طالب، وتحملت صعوبۀ الهجرة من مکۀ إلی المدینۀ. ووقفت أیضا بجانب أمیر المؤمنین الذي أرسی دعائم الإسلام.. فکانت
المجاهدة والمهاجرة. وتحملت أیضاً الآلام وقساوة الظروف الصعبۀ جرّاء طلاقها للدنیا واختیارها الآخرة، کما تزوجت بأمیر المؤمنین
علی لتشارك فی إسناد الرسالۀ والإمامۀ معاً وإرساء قواعد المجتمع الإسلامی ونشر الدعوة الإلهیۀ بجانب أبیها وبعلها الذي نذر نفسه
لله تعالی. وهذا خیر مثال یقتدین به النساء المسلمات.
الحیاة الزوجیۀ